![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يا خالتي أريد أمي
![]() بسم الله الرحمن الرحيم
يا خالتي أريد أمي ...... الفصل الأول هذه هي الحياة ، يولد الإنسان ، ثم يكبر ، ثم يشب ، ثم يتزوج وينجب ، وتستمر التربية إلى أن يموت الإنسان ، فهذا أحمد بن محمد ، عاش في قرية صغيرة ، عاش بين أحضان والديه ، وفي منزل أبيه ، تربى مع أهله وأحبابه ، وبين زملاءه وأصحابه ، هاهو يكبر أمام ناظري والديه ، إلى أن شب وأصبح يعتمد عليه ، سافر مع أصحابه ، بعدما ودع أهله وأحبابه ، يبحث عن رزقه ، يبحث عن وظيفة له ، لقي وظيفته التي تناسبه ، وظيفة في فرع من شركة تجارية كبيرة ، في مدينة كبيرة ، تبعد عن قريتهم من مائة وخمسين إلى مائتين كيلو متر تقريبا ، دخلها بسيط ، باشر فيها ، وتشبث بها ، وبعد مرور عام من الزمن . اتصل عليه والده وقال له ولدي أريد أن أفرح بك ، لابد لك من الزواج ، أحمد : ولكن يا أبي دعني أكون نفسي ، وآخذ وقتا كافيا في وظيفتي . والده : دعك من الكلام الغير مفيد ، أحمد : حسنا يا أبي ، والده : إذن يا بني على بركة الله ، عليك أن تأخذ إجازة بعد ثلاثة أشهر . أخذوا في الترتيبات ، وأعدوا التجهيزات ، خطبوا له ابنة عمه ، التي من لحمه ودمه ، تلك اليتيمة ، تلك الوحيدة ، تلك التي لم يتزوج والدها بعد وفاة أمها ، من أجل تربيتها ، إنها مريم ابنة عمه سعيد ، فهي وحيدة أبيها ، من تطبخ له ، من تعطيه الدواء ، من تهتم به ، حددوا موعد الزفاف ، وأخذ في شراء الخراف ، ويأتي الوقت الحاسم ، ويأتي موعد الزواج ، فرح أحمد ، ولا أحد منه في ذلك اليوم أسعد ، وبعد أن زفت عروسته ، وأخذ زوجته ، وذهب إلى عش الزوجية ، قضوا ذلك اليوم في سعادة وهناء ، جلسوا في القرية ثلاثة أيام ، ثم سافروا بعدها إلى المدينة التي بها وظيفة أحمد ، استقروا في شقة بسيطة هنالك ، أجارها معقول بالنسبة إليهم ، 10.000 ريال تقريبا ، وبعد شهرين تقريبا ، تحمل تلك الفتاة ، زادت السعادة ، واكتملت الفرحة ، يا لسعادة أحمد ، ويا لفرحة أحمد ، تمر الأيام والشهور ، ويبدأ العد التنازلي ، تأتي موعد الولادة ، يخرج ذلك الطفل يبكي ، والكل حوله ضاحك وفيه يحكي ، يا لجمال ثغره ، يا لجمال عينه ، يا لجمال شكله ، يخرج الأم والأب حاملين طفلاً وليداً ، حاملين ضيفاً جديداً ، حاملين البهجة معهم ، حاملين من سيضحكهم ، إنه خالد ، من سيتكرر اسمه ، من سيكثر بكائه وضحكه ، عندها زاره والده وأمه ، وفرحوا معهم ، وعندما أرادوا الرحيل في اليوم التالي ، عزموا على الذهاب بعد أن صلوا صلاة الفجر ، وعند الرحيل وبينما أحمد يودع عائلته قال له والده : الآن يا بني أصبحت أبا ، الآن أصبحت لديك عائلة ، فإذا غادرنا هذه الدنيا فهذه عائلتك ، لا تفرط فيها ، قال أحمد : أطال الله في عمرك يا والدي ، لا حاجة أن تقول هذا الكلام ، والده : لا يا بني لابد أن تسمع هذا الكلام مني عاجلا أو آجلا ، ذهبوا بعد الوداع متجهين إلى منزلهم ، وبعدما رحلوا ، إذا باتصال يأتي في الساعة العاشرة صباحا من رقم أبيه ، رد أحمد بتلهف وشوق ، هل وصلتم ، ولكن الصوت غريب ، ثم قال من معي ، أجاب المتصل ![]() |
![]() |
#2 |
![]() ![]() |
![]() الفصل الثاني :
أنا محمد ابن خالك ، أحمد : لماذا هاتف أبي معك ، وهو في دهشة وذهول ، محمد : تمالك أعصابك ، فقد وقع حادث لأحبابك ، أحمد : ماذا تقول ! هل أنت جاد ، لا مستحيل ، قل غير هذا أرجوك ، قل غيره ، محمد : لكن هذا هو الواقع ، والحق أبويك فقد نقلوا إلى المستشفى العام بقريتنا ، أحمد : وهل هم بخير؟ محمد : إن شاء الله ، ولكن الحق بهم ، أخذ أحمد زوجته وابنه ، واتجه مباشرة إلى قريتهم ، وصلوا إلى هناك مع أذان صلاة العصر ، ذهبوا إلى المستشفى مباشرة ، كل أقاربه مجتمعون ، وأمام المستشفى يبكون ، ذهب مسرعا سائلا : أقاربه أحمد : أين أبي ؟ أين أمي ؟ ما بالكم تبكون ؟ إنهم بخير أليس كذلك ؟ ولا أحد يرد عليه ، تركهم وذهب مسرعا إلى الطوارئ وهو يصيح : أبي ، أمي ، سأل الممرضة هناك ، وأخبروه بغرفة والديه ، وعندما وصل ، كان ملك الموت قبله قد وصل ، وأخذ أرواحهم ورحل ، نظر إلى أبيه وأمه وقد غطى الطبيب على وجهيهما بشرشف أبيض ، بدأت تقل خطواته إلى والديه ، وأصبحت رجليه لا تستطيع أن تحمله ، يمشي قليلا ثم يسقط ، ثم يقوم ويمشي مرتكزا بيديه على الحائط ، وصل إلى أبيه ، ورفع اللحاف عن وجه أبيه وأمه ، وبدأ يبكي ، ويزيد في البكاء ، أبي هل أنت كما يقولون ميت ، أم أنت نائم يا أبي ، نعم أنت نائم ، ولكن استيقظ فأنا ابنك أحمد ، أمي استيقظي أرجوك ، أبي قم أرجوك ، أمي أرجوك انظري إلي ، أمي أتيت بحبيبك ، أمي أتيت بخالد ، يتنقل في الغرفة بين أمه وأبيه ، ولم يصدق من حواليه ، دخل محمد ابن خاله ، محمد : أحمد اتق الله ، واصبر فهذا مصير كل حي ، إن العين لتدمع ، وإن القلب ليحزن ، ولكن ما نقول إلا ما يرضي ربنا إنا لله وإنا إليه راجعون ، أحمد : ولكنهم لم يموتان ، والآن سيستيقظان ، محمد : اهدأ يا أحمد أرجوك ، أحمد : لا لا لم يموتان ، أمي وأبي الحبيبان ، محمد : أين إيمانك يا أحمد ، اصبر واحتسب ، أحمد : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أكمل محمد إجراءات الخروج من المستشفى ، والغسيل والدفن ، وبعد صلاة المغرب ، أخذ الأمام ينادي : الصلاة على الميت والميتة يرحمكم الله ، صلى عليهم جماعة المسجد ومن بينهم ابنهم ، يدعو لهم ويبكي ، وقلبه يتقطع ويدمي ، وبعد أن فرغوا من الصلاة ، أخذ هو وأقاربه يحملون والديه ، إلى مقرهم الأخير ، إلى القبر ، حملوهم في سيارة كبيرة ، ودموعه تسيل على خديه ، حزين ويبكي على فراق والديه ، وصلوا إلى المقبرة ، اتجهوا نحو تلك الحفرتين المتجاورتين ، حيث سيوضع فيهما والديه الحبيبين ، عندما وضعوا والده ، وأنزلوه ووضعوه في لحده ، وأخذوا يحثون التراب عليه ، وأحمد من بينهم ، وهو يبكي بكاء شديدا ، وانتقلوا إلى أمه ، وانكب أحمد يبكي عليها ويصيح ، والكل يذكره بالله ، أخذوها من بين أحضانه ، وهو متمسك بها ، يجذب كفنها وأقاربه ينتزعونه من بين يديه ، وأنزلوها إلى قبرها ، حينما وليدها ودعها ، أخذ يصيح بصوت عال ، أحقا مات أبي ، أحقا رحلت أمي ، أحقا رحل الكوكبان ، أحقا مات الحبيبان ، وحينما انتهوا من دفنهما ، قام أحمد يدعوا لهما ، ومن ثم انصرف وودعهما ، ذهب إلى منزلهما ، من أجل أن يستقبل عزاهما ، وفي قرابة الساعة الثانية عشرة تقريبا ، انصرف الجميع ، ولم يبق إلى هو وزوجته وولده ، أخذ يجول في البيت ، يتذكر يوم أن كان صغيرا ، وأمه وأبيه يلهون معه ، يطعمونه ، يسقونه ، إذا مرض يهلعون ، وإذا تعافى يفرحون ، يضحكون لضحكاته ، ويحزنون على بكائه وصيحاته ، لهما في كل زاوية ذكرى ، ولهما في كل البيت مرأى ، يفتح غرفتهما ويبكي على فراقهما ، أبي أمي لماذا تركتموني وحيدا ، لماذا تخليتم عني ، لم ذهبتم بهذه السرعة ، زوجته تقول له مريم : هذا قضاء الله وقدره ، أحمد : في الصباح كانا معنا ، كانا فرحين بولدنا ، لماذا غادروا بهذه السرعة ، زوجته مريم : هذا أمر الله ، اصبر واحتسب وادع الله أن يجعل مثواهم الجنة ، يكفف أحمد دموعه ، ويذهب إلى فراشه ليرتاح قليلا ، ولكن صورة أبيه وأمه لا تفارقه لحظة واحدة ، وبينما تعرض الصور على مخيلته ، ويبحر في أفكاره ، إلى أن داهمه النوم ، ونام ولم يشعر إلى في الصباح ، عندما توافد الأقارب من أجل تكملة العزاء ، ويمر هذان اليومان ، وهو مرهق تعبان ، ويجلس في منزل والديه بعد العزاء أربعة أيام ، قبل أن يغلق منزلهما وينسى بالتمام ، غادروا بعد هذه الأيام ، وأقفل ذلك المنزل مع تلك الذكريات ، وينسى ما كان فيه من لحظات ، ويذهب أحمد إلى شقته ، وبعد أن وصل إلى مستقره ، وبعد يومين تقريبا ، إذا بطارق يطرق الباب ، يفتح أحمد الباب ، من هو يا ترى ؟ |
![]() |
![]() |
#3 |
![]() ![]() |
![]() الفصل الثالث :
وإذا به عمه غرم الله ، أهلا بالعم غرم الله ، وبعدما نشد أحمد عمه عن الحال ، أخذ عمه بطرح الموضوع الذي جاء من أجله ، وقال عمه غرم الله : أحمد أعلم أنك حزين على فراق أبويك ، وأنا أتيت لأجل موضوع أخرته إلى الآن ، وهو أن والدك رحمه الله قد استدان مني مبلغا من المال من أجل زواجك ، إنه مبلغ قدره 20.000 ألف ريال ، أحمد : ماذا تقول يا عم ؟ عمه غرم الله : هذا الصحيح يا بني وأنا أريد المبلغ خلال الشهرين القادمين ، أحمد : حسنا يا عم ، سأحاول قدر المستطاع أن أوفر لك المبلغ ، عمه غرم الله : إذا إلى اللقاء يا بني ، أحمد : استرح معنا يا عم ، عمه غرم الله : لا يا بني لدي أشغال وإنما أتيت أخبرك بهذا الموضوع ، أحمد : إذا إلى اللقاء يا عم ، أصبح في هم ، وأصابه الغم ، فها قد بدأت تزداد المسؤوليات ، وبدأت تكثر على أحمد الطلبات ، لم يكف أجار بيته ، ومصروف أهله ، الآن يحمل ديون أبيه ، كان يشكي إلى زوجته ، وهي تواسيه وتصبره دون أن تقدم له الحلول ، يكبر خالد ، وأبوه يلهوا معه ، بدأ يمشي قليلا ، وأبوه فرحا مسرورا ، يفرح ويخفي في قلبه الأحزان ، ويبتسم ويخفي في صدره الأكدار ، كان لديه صديق في العمل ، إنه سعد ومقرب إلى قلبه من بقية زملائه ، أخذ يحكي له أحواله شيئا فشيئا ، وطلب منه سلفا مقداره عشرة آلاف ريال ، وافق وأعطاه المبلغ ، كان سعد دائما يقول لأحمد : أنت استعجلت في تكوين الأسرة ، واستعجلت في إنجاب ولد ، أحمد : إذا ما العمل ، وما هي الطريقة ، أصبح الآن لدي ديون ، والكل يطالبني بجنون ، أبي رحل وتركني أحمل عنه ديونه ، وزادت مسئوليات ولدي خالد ، سعد : لا بأس يا أخي ولا تيأس وإذا أردت أي شيء فأنا مستعد ، أحمد: شكرا يا سعد ففضائلك علي بعد الله كثيرة ، سعد : أنا أخوك يا أحمد فلا تقل هذا الكلام ، فأخذ أحمد كل بعد فترة يستدين من سعد ، ويستلف من البنوك ، كثرت عليه الديون ، فأصبح مهموما ، دائما عبوس الوجه ، لا يريد أحدا أن يكلمه ، لا زوجته ، ولم يعد يهتم بابنه ، ولكن الأيام أخذت تنسيه شيئا فشيئا ، فهو يتأرجح بين الضحك والبكاء ، وبين الهم والفرج ، وتمر الأيام ، وتجري الشهور والأعوام ، وبعد 7 سنين من هذه الأخوة ، من هذه الصداقة ، بعد أن كبر خالد ، وهو في أول سنة من الدراسة ، ازدادت المسئولية كثيرا ، وفي ذات يوم من الأيام ، عندما كان أحمد يشكي لسعد همومه كالعادة ، إذا بسعد يحكي هم أخته التي تقدمت في العمر وهي لم تتزوج إلى الآن طرأت عليه فكرة وقال : عندي لك حل ؟ أحمد : وما هو ؟ سعد : عندي أخت معلمة ، إذا أردت أن تتزوجها ، منها تفرحها وتسعدها بالزواج وهي تساعدك بما تستطيع ، أحمد : ماذا تقول أتزوج مرة أخرى ؟ هل جننت ؟ لم أستطع أن أقوم بمصروف واحدة ، وتريدين أن أخذ الثانية ؟ سعد : اسمع لا ترد الآن فكر ورد لي بعد يومين ، أحمد : أتزوج على حبيبتي غير معقول ! وذهب إلى البيت ، وقال لزوجته ، ما أنت فاعلة لو تزوجت عليك ، قالت : بالله ما ترى أني فاعلة ، سأدعو لك بالتوفيق ولكن لن أبقى معك ولكن أنت لن تستطيع الزواج وأنت بحالتك هذه ، فبالله عليك هل طرأت عليك هذه الفكرة ، أحمد : لا ، لا وإنما أمازحك يا أم خالد ، وبعد يومين أتى إلى سعد وقال له : اعذرني يا أخي لا أستطيع الزواج ، سعد : إذا براحتك ، ولكن أنت الآن ترفس النعمة بقدمك ، فلديها شقة واسعة ، ستريحك من الاجار ، أحمد : فز من مكانه ، وقال لا أريد لأن زوجتي لن تبقى معي ، لا أريد هذه وصية أبي ، هل تريد أن تهدم بيتي ، سعد : أنا لا أريد أن أهدم بيتك ، ولكن أنت ستهدمه بنفسك ، زواجك هذا ليس فيه مضرة لزوجتك ، وإنما لمصلحتك ومصلحتها ، ولو كان أبوك حيا لوافق على هذا الأمر ، وإذا زوجتك تحبك ستفعل كل شيء من أجلك ، أحمد : لا أريد يا أخي ، عندها انقلب سعد ، ذلك الصديق الودود ، إلى عدو لدود ، وقال اسمع أريد أن تنساني إلى الأبد ، ورد إلي مالي الذي استلفته مني خلال هذا الأسبوع ، أحمد : ماذا ، ماذا تقول يا سعد ، سعد : هذا كلامي الأخير ، انتهى كل شيء بيننا ، صدم أحمد لهول هذا الموقف ، أخذ يحدث نفسه ، يا الله ما هذه المصيبة التي لم تخطر على البال ، لقد استلفت منه مبلغا كبيرا ، كيف أؤمنه في هذه الفترة الوجيزة ، ذهب إلى البيت مصدوما من هول ما سمع ، ولم يصدق ما حدث ، أخذت زوجته تنادي يا أبا خالد ، هلم إلى الغداء ، وهو لا يريد أي غذاء ، أتت إلى غرفة النوم وهو نائم ، تركته ينام ، وأغلقت عليه الباب ، استيقظ لصلاة العصر ، صلى وعاد البيت ، وعاد إلى غرفته ، وعندما أذن لصلاة المغرب ، انطلق إلى الصلاة ، وبعدها عاد إلى أهله ، أخذ يتكلم معهم ، ويلعب مع ابنه ، ليزيل بعضا من همه ، وصلى العشاء وأتى يريد العشاء ، قد أنهكه الجوع ، أكل ونام ، وفي اليوم التالي ، لم يذهب إلى الدوام ، وزوجته تسأله : هل أنت على ما يرام ، أحمد : قال نعم ، ولكن أريد أن ارتاح قليلا ، أخذ يفكر في الأمر ، ويبحث فيه من شتى زواياه ، وبنهاية اليوم ، توصل إلى القرار ، وعزم على الإقدام عليه بكل إصرار ، وسأل زوجته قائلا : لو فعلت أي شيء لمصلحتنا هل ستغضبين مني ؟ قالت : لا ، ولماذا أغضب ، عندها اطمئن قلبه ، وارتاح قليلا ، وفي اليوم التالي ، ذهب إلى الدوام ، وأخذ يبحث عن سعد ، وجده على المكتب ، يتصنع الحزن ، سلم عليه أحمد ، ولم يرد السلام ، ما بالك يا صديقي ، هل أنت غاضب مني ، وهو لا يريد الكلام ، إذا براحتك ، ولكن لو طلبت زيارتكم اليوم هل ستستقبلني أم لا ؟ فز سعد من مكانه سعد : هل أنت جاد ؟ أحمد : نعم ، سعد :إذا وافقت على الأمر الذي طلبته منك ، أحمد : نعم ، هنا عادت المياه إلى مجاريها ، وبنهاية الدوام همس سعد إلى أحمد وقال : لا تتأخر نحن بانتظارك بعد صلاة المغرب مباشرة ، إن شاء الله ، بدأ العد التنازلي ، قبل صلاة المغرب أخذ أحمد يجهز نفسه ، لبس أجمل الملابس ، وتعطر وتبخر ، قالت له زوجته : يا الله كأنك عريس ، أحمد : أنا عريسك أنت فقط ، لن يشاركني فيك أحد ، هل تريدين شيئا ، زوجته : نريد سلامتك ، أحمد : إلى اللقاء ، وصل البيت ، أخذ سعد ووالده وأخوه سالم ( مدرس بإحدى المدارس الابتدائية بالمنطقة ) ، يرحبون بأحمد ، بعد الترحيب ، أخذ أحمد في الكلام مع والد الفتاة من أجل خطبتها ، وافق والدها واتفقوا على الصداق وكل ما يلزم الزواج ، ولكن أحمد كان عنده شرط أن يتزوج في السر ، رفض الوالد بشدة ، ولكن أحمد قال ليس بالسر الذي تعتقد وإنما أهلها فقط ، أي خالاتها وعماتها فقط ، وافق الوالد ، وافق أبو سعد على زواج ابنته سلمى ، فرح أحمد وذهب إلى البيت وهو في غاية السعادة ، ولما وصل إلى المنزل كان في استقباله ابنه خالد ، وهو يقول بكلماته التي تخرج مثل الشهد ، خالد : بابا بابا أريدك أن تشرح لي هذا الدرس ، علمه ذلك الدرس ، وأمه جالسة بجواره ، وبعد أن أكمل تعليم ابنه أخذ يتحدث معهم ويتسامر ويلعب معهم ، وفي اليوم التالي سعد : هل أنت مستعد للملكة ، أحمد : نعم ، قال ما رأيك بيوم الخميس المقبل ، قال أنا موافق على ذلك ، إذا على بركة الله ، سأخبر والدي وأختي بالأمر ثم اتصل عليك ، اتفقا إذا سأنتظر اتصالك ، وبعد العصر ، إذا باتصال يأتي من سعد ، السلام عليكم ، وعليكم السلام ،أختي والوالد وافقوا على يوم الخميس ، إذا على بركة الله ، أخذ يستعد خلال ذلك الأسبوع ، وفي عرض الأسبوع ، أصبح يؤنبه ضميره ، يا الله هل هذا القرار صائبا أم لا ، ماذا أقول لتلك المسكينة ، ماذا أقول لأم خالد ، أي عذر أقول لها ، ولكن لم أفعل مضرة بها ، وإنما من أجل مصلحتنا ، لا لا لم أخطأ ، ويوم الأربعاء ، أتى بوجه غير الذي عليه دائما ، وجه منير ومشرق ، مهندم اللحية والشعر ، سألته زوجته مريم : ما هذا الجمال ، هل لديك موعد مهم غدا ، أحمد : نعم ، سلمى : وما هو يا ترى ؟ أحمد : اجتماع مع زميلي وحبيبي ورفيق دربي سعد ، مريم : وفقك الله يا زوجي ، أحمد : أنا ذاهب لأنام وأرتاح هل تريدين مني شيئا ، مريم : لا نوم العافية يا قلبي ، أحمد : إذا تصبحين على خير ، مريم :وأنت من أهل الخير ، نام أحمد وهو قرير العين فرحان ، وفي الصباح استيقظ مبكرا ، قامت زوجته وأعدته له الإفطار ، مريم : هل نمت جيدا بالأمس ، أحمد : نعم ، وأشعر بأني في سعادة لا توصف ، مريم : جعل الله السعادة لا تفارق مبسمك ، أحمد : آمين وأنتي كذلك ، وبعد العصر ذهب إلى اجتماعه مع سعد ، وهو في الحقيقة ليس مع سعد وإنما مع أخت سعد ، مع سلمى ، عقد لهم الشيخ ، ودخل عليها ، ولم يكن يتوقها بالصورة التي في باله ، ولم تكن مثل الصورة التي رسمها في خياله ، ليست بذاك القدر من الجمال ، كان يتوقع أنها أجمل من زوجته الأولى ، ولكن قال لعلها جميلة الروح ، أخذت يتحدث معها ويقول : لم أر لك مثيل في هذا الكون ، أنت أجمل من رأت عيني ، أنت القمر ، أنت الملاك ، أنت الجمال ، وغير هذا من الكلام ، وهي تشاركه أحاسيسه ، إلا أن أذن للمغرب ، عاد إلى المجلس ، وأخذوا في تحديد الزواج ، واتفقوا أن يكون بين الفصلين من تلك السنة ، أخذ يرتب أموره ، ويستعد لهذا اليوم ، أخذ إجازة من عمله لمدة شهر ( شهر العسل ) ، وفي آخر يوم من ذلك الفصل وبداية إجازته ، وقبل زواجه بيوم ، أتى ابنه ، فرحا مبسوطا بشهادته ، بأول شهادة يحصل عليها في حياته ، فيها أجمل وأعلى الدرجات ، مبروك يا بني ، هذا ما قال لابنه الوحيد ، لفلذة كبده ، أنا في عجلة من أمري يا بني ، لا بد أن أسافر ، ولكن إذا أتيت سآتي لك بهدية جميلة ، ذهب بهم إلى عمه سعيد ، والد زوجته وكان مريضا في تلك الأيام ، طلب منه أحمد أن يوصله إلى المستشفى ولكنه رفض ، إذا براحتك يا عم ، ودع زوجته وابنه وعمه ، ثم انطلق إلى سفرته التي تبعد بضع كيلومترات ، سافر إلى بيته ليجهز فيه حاله من أجل زواجه ، ويأتي اليوم التالي ، يوم الخميس ، يوم زواجه الذي حضره زملائه وأحبابه وأهل زوجته ، وبعدما انتهى الزواج أخذ زوجته إلى فندق كبير ، مكثوا فيه يومين ، وبعد يومين سافروا إلى شهر العسل ، وشهر المرح ، إلى أجمل الديار ، وفي اليوم التالي ، وبعد صلاة العصر اشتد على أبيها المرض إلا أن أغمي عليه ، يا الله ما الذي أفعله ، ذهبت مسرعة تطرق بيت الجيران إلى أن أتت بيت أم مهند ، وأخبرتها بالخبر وما كان من أم مهند إلى أن أخبرتها ابنها مهند صاحب الثمانية عشرة سنة ، نقله إلى المستشفى ، نقلوه إلى العناية ، وأخذوا يجرون معه الفحوصات ، وعندما خرج الطبيب من العناية ، مهند : هل حالة عمي في خطر أيها الطبيب ؟ الطبيب : ادع له أن يقوم بالسلامة . مهند : ما الذي لديه ؟ الطبيب : قل ما الذي ليس لديه ؟ مهند : أخبرني هل هناك فائدة من علاجه ؟ الطبيب : لا أظن ، لأنه مصاب بالسرطان . مهند : ماذا ، ما الذي تقوله . الطبيب : نعم ، وإن هي إلا ساعات وسيفارق هذه الحياة . مهند : إنا لله وإنا إليه راجعون . الطبيب : اصبر واحتسب هذا قضاء الله وقدره . مهند : جزاك الله خيرا أيها الطبيب . عاد إلى جارتهم مريم وهي تسأله . مريم : ماذا قال لك الطبيب . مهند : إنه بخير . مريم : ولكن وجهك يقول غير ذلك . مهند : لا ، ولكن جاءني خبر سيء عن أحد زملائي . وعند المغرب قالت لمهند ، مريم : هل تتصل لي على هذا الرقم ؟ مهند : بكل سرور يا خالتي . اتصل مهند على هذا الرقم ، هاتف أحمد يرن . سلمى : أحمد هاتفك يرن . أحمد : من ؟؟ سلمى : لا أعلم رقم غير مسجل لديك . أحمد : أخذ هاتفه ووضعه على الصامت وقال : ربما أحد الزملاء . سلمى : أجب ربما يريد شيئا ضروريا . أحمد : لا عليك لا أريد أن يشغلني شيء عنك . مهند : لا أحد يرد يا خالتي . مريم : لا عليك ، نتصل به لاحقا . مكثوا في المستشفى إلى بعد صلاة العشاء ، جاء الطبيب وقال : الطبيب : اذهبوا إلى البيت ، استريحوا وعودوا غدا . مهند : إذا هيا يا خالتي وسنعود غدا إن شاء الله . مريم : لا .. أريد أن أبقى مع أبي . الطبيب : لا فائدة من جلوسك هنا . مهند : هيا يا خالتي وسنأتي غدا من الصباح . مريم : إذا هيا بنا . وعندما عادوا إلى البيت ، أرادت أن تأخذ ابنها خالد وتذهب إلى البيت . مريم : شكرا لك يا أم مهند ، أتعبتكم معي ولكن سامحوني لا أحد لدي إلا الله ثم أنتم . أم مهند : لا عليك ، وإذا أردتي أي شيء فلا تستحي . مريم : إن شاء الله ، ولكن يا مهند هل تتصل مرة أخرى . مهند : أبشري . رن الهاتف ، وردت سلمى مهند : تفضلي يا خالة لقد أجاب . مريم : ألو سلمى : نعم . مريم : أنا آسفة لابد من أم الرقم خاطئ . سلمى : لا عليك مريم : إلى اللقاء . مريم : أعد الرقم لابد أنك أخطأت . مهند : عاود الاتصال . مهند : أجيبي يا خالة . مريم : ألو . سلمى : ألو . مريم : السلام عليكم . سلمى : وعليكم السلام . مريم : هل هذا رقم أحمد محمد . سلمى : نعم ، بدافع الغيرة تقول : من أنتي . مريم : أنت من أنتي . سلمى : أنا زوجته . ألجمت مريم عن الكلام من هول الصدمة ، رمت بالهاتف وسقطت ، أخذ من بجوارها يصيح ، خالتي ، جارتي ، أمي ، رفعوها إلى السرير ، ولكنها لم تستيقظ ، نقلوها إلى المستشفى ، وسلمى : ألو ، ألو ، ثم أغلقت السماعة ، وأغلقت سعادة مريم معها ، عندما وصلوا إلى المستشفى ، نقلوها إلى التنويم ، والكل ينتظر الطبيب ، ولما خرج الطبيب . مهند : ما الذي لديها ؟ الطبيب : لديها انهيار عصبي ، وإذا استمرت على هذه الحالة إلى إذا المغرب سنضطر إلى إجهاض وإنزال الجنين . مهند : ماذا ؟ هل هي حامل ؟ الطبيب : نعم ، لماذا ليس لديكم علم . مهند : والله لا نعلم لأنها جارتنا . الطبيب : إن شاء الله تتحسن . ترك مهند رقم هاتفه لدى الطبيب وطلب منه الاتصال عليه إذا استيقظت ، وذهبوا إلى المنزل وأخذوا خالد معهم ، أخذ مهند خالد لينام معه في غرفته ، أخذ الطفل البريء يسأل عن أمه ، خالد : هل ستموت ماما . مهند : لا إن شاء الله . خالد : وجدي هل سيموت . مهند : وجدك بخير إن شاء الله . خالد : لو ماتت ماما وين أعيش . مهند : إن شاء الله ربي يمدد في عمرها . خالد : يعني إن شاء الله لن تموت . مهند : إن شاء الله . وفي اليوم التالي ، يوم السبت ، وفي الصباح الباكر ، استيقظت مريم ، وهي تسأل مريم : أين أنا ؟ الممرضة : أنت بالمستشفى . مريم : ولماذا ؟ الممرضة : سأنادي الطبيب وهو يخبرك بكل شيء . وعندما أتى الدكتور : الحمد لله على السلامة . مريم : ما الذي حدث ؟ الدكتور : أنت كنت بالأمس في حالة حرجة أتى بك شاب ووالدته وابن صغير . مريم : عرفت الذين أتوا بها ، ولكن ما الذي عندي . الدكتور : كنت ستفقدين حياتك وحياة ابنك . مريم : من ؟ خالد . ماذا أصابه . الدكتور : لا . ابنك الذي في أحشائك . صعقت مريم بهذا الخبر . مريم : ماذا هل أنا حامل ؟ الدكتور : نعم ، لم تكوني تعلمين . مريم : لا . مستحيل ، وهي تبكي متوسلة إلى الطبيب أرجوك أيها الطبيب خلصني منه أرجوك لا أريد أن أحمل ، يكفي خالد . الدكتور : هدي يا امرأة ، واذكري الله . وهي تبكي وتصيح ، لا أريد ، لا أستطيع أن أقوم بتربية اثنين ، أرجوك خلصني منه ، أرجوك . أعطوها مهدئا لتنام ، واتصل الطبيب على مهند ، وأخبره أن يأتي في الحال ، أتى مهند وأمه وابن جارتهم خالد ، ذهب مسرعا إلى الطبيب مهند : ما الذي حدث ؟ الطبيب : عندما علمت بأنها حامل انهارت وانفعلت وأرادت أن تتخلص من جنينها . مهند : ماذا ؟ هل ما تقول هو الحقيقة ؟ الطبيب : نعم ، ولكن أرسل أمك لتتحدث معها . ذهب مهند إلى أمه وقال لها : يا أمي أريدك أن تهدئيها ، وتحاول أن تقنعيها أن هذا الأمر غير جائز . وعندما دخلت أم مهند إلى غرفتها . أم مهند : يا أم خالد ، ما هذا الأمر الذي تقولين ، لماذا لا تريدين الابن ؟ مريم : يا أم مهند ، زوجي قد خانني ، زوجي ذهب في شهر للعسل وتركني في أحلك ظروفي ، زوجي تزوج علي . أم مهند : ما الذي تقولينه ؟ مريم : نعم ، هذا ما عرفته بالأمس . أم مهند : يا أم خالد ، وما دخل هذا بإجهاض الجنين ، لماذا تودين أن تقتلي هذه الروح البريئة ، عاقبي زوجك وليس نفسك وابنك . مريم : أنه ابنه وأريد أن أعاقبه . أم مهند : إذا عاقبتيه فعليك أن تعاقبي خالد . مريم : ماذا ؟ خالد . وما دخله ؟ أم مهند : لأنه ابنه كذلك . عندها أيقنت مريم أنها على خطأ ، وقالت مريم : يا أم مهند اطلبي من ابنك يبحث لي عن غرفة صغيرة لي ولأطفالي . أم مهند : إن شاء الله . مريم : أريد الخروج من المستشفى . أم مهند : إن شاء الله ولكن أعطيني وعد بأنك لن تفعلي شيئا لجنينك . مريم : أوعدك . استدعت أم مهند ابنها وأخبرت أن يطلب من الطبيب أن يخرج مريم من المستشفى وأنها على ما يرام . مهند : إن شاء الله . ذهب إلى الطبيب وأخبره بأن خالته تريد الخروج من المستشفى ولكن الطبيب رفض وقال الطبيب : لابد أن تمكث عندنا حتى الغد . مهند : لا تستطيع لأنها لابد أن تخرج وتذهب لزيارة أبيها . الطبيب : لماذا ؟ مهند : إن أباها مصاب بالسرطان وهو في العناية . عندها وافق الطبيب على الخروج ولكن بشرط أن تلتزم بالعلاج وأن تبتعد عن العصبية . خرجت من المستشفى عند أذان الظهر . استراحت في البيت عند جارتها ، وسألت مهند عن أبيها ، وأخبرها بأنه على ما يرام وسيذهبون إلى زيارته بعد العصر ، وبعد العصر ذهبوا إلى زيارة أبيها ، وكانت بحالة أسوأ ممن كانت عليه بالأمس ، جلس عنده حتى انتهاء الزيارة ، وعادوا إلى البيت عند أذان العشاء ، وأرادت الذهاب إلى منزلها ، ولكن أم مهند رفضت أن تذهب وهي بهذه الحالة ، وافقت مريم على أن تنام عندهم ، وفي الساعة العاشرة مساء ، جاء اتصال لمهند ، مهند : أخذ يقول في خاطرة من يا ترى هذا المتصل ؟ وماذا يريد ؟ دعني أرد : ألو. المتصل : السلام عليكم . مهند : وعليكم السلام . من معي ؟ المتصل : أنا طبيب العم سعيد . مهند : أهلا وسهلا . ماذا تريد ؟ الطبيب : أريدك أن تأتي مباشرة إلى المستشفى ؟ مهند : لماذا ؟ ما الذي حدث ؟ الطبيب : أريدك أن .... ثم سكت . مهند : تريدني ماذا ؟ الطبيب : أريدك أن تستلم جثة أبو مريم . مهند : ماذا ؟ ما الذي تقول ؟ الطبيب : هذا الذي حدث ، وأردت أن أخبرك ، فأرجو المبادرة وإلى اللقاء . يتبع ... |
![]() |
![]() |
#4 |
![]() ![]() |
![]()
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
اليوم بإذن الله راح أنزل لكم تكملة رواية/ ياخالتي أريـد أمي للكـاتب:عبدالله الغامدي نزل إلى الفصل الثالث وتوقف عن التنزيل بسبب ظروفه واقترحت عليه أكمل الاجزاء وطلب مني تنزيلها كاملة.. بسم الله نبدأ..* وفي الساعة العاشرة مساء ، جاء اتصال لمهند ، مهند : أخذ يقول في خاطرة من يا ترى هذا المتصل ؟ وماذا يريد ؟ دعني أرد : ألو. المتصل : السلام عليكم . مهند : وعليكم السلام . من معي ؟ المتصل : أنا طبيب العم سعيد . مهند : أهلا وسهلا . ماذا تريد ؟ الطبيب : أريدك أن تأتي مباشرة إلى المستشفى ؟ مهند : لماذا ؟ ما الذي حدث ؟ الطبيب : أريدك أن .... ثم سكت . مهند : تريدني ماذا ؟ الطبيب : أريدك أن تستلم جثة أبو مريم . مهند : ماذا ؟ ما الذي تقول ؟ الطبيب : هذا الذي حدث ، وأردت أن أخبرك ، فأرجو المبادرة وإلى اللقاء . الفصل الرابع: سقطت العبرة على خدي مهند وهو لم يجلس مع ذلك الرجل ، ولم يسمع منه الكلام ، وإنما حزين على أم خالد ، ما هذا الذي أصابه ، زواج حبيبها ، وموت أبيها ، ومرض بنفسها ، كيف لي أن أخبرها ، وماذا أقول لها ، أبوك غادر الأكوان ، والدك لن تقابليه بعد الآن ، وأرادت مريم أن تذهب إلى دورات المياه ، وكانت بجانب غرفة مهند ، مات أبو مريم يوم السبت ، وذهبت أم مهند معها لتغلق الباب على ابنها ، دخلت على ابنها وأغلقت الباب ، وذهبت مريم إلى دورة المياه ، أخذت أم مهند تسأل ابنها ما بالك حزينا ، وهو يقول مهند : لا شيء يا أمي . أم مهند : لا هناك شيء عظيم . مهند : لا شيء يا أمي وإنما حزين على جارتنا . أم مهند : هناك كلام تريد أن تقوله ولكن لا تستطيع أليس كذلك ؟ مهند : بلى يا أمي . أم مهند : وما هو . وبينما مريم خارجة من دورة المياه قال مهند : لقد توفي أبو مريم . صعقت مريم صعقة قوية ، أغمي عليها ، ركضت أم مهند إليها وهي لم تعلم أنها سمعت الخبر ، وإذا بها ساقطة على الأرض ، رفعتها أم مهند ، ورششت على وجهها بعض الماء ، ولما أفاقت سألتها أم مهند : ما بك ، مريم : لا ، لا وأخذت تصيح بالبكاء ، لا أبي لم يمت ، لا ، كيف مات وهم يقولون أنه بصحة جيدة ، لماذا لم يقولون لي أنه سيموت لأبقى بقربه ، وأم مهند تهدئها أم مهند : هذا قضاء الله وقدره ، اصبري واحتسبي . مريم : لماذا أنا يا ربي ؟ لماذا أتت المصائب علي فجأة ؟ لماذا اخترتني أنا يا ربي؟ لم يبق لي أحد . أم مهند : اذكري الله ، وبينما هم يبكون ، دخل عليهم خالد ، خالد : ما بال أمي تبكي وتصيح . مهند : لا شيء يا خالد ؟ خالد : لا بد أن أعرف من أحزن أمي . مهند : لا أحد يا خالد . ذهب خالد مسرعا إلى أمه ، خالد : ماما ماذا بك ؟ وهي تصيح ولا تريد أن تجيب أحدا ، أخذه مهند بيده وقال له إن جدك مات . قال خالد ، ذالك الطفل البريء ، يعني لن أراه بعد الآن . مهند : نعم ، لن تراه بعد الآن . تسقط الدموع على جفن ذلك الطفل البريء ، ويحزن ذلك الطفل الصغير ، حزنا على فقد جده ، وحزنا على بكاء أمه . وأخذت أمه تقول : لم يمت أبي ؟ قل لي يا مهند بأنك تمزح معي ؟ قل لي بأن أبي سيعود إلي وهو ضاحك مسرور ؟ قل لي أنه حي وإنما خيل إليهم أنه مات ؟ مهند : بل مات يا خالة ؟ أم خالد : أنت تكذب علي ؟ لماذا تكذب على خالتك ؟ مهند : والله إنه لحق يا خالتي ؟ وعندها أيقنت الأمر وبدأت تبكي بكاء مريرا . وفي اليوم التالي صباحا ، ذهب مهند إلى المستشفى من أجل أن يكمل إجراءات خروج جثة أب مريم من المستشفى ، وعندما أكمل الإجراءات ، واجتمع الأقارب من أجل أن ينقلوا الجثة إلى المغسلة ، نقلوها ، وغسلوها ، وودعوها ، ثم صلوا عليها صلاة الظهر ، دفنوه ودعوا له ثم انصرفوا ، وأحمد في سعادته لاهي ، وفي زوجته وولده غير مبالي ، تنقضي أيام العزاء الثلاثة ، وفي اليوم الرابع ، طلبت مريم من جارتها أن تطلب من ابنها دارا صغيرة غير هذه الدار ، بحث مهند ووجد دارا مناسبة لهم في نفس حيهم ، وقريبة من مدرسة خالد ، على نفقة فاعل خير ، وعندما انتقلت إليه ، طلبت منهم أن لا يخبروا أحمد بمكانهما ثم انصرفا ، وفي كل ليلة تذكر أباها ، وتعاتبه قائلة ، أبي : لماذا تركتني وحيدة ، لماذا رحل بهذه السرعة ، هل رحلت حقا ، أم ستعود لا حقا ، هل رحلت يدك الحانية ، وسكنت روحك الداوية ، أبي : كم افتقدك ، كم احتاج لك ، زوجي تركني ، وأنت رحلت عني ، وأنا سأصارع الأيام والليالي وحدي ، بكت حتى نامت ، نامت على الأسى والحرمان ، وتصحوا على الأحزان ، بدأت تعد ولدها ومن بقي لها في هذه الدنيا بعد الله سبحانه للمدرسة وذلك يوم الخميس ، ذهبت إلى السوق تجر خطاها من أجل شراء ما يحتاج إليه ضناها ، أخذت جميع الأغراض التي يحتاج إليها خالد في المدرسة مم دفاتر وأقلا وغيرها ، سأل ذلك الطفل البريء عن أبيه خالد : ماما ؟ أين أبي ؟ مريم : إنه مسافر في عمل . خالد : متى سيأتي ؟ مريم : ربما لن يأتي بعد الآن . خالد : لماااااذا ؟ مريم : لأنه تناسانا . خالد : ولكن أبي وعدني أنه سيشتري لي هدية . احتضنت مريم وليدها وقالت : بني ، حاولت أن تنسى أبيك ، أنا أمك وأبوك وكل ما تريد ، أبوك تزوج يا خالد ونسينا ، وبكيت حينها . التفت خالد إلى أمه ومسح الدموع من على خديها وقال : أماه ، لا تبكي أرجوك . احتضنت ابنها بكل حرارة وتبسمت قائلة : لن أبكي مرة أخرى ، سأعد لك العشاء ، ثم تعشوا وناموا تلك الليلة . وفي يوم السبت كان دوام خالد ، ذلك الطفل يداوم مشيا على قدميه وهو لم يتعود على ذلك ، وأمه على عتبة الباب تنظر إليه إلى أن يصل إلى المدرسة ، ويعود مثل ما ذهب وأمه جالسة على الباب تنتظره ، أين أبيه الذي كان يسرح معه ؟ أين أبيه الذي كان يعود معه ؟ وبعد أسبوعين من الدراسة عاد أبو خالد حاملا الألعاب والهدايا من أجل زوجته وولده خالد ، بعد أن استأذن من زوجته الأخرى ، بعدما طلب الأذن من سلمى ، عاد إلى البيت بعد صلاة العصر في يوم خميس ، ذهب إلى بيت عمه أبو مريم ، ولما وصل إلى منزل العم ، وجده خاليا لا يوجد به أحد ، وبينما مهند عائد إلى البيت ، استوقفه أبو خالد وقال أبو خالد : لو سمحت . مهند : نعم . أبو خالد : أين ذهب جيرانكم هؤلاء ؟ مهند : من هم ؟ أبو خالد : العم سعيد وزوجتي وابني . مهند : أنت أبو خالد . أبو خالد : نعم ما الذي حدث ؟ مهند : تسأل الآن ، تسأل بعدما دمرت بيتك ، تسأل بعدما نسيت زوجتك وابنك ، تسأل عن تلك التي لاقت الويلات وأنت في زواج وفرح وسبات . أبو خالد : ما الذي حدث ؟ مهند : العم سعيد أعطاك عمره بعد زواجك وسفرك بيومين ، وزوجتك رحلت لا ندري إلى أين بعدما علمت بزواجك . أبو خالد : لا . ما الذي تقوله ؟ هل أنت جاد ؟ مهند : نعم . أبو خالد : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وبدأ في البكاء واستوقفه مهند وقال مهند : لا تتظاهر بالبكاء ، ولا تتظاهر بالحزن والأسى ، من أجل ما احد يضحك عليك ، أبو زوجته مات من ثلاثة أسابيع والآن يدري . أبو خالد : لم يخبرني أحد . مهند : قل أنت لم تسأل عنهم من يوم أن تزوجت . أبو خالد : طيب . أين زوجتي ؟ أين ابني ؟ مهند : لا أستطيع أن أقول لك شيئا فقد استحلفتني أن لا أخبرك ، ولكن اطمئن إنها بأيد أمينة ، كل ما أستطيع قوله : للأسف أنت دمرك بيتك بنفسك ، فتحمل نتائج تسرعك ، وبينما هو ذاهب قال لأبي خالد : أرجو ألا تذهب إليها ولا تبحث عنها لأن نفسيتها متدهورة وخصوصا بعدما علمت بأنها حامل بالطفل الثاني . أبو خالد : هل هي حامل ؟ مهند : وحتى هذه لا تعلم عنها شيئا . أبو خالد : والله لا أعلم إلى الآن . مهند : نعم هي حامل وأرادت أن تسقطه ولكن هدأتها والدتي ثم قال : يا عم للأسف أنت كسرت كأسا ثمينا لا يمكن أن يعود وإن عاد فلن يعود كما كان وإنما سيبقى لديه آثار من الكسر . طأطأ أبو خالد رأسه وذهب إلى بيته وهو يحدث نفسه قائلا واآسفاه ما الذي فعلته بحالي . ذهب إلى البيت وهو مهموم حزين ، طرق الباب . فتحت سلمى الباب وإذا به محمد حاملا لعبة ابنه خالد والكآبة واضحة على محياه سألت سلمى قائلة : سلمى : ما بالك يا أبا خالد ؟ أحمد : لم أتوقع أنها صادقة فيما قالت عندما قالت لي : تزوج ولكن لن أمكث معك بعدها . سلمى : من هي ؟ أحمد : إنها حبيبتي وأم ولدي إنها أم خالد ، واآسفاه على ما فعلت بحالي . سلمى : أهدأ واذكر الله الأمور سوف تصلح بإذن الله . أحمد : كيف وأنا لا أعلم إلى أين ذهبت ، كيف تأكل ، كيف تطعم ولديها ، من يصرف عليها ، هل هي صحيحة أم سقيمة ، هل هي شابعة أم جائعة ؟ لا أعلم . آه ما الذي فعلت بحالي . لا بد أن أذهب إلى البيت ، ربما عادت إلى شقتنا ، لن تتركني ليس لها إلا أنا بعد الله . ذهب إلى شقته بعد صلاة المغرب ، فتح الباب ، وأخذ يقول : أحمد : مريم ، أين أنت ؟ يا أم خالد ها قد أتيت ، يا خالد ، أتيت بهديتك ، خلودي أين أنت ، أعلم أنكم هنا ولا تريدون الجواب ، يا أم خالد ، يفتح الباب تلو الباب ولا أحد ، وبعدما انتهى من التفتيش في جميع أرجاء المنزل عندها أيقن أنها رحلت وأخذ يجهش بالبكاء ويتذكر أيامه معها ، ولكن كما يقال ( جنت على نفسها براقش). أخذت سلمى تتصل عليه وهو لا يجيب عليها ، أذن لصلاة العشاء وذهب إلى المسجد الذي في قريته الذي كان يرتاده في الماضي ، ذهب للصلاة ، وبعدما صلى العشاء ، نظروا إليه جماعة المسجد نظر أسف على ما فعل مع عمه أبو زوجته ، فالكل لديه الخبر بما فعل ، وهو لا يعلم لماذا هذه النظرات وبعدما أدى الصلاة والسنة ، كان لديه صديق في ذاك المسجد ، يتحدث معه ، سأله ما بال الجماعة ينظرون إلي هكذا ، أخبره بأنهم قد علموا خبره وقصته ، ضاق صدره وتمنى أن ابتلعته الأرض ولم يحدث له ما حدث . عاد إلى البيت في قرابة الساعة الحادية عشر ليلا بعدما أخذ ما يحتاجه من أغراض مهمة من شقته ، وفي اليوم التالي ذهب إلى صاحب العمارة وسلم شقته ، حينها ودع شقته ، وودع ذكرياته ، وودع مسجده الذي كان به يصلي ، وعاد ليعيش مع سلمى إلا أن يلقى الحبيبة الأولى . وفي السبت داوم مبكرا من أجل أن يرى فلذة كبده ، وقرة عينه ، وثمرة فؤاده ، وحبيبه خالد ، وقف بعيدا من المدرسة ، ورآه من بعيد وهو يمشي على قدميه حاملا حقيبته بيده ، تحرك مشاعر أبو خالد ، وهم أن يذهب مسرعا ليحضن ولده ، نزل من سيارته مسرعا ذهب قليلا ثم توقف وقال : سألقاه بعد الدوام ، ثم ذهب إلى دوامه وخرج مبكرا من هناك وذهب إلى مدرسة خالد ، وانتظره إلى أن خرج ، ثم تبعه بسيارته بكل لهف وشوق ، يريد أن يرى أين يقيمون ، وذهب خلفه إلى أن وصل خالد إلى البيت ، ثم نزل أحمد كم سيارته ، وطرق عليهم الباب ، قامت أم خالد إلى الباب . مريم : من عند الباب ؟ أحمد : أنا أحمد . مريم : من أحمد؟ أحمد : أنا أحمد أبو خالد ... زوجك . مريم : وما الذي تريده ، لم يعد لديك أهل هنا . أحمد : افتح الباب أريد أن أتحدث معك قليلا ، ومعي هدية خالد التي وعدتها بها . مريم : لا أستطيع أن افتح الباب . أحمد : افتحي الباب أرجوك . فتح مريم الباب . أحمد : السلام عليكم . مريم : لو لم يكن الجواب على السلام واجبا ، لما رديت عليك . أحمد : لماذا ... ما الذي فعلته أنا ؟ مريم : لم تفعل شيئا ؟ أحمد : ألأني تزوجت عليك ؟ مريم : أنت تعرف لماذا . أحمد : أنا لم أتزوج عليك إلا لأني أحبك ، ومن أجلك تزوجت . مريم : كيف لأنك تحبني تزوجت علي . أحمد : أنا تزوجت من أجلك ومن أجل ابننا خالد ، فلذلك دعينا نعود كما كنا ، من أجل ابننا ، وسأفعل أي شيء لتعودي إلي . مريم : أي شيء ؟ أحمد : نعم ، أي شيء . مريم : إذا طلق زوجتك ، أنا لا أريد أن يشاركني أحد . أحمد : ماذا ... ما الذي تقولينه . مريم : ألم تقل أنك ستفعل أي شيء ، هذا ما أريده . أحمد : ولكن لا أستطيع . مريم : لماذا هل تحبها أكثر مني . أحمد : إنها ليست مسألة حب . مريم : إذا مسألة ماذا ؟ أحمد : لأنها ...... لأنها ...... مريم : لأنها ماذا ؟ أحمد : لأنها ... حامل ( وهو كاذب فيما يقول ) صعقت عندها مريم ، وقالت مريم : إذا اذهب إلى زوجتك ، ولا تفكر في ثانية . أحمد : ولكن أريد ابني . استدعت حينها خالد وقالت له . مريم : خالد من تريد أنا أو أبوك . أحمد : إن أردت تعال معي وسآتي بك إلى هنا كل ثلاثة أيام . خالد هو الفصل في هذه المسألة ، فكر خالد مليا ثم قال خالد : أريد ...... أريد ... أحمد : أنا أليس كذلك ؟ خالد : بصراحة يا أبي أخاف أن تتركني كما تركت أمي ، فأنا أريد أمي لأنها لم تتخلى عني . حينها خرج أحمد من المنزل حزينا ، وعاد خائبا إلى سيارته ، وعاد إلى بيته مهموما حزينا ، قابلته سلمى وقالت : هل تريد الغداء ؟ أحمد : لا أريد شيئا اتركني لحالي ، كفاية ما حدث لي بسببك . سلمى : وما الذي فعلته لك ؟ أحمد : ليت أني لم أعرفك ، ولم أعرف عائلتك ؟ سلمى : لماذا ما الذي حدث ؟ أحمد : ضاعت زوجتي ، والآن رحل ابني عني . عندها سلمى لم تنطق بأي كلمة ، لأنها عرفت بأن مصابه عظيم ، وتركته ليهدأ وينام ويرتاح مما به .الفصـل الخامس: وأصبح الأب كل يوم يذهب إلى مدرسة ابنه في الصباح وفي المساء من أجل أن يرى ابنه ، وينظر إلى فلذة كبده . انتهت الدراسة ، وبدأت الإجازة الصيفية ، وقبل بداية الموسم الجديد بقرابة شهر ، ولدت أم خالد ، وأتت بولد ، سمته سعيد ، باسم والدها ، زارتها أم مهند وابنها مهند ، الذين كانوا يقضون لها حوائجها ، ويصرفون عليها ، وعلم أبو خالد بأنه قد أتاه مولد جديد . مهند قد أنهى المرحلة الثانوية ، وسجل في كلية الهندسة تبعد عن مدينتهم قرابة ال200 كيلو تقريبا ، وأرادا أن يغادرا هو ووالدته ، ولكن لا بد أن يخبروا جارتهم ، وبعدما خرجت أم خالد من المستشفى هي وسعيد ، ذهبت أم مهند إليها في البيت وأخبرتها بأنهما يريدان الرحيل هي وولدها من أجل كليته ، وحزنت أم خالد ، كيف لها ألا تحزن وهم من ساعدوها ، وهم من كانوا يقضون عنها حوائجها ، كيف لها ألا تحزن وهم من كانوا يؤنسوها ، ولكن ماذا بيدها أن تفعل ، وسألت أم خالد قائلة أم خالد : ومتى الرحيل ؟ أم مهند : غدا بإذن الله بعد صلاة الفجر . أم خالد : أدعوا الله لكم بالتوفيق والسداد ، وهل ستمكثون هناك إلى الأبد ، أم تعودا إلينا , . أم مهند : سوف نعود في أيام الإجازات بإذن الله . وعندها احتضنتها أم خالد بكل حرارة وألم ، وأعطت أم مهند أم خالد بعضا من المال ، مساعدة لها ، كي تقضي به بعض أغراضها . وسلمت على خالد وسعيد ثم رحلت . وفي اليوم التالي غادروا إلى بلدهم الجديد . استخدمت المال الذي أعطتها أم مهند ، بكل اقتصاد لمدة وجيزة ، من حليب لولدها وما يحتاج إليه الطفل الرضيع ، ومن ملابس وأغراض مدرسية لابنها الآخر ، ومع بداية الدراسة انقضى جميع المال الذي كان لديها ، وقالت لابد أن ابحث عن عمل ، داوم ابنها الأسبوع الأول من الدراسة وهو لا يملك لا ريالا ولا رغيف خبز حتى ، أخذت تبحث عن عمل لها لكي تطعم صغارها ، تطرق باب الجيران كل يوم في الصباح ، جارا تلو الجار ، وكل يردها ، وتعود في الظهر وهي لم تجد شيئا ، تزداد الحالة سوءا ، فهم لا يأكلون سوى رغيف خبز يابس له يوم أو يومان ، وبعد ثلاثة أيام من البحث ، انقضى ما كان في المنزل ، وجلسوا يوما كاملا من دون أية طعام ، صغيرها يبكي ، وخالد هناك على الجوع منطوي ، يا الله ما العمل ؟ عندها وفي الصباح بعدما داوم ابنها ، أخذت تبحث عن محل تبحث لها عن طعام ، وبينما هي ماشية على قدميها رأت محلا للملحمة ، ذهبت إلى هناك ، وجلست بقربه ، وكلما قطع الجزار لحما ، وتساقط بعضه ، رفعت ما يتساقط ولمته في كيس وأخذته إلى المنزل ، لتعد لابنها الطعام ولكي تتغذى هي من أجل أن يدر حليبها على صغيرها ، وخالد في ذلك اليوم ينظر إلى الأطفال وهم يأكلون ويفطرون وهو له يوم لم يأكل أي شيء ، ينظر إليهم فبعضه يبقى من خبزه نصفه ويرميه ، تبادرت إلى ذهنه فكرة ، أن يلم ما رموه ، ويذهب به إلى أمه وأخيه ، وفي الحصة التي بعد الفسحة ، استأذن خالد من المعلم ، يريد دورات المياه ، وأذن له المعلم ، وهو يريد الذهاب ليلم ما رماه زملائه من الطعام ، ويرمي الكيس من فوق سور المدرسة من الجهة الذي يذهب منها إلى بيته ، وعند المغادرة يمر عليه ويأخذه ، ولما ذهب به إلى البيت سألته أمه أم خالد : من أتيت بهذا ؟ خالد ، من المدرسة . أم خالد : ألم أقل لك لا تسأل أحدا شيئا حتى ولو كان شيئا قليلا ، نموت ولا نسأل الناس شيئا . خالد : أمي ... أنا لم أسأل أحد شيئا ، ولكن رأيت زملائي يأكلون بعض الخبز ويرمون الباقي ، فأخذت الباقي الذي رموه ، ألا يحق لي أن آكل كما يأكلون ، هم يرمون نصف الخبز وأنا لا أجد ما أكل أليس هذا حراما يا أمي . عندها بكت أمه واحتضنته وقالت ( حسبي الله عليك يا أحمد أنت من أوصلتنا إلى هذه الحالة ) استمروا على هذه الحالة ، الأم تأتي ببقايا اللحم ، والابن يأتي ببقايا الخبز ، هكذا كان قوتهم ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) . وتمر الأيام وراء الأيام ، وقبل نهاية الموسم الدراسي من السنة الثانية الابتدائية لخالد ، كان هناك حفلا للمتميزين في جميع المراحل ، وكان خالد من بينهم ، وطلبوا منهم إحضار أولياء أمورهم ، وفي اليوم التالي ، وقبل بداية الحفل ، أتى كل طالب متميز بأبيه ، إلا خالد لم يأت بأحد ، هناك سأله المرشد : المرشد : خالد ، أين أبيك ؟ خالد : لم أخبره . المرشد : ولماذا ؟ خالد : لأن ..... لأن ... (أتت هذه الفكرة في رأسه) لأن أبي ماااات . صعق المرشد من هول ما سمع ، وأخذ يضم خالد إلى صدره ويحاول أن ينسيه حزنه ، وأخذ بيده إلى الحفل ، وأجلسه بقربه ، ليندمج مع زملائه ، ظنا منه أن هذا الطفل كما قال بأنه يتيم . انتهى الحفل ، وسلمت الجوائز ، وذهب خالد إلى البيت فرحا بجائزته وتفوقه ، وفرحت أمه لفرحه ، وأخبرها بما حدث معه ، وأنه أخبر معلمه بأن أبيه مات ، سألته أمه أم خالد : لماذا قلت هذا يا بني . خالد : ولكن يا أمي هذه هي الحقيقة . أم خالد : كيف هذي هي الحقيقة ؟ خالد : أماه ... أين أبي الذين تتحدثين عنه ، أين هو كي يعطيني المصروف ، أين هو ليوصلني إلى المدرسة ، أين هو ليذهب بي إلى المنتزهات ، أمي .. أسمع زملائي يتكلمون ويحترمون آباءهم وأنا لا أستطيع أن أذكر فيه ميزة واحدة ، سألوني عن أبي فماذا أقول لهم ، أبي مفارق أمي ولا يريدنا ، أم أمي لا تريد أبي ، أم ماذا أقول ، أنا لن أقول أبي لا يريدنا ولا نحن نريد أبي سأقول أبي مات لأنه مات بالنسبة إلي ، مات بالنسبة إلي . وأخذ يبكي فاحتضنته أمه وهي كذلك تبكي وقالت أم خالد : نعم إن أبوك مات بالنسبة إلينا جميعا . ولم يبقى إلا أسبوعان لنهاية الموسم الدراسي ، وحدث ما لم يكن في حسبان خالد ، لقد أتى أبو خالد إلا المدرسة ، وذهب إلى المرشد، وسأله عن مستواه ، وأخبره بأنه متفوق في دراسته ، وسأل المرشد قائلا : المرشد : أهلا .. أهلا لابد أنك عم الفتى أو خاله . أبو خالد : لا ، أنا والده . عندها صعق المرشد من هول ما سمع ، المرشد : ماذا تقول ؟ أبو خالد : أنا والده .. لماذا ألم تصدق . المرشد : بلى .. ولكن خالد أخبرني بأنك متوفى . أبو خالد : ماذا ! ابني هل قال هذا ... المرشد : نعم والله أخبرني قبل أسبوع من الآن بأنك متوفى وحزن كل من في المدرسة عليه ، لكن هل أنت منفصل عن أمه . أبو خالد : لا ، لم يحدث هذا . المرشد : هل أنت تقطن معهم ؟ أبو خالد : أزورهم يوما تلو يوم لأني متزوج أخرى . استغرب المرشد من موقف خالد ، ولماذا كذب عليهم بشأن أبيه ، ولم يعلم بأن الزيارة التي يذكرها أبو خالد هي من بعيد لبعيد ، وهو في سيارته ، ينظر إلى البيت ثم يعود . أيقن أبو خالد أنه لم يبق لديه القبول لدى ابنه ، وغادر المدرسة وقد ازداد حزنا وألما ، وازداد حسرة وندامة على ما بدر منه . عندها أيقن المرشد بأن خالد يكذب ، فغير تصرفه معه ، من الحنان والرفق إلى العنف ، ومن اللين إلى الشدة ، وازداد كراهية لخالد ، وهو لا يعلم ما القصة ، ولماذا قال هذا ، واعتبره يكذب في جميع أموره . وفي يوم من الأيام مرض خالد مرضا شديدا ، واشتد عليه المرض ، أخذت أمه تبحث عن أحد ليوصله إلى المستشفى ، ولم تجد ، فتركت صغيرها عند جارتها ، وشالت ابنها خالد وذهبت به إلى المستشفى الذي يبعد عن المنزل قرابة كيلو واحد تركض و تركض إلى أن وصلت ، وعندما وصلت إلى المستشفى ، تدخل الأطباء ، وأسعفوه وقال الطبيب الطبيب : هل أنت والدته ؟ مريم : نعم . الطبيب : لو تأخرت قليلا لفقدت ابنك . مريم : وهل حالته الآن مستقرة . الطبيب : إن شاء الله ، ولكن لا بد أن يمكث عندنا يوم أو يومين . مريم : لابد . الطبيب : نعم لا بد ، ولماذا ؟ مريم : لأن والده غير موجود حاليا ، وأنا أريد أن أرافق معه ولكن لدي طفل صغير لم يبلغ الستة أشهر فإذا لم يكن هناك مانع أن أتي بطفلي وأجلس مع خالد ؟ راعى الطبيب حالتها ووافق على ذلك . وعادت مريم إلى البيت مشيا ، وأخذت طفلها من عند جارتها وشكرت لها ما صنعت ، وأخذت بعضا من الملابس وذهبت إلى المستشفى مشيا كذلك . باتا في المستشفى يومين ، وفي اليوم الثالث أتى الطبيب وكشف عن حالته وأخبر والدته بأنه بحالة جيدة ، وقال الطبيب الطبيب : أريد أن أسأل سؤال ؟ أم خالد : تفضل . الطبيب : خلال اليومين الماضيين لم يزركم أحد ، هل والد الفتى حي أم لا ؟ أم خالد : لا . إنه متوفى . الطبيب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولكن هل لديه أعمام ، أم لا ؟ أم خالد : لا يوجد لديه لا أعمام أو أخوال . الطبيب : ولكن من يعولكم . أم خالد : هناك أناس يفعلون الخير لنا . الطبيب : إذن هل لديكم من يوصلكم إلى المنزل أم لا ؟ أم خالد : نعم هناك من سيوصلنا . الطبيب : إذن اهتمي بخالد . أم خالد : إن شاء الله ، ولكن هل حالته مستقرة . الطبيب : نعم . أم خالد : هل بإمكانه غدا أن يذهب إلى المدرسة . الطبيب : نعم بإمكانه ، ولكن خذي هذه الورقة واصرفيها من الصيدلية . أخذت أم خالد الورقة وصرفت العلاج ثم ذهبت إلى المنزل مشيا من دون أن يقلهم أحد ، والطبيب يراقبها وعلم بأن لا أحد سيقلها ولكن ما الذي يفعله فليس له أن يجبرها على أن يوصلها ، وعادت العفيفة إلى بيتها مع طفليها ، وتركتهم في المنزل ثم ذهبت إلى مكانها العادة ، أتدرون أين ....؟ إنه مكان الملحمة لتلتقط بعض اللحم الساقط لتعد لأطفالها الطعام ، وعندما رآها صاحب الملحمة تأتي يوميا ، أشفق عليها ، ومن له ألا يشفق عليها إذا رآها بهذه الحالة ، فليتك تنظر يا أبا خالد ما حل بأهلك ، وأعطاها صاحب الملحمة قطعة نظيفة من اللحم ، أخذتها وشكرته على ما فعل ثم عادت إلى المنزل وأعدت لصغارها الطعام . وفي اليوم التالي ذهب خالد إلى المدرسة ، وفي الطابور الصباحي قام أحد المعلمين وهو الذي أخبره خالد بأن أباه مات وهو المرشد الطلابي في المدرسة ، وأخذ الميكرفون ثم أخذ يتحدث عن السرقات التي حدثت في المدرسة خلال الأيام الماضية وأنها بدأت تكثر وتنتشر في المدرسة وخصوصا في الصف الثاني الابتدائي ، أي في فصل خالد ، وأخذ يتوعد بأن من فعل ذلك سوف يعاقب عقابا عسيرا ، ثم انصرف الطلاب إلى الفصول ، وكالعادة وبعد الفسحة استأذن خالد من المعلم ، ثم ذهب يلم الخبز ، ولما ذهب ليرميه من أعلى الجدار رآه المرشد ، ثم صعق عليه وناداه ، فلما أتى خالد وهو خائفا من أن يعرف المرشد حالته وتغضب عليه أمه ، ولما سألته عن الذي رماه ، قال لا شيء ، المرشد : أنا رأيتك ترمي بكيس من أعلى الجدار ؟ خالد : إنه كيس لا يوجد به شيء . المرشد : بل رأيته معبأ ؟ خالد : لا أدري ما الذي به . المرشد : مسك أحمد من ثوبه وقال : إلا متى ستكذب علي أيه الكاذب ، الآن عرفت لماذا تغيبت قي اليومين الماضيين ، حتى تخفي جريمتك ، أيها السارق . خالد : أنا لم أسرق شيئا ، وإنما تغيبت لأني كنت نائما في المستشفى . المرشد : اذهب وآت لي بالكيس . خالد : لا ادري أن رميته . أخذ المرشد بتلابيب خالد وذهب به إلى خارج المدرسة ، وخالد يصيح ، لا يريد لأي أحد أن يعلم ، ويحاول الهروب من يدي المرشد ، ولكن المرشد محكم القبضة على خالد ، وذهب به إلى موقع الكيس ، وأخذه المرشد ثم عاد إلى المدرسة ، وذهب به إلى مكتبه ، المرشد : اتصل على أبيك وأخبره أن يأتي . خالد : ولكن أبي مات . المرشد : أيها الكاذب الحقير ، لقد أتى أبوك بعدما أخبرتني بأنه متوفى . خالد : ماذا .... ماذا تقول ؟ المرشد : نعم أيه الكاذب . عندها بكى خالد وقال أرجوك لا يدري أبي بما حدث أرجوك . حينها أشفق المرشد وقال المرشد : إذا لماذا تسرق يا بني ؟ خالد : أنا لم أسرق . المرشد بكل عصبية أخذ الكيس وقال إذا ما هذا ونثر ما في الكيس . ولما رأى المرشد الخبز وقد تساقط هنا وهناك بهت من شدة ما رأى ، ونظر إلى خالد وقد أغمض عينيه ، وصاح بشدة : لا ، قد كشف أمري . عندها سقط المرشد يبكي وأخذ يحضن خالد . خالد : أرجوك لا تخبر زملائي ، أرجوك يا أستاذي . المرشد : ولكن يا بني أين أبوك ؟ خالد : أبي تزوج ونسينا ، وأمي الآن لا تريده . المرشد : ولكن لماذا لم تخبرني بقصتك لكنت أنا لك الأب وأعطيتك ما تريد . خالد : أمي أخذت علي عهدا أن لا أخبر أحدا بحالتي ، ولا أطلب الناس شيئا ، ولكن ما الذي أفعله إذا لم يوجد عندنا خبز ، وأخي لا يجد ما يأكل . المرشد : إذا من كان يأتي لكم بأغراض الطعام ؟ خالد : لا أحد ، أمي تذهب إلى محل الملحمة وتأخذ اللحم المتساقط ، وتأتي به ، وأنا آتي بالخبز الذي يرمى ، ونتغذى به . حينها بكى المرشد بكاء مريرا ، وقال . المرشد : كيف تذهب إلى البيت ؟ خالد : اذهب مشيا على الأقدام . المرشد : اليوم سوف تذهب معي ، ومن الآن أنا مثل أبوك أي شيء تريده فاطلبه مني ، وأي شيء ينقص عليكم فأخبرني . خالد : ولكن أمي سوف تغضب . المرشد : لا عليك ، أنا سأكلمها . والأم هناك هي وطفلها عند الملحمة ، وبينما هناك إذا أتى شخص من الأشخاص ليشتري لحما ، فرآها تلتقط ما يسقط من اللحم ، وسأل عنها صاحب الملحمة وأخبره بأنها تأتي إلى هنا يوميا ، وتفعل مثل هذا الفعل ، وأشفق عليها ، وقال لصاحب الملحمة ، بأن يعطيها كل اثنين وخميس كيلو من اللحم في حياتي وبعد مماتي ، وعندما ذهب ، استدعى الجزار الأم الجزار : خذي هذا الكيلو اللحم ، وتعالي إل هنا كل يوم اثنين وخميس لتأخذي مثلها. أم خالد : شكرا لك ، ولكن هذا كثير . الجزار : إنه ليس من عندي إنه مع الشخص الذي رحل الآن ولم يطلب منك إلا الدعاء . أخذت تدعي أم خالد له ، ثم أخذت اللحم وانصرفت . وفي نهاية الدوام ذهب خالد مع المرشد ، وبينما هم في الطريق مر على متجر هناك وأخذ ما يحتاج إليه المنزل من أرز وبر وطحين وزيت وغيرها من الأغراض ، ولما وصلا إلى البيت ، أنزل المرشد الأغراض إلى منزل خالد ، ووضعها عند الباب ، وأم خالد هناك المرشد : هذه يا أختي أغراض بسيطة للمنزل . أم خالد : شكرا لك ولكن لدينا ما يكفي من الطعام . المرشد : لقد عرفت قصتكم ، وخالد أخبرني أنك لن تقبلي ولكن أنا من أصر على ذلك ، فلذلك يا أختي لا تحرميني من الأجر ، وغدا سآتي صباحا لأقل خالد إلى المدرسة ، ومصروفه علي . أم خالد : لا دعه يمشي فالمدرسة قريبة من هنا ، ويكفي أنه سيفطر هنا ، لماذا تكلف على نفسك . المرشد : أريده أن يكون ابني ، لأني ليس لدي أبناء ، فأنا متزوج من عشر سنين . أم خالد : الله يرزقك الذرية الصالحة ، وأن يعطيك على قدر نيتك ، إذا ما دام الأمر هكذا فلا بأس . المرشد : ولكن قبل أن أذهب لدي شرط . أم خالد : وما هو ؟ المرشد : أنك لا تعاقبي خالد لأنه أخبرني . أم خالد : إني لن أعاتبه ، ولن أعاقبه فهو لم يفعل ذلك عن قصد . المرشد : حسنا إذا إلى اللقاء ، وأي شيء تريدونه هذا رقمي وخالد عندي في المدرسة . أم خالد : حسنا إذا إلى اللقاء . |
![]() |
![]() |
#5 |
![]() ![]() |
![]()
الفصـل السادس:
وبعد الصبر ، وبعد التعب ، وبعد النصب ، يأتي الفرج من الله ، لم يسألوا أحدا غير الله سبحانه ، فرزقهم من حيث لا يحتسبون ، فهذا كان حالهم عندما تركهم أحمد ، ولكن هو في عيشة هنية ، وعيشة مرضية ، لا يذهب إلى الدوام إلى بعد الإفطار ، ولا يعود إلا وغداءه جاهز ، ثلاث وجبات يوميا ، وزوجته وابنيه كانوا لا يجدون وجبة واحدة في اليوم ، ولكن بعث الله إليهم من يهتم بهم ، فما بعد الصبر إلا الفرج ، فلله الحمد على كل حال ، فدوام الحال من المحال ، وهذا كما يحكى ويقال . تمر الأيام والسنين ، ، وتنتهي السنة الثانية والثالثة ، والرابعة ، وبدأت الأيام تنسي أحمد أهله ، وبدأ يخف من الذهاب إلى المدرسة ، إلى أن ترك الذهاب إلى هناك بالكلية ، وعندما أنهى المرحلة الابتدائية ، كل هذه السنوات كان من يصرف عليهم ويهتم بهم ، إنه المرشد ، أخذ شهادة مهند ، وسجله في المرحلة المتوسطة ، وعندما قبل خالد ، وبينما هم عائدون إلى البيت ، إذا بخالد يلتفت إلى المعلم ويقول . خالد : أستاذي ، هل أقول لك شيئا ؟ المرشد : تفضل يا بني . خالد : أريد أن أناديك باسم لطالما كنت أريد أن أردده على لساني ، اسم غالي على قلبي وليس أي أحد يستحقه ، ولكن هل توافق عليه . المرشد : سأوافق على أي لقب أو اسم تطلقه علي . خالد : هل أناديك بـ.... بـ .... المرشد : بماذا يا بني . خالد : بأبي . المرشد : لم يتمالك المرشد نفسه فنزلت الدمعة على خديه ، وكيف له أن لا تسقط وهو له ما يقارب الخمس عشرة سنة وهو لم ينادى بهذا الاسم ، فحق له والله أن يبكي . عندما رأى خالد الدمعة على خدي معلميه قال خالد : إذا لم ترض بهذا اللقب فلن أقوله لك مرة أخرى . المرشد : لا والله إنه ليشرفني أن تقول لي هذا ، ولي الشرف أن تكون ابني ، فمن لا يفخر بابن مثلك . ومن هذه اللحظة ، بدأ ينادي خالد المرشد بأبي ، وأطلق على المرشد من حينها بكنية ( أبو خالد ) وعند تخرج خالد من الابتدائية ، هناك شاب تخرج من المرحلة الجامعية ، أتدرون من هو إنه مهند ، وتعين مهند في نفس المدينة التي كان يعيش بها ، وعاد إلى مسقط رأسه ، وأصبح مهندسا في شركة كبيرة ، وفرحت أم خالد لما رأت أم مهند وعرفت بأنها لن ترحل مرة أخرى . أصبح خالد في السنة الثانية المتوسطة ، وسجل أخوه سعيد في نفس الابتدائية التي درس بها ، وكان يوصله معلمه الذي تكفل به وأصبح مثل أبيه ، وبعد نهاية الاختبارات من الفصل الدراسي لهذه السنة ، وفي يوم أخذ الشهادة ، مرض المعلم وأراد خالد أن يذهب إلى المدرسة مشيا على الأقدام ، ولكن أمه رفضت ذلك ، ولكنه أصر على الذهاب ، ذهب وأمه في قلق عليه ، وأخذ الشهادة وكالعادة إنه الأول على الفصل ، وهو عائد إلى أمه فرحا مبسوطا ، وبينما هو يمشي على الرصيف ، وهو يركض فرحا ، إذا أتت إليه سيارة مسرعة ، سيارة أحد الشباب الطائش ، هناك كانت المصيبة ، هناك وقعت الكارثة ، صدم خالد ، ومن قوة الصدمة ، ارتفع خالد إلى الأعلى ثم سقط على الأرض ، وأمه في البيت هنالك سقطت على الأرض ، لأنها أحست بضناها ، وكيف لها أن لا تحس بقطعة من جسدها ، هرب ذلك السائق ، واجتمع الناس على ذلك الطفل البريء ، والدماء تملأ الأرصفة ، وامتلأت شهادته بالدماء ، اتصل أم خالد بمهند وقالت أم خالد : السلام عليكم يا مهند . مهند : وعليكم السلام يا خالة ، آمري ماذا تريدين . أم خالد : أريدك أن تذهب لخالد ، ذهب إلى المدرسة ليأخذ الشهادة ولكنه لم يعد . مهند : حسنا يا خالة سأذهب إليه . ذهب مهند إلى المدرسة ، وهاهو يقترب من موقع الحدث ، إذ رأى التجمعات ، والصيحات والويلات ، ركن السيارة وذهب إلى هناك ، سأل أحد الشباب هناك ، ما الذي حدث قال له الشاب : طفل هناك مصدوم . مهند : وأين الذي صدمه ؟ الشاب : لقد هرب . مهند : كم للحادث وقت من وقوعه . الشاب : نصف ساعة تقريبا . مهند : هل عرفتم الطفل ؟ الشاب : يقولون إنه من المتوسطة هذه . هناك ترك مهند الشاب وذهب مسرعا يخترق الصف تلو الصف ، رأى ذلك الطفل ، إنه خالد ، نعم إنه خالد ، صاح صيحة قوية ، خاااااالد . انكب عليه يبكي ، ويقول أنا مهند يا خالد ، وأخذ مهند ينادي من بجواره هل اتصلتم بالإسعاف ، ويجاوبونه بنعم ، التفت خالد إلى مهند وأعطاه الشهادة التي انقلبت إلى اللون الأحمر من كثر الدماء ، ودخل خالد في غيبوبة ، أتى الإسعاف ، أخذوا خالد إلى الإسعاف ، وذهب مهند معه ، وأم خالد في البيت تنتظر ضناها ، لقد تأخر عليها ابنها ، ومهند لم يطمئنها ، وصل إلى المستشفى أدخلوه إلى غرفة العمليات ، ومهند خلف الباب ينتظر ، اتصل على المعلم ، وأخبره بما حدث ، وأتى إليهم مسرعا ، وأم خالد قلبها على نار ، تريد من يطمئنها على مهند وابنها ، ولكن الكل مشغول ، وبعد أذان الظهر ، اتصلت أم خالد على مهند، لم يجب في المرة الأولى وهي تعاود الاتصال وفي المرة الثالثة أجاب عليها ، أم خالد : أين أنتم يا بني ؟ مهند : نحن لا زلنا في المدرسة لأن الشهادات تأخرت . أم خالد : مستحيل أنكم في المدرسة . مهند : ولماذا يا خالة ؟ أم خالد : لأن قلبي ليس مطمئن إلى كلامك . مهند : اطمئني يا خالة فنحن كما قلت لا زلنا بالمدرسة . وفي هذه الأثناء يخرج الطبيب ، ويقول من هو ولي أمر الطفل ، قال مهند : أنا ، وقال المعلم : أنا ، ونسي مهند أن يغلق السماعة ، وأم خالد تسمع ما يدور بينهم . مهند : أخبرنا يا دكتور هل حالة خالد في خطر ( والأم تسمع ما يدور ، اضطرب قلبها من هول ما سمعت ) الطبيب : نحن عملنا الذي علينا ، والباقي على ربنا . المعلم : هل سنفقده يا دكتور ؟ الطبيب : لا أعلم ، ولكن سيبقى في العناية المركزة إلى أن يفيق . وإذا بصيحة سمعها الطبيب ، ومهند والمعلم الحبيب ، من أين مصدرها يا ترى ، ومن أين خرج هذا الصوت ، وينظر مهند إلى هاتفه وإذا به لم يغلق السماعة ، فقال مهند : ألو ، يا خالة . أم خالد : لماذا يا مهند كذبت علي ، لماذا يا مهند لم تخبرني لألحق بضناي ، لماذا يا مهند لم تخبرني من قبل . مهند : يا خالتي أردت إخبارك ولكن لا حقا ، يا خالتي خفت على صحتك ، يا خالتي أردت أن أحمل بعضا من العبء عنك . أم خالد : ولكن أين أنتم الآن ، وبأي مستشفى ، وكيف ابني ؟ . مهند : سأمر عليك الآن وآخذك معي . ذهب مهند إلى أم خالد وأخذها معه ، وأخذ أمه كذلك ، وخالته تصيح من البكاء ، وهو يهدئها ويقول يا خالتي لا تخافي إنه بخير إن شاء الله ، يا خالتي هدئي من روعك ، كيف لي أن أهدأ وهذا ابني ، كيف لي أن أهدأ أو أن ترك البكاء وحياتي كلها بكاء وألم ، عمي وعمتي ماتا ، وأبي مات ، وزوجي تركني ، وابني الآن ربما يموت ، وأم مهند تقول لا تخافي بإذن الله سيشفى ويعود كما كان بإذن الله . وصلوا إلى المستشفى وأم خالد تذهب مسرعة إلى العناية ، وترى ابنها من خلف الزجاج ، وتبكي وتقول : أم خالد : بني ، هل سترحل وتتركني ، بني ، هل ستموت وتزيد حزني ، بني ، هل ستتركني وينفطر عليك قلبي ، لن ترحل أليس كذلك ، ألم تقل لي يوما بأنك ستعيش معي إلى الأبد ، ألم تقل لي يوما لا تحزني يا أمي أنا موجود ، قل لي بأنك لن تتركني ، ليس لي بعد الله إلا أنت ، وهي تبكي وتزيد في البكاء ، وفجأة إذا بالجرس يطرق لقد انتهت الزيارة . قال مهند هيا يا خالة ، لقد انتهت الزيارة ، وسنعود له غدا إن شاء الله ، أم خالد : لن أذهب ولن أتحرك من هنا ، كيف لي أن أنام وخالد هنا ، كيف لي أن أنام وخالد ليس بقربي ، قل لي بربك كيف لي أن أنام . مهند : يا خالتي لن يتركونك تبقين بقربه . أم خالد : وحتى لو طردت سأبقى في الخارج بجانب الباب ، على الأقل يبقى خالد بقربي ، وحتى لو أراد شيئا أعطيه . ذهب مهند إلى المدير يريد أن يستأذنه في أن تبقى أم خالد هنا ، ومن حسن حظه أن وجد أحد زملائه هو المدير المناوب في تلك الليلة ، أخبره مهند بالوضع ، رفض المدير في البداية ، ولكن مهند أصر عليه حتى وافق . ذهب مهند وأمه ومعلمه وسعيد من المستشفى وبقيت هي عند ابنها ، جلست هناك بقرب الباب ، وهي تدعو الله ، وتبكي وتصر في الدعاء ، وعند الساعة الواحدة ليلا ، طلبت مريم من إحدى الممرضات سجادة للصلاة ، أعطوها السجادة وسألت عن القبلة ثم اتجهت إليها ، فأخذت تصلي تلك الليلة كاملة ، وتلح في الدعاء لربها ، حتى أذن لصلاة الفجر ، وجلست تدعوا الله حتى الشروق ، وعند الساعة الثامنة ، دخل الطبيب للكشف على حالة خالد ، وعند خروجهم ، استوقفتهم الأم الحنون ، وقالت مريم : بشرني يا دكتور هل حالة ابني في تحسن ؟ الطبيب : لا أدري نحن عملنا الذي علينا ، والباقي على الله . مريم : هل سأفقده يا دكتور. الطبيب : لا أعلم يا أختي ، ولكن ادعي الله له . [/color] عندها بكت بكاء مريرا ، وأخذت تلهج بالدعاء يا رب لطفا بابني ، يا رب من لي سواك فادعوه ، ومن لي غيرك فارجوه ، يا رب اشف ابني ، اللهم اشفه ، اللهم منّ عليه بالشفاء ، وارفع عنه كل بلاء ، وادفع عنه كل ضراء ، يا ذا الجلال والإكرام ، يا رب العالمين. ويمر اليوم تلو اليوم ، والأسبوع تلو الآخر ، وخالد تحت العناية ، وموصل بالأالفصـل السابع: جهزة ، وينتظر لطف الله وفرجه ، وأمه قي حالة يرثى لها ، لا تأكل كما يأكل الناس ، ولا تنام كما ينامون ، كلما قيل لها يا خالة كلي ، أو اشربي ، ترد قائلة ، كيف لي أن آكل وابني جائع ، وكيف لي أن أشرب وابني عطشان ، وكيف لي أن أذوق طعم النوم وابني يعاني الآلام ، أبني استيقظ أرجوك ، أبني رد علي أرجوك ، أبني انظر إلي أرجوك ، أبني لم أترك يوما الدعاء ، ولم أمل أطلب الله وأرجوه رجاء ، أن يمن عليك بالشفاء ، فاستيقظ فيكفيني بكاء . وفي يوم من الأيام ، وبعد شهر من دخوله المستشفى ، وبينما أمه تنظر إليه من خلف الزجاج ، إذا به بدأ بالحركة ، ذهلت أمه وقالت ، لقد تحرك ، نعم والله لقد تحرك جسده ، وبدأ شيئا فشيئا يفتح عيناه ، فرحت أمه حتى كادت أن تكسر الزجاج لتدخل عليه ، أخذت تجري في المستشفى ، وهي تبحث عن الطبيب المسئول ، وهي تصيح بأعلى صوتها ، ابني استيقظ ، أيا دكتور ابني فاق ، أيا أطباء تعالوا وانظروا إلى ابني وأنتم يا رفاق ، أسرع الأطباء إلى خالد ، ودخلوا عليه ، وعملوا له الفحوص اللازمة ، ثم خرجوا ، استوقفتهم أم خالد ، وقالت مريم : ما به يا دكتور ؟ الطبيب : لا شيء يا خالة ، ابنك في أحسن حال ، ولتكن لديك فكرة وهي أن ابنك من الحالات النادرة التي تقاوم هذه الإصابات ، فما ينجو منها إلا القليل . مريم : ومتى سألامسه ، ومتى أستطيع أن أقبله . الطبيب : قريبا يا خالتي إن شاء الله . مريم : لماذا ليس الآن ؟؟؟ الطبيب : ممنوع يا خالتي الدخول إليه في غرفة العناية ، ولكن سيخرج غدا منها أو بعد غد وبعدها قبليه على راحتك . ذهبت أمه إلى المنزل في تلك الليلة لترتاح فهي لم تريح أعصابها من ذو دخول ابنها إلى المستشفى ، وفي اليوم التالي عادت إلى المستشفى ، وبينما هي ذاهبة إلى العناية ، ترى الأطباء مجتمعين عند غرفة خالد ، دهشت من هذا المنظر ، وخافت على ابنها من بعد أن اطمأنت عليه ، وأخذت تجري بالمستشفى إلى أن وصلت إلى غرفة خالد ، وهي تقول للأطباء ماذا بكم ؟ وما خطبكم ؟ الطبيب المسئول : لا شيء يا خالة وإنما ابنك لا يستطيع الحركة . مريم : ماذا ؟ ما الذي تقوله يا دكتور ؟ الطبيب : هذا ما حدث يا خالة ، ولكن لا بد له فترة من الزمن حتى يستطيع الوقوف عليها والحركة . مريم : حزنت أم خالد أيما حزن ولكنها في نفس الوقت فرحة بأنها لم تفقد ضناها . خرج خالد إلى غرف التنويم ، وجلس هناك بضعة من الأيام ، وبعد أسبوع عاد إلى منزله ، وعاد إلى مستقره ، عاد إليه بعد شهور من الزمن ولكن ليس كما خرج منه ، فقد خرج منه يمشي على رجليه ، والآن يعود إلى هناك وهو على كرسي متحرك ، وتمر الأيام ، وبعد أسبوع من خروج خالد من المستشفى ، وفي يوم من الأيام ، وبعد صلاة العصر ، إذا بطارق يطرق الباب ، من يا ترى ، فتح سعيد الباب ، وإذا بشخص غريب ، لم يره سعيد من قبل ، شخص عابس كئيب . سعيد : من أنت ؟ أبو خالد : أين مريم ؟ ومن أنت ؟ سعيد : إنها بالداخل ، وأنا سعيد . أبو خالد : أنت ولدها ؟ سعيد : نعم ، ومن أنت ؟ أبو خالد : اذهب ونادها لي . وإذا بخالد أتى من الخلف ، على ذاك الكرسي المتحرك ، وهو يقول : خالد : سعيد ، من على الباب ؟ سعيد : لا أدري رجل يريد أمي . وصل خالد إلى الباب ، وإذا به ذهل مما رأى ، صاح يقول أبي !!! سعيد : أبي ، كيف يكون أبي ، أبي مات ، وإذا كان أبي حقيقة فأين هو كل هذا السنين . أبو خالد : أريد أمك ، أين هي ؟ أدخل خالد والده إلى الصالة ، وأتت مريم ، وهي تقول ما الذي تريد بعد كل ها السنين . أبو خالد : أنت كل هذه السنين في سعادة مع ابنيك ، وأنا أتجرع المرارة والأسى ، زوجتي لا تنجب ، وأنا لما علمت أن لديك ابنين أتيت لآخذ سعيد . أم خالد : ألم تخبرني سابقا بأن امرأتك حامل ؟ أبو خالد : كنت أكذب عليك .. أم خالد : وإلى أين ستأخذ سعيد ؟ أبو خالد : سأذهب به معي إلى خالته . أم خالد : لا أرجوك ، لا تفرق بيني وبين ابني ، أرجوك لا تحرمني منه . أبو خالد : هل ترين أن أجيب رجاءك وأنت لم تفكري بي كل هذه السنين التي مضت . أم خالد : أرجوك لا تفعل . أتى خالد من الخلف ، أبي ، إن كنت عازما على الأمر ، فخذني أنا ولا تأخذ سعيد ، أرجوك يا أبي اترك سعيدا مع والدتي ، فأنا كما ترى لا أستطيع الحركة ، واترك سعيدا حتى يقضي لأمي حاجاتها ، أرجوك يا أبي . أبو خالد : وماذا أريد بابن معاق ؟ خالد : دهش خالد من هول ما سمع ، وأخذته الدهشة ، وتوقفت الكلمات ، ثم انحدرت الدمعات ، وسقطت على خده العبرات ، ولما رأى سعيد الدمعات على خالد ، ذهب إلى أبيه يضربه ويقول : سعيد : أنت المعاق ، وليس أخي ، أنت المعاق ، ثم أخذه أبوه ، يسحبه ويقول : أبو خالد : هيا تعال معي . سعيد : لا ، أريد أمي ، أنا لا أعرفك ، عندها اشتعلت العاطفة لدى الأم الحنون ، وذهبت مسرعة تشد بملابس سعيد ، وتتوسل إلى زوجها أن يتركه ، وزوجها يشده من الجهة الأخرى ، وبينهم ذاك الطفل يبكي ويقول : سعيد : أريد أمي فأنا لا أعرفك . أبو خالد : أنا والدك ، سعيد : والدي مات ، لا أريدك ، أريد أمي . أم خالد : أرجوك اتركه هنا ، تعال كل يوم لتراهما ، أرجوك دعه ، أرجوك دعه . أبو خالد : لن أتركه ، سآخذه معي . ثم سحب أحمد ابنه سعيد ، وسقطت الأم على الأرض وهي تبكي وتصيح ، لا ، سعيد ، أرجوك يا أحمد اتركه ، أرجووووووك ، وخالد في الخلف يبكي ، فهو لم يستطع الكلام مع والده بعد أن قال له تلك الكلمة التي هزت مشاعره ، وألجمته عن الكلام ، وذهب أحمد منتصرا بعد أن أخذ ابنه سعيد . وأخذ يجر سعيد وهو يتشبث بأي شيء أمامه ، وهو لا يريد الذهاب معه ، وأركبه في السيارة ، وهو يبكي ويصيح ، أخذ أحمد شخص سعيد ، ولكن قلبه ووجدانه هناك في البيت عند أمه وأخيه ، تحرك أحمد بالسيارة ، وسعيد ينظر إلى المنزل الذي أخذ منه بالقوة ، وأمه أمام الباب تبكي ، ولم يترك نظره إلى أن توارى البيت عن العين . جلس سعيد في صمت ، يدور بداخله عدة تساؤلات ، هل هذا أبي كما يزعم ؟ إلى أن يذهب بي ؟ هل سأحرم من أمي وأخي إلى الأبد ؟ وفجأة وعند بيت فخم ، أوقف أحمد السيارة ، ثم نزل منها ، وأغلق باب السيارة ، وسعيد لا يزال بالداخل ، ثم صاح عليه أحمد أحمد : اخرج من السيارة ، قد وصلنا . نزل سعيد من السيارة ، وأخذ يمشي خلف والده ، لا يدري إلى أين تسوقه الخطى ، لا يدري إلى أين يذهب ، لا يدري من سيقابله ، هل يقابله شخص حنون يحتويه ، أم شخص غليظ شديد مثل أبيه . وعندما وصلا إلى الباب ، وفتح أبو خالد الباب ، وإذا بتلك المرأة تستقبلهما ، تسأل قائلة : سلمى : من هذا يا أحمد ؟ أحمد : إنه ابني سعيد . سلمى : هل أتى لزيارتنا أم سيمكث عندنا أياما قليلة ؟ أحمد : لا ، بل سيبقى هنا أبدا . سلمى : وهل أمه راضية على هذا الأمر ؟ أحمد : لا ، وإنما أنا من حقي أن آخذه فهو ابني . سلمى : لماذا أحرمته من حضن أمه ؟ ألم تفكر فيها ، ألم تفكر فيه . أحمد : أنت عقيم كما تعلمين ، وأنا أريد لي ابني يحمل اسمي ، ويساعدني عند كبري . أحمد : اسمعي لا أريد كثير من الكلام والنقاش ، هذا الولد سيتربى معنا ، خذيه الآن إلى غرفته . أخذته سلمى تقوده إلى غرفته ، وهو لا يريد ، إنما أمه وخالد يريد ، أوصلته إلى غرفته ، وأخذت تبتسم وتقول سلمى : هذه غرفتك ، وإن احتجت شيئا فأنا في خدمتك . وبينما أرادت الخروج من عند سعيد ولما وصلت إلى الباب ، نطق سعيد بقوله سعيد : أريد أمي ؟ لماذا تريدون أن تحرموني من أمي ؟ من أنتم ؟ أنا لا أعرف أحدا منكم ، من أين أتيتم ، لماذا تريدون أن تأخذي دور أمي ؟ لماذا ..... لماذا ؟ وأخذ في البكاء ، وأتيت إليه سلمى ، وتقول سلمى : هذا والدك ، وأنا سأحاول معه أن يعيدك إلى أمك ، أنا أشعر بك يا بني ، سآتي لك بماء . |
