![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
![]() بسم الله الرَّحْمن الرَّحيم
تَوَكَّلْتُ على الله الجزء السَّادس و الأَرْبعون الفَصْل الأَوَّل اعْتَقَدَت أَنَّها لن تَنم إذا حَلَّ الفَجْرُ ضَيْفاً ثَقيلاً عَليها..و ظَنَّت أَنَّها سَتَسْهَرُ مع القَمَر..و ستَجْمَع بأهْدابها نُجومه الوامِضة بوَهْن،لتُسْكبها من عَيْنيها وَدَقاً فضّي..لهُ إلْتماعة مُطْرَدة..ما هي إلا شَهَقَات قَلْبَها المَثْلوم..،لَكِنَّها اسْتَسْلَمَت بلا قُدْرة لذراعي النَّوم..أو بالأَحْرى هَرَبت أَسْفَل ردائه الحامِل رُوحها إلى عالم اللاوَعْي..حَتَّى لا تُمْسي رَهينة بين قُيود البُكاء و الغَرابة المُسَيْطِرة على الأَجْواء..هي كانت تَحْتاج لمَوْجة ضَخْمة تَنْتَشِل جَسَدَها المُرْهَق من أَرْضٍ لا تَخْلو من المَصاعِب المُعَقَّدة..تَنْتشلهُ بعد أن تُجَرّده من قَلْبه..روحه..ذاته و أنفاسه..ليَبْقى عارِياً من كُل شي يَجْتَذب وَجَع المشاعر..و آآه من تِلْك المَشاعر..تَجْتمع فيها كُل تَناقضات الحَياة..الحَرارة و البَرْد..العُنْفوان و التَّبَلُّد..الخَوْف و الإطْمئنان..و التَّرَدُّد و اللَّهْفة..و كُلَّما ازدادت عُقَد هذه التَناقُضات..ازْداد نُمو الضَّياع بين أصابع قَدَميها..ليَمْنعها من المَضي إلى طَريق الخَلاص..الخَلاص من حَقيقة ارْتباطها به..، اسْتَيْقَظَت عند الصَّباح على هَمْس شُعاع شَمْسٍ مُتَلصّص من أَسْفل السَّتائِر..تَقَلَّبَت على السَّرير مَرَّة جِهة اليَمين..و مَرَّة جِهة اليَسار..قَبْلَ أن تَسْتَقِر على بَطْنها و وَجْهها مَخْفي بين طَيَّات وسادتها الدَّافئِة..،خُصلات شَعرها النَّاعِمة كانت تَتَجَمَّع بكَسَل عند جانب عُنُقِها و على كَتفها..و الغِطاء قد انْحَسَر عن جذعها حتى تَكَوَّم فَوْق ساقيها..كانت لا زالت تَرْتَدي عَباءتها..فهي أَتت مُباشرة من مَرْكبة والدها إلى السَّرير..دون أن تَقوم بفعل أي شيء آخر..و حَمْداً لله أنَّها كانت مَعْذورة مُنْذُ البارِحة..و إلا فاتَتها صَلاة الفَجْر و هي مُغَيَّبة بلا حَواس..،تَحَرَّكَت كَفَّها اليُمْنى،و بهُدوء ارْتَفَعت لتُزيح الخُصلات الحاجِبة نُعومة مَلامحها عن عَيْنِ الصَّباح..بانَ جانبُ وَجْهها و عَيْنها اليُمْنى الضَّائِقة من ثِقْل النَّوم..تَحَرَّكت كَفَّها من جَديد قاصِدة حَقيبتها المُلقاة بإهْمال على الجانب الآخر من السَّرير..جَرَّتها بخُمول و من ثُمَّ حَشَرت يَدها لتُخْرِج هاتفها..قَلَبتهُ بالتوالي مع ضَغْطها على الزِر أَسفل الشاشة لتُضيء..ثَلاث ثوانٍ مَضَت و هي تَنْظُر للشاشة بعَيْنيها الضَّائِقَتين و العُقْدة الخَفيفة المُتَوَسّطة حَاجبيها..و في الثَّانِية الرَّابعة اجْتَذَبَت جَسَدها بِقوَّة لتَسْتَوي على رُكْبَتيها و مَلامحها المَخْطوفة تَتَضح أَكْثر..شَيءٌ من احْمرار النَّوم كان يَغْفو على جانب وَجْنَتها اليُسْرى..لكنَّ الدَّمَ الذي تَفاقم ضَخّه إلى وَجْهها قَضى عَليه..كانت لا تزال تُراقب الشَّاشة بعَيْنان مُتَّسِعَتان بصَدْمة..و كُلَّما خَفَت ضَوْؤها عادت لتَضغط الزِر لتُجَدد الإضاءة..أَرْجعَت خُصلاتها خَلْفَ أُذنها بأصابع تَخَتَّمَت بالإرْتباك..مَرَّرَت لسانها على شَفَتيها ثُمَّ ضَمَّتهما للدَّاخل مع ارْتفاع صَدْرها كاشِفة عن اسْتنشاق عَميـــق أَرْجَفَها..أَفْرَغت الزَّفْرة من فَمها و هي تُعاود تَجديد الإضاءة لتَسْمح لعَينيها بقراءة اسمه للمرَّة العاشِرة..فالتنبيه يُخْبرها بأنَّهُ اتَّصَل لثلاث مَرَّات لساعات مُتَفَرّقة..ماذا يُريد ! تَصَدَّعَت ملامحها و الضَّياع يَعود و يَنْهَش أَفْكارها..لا تُريد أن تَغوص في البَحْر ذاته..بَحْرٌ مُظْلِم لا تَعرف كيف المَسير بين تَلاطُمات أمواجه..هي و لأول مَرَّة في حياتها تَشْعُر بهذا القَحط الشَّديد المُحْتَكِر ذاتها..لا تَعْلم ما هي الخُطْوة التالية التي يَجب أن تَنْتَعِلها..ولا تَعْلم بأيُّ الأساليب تَتَصَرَّف معه..أو كَيف تُحادثه و تَكُون طَبيعية مَعه..مثل أي زَوْجين في الوُجود ! هَزَّت رأسها بنَفي حازِم..هُما ليسا كأي زَوْجين..بل هُما أَغْرب زَوْجين..من المُسْتَحيل أن تَجْترع حَياتهما الطَّبيعية و الإعْتيادية..على الأقل لِسنة..،بسُرْعة أَقْفَلَت الهاتف بالكامل قاطِعة احْتدام الوَشْوَشة المُزْعِجة في عَقْلها..تَرَكت السَّرير و هي تَخْلَع عَباءَتها..و في داخلها قرار بخَلْع واقعها عن يَوْمها هذا..ستَتَجَرَّد من حَقيقة ارتباطهما..سَتَتَناسى غَصْباً لتُمارس حَياتها بلا تَشَتُّت و لا إلْتفات..سَتَنْظر للأمام فقط..و لن تُوَجّه حواسها لشيءٍ غَيْر عَائِلتها و عَملها..، ,، ماضٍ انْتَظَرَت هُبوب رِياح دافئة لتُطَبْطِب على كَتِفَها الهَزيل من احْتياج..كما انْتَظَرت عُروج الشَّمْسِ على نافِذَتها حَتَّى تُنْهي بضيائِها احْتِكار اللَّيْل الأَلْيَل لرُوحها..الوِحْشة تَجُوس من حَوْلِها..لها فَحيحٌ تَضطَّرِب منهُ نَبَضات الجَوى..و لها لَوْنٌ رَمادي يَتَكَوَّم دُخاناً آسِن..يُقَيّد الأَنْفاس و يَخْنِقَها..،حَدَقَتاها تَتَقَلَّبان على جُدْران الغُرْفة..السَّقْف و الأَرْضِيًّة المُطْمَسَة ببُرودة شَهْرَ آذار المُخْتَرِقة العِظام..تَتَقَلَّبان بِصَمْتٍ صاخِب يَصْرُخ بصَوْتٍ أَبْكَم،يُطالب بالْتفاتة لَحْظية من عَيْن مُهْتَمَّة..عَيْنٌ تَسْهَر على وَجَعِها السَّاهِر لوَجَعِ أَخيها..عَلي،الذي نالت منهُ الحُمَّى حَتَّى صَيَّرتهُ عُصْفوراً يَرْتَعِش ضُعْفاً..،الدَّمْعة تَسْبَح وَسَط بَياض عَيْنها اليُمْنى..كَقَطْرةٍ فَرَّت من النَّهْرِ بتَيْه لتَسْكُن مُقْلَتها..و الْتَمَسَت من حُزْنِها مَرَارة لها مُلوحة لاذِعة،و بانْتحارها من بين أَهْدابها هي تُخَفّف من وَطْأة الكَمَد المُتَشَعّب في الرُّوح..،أَنْهت الحَدَقَتان مَسيرهما المَحْفوف بالغَصَّات..لتَسْتَقِرَّان على جَسَدِ شَقيقها المُنْطَوي على نَفْسه،أَسْفَل لِحافه و لِحافها حَتَّى تُهَيّئ لهُ بيئة ساخِنة تُحَفّز مَساماته على الإتّساع لاسْتفْراغ العَرَق المُحَمَّل ببلايا المَرَض..،حَرَّكَت كَفَّها لتُعيد زِيارة وَجْهه للمَرَّة الرَّابعة خِلال دَقيقة..مَسَّت خَدَّه المُصْطَبِغ باحْمرار شاحِب..تصَدَّعَت مَلامحها ليَتَكالب جَيْشٌ آخر من القَلَق عليها..هَمَسَت تُناديه و بصَرُها مُعَلَّق بلَوْحة وَجْهه المُتْعَبة،:عَلي لم يَبْرَح الإغْماضُ عَيْنيه..و أَهْدابه ظَلَّت تَتَصافَق بتَسارُع مُرْتَجِف..و الثَّغْرة المُتَوَسّطة شَفَتيه لا زالت تُنَصّب نَفْسها بَوَّابة لعُبور الهَواء..أَحْنَت ظَهْرها مُقَرّبةً فَمَها من أُذِنه لتُعيد نُطْق اسْمه بوَجْسٍ بُحَّ من الدُّموع..،:علي..حبيبي تسمعني ؟ انْفراج بَسيط لجِفْنَيه كَشف عن هَذَيان عَدَستيه..و من ثَغرة فَمِه ارْتَفَع صَوْتٌ مَشْروخ القِوى مُفْصِحاً،:بَردااان قَوَّسَ حِمْلُ البُكاء شَفَتيها،و الشَّهَقات أَعْلَنَت اسْتعارها وَسَط صَدْرها الخائِف..