|
…»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… { .. كل مايختص بأمور ديننا ودنيانا و يتعلق بأمور الدين الحنيف لأهل السنة و الجماعة فقط .. } |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
محبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجها
محبة الله - أسبابها - علاماتها - نتائجها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، وبعدُ: فإن من واجبات الإيمان ولوازمه محبةَ الله - تعالى - ومحبة رسوله، ومحبة عباده المؤمنين، ومحبة ما يُحبه الله ورسوله من الإيمان والعمل الصالح، وتوابع ذلك، وبُغضَ ما يبغضه الله من الكفر والفُسوق والمعاصي، وبُغض أعداء الله منَ الكفَرة والمشركين والعُصاة والملْحدين، فالحبُّ في الله، والبُغض في الله، والمُوَالاة في الله، والمعاداة في الله - أوثقُ عُرى الإيمان، وأحبُّ الأعمالِ إلى الله - تعالى - والمرءُ مع مَن أحب يوم القيامة، كما وردت السُّنة بذلك، فمحبةُ الله - تعالى - ورسوله صلى الله عليه وسلم مقدَّمةٌ على محبة الأولاد والأموال والنفوس؛ قال الله - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 24]، أمر الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يتوعَّد مَن أحب أهلَه وماله وعشيرته وتجارته ومسكنه، فآثرها - أو بعضها - على فعل ما أوْجَبه الله عليه من الأعمال التي يُحبها الله - تعالى - ويرضاها؛ كالجهاد، والهجرة، ونحو ذلك. قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: أي انتظروا ماذا يحل بكم مِن عقابه، والوعيد لا يقع إلا على فرْضٍ لازم، وحتْم واجبٍ؛ وفي الصحيحَيْن عن أنس: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه مِن ولده، ووالده، والناس أجمعين))، وفي الصحيحَيْن أيضًا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، والله لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء، إلا من نفسي، فقال: ((لا يا عمر، حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال: والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال: ((الآن يا عمر)). ومعلوم أن محبة الرسول إنما هي تابعةٌ لمحبة الله - جل وعلا - لازمة لها، فإنَّ الرسول إنما يُحَب مُوافقةً لمحبة الله له، ولأمر الله بمحبته وطاعته واتِّباعه، فمَن ادعى محبة النبي بدون متابعته، وتقديم قوله على قول غيره، فقد كذَب؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ﴾ [النور: 47]، فنفى الإيمان عمن تولى عن طاعة الله ورسوله، فإذا كان لا يحصل الإيمان إلا بتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على الأنفُس والأولاد والآباء والخلْق كلهم، فما الظن بمحبة الله - عز وجل؟ وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم تقديم محبة الله ورسوله على محبة غيرهما من خصال الإيمان، ومن علامات وُجُود حلاوة الإيمان في القلوب؛ ففي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث مَن كنَّ فيه، وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعودَ في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار))، قال النووي: معنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمُّل المشاق، وإيثار ذلك على أغراض الدنيا، ومحبة العبد لله بفِعْل طاعته، وترْك مُخالفته، وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال ابن رجب - رحمه الله -: ومحبة الله - سبحانه - على درجتَيْن؛ أحدهما: فرْض لازم، وهي أن يحب اللهَ - سبحانه - محبة توجِب له محبة ما فرَضه الله عليه، وبُغض ما حرَّمه عليه، ومحبة رسوله المبلِّغ عنه أمْرَه ونهيه، وتقديم محبته على النفوس والأهلين أيضًا كما سبق، والرِّضا بما بلَّغَه عن الله من الدِّين، وتلقي ذلك بالرِّضا والتسليم، ومحبة الأنبياء والرسل والمتبعين لهم بإحسان لله - عز وجل - وبُغض الكفار والفجَّار لله - عز وجل - وهذا القدْر لا بد منه في تمام الإيمان الواجب، ومَن أخلَّ بشيء منه، فقد نقص من إيمانه الواجب بحسب ذلك؛ قال الله - تعالى -:﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وكذلك ينقص مِن محبته الواجبة بحسب ما أخل به من ذلك، فإنَّ المحبة الواجبة تقتضي فِعل الواجبات، وترْك المحرَّمات، ولهذا المعنى كان الحبُّ في الله والبُغض في الله مِن أصول الإيمان. ا. هـ[1]. وخرَّج التِّرمذي مِن حديث معاذ بن أنس الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل إيمانه))؛ وخرجه الإمام أحمد وزاد فيه: ((وأنكح لله))، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، وخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: "مَن أحب لله، وأبغض لله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجدَ عبدٌ طعمَ الإيمان، وإن كثرتْ صلاتُه وصومه، حتى يكون كذلك، وقد صارتْ عامة مؤاخاة الناس على أمْر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا"؛ أي: لا ينفعهم بل يضرهم، كما قال - تعالى -: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]. قال في "فتح المجيد": "فإذا كانت البلوى قد عمَّت في هذا في زمن ابن عباس خير القرون، فما زاد الأَمْر بعد ذلك إلا شِدة، حتى وقعت الموالاة على الشرْك والبدَع، والفسُوق والعصيان، وقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم بقوله: ((بدأ الإسلامُ غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ))[2] ، فلا بد من إيثار ما أحبَّه الله من عبده وأراده، على ما يحبه العبد ويريده، فيحب ما يحبه الله، ويبغض ما يبغضه، ويوالي فيه ويُعادي فيه، ويتابع رسوله صلى الله عليه وسلم وبهذا يحصل التمييز بين المحبة في الله ولأجله، التي هي من كمال التوحيد، وبين المحبة مع الله، التي هي محبة الأنداد من دون الله، لما يتعَلَّق في قُلُوب المشركين مِن الإلهية، التي لا تجوز إلا لله وحده، قال ابن رجب - رحمه الله -: الدرجة الثانية منَ المحبَّة لله درجة السابقين المقرَّبين، وهي أن ترتقي المحبةُ إلى محبة ما يحبه الله من نوافل الطاعات، وكراهَة ما يكرهه من دقائق المكروهات، وإلى الرِّضا بما يقدره ويقضيه مما يؤلِم النفوسَ منَ المصائب، إلى أن قال: فقد تبيَّن بما ذكرناه: أنَّ محبة الله إذا صدقتْ أوجبتْ محبةَ طاعته وامتثالها، وبُغض معصيته واجتنابها، وأما الأسباب التي تستجلب بها محبة ربِّ الأرباب، فمِن ذلك: 1- معرفة نِعَم الله على عباده، التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى؛ ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، وقد جُبلت القلوب على محبة مَن أحسن إليها، والحب على النِّعَم من جملة شكر المنْعم، ولهذا يقال: إن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح. 2- ومن الأسباب أيضًا: معرفة الله - تعالى - بأسمائه وصفاته وأفعاله، فمَن عرف الله أحبَّه، ومَن أحب الله أطاعه، ومَن أطاع الله أكرمه، ومَن أكرمه الله أسكنه في جِواره، ومَن أسكنه في جواره فطُوبى له. 3- ومِن أعظم أسباب المعرفة الخاصة: التفكُّر في مَلكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء، وفي القرآن شيءٌ كثير من التذكير بآيات الله الدالة على عظمته وقدرته، وجلاله وكماله وكبريائه، ورأفته ورحمته، وبطشه وقهْره وانتقامه، إلى غير ذلك من أسمائه الحسنى، وصفاته العليا، فكلَّما قويتْ معرفة العبد بالله، قويتْ محبته له ومحبته لطاعته، وحصلتْ له لذَّة العبادة من الصلاة والذِّكْر وغيرهما على قدر ذلك. 4- ومن الأسباب الجالبة لمحبَّة الله - عز وجل - مُعامَلة الله بالصِّدق والإخلاص، ومُخالفة الهوى؛ فإن ذلك سبَب لفَضْل الله على عبده، وأن يمنحه محبته. 5- ومن أعظم ما تستجلب به المحبة: كثرة ذِكر الله - تعالى - فمَن أحب شيئًا أكثر من ذكره، وبذكر الله تطمئنُّ القلوب، ومِن علامة المحبة لله دوام الذِّكْر بالقلْب واللسان. 6- ومن أسباب محبة الله لعبده: كثرة تلاوة القرآن الكريم، بالتدبُّر والتفكُّر، ولا سيما الآيات المتضمنة لأسماء الله وصفاته، وأفعاله الباهِرة، ومحبة ذلك يستوجب به العبد محبة الله ومحبة الله له. 7- ومن أسباب المحبة تذكُّر ما ورد في الكتاب والسنة مِن رؤية أهل الجنة لربهم، وزيارتهم له، واجتماعهم يوم المزيد، فإن ذلك تستجلب به المحبة لله - تعالى[3]. وذكر ابن القيم - رحمه الله - أن الأسباب الجالبة لمحبة الله لعبده ومحبة العبد لربه عشرة: أحدها: قراءة القرآن بالتدبُّر لمعانيه، وما أريد به. الثاني: التقرب إلى الله - تعالى - بالنوافل بعد الفرائض، كما في الحديث القدسي: ((ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه))[4]. الثالث: دوام ذكْره على كل حال باللسان، والقلب، والعمل، والحال، فنصيبه منَ المحبة على قدر هذا. الرابع: إيثار محابِّه على محابك عند غلبات الهوى. الخامس: مُطالعة