![]() |
![]() |
#6 |
![]() ![]() |
![]() ![]() |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
#7 |
![]() ![]() |
![]()
الفصـل الثامن:
ذهبت سلمى وأتت له بالماء ، وأخذت تلاطفه بالكلام حتى يتناسى همه ، وأخذ ذلك الطفل البريء يبتسم ، ويضحك ويداعب تلك المرأة التي احتوته بحنانها ، واحتضنته بالبسمة والمداعبة ، وقالت : سلمى : سأذهب لأعد العشاء لك ولأبيك . وبعد العشاء ، وعندما عاد إلى غرفته ، أخذ ينظر حواليه ، أخذ يبكي ويفتقد من كان ينام معه في الغرفة ، أخذ يتذكر خالد ، من كان يسليه ، من كان ينام معه ، من كان يلعب معه ، ما بين ليلة وضحاها يتغير حال ذلك الطفل المسكين ، وعندما استلقى على فراشه ، يذكر حبيبته ، يذكر غاليته ، يذكر والدته ، من كانت تضع عليه الغطاء ، من كانت تسكته عند البكاء ، أين هي ... وبينما هو يتذكر ويبكي ، إذ دخلت عليه خالته سلمى ، أخذ يكفف دموعه ، وأتت إليه لتنظر هل هو نائم أولا .. سلمى : لماذا أنت لم تنم ؟ ويجيبه بسؤال قد أتعبه .. سعيد : يا خالتي ... أريد أمي ؟ يا خالتي ... أريد من كانت تهتم بي ؟ يا خالتي ... أريد من كانت تغطيني ؟ يا خالتي ... أريد من كانت توقظني ؟ يا خالتي ... أريد أمي ؟ يا خالتي .... أريد أمي ؟ وعاد إلى البكاء ، وأبكى خالته ، واحتضنته وهي تقول ستعود إليها إن شاء الله ، حسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب . فكيف لهذا الطفل البريء أن ينسى أمه ، فهو ينام على ذكراها ، ويستيقظ على طيفها ، وهي لم تغب من خياله ، ولم تمح من ذاكرته ، ولن ينساها من حياته ، فهي والدته . وتمر الأيام وقبل بداية العام الدراسي الجديد ، ذهب والده ونقله من مدرسته إلى مدرسة أخرى ، وذاك الطفل يتحين بدء الدراسة لأنه يتوقع أن يرى أخيه بانتظاره عند باب المدرسة . ومع بداية الدراسة ، استيقظ سعيد وهو مستبشر بقدوم المدرسة ، وركب مع والده ، وهو في شوق أن يرى أخيه ، وإذا بوالده يتجه إلى مدرسة أخرى ، ولما وصل إلى هناك قال أبو سعيد : هذه هي مدرستك يا سعيد . سعيد : ماذا !!!!! أنت مخطئ يا أبي فمدرستي ليست بهذه . أبو سعيد : لقد نقلتك إلى هذه المدرسة . صدم سعيد من هول ما سمع ، وزادت كراهيته لأبيه . وفي ذاك اليوم من هو متحمس ومتشوق لهذا اليوم ، إنه خالد ، فهو هناك على الباب ينتظر قدوم أخيه بفارغ الصبر ، يريد أن يراه ويطمئن عليه ، هل هو بخير ، أم يشتكي من علة ما ؟ ولكن لم ير أحدا ، ذهب خالد إلى مدرسته متكدر الخاطر ، متغير الوجه ... وفي اليوم التالي يعود إلى المدرسة ، ولم ير أخيه سعيد ، وعاد خائبا . وفي اليوم الثالث كذلك يفعل مثل ما فعل في اليومين الماضيين ، ولم ير أخيه ، حينها دخل إلى المدرسة ، وسئل المدير خالد : السلام عليكم ؟ المدير : وعليكم السلام ... خالد : أن لم أر سعيد بن أحمد في اليومين الماضيين . المدير : وما علاقتك به ، ولماذا تسأل عنه ؟ خالد : إنه أخي . اندهش المدير وقال : أخوك ولا تعلم عنه شيئا . خالد : إنه قصة طويلة ولكن أين هو ؟ المدير : لقد نقله والدك إلى مدرسة أخرى . تغيرت ملامح خالد ، وأصبح حزينا مما سمع ثم قال : إلى أين نقل ؟ المدير : لا أعلم . خالد : شكرا لك يا أستاذ ، وآسف على الأخذ من وقتك . المدير : لا بأس . عاد خالد إلى المنزل حزينا مما سمع ، طرق الباب ، وفتحت له والدته المهمومة ، والدته الحزينة ، والدته الكسيرة ، وهي تقول مريم : ماذا بك ؟ لماذا لم تذهب إلى المدرسة ؟ عندها بكى خالد وقال خالد : معلمي انتقل إلى مدينة أخرى وأنا أذهب يوميا إلى مدرسة سعيد التي بجوارنا ، أذهب إلى هناك على هذا الكرسي المتحرك ، أذهب إلى هناك لكي أرى أخي وبالتالي ، وبعد هذه الأيام يتضح الأمر بأنه نقل أخي ، قلي لي لماذا يعاملنا بهذه القسوة ، لماذا يحرمنا من أخي ؟ لماذا ... لماذا يا أمي ؟ مريم : ألم تذهب إلى مدرستك ؟؟ خالد : لا ، ذهبت إلى مدرسة سعيد ولكني عدت خائبا . بكت مريم وقالت : حسبنا الله ونعم الوكيل ، إنا لله وإنا إليه راجعون . اصبر يا بني ففي يوم سيعود بإذن الله ، ولا تنس دعاء الله في كل صلاة أن يعود لنا سعيد |
![]() |
![]() |
#8 |
![]() ![]() |
![]()
الفصـل التاسع:
وتمضي الشهور والأعوام ، وعندما بلغ سعيد المرحلة الثانوية ، وبينما هو في المرحلة الثانية منها ، وبعدما عاد من المدرسة ، وجلس مع أبيه وخالته على مائدة الغداء ، إذا باتصال يأتي لوالده ، لم يجب في المرة الأولى .. وفي المرة الثانية قالت له سلمى سلمى : أجب على الهاتف . أحمد : لا أريد إنه السكرتير الخاص . سلمى : لا بد أن هناك أمر ضروري يريد أن يطلعك عليه . أحمد : إذا اتصل مرة أخرى سأجيب . ثم اتصل مرة أخرى ، حينها أجاب أحمد أحمد : نعم . السكرتير : السلام عليكم . أحمد : وعليكم السلام . السكرتير : أنا آسف على الاتصال الآن ، وإنما الأمر ضروري جدا . أحمد : وما الأمر الذي دعاك للاتصال الآن . السكرتير : أرجو أن تتمالك أعصابك ، وأن تسيطر على نفسك . فز أحمد من مكانه وقال أحمد : ما الأمر ، إنك تخيفني . السكرتير : لقد ... لقد ... أحمد : لقد ماذا ، أجب ما الأمر . السكرتير : لقد خسرت كل أسهمك ، ولم يبق لديك شيء . أحمد : ماذا .... ما الذي تقوله ... هل أنت متأكد من الأمر ؟ السكرتير : نعم أنا متأكد ، وأنت مطالب بتسديد القروض التي أخذتها من البنك . أحمد : لا ... أنت مخطأ ... أنت مخطأ ، ثم سقط مغشيا عليه من هول ما سمع ، وصاحت سلمى ، وفز سعيد من مكانه ، أخذوا يقلبونه يمينا وشمالا وهو لا يتحرك، رفعه سعيد وخالته ، وذهبوا به إلى المستشفى ، كشف عليه الأطباء وأدخلوه إلى العناية الخاصة ، وأخبروا سعيدا بأن والده في غيبوبة . أخذ الطبيب يسأل سعيد ما الذي أصاب والده . سعيد : لا أعلم ، أتاه اتصال من سكرتيره الخاص ، وأخذ يقول هل أنت متأكد مما تقول ، وقال أنت مخطأ أنت مخطأ ثم سقط مغشيا عليه . الطبيب : اتصل الآن على السكرتير واسأله ماذا أخبر والدك .. أجرى سعيد الاتصال بالسكرتير ، وأخبره بأن والده قد خسر في الأسهم ، وأنه الآن لا يملك أي شيء ، بل عليه قروض لا بد من تسديدها في الوقت الحالي . وأخبر سعيد الطبيب بما حدث ، عندها تكشفت الأمور للطبيب ، وقال لسعيد ، والدك الآن في غيبوبة من صدمة الأمر الذي قيل له ، ولا ندري متى يستيقظ منها ، وأخبره بأننا سنهتم به بمشيئة الله تعالى ... وبعد شهرين من الغيبوبة ، فاق أحمد منها ، ولكن حالته الصحية في تدهور ، أخرج إلى غرفة التنويم ، وعندما زاره سعيد وخالته ، وبعد أن اطمأنوا عليه ، وعندما أراد الذهاب قال أحمد لسعيد أحمد : سامحني يا بني على ما فعلته معك . لقد حرك جرح سعيد ، لقد أدمى جرح سعيد بعدما كاد أن يلتئم ، وما كان من سعيد إلا أن قال . سعيد : كيف تريدني أن أسامحك وأنت من حرمني من أغلى شيء في الكون ، كيف لي أن أعفو عنك وأنت حرمتني من أمي ، كيف لي أن أنسى ما فعلته بي ، كيف لي أن أسامحك وأنا أنام على ذكرى أمي ، وأصحو على طيفها ، كيف لي أن أسامحك وأنت حرمتني الحنان في وقت أنا كنت محتاجا إليه ، كيف لي أنا أسامحك وأنت منذ أخذتني لم تجلس معي كما يجلس الأب مع ابنه ، كيف لي أن أسامحك وأنت لم تقبلني ولم تضمني يوما ، قلي بربك كيف أسامحك ؟ ثم انصرف سعيد وهو يتذكر أمه وأخيه ويبكي ، وتبعته خالته ، وعندما وصلا إلى المنزل ارتمى في حضن خالته وهو يبكي ويقول سعيد : والله يا خالتي لا أستطيع أن أسامحه ، فذكرى أمي وأخي لا تزال محفورة في ذاكرتي سلمى : أنا أعلم ما تشكو يا بني ، وأعذرك فأنت تتألم من داخلك ، ولكن حاول أن تعفو عنه فقد قال تعالى : " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " سعيد : لا أستطيع أن أسامحه فقد حرمني من حضن أمي ، وقد حرمني من رؤية أخي... سلمى : لقد شعر بغلطته وهو يريد السماح منك . سعيد : وأنا لا أريد أن أسامحه بل أريد أن يتجرع المرارة التي تجرعتها على يديه . وبينما هما في الحديث إذا بالهاتف يرن أجاب سعيد سعيد : نعم . المتصل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . سعيد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . المتصل : هل هذا منزل أحمد بن محمد ؟ سعيد : نعم . من أنت ؟ المتصل : أنا الطبيب المسئول عن أبيك . سعيد : أهلا دكتور ، ما الخبر ؟ المتصل : أريدك أن تأتي حالا إلى المستشفى . سعيد : ولماذا ؟ هل الأمر ضروري. المتصل : نعم . والدك يحتضر ، تعال حالا . سعيد : سآتي إن شاء الله . ذهب سعيد مسرعا إلى المستشفى ، وما أن وصل إلى هناك ، إلا أن والده قد فارق الحياة ، وأتى وإذا بهم قد وضعوا الغطاء على وجهه ، ولما دخل إلى هناك قام أحد الأطباء الذين كانوا متواجدين حال احتضاره بإعطاء سعيد ورقة مكتوب بها وصية والده . فتح سعيد الورقة ، وأخذ يقرأ ما بها ، وإذا مكتوب فيها : " أطلب منك السماح يا بني على ما فعلته معك ، وأنا لن أرتاح بقبري ما لم تسامحني : وأرجوك أن تبحث عن والدتك وأن تطلب منها أن تسامحني هي وخالد ، أرجوكم سامحوني " عندها دمعت عينا سعيد ، وقال : سامحك الله يا والدي ،سامحك الله يا والدي . وبعدها أقاموا العزاء لمدة ثلاثة أيام ، وقامت سلمى بسداد ما كان على أبي خالد من ديون ، من هنا انفكت القيود عن سعيد ، وفي اليوم التالي من انتهاء العزاء أخذ سيارته وذهب مسرعا ، يا ترى إلى أين يتوجه ؟ وإلى أين يسير ؟ وإلى أين ينطلق ؟ أتدرون إلى أين !! ذهب مسرعا إلى المكان الذي لا يزال مرسوما في خياله ، ذهب إلى منزل أخيه ووالدته ، ذهب ليلتق أمه وأخيه ، ذهب إلى من حرم منهم منذ الصغر ، وصل إلى المنزل البسيط ، وصل وكله شوق وحنين إلى من بداخله ، طرق الباب ، انتظر قليلا ولم يجبه أحد ، وفي المرة التالية يطرق الباب وإذا بصوت يرد عليه صاحب المنزل : انتظر قليلا . استبشر سعيد بذاك الصوت ، وبدأ يرسم في مخيلته شكلا لذاك الصوت ، ويعتقد بأنه خالد . فُتح الباب ومن بخلفه عجوز قد تجاوز الستين من عمره . العجوز : نعم يا بني من تريد . سعيد : من أنت يا عم ، ولماذا أنت هنا ؟ ضحك العجوز وقال : بل من أنت : أنا ساكن هنا من زمن بعيد ، منذ ما يقارب سبعة أعوام ، والآن تسأل من أنا . سعيد : والذين كانوا هنا أين ذهبوا ؟ وإلى أين انتقلوا ؟ العجوز : لا أعلم ، فأنا أتيت إلى هنا من قبل أحد فاعلي الخير ولم أعلم من كان قبلي . سعيد : شكرا لك يا عم ، وأنا آسف على الإزعاج . العجوز : ولكن لم تخبرني من أنت . وعن من تبحث ؟ سعيد : أنا قصتي يا عم طويلة لا أريد أن أشغلك بها ولكن أعتذر مرة أخرى عن الإزعاج ، إلى اللقاء يا عم . العجوز : إلى اللقاء . عاد سعيد عابس الوجه ، متكدر الخاطر ، خائب المنال ، عاد إلى خالته ، واستسلم للأمر الواقع ، وأنه لن يرى أمه وأخيه مرة أخرى . وبعد فترة من الزمن ، وعندما أصبح سعيد مدرسا بإحدى المدارس الابتدائية في نفس المدينة ، قرر الزواج ، وأخذت خالته تبحث له عن فتاة جميلة ، فتاة خلوقة طيبة ، وجدت تلك الفتاة ، إنها فتاة في المرحلة الأخيرة من الدراسة الجامعية ، إنها منى ، ابنة جيرانهم ، أخبرت الخالة سعيد بالأمر واستشارته هل هو موافق عليها أن لا . سعيد : يا خالتي أنت الآن بمثابة أمي وافعلي ما تريدين فأنا أجزم بأنك لن تختاري إلا ما يناسبني . |
![]() |
![]() |
#9 |
![]() ![]() |
![]()
الفصـل العــاشر والأخــير..