لا تدري ماذا تَفْعل..مُنْذ الصَّبَاح و هُو على هَذا الحال الرَّث..و مُنْذُ الفَجْر وهُما وَحيدان خَلْف قُضْبان مَنْزِلٍ تَجَمَّدَ من غِياب العائِلة..والدُتها نُقِلَت فَجْراً إلى المُسْتَشْفى بسبب انْخفاض في الضَّغْط على إثْرِ غَرَقِها في دَوَّامة البَحْث عن بِكْرها الغائِب..مُحَمَّد الذي تَوارى باغْترابٍ مُريب..و والدها الذي غادَرَ معها لم يعَد حَتَّى الآن..حاولت أن تَتَصّل به عِدَّة مَرَّات..لكنَّ مَسْمَعيها يَصْطَدِمان بِكَلِمة تُضَعّف من سَواد المَوْقِف...مُغْلَق..،شَدَّت الغِطاءعَليه لتُدَثّره جَيّداً،قَبْل أن تَترك السَّرير مُغادِرةً الغُرْفة إلى غُرْفَة والديها..حَيْثُ اسْتَقَرَّ هاتف أَرْضي على المِنْضَدة قُرْب رأس والدها..جَلَست على السَّرير المُبَعْثَرَة أَغْطِيته..الْتَقَطت السَّماعة لتُسْكِنها فَوْقَ أُذْنها..بإصْبع مُرتَجِف تَوَتُّراً و حَرَجاً ضَغَطَت على الأَرْقام التي تَحْفَظها ذاكرتها جَيّداً..فالماضي الذي يُعيد نَفْسه الآن أَجْبَرها على حِفْظها..تَشَبَّثَّت بالسَّماعة بكِلتا يَديْها،كَما قاربٌ سَيَحْملها إلى شاطئ الأَمان...رَنينهُ كان في قَلْبها..كان نَبْضُها المُتَعَطّش لإرْتواء من كَأس إهْتمام..أَتاها صَوْتٌ جَهُور تُخالطه ابْتسامة..،:هلا أم محمد..اللحين كنتِ في بالي و كنت بتصل فيش فَغَرَت فاهها مُجْتَذِبة بِضْع هَواء تَتَنَفَّسَهُ خَلاياها المُتَصَلّبة..تَخَبَّطَت عَدَسَتيها على المَجال حَوْلها،و في حَلْقِها زاغ ريقها الجاف من قَلَقِه..اقْتَلَعت هَمْسُها المَبْحوح من نِياط قَلْبها،:خَــ ـالي أَجابها صَوْته المُنْتَبِذ نَبْرة مُتَعَجّبة،:جِنان ؟ "بسُرْعة تَساءَل بعد أن اسْتَوْعَب عَقْله لَحْنُ البُكاء المُغَلْف كَلِمتها" شفيه صوتش ؟ شصاير ! إختي فيها شي ؟ و هي تَتَشَرَّب صَبيبها بظاهر كَفَّها،:خالي عَـ ـلي مَريض..أمي تعبت و وداها بابا المستشفى الفجـ ـر "كَرَّرَت المَأساة العاقِدة نَفْسَها كُرْهاً حَوْل إرادتها البَسيطة" عَلي مَريض..مادري شسوي ! هُو عَقَّب بلَفْظٍ سَريع،:اللحين جاي يُبه..لا تخافين..ما بتأخر هَزَّت رأسها إيجاباً لكلماته المُتَهَدْهِدة على سَطْح دُموعها كَطَوْقِ نَجاة..أَغْلَقَت الهاتف ثُمَّ شَرَعَت عائِدة لِأخيها الغارِق في سُقْمه..أَرْخَت باطن كَفَّها على وَجْنته،ليُخيل للهَواء أَنَّها تَجْتَذِب بخُطوطها حَرارته اللَّاسِعة طاقته..نَطَقَت بنصف ابْتسامة ابْتَلَعها الشَّحوب لتُضيء قِنْديل أَمَله،:حبيبي علاوي..خـ ـالي اللحين بيجي عشان نروح المستشفى داعبت خُصْلاته بأطراف أَناملها قَبْل أن تَبْتَعِد لتَرْتَدي عَباءتها و حِجابها..و لم تَنْسَ أن تَحْشِر في مِحْفَظَتها الصَّغيرة بطاقة عَلي الشَّخْصِيَّة..،كانت رُبع ساعة تِلك التي مَضَت قَبْل أن يَرْتَفِع صَوْتَ الجَرَس مُعْلِناً وُصول مُنْقِذهما الأوْحَد في مِثْل هذه الظُّروف..وَقَفَت لتَهْرَع إليه خُطواتها بعَجَل..فَوْر تَجَاوزها للباب قابَلتهُ عِنْد السُّلَم..نادَته ببصَرٍ أُغْشِي عَليه من الدَّمْع،:خالي ناصـ ـر وَقَفَ أَمامها بملامح سَكَنها قَلَقٌ حازِم و هو يَتَساءَل،:وينه علي ؟ أَشارت للغُرْفة من خَلْفها ليَتَحَرَّك دالفاً إليها..اتَّجَهَت للسُلَّم مع خُروجه و هو يَحْمِل شَقَيقها المُصَيّره المَرَض قُطْعة لَحم لا حَوْلَ لها و لا قُوَّة..جَسَده النَّحيف ذو الثَّالثة عَشَر زادهُ التَّعَب نُحولاً و وَهْناً،حَتَّى بات غير قادِر على تَحْريك أَصابعه..،غادروا المَنْزل لوِجْهَتهم القَريبة نِسْبياً و الصَّمْتُ يَنْحَشِر بينهم ما خَلا صَوْت اصْطِكاك أَسنان عَلي من بَرْدٍ تَنْفثه رِياح المَرَض الكَئيبة..،كانت السَّاعة تُشير للحادية عَشَر و الرُّبْع مَساءً عندما اسْتَوى جَسَدها على المَقْعَد المُجاور لسَرير المُسْتَشْفى المُضَّجِع فَوْقَهُ عَلي..تَنْظُر إليه من خَلْفِ أَسْوارٍ شاهِقة..تَحْجِب عنها بَساتين الرَّحْمة و الإسْتكانة..تَنْظُر لهُ و من مُقْلَتَيها فَرَّ الدَّمْعُ غُراباً يَنْعَق بإنْزعاجٍ من إهْمالٍ عَصَفَته أَيْدي والدَيها على روحها و رُوح هذا الطّفْل..، ،:يُبه جِنان لا تحاتين..إن شاء الله بيصير زين غَريبٌ كَيْف أنَّ الكَلِمة الحَنونة تَقْطِف البُكاء من قَلْبٍ أُنْبِتَت فيه الغَصَّات كُرْهاً ! تَصَدَّعَت مَلامحها المُرْهَقَة..و شَفَتيها مَسَّتهما ارْتعاشة آلَمَت فكّها..ابْتَلَعت أَكْوام الشَّهَقات و هي تَسْتَمِع لكلماته المُتواصِلة..،:نص ساعة أو أكْثر شوي و بينتهي المُغَذّي..و بالأدوية بيرجع عَلاوي مثل قبل و أَحْسن إن شاء الله هَزَّت رَأسها ببطءٍ ساقَهُ لحَواسها الخُذْلان..والدُها لم يَتّصِل لِيَطْمَئن..حَتَّى و لو كان مُنْشَغِلاً مع مَرَض والدتها المُزْمِن..أَيُعْقَل أَنَّهُ لم يَغْتَنِم دَقيقة واحدة ليَسْألها ما هُو حالكما ؟! حَسْناً ليس لِدَقيقة،لعَشْر ثوانٍ فَقْط..عَشْرُ ثوانٍ كافية لإصْمات عَطَش رُوحها المَنْسِيَّة..،رَفَعت عَيْنيها لخالها الواقِف قُرْب السَّرير..يَنْظُر إلى أخيها بعَيْنان تَجانس حَنانهما مع شَفَقة قَبَضَت عَلى قَلْبها..مَرَّرَت لِسانها على شَفَتيها قَبْل أن تُرَشّح صَوْتها لتَقُول ببحَّة تَسَيَّدها الحَرَج،:سامحني خالي..تعبناك ويانا حَرَّكَ عَدَسَتيه ناحِيَتها باعِثاً قوافل عِتاب لها..عَقَّب على كلماتها بِنَبْرة تَدَثَّرت بدفءٍ لَذيذ،:أفــا يُبه..إنتِ بحسبة بناتي نور و جود..و علاوي ولدي الثاني..مافيها تعب ولا شي..بالعكس استانس إذا خدمتكم حبيبتي أَخْفَضَت رَأسَها من ثِقْل حَرَجٌ يَمْنَعها من مُقابلة عَيْنيه..هَمَسَت بصِدْق،:الله يخليك لنا خالي قال بابْتسامة مُحِبّة و هو يَتّخذ مكانه على المَقْعد أَمامها،:و يخليكم لي يُبه "تَساءَل و هو يُقَرّب جَسده من السَّرير الفاصل بينهما" حبيبتي جِنان ما تبين تروحين البيت ترتاحين ؟ بخلي فيصل يجي يمر ياخذش وأنا بقعد مع علي لين يخلص رَفَضَت بهَزَّة رَأس وَهِنة و مع أَهْدابها رَفْرَف التَّعَب،:لا خالي مابي أروح عنه..جذي أريح لي ،:أكيـــد ؟ هَزَّت رَأسها مع احْتِضان يَدها لكَفّه النائمة،:ايـــه..أَكيد ,، حاضر ثَلاثة أَزْواج من الأَعْيُن تَنْظُر إليها بتَفَحُّص باسِم..أَعْيُن تَلْتَقي بها للمَرّة الأُولى..رُّبَّما...تَوَقَّفَت أمام الكُبْرى فيهن..تَجاعيدها العَتيقة نُحِت بينها سَنوات مَديدة..حَوَت ذِكْريات ماضٍ تَناسبَت أَفْراحه و أَتْراحه..من عَدسَتيها كانت تَهْتف إلْتماعة وَهِنة،كانت بَريقاً مُلْفِتاً..قَبْل أن تَلْتَقِطها الدُّنيا و تَمْتَص ذلك البَريق..لتُمْسي و هي بهذا الوَهْن النَّابض بخُفوت يَقْتَرب من مُنْحَدَر الإنْطفاء..،انْحَنَت غَيْداء مُقَبّلةً هذه المُسِنَّة التي ذَكَّرتها بجَدَّتها الحَبيبة..تَلَوَّنَت شَفَتيها بزَهْر الخَجَل و هي تَسْتَشْعِر الدّفء المُنْزَلِق من خُطوط كَفَّيها الضَّعيفَتان المُسْتَقِرَّتان عند أَعْلى ذراعيها..صَوْتٌ بهِ بَحَّة حَنونة عانَقَ مَسْمَعيها،:هــلا هــلا بالقَمر ابْتَعَدَت قَليلاً ليُقابل وَجْهها المُزْدان باحْمرار مُخْمَلي جَذَّاب وَجْه المُسِنَّة المُنْتَعِش فَرَحاً..بصَوْت رَقيق حَلَّقَت معه فَراشات خَجَل،:هلا فيش خالتي و هي تَمْسَح على شَعْرها المُنْساب على كَتِفَيها كما بِتِلَّات مُفْعَمة بالحَيَويَّة،:شلونش يُمَّه غيداء ؟ شلون العيال ؟ أمش و أبوش و أخوانش ؟ هَزَّت رَأسها مع وُقوف جُزَيء من لُبَّها عند كَلمة "أخوانش" تلك..،:الحمد لله كلنا بخير "أضافَت من باب الإحْترام" إنتِ شخبارش خالتي ؟ أَجابَتها بيَدٍ تَشد على عِضْدَها و الإبْتسامة لا تَفْتِئ تَتَّسِع على شَفَتيها الباهِتَتَين،:الحمد لله يا بنتي أنا بخير "أَخْفَضَت بَصَرها للصَّغيرة المُلْتَصِقة بجَسَد غَيْداء مُسْتَفْسِرة" هذي بنتش ؟ هَزَّت رَأسها إيجاباً و هي تُحيط كَتِف صَغيرتها بذراعها و عَيْناها تُرَبّتان بحَنان على ملامحها الخَجِلة،:ايــه بنتي..بيان داعَبَت خَدَّها القُطْني بيدها الوارِثة دِفء الجَدَّات،:حبيبتي بيونة شلونش يُمه ؟ بهَمْسٍ بالكاد الْتَقَطَته أُذْنَيها،:زيـــنه أَشارت للفَتاتان الجَالسَتان بصَمْتٍ و ابْتسامة و هي تَقول مُعَرّفَةً،:هذي بنتي جَميلة " و يَدُها تُشير لفَرح" و هذي بنت ولدي فرح أَوْمَأت غَيْداء رَأسها قَبْلَ أن تُصافحهم و هي تُعَقّب بنُعومة،:تشرفنا عادت الجَدَّة لتَجْلُس و هي تُرَبّت بباطن كَفَّها على الأَريكة بجانبها قائِلةً،:تعالي يُمـه قعدي اهني اسْتَجابت غَيْداء بأَدَب على الرَّغْم من عَلامات السُّؤال المَعْقودة بعلامات التَّعَجُّب السَّابِحة في عَقْلها..من هَؤلاء و لِمَ هُن هُنا ؟ و ما سبب هذا التَّرْحيب المُفْعَم بالألفة و الحُب و الإبْتسامات الدّافِئة ! هي مُتَيَقّنة أَنَّها لم تَلْتَقِ بإحْداهن قَبْلاً..نَبَّشَت بين زَوايا ذاكِرَتها عن مَلامح لهن رُبَّما كانت عالِقة هُناك..و لكن لم تَجِد شَيء..،رَفَعَت رَأسها للخادمة التي دَخَلَت تَجُر عَرَبة الضّيافة الأَنيقة المُحَمَّلة بالشاي،القَهْوة..العَصير و بَعْضٌ من الحَلَويات الخَفيفة..وَقَفت مُتَّجِهة لها..شَكَرَتها بهَمسٍ و ابْتسامة ثُمَ اسْتَلَمَت منها العَرَبة لتُضَيّفَهُن..تَساءَلت بلَطافَة،:خاله شنو تشربين ؟ أَجابتها بعَيْنان تَتَفَحَّصان أُنوثتها بدِقَّة يَحُفَّها الإعْجاب المَمْزوج بحماسٍ خَفِي،:جاي يُمَّه..بدون شَكَر هَزَّت رَأسها مع امْتداد يدها للشاي..سَكَبَته في الكُوب الزجاجي ليَرْتفع بُخار حَمَل بين طَيّاته رائِحته اللذَيذة..ناولتهُ إيّاه بيَمينها..،:تسلمين حبيبتي أَرْجَعت خصلاتها خَلْف أُذْنها،:الله يسلمش "نَظَرت للشابَّتان مُرْدِفة برِقَّة" شنو في خاطركم ؟ هَزَّت كلْتَاهما رأسها تنفي رَغْبتها بشيء لتَقُول غَيْداء مُعْتَرِضة،:لاا ما يصير..لازم نضيفكم "تناولت طَبَق الحلويات ثُمَّ خَطَت حتى مَكان جُلوسهما مُسْتَأنِفة و هي تُقَرّبه منهما" عالأقَل نتفة تشوكلت اختارت لها جَميلة قطعة لم تُمَيّز شَكْلها من شِدَّة الحَرَج الذي أَغْشى حَواسها..والدتها تَتَصَرَّف بكل أَرْيَحِيَّة دون أن تُراعي خَجَل غَيْداء الجَلي على ملامحها الجَذَّابة،و شُعور الغَرابة المُسَوّر حَرَكاتها..همست،:شُكْراً قالت غَيْداء مُحادِثة فَرح،:اخذي فروحة..حَلّي فَرَح الأخرى تناولت قطعة عَشْوائِيَّة شاكِرَةً بوَجْس بالكاد سَمَعَهُ الهواء..فزيادة على الحَرَج الذي تُشاركه عَمَّتها..فشَذَرات خَوْف من والدها تتطاشر عليها،فهي لم تَسْتَأذنه قبل خُروجها بطلب من جَدَّتها المُخَطّطة لشيء لا يُصْعَب فَهْم أَسْراره..،عادت غَيْداء لمكانها قُرْب الجَدَّة بعد أن فَرَّحت طِفْلتها بالشوكلاتة..،رَفْرَفَ نَسيمُ صَمْت مُذَيَّل بغُبار تَوَتُّر تَشَبَّعَ في صَدْرها..من طَرف عَينيها كانت تَرْنو لهن و أَصابع يَدَيها المُضطربة تُحيك وِشاحاً بَلَّلَه عَرَق الإرْتباك..تَعْتَقِد أنَّ هذا المَوْقف يُصَنَّف ضمن أَكْثَر مواقف حَياتها غَرابة..و أَسَفاً أَنَّها لا تُحْسِن التَّصَرف فيها..، الجَدَّة ظَلَّت تَرْتَشِف حتَّى تَقَلَّصَ الشاي إلى النّصف،ثُمَّ أَخْفَضَت الكُوب على الطَّاولة الصَّغيرة القَريبة منها..كأنَّما كانت قاضِياً يضرب بمطْرقته في جلسة إصْدار الحُكْم المُنْتَظَر..أَدارت نصف جَسَدها لغَيْداء التي رفعت رأسها إليها مُبْتَسِمة بتَرَدُّد..أَسْبَلَت جِفْنيها مُمَرّرة أَصابعها المُتَوَشّحة بالتَّجاعيد و المُرْتَدِية قُلنسوة من الحِنَّاء حَوْل بَنانها على أَساورها المَصْنوعة من الذَّهَب الأَصيل ذو البَريق الخاطف..بهُدوء نَطَق لسانها جاذِباً انْتباه حَواس غَيْداء المُتَرَقّبة،:أكيد يا بنتي إنتِ مستغربة من وجودنا "رَفَعت عَيْنيها تُناظرها و هي تُكْمِل" و أكيد إنّش ما تذكريني أنا و بنتي جميلة..احنا حظرنا عرسكم إنتِ و عَمَّار الله يرحمه "أَسْرَعَت يَدَها لتَتَلَقَّف ملامح غَيْداء التي تَصَدَّعت من الذّكْرى العابِث خَنْجَرها بالرُّوح و النَّبْض..احْتَضَنت خَدَّها و هي تَشِد بمَلَقٍ حانِي سَمَح لسَحَابَتَي غَيْداء أن تُعانقان مُلوحة الدَّمع..أَكْمَلَت" و أنا سبب جيّتي معزَّة عَمَّار الله يرحمه..و الله إنّه كان مثل ولدي..و اللي ما أرضاه عليه ما أرْضاه على زوجته عُقْدَة عَدَم فَهْم تَرَبَّعَت بين حاجبيها..تَساءَلت باسْتنكار بان في بَحَّة صَوْتها،:ما فهمت يعني شنو خالتي! وَضَّحَت لتُعِيد إحْياء لَهيب النَّار التي كادَت أن تَنْخَمِد في صَدْرها،:أنا أم أَعز أَصْدقاءه..أَنا أم عَزيــز ,، اشْتَقْتُكِ...كان الإشْتِياقُ فيما مَضى جَذْوة تُبْصِق لَهيبها وَسَطَ رُوحي و أَضْلُعي..تُرْمِدُ تِلْك النَّبَضَات المُنَبّشِة بانْكسِار عن ذلك السَّبَب المُبْتَلِع بسواده الرّباط المُقَدَّس الجامع قَلْبينا..،هذه أَنتِ أَمام عَيْنَي الآن..و في صَدْري غَرَّدَ اشْتياق..و عَجَبَاً أنَّ أَنْفاسي تَسْتَلِذ به ! للتّو اسْتَشْعر جَمال الإشْتياق إليكِ..إلى الرَّبيع الذي كان يَحُف أُنوثتكِ..و إلى الإبْتسامة النَّاثِرة أَزْهارَ سَعادة على وَجْنَتيكِ..ها هي عَدَستاي تَطوفان مَلامحكِ النَّاعِمة..تُسَلّمان على المُقْلَتَين و تَنْحَنيان بإجْلال لأهْدابهما المُتجانفة بجاذِبية فَريدة..و ها هُو قَلْبي يَضْحَك لقُرْبِكِ..و وَجَعُ الذّكْرى يضْمَحِل وُجوده الثَّقيل عن حُجْراته..يا للغَرابة ! كيف تَحَوَّرَت مَأساة الماضي إلى صُور مُلَوَّنة تُعَلَّق على جُدْران رُوحي لتَسْرِد قِصَّة يُسْتَدَر منها رَحيق يُجْتَرَع على هَيْئة دَرْس دَنْيَوي..، ابْتسامته كانت مُسالِمة و سَمْحة..كانت ابْتسامة عَبْدالله فِعْلاً..دون أن تُعَكّرها شوائِب ماضٍ مُبْهَم..نَطَقَ بصَوْتٍ مُسْتَرْخٍ تُخالطه بَحَّة الصَّباح،:الحمد لله على السَّلامة أَنْفاس مُرْتَعِشة تَحُوم في جَوْفِها..أَنْفاس تُشْبِه ريح جَلَيدِيَّة أَسْرَت قَوافل التَّجَمُّد إلى دِمائِها الفاقِدة حَرارتها الطَّبيعية..و فُتورٌ مُنْهِك يُكَبّل أَطْرافها..يَمْنعها من التَّحَرُّك للهَرَبِ من جُيوش الإرْتعاش المُسَيْطرة على حواسها..،تَشْعُر بأنَّها صَغيـــرة..و مُرور الدّقائق و هي على ذِمَّة طَلال تُضَعّف من صُغْرها..ذاتها تَسْتَصْغر ذاتها بذاتها ! أَيُّ التَّعْقيدات تَعيشين نُور ! هَذا الشُّعور يَكْسُرني..يُقَوّض بَقايا ذاتي التي أَحْناها جَلْدُ الذَّات و لم يَهْدمها..بَقِيَت مُنَكَّسة الرَّأس و منها يَشْخَبُ حَرَجاً أَحْمَر..لَم يَكُن سِوى دَمٌ اسْتَفْرَغَتهُ الجِراح المُشَرَّعة بأيْدي ضَميري..،إلهي كَيْف اسْتطاع عَقْلي الباطني أن يَرْسُمَني و أنا بَيْن أَحْضان رَجُلٍ غَيْره ! أَكانت ثَوْرةٌ خائنة شَنَّها حُبي المَدْفون على ذاتي الراضية بقَدَرِها ؟ ذاتي التي صَمَتَت عن أي اعْتراض بعد أن صَفَعها جَليدُ كَلِمة ذاك العَجوز الصَّغير..مَبْروك! لم يُحارب من أَجْلي،و لم يُلَوّح من عَيْنَيه سَيْفٌ يُقْسِم بالدّفاع عن حُبّه و لو بِرُوحه و دمائه..رُبما لأَنَّهُ لم يَكُن هُنالك حُب..بل الذي كان هُو فَراغٌ عاطِفي..و أنا بعَفوية حُبّي من كان يُبْكم احْتياجه..و عَلى الرَّغم من ذلك أَتى و هاجَمني..صَرَخ و عاتَبَني عِتاب عاشِقٍ تَرَمَّد قَلْبه من نار الغيرة و القَهر على حَبيبته الحَليلة لغَيْره..أَيُّ تناقض هذا طلال؟ عَرّفه لي،لَعَلّي آتي ابْنَ أُخْتك بجوابٍ يُنَقّي الصّورة المَشَوَّشة المُقَيّدة عَقْله..فكيف بعد سَنَتان من الحُب يَعْلو من حَواسي زَعيق كُرْهٍ و اشْمئزاز اتجاهه ! أنا كَسَرته حينما نادى لساني بالطَّلاق..نَحَتُّ بشذرات بُرودي المُصْطَنع جِراح فَوْق حُجرات قَلْبه الذي أَحَبَّ بصدقٍ و وفاء..،أنا كُنتُ جَبانة عَبْدُالله..تخافُ من نتائج أَسْمال مُرَاهَقة ماضية..لذلك تَرَكْتُ يَدَك في مُنَتَصَفِ الطَّريق الذي كُنتَ تَزْرعه بزَهْرِ أَحْلامك..و بعد كُلّ ذُنوبي و آثامي ها هي شَفَتاك تَبْتَسِمانُ لي..و عَدَسَتاك يَحْتَضنهما بَريقٌ لهُ رائحة طَيّبة،تُذَكّرني برائحة ذاتك المُسالِمة..ذاتك التي لم تَخُن..و التي قَد تَنامُ وَسَطها طَعْنةٌ سامَّة من خَنْجَرٍ حَمَلْتَهُ أنا و خالك..طَلال..، مَرَّرَت لسانها على شَفَتيها..رَمَشَت بارْتباكٍ حاولت أن تُخْفيه عن عَيْنه المُبْتَسِمة..أَصْمَتت صَوْت التَّأنيب الناعق في رُوحها،و قَطَعت طَّريق الأَفْكار المُزْدَحِمة في عَقْلها لتَنْطُق بالجواب الهامس،:الله يسلمك أَرْخى كَفّيه في جَيْبي معطفه الأَبْيض و هو يَتساءَل،:شلون كانت الدورة ؟ استفدتون أكيد هَزَّت رأسها تُؤيده و عَيْناها تَنْفُران من عَيْنيه الجاهلَتين بالذي حَصَل،:الحمد لله..كل شي كان تَمام عَلَّقَ،:مع إنها بس اثنعش يوم لكن اشوف أغلب اللي راحوا يقولون استفادوا "أَرْدَفَ مع انْحراف بصره بعفوية لِما خَلْفها" إن شاء الله مرة ثانية يروح وَفْد عدده أُكبــ تِلْك الزُّمُرّدتان نَهَبتا الحَرْف الأَخير لِكَلِمَته..لِلَحْظة فَقَط الْتَقَى حَوَرُ عَيْنه بوِسْع عَيْنيها..قَبْلَ أن يَشِد بَصَرُها رَحْله إلى زَميلاتها اللاتي تُحادِثْنَها بانْدِماج..للتو يَلْتَقي بها بعد غيابها بسبب المَرَض..،شَبَحُ ابْتسامة مُشَفَّرة المَعْنى لَوَّح من شَفَتَيه..و الهُدْب تَنازل عن اصْطفاقته لثوانٍ،سامِحاً إلى العَيْن من أن تَخوض تَجْرُبة "غِياب" جَديدة..، ،:عبدالله اكلمك ! صَوْتُ نُور حَرَّك شِراع المُقْلَتين ليُعيده إلى أمواج الواقع..رَمَشَ بخِفَّة و هو يَزْحَف ببصره إليها و هي التي لم يَغِب عنها انْشداهه لتِلْك..أعادت سُؤالها عندما رَأت انتباهه،:اقول لك ليش انسحبت من الدورة؟ زَمَّ شَفَتيه يُواري ابْتسامة واسِعة أَرادت أن تَفْتَضِح مَكْنون روحه..يَوْمها كان مُقَيَّداً بقَهَره..لم يُرِد أن يَكون عُنْصراً خامِلاً وَسَط العلاقة النَّشيطة الرَّابطة بينها و بين ذلك الفَهد..فَضَّل الإنْسحاب على أن يُحيك وشاحاً جَديداً من نيران الغَيْظ الخانِقة قَلْب رُجولته..،أَخْفَضَ رأسه قَليلاً مع ارْتفاع يُمْناه داعِكاً بأطراف أصابعه خَدّه المُشْعر..مَرَّرَ لسانه على شَفَتيه..رَفع رأسه..و صَوَّب عَيْنيه جِهْة عَيْنيها..أَجاب بنصف ابْتسامة حَوَت نَبْرة ارْتَعَش جَوْفه من غَرابتها،و لم يَسْتوعبها عَقْل ابْنة عَمّه..،:كنت وقتها متخبط..مو عارف و ين استقر..لذلك انسحبت هَزَّت رَأسها و هي تُحاول أن تَجْتَرع المَعْنى المُبْهَم..أَضافت مع تَراجع قَدَميها خُطْوة للخَلْف،:إن شاء الله مرَّة ثانية ما تطوفك الفرصة "و هي تُدير نصف جَسَدها" عن إذنك أَوْمَأ إليها برأسه و الإبْتسامة النَّاقِصة لا زالت مُتَشَبّثة بشَفَتيه..بنُقْصِها تَسْخَر من قَلْبه المُتَخَبّط بتَوَجُّهات نَبَضاته..فشَعْبٌ يَسيرٌ منها لم يَبْرح أَطْلال الماضي البَهي..و زَحْفٌ من شُعوبٍ كَثيرة،ها هو يَمْضي إلى أَرْضٍ تَتَوَشَّح بثَوْبٍ عُذْري..يُناغي رُجولته المَثْلومة..،عادت المُقْلَتان إليها..للرَّبْوة العَذْراء..كانت تُحادث إحْدى المُمرضات و هما تَنْظُران لبعضٍ من الملفات..بالطَّبع تستعلم أَحْوال المَرْضى أَثْناء غيابها..أعاد جسده للخلْف مُسْنِداً ظهْره للحائِط،و كَفّاه تُلازمان جَيْبا مِعْطفه..طَوى ساقه اليُمْنى ليَسْتَقِر بباطن قَدمها على الحائِط..غادَرَ بصره تلك الأَرْض المُتَكَلّلة بزُهورٍ تُناديه بِتِلاتها برائِحتها..رائِحة زَكِيَّة تَسْبح وَسَط هوائه الرَّمادي لتَحْدو بهِ إلى سَماء حُب جَديد...حُـــب ! تَصافقت أَهدابه من جَيْش الإرْتباك المُوَلّدَتهُ هذه الكَلِمة...اللامُتَوَقَّعة...و المُتَسَرّعة ! حَدَقتيه مُتَعَلّقتان ببقعة فارغة على الأَرْضية..مُتَمَسّكَتان بها بقُوَّة رَغمَ الإرْتعاشات..و كأنَّهما تَخافان أن تُؤيّد النَّظرات ذلك الحُب المَجْنون..تَسارعت نَبضاته و ثِقْلٌ مُوْجِع تَكَوَّمَ وَسَط قَلْبه..ما بك عَبْدالله ! وُجود نُور مع مَرْوة زَعْزَع هُدوء جَواك...لماذا ! نُور فَصْلٌ قَد انْقَضى بلا عَوْدة..و مَرْوة..لم تَكُن فَصْلاً و لن تَكن أَبَداً..صَحيحٌ عَبْدالله..صَحيح يا ذاتي الغامضة ؟ لكن..قَبْل دَقيقة فقَط..و أنا أَقِفُ مُحادِثاً من كانت أُنْثى كَياني....تَيَبَّسَت أَطرافه مع اسْتحواذ الشتاء عليها في ثوانٍ..حَبَسَ أنفاسه في قَلْبه حتى اسْتَعَر الإخْتناق..و العَيْنان حُبِسَت الرُّؤية فيهما لتتكالب على بَصره غَشاوة حَجبت عنهُ جَواب السُّؤال الضاج في ذاته...لِمَ زاغَت حواسي عنها إلى أُنْثى غَيْرها....إلى مَرْوة؟ ,، يَتْبع ![]() ![]() ![]() |
![]() |
#2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]()
|
![]() ذقنهُ يَتَعَكَّز على يَديه المُتَشابِكَتين..عَيْناه تَرْتَدِيان ثَوْباً مُحاك بخُيوط التَّفْكير..و العَقْلُ قَد اسْتَقَلَّ القطار المُتَّجه نَحْو الحَديث الذي انْعَقَد البارحة بينه و بين زَوْجته..،جُنَّت حَتْماً..كيف اسْتطاعت خلايا مُخَّها أن تَنْتج هذه الفِكْرة المَجْنونة ! أَلم يَسْتَنْشق نصفه العَقْلاني خُطورتها ؟ أم أَنَّ عاطِفَتها اسْتَحْوَذَت على الفِكْر و المنطق تضامُناً مع المشاعر ! هُو الشَّخْص الأَكْثَرُ عِلْماً بمَدَى حَجْم الحقد الذي تَكِنَّهُ لذلك الرَّجُل..حِقْدٌ سَرْمَدي لا ينتهي أَبَداً..حَتَّى و لو انْتهت الرُّوح و وَدَّعَت الحَياة..فبَقايا الأَنْفاس التي ضَخَّتها هذه الرُّوح..المَشاعر التي سَكَبتها و الحروف التي نسَجَتها على قارعة الدُّنيا سَتَبْقى مُتَشَبّثة بالوَعْد..لتُكْمِل المَسير نَحْو المَقْصلة التي سَتُعْدَم فَوْقَها وَحْشيته..، هُو لم يُعْطها جَواباً على اقْتراحها الأَرْعَن..بل لم يَنْطُق بغير كلمات التَّعَجُّب و الذُّهول..و كَلِمَة "مَجْنونة" لم تَسْقُط من لِسانه..ها هُو منذُ البارِحة مُغْلِقاً على نَفْسه باب مَكْتبه..كأنَّما يَنْطوي بذاته وَسَط شَرْنَقة من تَفْكيرٍ مُعَقَّد..لم يَبْرَح مَقْعَده إلا من أَجْل الصَّلاة،ثُمَّ عاد و اسْتكان فَوْقه..و ها هي العَقارب تُكْمِل ساعتها الخامسة دون أن يَكْشف ولو عن نِصْف حَرَكة ما خَلا أَهدابه التي كانت تَتَصافق ببطءٍ بَليــد..،صَوْت طَرْقٍ قَوَي تَداخل مع صَوْت السُّكون الغارق الغُرْفة..تَلاهُ انْفتاح الباب لتَعْقبه رائِحة عِطْر أَذْفَر تَكَوَّم بَعَجَل في زوايا المَكان..تَقَدَّم ناحيته بأناقة مُفْرَطة..بنطال قماشي أَسْوَد،و قَميص لهُ لون باذنجاني مَطْفي..يَنْساب فَوْق عَضَلات صَدْره المُلْفِتة..و زِرارن عِند عُنُقه كانا مَفْتوحَين ليَكْشفان عن عُنُقِه المَشْدود و المَصْقول العَضَلات،و الأَكمام قد طَواها حتى مِرْفقه..نَطَق بنَبْرة تَتَشَبَّع ثِقةً،:صَباح الخيــر زَميل العَمَل أَخْفَض يَد واحِدة و الأُخْرى انْتَقَلت إلى خَدْه ليُعَلّق بخُمول،:صباح الخير "أَرْدَفَ بعد أن رآه يَتَّخذ المَقْعد بجانب المَكْتب" يعني وظفوك ! رِياح أَنَفة هَزَّت رأسه مع ارْتفاع حاجبه بغُرور،:أكيــد بيوظفوني..من الغبي اللي بيفرط فيني ؟ قَلَّبَ عَدَسَتيه وَسَط بَياض المُقْلَتين بمَلل و هُو يَتَراجع مُسْنِداً ظَهْره قائِلاً بسُخْرية،:شوي شوي لا ينكسر خشمك من هالغرور تَجاهل سُخْرِيَته مُلْتَقِطاً حَبْل الرَّيْبة الذي كان يُرَفْرف من مَلامح صَديقه..وَجَّه بُوْصلة عَينيه جِهة هذه الملامح المُعَرَّاة تَماماً أَمام ذاته المُدَقّقة..انْتفاخ بَسيط و لكن واضح كان يُحيط بأجْفانه..مع امْتداد ٍ جَريء للإحْمرار فَوْق بياض المُقْلَتين..لونٌ باهِت صَبَغ وَجْهه،لَوْنٌ يَحْكي التَّعَب..و فَوْقَ شَفَتيه نُحِتَت تَشَقٌّقات تُفْصِح عن صَمْتٍ اسْتَمَرَّ لساعات..رَكَزَّ عَدَسَتيه المُلْتَبِسَتان حِدَّة بعَدَسَتي رائد المُكَبّلَهما السُّهاد..تَساءَل بيَقين،:ليش مو نايم..صاير شي ؟ عُقْدة خَفيفة قَرَّبَت ما بين حاجبيه مع إلْتماس قَحَطُ شَفَتيه ابْتسامة شاحِبة،أجاب بسؤال،:شدراك إنّي مو نايم ؟ وَضَّح و هو يُشير إلى حاله برأسه،:ما يبي لها ذكاء..شكلك يبين إنّك ما ذقت النّوم حَرَّك رَأسه بعدم اهْتمام و هُو يَميل به يَميناً..رَفَع كَفَّهُ ماسَّاً بباطنه عُنُقِه و هو يَهْمس بنَبْرة سَريعة،:مو شي مهم "اسْتَأنَف مُتَسائِلاً مع إعْتدال جُلوسه" مع أي قروب بتشتغل ؟ أجاب و هو يَسْتند و يَداه تُسارعان للنَّوم في دِفء جَيبيه،:لحد الآن مادري..طلبت إنّي ألقي نَظْرة على الهيستوري تبع كل المحققين و المفتشين..عشان اختار بدقَّة "مَدَّد ساقيه على الأرْضية من أَسْفله،ثُمَّ أَرْخى كاحل على الآخر و هو يُكْمِل بمُشاكَسة" طبعاً من باب الذوق و المُجاملة طلبت إنك تكون شريكي ارْتَفَع حاجبه مُقَلّداً غُروره قَبْل دقائق،:غَصبٍ عَليك..و إنت مغمض تختارني شريك لك هُو الذي لم يَتَجاهل انْشغال فِكْر صَديقه ابْتَسَم لثوانٍ يُجاريه ثُمَّ قال،:ما بتقول لي شنو الشي اللي ما خلاك تنام ؟ بهُروب ساذِج أَبْعَد عَينيه عنه..و لم يَفُته لَحْنُ الثِقَّة الذي عانق كلمات عَبد العَزيز،:رائد تحجى أحسن لك..لا تخليني أغصبك على الحجي لا لن يَتَكَلَّم..هُو وَعَد فاتن مُنذ تِلْك اللَّيْلة أنَّ قِصَّتها سَتكون سِرَّاً لن يَطّلع عليه أحد..حتَّى طلال و الذي كان أَقْرَبُ إليه من أَنْفاسه..بالطَّبع لن يَنْقض الوَعْد الآن..لن يَخونها أَبَداً..فهي ارْتَدَت إكْليل ثِقة قَطَفَ زَهْراته بيديه و قَدَّمهُ لها بابْتسامة شَهْمة..لذلك لن يَسْمَح للكلمات أن تُغادر حَنْجرته مهما تَعَدَّدت أساليب عَزيز الغَصْبية..يعلم أنَّ عَزيز واحداً من المَجانين الذين يُعايشونه..و أَبْسط الأمْثلة إذا ما وَضعنا علاقته مع طليقاته جانِباً..تَهَوُّره اتّجاه قضية عَمَّار..،اسْتَكانت حَواسه للحظاتٍ وَمَضت خِلالها فِكْرة سَتُنْقذه من إلْحاح عَزيز..نَظَر لهُ بَعْد أن أَلْبَسَ ملامحه قناع مُزَخْرَف بالبَراءة..تَساءَل و مَقْصَدهُ الخَبيث تَحْويل مِنْظار عَزيز الدَّقيق بعيداً عنه،:إلا ما قلت لي شصار مع أمّك و زوجة عَمَّار الله يرحمه ؟ عُقْدَة عَدَم فَهْم بانت بين حاجبيه،:شدخل أمي في زوجة عمَّار ! "غادرت يُمْناه جَيْبه ليُديرها أمام وجه رائد مُرْدِفاً بغَيْظ بَسيط" شقاعد تخربط إنت ! فَتَحَ فَمَهُ ليُجيبه..لكِنَّهُ سُرْعان ما تَدارك نَفْسه و كَأنَّهُ انْتَبَه لخَطئه..عَضَّ على شَفته يُمَثّل النَّدَم قَبْل أن يَقُول وهو يُحَرّك رأسه،:خلاص خلاص انسى فَزَّ من مكانه كأنَّما عِفْريت قَد مَسَّه..فانْعقاد اسْم والدته باسم تلك الأُنْثى مُصيـــبة عُظْمى..و هو إلى الآن لم يَفْهم سَبب ذِكْر رائد لإسميهما معاً،و ماهية المَوْضوع الذي يَجْمعهما..اسْتَلَّ كلماته من بين أسْنانه و خُطوط الإنْشداد تتكالب حَوْل عَيْنيه الغاضبتين حَدَّ الإشْتعال،:رائد تكَلّم بسرعة لا أكَسّر عظامك بصعوبة اسْتطاع أن يُكْبح ضِحْكته و يُبعد آثارها عن وَجْهه..هُو يَعْلَمُ يَقيناً أنَّه إذا لم يَنْطُق..فإنَّ عَزيز سَيُنَفّذ تَهديده حَتْماً..وَقَف بهُدوء و هُو يُسْبغ على تَحَرُّكاته الإعْتيادية..حَشَر يد في جَيْب بنطاله الخَلْفي..و الأُخْرى اسْتَقَرَّت خلف عُنُقِه مُتَّخِذاً مَشْهَدَ القَلَق،:والله يا عزيز مادري شقول لك..بس أمك الله يحفظها أصَرَّت إنك ماتعرف اتّساع مَذْهول نالَ من عَيْنيه..هَتَفَ عِرْق في عُنُقه خَوْفاً..إلهى إن كان الذي أُفَكّر به صَحيحاً،سَتَتَجَسَّد المُصيبة حَقيقةً..و للمرَّة الرَّابعة..،نَطَق صَوْتٌ بُحَّ من فَرْطِ تَوَجُّسه،:رائــد..انْطق قالَ و هُو يَرى بوضوح إمارات الفَزَع المُضْحكة تَحوم حَوْل وَجْه رَفيقه..