القلْب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها، وتقلُّبه في رياض هذه المعرفة وميادينها. السادس: مُشاهدة بره وإحسانه ونعَمه الظاهرة والباطنة. السابع - وهو أعجبها -: انكسار القلب بين يديه. الثامن: الخلْوة به وقت النزول الإلهي آخر الليل، وتلاوة كتابه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة. التاسع: مجالَسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايِب ثمرات كلامهم، ولا تتكلَّم إلا إذا ترجَّحَتْ مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك ومنفعة لغيرك. العاشر: مُباعدة كل سبب يحول بين القلْب وبين الله - عزَّ وجل - فمِن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة، ودخلوا على الحبيب. اهـ[5]. هذا، ومن علامات المحبة الصادقة لله ولرسوله: التزام طاعة الله، والجهاد في سبيله، واستحلاء الملامة في ذلك، واتِّباع رسوله؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 54]، وقال - تعالى -: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وصف - سبحانه - المحبِّين له بخمسة أوصاف: أحدها: الذلة على المؤمنين، والمراد بها: لِين الجانب والرأفة والرحمة للمؤمنين، وخفْض الجناح لهم؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]، ووصف أصحابه بمثل ذلك في قوله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وهذا يرجع إلى أن المحبين لله يُحِبُّون أحبابه، ويعودون عليهم بالعطف والرحمة. الثاني: العزَّة على الكافرين: والمراد بها الشِّدة والغلْظة عليهم، كما قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾ [التحريم: 9]، وهذا يرْجِع إلى أنَّ المحبين له يبغضون أعداءَه، وذلك مِن لوازم المحبة الصادقة. الثالث: الجهاد في سبيل الله، وهو مُجاهَدة أعدائه بالنفس واليد، والمال واللسان، وذلك أيضًا مِن تمام مُعاداة أعداء الله الذي تستلزمه المحبة. الرابع: أنهم لا يَخافون لَوْمة لائم، والمراد أنهم: يجتهدون فيما يرضى به من الأعمال، ولا يُبالون في الله لومةَ مَن لامهم في شيء إذا كان فيه رضا ربهم، وهذا مِن علامات المحبة الصادقة: أن المحب يشتغل بما يرضى به حبيبه ومولاه، ويستوي عنده مَن حمده في ذلك أو لامه. الخامس: مُتابعة الرَّسول صلى الله عليه وسلم وطاعته، واتباعه في أمره ونهيه، وقد قرن الله بين محبته ومحبة رسوله في قوله: ﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [التوبة: 24]، والمراد: أن الله لا يوصل إليه إلا عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم باتِّباعه وطاعته. قال ابن رجب: ومحبة الرسول على درجتين: إحداهما: فرْض، وهي المحبة التي تقتضي قَبول ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله، وتلقيه بالمحبة والرِّضا، والتعظيم والتسليم، وعدم طلب الهدى من غير طريقه بالكلية، ثم حسن الاتِّباع له، فيما بلغه عن ربه من تصديقه في كل ما أخبر به من الواجبات، والانتهاء عما نهى عنه منَ المحرَّمات، ونصرة دينه والجهاد لمن خالفه، بحسب القُدرة، فهذا القدر لا بُدَّ منه، ولا يتم الإيمان بدونه. والدرجة الثانية: فضل: وهي المحبة التي تقتضي حُسن التأسِّي به، وتحقيق الاقتداء بسنَّته في أخلاقه، وآدابه، ونوافله، وتطوُّعاته، وأكْله، وشُربه، ولباسه، وحُسن معاشرته لأزواجه، وغير ذلك من آدابه الكاملة، وأخلاقه الطاهرة والراقية، والاعتناء بمعرفة سيرته وأيامه، واهتزاز القلب عند ذِكْره، وكثرة الصلاة والسلام عليه، لما سكن في القلب من محبته، وتعظيمه، وتوقيره، ومحبة استماع كلامه، وإيثاره على كلام غيره من المخلوقين، ومن أعظم ذلك الاقتداءُ به في زُهده في الدنيا الفانية، والاجتزاء باليسير منها، والرغبة في الآخرة الباقية. ا هـ[6]. ومِن علامات محبة الله ورسوله: أن يحبَّ ما يحبه الله، ويكره ما يكرهه الله، ويؤثِر مرْضاته على ما سواه، وأن يسعى في مرضاته ما استطاع، وأن يبعدَ عما حرَّمه الله، ويكرهه أشد الكراهة، ويتابع رسولَه صلى الله عليه وسلم ويمتثل أمره، ويترك نهيه، كما قال - تعالى -: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء: 80]، فمَن آثر أمرَ غيرِه على أمْرِه، وخالف ما نهى عنه، فذلك علَمٌ على عدم محبته لله ورسوله؛ فإنَّ محبة الرسول مِن لازم محبة الله - كما تقدم - فمَن أحب الله وأطاعه، أحب الرسول وأطاعه، ومحبة الله تستلزم محبةَ طاعته؛ فإنه يحب