ديوان الفقيه عبدالله المبارك

إنها دار بَلاَءٍ
وزوالٍ وغرورِ
كَمْ لَعَمْـري صرعتْ قَبـ
ـلَكَ أصحَــاب الــقُصُورِ
وذوي الهيئة ِ في المجـ
ـلِسِ وَالجَمْــعِ الكَثيــــرِ
أخرجُوا منهَا فمَا كا
ن لَدَيْهــــمْ مِنْ نَكيِـــرِ

الصمت ُ أزيـنُ بالفتـى
منْ منطقٍ في غيرِ حينِه
والصدقُ أجملُ بالفتَى
فِي القول عندي من يمينه
وعلى الفتـى بوقــاره
سمة ٌ تلوحُ علَى جبينِه
فمن الذي يخفى عليـ
ـك إذا نظرت إلى قرينه
رُبَّ امـرىء متيقـن
غلب الشقاء على يقينه
فأزالهُ عنْ رأيهِ
فابتاع دنيـاه بدينـه

بُغْضُ الحَيَاة ِ وَخَوفُ الله أخرَجَنِي
وَبَيـعُ نَفسِي بِمَـا لَيسَتْ لَهُ ثَمَنَـا
إنِّـي وَزَنتُ الـذِي يَبقَـى لِيَعدِلَهُ
مَا لَـيسَ يَبقَـى فَلا والله مَا اتَّزَنَـا

تَذَكَّـرتُ أيَـامَ مَن قَدْ مَضَى
فهاجَ لي الدمْع سحاً هتُونا
فرددتُ في النفسِ ذكراهمُ
ليحدثَ ذلكَ للقلبِ لِينا
وإخوان صدقٍ لحقنَا بهمْ
فقد كنتُ بالقرب منهُم ضنينا
وَأوحَشَت الدَّارُ مِنْ بَعدِهم
أظَلُّ عَلى ذكرِهـم مُستَكينـا
وَإن كُنتِ بالعَيشِ مُغَتَّرة ً
تُمنِّيك نَفسُكِ فِيهَا الظُنِونَـا
فنادي قبورك ثمَّ انظري
مصارعَ أهلك والأقربينا
إلى أينَ صَارُوا وَمَاذَا لَقُوا
وَكَانُوا كَمثْلكِ فِي الدُّورِ حِيناً
وأينَ الملوكُ وأهلُ الحجَا
ومنْ كنت ترضين أو تحذرينَا؟
وَأينَ الذينَ بَنَوا قَبلَنَا
قروناً تتابعُ تتلُو القرونا؟
أتيتُ بسنين قد رمتا
منَ الحِصنِ لما أثاروا الدفينا
على وزنِ منين إحداهما
تقلُّ به الكفَّ شيئاً رزينا
ثَلاثينَ أخرى َ عَلَى قَدرِها
تَبـارَكتَ يَا أحسَنَ الخَالِقينَــا
فَمَاذَا يَقُومُ لأفْوَاهِهِمْ
وما كانَ يملأ تلكَ البطُونا
وَكلّ عَلَى ذَاكَ لاقَى الرَّدَى
فبادوا جميعاً فهمْ خامدونا

تعصى الإله وأنت تُظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديعُ
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إنَّ المحب لمن يحب مطيعُ

تنعَّمَ قومٌ بالعبادَة والتقَى
ألَذَّ النَّعِيـمِ ، لاَ الَّلذَاذة َ بالخَمرِ
فقرَّت بهمْ طولَ الحياة ِ عيونهمْ
وكانتْ لهمْ والله زاداً إلى القبرِ
على برهة ٍ نالوا بهَا العزَّ والتُّقى
ألا وَلَذِيذَ العِيش بِالبرِّ والصبَّرِ

دنيَا تداولهَا العبادُ ذميمة ً
شِيبَت بأكرَهَ مِن نَقيـعِ الحَنْظَـلِ
وَبَنَـاتُ دَهـرٍ لا تَزَالُ مُلِمَّـة ٌ
فيها فجائِع مثلَ وقعِ الجندلِ

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ
ويُتْبِعُهـا الــذُّلَّ إدمَانُهــا
وتركُ الذنوبِ حياة ُ القلوبِ
وخيرٌ لنفسكَ عصيانُها

رَأيتُ أبَا حَنيفَة َ كُلَّ يَومٍ
يزيدُ نبالة ً ويزيدُ خيرا
وينطقُ بالصوابِ ويصطفيهِ
إذا ما قالَ أهلُ الجورِ جُورا
يقايسُ منْ يقايسهُ بلبٍّ
فَمَن ذَا يَجْعلُون لَهُ نَظيرَا
كَفَانَا فَقْد حَمَّادٍ وَكَانَت
مصيبتنَا به أمراً كبيرا
فردَّ شماتَة الأعداءِ عنَّا
وأبدَى لعبدهُ علماً كثيرا

غاية ُ الصبْر لذيذٌ طعمهَا
ورديءُ الذوقِ منهُ كالصبرْ
إنَّ فِي الصَّبرِ لَفِضلا بَيَّنَاً
فاحملِ النفسَ عليه تصطبِر