تزوج سعيد من منى ، وبعد أسبوع من الزواج ، قرروا الذهاب إلى شهر العسل ، انطلقوا مع أذان صلاة العصر ، وبينما هم في الطريق إذ مر سعيد بجانب منزلهم القديم ، يتذكر أيام طفولته ، ويتذكر أمه وخالد الذين لن ينساهم أبدا ، ذهب من أمام المنزل ، وبعد مسافة قريبة جدا لا تتجاوز الخمسة كيلو متر ، أقيمت الصلاة ، ووقف بجانب مسجد هناك ، أوقف سيارته ثم نزل منها ، ونزلت معه منى ، أدخل زوجته إلى مصلى النساء ، ثم عاد ليدخل من باب المسجد ، وهناك شاب معاق يريد الطلوع من عتبة باب المسجد ولكنه لم يستطع ، رآه سعيد وذرفت عيناه ، أتدرون لماذا ، لأنه ذكر خالد ، ذهب سعيد مسرعا ليساعده في الدخول إلى المسجد ، أدخله سعيد إلى المسجد ، وشكره ذلك الشاب المعاق على ما فعله معه ، وبعد الفراغ من الصلاة ، أخذ سعيد ينظر إلى ذلك الشاب المعاق ويتذكر أخاه ، يتذكر حبيبه ، يتذكر أنيسه ، خرج سعيد من المسجد ، وعاد إلى سيارته ، وقد زاده الشوق والحنين إلى أمه وأخيه ، وبعد أن صعدت زوجته ، حرك سيارته ، وبدون أي شعور عاد أدراجه إلى منزلهم القديم ، وزوجته سارحة في خيالها ، وهناك أمرقد شغل تفكيرها ، وفجأة إذا بسعيد يقول سعيد : إلى أين نحن ذاهبون ؟ زوجته : لا أعلم . سعيد : ولماذا لم تتكلمي أنني أخطأت في الطريق . زوجته : لم أكن منتبهة فقد شغلني أمر. سعيد : وما ذاك الأمر يا ترى ؟ زوجته : لقد رأيت في المسجد مسنة قد أصابها الهم والحزن ما الله به عليم أطلت النظر فيها ، وإذا بامرأة بجانبي تقول لي : هل رأيت تلك المرأة ، إنها ترتاد المسجد منذ 15 عام تقريبا ، تدعو وتتضرع ، وتبكي ومن المرارة تتجرع ، لو تذهبي إليها وتسأليها ما الذي حدث لها ، ستشرح لك قصتها . ذهبت إليها وسألتها ما بك يا خالة ، وما الذي أصابك ، عندها بكت ، أو تدري ما قالت ؟ سعيد : وماذا قالت ؟ !! زوجته : قالت لي : المسنة : سأروي لك قصتي باختصار ، كنت متزوجة ، وأنجبت من زوجي ابنا سميته خالد ، ثم سافر وتزوج علي ، وتركته ، وذهبت إلى شقة أخرى ، وتركنا بعدها وكنت حاملا ، وأنجبت بعدها سعيد ، وتمر الأعوام ، ويحصل حادث لابني خالد أصبح بعدها معاق ، وبعد مرور من الزمن ، أتى أبو خالد ، وأخذ مني سعيد ، وحرمني منه إلى الآن ، فأنا الآن لي 15 عاما لم أرى ابني ، ولا أعلم عنه شيئا ، هل هو فرحان أم حزين ، هل هو بصحة وعافية أم مريض ، وأنا لم أيئس من وجوده ، وأنا أدعو الله دوما أن أعلم عنه أي شيء لكي أرتاح ، أريد أن أعلم عنه هل مطمئن ، هل هو بخير هذا ما أريده . منى : أليست قصة أليمة ( والتفت إلى سعيد ) يا ........ دهشت مما رأت ، لقد ذرفت عيناي سعيد ، وعاد أدراجه مسرعا إلى ذلك المسجد ، وزوجته تقول : أنا أعلم أنها قصة أليمة ، ولكن ماذا بأيدينا أن نعمل ، ما لنا إلى ندعو الله لها أن يعيد إليها ابنها . وصاح سعيد بأعلى صوته ، أنا ابنها ، إنها أمي يا منى ، إنها من حرمني أبي عنها ، إنها أمي وليست كما تظنين أن أمي سلمى ، وبدأ يبكي كالطفل الصغير ، وبدأت زوجته تبكي معه ، وصلوا إلى المسجد وانتظروا إلى صلاة المغرب ، نزلوا إلى المسجد وبعد الصلاة ، خرج سعيد مسرعا وخرجت زوجته وهو يقول سعيد : هل رأيتها ؟ منى : لا إنها لم تأت . ضاق سعيد مما سمع ، لا بأس ستأتي العشاء ، أُذن لصلاة العشاء وأتوا إلى المسجد مسرعين لعلهم أن يجدوا من يبحثوا عنه . ومثل صلاة المغرب لم يجدوا المرأة المسنة سعيد : اذهبي واسألي أحدا ربما يعرف أين منزلها . عادت منى إلى المسجد واستوقفت امرأة في المسجد وسألته هل تعرف امرأة اسمها مريم ( أم خالد ) المرأة : نعم أعرفها ، ووصفتها بمنزلها . شكرت منى المرأة ثم عادت إلى سعيد لتخبره بمكان أمه ، ذهب مسرعا إلى المنزل وهو لا يبعد عن المسجد ، وطرقوا الباب ولكن للأسف لم يجدوا أحد ، مكثوا طويلا هناك ولكنهم لم يجدوا أحدا . عادوا كالعادة خائبين ، وقالوا ربما أخطأت المرأة في وصف بيتها ، وأن هذا ليس منزل والدتي . استأجروا شقة في نفس الحي ، وناموا هناك ، وفي اليوم التالي وعند أذان العصر انطلقوا هناك إلى المسجد ، وصلوا ولكنهم لم يجدوا المرأة ، وقالت منى منى : هيا نذهب إلى المنزل الذي وصفتنا إياه المرأة . سعيد : لا أحد هناك ، وإنما سنعود كالعادة خائبين . منى : فلنحاول هذه المرة علنا نجد أحدا يرشدنا إن كنا مخطئين . سعيد : إذا فلنذهب على بركة الله . عندها ساروا متجهين إلى المنزل ، طرقوا الباب ، وإذا بمن في الداخل يقول انتظروا قليلا . فُتح الباب ، وإذا بالشاب المعاق الذي ساعده سعيد في الدخول إلى المسجد ، إذا بسعيد يقول سعيد : خالد بن محمد ؟ خالد : نعم أنا هو . من أنت . عندها بكى سعيد وانكب إلى أحضان خالد وهو يبكي ويصيح أنا أخوك سعيد . ذهل خالد من هول ما سمع ، وسمعته والدته وتركت ما بيدها وأتت مسرعة . مريم : سعيد ، ابني ، واحتضنته بشدة وبكت ، وهو يزيد في البكاء ، وقام خالد يعتمد على الكرسي إلى أن قام على رجليه ، ومشى على قدميه ليشارك أمه وأخيه الفرحة والاحتضان ، دهشت أمه مما رأت ، خالد يمشي بعد هذه السنين ، احتضنت الأم ولديها ، وبكت بكاء مريرا ، نعم ، لطالما بكت حزنا وألما ، واليوم تبكي بكاء الفرح ، ومنى بالباب تبكي مما ترى ، وبعد العناق من بعد الفراق ، وبعد تبادل القبلات ، وبعد الفرحة رأت أمه من بالباب وسألت سعيد مريم : من هذه يا بني ؟ سعيد : إنها زوجتي يا أمي . سلمت عليها مريم ، وأدخلتها إلى الداخل . وخالد أخذ أخيه وذهب به إلى المجلس ، وعندما جلسوا في ذاك المجلس أخذ خالد يسأل أخاه في أثناء دخول والدته خالد : كيف حال من حرمك منا ، استصعب أن يقول أبي سعيد : لقد مات منذ مدة ، وكتب وصيته يطلب منكم السماح . خالد : لن أسامحه ... وأسكتته والدته بقولها : بني طلب منك السماح والآن هو ميت فسامحه الله . عندها سكت خالد ولم ينطق بكلمة . سعيد : أخبرني يا خالد ، كيف أكملت الدراسة وأنت بهذه الحالة ؟ خالد : في المتوسطة كنت أذهب مشيا ، لأن المدرسة بقربنا ، أما في الثانوية ، فقد كان يوصلني مهند إلى المدرسة ، ويأتي بي ، وتركت الدراسة بعد الثانوية ، واشتغلت في شركة مع مهند ، والحمد لله على كل حال . وأنت يا سعيد ؟ سعيد : أنا أكملت الدراسة الجامعية وأصبحت مدرسا في هذه المدينة . وبعد تبادل الأحاديث والأخبار قال سعيد . سعيد : أتدرون من ينقصنا في هذه الجمعة الطيبة ، وفي هذا المجلس الطيب ؟ مريم وخالد : من ؟ سعيد : إنها أمي الثانية ، إنها أمي سلمى ، من ربتني وعطفت علي . مريم : لا أريد أن أراها . سعيد : أماه أرجوك ، فلو تعلمي ما فعلته لي لسامحتها وأحببتها . مريم : وما الذي فعلته ؟ سعيد : من أشفقت علي عندما أخذني أبي ، من تضمني عندما يضربني أبي ، من كانت تحاول في أبي أن يعيدني إليك ، من كانت بدورها هي من تبحث عنك . مريم : هل كانت تفعل ذلك حقا يا بني . سعيد : نعم كانت تفعل ذلك ولم تكن راضية على فعل أبي بك وبي . مريم : إذا لا بأس يا بني . ذهب سعيد وأتى بها ، وبعد أن جلسوا يومين ، انتقلوا إلى منزل سلمى ، وعاشوا عندها في منزلها الذين يتكون من طابقين ، وأعطت كل واحد منهم شقة ليعيش بها ، وتزوج خالد ، وأصبح لسعيد ولد سماه سامي ، وابنة اسمها لمى ، وخالد لديه ابنة اسمها لمار ، وعاشوا بعدها في سعادة وهناء ...... وأخـــيراً.. أشكر كل من تابع ، وكل من زودني بالملاحظات ، ولن أقول أبدعت في هذه الرواية لأنها لم تخلو من الأخطاء ، ولأنها الرواية الأولى ، وأرجو أن تكون قد نالت إعجابكم .... تحيات الكاتب ... عبد الله الغامدي .. |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أريد, حالتي |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
ديوان الشاعر / محمد ابن الذيب "المقروءهـ" المكتوبه | نادر الوجود | …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… | 54 | 07-23-2011 06:15 PM |
الديوان المكتوب للشاعر" ناصر الفراعنه" | عـــودالليل | …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… | 39 | 07-13-2011 09:31 PM |
"ديوان الشاعر طلال السعيد" | a7med | …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… | 1 | 03-01-2009 04:12 PM |
ااسماء الله الحسنى | ضحكة خجوله | …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… | 8 | 01-22-2009 08:13 PM |
ديوان الشاعر / محمد بن جار الله السهلي "المقروءهـ" المكتوبه | نادر الوجود | …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… | 0 | 12-18-2008 01:40 AM |
![]() |