بقــايـــا العـــاصفـــه (الجزء الثاني)

حاول والد نوف أن يكون بجوارها ويسمع كل همس ربما يدور
في فكرها ... وبدأ في الإستعداد لإستقبال ضيوف إبنته وأحضر
كل أنواع الفواكه والعصائر الطبيعية ليبرهن أن إبنته كريمة وستجود
على صديقاتها بكل ما لذّ وطاب ... وبدأت الصديقات يتوافدن
إلى شقة نوف في غيابٍ من والدها لكي يأخذوا راحتهم في
البيت ... وما إن دخلوا البنات حتى قالت إحداهنّ : هذا بيتك
يا نوف؟!!! قالت نعم ... لا يوجد تلفزيون ولا فضائيات ولا
أنترنت أو أي شيء ممكن أن تتجهين نحوه في راحتك من
المذاكره ... كيف تستطيعين العيش بدون هذه الأشياء؟!!!
... أنا أقضيها في الجلوس مع والداي وهذا يكفيني ...
تجلسين يوم يومين ... ما تنتهي سواليفكم ؟!! شكلكم تعيدون
سواليفكم كل يوم (وهي تضحك)... فتضاحك معها البنات
فإبتسمت نوف وسط صمت من الأم التي قالت لهن: خذوا راحتكم
ثم خرجت لغرفتها ... وجلست تصلي ... أما الضيوف فجلسن
يتحدثن كل فتاتين مع بعض ونوف تناولهم القهوة والشاي ...
وبقت لوحدها لا يعيرها أحد أي إهتمام ... حتى وهم يأخذون
العصير والقهوة لا ينظرون إليها وكأنها خادمة جلبها والدها لهم
وبدأن الفتيات ينسحبن الواحدة تلو الأخرى حتى لم يبق بالبيت
أحد ... وكان والد نوف يضع إنارة بسيطة خارج شقته لتدل أن
هناك ضيوف نساء في البيت ... ودخل منزله بعد أن إنطفأت
تلك الإنارة فوجد أن الفتيات يقطعون التفاحه ويأكلون جزءاً
بسيطاً منها ويتركون الباقي وقطعة صغيرة من الموز وكذلك
البرتقال وبقية الفواكه ويشربن جزءاً بسيطاً من العصير ويبقى
الكأس ويأخذن من الكيك جزءاً ولا يكملون الصحن ... قال الأب: أنها
نعمة سيسألون عنها يوم القيامه وسيحاسبون عليها .. وقام يجمع
تلك القطع التي تركوها ويتناولها ... وعملت الأم بمثل ما قام به
زوجها وأخذت تأكل ما تبقى من الكيك في صحون صديقات
إبنتها ... وحين رأوا نوف حزينة لهذا الوضع بدأوا يتسابقون
على صحون صديقاتها ويتضاحكون بمن أكثر شخص يجمع
تلك النعم لتكون من نصيبه وما إن تحاول الأم تعيد الجمع حتى
يسرق زوجها من صحن والدتها التي جمعتها ... إبتسمت نوف
وكيف أن والديها إستطاعوا أن يغيّروا جوّها فبادلتهم اللعب
ووقفت في صف أمها ... وبعد أن قاموا بتنظيف المنزل وجلسوا
مع بعض حتى ذكر لهم الأب قصة قديمه عن رجل فاض عليه
الأكل وأخذ يأكل منه حتى لم يبق إلا قطعة واحده لا يجد لها
مكاناً في معدته وأراد أن يرمي تلك النعمة وقال في نفسه لم
تبق سوى تلك القطعه فاحتفظ بها وبعد أن خفّ بطنه من الأكل
قام وتناولها ... ودارت عليه الأيام وسافر وانقطع به الطريق
حتى وجد بدو يتناولون عشاءهم فأراد مشاركتهم فقالوا له: لم
يبق لك سوى هذه القطعه نظر إليها فوجدها بنفس تلك القطعة
الأخيرة التي أكلها من قبل ... فقال لنفسه: لو أنني رميت تلك
القطعة ما وجدتها الآن ... ثم قام الجميع لصلاة الوتر قبل أن
يطفئون الأنوار ويناموا حتى فجر يوم جديد ... وتدور الأيام
وبدأن الفتيات يجتمعن بلا نوف ... وهذا الشيء صدمها كثيراً
فهي أصبحت تعيش في الرياض بلا صديقات ... وبدأ والد نوف
يشعر مع زوجته بأثر ذلك على نوف ... ومهما كانا يحاولان
تغيير الجو عن نوف لكن الأخيره بدأت تنعزل عن الجميع حتى
داخل قاعات المحاضرات تبقى لوحدها دون أن تعير صديقاتها
سابقاً أي إهتمام ... وفضّلت ألا ترمي نفسها عليهن عنوة ...
وبقت تعاني من جرح عميق برفضهن لها ... وحاولت والدتها
أن تنتشلها من حزنها لكنها لم تستطع ... وبدأ الأب يستنزف
ماله لكي يغيّر جوّ إبنته ما بين سفر لمكة للعمره أو المدينه
للزيارة أو الدوحة عند أخوه الذي يعمل هناك والكويت ودبي
وبدأت نفسية نوف تزداد صلابة وتعلقاً بوالديها وتفوّقاً بدراستها
وركزت كثيراً على المكتبة العالمية بعد أن أدخل والدها النت
لمنزلهم ... وفي يومٍ من الأيام جاء الأب فَرِحاً مسروراً يخبرهم
أن جماعة المسجد القريب لمنزلهم قد طلبوا منه أن يكون إماماً
لمسجدهم ووافق على ذلك ... وطلبوا منه أن ينقل عفشه لمنزل
المسجد المخصص للإمام ... وسقط عنه أجار تلك الشقة الغاليه
وبدأ صوته يصدح في ذلك الحي الذي تأثر من فيه بحسن ترتيله
وبدأن صديقات نوف يدركن أنهن لا يستغنين عن تفوق نوف لعلها
تساعدهن في مشوار دراستهن الجامعية ... وبدأن يحاولن كسبها
لكنها بدأت تتعذّر منهن وكأنها تقول في نفسها كنت أنتظر هذه
الساعة لأجعلكن تذقن ما ذقت ... ولما أخبرت والدها بذلك قال:
كوني يا ابنتي (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)
وقررت نوف أن ترمي كل شيء وراءها وتعود لهم برغم المساوئ
وبدأ بين الطرفين تجاذبات التغيير في العلاقة بينهن بين مؤثر ومتأثر
ولتعرفوا إلى أي مدى هذا التأثير بينهن .... إنتظروني في الجزء الثالث
تحيتي لكم