من الرسالة الحاتمية
.... وقد ثبت عند ذوي العقل والتمييز أن الإنسان إنما فضل عن سائر الحيوانات بالعقل المتناول علم ما غاب عن الحواس ، وثبت أن النظر الفكري في النفس مفصح عما تناول علمه العقل ، وهو على ضربين : ضرب منثور الألفاظ مثبوت المعاني تتصرف النفس في اجتلابه من حيث يسنح ، وضرب منظوم موجز مفهوم .
ووجدنا أبا الطيب المتنبي قد أتى في شعره بأغراض فلسفية ومعان منطقية . فإن كان ذلك منه عن فحص ونظر وبحث فقد أغرق في درس العلوم ، وإن يك ذلك منه على سبيل الاتفاق فقد زاد على الفلاسفة بالإيجاز والبلاغة والألفاظ الغريبة . وهو في الحالين على غاية من الفضل وسبيل نهاية من النبل . وقد أوردت من ذلك ما يستدل به على فضله في نفسه وفضل علمه وأدبه واغراقه في طلب الحكمة مما أتى في شعره موافقاً لقول أرسطوطاليس في حكمته .
قال أرسطو : إذا كانت الشهوة فوق القدجرة ، كان هلاك الجسم دون بلوغها .
فقال المتنبي :
وإذا كانت النفوس كبارا : تعبت في مرادها الأجسام
.... قال أرسطو : بالغريزة يتعلق الأدب لا بتقادم الميلاد .
فقال المتنبي :
وإذا الحلم لم يكن عن طباع : لم يحلم تقدم الميلاد
قال أبو علي الحاتمي يصف الثريا قبيل طلوع الفجر :
وليل أقمنا فيه نعمل كأسنا : إلى أن بدا للصبح في الليل عسكر
ونجم الثريا في السماء كأنه : على حلة زرقاء جيب مدنر
|