الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصــــــايـــد ليـــــــل 】✿.. > …»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«…
 

…»●[دواويــن الشعــراء والشاعرات المقرؤهـ المسموعهــ]●«… { .. كل ماهو جديد للشعراء والشاعرات من مقروء و مسموع وتمنع الردود .. }

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-09-2011   #31


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (06:20 AM)
آبدآعاتي » 3,247,454
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



11 ـ أغنية إلي الريح الشمالية


قبلّ مجففة على المنديل
من دار بعيد
ونوافذ في الريح ،
تكتشف المدينة في القصيدة .
كان الحديث سدى عن الماضي
وكسرني الرحيل
وتقاسمتني زرقة البحر البعيد
وخضرة الأرض البعيدة
أماه ! . . وانتحرت بلا سبب
عصافير الجليل .
يا أيّها القمر القريب من الطفولة والحدود
لا تسرق الحلم الجميل
من غرفة الطفل الوحيد
ولا تسجل فوق أحذية الجنود
اسمي وتاريخي ـ
سألتك أيّها القمر الجميل .
هربت حقول القمح من تاريخها
هرب النخيل .
كان الحديث سدى عن الماضي
وكان الأصدقاء
في مدخل البيت القديم يسجلون
أسماء موتاهم
وينتظرون بوليسا
وطوق الياسمين
قبلّ مجففة على المنديل
من دار بعيده .
ونوافذ في الريح تكسر جبهتي
قرب المساء
كان البريد يعيد ذاكرتي من المنفى
ويبعثني الشتاء
غصنا على أشجار موتانا
وكان الأصدقاء
في السجن .
كانوا يشترون الضوء
والأمل المهرّب
والسجائر
من كل سجّان وشاعر
كانوا يبيعون العذاب لأي عصفور مهاجر
ما دام خلف السور حقل من ذره
وسنابل تنمو . .
بلادي خلف نافذة القطار
تفاحة مهجورة .
ويدان يا بستان كالدفلى . .
كأسماء الشوارع . .
كالحصار .
بالقيد أحلم ،
كي أفسّر صرختي للعابرين
بالقيد أحلم ،
كي أرى حريّتي ، وأعدّ أعمار السنين
بالقيد أحلم ،
كيف يدخل وجه يافا في حقيبة
بيني وبينك برهة في زى مشنقة
ولم أشنق . . فعدت بلا جبين
بيني وبين البرهة امتدّت عصور
بالقيد أحلم ،
كيف يدخل وجه يافا في حقيبة ! . .
قبلّ مجفّفة على المنديل
من دار بعيده .
ونوافذ في الريح ، يا ريح الشمال
ردّي إلي الأحباب قبلتهم
ولا تأتي إلي !
من يشتري صدر المسيح
ويشتري جلد الغزال
ومعسكرات الاعتقال
ديكور أغنية عن الوطن المفتت في يديّ ! . .
كان الحديث سدى عن الماضي ،
وكان الأصدقاء
يضعون تاريخ الولادة بين ألياف الشجر
ودّعتهم . .
فنسيت خاصرتي وحنجرتي وميعاد المطر
وتركت حول زنودهم قيدي
فصرت بدون زند ، واختصمت مع الشجر
والأصدقاء هناك ينتظرون بوليسا
وطوق الياسمين
وأنا أحاول أن أكون
ولا أكون . .

12 ـ أغنية حب علي الصليب
مدينة كل الجروح الصغيرة
ألا تخمدين يدي ؟
ألا تبعثين غزالا إليّ ؟
وعن جبهتي تنفضين الدخان . . وعن رئتيّ ؟ !
حنيني أليك . . اغتراب
ولقياك . . منفى
أدقّ على كل باب . .
أنادي ، وأسأل ، كيف
تصير النجوم تراب ؟
أحبك ، كوني صليبي
وكوني ، كما شئت ، برج حمام
أذا ذوبتني يدلك
ملأت الصحارى غمام
لحبك يا كلّ حبي ، مذاق الزبيب
وطعم الدم
على جبهتي قمر لا يغيب
ونار وقيثارة في فمي !
إذا متّ حبا فلا تدفنيني
و خلي ضريحي رموش الرياح
لأزرع صوتك في كل طين
و أشهر سيفك كل ساح
أحبك ، كوني صليبي
و ما شئت كوني
و كالشمس ذوبي
بقلبي . . و لا ترحميني

13 ـ الأغنية والسلطان
لم تكن أكثر من وصف . . لميلاد المطر
و مناديل من البزق الذي يشعل أسرار الشجر
فلماذا أقاموها ؟
حين قالت إن شيئا غير هذا الماء
يجري في النّهر ؟
و حصى الوادي تماثيل ، و أشياء أخر
و لماذا عذبوها
حين قالت إن في الغابة أسرارا .
و سكينا على صدر القمر
ودم البلبل مهدور على ذاك الحجر ؟
و لماذا حبسوها
حين قالت : و طني حبل عرق
و على قنطرة الميدان إنسان يموت
و ظلام يحترق ؟
غضب السلطان
و السلطان مخلوق خيالي
قال : إن العيب في المرآة ،
فليخلد إلي الصمت مغنيكم ، و عرشي
سوف يمتد
من النيل إلي نهر الفرات !
أسجنوا هذي القصيدة
غرفة التوقيف
خير من نشيد . . و جريدة
أخبروا السلطان ،
أن الريح لا تجرحها ضربة سيف
و غيوم الصيف لا تسقي
على جدرانه أعشاب صيف
و ملايين من الأشجار
تخضر على راحة حرف !
غضب السلطان ، و السلطان في كل الصور
و على ظهر بطاقات البريد
كالمزامير نقيّ و على جبهته وشم للعبيد ،
ثم نادي . . و أمر :
أقتلوا هذي القصيدة
ساحة الإعدام ديوان الأناشيد العنيدة !
أخبروا السلطان ،
أن البرق لا يحبس في عود ذره
للأغاني منطق الشمس ، و تاريخ الجداول
و لها طبع الزلازل
و الأغاني كجذور الشجرة
فإذا ماتت بأرض ،
أزهرت في كل أرض
كانت الأغنية الزرقاء فكره
حاول السلطان أن يطمسها
فغدت ميلاد جمره !
كانت الأغنية الحمراء جمره
حاول السلطان أن يحبسها
فإذا بالنار ثوره !
كان صوت الدم مغموسا بلون العاصفة
و حصى الميدان أفواه جروح راعفة
و أنا أضحك مفتونا بميلاد الرياح
عندما قاومني السلطان
أمسكت بمفتاح الصباح
و تلمست طريقي بقناديل الجراح
آه كم كنت مصيبا
عندما كرست قلبي
لنداء العاصفة
فلتهبّ العاصفة !
و لتهبّ العاصفة !


