![]() |
#1
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() ![]()
تفسير سورة التكوير
عدد آياتها: تسع وعشرون آية، مكية. سبب نزول الآية رقم تسع وعشرين: أخرج ابن جرير الطبري في "التفسير" (24/ 173) وابن بطة في "الإبانة الكبرى" برقم (1897) وهو مرسل، عن سليمان بن موسى، قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 28] قال أبو جهل: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِي ﴾ [التكوير: 29]. مقاصد السورة: (1) ذكر بعض العلامات الكبرى ليوم القيامة. (2) ذكر بعض أهوال يوم القيامة. (3) التذكير والترهيب بالقرآن وبالسورة الكريمة. (4) القسم في السورة الكريمة للتأكيد على معانيها المباركة سيرًا على وفق العرب في كلامهم. (5) ذكر بعض أوصاف جبريل عليه السلام. (6) ذكر بعض أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم. (7) ذكر بعض أوصاف القرآن الكريم. (8) الترهيب من التكذيب بالقرآن ومن شدة حساب الكافرين. (9) دفاع الله تعالى شأنه عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. (10) بيان أنه لا مفر من الله. (11) إثبات المشيئة والاختيار للعبد. (12) مشيئة العبد خاضعة لمشيئة الله. مناسبة سورة التكوير لسورة عبس التي قبلها: أنها شرحت حال يوم القيامة، وبينت ما يقع فيها من أحداث عند قيام الساعة وبعد قيامها، وذلك ما تضمنته آخر السورة التي تقدمت عليها (سورة عبس)[1]. المناسبة بينها وبين سورة الانفطار التي بعدها: كلٌّ منها تتحدث عمَّا يصيب الكون من تغير وتبدُّل قبيل القيامة، ففي التكوير يأْتي قوله تعالى: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1] إلى قوله -جل شأنه-: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير: 13، 14]، وفي سورتنا هذه يجيء قوله -عز من قائل-: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَت ﴾ [الانفطار: 1] إلى قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴾ [الانفطار: 4، 5]؛ فهدف السورتين يكاد يكون متفقًا على غرض واحد؛ وهو بيان ما يحدث قبيل يوم القيامة من أحوال عظام وأحداث جسام[2]. فضلها: أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُ رَأْيٌ عَيْنٍ فَلْيَقْرَأْ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ﴾ [التكوير: 1]، و﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾ [الانفطار: 1]، و﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1]». تفسير سورة التكوير: تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ ﴾ [التكوير: 1 - 14]. إذا: أداة شرط؛ أي: اذكر حين تكور الشمس، وكورت: أي: جمع بعضها على بعض ثُمَّ تُلَفُّ، قَالَ الزَّجَّاجُ: لُفَّتْ كَمَا تُلَفُّ الْعِمَامَةُ، يُقَالُ: كَوَّرْتُ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِي، فَإِذَا فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ ذَهَبَ ضوؤها. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَظْلَمَتْ. وقال الربيع ابن خُثَيْمٍ: ﴿ كُوِّرَتْ ﴾؛أَيْ: رُمِيَ بِهَا، وَمِنْهُ كَوَّرْتُهُ فتكوَّر؛ أي: سقط. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: غُوِّرَتْ، وقَالَ مُجَاهِدٌ: اضْمَحَلَّتْ. وعَنِ الْحَسَنِ: ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾قال: "تُكَوَّرُ حَتَّى يَذْهَبَ ضوؤها فَلَا يَبْقَى لَهَا ضَوْء". قوله: ﴿ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَت ﴾؛ أَي: تَنَاثَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ، وَتَسَاقَطَتْ عَلَى الْأَرْضِ، وقال ابن عباس: قال: تغيرت. وَقِيلَ: انْكِدَارُهَا: طَمْسُ نُورِهَا، وأخرج مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ». قال النووي في شرح الحديث: "قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْأَمَنَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالْأَمْنُ وَالْأَمَانُ بِمَعْنًى، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَنَّ النُّجُومَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَالسَّمَاءُ بَاقِيَةٌ، فَإِذَا انْكَدَرَتِ النُّجُومُ وَتَنَاثَرَتْ فِي الْقِيَامَةِ وَهَنَتِ السَّمَاءُ؛ فَانْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ وَذَهَبَتْ"[3] ا هـ. قوله: ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ﴾؛ أَيْ: قُلِعَتْ عَنِ الْأَرْضِ، وَسُيِّرَتْ فِي الْهَوَاءِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً ﴾ [الكهف: 47]، وقوله: ﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ﴾ [الواقعة: 5، 6]، كما قال الله تعالى: ﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴾ [النبأ: 