الفصـل الثامن:
ذهبت سلمى وأتت له بالماء ، وأخذت تلاطفه بالكلام حتى يتناسى همه ، وأخذ ذلك الطفل البريء يبتسم ، ويضحك ويداعب تلك المرأة التي احتوته بحنانها ، واحتضنته بالبسمة والمداعبة ، وقالت :
سلمى : سأذهب لأعد العشاء لك ولأبيك .
وبعد العشاء ، وعندما عاد إلى غرفته ، أخذ ينظر حواليه ، أخذ يبكي ويفتقد من كان ينام معه في الغرفة ، أخذ يتذكر خالد ، من كان يسليه ، من كان ينام معه ، من كان يلعب معه ، ما بين ليلة وضحاها يتغير حال ذلك الطفل المسكين ، وعندما استلقى على فراشه ، يذكر حبيبته ، يذكر غاليته ، يذكر والدته ، من كانت تضع عليه الغطاء ، من كانت تسكته عند البكاء ، أين هي ...
وبينما هو يتذكر ويبكي ، إذ دخلت عليه خالته سلمى ، أخذ يكفف دموعه ، وأتت إليه لتنظر هل هو نائم أولا ..
سلمى : لماذا أنت لم تنم ؟
ويجيبه بسؤال قد أتعبه ..
سعيد : يا خالتي ... أريد أمي ؟
يا خالتي ... أريد من كانت تهتم بي ؟
يا خالتي ... أريد من كانت تغطيني ؟
يا خالتي ... أريد من كانت توقظني ؟
يا خالتي ... أريد أمي ؟ يا خالتي .... أريد أمي ؟
وعاد إلى البكاء ، وأبكى خالته ، واحتضنته وهي تقول ستعود إليها إن شاء الله ، حسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب .
فكيف لهذا الطفل البريء أن ينسى أمه ، فهو ينام على ذكراها ، ويستيقظ على طيفها ، وهي لم تغب من خياله ، ولم تمح من ذاكرته ، ولن ينساها من حياته ، فهي والدته .
وتمر الأيام وقبل بداية العام الدراسي الجديد ، ذهب والده ونقله من مدرسته إلى مدرسة أخرى ، وذاك الطفل يتحين بدء الدراسة لأنه يتوقع أن يرى أخيه بانتظاره عند باب المدرسة .
ومع بداية الدراسة ، استيقظ سعيد وهو مستبشر بقدوم المدرسة ، وركب مع والده ، وهو في شوق أن يرى أخيه ، وإذا بوالده يتجه إلى مدرسة أخرى ، ولما وصل إلى هناك قال
أبو سعيد : هذه هي مدرستك يا سعيد .
سعيد : ماذا !!!!! أنت مخطئ يا أبي فمدرستي ليست بهذه .
أبو سعيد : لقد نقلتك إلى هذه المدرسة .
صدم سعيد من هول ما سمع ، وزادت كراهيته لأبيه .
وفي ذاك اليوم من هو متحمس ومتشوق لهذا اليوم ، إنه خالد ، فهو هناك على الباب ينتظر قدوم أخيه بفارغ الصبر ، يريد أن يراه ويطمئن عليه ، هل هو بخير ، أم يشتكي من علة ما ؟ ولكن لم ير أحدا ، ذهب خالد إلى مدرسته متكدر الخاطر ، متغير الوجه ...
وفي اليوم التالي يعود إلى المدرسة ، ولم ير أخيه سعيد ، وعاد خائبا .
وفي اليوم الثالث كذلك يفعل مثل ما فعل في اليومين الماضيين ، ولم ير أخيه ، حينها دخل إلى المدرسة ، وسئل المدير
خالد : السلام عليكم ؟
المدير : وعليكم السلام ...
خالد : أن لم أر سعيد بن أحمد في اليومين الماضيين .
المدير : وما علاقتك به ، ولماذا تسأل عنه ؟
خالد : إنه أخي .
اندهش المدير وقال : أخوك ولا تعلم عنه شيئا .
خالد : إنه قصة طويلة ولكن أين هو ؟
المدير : لقد نقله والدك إلى مدرسة أخرى .
تغيرت ملامح خالد ، وأصبح حزينا مما سمع ثم قال : إلى أين نقل ؟
المدير : لا أعلم .
خالد : شكرا لك يا أستاذ ، وآسف على الأخذ من وقتك .
المدير : لا بأس .
عاد خالد إلى المنزل حزينا مما سمع ، طرق الباب ، وفتحت له والدته المهمومة ، والدته الحزينة ، والدته الكسيرة ، وهي تقول
مريم : ماذا بك ؟ لماذا لم تذهب إلى المدرسة ؟
عندها بكى خالد وقال
خالد : معلمي انتقل إلى مدينة أخرى وأنا أذهب يوميا إلى مدرسة سعيد التي بجوارنا ، أذهب إلى هناك على هذا الكرسي المتحرك ، أذهب إلى هناك لكي أرى أخي وبالتالي ، وبعد هذه الأيام يتضح الأمر بأنه نقل أخي ، قلي لي لماذا يعاملنا بهذه القسوة ، لماذا يحرمنا من أخي ؟ لماذا ... لماذا يا أمي ؟
مريم : ألم تذهب إلى مدرستك ؟؟
خالد : لا ، ذهبت إلى مدرسة سعيد ولكني عدت خائبا .
بكت مريم وقالت : حسبنا الله ونعم الوكيل ، إنا لله وإنا إليه راجعون .
اصبر يا بني ففي يوم سيعود بإذن الله ، ولا تنس دعاء الله في كل صلاة أن يعود لنا سعيد
|