من عبده أن يطيعه، والمحب يحب ما يحبه محبوبه ولا بد. ومِن لازم محبة الله أيضًا: محبة أهل طاعته، كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده؛ فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان، ومَن أحب الله - تعالى - أحب فيه، ووالى أولياءه، وعادى أهل معصيته وأبغضهم، وجاهد أعداءه، ونصر أنصاره، وكلما قويتْ محبة العبد لله في قلبه، قويتْ هذه الأعمالُ المترتِّبة عليها، وبكمالها يكمل توحيد العبد. هذا، وقد نهى الله - سبحانه - عن موالاة أعدائه في مواضعَ كثيرةٍ من القرآن، وأخبر أن موالاتهم تُنافي الإيمانَ بالله وكُتبه ورسله واليوم الآخر، وأنها سبب للفِتنة والفساد في الأرض، وأن من والاهم ووادَّهم فليس من الله في شيء، وأنه من الظالمين الضالين عن سواء السبيل، وأنه مستوجب لسخط الله، وأليم عقابه في الآخرة؛ والآيات في هذا كثيرة، منها: قول الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ... ﴾ إلى قوله - تعالى -: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [الممتحنة:1]. 2- قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ... ﴾ [المائدة: 51][7]. فمَن أطاع الرسول ووحَّد الله، لا يجوز له موالاةُ ومحبة من حادَّ الله ورسوله، ولو كان أقرب قريب؛ قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [التوبة: 23]، وفي النص على الأقارب دليلٌ على أن مُصارمة من سواهم من الكفار مطلوبة بطريق الأَوْلى والأحرى، وقال - تعالى -: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]. قال البغوي - رحمه الله تعالى -: أخبر الله أن إيمان المؤمنين يفسد بموادة الكفار، وأن مَن كان مؤمنًا لا يُوالي مَن كفر، وإن كان مِن عشيرته. وقال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة: أخبر - سبحانه وتعالى - أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا، فمَن واد الكفار فليس بمؤمن؛ ا. هـ، وقال - تعالى -: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [هود: 113]، والركون: هو المحبة والميل بالقلب. إذا عُلم تحريم مُوالاة أعداء الله - تعالى - وموادتهم، فليعلم أيضًا أنَّ الأسباب الجالبة لِموالاتهم وموادتهم كثيرة جدًّا، ومن أقربها وسيلةً مساكنتُهم في الديار، ولا سيما في ديارهم الخاصة بهم، ومخالطتهم في الأعمال، ومجالستهم ومُصاحبتهم وزيارتهم، وتولي أعمالهم، والتزَيي بِزِيِّهم والتأدُّب بآدابهم، وتعظيمهم بالقوْل والفعل، وكثيرٌ مِن المسلمين واقعون في ذلك! وقد وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ بالنهي عما فيه تعظيم لأعداء الله - تعالى - فمِن ذلك بداءتهم بالسلام، ومصافحتهم، والترحيب بهم، والقيام لهم، وتصديرهم في المجلس، والتوسيع لهم في الطريق؛ لما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريقٍ فاضطروهم إلى أضيقه»[8]. وقد ورد النهيُ عن مجامَعة المشركين ومساكنتهم في ديارهم؛ لأنَّ ذلك من أعظم الأسباب الجالبة لموالاتهم ومحبتهم، والأحاديث في ذلك كثيرة؛ منها قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن جامع المشركَ وسكن معه، فإنه مثله»[9]، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تساكنوا المشركين ولا تُجامعوهم، فمَن ساكنهم أو جامعهم، فهو مثلهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين»[10]. فليتأمل المسلمون الساكنون مع أعداء الله - تعالى - هذه الأحاديثَ، وليعطوها حقَّها من العمل؛ فقد قال الله - تعالى -: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 17، 18]، فالحب في الله والبغضُ في الله، والموالاة في الله والمعاداة في الله - من أهم أمور الدِّين، وأوثق عُرى الإيمان، وأفضل الأعمال عند الله، وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحْبه وسلم. [1] من كتاب "استنشاق نسيم الأنس من نفحات رياض القدس"، لابن رجب. [2] رواه مسلم. [3] انظر المرجع السابق ص 22 - 30. [4] رواه البخاري. [5] "مدارج السالكين"، جـ3، ص17 - 18. [6] من كتاب "استنشاق نسيم الأنس". [7] انظر: كتاب "تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران"، للشيخ حمود بن عبدالله التويجري. [8] رواه مسلم. [9] رواه أبو داود ورواه الترمذي. [10] رواه أبو داود والترمذي. |
01-14-2024 | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
جزاك الله خير
|
|
|