من وقت لآخر يخرج الغرب بنتائج جديدة بعد قيامه بتجارب مضنية، ونجد علماء الغرب يؤكدون على ضرورة تطبيق هذه الاكتشافات من أجل سعادة البشر. والعجيب يا أحبتي أنني كلما تأملتُ اكتشافاً علمياً فيه النفع والفائدة وجدت الإسلام قد سبقهم إليه بأربعة عشر قرناً!
ومن آخر ما وصلت إليه أبحاثهم وبعد ما فقدوا الحب والرحمة والعاطفة بسبب المادية المفرطة التي وصلوا إليها أنهم اكتشفوا أهمية "الرحمة" في سعادة الإنسان، وإمكانية تعلم الرحمة منذ الطفولة، وأنه ينبغي على الناس أن يعلموا أولادهم "الرحمة"، فكيف بدأت القصة؟
في بداية عام 2008 استخدم الباحثون تقنية المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي fMRI من أجل دراسة تأثير الرحمة لدى الإنسان على نظام المناعة لديه وعلى نظام عمل الدماغ. وقد كشف هذا الجهاز عن نشاط كبير يحدث في الجزء الأمامي من الدماغ الذي يلعب دوراً أساسياً في عاطفة الإنسان. وخرجوا بعدة نتائج سوف نلخصها لندرك يقيناً أن ديننا الحنيف قد أمرنا بهذه النتائج مسبقاً، بل هي جزء من عقيدتنا وإيماننا.
1- إذا أردت أن تكون سعيداً فما عليك إلا أن تتمنى السعادة للآخرين:
هذه القاعدة يؤكدها العلماء اليوم، فقد وجدوا بنتيجة أبحاثهم أن السعادة لا تتحقق بمجرد تحقيق رغبات الإنسان لنفسه، بل لابد أن يسعى في تحقيق رغبات غيره بما يحبه الآخرون، وأن الذي يسعد الآخرين يكون أكثر سعادة من الذي يهتم بنفسه فقط.
ويؤكد الباحثون على قاعدة ذهبية من أجل سعادة أكبر وعمر مديد، وهي أن تحب الخير للآخرين! فقد وجدوا بعد سؤال العديد من الناس أن الإنسان الذي يتمنى الخير لغيره هو أكثر سعادة من أولئك الذين تمنوا زوال النعمة عن غيرهم.
وقد لا نعجب عندما نعلم أن النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم قد دعا إلى ذلك قبل قرون طويلة بل اعتبر إيمان المؤمن لا يكتمل إلا بتحقيق هذه القاعدة، عندما قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، سبحان الله! القاعدة التي وصلوا إليها ولم يستطيعوا تطبيقها هي جزء من إيماننا، ألسنا أولى منهم بتطبيق هذه القاعدة النبوية الشريفة؟
2- الرحمة تنشط نظام عمل الدماغ:
يؤكد العلماء الذين اهتموا بهذا البحث أن ممارسة رياضة "الرحمة" تفيد الدماغ وتنشط خلاياه بل وتحدث تغييراً في عدد الخلايا وشكل الدماغ والعمليات التي تتم فيه. وهذا يساعد على الشفاء من العديد من الأمراض، بمجرد أن تتعلم كيف ترحم الآخرين!
وأقول من جديد سبحان الله!! أليس هذا بالضبط هو ما أمرنا به النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (من لا يرحم لا يُرحم)؟! فبقدر ما ترحم الآخرين وتعطف عليهم وتعفو عنهم بقدر ما يرحمك الله ويذهب عنك من الأمراض والشر ما لا يعلمه أحد إلا الله.
3- تعلم "الرحمة" يفيد في تقوية العلاقات الاجتماعية ويجعلك أكثر انسجاماً مع الآخرين:
أكدت الدراسة الجديدة التي أجريت مؤخراً أن ممارسة "الرحمة" تقوي النظام المناعي لدى الإنسان. فقد وجدوا أن الإنسان الرحيم يتمتع بنظام مناعي قوي ومقاومة أعلى للأمراض. فمن خلال إجراء التجربة على عدد كبير من المتبرعين تبين أن الإنسان الرحيم والذي يحب الخير لغيره ويعطف عليهم، فإن نسبة إصابته بالأمراض أقل من غيره.
وقد ربط العلماء هذه النتيجة بأبحاث أخرى تؤكد على ترابط السعادة مع طول العمر مع الرحمة، فكان الإنسان الأكثر سعادة هو الأكثر رحمة للآخرين، وهو الأكثر بعداً عن الأمراض وبخاصة أمراض القلب. وذلك لأن هذه الرحمة تجعلك أقرب من مجتمعك وأكثر ترابطاً وانسجاماً معه، وبالتالي فإن هذا ينعكس على استقرار عمل القلب.
وهنا نقول من جديد: أليس هذا ما نادى به نبي الرحمة عندما قال: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)، والله لو رأى الغرب هذه التعاليم وعاشوا معها لكانوا أول من يعتنق الإسلام، ولكن قصرنا كثيراً في إيصال صوت الحق لهم، نسأل الله أن يهيء لهذه التعاليم من ينشرها ويبلغها لأناس هم بأشد الحاجة إليها.
4- ممارسة "الرحمة" يعالج الكآبة:
في هذه الدراسة وجد الباحثون أن الناس الرحماء هم أكثر الناس بعداً عن الاكتئاب والإحباط واليأس. ومن هنا ندرك أهمية قوله تعالى عن القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 57-58]. وانظروا كيف تكررت الرحمة مرتين، لتؤكد لنا أن الذي يرضى بالقرآن شفاء فإن رحمة الله ستكون وسيلة لسعادته وفرحه، فلا يحزن بعدها أبداً.
5- علماء الغرب: ينبغي علينا أن نعلم أطفالنا الرحمة:
بعد هذه التجارب دعا الباحثون إلى ضرورة أن نعلم الطفل الشفقة والرحمة والعطف، وقالوا بأن هذه الأشياء من السهل تعلمها وسوف تعطي فوائد كبيرة للمجتمع. ويقول الباحثون: إن تعليم الطفل الرحمة سيساهم بشكل كبير في تخفيف الجريمة والعدوانية التي أصبحت مرضاً لا سبيل لعلاجه. وملخص هذا البحث كما يقول الباحث ديفيدسون من جامعة Wisconsin-Madison إن هذه الوسيلة أي تعلم الرحمة، مهمة جداً لعلاج الأطفال وبخاصة أولئك الذين هم على أبواب الانحراف.
ونكرر من جديد ألم يطبق نبينا صلى الله عليه وسلم هذه الرحمة على أتم وجه؟ لقد ضرب لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في الرحمة عندما عفا عن كفار قريش الذين أساؤوا إليه أشد الإساءة وذلك عندما عفا عنهم أثناء فتح مكة، كذلك ضرب النبي لنا أمثلة رائعة في رحمة الأطفال وحسن تربيتهم، فقد روى سيدنا أنس بن مالك أنه خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين لم يقل لشيء فعله لم فعلت كذا، أو لشيء لم يفعله لمَ لمْ تفعل كذا، هل بعد هذه الرحمة رحمة!
يؤكد العلماء أن الرحمة ينبغي أن يتعلمها الإنسان منذ أن يكون طفلاً لتقيه شر الانحرافات وسوف تساهم في بناء شخصية أكثر اعتدالاً، هذا ما وصلوا إليه بعد معاناة ومرارة وتجارب طويلة، ولكن الإسلام وفر علينا عناء البحث وأعطانا المعلومة جاهزة، ولكن للأسف نجد من يجحد ويستكبر ويعرض!
الرحمة هي أول صفة لله في كتابه
وربما ندرك بعد هذه الحقائق لماذا بدأ الله أول صفة له في كتابه باسمين هما (الرحمن الرحيم)، حتى إننا لا نقرأ القرآن إلا ونبدأ بهذه الآية العظيمة ولا نصلي ركعة إلا ونبدأ بها، ولا نأكل أو نشرب أو نفعل أي عمل إلا ونبدأ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم). لتبقى الرحمة في أذهاننا ليل نهار، فتصبح جزءاً من حياتنا، وهذا ما يفتقر إليه الغرب اليوم، حتى وجدوا أنه لابد من تعلم الرحمة من أجل حل مشكلاتهم.
يكفي أن نعلم أن اسم (الرحمن) قد تكرر في القرآن 57 مرة، واسم (الرحيم) قد تكرر 114 مرة أي الضعف، وصفة (رحيم) قد وردت مرة واحدة كصفة لخير الخلق رسول الله في قوله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128]. ووردت صفة الرحمة في القرآن في أكثر من مئة آية، وكل هذا ليعلمنا الله تعالى "الرحمة" وليؤثر على نفوسنا بهذه التعاليم الرائعة.
ولذلك قال المؤرخون: لم يعرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين!! فكانت الرحمة تتجلى في معاملاتهم وفي أخلاقهم وفي فتوحاتهم وفي رفقهم بالحيوان وفي كل حركة وفعل، والسبب يعود لتعاليم القرآن القوية. هذه التعاليم هي ما ينادي به الغرب اليوم!
ونقول للملحدين:
أنتم تعترفون بأنكم تتركون أمور الأخلاق والتشريعات والقوانين لأصحاب الاختصاص، وهاهم أصحاب الاختصاص يعودون لمبادئ القرآن، فلماذا تحاربون هذه المبادئ؟؟ انظروا معي إلى هذا النداء الإلهي المليء بالرحمة واختاروا أين تضعون أنفسكم: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر]، فكروا للحظة واحدة واسألوا أنفسكم: هل يمكن لبشر أن يقول مثل هذا الكلام؟؟؟