20]. قوله: ﴿ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ﴾؛ النُّوقُ: الْحَوَامِلُ الَّتِي فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، الْوَاحِدَةُ عَشْرَاءُ، وهي من أعز ما يملكه العرب، وَمَعْنَى «عُطِّلَتْ»: تُرِكَتْ هَمَلًا بِلَا رَاعٍ؛ وَذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْهَوْلِ الْعَظِيمِ. أو عطلت؛ لأنها لم تعد من أنفس أموالهم. وَقِيلَ: الْعِشَارُ: السَّحَابُ الممطر، وَتَعْطِيلُهَا عَدَمُ إِمْطَارِهَا. وقيل: الأرض التي يعشر زَرْعُهَا في زكاة الزرع، تُعَطَّلُ فَلَا تُزْرَعُ[4]. قوله: ﴿ وَإِذَا الْوُحُوشُ ﴾؛ يَعْنِي: دَوَابَّ البرية، نحو: السباع وما شابهها، ﴿ حُشِرَتْ ﴾، عن ابنِ عَبَّاس: «حَشْرُهَا: مَوْتُهَا»، وقيل: جُمِعَتْ بَعْدَ الْبَعْثِ لِيُقْتَصَّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ، وكل الدواب والطير يبعث للقصاص، ففي الحديث الذي أخرجه ابن جرير عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يَقْضِي اللهُ بَيْنَ خَلْقِهِ؛ الْجِنِّ، وَالإِنْسِ، وَالْبَهَائِمِ، وَإِنَّهُ لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ الْجَمَّاءَ مِنَ الْقَرْنَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ تَبِعَةً عِنْدَ وَاحِدَةٍ لأُخْرَى، قَالَ اللهُ: كُونُوا تُرَابًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ الْكَافِرُ: ﴿ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ﴾ [النبأ: 40]، وأخرج مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ». قوله: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾؛ سجرت؛ أي: اشتعلت نارًا، وفي الآية: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ [الطور: 6]. وقيل: ﴿ سُجِّرَتْ ﴾؛ بمعنى: فُجرت، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾ [الانفطار: 3]. وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" (10 / 3403) عن قتادة: ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ قَالَ: ذَهَبَ مَاؤُهَا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا قَطْرَةٌ. قوله: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَت ﴾؛ يعنى: أُلْحقَ كُلُّ إِنْسَانٍ بِشَيْعَتِهِ؛ الْيَهُودُ بِالْيَهُودِ والنصراني بالنصراني، كما قال تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُون ﴾ [الصافات: 22]، فكل إنسان يحشر مع شبهه وشيعته، فيحشر المرء مع من أحبَّ كما ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «المرءُ معَ مَنْ أحَبَّ»؛ [متفق عليه]، وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" برقم (34492)، وأبو نعيم الأصبهاني في "صفة الجنة" برقم (296) عن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، وَيُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ فِي النَّارِ. وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ». وقيل: ﴿ وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ﴾ رجوع الأرواح إلى أجسادها لتبعث. قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَت ﴾؛الموءودة: هي البنت الصغيرة تدفن وهي حية، فمنع الإسلام ذلك، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَوْءُودَةُ هِيَ الْمَدْفُونَةُ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا هِيَ حَمَلَتْ فَكَانَ أَوَانُ وِلادِهَا حَفَرَتْ حُفْرَةً، فَتَمَخَّضَتْ عَلَى رَأْسِ تِلْكَ الْحُفْرَةِ فَإِنْ وَلَدَتْ جَارِيَةً رَمَتْ بِهَا فِي تِلْكَ الْحُفْرَةِ، وَإِنْ ولدت غلامًا حبسته. قال سبحانه: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُون ﴾ [النحل: 58، 59]، الوأد مَأْخُوذٌ مِنَ الثِّقَلِ؛ لِأَنَّهَا تُدْفَنُ، فَيُطْرَحُ عَلَيْهَا التُّرَابُ فيثقلها فتموت، ومنه: ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾ [البقرة: 255]؛ أَيْ: لَا يُثْقِلُهُ. وتوجيه السؤال للموءودة لِإِظْهَارِ الغضب عَلَى قَاتِلِهَا، قَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوَبِّخَ قَاتِلَهَا؛ لِأَنَّهَا قُتِلَتْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ، قال تعالى شأنه: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء: 31]. قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ﴾؛ يَعْنِي: صَحَائِفَ الْأَعْمَالِ، وهي التي فيها أعمال ابن آدم وقتما تدفع إليهم بأيمانهم وشمائلهم، نُشِرَتْ لِلْحِسَابِ، قال جل شأنه: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 