تـأملات في ملكوت الخالق (لحن ينبض بالدفأ)

لَحن ينبضُ بالدفأ بعد الولادة .. كانتا في غرفة واحدة .. متجاورتان .. إحداهما ولدت بنتاً ..والأخرى صبياً .. كلٌ منهما تضم وليدها في حنان جارف .. وتُلقِمُهُ ثديها فتنساب في معدة الوليد أولى قطرات اللبن .. "اللبأ" .. الذي يضم العديد من عوامل تهيئة قناة الوليد الهضمية للغذاء في قابل أيامه .. كما يضم مركبات "تقوية مناعية" تدعم مناعة الوليد في هذه المرحلة المبكّرة من حياته .. وهذا مما تمنحه الأم .. فقط الأم .. تتضخّم الغدد الثديية أكثر نتيجة لامتلائها باللبن المُستخلص من دماء الأم .. فينساب لبناً خالصاً .. سائغاً للوليد .. ويمثّل غذائه "الوحيد" للأشهر القادمة .. كل قطرة هي أفضل وأثمن "خلاصة" من جوهر مواد جسمها .. تعطيها لوليدها طواعيةً .. بل وبسرورٍ عجيب .. ومع كل قطرة تمنحها لوليدها .. ينساب فيض من الحنان .. والرحمة .. "والأمومة" لا يمكن قياسه بمقاييس العلم !.. وهذا مما تمنحه فقط الأم .. توزيع "الدهن" في جسم الأم أكثر من الرجل .. وفي مناطق معينة تكون أكبر .. حيث يزداد ترسّبها تحت الجلد .. وكل ذلك ليس فقط من أجل أن تكون المرأة "أجمل" و"أنعم" في قوامها وطبيعتها .. بل أيضاً لغاية أسمى من ذلك .. فهذا "الدهن" هو ما سيؤمّن للجنين غذائه بلا سغبٍ أو مخمصة .. منذ تكوّنه في بطن أمه .. وحتى بعد خروجه .. ففي أثناء المجاعات والكوارث الطارئة كثيراً ما لا تجد الأم ما يكفيها من قوت .. لكن مخازن " الدهن" في جسمها ستؤمّن لوليدها فترة من التغذية المستمرة .. ترفد حياته بدون تأثير يُذكر عليه .. بالرغم من شغب الظروف حوله !.. ولذا فإن النساء اللواتي يفقدن الدهن بسبب طول مجاعة (أو الرياضيّات أثناء التحضير لبطولات الأولمبياد، حيث "يُحرق" الدهن" أثناء التمارين في سبيل تقوية عضلاتهن !) لا تنتظم دورات تبويضهن .. بل تتوقف تماماً عند نقص الدهن في أجسامهن عن حدٍ معين (بمعنى آخر : لا يَحِضن !)ويُستأنف التبويض عند عودة الدهن .. وكل ذلك حتى لا يتأثر الوليد (إن حدث حمل وإخصاب) في تغذيته !!.. وهذا من رحمة الله عز وجل ومما قدّر أن تمنحه فقط الأم . تخرج المرأتان من المستشفى .. الأولى تحمل بنتها .. والثانية تحمل صبيها .. البنت الصغيرة تكوّن عددٌ هائل من "البويضات" في مبيضها عندما كانت جنينة في رحم أمها .. ثم توقّف التكوّن .. ومع نموها بعد ولادتها بدأ العدد يتناقص .. وفي عمر السنتين ونصف .. كان العدد نحو 30000 بويضة أولية.. تناقصت إلى 400 بويضة فقط عند "بلوغها" .. تمثل المخزون "الناضج" من البويضات .. بمعدّل 13 بويضة في السنة (متوسط الدورة الشهرية 28 يوماً ، مضروبة في 13 نحصل على 364 يوماً .. أي ما يمثّل نحو عام كامل).. كل بويضة منها هي خلية كاملة .. بسيتوبلازمها .. وعضيّاتها .. باستثناء "جيناتها" التي تمثّل نصف العدد .. يُكمله النصف الآخر