المعدة المفقودة

المعدة المفقودة
بقلم: محمود خليفة
"لماذا خلقنا الله في هذه الدنيا؟ ألنعيش سعداء؟! أم ترى خلقنا لنتعذب في هذه الدنيا الحقيرة، ويعيش هو في الجنة سعيدا، ويتركنا هنا للحزن يمزق نفوسنا، وللشقاء ينهش في أرواحنا، وللتعاسة تنغص علينا حياتنا...؟!".
(1)
استيقظتْ سعيدة في منتصف الليل. مطت ذراعيها. فركت أصابعها. حكت خدها وأجزاء أخرى. أمسكت بالجوال وفتحته ثم أغلقته وألقته بعنف بجوارها على السرير. مطتْ شفتيها امتعاضا. نظرت إلى سقف الحجرة بغيظ شديد. عضتْ بنان الندم. بصقتْ على الأرض. حكتْ أنفها. لوتْ خصلة من شعرها على بنانة إصبعها السبابة وشدتها بعنف. تركتْ السرير. سارت في حجرتها يمينا ويسارا وشمالا وجنوبا وشرقا وغربا واتجاهات أخرى وهي تمور وتفور...
أمسكتْ بكرسي المكتب وهزته بعنف وألقته أرضا بكل قوة على أم رأسه. بصقتْ ثانية على الأرض.
استيقظتْ أختها في الغرفة المجاورة على صوت ارتطام الكرسي بالأرض. أتتْ مسرعة.
-خير يا سعيدة؟ ما هذا الصوت العنيف؟!
-الكرسي وقع على الأرض.
-أنتِ هزيلة؟ هل تعشيتِ؟
قالت في نفسها ساخرة:
"تعشيت؟!".
-أنا لم أتناول الطعام منذ أسبوع.
فزعتْ شقيقتها فريدة فزعا... تساءلت بقلق:
-منذ أسبوع؟!
تساءلت سعيدة في نفسها:
"ألم تلاحظوا أنني أجلس على المائدة ولا أأكل منذ أكثر من أسبوع؟!".
تساءلت فريدة:
-وما سبب فقد شهيتك؟ ولماذا لم تخبرينا؟ ولماذا لم تذهبي للطبيب؟ ولماذا استسلمتِ لفقدان الشهية يا سعيدة؟!...
ترددتْ كلمة سعيدة في فضاء عقلها:
سعيدة. سعيدة. سعيدة!...
-ما لكِ صامتة يا سعيدة؟! لماذا استسلمت لفقد الشهية؟!
هزت سعيدة كتفيها باستهانة وتساءلت بحيرة:
-وكيف أتناول الطعام وليس عندي معدة؟!
فغرتْ فريدة فاها من الدهشة:
-ليس عندك معدة؟! وهل يوجد إنسان ليس لديه معدة؟!
أجابت سعيدة بكل قوة:
-أنا.
وأردفت حزينة وهي شبه باكية:
-أنا الإنسانة الوحيدة في الكون التي لا تملك معدة.
وأكملت:
-ولا أدري كيف اختفتْ معدتي؟ وأين ذهبتْ بعد اختفائها؟ ومنْ الذي سرقها مني؟ وكيف أأكل يا فريدة بدون معدة؟ وأين سيذهب الطعام بعد بلعه؟! أكيد سيذهب بالخطأ إلى القلب أو الرئة أو أي عضو آخر...!
وتابعت بفزع:
-وأكيد سيتأذى أو حتى يُدَمر العضو الذي سيصل إليه الطعام!
وواصلت بفزع أكبر:
-تصوري ماذا سيحدث لو دخل الطعام إلى الرئة أو القلب أو الكلى؟!
واستسلمت سعيدة لصمت كئيب زاحف والحزن يشملها ويلفها بعباءته السوداء...
ربتت فريدة على كتفها وقالت:
-أكيد أفكارك عن المعدة خطأ في خطأ؛ والمعدة لا تختفي فجأة، وكل إنسان عنده معدة.
هتفت سعيدة بعنف وهو تشير بيدها إلى صدرها:
-إلا أنا.
وأردفت وهي تمط شفتيها امتعاضا:
-أتفهمين؟
وواصلت وهي تبحلق في المجهول:
-ولا أدري منْ الجبان الذي سرق معدتي؟! منْ هو؟!
لم ترد فريدة على تساؤلها، إنما ذهبت لتوقظ والديها لهذا الأمر الجلل.

(2)
أتى والداها والفزع يملأ قلبيهما، والخوف يستولي على أعينهما، والهرع يجري أمامهما...
-خير يا سعيدة؟! ماذا جرى؟!
قالت فريدة:
-سعيدة تعتقد أنها لا تملك معدة؛ لذلك تركت الطعام منذ أسبوع.
وقالت الأم:
-أنا لاحظت فقدها لشهية الطعام منذ عدة أيام.
وأردفت حزينة:
-وهذه ليست عادتها.
رمق الأب زوجته ومط شفتيه ضيقا وقال:
-الموضوع ليس فقد الشهية، إنما اعتقاد سعيدة الخطأ عن عدم وجود معدة في جسمها!
وأردف:
-لابد أن نعرض سعيدة على طبيب أمراض نفسية.
صرخت سعيدة وكأن عقرب قد لدغها:
-أنا مجنونة حتى تعرضوني على دكتور مجانين.
وأردفت بقوة:
-لا. لا. لا.
ربت الأب على كتف ابنته وقال:
-منذ أسبوع، كنتِ تأكلين بشهية والمعدة كانت موجودة في جسمك ضمن أعضاء الجهاز الهضمي.
هزت الأم رأسها موافقة لكلام زوجها وقالت:
-وأكيد المعدة لن تترك الجسم وتذهب إلى حال سبيلها!
قالت سعيدة بصوت باكٍ:
-يا أمي أنا لست جائعة على الإطلاق.
وأردفت وهي تكشر عن نظرة ضيق وتبرم:
-وليس عندي معدة يا أمي.
رمقت الأم سعيدة بعينين حزينتين وضمتها إلى صدرها وقبلتها بحب وقالت:
-أكيد أن زملائك قد حسدوك بسبب تفوقك الدراسي.
وفريدة:
-ما علاقة الحسد بهذه الأفكار الغريبة؟!
والأب:
-أنت على وشك التخرج من كلية العلوم يا سعيدة، وستصبحين معيدة بالكلية وسيشار لك بالبنان؛ وخاصة بعد حصولك في السنوات الثلاث الماضية على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، فأرجو أن تساعدينا في الخروج من هذه المحنة ولنذهب غدا لطبيب الأمراض النفسية.
مطت سعيدة شفتيها ضيقا، ونظرت إلى السماء بغلٍ، وبصقت على الأرض بشدة، بعدما غزتها أفكار ضالة عن تعرضها في المستقبل لسرقات أخرى لأعضائها الداخلية غير المعدة.
وفجأة تساءلت:
-لماذا ترك الإله معدتي تُسرَق وهو يتفرج؟! لماذا؟ أين هو ومعدتي تسرق أمام عينيه (عيني عينك)؟
رد والدها على تساؤلها بأن تهدأ، وأخبرها بأن الأفضل أن نذهب للطبيب النفسي. رفضت سعيدة الذهاب للطبيب. واستسلمت للأفكار الضالة عن اختفاء معدتها. واستفحلت الحالة سوءا بعدما الكآبة استولت على روحها، والتبرم بالحياة تمكن من نفسها، والحزن ملك كيانها كله، وأفكار الانتحار تراود عقلها في خفة ومراوغة...

(3)
ذهب والد سعيدة إلى طبيب أمراض نفسية، وشرح حالة ابنته، فأخبره الطبيب بأن ابنته تعاني من "اكتئاب" ويجب أن تتلقى العلاج فورا، فأخبره الوالد بأنها ترفض العلاج ولا تعتقد أنها مريضة أصلا، فشرح له الطبيب بأن رفض المريض النفسي للعلاج، يدل على شدة سوء حالته المرضية، وعادة المريض الذي يرفض العلاج هو "مريض عقلي" وأشد خطورة من المريض النفسي، وهذه حالة خطيرة جدا ويجب الاهتمام البالغ، وتساءل الطبيب عن مسببات هذه الحالة عند سعيدة؟ وهل تعاني من أزمة عاطفية أو شخصية أو دراسية أو أي أزمة كانت الشرارة التي أججتْ هذا الاكتئاب؟
نفي والد سعيدة أي أزمة مرت بها ابنته، فقال الطبيب: "ربما يوجد سبب قوي لهذه الحالة النفسية وقد أخفتها سعيدة عن الأسرة"، لم يجبه الوالد بأي شيء؛ لأنه لا يعرف أي أزمة نفسية أو صدمة عاطفية مرت بها ابنته، فسأله الطبيب: "وهل توجد أي أمراض نفسية في العائلة؟"، وكانت الإجابة بالنفي أيضا.
رفضت سعيدة الذهاب للطبيب النفسي، وحاول معها كل أفراد الأسرة لثنيها عن إصرارها في الرفض، ولكنها تشبثت بكل قوة في موقفها الرافض للذهاب للطبيب النفسي.
وما فتئت أفكار سعيدة عن اختفاء معدتها تتراشق في جنبات عقلها وردهاته، وما انفكت أفكار أخرى عن سرقات مستقبلية لباقي أعضاء جسمها تطرق فضاء عقلها بكل قوة.
وفي إحدى الليالي، استيقظ أهلها فزعا من صراخها وهي تتساءل عن الذي سرق معدتها. حاول أهلها أن يهدءوا من روعها، ولكنها ظلت تتساءل بصراخ:
-منْ الجبان ابن الكلب الذي سرق معدتي؟
وأردفت:
-لابد أن تبلغ البوليس يا أبي. لابد أن تخبر رئيس الحكومة ورئيس الدولة وحتى رئيس الأمم المتحدة ورئيس العالم كله. لابد أن ترجعوا لي معدتي. أرجوكم أعيدوا لي معدتي...
وتابعت:
-أين معدتي يا ناس؟! كيف أفقد معدتي في لحظة؟! كيف؟ كيف؟ كيف؟!...
وواصلت:
-أين الله ومعدتي تسرق أمام عينيه؟! أين الخالق وخَلْقه يسرقون أمام عينيه؟! لماذا لم يمنع السرقة؟! لماذا وقف موقف المتفرج؟! لماذا؟!
وتركت كرسي المكتب، وجلست على الأرض في وضع القرفصاء، وأطرقت رأسها، وأمسكت بخصلة من شعرها وطفقت تشدها بعنف.
بكت أمها وهي تحاول أن تمنعها من شد شعرها.
جلس والدها على الأرض بجوارها، وربت على كتفها، وقال:
-لابد أن تذهبي لطبيب الأمراض النفسية يا سعيدة حتى يبحث لنا عن الشخص الذي سرق معدتك.
وأردف وهو يقبل جبينها بحنان:
-فالطبيب هو الوحيد الذي يستطيع أن يصل إلى سارق معدتك ويعيدها لك.

أصرت سعيدة على موقفها الرافض للذهاب للطبيب النفسي، ولكنها وافقت على عمل أشعة وفحوصات لتثبت وجود المعدة من عدمها، وأثبتت الفحوصات ومنظار المعدة أن المعدة موجودة وبحالة جيدة، ولكن أفكار سعيدة عن اختفاء المعدة ظلت هي هي.
وبعد عدة أيام، بدأ الهزال يغزو جسمها، وغارت عيناها وذبلتا، وأهملت هندامها وتسريح شعرها أكثر مما سبق، وعانت من آلام مبرحة في كل جسدها مع صداع عنيف، واستسلمت لأفكارها الضالة أكثر، وكرهت الحياة، وتركت الدراسة والذهاب للجامعة، وبدتْ وكأنما قد تقدمت في العمر عشرات الأعوام، وبدت أيضا وكأنما تحمل جبالا من الهموم والأحزان والشقاء...
تساءل والدها مع زوجته وابنته فريدة عن أي أزمة نفسية أو صدمة عاطفية مرت بها سعيدة، فكانت الإجابة بالنفي، ونكشت فريدة ذاكرتها فاشتعلت نسبيا وأخبرت والدها بأن سعيدة كانت تتأثر نفسيا حين ترى صور القذف الجوي على أهل حلب في الفترة الماضية، وكانت تبكي حين ترى الأطفال والنساء تحت الأنقاض، ودائما ما كانت تتساءل (تساؤلات كفرية) عن موقف الإله الصامت إزاء كلَّ هذا القذف والدمار.
ذهبت فريدة إلى حجرة سعيدة وأحضرت لوالديها نوتة من المكتب تدون فيها الأخيرة بعض الخواطر، ومما وجدته:
"بعد دمار وسقوط حلب وآلاف القتلى:
أين الإله وآلة الحرب تحصد الأرواح حصدا؟! الخميس 11/12/2016".
"لماذا خلق الله المخلوق البشري الحيواني التفكير والسلوك؟! الجمعة 19/12/2016".
"لماذا خلقنا الله في هذه الدنيا؟ ألنعيش سعداء؟! أم ترى خلقنا لنتعذب في هذه الدنيا الحقيرة، ويعيش هو في الجنة سعيدا، ويتركنا هنا للحزن يمزق نفوسنا، وللشقاء ينهش في أرواحنا، وللتعاسة تنغص علينا حياتنا...؟! الأحد 1/1/2017"...
مع الوقت، تعود باقي الأسرة على الاستيقاظ على صراخها وصوت ارتطام أشياء بالأرض، وتعودوا أيضا على آثار البصق الكثيرة الموجودة على أرضية حجرتها والتي كلما أزالوها ظهرت مرة أخرى.
وفي إحدى الليالي، استيقظ أهلها فزعا بعدما سمعوا صراخ سعيدة وهي توجه سبابها إلى المجهول، وتكرر هذا السباب للمجهول.
وفي ليلة أخرى، استيقظ الأهل على صراخ عنيف في المجهول أيضا، ولكن في الحقيقة أنها توجه سبابها لكائن تراه وكأنه هلامي الشكل وغزير الشعر وعينيه حمراوين وغير مستقر الحجم، وسمعته وهو يقول بفحيح بارد:
"أنا الذي سرقت معدتك. وسأسرق قلبك ورئتيك وكبدك وكل أعضاءك لأنني أتغذى عليها".
وسمعته أيضا وهو يقهقه ويردف بذات الفحيح البارد:
"طعم معدتك لذيذ. لذيذ قوي قوي يا سعيدة...".
تركت سعيدة سريرها بفزع رهيب بعدما سمعت كلام الكائن المرعب وأمسكت بكرسي المكتب وضربته في وجهه، فأمسكها والدها لكي تهدأ، ولكنها لم تهدأ وأمسكت بالمخدة وضربت الكائن، فحضنتها أمها وهي فزعة بأشد الفزع، ولكن سعيدة تركت حضن أمها وصرخت بكل قوة صوتها ليخرج الكائن المرعب من الحجرة، ولكنه لم يخرج، فأمسكتْ بكتاب موجود على المكتب وقذفته، فانكسر زجاج التسريحة وتهشم وتناثر الزجاج على الأرض كالرذاذ...
بعدما استفحلت تراجيديا الموقف، ذهب الوالد إلى حجرته، واتصل بطبيب الأمراض النفسية بالهاتف المحمول.
أتى الطبيب ووجد سعيدة أسفل الشباك ملقاة على الأرض وأهلها يمسكون بها بكل قوة لكي لا ترمي بنفسها منه انتحارا...

سلمت يمناك
طرح جميل جدا

*،




آنتقاء مميز .. مَ ننحرم من جديدك

’..
آختيَآرَ جَميلَ جِدآ
سَلمتِ علىَ هذهِ الآطَروحهَ الآنيقَهَ
وَسَلِمتَ يُمنَآك المُخمليِهَ لِ جلبهآ المُتميز
جَزيَلِ شُكِريَ لَروحكُ آلوَرد ..

سلمت يااارااقي
لله درك ما اجمل حضووورك
كلك ذوووق في طرح الموااضيع

يعطيك العااافيه
شكرا لك

ماشاء الله تبارك الرحمن
ذوق في اختيارك
وعافيه عليك وعلى الطرح الراقي
لاحرمك الله رضاه
‏لك كل
تقديري واحترامي
مجنون قصآيد

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع


حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك


اخوك
نجم الجدي

ضاميه
لِرُوحكْ وَردْ مُخْمَلِي’..يَ عَبقِ البَسآتِين ...’♥

اول اطيافي
لِرُوحكْ وَردْ مُخْمَلِي’..يَ عَبقِ البَسآتِين ...’♥

الغند
لِرُوحكْ وَردْ مُخْمَلِي’..يَ عَبقِ البَسآتِين ...’♥