12]، وقال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]. قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ﴾ نُزِعَتْ فَطُوِيَتْ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قُلِعَتْ كَمَا يُقْلَعُ السَّقْفُ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: تَكْشِفُ عَمَّنْ فِيهَا. قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ﴾؛ أَيْ: أُوقِدَتْ، أُوقِد عليها فَأُحْمِيَتْ لأهلها. قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ﴾؛ أي: قربت وأدنيت من أهلها. قوله تعالى: ﴿ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَت ﴾ هذا جواب ﴿ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَت ﴾ وما بعده؛ أي: علمت كل نفس بما عملت من خيرٍ أو شرٍّ، قال الله تعالى شأنه: ﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ [الإسراء: 13، 14]، وكما قال سبحانه: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ﴾ [آل عمران: 30]. وأخرج مسلم عن أبي ذر الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: "يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ". تفسير قوله تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ * وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 15 - 29]. قوله تعالى: ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾ فلا: للتنبيه والتأكيد، ﴿ أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ ﴾ والخُنوسُ: الانقباضُ، يقال: خنس بين القوم؛ أي: اختفى، وهي النُّجوم والكواكب تظهر وتغيب، تخنس في جريها؛ أي: تتقهقر فيما ترى العين، وهي جوار في السماء سيارة تختفي تحت ضوء الشمس. قوله تعالى: ﴿ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ﴾الجاريات في أفلاكها ومداراتها ومساراتها، الكنس؛ أي: الرواجع تظهر ثم تختفي، وقيل: خُنُوسُهَا: رجوعها، وكُنُوسها: اختفاؤها تحت ضوء الشمس. وتكنس؛ أي: تستتر كما تكنس الظِّباء في المغارة. وقول آخر قاله سعيد بن جبير: إنها الملائكة؛ لأنها تخنس فلا تُرى. قوله تعالى: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ أقْبَلَ بظلامِه، وقال آخرون: أدْبَرَ بظلامِه، أخرج الطبريَ بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ يقول: إذا أدبر. قوله تعالى: ﴿ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ ﴾ وتنفَّسَ الصبحُ، اتَّسَعَ ضوؤه، وظهر وانتشر، وبدد الظلام. قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم ﴾ «إنه» للقرآن، والرسولُ الكريمُ في قولِ الجمهور هو جبريل عليه السلام، وقال آخرون: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. قوله تعالى: ﴿ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾ وصف جبريل عليه السلام بالقوة، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾ [النجم: 5]، وَمَعْنَى ﴿ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ ﴾ أَنَّهُ ذُو رِفْعَةٍ عَالِيَةٍ وَمَكَانَةٍ مَكِينَةٍ عِنْدَ اللَّهِ سبحانه، ﴿ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ﴾؛ يعني: أَنَّهُ مُطَاعٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ أَمِينٌ فِيهَا؛ أَيْ: مُؤْتَمَنٌ عَلَى الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ. قوله تعالى: ﴿ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ﴾الْخِطَابُ لِأَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمُرَادُ بِصَاحِبِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى: وَمَا مُحَمَّدٌ يَا أَهْلَ مَكَّةَ بِمَجْنُونٍ، وذكر وصف الصحبة للتأكيد على أنهم عالمون بأمره فليس دخيلًا عليهم، فالله تولَّى الدفاع عن نبيِّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبين أَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَيْهِ ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَكْمَلُهُمْ، قال اللَّه تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ ﴾ [سبأ: 46]. قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ﴾؛الأفق: السماء، المبين الواضح الذي لا لَبس فيه، والمعنى: أن رسول الله رأى جبريل عليه السلام فِي صُورَتِهِ، وأخرج البخاري ومسلم عن زِرّ بْن حُبَيْشٍ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ [النجم: 9، 10]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ -أي النبي صلى الله عليه وسلم- «رَأَى جِبْرِيلَ، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ». قوله تعالى: ﴿ وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ﴾ الْوَحْي، ﴿ بِضَنِينٍ ﴾ بِبَخِيلٍ يَبْخَلُ عَلَيْكُمْ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ يقْرَأ (بظنين)؛ أَي: بمُتَّهَم. ﴿ وَمَا هُوَ ﴾؛ يَعْنِي: الْقُرْآنَ، ﴿ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾مَلْعُون؛ هَذَا لأَنهم كَانُوا يَقُولُونَ: إن مُحَمَّدًا يَقُول مَا يَقُول عَن الشَّيْطَان. قوله تعالى: ﴿ فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ﴾تعدلون عَنهُ؛ أي: فأين تذهبون عن طاعته واتباعه والانقياد له وقد أتاكم ما يلزمكم طاعته واتباعه، وفيه نجاتكم، فإلى من تلجئون؟! وهو كقوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَنْ يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الملك: 28]. وقوله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾؛أي: عظة للعالمين، لمن أراد الاستقامة على أمر اللَّه، كقوله تعالى: ﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185] والعالمون: الإنس والجن. قوله تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ فيه إثبات المشيئة للعبد، وفيه رد على أهل البدع من الجبرية ومن شابههم. قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ مشيئة العبد خاضعة لمشيئة الله؛ والمعنى: ما تشاؤون الهداية إلا أن يشاء الله بتوفيقه، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 111]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [يونس: 100]، فلا يكون في كون الله إلا ما أراد سبحانه، فإذا شاء الله شيئًا كان وما لم يشأ لم يكن، والعبد له اختيار ومشيئة؛ ولكن ما يختاره العبد علمه الله قبل أن يخلق السماوات والأرض، فكتبه. وقيل: إن سبب نزول هذه الآية أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾، قال أبو جهل: ذلك إلينا إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين ﴾[5]. وفي الكلام معنى التهديد والوعيد. انتهى تفسير سورة التكوير. وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وآله وصحبه. [1] التفسير الوسيط للقرآن الكريم (10/ 1797) لمجموعة علماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر. [2] السابق (10/ 1812). [3] صحيح مسلم بشرح النووي (16/ 83). [4] انظر تفسير القرطبي (19/ 229). [5] أخرجه ابن جرير الطبري في التفسير (24/ 173) وابن بطة في الإبانة الكبرى (1897) وهو مرسل. ![]() ![]() |
![]() |
#2 |
![]() |
![]()
قيمه عاليه من خلال هذا الجلب
المميز هكذا طرح يغذي الثقافة لدى المتلقي اجتهاد يحسب لمصلحتك ولك مني جزيل الشكر والامتنان عودالليل |
![]() ![]() مهم جدآ قرار بخصوص احتساب المشاركات وتوضيح مفصل بالاضافة لشروط استخدام الخاص وصندوق المحادثات تفضلوا بالدخول طريقة احتساب المشاركات وكيف تحصل على مشاركات اضافيه بنجاح - منتديات قصايد ليل قوانين استخدام الشات والرسائل الخاصة - منتديات قصايد ليل ![]() |
![]() |
#3 |
![]() |
![]()
الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع حضوري شكر وتقدير لك ولاهتمامك في مواضيعك اخوك نجم الجدي |
![]() ![]() |
![]() |
#5 |
![]() ![]() |
![]()
لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ وُدِيِّ ![]() |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
#8 |
![]() |
![]()
سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك |
![]() ![]() ![]() اللهم احفظ لي أمي حبيبتي اني أخشى عليها من ضرر يمسها فيمسني أضعافه اللهُم أني استودعك إياها في كل حين فاحفظها يارب♥ اللهم أرحم أبي وخالي رحمة تدخلهم بها جنة الفردوس بلا حساب ولا سابق عذاب واجبرنا جبراً انت وليه فالدنياء والأخره ![]() ![]() |
![]() |
#9 |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#10 |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 12 ( الأعضاء 0 والزوار 12) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
تفسير سورة التكوير || د. عويض العطوي | إرتواء نبض | الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية | 12 | 10-19-2021 02:28 AM |
سورة التكوير الشيخ راغب مصطفى غلوش | ملكة الجوري | …»●[الصوتيـــات والمرئيات الأسـلاميــه ]●«… | 21 | 01-04-2021 12:01 AM |
سورة التكوير .. بالنهاوند الرائع يترنّم الشيخ د.ياسر الدوسري | إرتواء نبض | …»●[الصوتيـــات والمرئيات الأسـلاميــه ]●«… | 15 | 11-10-2020 06:18 PM |
تفسير فواتح سورة التكوير - الشيخ صالح المغامسي | جنــــون | …»●[الصوتيـــات والمرئيات الأسـلاميــه ]●«… | 19 | 03-26-2019 12:04 AM |
محاضرة "تفسير سورة التكوير" - الشيخ صالح المغامسي | إرتواء نبض | …»●[الصوتيـــات والمرئيات الأسـلاميــه ]●«… | 36 | 12-15-2015 06:40 PM |
![]() |