 توقيع : جنــــون


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس
قديم 08-09-2011   #32


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (06:20 AM)
آبدآعاتي » 3,247,454
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



14 ـ إلي أمي


أحنّ إلي خبز أمي
و قهوة أمي
و لمسة أمي
و تكبر في الطفولة
يوما على صدر يوم
و أعشق عمري لأني
إذا متّ ،
أخجل من دمع أمي !
خذيني ، إذا عدت يوما
وشاحا لهدبك
و غطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
و شدّي وثاقي . .
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك . .
عساي أصير إلها
إلها أصير . .
إذا ما لمست قرارة قلبك !
ضعيني ، إذا ما رجعت
وقودا بتنور نارك . .
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت ، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع . .
لعشّ انتظارك

15 ـ إلي ضائعة
إذا مرت على وجهي
أنامل شعرك المبتل بالرمل
سأنهي لعبتي . . أنهي
و أمضي نحو منزلنا القديم
على خطى أهلي
و أهتف يا حجارة بيتنا صلّى !
إذا سقطت على عيني
سحابة دمعة كانت تلف عيونك السوداء
سأحمل كل ما في الأرض من حزن
صليبا يكبر الشهداء
عليه و تصغر الدنيا
و يسقي دمع عينيك
رمال قصائد الأطفال و الشعراء !
إذا دقّت على بابي
يد الذكرى
سأحلم ليلة أخرى
بشاعرنا القديم و عودة الأسرى
و أشرب مرة أخرى
بقايا ظلك الممتد في بدني
و أومن أن شباكا
صغيرا كان في وطني
يناديني و يعرفني
و يحميني من الأمطار و الزمن


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس
قديم 08-09-2011   #33

•√♥ بقاياحلم ♥√•

الصورة الرمزية جروح العمر

 عضويتي » 2299
 جيت فيذا » Feb 2011
 آخر حضور » 09-27-2017 (05:04 AM)
آبدآعاتي » 33,887
الاعجابات المتلقاة » 0
الاعجابات المُرسلة » 0
 حاليآ في » سيبيرياالحجاز(الباحة)
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
آلقسم آلمفضل  »
آلعمر  »
الحآلة آلآجتمآعية  »
 التقييم » جروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond reputeجروح العمر has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  »
مشروبك
قناتك
اشجع
مَزآجِي  »

اصدار الفوتوشوب : My Camera:

мч ѕмѕ ~
ضَآٍع آلآمل
فـٍي غيٍمه آلاحـًزآن . . وشً دْنيتٍي مَا دَآمٍ عمريَ ضآعٍ

افتراضي


مواضيع : جروح العمر



رد مع اقتباس
قديم 08-09-2011   #34


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (06:20 AM)
آبدآعاتي » 3,247,454
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



مو نفس القصايد يا جروح

يرجع
وشاكره لك اهتمامك


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس
قديم 08-13-2011   #35


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (06:20 AM)
آبدآعاتي » 3,247,454
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»: الديوان الأخير لمحمود درويش



صدر الديوان الأخير للشاعر محمود درويش وعنوانه
«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»

عن دار رياض الريس التي تملك حقوق نشر أعمال الشاعر الراحل. والديوان في 154 صفحة،
وقد قسم الى ثلاثة أبواب:
«لاعب النرد»،
«لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي» و
«ليس هذا الورق الذابل إلا كلمات».

أما القصائد الموزّعة في هذه الأبواب فهي إحدى وثلاثون.وأرفق الديوان بكراس خاص للروائي الياس خوري عنوانه «محمود درويش وحكاية الديوان الأخير» وفيه يروي قصة هذا الديوان وكيف وجده وأعدّه وبوّب قصائده.





حكاية الديوان الأخير
إلياس خوري
كان لقائي بمحمود درويش، ظهر ذلك اليوم من شهر أيلول ملتبساً وغريباً. ذهبت الى عمان للاشتراك في اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤسسة محمود درويش. مساء اليوم الذي سبقه التقيت بأحمد درويش والمحامي جواد بولس، الآتيين من الجليل، وبعلي حليلة ومارسيل خليفة، في باحة الفندق. علي الذي رافق، مع أكرم هنية، الشاعر في رحلته الأخيرة الى هيوستن تكساس، حيث أجريت له جراحة الشريان الأبهر التي أودت به، روى لنا الأيام الأخيرة من حياة الشاعر، وتطور الانهيار الجسدي الشامل الذي أصابه بعد الجراحة.
كانت ليلة حزينة، لا أدري كيف أصفها الآن، لكنني أراها مثل منام مغطى بالبياض. لم يجعلني كلام علي حليلة أقتنع بأن محمود درويش مات، حتى عندما أضاف أكرم هنية في اليوم التالي بعض التفاصيل الصغيرة، وروى لنا أن درويش رأى في منام ليلته ما قبل الأخيرة معين بسيسو، وتساءل ماذا جاء معين يفعل هنا؟ لم أقتنع. فالموت حين يأتي يتشكل كحجاب سميك يفصل عالم الأحياء عن عالم الموتى. نتحدث عن الميت بصيغة الغائب، وننسى صوته. لكن مع درويش بدا لي الموت بعيداً. كنت أستمع الى الحكايات التي تروى، وأنا أتلفت يميناً وشمالاً، كأنني أنتظر وقع دعسات درويش في أي لحظة.
لكنه لم يأتِ، تركنا نحكي عنه كما تشاء لنا الذاكرة أن نحكي، ولم يكسر دائرة كلامنا بمزاحه وملاحظاته اللامعة.
في صبيحة اليوم التالي، عقدت اللجنة اجتماعها الأول بعدما انضم الينا ياسر عبد ربه وأكرم هنية وغانم زريقات وخالد الكركي وأحمد عبدالرحمن وصبيح المصري. ناقشنا مطولاً مسألة تشكيل المؤسسة، وتكلمنا عن الضريح، والحديقة التي ستقوم حوله، ومتحف الشاعر الذي سيبنى في المكان. تكلمنا في كل شيء، لكنني في الواقع كنت أنتظر نهاية الاجتماع بلهفة، كي نذهب مع علي حليلة الى بيت الشاعر في عبدون.
لم يدخل أحد الى المكان منذ أن غادره درويش في رحلة موته الى أميركا. وكان على مجموعة منا أن تدخل الى البيت بحثاً عن قصائده الأخيرة. قال محمود لعدد من أصدقائه انه يملك ديواناً جديداً جاهزاً في غرفة مكتبه في منزله في عمان، وأكد ذلك ناشره رياض نجيب الريّس.
فتح علي حليلة الباب ودخلنا. كان كل شيء على حاله. البيت يشبهه، أناقة من دون بذخ، وإيقاع هادئ تصنعه اللوحات المنتشرة، ومكتبة تضم كتاب العرب والعالم أمواتاً وأحياء. «لسان العرب» الى جانب ديوان التنبي، مجموعات شعرية وروايات في كل مكان، مرتبة تشير الى أنها قُرئت أو في طريقها الى ذلك. لا أدري لماذا عجزنا عن النطق، وحي تكلمنا لم تصدر عنا سوى أصوات هامسة. أحمد درويش، شقيق الشاعر جلس على الكنبة في الصالون وانفجر بكاء. مارسيل خليفة جلس الى جانبه مواسياً. دخلت مع جواد بولس الى المكتب، حيث من المفترض أن نجد الديوان. كنت أنتظر أن أجد المخطوط على سطح المكتب، لكنني لم أجد شيئاً. كنت أنتظر أن أجد رسالة تشرح لنا ماذا يجب أن نفعل بالديوان، لكن الرسالة لم تُكتب.
لم يكتب محمود درويش وصية. ليلة الجراحة طلب من علي حليلة وأكرم هنية أن يبقيا معه، لأنه يريد أن يتكلم، لكنهما نصحاه بالراحة، لأن وقت الكلام سيأتي بعد نجاح العملية الجراحية!
لم يكتب درويش وصية ولم يتكلم، رغم كل الأخطار التي كان يعرف أنها في انتظاره. عندما استمعت الى علي وأكرم يرويان الوحدة التي كان يشعر بها الشاعر المستلقي على سرير المستشفى الأميركي، أصبت بالقشعريرة، وشعرت بالخوف. في هذه المجموعة من القصائد، سنقرأ قصيدة عن الخوف، وندخل مع الشاعر لحظات النهاية التي يرسمها الخوف من النوم الأبدي على وجوهنا وأجسادنا.
وقفنا أمام المكتب الفارغ حائرين، كنت متأكداً من وجود الديوان، لأن درويش نشر منه ثلاث قصائد في الصحف هي: «على محطة قطار سقط عن الخريطة» و «لاعب النرد» و «سيناريو جاهز»، وقرأ ثلاث قصائد غير منشورة في الأمسية الأخيرة التي أقامها في رام الله، هي: «ههنا، الآن، وههنا والآن» و «عينان» و «بالزنبق امتلأ الهواء».(...)
خطر في بالي أن الديوان في الدُرج، حاولت فتحه، لكن اضطرابي أوحى لي بأن الدرج مقفل بالمفتاح، أين المفتاح، سألت؟ بحثنا عن المفتاح فلم نجده. قلت يجب أن نخلع الجارور، حين امتدت يد أحد الأصدقاء وفتحت الدرج، فانفتح بسلاسة.
أكوام من الأوراق. وقعت عيناي في البداية على قصيدة «طباق»، المهداة الى ادوارد سعيد، المنشورة في ديوان «كزهر اللوز أو أبعد» مكتوبة بخط اليد. من المؤكد أن درويش وضعها هنا، كي يقرأها في محاضرة إدوارد سعيد التذكارية التي تنظمها جامعة كولومبيا في نيويورك في نهاية شهر أيلول، لكن الموت جاء، معلناً الوداع النهائي «لشعر الألم». بحثنا أنا والمحامي جواد بولس شبه يائسين، وفجأة رأيت دفتر بلوك نوت ذا غطاء أزرق وضعت فيه القصائد. أولى القصائد كانت «لاعب النرد». قلبت الصفحات فعثرت على قصيدتي «عينان»، و «بالزنبق امتلأ الهواء». بحثنا في الدرج عن قصائد أخرى، فعثرنا على مسودات قصائد قديمة منشورة، لكننا لم نعثر على قصائد جديدة.
رقمنا المخطوط، وصورنا منه صورتين. أعدنا الأصل الى الدرج في مكانه، وأخذ أحمد شقيق الشاعر نسخة، بينما احتفظت أنا بالنسخة الثانية. وقرّ رأي الجميع أن يُعهد لي بالقصائد، كي أعدّها للنشر، وأكتب حكايتها، على أن تصدر في 13 آذار 2009، أي في يوم عيد ميلاد الشاعر، فتكون قصائده الأخيرة هديتنا الى من أهدى العرب والفلسطينيين أجمل القصائد.
أخذت القصائد الى غرفتي في الفندق، أقفلت الباب وقرأت، وشعرت بالحزن الممزوج بالعجز عن القراءة. في المساء سهرنا في حديقة منزل علي حليلة، وكانت القصائد معي، طلبوا مني أن أقرأ، فقرأت متلعثماً. كانت تلك القراءة سيئة وعاجزة، كيف أقرأ وأنا متيقن من أن درويش سيفاجئنا في أي لحظة ويسخر من وجوهنا الحزينة. لم ينقذ الليلة سوى مارسيل خليفة، أمسك بعوده وغنى الشعر الذي صار أشبه بالدموع. كانت كلمات درويش وموسيقى الروح في قصائده، تلفنا وتأخذنا اليها. كان الحزن، ولا شيء آخر. بدل أن نفرح بالديوان احتلنا شبح الغياب. الحقيقة أن المشاعر اختلطت، إذ كنا، ونحن نعمل في المنزل نشعر بالحضور السري والغريب للشاعر. في غرفتي في الفندق شعرت ان عليّ أن أعيد القصائد الى مكانها في الدّرج، غداً يأتي محمود ويقرر كيف يرتب قصائده، ويتعامل مع التعديلات التي يقترحها. قلت في نفسي إن عليّ التخلي عن هذه المهمة. نمت نوماً متقطعاً، والتبست عليّ الأمور في شكل كامل. قرأت القصائد كلها أكثر من مرة، وتأكد لي أننا لم نعثر على كلّ المجموعة الأخيرة من القصائد. لا شك في أن هناك قصيدة كبرى في مكان ما، وان اضطرابنا منعنا من اكتشاف مكان وجودها.
في صباح اليوم التالي، وبينما أشرب قهوتي رن الهاتف، وسمعت صوت مارسيل خليفة يطلب مني المجيء الى منزل درويش لأن غانم زريقات عثر على القصيدة. في المنزل أخذت قصيدة طويلة بلا عنوان، مكـــتوبة بخط يد درويش في خمس وعشرين صفحة. وعلى عكس الكثـــير من القصائد التي وجدناها، فإنها ناجزة، ولا أثر فيها للتشطيب أو اقتراحات التعديل.
قرأت القصيدة التي قفز عنوانها من بين السطور من دون أي جهد: «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، ووجدتني أمام عمل شعري كبير، قصيدة تصل بالمقترب الملحمي – الغنائي الذي صاغه درويش الى الذروة. ومعها عثرنا على خمس قصائد جديدة.
في تلك اللحظة اقتنعا أننا أمام عمل شعري كبير يشكل إضافة حقيقية على الديوان الذي تركه الشاعر.

