09-16-2020 | #81 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
17
(17)
2_ مايو _ 2016 اجتمعت عائلتي إثر هذا الخطب الجلل ولأن الأعداد محدودة المسموح لها بالزيارة يتعين علينا الذهاب متفرقين وقت زيارتي له في وقت متأخر و برفقة فهد قُبضت أنفاسي قبل الولوج من البوابة الرئيسية رائحة المرض والأحزان والأموات تنتشر من أروقة المشفى على الرغم من الترتيبات والاهتمام في البناء والديكور إلا أنها لم تطمس حقيقة ماهو موجود خلف الجدران و لم تُمح معالم الآنين إثر الألوان، والأثاث المنتظم، وكأن الحيطان تشكي الوقائع التي ترى خلف هذا الستار، يوجد فيصل وسلطان وصفاء وتوجد كثير من المشاهد التي سمعت عنها، ثواني فقط تفصلني على أن أراها يا إلهي تعتريني ارتجافة أثقلت أنفاسي ما الذي أراه لا شيء يدلي بأن الماثل أمامي هو فيصل سوى اسمه و الذين بجواره وكأنه أخر بدنه الصحيح لم يبق منه إلا هيكله أما بشرته فلا اللون لونه ولا الصفاء كما كان كان سابقاً لونه المكتسب من العلاج لا يشبه هذا، أصبح أكثر غمقاً و اصفراراً البقع الداكنة تنتشر في الجزء الذي أشاهده أم المخبأ فالله يعلم ماذا هناك ضمادات في رقبته وصدره وأكتافه من جهة الخلف ممتدة إثر الإصابة الجلدية التي كانت سابقاً لا يدرك بأني بجواره لا يعرف أني أناجيه ربما لا يعرف أني أعيذه من وعثاء هذه الدنيا ومن بؤس هذا الداء ومن قسوة الدواء ومن حرقة الوداع تمتمت في إذنه ( أنت بطل، أنت قوي ، أعرف يا روح عمتك إنك شجاع وحتتجاوز هذا كله) أمسكت كفه علي أجد منه استجابة ولو بسيطة ( حبيبي فيصل، لسى أبغى أفرح فيك وفي عيالك، لسى أبغاك تزفني بسيارتك لمن تكبر باقي أشياء كثير تعيشها، علشان أبوك وأمك وعلشان كل اللي يحبك، شد حيلك ، ارجع لنا أعرف إنك تسمعني، ترا أنا اعتمد على وجودك جنبي كثير حتى لو كنت صغير، يلا أصحى راح أشرح لك دروسك مثل الوقت اللي جيت فيه لما ماما جابت إياد و وعد ما أهاوشك لمن تشوف التلفزيون وما تركز) قبلت جبينة ختاماً وقلت أخيراً ( أنت تعرف إني أحبك وأبغى أقولها لك أحبك قد الكون مثل ما كنت تقول لي وأنت صغير، ربي يحفظك لنا) كنت أدعي و أناجيه و أنا شبه متيقنة بأنها أخر عبارات سأقولها له التفت إلى سلطاني وهو يحكي لفهد عن أخر عناق كان بينهما قبل وعكته الأخيرة ناداه وهو مستلقٍ على سريره بلقب محبب لسلطان : أبو فيصل أتاه يجلس بجواره على ذات السرير : أمر يا أبو سلطان وأصبح مقابلاً إياه في جلسته لم يطل في الحديث مع والده إلا أنه قال ( حضن) قالها سلطاني وأجهش في بكاء مكتوم وحجب ملامحه عنا ما استطعت أن أقرأ ملامح صفاء إذ أنها تضع حجابها على وجهها في حضرة فهد إلا اني أدرك مدى الاحتراق في أعماقها هذه اللحظة عانقت سلطاني من خلف الكرسي أمسح على صدره داعية ربي أن يثبته بالصبر والاطمئنان والإيمان أبثه بعبارات تفاؤلية أُدعم بها أقوال فهد التي تصبره على مصابه حتى التفت إلي ختاماً: أنتِ تقولي شي وعارفه إن حبله منقطع، أعرف أن قلبك يتوجع حتى لو خبيتي دموعك حقاً لماذا لا أستطيع البكاء وكل هذا الوجع يفتت أوصالي؟؟ من أجلهم كان يجب أن أبقى في صمودي؟؟ أو جففت دموعي الفجيعة؟؟ خيم الصمت عدا صوت الشيخ ماهر المعيقلي في تلاوة له لسورة البقرة بقيت أعيننا معلقة ترى الخط المتعرج تارة يمضي بشكل مرن وتارة تنخفض هل ننتظره يستقيم يا ترى؟؟ المؤشرات لا تعطي أي بُشرى، والأمل بالله لا ينقطع.. . . . الساعة الثانية والنصف فجراً.. هاتفي على وضع الصامت، لكوني لست الوحيدة في الحجرة و الوحيدة التي يعصي عينيها النوم لليوم الثالث على التوالي لدى مودة امتحان في الغد معملي نهائي، وحتى تحضى بنوم مطمئن وتذهب لصفها بذهن صافي لا تعلم عن غيبوبة فيصل، ولا عن تردي وضعه الصحي خُبئ الأمر من أجل محصولها الدراسي. أقبل اتصال سلطاني مفاجئ، أخذت وضع الجلوس عن الاستلقاء وأجبت عليه بصوت منخفض و أنا أردد في أعماقي (يارب لا يكون أمر معاكس يارب يارب) : أبغاك تروحي لصفاء، لا أخفيك فيصل الله أخذ أمانته الآن عالأجهزة بس وتلقيت عزاء الأطباء من الآن ، الأمر مسألة ساعات كلمتني وخبرتها، روحي لها قولي لها تقول : إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمدلله على قضاءه وقدره اللهم أجعله ذخرا، واجعله وفرطاً وأجراً وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل به موازيننا وأعظم به أجرنا، وألحقه بسلف صالح المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم. هل ماء ساخنة سُكبت من فوق رأسي، أم أني أحلم و أهلوس إثر فقداني للنوم استعدت توازني بعد أن كرر حمده متصبراً لا يشبه الرجل الذي غادرت من عنده قبل عدة سويعات اختصرت جوابي ب ( إن شاء الله مع السلامة ) ذهبت إليها و رأسي قد أخذ توقف عن كل التفكير، فقط يتلقى وينفذ صوتها وكأنها تتقيأ قادم من الخلاء بعد أن وجدت حجرتها خالية، أطرق عليها الباب ولا تجيب أكرر عليها النداء حتى ظهرت أمامي ترتجف كعصفور خائف لا للدمع أثر فقط الصدمة والفجيعة عانقتها بداية لعلّي أفلح في تهدئة هذه الارتعاشة ثم احتضنت محياها بين كفي: صفاء اسمعيني، لسى فيه نفس لا تيأسي، روحي صلي وكلمي ربي بكل شي جواك، ما نقدر نسوي شي، أمرنا كله بيد رب العالمين سامعتني أعدت عليها بتكرار أنبهها أكثر لأني لا أثق بأنها تستوعب ما أقول/ صفاء لا تنسي لسى فيه نفس استجابت لكلامي دون أن تجيب على ما أقول فقط فعلت سارة حين رأت انسحابي من الحجرة تبعت خطوتي حين أكدت لها أنها فهمت الحدث بشكل صحيح انسحبت سريعاً تغسل وجعها قبل أن يتيقض والداي، حينها سنكون في حاجة لجأش أكبر...
|
|
|