و من خلال هذا الخَوْف السَّاحق اسْتطاع هُو أن يَسْتَنتج سَبب اهْتمام والدة عَزيز بأَرْملة عَمَّار..،:خَلَّتني أَكَلّم إختك و أعطيها عنوان بيت أم عبدالله الكَلِمات حَلَّقت من لسان رائد لتَخْتَرِق مَسْمَعي عَزيز مُسْتَقِرَّة على عُشٍ تَهاوى من ثِقْلها..انْهار جَسَده الضَّخم فَوْق المَقْعَد مع وُلوج صَوْته من بين صُخور الصَّدْمة،:مُصيـــبة "الْتَفَت لرائِد الذي انْحَنى من شِدَّة ضَحِكه..و بقَهَرٍ حاقد أَرْدَف" الله ياخذك يا رائد..الله يـــاخـــذك ,، تَلَقَّت تَرْحيب وِدّي من زَميلاتها في المَدْرسة في أَوّل يوم عَمَل بعد غِيابها الطَّويل..اتَّضَحَ لها من خلال حَديثهن و سَلامهن أنَّ أخيها نَقَلَ لمُديرة المَدْرسة خَبَر إصابتها بحُمَّى شَديدة أَطْرَحتها الفِراش لأيام..و لم يَغْفَل عن تَسْليم الإدارة عُذْراً طِبّي اسْتَطاع أن يُدَبّره بصعوبة بالِغة..فَهْو حاولَ بشَتَّى الطُّرق أن يَحْميها من شَذرات الظُّنون و الشُّكوك التي قَد تَنْهال عَليها..،ها هي الآن تَجْلس وَسَط غُرْفة مَكْتبها التي افْتَقَدَت لأيام رائِحة أَنْفاسها..هَمَساتها اللَّطيفة و دِفء صَوْتَها الرَّقيق..لكن أَسَفاً أنَّ كُل هَذا قد طُمِرَ أَسْفَل كُثْبانٍ من رِمال مُميتة..فالأَنْفاس قَد نَسَفَتها رائِحة كَئيبة..كما رائِحة الفَقْد الذي يَحُوم فَوْق أَشْلاء أَجْساد نَهَبت أرْواحها الحَرْب..و الهَمَسات نُحِرَ لُطْفها..حَتَّى صَيّرتها الوَحْشية بَحَّاتٍ تَغُصُّ بالعَبَراتِ و الأَنين..أَمَّا ذلك الدّفء اللذيذ..فسَحابة الجَليد الضَّخْمة الْتَهَمَته و أَحالتهُ كُتْلة مُجَمَّدة لا تُذيبها شَمْس و لا يُثْمِر من بين تَشَقّقاتها الرَّبيع..، ،:مَلاك في شنو سرحانة ؟ رَمَشَت بِخفَّة لتُعيد لذاتها الصَّحْوة..نَظَرَت لِفاطِمة الجالسة على المَقْعَد المُلاصق للمَكْتَب..حاولت أن تَسْتَعين بابْتسامة..لكن الذي شَدَّ شَفتيها لم يَكُن سِوى عُبوس مَكْسور الخاطِر..بِبَحَّة أَجابتها،:مو في شي تَساءَلت فاطِمة و هي التي اسْتَنْبَطَت الضّيق من ملامح مَلاك الرَّمادية،:شنو فيش ؟ الواضح إنش متضايقة..أو زعلانة ! وَضَّحَت و هي تُحَرّك القَلم السَّاكن بَيْن أصابعها ليَرْتَطِم بالأوْراق برِتم سَريع،:لا مو متضايقة و لا زعلانة "حَكَّت مَدْمَع عَيْنها بطرف سَبّابتها و هي تُرْدِف" بس لا زلت أحس بالتعب تَدَثَّرت عَيْناها بالعَطْف قائِلةً،:يا عُمْري مَلوكه..حبيبتي ما تشوفين شر..ليش ما تستأذنين و ترجعين البيت ترتاحين ؟ انْكَمَشَت مَلامحها مُشْمَئِزة من الإقْتراح،:لاا مابي استأذن..مليت من قعدة البيت،و تكسَّرت عافيتي من السَّرير..اهني أريح "بسُرْعة الْتَقَطت سُؤال بهِ تُغَيّر هذا المَوْضوع الكَئيب" قولي لي شنو صار في غيابي ؟ ,، بَرْلِين أَيْقَظَهُ الفُضول الشَّرِس المُلازم ذَّاته مُنْذُ فَتْرة لَيْسَت بالقَصيرة..فَتْرَة كانت كافِيَة لغَرْسِ قاعِدة قَوِيَّة من شَك وَسَطها..كُلُّ الحَوادث تَقُول أَنَّ الذي كان لم يَكُن صُدْفة طاهِرة من بَصَمات أَصابع أَيْدٍ خَبيثة..كُلُّ شيء كان مُخَطَّط له..بدايةً بلقاء المَكْتَبة ذاك الذي اعْتَرَف مُحَمَّد بأَنَّهُ كان مُدَبَّراً ! لماذا ! لماذا هذا الكَذِب ؟ و لِمَ الخِداع ؟ لِمَاذا والُده يَصُر على نَثْر أَشْواك من تَعْقيد حَوْل حَياتهم؟ لِمَ لا يَدَع الوَرْدَ يَنْمو بهُدوء و سَكينة ليُعَطّر أَرْواحهم المُخْتَنِقة من نَتانة الدّماء المَبْصوقة من أَفْواه قَضاياه المُريبة ؟ هُو بالكاد اسْتطاع أَن يَغْفو قَبْل طُلوع الفَجْر بدقائق..فعَقْلَهُ كان مَشْغولاً بمُكالمة مُحَمَّد السَّريعة و جِدَّاً..كان يَسْأل عن ذلك المُحَقق..عَزيز..هُو يَعْرفه جَيّداً..و يَعْرف مَدى خُطورة القَضايا التي أَغْلَقَ مَلَّفَّها بعد أن زَجَّ بمُجْرميها في السّجن..لطالما اسْتَمَع لكَلِمات الفَخَر و التَّرانيم العابِرة لسان والده قاصِداً ذاك العَزيز..الجَبَل..كما اعْتاد أن يُكَنّيه..فهو لا يَهابُ شَيء..و كأنَّ طينته عُجِنَت بالصَّلابة و القُوَّة القاسِية..نَعَم كانَ قاسٍ..للحد الذي اضطَّرَّهُ أن يَنْفَصِل عن زوجاته الثَّلاث..فالعَيْش معه تَحْتَ سَقْفٍ واحد يَتَطَلَّبُ منك البَقاء يَقِظ الحَواس..وَسِع المَحْجَرين..مُدَقّق النَّظَر و مُتَأهّب الجَوارح مَدَى الحياة..فلا راحة و لا اسْتقرار معه..و الإنْعقاد به أَشْبه بتَقْييدٍ جَبْري في بَلَدٍ يَقْتات شَعْبه على الإَعْمال الشَّاقَّة و التَّدْريب المُنْهِك للنَّفْسِ قَبْل الجَسَد..،تَرَكَ جَسَدَهُ السَّرير و مَلامحه قَد اعْتراها وُجوم مُثير للتساؤل..انْتفاخ بَسيط كان يَغْفو أَسْفَل جِفْنيه..و عُبوسٌ كَئيب تَعَلَّق بِشَفَتيه..سادَّاً الطَّريق عن أيُّ ابْتسامة..غادَرَ غُرْفته دُون أن يُذيب جُموده بقطرات ماء تَنْساب على وَجْهه لتُبَدّد عُقْدَته..قَصَد الطَّابق الأَرْضي..و مُباشرة اتَّجَه إلى الجِهة القابِعة فيها طاولة الطَّعام المُتَوَسّطة الحَجْم..حَيْثُ هُناك كان يَجْلُس والده باسْترخاء صَباحي..ساق على الأُخْرى بجُلوسٍ تَحُفّه الثّقة..نَظَّارة القِراءة تَسْتَقِر على أَنْفه..و بين يَدَيه القَوِيَّتين كانت تَسْكن الصَّحيفة المُشَرَّعة..،هُو بخُطوات سَريعة و هُجومية مَضى إليه..تَوَقَّف على يَمينه و قَبْلَ أن يَلْتَقِط أَنْفاسه نَطَق صَوْته المُنْتَبِذ غُلْظة تَحْكي جِدّيته،:لماذا اخترت موهاميـد ؟ لماذا أنت مُصِر على تَوْريطه إلى الآن ! هُو مُهندس و ليس مُحَقق لتُقحمه في قضاياك المَجْنونة..السنوات التي مَضَت استطاع أن يَنْجو من القَتْل..لكن هذه المَرَّة..هو سألني عن أزيز..و كلانا يَعرف جيداً من هُو أزيز..قضاياه لا يسلم منها أحد "كَرَّرَ بغَيْظٍ مُسْتَعِر" لِمَ تُريد تَوْريطه ! صَوْتٌ لَم يَكُن يَنْتَظِره أتاهُ بتَحْليقٍ مُعاتب،:أووه عَزيزي هاينز ! إنَّها السَّابعة و النّصف صَباحاً..أُرْجوك لا تُزعج والدك حَاولَ أن يُدَثّر كلماته بمعطف الأَدب المُهْتَرئ في هذه الدَّقائق قائِلاً،:عُذْراً أمي..فأنا أحادثه هُو عادَ مُلْتَفِتاً بانْتباه إلى والده الذي طَوى الصَّحِيفة بهُدوء دُون أن يَرْفع طَرفه إلى هاينز المُحْتَرِق في مَكانه..أَرْخاها على الطَّاوِلة و هُو يتَقَدَّم منها بعد أن أَخْفَضَ ساقه..أَمْسَك بالكُوب الأبْيَض،ثُمَّ رَفعه ليَرْتَشِف من الحَليب السَّاخن..و عَيْناه قَد تَحَرَّرتا من النَّظارة لتَتَطَلَعَّان بانْدماج إلى أَفْكارٍ لا مَرْئِية تَحُوم في عَقْله..،هايْنز تَضاعف حَطَبُ ناره المُتَأجّجة..نارٌ هائِجة بعُنْف مُخيف..يَرْتفع منها دُخانٌ أَسْوَد يُهَدّد بدمارٍ على هَيْئة اخْتناق يُميت بقايا الجَمال المُتَشَبّث بحياتهم..شَدَّد من قَبْضة يَده التي ابْيَضَّت قَهَراً من اسْتفزازه..من بين أَسْنانه نَطَق و أَنْفاسه الثَّقيلة تَكاد تَمْرَق صَدْره المُتحامل،:أَبــي لا تتجاهل..أجبني و إلا أَخْبــ قاطَعَتْهُ كلماته الحادَّة كَسَيْفٍ مَسْلول،:لا تُشَتتني كان يَرْنو لهُ بطَرَف عَينه..أعاد الكُوب لمكانه تحت نَظَرات هاينز المُشَبَّعة غَيْظاً و سُخْرِية مَريرة..ارْتَفَع حاجبه باسْتنكار و هُو يَسْتمع لكلامه،:كُنت احسب سنوات عمرك..ستصبح رَجُلاً في الخامسة و الثَّلاثون قَريباً " أدار وَجْهه المُرْتَدي حُلَّة هادِئة مُخاطة ببرودٍ مَدْروس..أَكْمَل بابْتسامة أَرْفعت زاوية فَمه لتُعَبّر عن اسْتهزائه" بدَلاً من أن تتناقش مع زوجتك عن المَدْرسة التي ستُلْحق طفلك فيها..أنت واقفٌ الآن أمامي بشعرك المُبَعْثر و آثار النَّوم التي لم تَتَخَلَّص منها و تُحَقق معي كأنني مُجرمٌ سَفَك دَماً لأحد مُحبيك ! عَقَّب بسؤالٍ لائِم مع اشْتداد عُروق أَوداجه و حِدَّة عَدَسَتيه،:أَوَلَستَ من سَفَك دِماء حَياتي ؟ مَلأتها بدماء مُجْرميك..خَنَقتها بروائح الخَوف و التَّرَقُّب و عدم الأمان.. عمري الخامس و الثَّلاثون هذا لو نَبَّشت بين سنواته لدقائق..لدقائق فَقَط..لوَجَدتَّ طُفولتي تَبكي في زاوية مُظلمة..زاوية شَيَّدْتَها يَديك "أشار بإصْبعه المُنْتَبِذ من صَوْته ارْتعاشته..و الأَلَمُ يَجُر أنيناً أَبْكَم كان يَنْتصف كلماته المُخَضَّلَة بالأسى و القَهَر" أنت فَضَّلَت عَمَلك عَلي..على ابْنك الوَحيد..اخترت بأنانية أن تعيش في زَوْبعة من الخَطَر دون أن تُبالي بي..أنت حَتَّى و على الرَّغم من المَوْت الذي يُطاردنا لم تتنازل عن عَمَلك..ببجاحة اعترفت أنَّك تُحبه أكثر مني "هَزَّ رَأسه بنَفْيٍ صارِم لا يَقْبَلُ بالنّقاش.. و من عَيْنيه تَطَايَرت نُسورٌ جامِحة تَعِد بالهُجوم إذا ما اسْتجاب لأمره..اسْتَأنَفَ بهَمْسٍ فَحيحي ارْتَجَفت معهُ أَوْصاله الهائِجة" لكن الآن لن أسمح لك باسْتمرار هذا الظُلم..لم أعد أهتم بنفسي..ما يهمني هُو موهاميد "شَدَّد على كلماته مُواصِلاً صَفْعَ ذَّات والده" موهاميد هو الوَحيد الذي يهمني أمره طَوال هُجوم سَيْله الجارف كان صامِتاً..يَسْتَمِع و حُنْجرته تَتَكَوَّم على نَفْسها حتى تَحَجَّرَت بِغَصَّة.. الصَّوْت فارَقَتهُ الكَلِمات بخيانة عُظْمى..لذلك أَبَى أن يُسْبِغ عَلى الحَنْجرة المُتَقَشّفة بضع قَطَراتٍ تُعيد لها الحياة..الصَّمْتُ انْتَصَر عليه،و أَجْبَرَ ذَّاته على الإسْتسلام لِغَرَق ابْنه المَقْهور حَدَّ الحِقْد..،خَلَعَ جُلوسه الذي انْتَحَر اسْترخاؤه..وَقَفَ و هُو ينظر لساعته..يَدَّعي عَدَم اهْتمامه بتلك الخناجر السَّامة..رَشَّحَ ماء عَيْنيه من أَطْياف الألم و الإنْكسار،قَبْلَ أن يُلْبسهما بَلادة سَكَبَت الغاز على النيران..تَساءَلَ بصَوْت لا يَحْوي أيُّ انْفعال،:ما الذي تَغَيَّر الآن ؟ أنت تعلم أنَّ موهاميد هو الذي كان يُطيح بالمُجرمين بين يدي أزيز..لولا جاسوسيته لن أقول أنَّ المُجرم سيفلت منا..لكن سيستغرقنا الوصول إليه وقتاً أطْول..إذاً عمل موهاميد مع أزيز هُو اسْتثمار في صالحنا..و لا داعي للقلق تَقَدَّم مُفَجّراً بُرْكانه ليُلْحق سَيْله بحُمَم تنصهر منها نَبَضات آستور المُرْتدي قناع اللامُبالاة..قال بصَرْخة غَلَت منها دماؤه السَّابحة بَيْن ملامحه السَّوْداوية،:أنت أنـــاني..لا تخجل من الإفصاح عن أنانيتك..بلا اهتمام تقول أنَّه استثمار لصالحكم..لصالح عملكم السافـــ... أنت أكبر مُجرم..و كل الذين تُطاردهم ما هم إلا نُسخة مُصَغَّرة منك تَقَدَّمَ منه و بين حاجبيه اتَّضَحت عُقْدة أَكَّدَت لزَوْجته أن الوَضْع بَدأ يَنْحني لمُنْحَدَرٍ مُوْجِس..تَوَقَّفَ أمامه على بُعْد خُطْوة..رَفَعَ كَتِفه بالتوالي مع حَرَكة رأسه المُسْتَنْكِرة لرَدَّة فعل ابْنه الغَريبة،:أنت مابك ؟ منذ سنوات و أنت تعلم بعمل موهاميد مع أزيز..لماذا الآن تعترض ! من بين أَنْفاسه اللَّاهِثة أجاب و خُطوط الغَضَب تُواصِل نَحْتَ نفسها حَوْل عَيْنَيه،:لأنّني كُنتُ أعتقد أنَّ موهاميد على عِلْم بعمله مع أزيز..إضافة إلى أنَّهما لم يَلتقيان في تلك السنوات..لكن موهاميد أخبرني بجهله و هذا دليل على أنَّك كُنت تُخطط إلى السّوء..تُريد أن تورطه..هو سألني عنه..و كما أعرف أن أزيز عاد لبلده "صَرَخ بحَرْقة" لِمَ عاد و لمَ تَساءَل موهاميد عنه ! هَزَّ رَأسه غير مُصَدّقاً لحال ابْنه هذا..تَمْتَم و هو يَسْتَدير ليَبْتَعِد،:لقد جُنِنت..حَتْما جُنِنت ! هاينز بتَهَوُّر قَبَضَ بقوَّة على عِضْد والده الذي اسْتدار إليه بتلقائِية مُوَجّهاً لَكْمة حَديدية إلى وَجْهه، تَبعتها صَرْخة زَوْجته المَعْقودة بالقُصْرِ و الرُّعب..بحَرَكات مُضطَّرِبة تَرَكت المَقْعَد مُتَّجِهة إلى ابْنها الذي تَقَهْقَر على إثْر الضَّرْبة القَوِية و سَقَطَ على الأرض..جَلَسَت على رُكْبتيها عند جَسده المُسْتَقِر على جانبه..وَضَعَت كَفَّها المُرْتَعِشة على ظاهر يَده الضاغِطة على خَدّه المُسْتَسلم لسَيْطَرة التَّوَرُّم..تطافَرت دَمعاتها بضعف و هي تَهْمس بتَنشّق،:يَكفـ ـي..هذا يكفــي..لقد جُننتما ! أشارَ آستور لهاينز مُعَقّباً بقَهَر،:هو الذي جُن ! "أكْمَل يُحادثه" أنت على علم بقضيتنا الأخيرة..لماذا مُصر على هذه الدراما السَّقيمة ؟ صَرَخ هاينز و هُو لا زال على جُلوسه المائل،:اللـــعنة على هذه القضية..في البداية تُريد أن تُزوجه..و الآن تُقحمه مع أزيز المَجنون و لا أدري مــ قاطعه بنَبْرة جَليدية جَذَبَت إليها أقْطاب الجَليد المُتَكَتّل في العالم كُلّه..و إصْبعه انْتَصَفَ بصره بتَحْذيرٍ واخِز،:اخْــــرَس...لا تظن ولو للحظة..للحظة فقط..أَنَّك تحب موهاميد أكثر مني "اسْتَأنف و صَوْته يُعيد لهاينز ذكريات الماضي الغابِرة بوَحْشة" لولاي لكان جَسَده قَد تَحَلَّل بين تُراب بَرْلين..بلا أهل و لا عائلة نَفَثَ آخر كلماته ثُمَّ أَلْقى نَظْرة وَسَّعت من ثُقْب الحيرة المُتَوَسّطة ذات هاينز الذي بَقي في مكانه جامِداً..و أهدابه قد تاه عنها الإصْطفاق مُتيحةً لعَدَستيه الفُرْصة لاجْتراع طَيْف والده الذي بَدأ يَنْجلي..أَخْفَضَ يَده ببطءٍ آلي..لم يَعُد يَشْعُر بألم خَدّه..فَأعصابه قد أَتعبتها تلك الكَلمات حتى أصبح من العَصي عليها نقل إشارات الألم للمُخ..الدّماء التي كانت ثائِرة في عُروقه،ها هي تُوَجّه بُوصلتها إلى فَصْل التَّجَمُّد و البَيَات..كُل مافيه اسْتكان..حَتَّى أَنْفاسه غادرتها الرّياح العاصِفة..الْتَفَت بتَيه لصَوْت والدته المُعاتِب،:رَجَوْتُكَ هاينز كَفى..أنهِ هذه الحَرب..يُثْقِل قَلْبي هذا الحقد المتراشق من عينيكما..و كأنكما أعداء..أبٌ و إبنه و لكن أعداء..ارحم قلب والدتك هاينز..أَرْجوك ,، البَحْرين الإسْم أَعاد لِقَلْبها وَجَع السّكين التي طَعَنها بها دُون رَحْمة..و كَأنَّ الذي نَقَلَهُ إليها حَدَثاً تَتَحَمَّل ثِقْله القاتِل رُوحها التي لا تزالُ مُتَشَبّثة برائِحة تُراب قَبْر فَقيد عُمْرها..تَصافَقَت اَهْدابها إثْر انْتشار الدَّمع وَسَط بَياض عَيْنيها بشَعْواء مُرْبِكة..كانت تُحاول أن تُشيح وَجْهها عن بَصَر هذه الجَدَّة التي اتَّضَحَ أنَّها والدته..تُريد أن تُواري الضّعف الذي انسَكَب على مَلامحها..لكن يَدَها المُجَعَّدة أَبَت أن تُطْلق سَراحها..شَدَّت على وَجْنتها ناطِقةً بلَحْنٍ آسِف،:أنا دريت باللي سواه ولدي..و جاية اعتذر نيابةً عنه..صدقيني يُمَّه هو مو قصده سوء ولا قصده يفجع قلبش "ارْتَخَى حاجباها بقِلَّة حيلة مُرْدِفة" بس هذا طَبْعه..انْخلق وياه و كبر وياه..يحسب كل الناس مثله..قلوبها قويَّة و تتحمل كل صعب..ما يفرق بين قلب بنية و بين قلب رَجَّال "مَسَحت على شَعْرَها المُسْتَرْسِل و هي تُكْمِل بوِدٍ راجي" مسحيها في وجهي يُمَّه..أدري شكثر الشي يزَعّل و يكسر القلب..بس حبيبتي مــ قَاطعَتها غَيْداء ببحَّة و هي تُحيط برسغها بلُطْفٍ رَقيق،:خـلاص خالتي..أصلاً نسيت الموضوع " حاولت أن ترسم ابْتسامة ناعِمة و هي تُرْدِف" ما كان له داعي تتعبين روحش و تجين..تطمني سامحته تَساءَلت لِتَطْمَئِن،:أَكيد يُمَّه ؟ يعني مو شايلة في خاطرش على عَزوز الدّفش ؟ أَكَّدَتَ و هي تَهز رأسها بالإيجاب و بتلَّات ضِحْكة تُناغي آثار الوَجع التي سَكَنت ملامحها لدقائق،:أكيد خالتي..مو شايلة في خاطري قَرَّبَت وَجْهها من خَدّها لِتَطْبَع قُبْلة ارْتَشَفَت حُمْرَة وَجْنتي غَيْداء صِدق حُبّها..قالت و هي تَبْتَعِد عنها،:الله يخليش لعيون أهلش و أولادش يا القمر ابْتَسَمت لها و الخَجَل قَد نَثَر قُبْلاته على مَلامحها الباذِخة،:تسلمين خالتي..يخليش و يطول عمرش يارب هي رُبَّما لا زالت تَحْمِلُ وَسَط الجَوى لَوْماً مَخْنوقاً لذلك القاسي..و لا تَزال عَيْناه الباعِثَتان سِهام سَامَّة تُلاحقها في أَحْلامها..و كأنَّهما اللتان قَتَلتا حَبيب عُمْرها..حَتَّى صَوْتهُ المُتَشَبّع بشتاء قارس يَشْكط الرُّوح بحُرْقة،لم يَبْرح مَسْمعيها إلى الآن...،لَكِنَّها و رُغْمَ بُكاء الأَلَم المُسْتَعِر في جَوْفها..و الضّيق المُكَبّل وُجودها..إلا أَنَّها لم تَشأ أن تَجْعَل هذه المَرأة تُكْثِر من رَجْواها..فهي في عُمْر جَدَّتها،و لَيْسَ من شِيَمها أن تُوَلّد شُعوراً بالذُل في نَفْسِ أَحَد..كائِناً مَن كان..و هذا النّوع من الرَّجاء في مَنْطقها يُوازي الذُّل..، انْتَبَهَت لِصَوْت أُم عَزيز الذي عاد و هُو مُعَطَّر بالثِقَّة،:وَعد حَبيبتي غَيْداء..بخلي عَزوز الدّفش يعتذر منش هَزَّت رأسها بسرعة تَرْفض الفِكْرة بعَيْنان كَحَّلَهما الذُّهول،:لاا لا خالتي ما له داعي طَبْطَبَت على فَخْذها و هي تَرْسِل لها نَظْرة تَتَطَلَّع لمُسْتَقْبَلٍ مَجْهول الهَوِيَّة،:إلا له داعي..بيعتذر مرة و مرتين و ثلاث بعد..صدقيني يُمَّه ,، قُرْص الشَّمْس بَدأ بمُداعبة أَطْراف السَّماء..لتَبْدَأ رِحْلَة مَغِيب جَديدة..مَغِيبٌ يَحْملُ بَيْن أَوْزاره ابْتسامات..و رُبَّما دُموعٌ و صَرَخات..و بالتّأكيد للضحكات و الأُمنيات مَخْدعاً بين جَنَباته..،كانت السَّماء قَد ارْتَدَت ثَوْباً مُزَخْرَفاً بغُيوم زَهْرية..و بضْعٍ من تطاريز عَسْجَدية كانت تَنْتَشِر بسِحْر بين ثَناياها الصَّافِية..و ها هو القَمَر يَقِفُ مُتَطَرّفاً..بلونهِ الدُّخاني المُنْتَظِر هَدِيَّة الشَّمْس الكَريمة..،كانت الساعة تَقْترب من السَّادسة و عَشْر دقائق عندما كان يَشِد رَحْله بين مَمَرَّات المُسْتَشْفى..طاوِياً مِعْطفه الأبْيَض على كَتفه..يَد تَفْتَح زِرار قَميصه الثّاني عند العُنق..و يَد تُخْرج المفاتيح من جَيْب بنطاله..كان يَخْطو بسُرْعة بَسيطة ليَلْحق على الصَّلاة في المَسْجِد..كان قاصِداً في طَريقه مَخْرَج الطَّوارئ بعَيْنان تَتَطَلَّعان للأمام و فِكْر لا يَحْوي شَيء..، ،:باقي لي أسبوع و انتقل لقسم الأطفال "أَفْرَجَت عن زَفْرة مُهْلَكة" أوووف برتــاح..عالأقل هناك براءة و قلوب بيضا ضَحَكَت زَميلتها مُعَلّقة،:اللي فهمته من هالكلام إنَّ اللي في قسم الجراحة خبيثين و قلوبهم سودا مالت شَفتيها بابْتسامة صَغيرة و هي تُجيب مُوضّحة،:ما ادخل في النوايا..بس هذا اللي اسْتنشقته نَفْسي هَمَسَت زَميلتها و هي تَنْظر لِما خَلْفها،:شعنده دكتور عبدالله جاي مشتط ؟ مستعجل على شنو ! بسُرْعة الْتَفَتت لتُبْصِر نَبَضاتها وَجْهه السّارح..باغَتَتها تَنْهيدة لم تَشْعُر بوُلوجها لغِياب حَواسها..ازْدَردَت ريقها عندما ناغى مَسْمعيها صَوْته في الهاتف..و نَظْراته صَباح اليُوم عادت لتُحيط بها من جَميع الجِهات لتُعيد إحْياء التَّوَتُّر و الإرْتباك بين حَواسها..ابْتسامة دافِــــئة حَدَّ غِياب العَقْل جَمَّلَت شَفَتيها..فمَظْهره المُهْمَل بأزرار قَميصه المَفْتوحة و المعطف المُلْقى على كَتِفه جَعَلُوها تَسْتَنشِق نَسيم جاذِبية بـارد أَرْجَف دواخلها..،هُوَ حانت منهُ الْتفاتة على إثْرها اصْطَدَم وَعْيه بوُجودها القَريب..رَمَشَ لِمَرَّاتٍ مُتتالية تَحْكي ارْتباكه..و بحَرَكة جَلِيَّة أشاح وَجْهه عَنْها بالتوالي مع احْتدام سُرْعة خُطواته..و كأنَّهُ يَنْجو من الحَقيقة التي بَدَأَ هِلالها بالإنْعقاد مع الحَياة..،فَغَرَت فاهها من هذا التَّجاهل المُحْرِج و جِدَّاً..و كأنَّهُ بإشاحة وَجْهه صَفَع حالميتها البَلْهاء..حَطَّت بأسْنانها على شَفَتيها بقَهَر و هي تَسْتَمِع لِضِحْكة زَميلتها..نَطَقَت و الغَيْظُ قَد عَقَّدَ حاجبيها بعد أن صَدَّعَ ملامحها النَّاعمة،:فَشّلني النَّحيـــس..و الله ما يستاهل أحد يبتسم في وجهه حتى مُجاملة "أَرْدَفت و هي تَبْسِط يَدها أمام الباب مكان خُروجه " مالت عليـــك ، اسْتَقَرَّ جَسَده على مَقْعَد السَّيارة بَعْدَ أن أَغْلَق الباب و أَقْفَل جَميع الأبواب و كأنَّهُ يَحْمي نَفْسه من الوَغَى التي تُرْفَع أَعْلامها..تُدَق طُبولها و تَعْلو أَصْوات أَبْواقها حينما يَكون بجانب تِلك الأُنْثى...تَحْديداً..عندما يَكون بجانب تلك الأُنْثى مُؤخَّراً..،حاوَلَ أن يزْفر جُنونه و هو يَرْمي المِعْطف على المَقْعد بجانبه..و لسانه يَنْطق بتَوْبيخ لذاته،:عَبـــود يا الخَفيف مو بهالسرعة عاد..شوي و يطلع قلبك من صدرك يوم تشوفها ! ضَغَط زِر تَشْغيل السَّيارة ثُمَّ رَفَع عَيْنيه لتَنْعكسان لهُ في المرآة..حَذَّر نَفْسه بكلمات صارِمة،:اعْقل عَبدالله..اعقــل و بلا جنون "ارْتَخَت ملامحه و كأنَّهُ أُشْفِق على حاله مُرْدِفاً" عالأقَل خله يكون في البداية إعجاب..مو مرَّة وحده القلب يدق و تستوي حالتك حالة ! شخليت للمراهقين عَبــود ؟ حَرَّكَ السَّيارة بعد أن اتَّفَقَ مع ذاته أنَّ الذي يُراوده لَيْس حُب..فقط تَصادمه معها هذه الفَتْرة زَرَع في نَفْسه التَّرُهات و الأوْهام..إضافة إلى ،:صاير لك سنتين عايش في قَحَط عبدالله "ابْتسَمَ بغباء و هو يُكْمل و عَيْناه على الطَّريق" أكيد يوم إنّك شفت الماي استخفيت ! ,، يَتْبع
|
|
![]()
|