الذي يحمله رأس الحيوان المنوي .. الصبي من جهة أخرى .. يستمر في تكوين حيواناته المنوية "نطافه" طوال حياته .. وبأعدادٍ هائلة .. وليس كالصبيّة .. يكبر الصبي .. تكبر الصبية .. تحدث الألفة بينهما .. يقدّر الله زواجاً وارتباطاً بينهما .. وفي لحظة بعينها .. تلتقي إحدى البويضات بأحد النطاف .. البويضة خلية كاملة .. باستثناء جيناتها كما سبق .. بينما النطفة تحمل الجينات فقط عند دخولها .. ما الذي يعنيه هذا ؟؟.. يعني - وبكل بساطة- أن الخلية الناتجة .. التي ستصير بشراً سويّا .. أسهم فيها الرجل بنصف الحمولة الجينية .. أما المرأة فأسهمت (إضافةً إلى النصف الآخر من الجينات) بما يرفد حياة الخلية المخصبة الناتجة من زادٍ في هذه المرحلة المبكّرة .. والأهم من ذلك .. إسهامها بالعُضيّات .. وأهمها "بطّاريات الحياة" .. المايتوكوندريا .. إنها المُولّدات للطاقة في الخلايا .. فهي من "تحرق" الغذاء لاستخلاص الطاقة وتحريرها "شغلاً" يَرفد كل نشاطاتك .. من حركة عينيك وأنت تتابع هذه السطور .. وخطرات فكرك .. إلى أكثر الأعمال وطأة وقسوة .. مما لا تُطيقه إلا عضلات أقوى الرجال !.. تخيّل معي كل ما بنته البشرية بأيدي "الرجال" .. الأهرامات .. سور الصين العظيم .. الأنفاق .. ناطحات السحاب .. الآليات الضخمة .. تخيّل معي نشاطات البشر .. القتال والمعارك على مر العصور .. النشاطات الرياضية العنيفة .. تسلّق الجبال .. حمل الهائل من الأثقال .. كل ذلك من "أعمال الرجال" مما لا تستطيعه "النساء" الناعمات .. رقيقات الحاشية .. مع أن الحقيقة المنطوية على كل تلك الطاقة .. وذلك البأس .. و"قوة" الرجال .. هي أن مولّداتها .. "بطاريات الحياة" .. ذلك العُضيّ الخلوي "المايتوكوندريا" .. تهبها الأم فقط .. وتنقلها إلى وليدها (صبياً كان أو بنتاً) .. فأنت ورِثت مولّدات طاقتك من أمك .. وأبوك ورثها من أمه .. وستهبها زوجتك لأبنائك .. وهذا كلّه مما قُدّر أن تمنحه الأم .. الأم فقط .. سبحان الخالق .. ولا يقتصر عمل "بطاريات الحياة" الحياة هذه على إمدادك بالطاقة لإنجاز "الأشغال" .. بل تمدّك أيضاً بالدفء عند "حرق الغذاء" .. ذلك الدفء الذي يسري في أوصال جسمك .. وتعمل "عبره" كل آليات جسمك .. فسبحان من قدّر للمرأة أن تهب كل هذا الفيض من الطاقة .. والدفء .. والرحمة .. والحنان .. والعطف .. و"الأمومة" .. وكل ما لا يوصف من المشاعر .. سبحان من قدّر لها أن تتحمّل ما لا يطيقه "الرجال" من التعب .. والنصب .. والآلام .. لتهبك الحياة .. وترعاك وليداً .. حتى يشتدّ عودك .. وتكتمل رجولتك .. سبحان من أمرك ببرّها .. وطاعتها .. مهما كانت الظروف .. مع أن برّك بها طوال حياتها لن يساوي "زفرة " من زفرات ولادتها بك .. سبحان من خلق الأنثى .. سبحان من خلق الأم .. تحية إلى روح أمي .. وجدتي .... وكل نساء الأرض.. .. في أمان خالق "الأم" .. نواف