تـــــــــابع


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس
قديم 08-13-2011   #36


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (06:20 AM)
آبدآعاتي » 3,247,454
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



قصائد لم يلق عليها نظرة الوداع ... المكان الذي أصبح طللاً في ديوان محمود درويش الأخير
ديمة الشكر
ديوان محمود درويش «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، يصحّ فيه وصف الديوان الأخير، فالشاعر «طوى الجزيرة وجاءنا الخبر» في الصيف المنصرم قبل الصدور. في الديوان احدى وثلاثون قصيدة، تجمعها موهبة قلّ نظيرها في الشعر العربي، وتنفرد كلّ منها بخاصّة منقطعة القرين، فدرويش هو الشاعر الذي لا يستكين إلى منجزٍ مهما كان جميلاً وأصيلاً، ولا يرتاح إلى «شهرة» فيتكئ عليها، ولا يكرّر السير في دربٍ عبدّها وإن أضمرت نجاحاً وانتشاراً. فهذا الديوان لا يتصل بما سبقه إلا بقدر ما ينفصل عنه، ويستطيع القارئ الشغوف بشعر درويش أن يجد بنفسه بعض خيوط الاتصال مع دواوين سابقة، فـ الجدارية، ولا تعتذر عمّا فعلت، وكزهر اللوز أو أبعد، وأثر الفراشة، حاضرة من خلال الخيارات الفنيّة الخاصّة بدرويش، التي أتاحت له أن يطوّر شبه منفرد تيار التفعيلة برّمته، من خلالِ ابتداعه لأشكال شعريّة جديدة، فضلاً عن زيارته للقصيد في ثلاث قصائد، تخصّ أولاها الشاعر وثانيتها الشعر أمّا ثالثتها فتضمّن بيتاً شهيراً للمتنبي، وليس في هذا الأمر مفاجأة، بل صلة وثيقة مع أثر الفراشة الذي تنقّل فيه درويش بين المعقود والمنثور، وكتب فيه القصيد أيضاً (على قلبي مشيتُ، في صحبة الأشياء، ربيعٌ سريع).




لكنّ حضور الأعمال السابقة على هذا النحو، لا يشغل المتن الأساس للديوان الجديد، الذي يظهرُ مفارقاً لها في غير ما أمرٍ. فمن أهمّها، أن معانيه تدور حول الغياب، لا باعتباره نتيجةً ملموسةً للموت الجسدي، بل من خلالِ توسيع معناه ليصبح موضوعاً شعرياً كبيراً، ينفذّ الشاعر منه إلى ما قبل الغياب أي الحياة، التي تعطيه معنىً شعريّاً يبدّد عبره نقيضها أي الموت، فيصحّ القول إن في غياب الشاعر حضوراً، من دون أن يقتصر الأمرُ عليه، ذلك أنّ درويش لم يكن صاحب أوهام شخصيّة تقول بالخلود أو أخته الشهرة، وهو لا يرى فيهما ما يميّزه، بل ما يسجنه في صورة رمزٍ أتعبته في الحياة، لذا جاءت قصيدته «لاعب النّرد» لكسر هذه الصورة النمطية، عبر سؤالٍ «من أنا لأقول لكم؟» لن يتأخر جوابه «أنا مثلكم أو أقلُّ قليلاً»، ويتبعه سردٌ لحياة شخصيّة، من الولادة الفردية التي ليست إلا مجموعةً من الحوادث الشخصيّة (الهرب من الذئاب، محاولة انتحار) والمصادفات، مروراً بشغفين : الحبّ «أدرّب قلبي/ على الحبّ كي يسعَ الورد والشوك»، والشّعر «لولا وقوفي على جبلٍ/ لفرحتُ بصومعة النسر: لا ضوء أعلى!»، وصولاً إلى سؤال ما قبل النهاية «من أنا لأخيّب ظنّ العدم؟»، حيثُ تتكفّل المصادفات بإعطاء «أنا الشاعر» بعداً شخصيّاً نافيّاً عنها بذلك صفةً أَسَرَته، الأنا الناطقة باسم الجماعة، بينما يؤدّي تجاور ضميري أنا ونحن في جملة واحدة، إلى توسيع حدودها لتغدو الأنا التي تحمل الجماعة في وجدانها :«من سوء حظّي أن الصليب/ هو السلّم الأزلي إلى غدنا»، وتتقنُ إصابة الشخصّي والمشترك: «كان يمكنُ ألا أكون مُصاباً/ بجنّ المعلقة الجاهليّة/... لو أن دورية الجيش لم ترَ نار القرى/ تخبز الليل/ لو أن خمسة عشر شهيداً/ أعادوا بناء المتاريس/ لو أن ذاك المكان الزراعي لم ينكسر» أو «شمألتُ شرّقتُ غرّبتُ/ أما الجنوب فكان قصيّاً عصيّاً عليّ/ لأن الجنوب بلادي».
الاستعارة البعيدة
للغياب مراتبه الخاصّة في الديوان، فهو الاستعارة البعيدة، إذ يغدو قريناً للمكان في قصيدتين تستلهمان الوقوف على الأطلال «على محطة قطار سقط عن الخريطة» و «طلليّة البروة»، فالأولى تخصّ فلسطين كلّها، إذ إن القطار الذي كانَ يمرّ بين بلاد الشام ومصر، واقعٌ بين المجاز والحقيقة، فالأرض التي يسيرُ فيها خاليةٌ من البشر، فيها عناصر حيّاديّة «عشبٌ، هواءٌ يابسٌ شوكٌ وصبّارٌ»، تشيرُ إلى مكانٍ محدّد ما أن تجاور مفردات أخرى تُبطن انكسار المكان عبر المجاز تارةً :«عدمٌ هناك موثّقٌ... ومطوّقٌ بنقيضه»، وعبر الحقيقة تارةً أخرى: «وقفتُ على المحطة لا لأنتظر القطار... بل لأعرف كيفَ جُنّ البحر وانكسر المكان» أو«قلنا البلاد بلادُنا/ قلبُ الخريطة لن تصاب بأيّ داءٍ خارجي...فلم نرَ الغد يسرقُ الماضي - طريدته ويرحل». وليس القبول بانكسار المكان ذريعةً للوقوف في أطلاله، بل العكس هو الصحيح، فالأرضُ التي تُعرّف بالغياب ترسم طريق استعارة كبرى للمكان: «أهذا كلّ هذا للغياب؟ وما تبقى من فتات الغيب لي؟»، وليس الغياب كاملاً سوى قرين المكان الكامل غير المكسور:«أرى مكاني كله حولي... الجمال الكامل المتكامل الكلّي في أبدِ التلال ولا أرى قناصتي»، فمن خلالِ مزجٍ متقنٍ للضعف (الغياب) بالقوة (المكان) يتعطل القبول بالانكسار. فالكلام عن الغياب هو الكلام عن المكان، يقول في القصيدة الثانية الخاصّة بقريته «طلليّة البروة»: «أختار من هذا المكان الريح/ أختار الغياب لوصفه»، إذ من خلال هذه الاستعارة الكبرى، يغدو الغياب أقوى حضوراً وأكثرَ ثباتاً، مُبطناً في الآن نفسه زوال الموقت الطارئ على المكان: «هل ترى خلف الصنوبرة القوية مصنع الألبان ذاك؟ أقول كلا لا أرى إلا الغزالة في الشباك. يقول: والطرق الحديثة هل تراها فوق أنقاض البيوت؟ أقول: كلا لا أراها لا أرى إلا الحديقة تحتها». وإن كان الوقوف على الأطلال يفتحُ باباً للغياب، ويعطّل الحاضر الذي لا يمحو الحديقة أو الغزالة من الذاكرة، فإن هذه الأخيرة لا تطوي تحت جناحها الأمسَ البعيد الذي يبُطن استعارة الغياب/ المكان فحسب، بل تطوي كذلك الأمس القريب، الذي يبطن الاستعارة ذاتها، فقصيدة «في رام الله» هي أخت قصيدة «رجل وخشف في الحديقة» من ديوان لا تعتذر عمّا فعلت، وفيها يدّقق درويش قوله عن العودة الناقصة التي لم تكن إلا لجزءٍ من المكان، من خلال سؤالٍ جارحٍ عن الخشف: «هل صارَ يألفُ بيتك؟»، إذ احتاج غالبية الفلسطينيين القاطنين اليوم في رام الله، إلى وقتٍ للألفة معها، فقلّة منهم تملك ذكريات فيها، وكأنّها صورة الفرق بين الذكرى والذاكرة أو بين المنزل والبيت، لذا يهدي درويش، سليمان النجاب قصيدة ثانيةً تشيرُ إلى الأمسِ القصير «الذكرى»: «لا أمس لي فيها سواك/ فما خرجتُ وما دخلتُ، وإنّما/ تتشابه الأوصاف كالصفصاف»، لكن هذه الإشارة اللماحة ستحملُ في طياتها صورة المكان: لي أمس فيها/ لي غيابُ!».
للحبّ والشعر نصيبٌ وافرٌ في الديوان، يفترقان في قصائد ويلتئمان في أكثر من واحدة، كصنوين متلازمين كما في القصيدة الجميلة «بالزنبق امتلأ الهواء»، التي تجمع بين لحظتين تُفضيان إلى الفرح: لحظة الإلهام «بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ موسيقى ستصدح» وانتظار موعد عاطفي «وكرسيّ يرحّب بالتي تختار إيقاعاً خصوصياً/ لساقيها. ومرآةً أمام الباب تعرفني وتألف/ وجه زائرها»، وتضمران الحياة كولادة ثانية: «أنا المعافى الآن، سيد فرصتي/ في الحبّ. لا أنسى ولا أتذّكر الماضي،/ لأني الآن أولد، هكذا من كل شيء»، فـ «كل شيء يصطفي معنى لحادثة الحياة» التي تبعدُ الموت إذ تمزج أوّل الحب بأوّل الإلهام: «بلا سبب يفيض النهر بي، وأفيض حول عواطفي: بالزنبق امتلأ الهواء كأنّ/ موسيقى ستصدح!».
وإذ يتجاور الحبّ والشعر، يحضر شاعر الحبّ الشهير نزار قباني، «في بيت نزار قبّاني» الذي أنشأ لدمشق استعارة الياسمين وأدخل البيت الدمشقي جنّة الخلود الشعري: «بيتٌ من الشّعر - بيتُ الدمشقيّ/ من جرسِ الباب حتّى غطاء السرير/ كأن القصيدة سُكنى وهندسةٌ للغمام»، وإن كان درويش سيصف بيت نزار من خلال لون عينيه، فلكي نراه من خلالهما :« ليلهُ/ أزرقٌ مثل عينيه. آنية الزهور زرقاء... دمعه حين يبكي رحيل ابنه في الممرات أزرق... لم تعد الأرض في حاجة لسماء، فإن قليلاً/ من البحر في الشعر يكفي لينتشر الأزرق/ الأبدّي على الأبجديّة»، فالعينُ مرآة القلب وباب الروح كما قالت العربُ، ولعلّ هذا ما ألهم درويش إحدى أجمل غزلياته «عينان»: «عينان تائهتان في الألوان، خضراوان قبل/ العشب، زرقاوان قبل الفجر. تقتبسان/ لون الماء، ثم تصّوبان إلى البحيرة نظرةً/ عسليّة، فيصيرُ لون الماء الأخضر». وإن كانَ ظاهرُ القصيدة يصفُ تبدّل لون عيني الحبيبة بين تدرّجات الأخضر والأزرق، فإن باطنها يصفُ المزاج المرافق لكل درجةٍ لونيّة، على نحوٍ يتحدّ فيه جمال عينيها بروحها، لذا يبدو السؤال الذي يختتتم القصيدة: «عينان صافيتان، غائمتان/ صادقتان، كاذبتان عيناها. ولكن من هي؟» كمفتاحها لا قفلها. فهو سؤال فخّ، يجرّ القارئ إلى القراءة ثانيةً أو أكثر، ليكتشف أن الشاعر يعرفها بدّقة، لأن العين مرآة القلب. وتحيلُ إعادة القراءة على إطالة المتعة في قصيدة «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي»، التي تخصّ اللقاء بين حبيبين يعاندان الفراق، ويتذكران قصّتهما، ويتحاوران في سرديّةٍ غنائيةٍ، فكلّما طال الحوار/ القصيدة طال اللقاء، وطال الاحتفاء بالحبّ صنو الحياة. لذا جاء مطلع القصيدة طارداً للموت تارةً على لسان الحبيب: «اقترب الموتُ مني قليلاً/ فقلت له: كان ليلي طويلاً/ فلا تحجب الشمس عنّي!»، وتارةً أخرى على لسان الحبيبة: «وقالت: أفي مثل هذا النهار الفتّي الوسيم/ تفكّر في تبعات القيامة؟». فالحبّ احتفاء بالحياة على صورة نهرٍ :« قالت: سيأتي إلى ليلك النهر/ حين أضمّك/ يأتي إلى ليلك النهر»، والحبّ يوّسعُ المدى، ويجعل المحبين أمراء عند اللقاء: «وأنا في ضيافة هذا النهار، أميرٌ على حصّتي/ من رصيف الخريف. وأنسى من المتكلم / فينا لفرط التشابه بين الغياب وبين/ الإياب إذا اجتمعا في نواحي الكمنجات». تتجاور في القصيدة ثلاثة معانٍ كبرى: الحبّ والحياة والشعر، وتتداخل في ما بينها: «لو لم أرَ الشمس/ شمسين بين يديك، لصدّقتُ/ أنك إحدى صفات الخيّال المروّض»، أو «ههنا يولد الحب/ والرغبة التوأمان، ونولد» أو «تقول: كأنك تكتبُ شعراً/ يقول: أتابع دورتي الدموية في لغة الشعراء»، وتستعير من الأجواء الإغريقية مشهداً هومرياً للانتظار فاللقاء بين صورتيّ أوليس وبينيلوب: «أنام وتستيقظين، فلا أنت ملتفّةٌ/ بذراعي، ولا أنا زنّار خصرك/ لن تعرفيني/ لأن الزّمان يُشيخ الصدى/ ومازلت أمشي... وأمشي/ وما زلت تنتظرين بريد المدى»، إذ يوّسع درويش من فضاء قصيدته السردية - الغنائية، عبر سرد الذكريات المشتركة لحبيبين يطول اللقاء بينهما كلّما امتدّت القصيدة، وتكون خاتمتها نفيّاً للفراق: «لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي/ لا أريد لهذا النهار الخريفي أن ينتهي»، ودافعاً لإعادة القراءة.
وبعد، فهذا الديوان وإن أعطى الغياب مكانةً شعريّة رفيعةً من خلال بهاء القصائد فيه وجمالها ورفعتها، فقد أعطى درويش مكانةً أعلى من الغياب الذي «طوى الجزيرة»، فهو الشاعر الذي يصحّ فيه القول: غابَ عن العيون وبقي محصّلاً في القلوب.

تــــــــــــابع


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس
قديم 08-13-2011   #37


الصورة الرمزية جنــــون

 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (06:20 AM)
آبدآعاتي » 3,247,454
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



محمود درويش: القصيدة من دون صاحبها
الَّلهوُ الغريب مستمرّ بين الشاعر وظلاله

حسين بن حمزة
ليس سهلاً على قارئ محمود درويش أن يتلقَّى ديوانه الأخير «لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» (شركة رياض الريس للكتب والنشر). هيهات أن ننجو من فكرة أنّنا بصحبة القصيدة من دون صاحبها. لطالما كانت القراءة مسألة فردية ومزاجية بالطبع، لكنها هذه المرة ذات مذاق مختلف ومصحوب بألم الغياب. سوى ذلك، لا نجد تغيُّراً مباغتاً أو فارقاً حاسماً عما كنّا نقرأه للشاعر في أعماله الأخيرة. «الديوان الأخير» ـــــ بحسب ما جاء على الغلاف ـــــ هو استمرار للعالم الدرويشي الذي تكيَّف القارئ معه بإيعازٍ من الشاعر نفسه. انعطف صاحب «ورد أقل» أكثر من مرة. سلك دروباً جانبية. راق شعره وتصفَّى، تخفّف من الدرامية العالية، استثمر علاقات النثر، حضرت ركاكة الحياة اليومية ومهملاتها إلى جوار المجاز المعجمي العالي... لكنّه، وقرّاءه، لم يفلتوا خيط الشعر المتين الذي جمع الطرفين. نجح الشاعر في إغواء شرائح واسعة من جمهوره، القدامى منهم والجدد، على مواكبة قصيدته التي راحت تتخفَّف من حمولات سابقة وتثقل بحمولات جديدة. جدّد الشاعر شبابه الشعري وجدد ذائقة جمهوره أيضاً، إلى حد يمكن وصف ما حدث بنوع من تربية مبتكرة تلقاها هذا الجمهور، إذْ يندر أن نجد علاقة كهذه جمعت بين شاعر وجمهوره.
ليس بوسعنا تجنُّب كل هذا ونحن نقرأ آخر ما كتب درويش. لا يتبدد إحساسنا بالمرارة. إذْ نعلم أن لا قصائد جديدة سوف تتلو ديوانه الأخير. نقرأ فنستعيد صداقتنا الفاتنة مع مهاراتٍ وتقنياتٍ ومعانٍ واستعاراتٍ واظب الشاعر على إشباع نهمنا لها. الموت الذي لم يتغيَّب عن أعماله الأخيرة حاضرٌ هنا. الَّلهوُ الغريب الذي جمع الشاعر مع أَجَلِهِ مستمر. الفارق أنّه مؤلم أكثر حين نقرأ ذلك بعد رحيل الطرف الأكثر هشاشةً في اللعبة.

لنقرأ هذا المطلع الآسر في القصيدة التي حمل الديوان عنوانها:

«يقول لها، وهما ينظران إلى وردةٍ/ تجرحُ الحائطَ: اقتربَ الموتُ مني قليلاً/ فقلتُ له: كان ليلي طويلاً/ فلا تحجب الشمس عني/ وأهديته وردةً مثل تلك/ فأدَّى تحيَّته العسكرية للغيبِ/ ثم استدار وقال:/ إذا ما أردتُكِ يوماً وجدتُك/ فاذهبْ/ ذهبتُ». في قصيدة «في بيت نزار قباني»، يتكرّر المعنى ذاته: «قلتُ له حين متنا معاً/ وعلى حدة: أنت في حاجةٍ لهواء دمشق/ فقال: سأقفز، بعد قليلٍ، لأرقد في/ حفرةٍ من سماء دمشق. فقلتُ له: انتظر/ ريثما أتعافى، لأحمل عنك الكلامَ/ الأخيرَ، انتظرني ولا تذهب الآن، لا/ تمتحنِّي ولا تَشْكُلِ الآسَ وحدك/ قال: انتظر أنت، عشْ أنت بعدي، فلا بدّ من/ شاعرٍ ينتظر/ فانتظرتُ وأرجأتُ موتي». في الحالتين، نعاين ذاك اللعب، المجازي والحقيقي، مع الموت. اللعب الذي مدَّ الشعر العربي المعاصر باحتياطيٍّ لا يُنسى من الكتابة التي خلطت الخلود الشخصي مع الخلود الشعري. أمهل الموتُ الشاعرَ أكثر من مرة. تبادل معه اللعبة ذاتها. كتَّبَهُ بعض أفضل أعماله. الخلود الحقيقي ماكثٌ في تلك الأعمال وليس في الجسد الغائب الذي ـــــ بعد كل تلك المواجهات القريبة والخطرة مع الموت ـــــ قال صاحبه: «من أنا لأخيِّب ظنَّ العدم؟» لكنه قال أيضاً: «أنا القويّ وموتي لا أكرره/ إلا مجازاً، كأنّ الموت تسليتي».
في المقابل، ننتبه إلى نزعة أخرى رافقت النصّ الدرويشي في العقدين الأخيرين وهي منح القارئ فرصة التجوال في الفناء الخلفي لقصيدته. إنّها لعبة أخرى يُشركُ بها صاحب «لا تعتذر عما فعلت» القارئ في أسرار «فنّه» الشعري. «لا دور لي في القصيدة/ غير امتثالي لإيقاعها/ (...)/ لا دور لي في القصيدة إلا/ إذا انقطع الوحي/ والوحي حظُّ المهارة إذْ تجتهد». يقول في «لاعب النرد» ثم يخصص قصيدة «إلى شاعر شاب» بكاملها ليستعيد سماتٍ حقيقية، وأخرى مشتهاة، في ممارسته الشعرية مكتوبة على شكل نصائح لشاعر مستجد: «قد تسمي نضوب الفتوة نضج المهارة/ أو حكمةً/ إنها حكمةٌ، دون ريب،/ ولكنها حكمة اللاغنائية الباردة». ثمة لذة مضاعفة في كتابةٍ كهذه تسعى إلى إنجاز قصيدة، وإلى تضمين «وصفة» كتابتها فيها. الاستعارة السابقة تقودنا إلى حجم ونوعية التطوير الذي أحدثه درويش في قصيدته التي خفت صوتها العالي، وصارت أقصر وأكثف، وقلَّ فيها التنامي الدرامي والغنائي والعاطفي الذي يحدث على حساب المعنى... حتى إنّ بعض القصائد القصيرة في دواوينه الأخيرة صارت تستدرج ما راج لدى شبان قصيدة النثر في طبعتها اليومية والشفوية.
من جهة أخرى، ينبغي ألا ننسى أن درويش ورِث أفضل تقاليد القصيدة العربية الكلاسيكية، وكان أبرز كتَّاب قصيدة التفعيلة. القصد أنّ مثابرة الشاعر على تطويع ما بدا عصيّاً على قصيدته لم تُخرج نبرته من صورة الشاعر كما هي في التراث العربي. إذا كان الشاعر نبيَّ جماعته ولسان حالها، فإن محمود درويش كان نبياً مماثلاً لكن من نوع معاصر. إنّه «الشاعر» بأل التعريف، وبالمعنى الذي خلَّدته الذائقة العربية في تعاطيها مع فنّ الشعر على امتداد قرون. ولهذا، لا نستغرب أن نقرأ قصائد عدّة مكتوبة بإيعازٍ من العمود الشعري العربي، كما هي الحال في قصيدة «ههنا» و«إذا كان لا بد» و«يأتي ويذهب» و«من كان يحلم».. حيث يمرِّغ الشاعر عبارته الحديثة في تفعيلات الفراهيدي المعتَّقة، تلك التي تصنع له قرابة مع أقران سبقوه في الزمن، لكنه حاول مجايلتهم في المجاز. أسماء مثل امرئ القيس وطرفة والمتنبي وأبي تمام ... ليست بعيدة في هذا السياق. ويمكن أن نُلحق قصيدة «طللية البروة» كتفصيل آخر في تَرِكة درويش الشخصية من الإرث الشعري العربي. بل إنه يقف على ما يتخيّله من مسقط رأسه المدفون تحت منشآت بناها الاحتلال الإسرائيلي على أرضها: «أقول لصاحبيَّ: قفا لكي أزن المكانَ/ وقفره بمعلقات الجاهليين الغنية بالخيول وبالرحيل/ (...)/ ويُقاطع الصحفيُّ أغنيتي الخفيّة: هل/ ترى خلف الصنوبرة القوية مصنع/ الألبان ذاك؟ أقول كلا. لا/ أرى إلا الغزالة في الشِّباكْ/ يقول: والطرق الحديثة هل تراها فوق/ أنقاض البيوت؟ أقول: كلا. لا/ أراها، لا أرى إلا الحديقة تحتها/ وأرى خيوط العنكبوت».
«لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي» كتب درويش. والأرجح أنّها لن تخيِّب رجاءه.


في حفظ الله ورعايته


مواضيع : جنــــون



رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
๑۩۞۩๑, لمدمني, محمود, أريد, مُتُنَبّى, مَحمود, أعمال, لهذي, الألَم, الأخير, الديوان, الشاعر, العز, الفلسطيني, القصيدة, الكبير, تنتهي»:, درويش, دَرويش.!!, ــصْر, وَشاعِر


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية