الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصايدلــيل الإسلامية】✿.. > …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… > الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية
 

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 07-20-2022
Saudi Arabia     Female
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 28440
 جيت فيذا » Jul 2015
 آخر حضور » منذ ساعة واحدة (12:41 PM)
آبدآعاتي » 379,206
الاعجابات المتلقاة » 2471
الاعجابات المُرسلة » 1007
 حاليآ في » الريــآآض ع ـــشقي
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 29سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » كـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond reputeكـــآدي has a reputation beyond repute
مشروبك   cola
قناتك mbc
اشجع shabab
مَزآجِي  »  سبحان الله
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي سورة الحجر (الآيات 16 : 18)



قول الله - تعالى ذِكْره -: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ * وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾ [الحجر: 16 - 18].



"البروج" جمع برج، قال ابن فارس في "مقاييس اللُّغة": الباء والراء والجيم أصْلان؛ أحدهما: البُروز والظُّهور، والآخر: الوَزَر والمَلْجأ، فمِن الأول: البَرَج - بفتح الباء والراء - وهو سعَة العين في شدَّة سواد سوادها، وشدة بياض بياضها، ومنه التبَرُّج، وهو إظهار المرأة مَحاسنها، والأصل الثاني: البُرْج، بضم الباء وسكون الراء، واحد بروج السماء، وأصل البُروج: الحصون والقصور، قال الله تعالى: ﴿ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ في بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ﴾ [النساء: 78]؛ اهـ.



وقال الحسن البصريُّ، وقتادة: هي النُّجوم، وسُمِّيت بذلك؛ لِظُهورها وارتفاعها، وقال أبو صالح: هي الكواكب العظام، وقال عليُّ بن عيسى الرمانيُّ: هي اثنا عشر برجًا: الحَمل، والثَّور، والجوزاء، والسَّرطان، والأسد، والسُّنبلة، والميزان، والعقرب، والقَوْس، والجَدْي، والدَّلو، والحُوت، وهى مَنازل الشَّمس والقمر؛ اهـ.



وهذه المنازل، إنَّما هي منازل تقديريَّة فرضيَّة، افترضها الفلكيُّون في مَدار الشَّمس والقمر، فإنَّهما يدوران في خطٍّ وهْمي تقديري، كما سَمَّوا خطوط الطُّول والعرض وخط الاستواء، وقدَّروا أبعاد ذلك ومسافاته بدرجات وضَعوها كذلك.



والصَّواب في ذلك - والله أعلم - أنَّ البُروج هي الآيات البارزة الظاهرة، من النجوم والكواكب وغيرها، كأنها لشِدَّة ظهورها وبروزها القصور والحصون الشاهقة العلوِّ، في الأرض قُصور ومنازل من مادة مرئيَّة بالعين المُجرَّدة ولا المكبَّرة تَنْزل فيها الكواكب والنُّجوم في دورتِها، كما يَنْزل كلُّ إنسان أو حيوان كنَّه أو عُشَّه، أو جُحْرَه، أو مَنْزِله في الحضَر، أو السَّفر عند سَيْره في الأرض، وإنَّما هي منازِلُ تقديرية وفرضيَّة، يُقَدِّرون بها سيْرَ الكواكب، ويجعلونها أصلاً لِحساب دورانها، وأساسًا لحركاتِها في فُصول السَّنَة، ولِخُسوف الشمس والقمر، وغير ذلك من التغيُّرات.



وذلك من دقيق فنِّ الفَلك، لا يعلمه إلاَّ القلَّة النَّادرة من المتخصِّصين فيه، العارفين بقواعده ونظريَّاته وطُرقه ورموزه الفنِّية التي وضعها الفلكيُّون لذلك، والله سبحانه إنَّما يكلِّم النَّاس جميعًا بكتابه، ويَدْعو عامَّتهم وخاصَّتهم إلى التفكُّر في ملكوت السموات والأرض، وما بثَّ فيهما من آيات.



يقول ربُّنا سبحانه - مؤكِّدًا القول بالقسَم؛ ليقطع المعاذير -: إنَّه برحمته وحكمته جعَلَ آياته في السماء واضحاتٍ بارزات وضوحَ وبروز البُروج والقصور المشيَّدة الرفيعة في الأرض الفضاء.



وذلك بعد قوله السابق: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فيه يَعْرُجُونَ... ﴾ [الحجر: 14] فهو سبحانه يقول: ومع ذلك فإنَّه لا حاجة تدعو إلى فَتْح هذا الباب من السماء، ولا داعي إلى هذا العروج، فإنَّ بروز الآيات وظهورها ووضوحَها في السماء يَجْعلها ماثِلَة أمامهم، حاضرة لدَيْهم، وهُم على هذه الأرض، وفي أماكنهم ومنازلِهم منها.



ثم يقول سبحانه: إنَّه لم يكتف بِجَعْلها بارزة واضحة كالبروج فقط، بل إنَّه قد زيَّنَها للنَّاظرين، ومعنى التَّزيين للشَّيء: تَحْسينه بأشياء زائدة على حقيقته، في شكْلِه ووضعه وصفاته، بحيث يلْفِت نظر الغافل، ويَدْعو السَّاهي إلى التأمُّل في زينته ومَحاسنه، ويَحْمله بمحاسنه الجليَّة على التطلُّع إليه؛ للاستمتاع بما فيه من حُسْن وجَمال وزينة.



وإنَّه لَمِن سوء الظنِّ بالله سبحانه أن يُقال: إنَّه يَطْلب من جَميع أفراد بني آدم أن يَدْرسوا علم الفَلَك؛ ليعرفوا منازل الشَّمس والقمر وغيرها من الكواكب السيَّارة، وإلاَّ فلا يُمْكن أن يكونوا من المتفكِّرين في آيات السَّموات، وإنه لَمِن أسوأ الظنِّ كذلك بكتاب الله أن يُقال: إنَّ هذه الآيات ومعرفة ما فيها من السُّنَن وتدبير الربوبية وتسخيرها بقوة الرَّحيم الحكيم قاصر عِلْمه وفقهه على تلك الطَّائفة القليلة النادرة التي درَسَت فنَّ الفلك ونظرياته ورموزه وفَقِهتْها، إنَّ ذلك أبعد شيء عن هداية القرآن ومقاصده الحكيمة الرحيمة بالناس كافَّة، وأبعد شيء عن دعوته التي جاء بها عبد الله ورسوله محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رَحْمة للعالَمين.



وإنَّ ذلك بلا شكٍّ يَزِيد من تأمُّل المؤمن، ويقوِّي إيمانه، فالذي لا شكَّ فيه عندي، وعند كلِّ مؤمن بالله وسنَّته وآياته ورسوله وكتابه - أنَّ الدعوة إلى التأمُّل والتفكُّر في الآيات الكونية، وإلى الفَهْم والفقه في الآيات القرآنية دَعْوة عامَّة لِجَميع بني آدم مِن يوم بعَث اللهُ مُحمَّدًا - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى يوم الوقت المعلوم، وأنَّ الله جعل في مُكْنة كلِّ واحد من بَنِي آدم وفي استطاعته أن يتدبَّر، ويَفْقه الآيات القرآنية ويعرف مُراد الرَّبِّ سبحانه منها في العقيدة والعبادة، والأدب والشرائع، والقَصصِ والأحكام، إذا هو ربَّى عقله ونَمَّاه، وشكر نعمة الله عليه في هذا العقل والفهم بتدبُّر الآيات والسُّنن الكونية، والتفكُّر في النِّعَم والآلاء فيقدِّرها قَدْرها، ويَحسن الاستفادة والانتفاع بِها فيما جعَلَها وخلقها له الحكيم العليم.



ثم قال ربُّنا سبحانه: ﴿ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ﴾ [الحجر: 17].



"الشيطان" هو المتمرِّد الخارج عن سنن الله، الباغي عليها لإفسادها وتغييرها بِصَرفها عن الحقِّ والحكمة التي خُلِقت لأجلها، ويكون ذلك الشيطان من الجنِّ والإنس وغيرهما.



و"الرجيم" المرجوم، فعيل بمعنى مَفْعول، وأصل الرَّجم: الرَّمي بالرِّجام - بكسر الرَّاء - وهو الحجر يُشَدُّ في طرف الحَبْل، ثم يُدْلَى في البئر، فتخضْخَض به الحمأة حتى تَثُور، ثم يُسْتَقى ذلك الماء فتُسْتنقَى البئر، والرُّجْمة - بضم الراء وفتحها -: الحجارة تُجْمع على القبر لِيُعلَّم بها، أو لِيُسنَّم، وقد يُسمَّى القبر نفسه رُجْمة.



فمعنى "الرجيم" هو الذي فيه من الخُبْث والتمرُّد والبغي على سنن الله والإفساد، ما يَحْمل على كرهه، ويَقْضي بِمَقْتِه أشدَّ المَقْت، فلا يستحقُّ إلاَّ أن يطرد بالقذف بالحجارة، وبكلِّ ما ينفصل عن اليد، ولا يبقى له اتِّصال ولا تعلُّق بالراجم، واتِّقاء لشرِّه وخبثه، وابتعادًا منه أن يُصيبه رشاش من إفساده وأذاه، وخشية التلوُّث بقذره، وإيذانًا بشدَّة كراهيته ومَقْتِه وتحقيره وإهانته.



يقول ربُّنا - تبارك اسْمُه -: إنَّه صان السَّماء وحَماها من أن يكون فيها، أو يَلِج إليها وإلى عُمَّارها وسُكَّانها من الملائكة والكواكب، ومِمَّا لا يعلمه إلاَّ الله - سبحانه - صانَها وحماها أن يقربَها شيطان رجيم متمرِّد، خارج على سنن الله، مُحاولاً الإفساد فيها، بل كلُّ ما فيها ومَن فيها خاضعٌ لربِّه، لا يعصون له أمرًا، ويفعلون ما يُؤمَرون؛ لأنَّ السموات ليست مَحلَّ ابتلاء وامتحانٍ لسُكَّانِها كالأرض التي خلقها الله وبثَّ فيها من كلِّ دابة، وجعل فيها ماءها ومرعاها، وأسكن الإنسان واستخلفه فيها؛ لِيَبلوه ويَمْتحنه بكلِّ شيء فيها.



والشيطان من موادِّ وعناصرِ هذه المحنة والفتنة، بل هو أساسُها، وحولَه تدور كلُّ المواد والعناصر في الأرض وما فيها ومن فيها: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ في مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165] ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾ [الكهف: 7] فلطالَما أَوحى شيطان الجنِّ إلى شيطان الإنس وزيَّن له أن يُغَيِّر خلق الله في هذه الأرض، فغيَّر خلق الله في الإنسانيَّة السميعة البصيرة، المفكِّرة العاقلة عن الله آياته الكونية والعلميَّة، فذهب جُمهور الناس وسوادهم الأعظم يعتقد - ضالاًّ أبْعَد الضَّلال - أنَّ الفَهْم عن الله والتفكُّر والتدبُّر والفقه لآياته وسُنَّتِه ومعرفة شرائعه من كِتابه وعن رسوله - قاصِرٌ على أفراد قلائل، هم الذين ينبغي أن يكونوا الشُّيوخ السَّادة، ورُعاة هذه القطعان من أشباه الإنسان، وإنَّ هذه القطعان لا بدَّ أن يكونوا مُقَلِّدين؛ لأنَّهم مَحْرومون في أَصْل خَلْقِهم من كلِّ أسباب الفهم والتفكُّر، ولا ينبغي لَهم - ليكونوا متدينين بما يرجون به النجاة من عذاب الله وغضبه - إلاَّ أن يكونوا مقلِّدين عميًا وبكمًا وصُمًّا، لا يعقلون شيئًا، ولا يفقهون حديثًا، وإنَّما ينقادون بدون وعْي ولا تعقُّل، وينساقون وسط القطيع وراء كلِّ ناعق من أولئك السَّادة والرُّؤساء الذين اصطنعوا الدِّين واحترفوه حرفة.



ثُم أوحى شيطان الجنِّ بعد هذا لأوليائه وزيَّن لهم ما غيَّروا به في أنفسهم المنكوسةِ كلَّ حقائقِ الكون وسُنَنِ الله في كلِّ شيء، فهذا الإنسان الذي كتب عليه اللهُ القاهر فوق عباده أنَّه لا بدَّ أن تَجْري عليه سُنَّة الموت: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185] قد أصبح عند هؤلاء القطعان فوق هذه السُّنة؛ لأنَّه وَلِيٌّ، أو على الواقع من صميم اعتقادهم: ابْن الله سبحانه؛ لأنَّه من النُّور الأوَّل الذي فاض وانبثَق من ربِّهم، ولأنَّ فيه من هذا سرًّا جَمع له عناصر الحياة الدَّائمة، وصفاتِ الربِّ الحيِّ الذي لا يموت، السَّميع البصير، القويّ القاهر، كما صرَّح الشعرانِيُّ وكلُّ الصوفية بذلك مِرارًا في كتبهم، فهُم لِذَلك يَخُصُّونَهم بكلِّ أنواع العبادة، يُنادونهم ويَهْتفون باسْمِهم من قريب ومن بعيد، ويُعْطونهم من سَعْيِهم، وطاعتهم وعبادتِهم، وأموالهم وقلوبهم، وأعمالهم وأوقاتهم، ما لا يعطونه لربِّ العالمين، وكلُّه حقٌّ لهُ وَحْده؛ لأنَّه المُنْعِم القادر القاهر دون سواه، بل وهذا الحجر والخشب والموادُّ الجامدة الصمَّاء قد تغيَّرَت حقائقها عندهم، ففيها البركات تَهبُها وتَمْنحها لعابديها؛ لأنَّها سُمِّيت بأسماء أولئك الآلِهَة الشيطانيَّة من أوليائهم ومقدَّسيهم، إنَّك لتَجِد كلَّ حقائق الكون وسُنَنه قد تغيَّرَت في عقيدة ونظرِ هذه الجماهير الغفيرة، والسَّواد الأعظم الغافل، الواقع تحت تحذير وحي شياطين الجنِّ والإنس، حتى انْجرَّ إلى أسباب عيشه في الحياة، وقوَّتِها وعزَّتِها وحرْبِها وسِلْمها، فضَلَّ سعْيُهم في كلِّ ذلك، وخرجوا في كلِّ شأن وعمل واهنين، هالِكين لا يقدرون على شيء مِمَّا كسبوا، ولا يبلغون أي غاية مما يقصدون؛ لأنَّها في الحقيقة والواقع رغم أنفِهم وأنف تقليدهم وغباوتهم تجري في سننها الذي سنَّه لها العليم الحكيم بالحقِّ، لا تبديل لَها ولا تحويل، وهم لا يَشعرون؛ لأنَّهم بالتقليد الأعمى صُمٌّ بُكْم عُمْي، ولا يعقلون، ونِعَم الله تأتيهم حسَنة، فيَقْلبونها بِكُفرهم سوءًا، وتَجِيئهم هُدًى وأسبابًا متجدِّدةً للشكر، فيبدلونها كفرًا؛ فأحَلُّوا أنفسهم وقومَهم دار البوار والدَّمار في الدُّنيا والآخرة، أمَّا السماء وآياتها فهي محفوظة أن يكون فيها من شياطين الإنس والجن مَن يَعْبَث فيها بالفساد والكُفْر كما يعيشون في آيات الأرض ونعمها.



﴿ إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ﴾:

السَّارق: هو من يتلصَّص ويتخفَّى؛ ليأخذ ما ليس له حقٌّ أن يأخذه.



و"مسترق السمع" الذي يُبالغ في التلصُّص والتخفِّي وراء الجدران والأبواب؛ لِيَلتقط ويتسقَّط الكلمة مما يدور من النَّجوى والحديث ما هو مَمْنوع منه ومُحَرَّم عليه أخْذه، وهو إنَّما يَخْتطف ما يصل إلى سَمْعه من الهمسات والصَّدى، قال ربُّنا: ﴿ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [الصافات: 10] فهو لا بدَّ يأخذه على غير وضعه، وهذا المتلصِّص والمُسْترِقُ إنما تلصَّص واسترق؛ لأنَّه مَطْرود من مَجْلس الحديث؛ لأنَّه غير أهل له ولا أمين على ما يَدُور فيه من الحديث، فهو سيِّئ القصد، خبيث النِّية، مبغوض من هذا المَجْلس وأهله، وذلك هو المعروف في مستَرِقي السَّمع من العيون والجواسيس، والمشَّائين بالنميمة والفساد بين الناس، وجزاؤه عند الله ما أخبَر به رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك - الرَّصاص أو النُّحاس المُذَاب - يوم القيامة))[1].



"والشهاب" قال الراغب: الشعلة السَّاطعة من النار المُوْقدة ومن العارض في الجوِّ، وأصله مأخوذ من الشهبة، وهي شدَّة البياض، وعند الفلكيِّين، قال في كتاب "النُّجوم في مسالكها" في الكلام عن المذنَّبات والشهب:

"بقيَّة الأُسْرة الشَّمسية أجسام صغيرة حقًّا، وفي مقدِّمتها من حيث الكبر والأهمِّية المذنَّبات، والمذنبات تشبه السيَّارات في أنَّها تدور، ثم تدور حول الشَّمس، وتَخْتلف عنها في أنَّ مساراتِها في الغالب متطاولة جدًّا.



ولذا قد يكون المذنَّب في وقت من الأوقات بعيدًا جدًّا في أعماق الفضاء الباردة، وفي وقت آخَر قريبًا جدًّا؛ لِقُربه من الشمس، والمذنبات لا تُرَى عادة حتى تتعرَّض تمامًا لضوء الشَّمس وحرارتها، وعندئذٍ تظهر، بل وتَسْترعي من أبصار الناس واهتمامهم ما لا يتناسب أبدًا مع أهمِّيتها الحقيقية، وهي أيضا تتمزَّق عندما تَلِج المنطقة الخطرة المُحيطة بجسم كبير، مثل الشمس أو المشتري، والقطع التي تنفصل عنها تكون عندئذٍ همرات من حجارة، نسمِّيها النَّيازِك، ويَحْدث أحيانًا أن تَمُرَّ الأرض من خلال إحدى هذه الهمرات، بِحَيث يعلق بعض النَّيازك وعندئذٍ ترتفع حرارة النيازك إلى درجة الابْيِضاض؛ لاحتكاكها بالهواء، فنشاهد ما يُعْرَف بالعرض النيزكي"؛ أيْ: همرة من الشهب.



إلى أن قال: "وأغلب النيازك من الصِّغَر بِحَيث إنَّها تتبخَّر عن آخِرِها قبل أن تصيب الأرض، مُخلِّفة وراءها أثرًا لامِعًا من رماد مضيء ليس غير، ونِهاية هذا الأثر تحدِّد لنا النُّقطة التي عندها يستحيل النَّيزك كلُّه إلى بُخار، وتكون عادة أعلى مِن سطح الأرض بأميال كثيرة، على أنَّه قد يَحْدث من آنٍ لآخَر أن يكون النَّيزك أكبرَ مِن أن يتبخَّر عن آخِره في أثناء طيَرانه السَّريع عَبْر الهواء، وعندئذٍ يصيب مما تبقَّى منه الأرض حجرًا نيزكيًّا".



يقول ربُّنا - تبارك اسمه -: إنه قد يُحاول الشياطين التلصُّص واستِرَاق بعض أخبار السَّماء وشؤونها؛ ليشوِّهوها ويفسدوها - ويتَّخذوا منه سببًا جديدًا لإفساد عقائد الناس وفِطَرِهم، فيزدادوا بها كُفرًا وفسوقًا عن أمر ربِّهم، فإذا حاول شيطانٌ منها ذلك أتبَعه شهابٌ مبين متَّقد بيِّن الاتِّقاد من هذه النجميات والمذنَّبات التي مزَّقها الله بِسُنَّة من سُننِه، ولأمْرٍ أراده سبحانه، وهو العليم الحكيم، وقد هيَّأ تلك الشُّهب وأعدَّها؛ لِيَرمي بها أولئك الشَّياطين، ويوقظ أهل الأرض من بني آدم وينبِّههم إلى عظيم قدرته سبحانه، وأنه القيُّوم الرَّقيب الشهيد الذي لا تأخذه سِنَة ولا نوم، وأنَّ سوط عذابه سريع، سرعة هذا الشِّهاب الخاطف: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].



فيقضي الله بهذا الشِّهاب على الشياطين ومحاولاتهم، وينير به السَّبيل القويم للناس؛ ليتخلَّصوا من مَخالب شياطين الإنس والدجَّالين الذين يَزْعمون أنَّهم يَعْلَمون خبَرَ السَّماء ويُحيطون بعِلْم الغيب الذي يتبجَّح الصُّوفية - المعبَّر عنهم في الحديث بالسَّحَرة والكُهَّان - ويتواقحون أنَّهم يُحيطون به علمًا.



والله سبحانه يقول في سورة الجنِّ: ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ﴾ [الجن: 26 - 28].



ولكن الناس كما عمي أغلَبُهم عن آية الشَّمس وضيائها، وآية القمر ونوره، فقد عَمُوا عمَّا جعل الله في هذه الشُّهُب من العبرة والموعظة والذِّكرى، كانت مُبْصِرة عند أولي الألباب الَّذين آمنوا بالله وآياته وسُننِه، وكتبه ورسله، وملائكته واليوم الآخِر: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5].



وقد روى البخاري في تفسير الآية من كتاب التفسير قال: عن عكرمة عن أبي هريرة، يَبْلغ به النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضرَبَت الملائكة بأجنحتها؛ خضعانًا لقوله، كالسلسلة على صفوان - قال علي بن عبدالله: وقال غيره: صفوانٍ، يَنْفُذُهم ذلك - فإذا فُزِّع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلِيُّ الكبير، فيسمعها مستَرِقو السَّمع، ومسترقو السَّمع، هكذا، واحدٌ فوق آخر - ووصف سفيان بيده، وفرَّج بين أصابع يده اليُمْنَى، نصبها بعضها فوق بعض - فرُبَّما أدرك الشِّهابُ المستمِعَ قبل أن يرمي بها إلى صاحبه، فيحرقه، وربَّما لم يُدْرِكه حتى يرمي بِها الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يُلْقوها إلى الأرض - وربَّما قال سفيان: حتى تنتهي إلى الأرض - فتلقى على فم السَّاحر، فيَكْذب معها مائة كذبة، فيُصدَّق، فيقولون: ألَم يُخبرنا يوم كذا وكذا، يكون كذا وكذا، فوجدنا حقًّا؟ للكلمة التي سُمِعت من السماء))[2].



قال الحافظ في "الفتح" (8/ 265): ذكَر فيه حديث أبي هريرة في قصة مُسترقي السَّمع، وأورده أوَّلاً مُعَنعنًا، ثم ساقه بِعَينه مصرِّحًا فيه بالتحديث وبالسَّماع في جميعه، وذَكَر فيه اختلاف القراءة في: ﴿ فزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ [سبأ: 23].



والله - سبحانه وتعالى - أعلم، وأسأله أن يَجْعلنا من المهتدين بآياته الكونيَّة والقُرآنية، الَّذين عرفوا بها ربَّهم ونِعَمه وفَضْله، ورَحْمته وحكمته، فقاموا بِحَقِّ العبوديَّة خالِصًا لربِّهم ربِّ العالمين وحْدَه، وصلَّى الله وسلَّم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله أجمعين[3].


[1] أخرجه البخاري برقم [6635].

[2] أخرجه البخاري برقم [4424].

[3] "مجلة الهَدْي النبوي"، شعبان (1367) العدد الثامن.



 توقيع : كـــآدي






القلب يميل لـ من يجتهد في احتضانـه
واستيعابـه ، واحتـواءه ، يميل لمن يصارع
العالـم لأجلـه ، من يشتاقه بلا سـبب
ويأتيـه بلا سـبب ، من يبقى بجواره للأبد

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سورة الحجر (الآيات 10 : 11) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 24 08-09-2022 07:13 PM
سورة الحجر (الآيات 14 : 15) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 16 07-26-2022 09:25 AM
سورة الحجر (الآيات 6 : 8 ) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 24 07-01-2022 08:59 PM
سورة الحجر (الآيات 4 : 5) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 22 07-01-2022 02:55 AM
سورة الحجر (الآيات 2 : 3) كـــآدي الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية 24 07-01-2022 02:33 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية