عرض مشاركة واحدة
قديم 06-13-2021   #2


الصورة الرمزية ضامية الشوق

 عضويتي » 28589
 جيت فيذا » Oct 2015
 آخر حضور » منذ 14 ساعات (06:24 PM)
آبدآعاتي » 1,057,885
الاعجابات المتلقاة » 13968
الاعجابات المُرسلة » 8141
 حاليآ في » سلطنة عمان
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Oman
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الفنى
آلعمر  » 22سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » عزباء
 التقييم » ضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond reputeضامية الشوق has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 7
مشروبك   7up
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  اطبخ

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 8 CS My Camera: استخدم كاميرا الجوال

мч ѕмѕ ~
أحبك وأنت النبض ودقات قلبي كله:066
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



انطلق موسى متوكلًا على الله وهو يدعوه ويتضرع إليه ويطلب منه الهداية والتوفيق، وأن يرشده لأقصر الطرق وأيسرها للوصول إلى مدين، وعانى في الطريق مشقة وجوعًا، حتى أكل من نبات الأرض وورق الشجر يسد به جوعه؛ خشية الهلاك، إلى أن وصل إلى بئر الماء الذي بأرض مدين، {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23]، وبعد جُهد مُضْنٍ بلغ الماء والموطن الجديد، فشرب وجلس في ظل شجرة يريح جسمه من عناء السفر، ويتأمل جماعات الرعاة وهم يسقون أغنامهم ومواشيهم، ثم لفت نظره وجودُ امرأتين تذودان أغنامهما عن التقدم للسقاية، ï´؟ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ï´¾ [القصص: 23]، وموسى مَن عُرف بنصرة الضعيف، فقد لفت نظره هذا الموقف؛ أناس يسقون مواشيهم بحماس ونشاط ولا يقدرون ضعف المرأة، وكأنما يستعرضون قوتهم وغلظتهم أمامها، يسقون أغنامهم ومواشيهم الكثيرة، ويضنُّون بإفساح المجال لهاتين الفتاتين - اللتين لا سند لهما - لسقاية أغنامهما القليلة، رآهما تقفان بعيدًا وهما تبعدان أغنامهما عن الاقتراب من الماء رغم دافع العطش الغريزي عند الحيوان للتقدم نحو الماء، ولكن تتجنبان بطش السفهاء الذين يتعالَوْن على الضعفاء بقوتهم الغاشمة، فاقترب موسى من الفتاتين وسألهما عن شأنهما وهذا الوقوف الوجل، فأخبرتاه بمعاناتهما اليومية في السقاية وعدم الاقتراب من الماء حتى يفرغ الجميع من سقاية مواشيهم، فهما امرأتان لا تملِكان القوة للسقاية، وأبوهما شيخ كبير، بالتالي عائلة مستضعفة تعيش وسط قوم لا يعترفون إلا بالقوة، وهنا أخذت موسى عزةُ الإيمان، وتقدم إلى حجَر البئر فرفعه بقوة، وأنزل الدلاء، واغترف الماء الصافي إلى الحياض، ولم يشأ أن تشرب أغنامهما من سؤر الغنم التي قبلهم، وفَضْلتهم المتبقية، ورُوي أنه قال لهما: هل من ماء غير هذا؟ قالتا: بئر هناك قريبة غطيت بحجر لا يطيق رفعَه النفرُ من الناس، فذهب إليها ورفع الحجر ودلى الدلو، فغرف الماء وسقى لهما، وقيل: كان الرعاء يغطون البئر بحجر كبير لا يطيق رفعه إلا عدد من الرجال، فإذا سقوا غطوه وانصرفوا، فتسقي الفتاتان أغنامهما من فضلة ما تبقى من الماء، فلما سقى موسى لهما عادتا إلى أبيهما مبكرتين، ï´؟ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ï´¾ [القصص: 24]، وهكذا فإن الأنبياء لا يغيب عن لسانهم وفكرهم ذكر الله تعالى، خصوصًا عندما يُحسون السند والدعم الرباني؛ خشية أن تتسرب وساوس الشيطان إلى النفوس، ويظن النبي أن ما فعله قوة منه، كما يفعل كثير ممن أنعم الله عليهم بالقوة فينسبها إلى ذاته، وينسى يومًا أنه إن مرض وأقعده المرض لاحتاج إلى من يساعده، ولبدَتْ له حينذاك حقيقة قوته، لكن الأنبياء - وهم الصنف المتميز والخلاصة الوضيئة من البشر وهم أعبد الناس - يقدمون لنا النموذج القدوة، وبالرغم من معاناة موسى ومشقة سفره ووهنه وجوعه لم ينسَ ذكر الله وتسبيحه والالتجاء إليه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25]، وهذه صورة لطبيعة المرأة المتدينة عندما تضطر إلى محادثة الرجل الغريب، تأتي على استحياء، خجلة وجلة، تقدم رِجلًا وتؤخر أخرى، تستر وجهها حياءً وخجلًا وهو الذي يُظهِر أثر الحياء احمرارًا وتوردًا، وقفت هذه الفتاة على استحياء وهي تطلب من موسى الحضور، فإن والدها يدعوه ليجزيه أجر السقيا، وهو في الحقيقة يود التعرف إليه، والأنبياء لا يأخذون على فعل المعروف أجرًا، فلبى موسى الدعوة وانطلق مع الفتاة، ومشت الفتاة أمامه وكانت الريح من خلفها تدفع ثوبها فتجسد عجيزتها، فلم يستطع رؤية هذا المشهد فناداها لتكون من خلفه، ويكون هو أمامها، وأن ترمي بحصاة عن يمينه إن كان سيسير باتجاه اليمين، وعن يساره إن كان سيسير باتجاه اليسار، وهكذا إلى أن وصل بيت الشيخ، فسلم ودخل البيت ï´؟ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ï´¾ [القصص: 25]، سأله الشيخ عن حاله ولِم قصد مدين؟ فقص عليه خبره بالتفصيل، وما كان من أمر فرعون وطلبه ليقتله، وهنا طمأنه الشيخ بأنه نجا من سلطة فرعون؛ لأن مدين لا تخضع لحكمه، فمن هو هذا الشيخ والد الفتاتين يا ترى؟ قالوا: شعيب، وقالوا: أخو شعيب، وأقول: هو رجل صالح يعيش في مدين على دين شعيب، وربما ربطته بشعيب قرابة ما، أما كونه شعيبًا فهذا بعيد، فشعيب نبي مرسل، أدى رسالته وانتقل إلى ربه، ولا يعقل أن ينتهي الأمر بشعيب ليكون على هذا النمط من العيش، صاحب غنم، أو بدوي يعيش وسط قوم لا يراعون له أي تقدير، بنتاه ترعيان الغنم، ثم يحصل لهما منتهى الذل عند السقاية، فهل وصلت حالة النبي إلى هذه المذلة؟ كما أن مدة مكث موسى عنده لم يذكر له دعوة أو قيام بتبليغ، فهل كان في هذه الفترة متقاعدًا؟ والأنبياء تبقى مسؤوليتهم في الدعوة من يوم يبعثون إلى أن يموتوا، أما قوله لموسى: ï´؟ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ï´¾ [القصص: 25]، فهذا ليس فيه دلالة على نبوته، فأي إنسان مؤمن يقول مثل هذا حين يخبره شخص ما أن طاغيةً لاحقه ليقتله، فنجاه الله منه، يقول مثلًا: الحمد لله، كتب الله لك السلامة من بطش هذا الظالم، ثم إن شعيبًا قضى قبل ذلك بوقت طويل، فاختيار الرجل الصالح هو الأنسب.


ï´؟ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ï´¾ [القصص: 26]، لقد وجدت هذه الفتاه الفرصة سانحة لكي ترتاح من عناء الرعي وسقاية الغنم في وجود هذا الشخص النزيه القوي الأمين، فاقترحت هذا على أبيها، وكان هذا نابعًا من المعاناة في عملها، وتوقها لتكون ربة بيت، وانتبه الوالد لهذا الاقتراح الذي لم يكن ليفكر فيه، لكن صاحبة الحاجة نبهته لذلك، ثم أراد الوالد الرزين أن يعرف مدى صدق الكلمات التي وصفت بها موسى، فقال لها: وما أدراك بقوته؟ قالت: رفع الحجر الثقيل عن البئر عند السقيا لنا، قال: وما أدراك بأمانته وهو حديث عهد عندنا؟ فأخبرته عن كيفية قدومهما عندما استدعته وأنه سار أمامها، فاطمأن الشيخ الصالح أكثر على أمانة موسى وتديُّنه، وأنه خيرُ مَن يقوم له بالعمل ويخالطه وهو في غاية الاطمئنان على بنتيه، ومع ذلك أراد أن يحصنه بالزواج، ï´؟ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ï´¾ [القصص: 27]، وهكذا كان الاقتراح من البنت الذكية، وكانت الاستجابة من الوالد بشروطه الحكيمة، فهو بهذا العرض سيحقق عدة أمور:
تزويج إحدى ابنتيه.

وتكليف رجل قوي وأمين برعاية أغنامه بأجر مدفوع، وهو مهر ابنته.

وإحصان من يعمل عنده.

ويبدو أن حال الرجل الصالح مستور، فهو ليس من أهل الثراء، وفي هذه الزيجة جعل المهر لقاء خدمة يقدمها موسى، وبهذا تجاوز الشيخ مشكلة الأجر، وكان هذا الإجراء بالنسبة لموسى أمرًا عادلًا، وفَّر لموسى - الذي لا يملِك المال - المأوى والغذاء والزوجة التي يسكن إليها، وهو الذي ذلَّل لموسى وحشة الغربة، وقدم له خدمة جليلة يحتاجها كل غريب، فأصبح كأنه من القوم بهذه المصاهرة، فاستلم موسى عمله، وقام به خير قيام، ولما خيَّره في المدة التي يخدم فيها عنده وفاه أعلى الأجلين؛ أي: خدم عشر سنين، ï´؟ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ï´¾ [القصص: 27]، وكان الترغيب باديًا في لغة الرجل الصالح، وترك له الخيار في المدة؛ لذلك قال موسى: ï´؟ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ï´¾ [القصص: 28]، وقد جعلا الله عليهما وكيلًا وكفيلًا، وعمل موسى راعيًا لأغنام الرجل الصالح، ومرت الأيام والسنون سراعًا، ï´؟ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ï´¾ [القصص: 29]، وحانت رحلة العودة إلى مصر، فحمل زوجه (صفورا)، وانطلق باتجاه مصر، وكان الجو باردًا؛ حيث انسدل الليل، وسكن الخلق، ولف الصحراء جو بارد، ازداد شدة مع انتصاف الليل، فاحتاج موسى وأهله إلى نار للتدفئة، فأخذ يتلفت يمينًا وشمالًا؛ علَّه يرى قافلة أو سيارة أو بيوتَ بدو قد أوقدوا نارًا؛ ليصطلي عندهم، فأبصر عند جانب الطور الأيمن نارًا، فأحس بالفرَج، ï´؟ قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ï´¾ [القصص: 29]، وانطلق موسى إلى مكان النار، ï´؟ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [القصص: 30]، فكان ما رأى من النار نورًا استجرَّه إلى هذا المكان المبارك؛ ليكون على انفراد، ويسمع ما يلقى إليه وهو بتمام الوعي والإصغاء، ناداه ربه في تلك البقعة المباركة من الشجرة: ï´؟ أَنْ يَا مُوسَى ï´¾ [القصص: 30]، وأنْ بمعنى أي المفسرة، ï´؟ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [القصص: 30]؛ فالنداء كان من رب الخَلْق أجمعين، وعلى موسى أن يُصغيَ ويعيَ ما يلقى إليه، إنها الرسالة والنبوة، ومن هنا بدأ تحمل مسؤولية الدعوة والتبليغ، لقد اختاره الله نبيًّا مرسَلًا، وأمده بما يؤيده من المعجزات والحماية لشخصه من المعاندين والمجادلين، ï´؟ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ï´¾ [القصص: 31]، وكان بيد موسى عصًا يتخذها في سفره للدفاع عن نفسه من وحش أو عدو غادر، وقد طلب منه ربه أن يلقيَ هذه العصا، فألقاها، وإذا بها تهتز كأنها جانٌّ؛ أي: أفعى ضخمة، خاف منها موسى، فالتف إلى الخلف ليبعد عنها وأطلق ساقية للريح دون أن يلتفت، فناداه ربه: ï´؟ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ï´¾ [القصص: 31]، عندما ولى مدبرًا ناداه للعودة، ï´؟ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ï´¾ [القصص: 31]، أنت الآن في مرحلة الإعداد، وأمام رب العالمين؛ فهو الحامي لك، المتكفل بحفظك، فإذا كان هذا الوعد من الله تعالى فلِمَ الخوف؟ ï´؟ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ï´¾ [القصص: 32]، والمعجزة الثانية التي زود بها موسى هي اليد، يضعها في جيبه ثم يخرجها فتصبح بيضاءَ مضيئة سليمة من غير مرض، فلا يظن أحد أنه قد أصابها مرض البهاق أو البرص، ثم إذا أعادها إلى جيبه وأخرجها تعود كما كانت، ï´؟ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ï´¾ [القصص: 32]؛ أي: أعِدْ يدك إن خفت من الإضاءة مرة أخرى إلى جيبك فتعود كما كان لونها، طبيعية بلون بشرتك، ï´؟ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ï´¾ [القصص: 32]، فهذا تكليف واضح من رب العالمين لموسى بالنبوة، مع تزويده بآيتين عظيمتين؛ العصا التي تنقلب أفعى، ويده السمراء التي تضيء كالشمس، أرسله بالتحديد إلى دعوة فرعون وملئِه إلى الإيمان، وقصد بالملأ الحاشية من ذوي النفوذ والرأي والمشورة المحيطين بفرعون، وكان هذا التكليف مخيفًا بالنسبة لموسى؛ فقد عاد بذاكرته إلى الوراء عشر سنين يوم قتل نفسًا بالخطأ، ï´؟ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ï´¾ [القصص: 33]، وهذه الحادثة التي حصلت بالخطأ لا تزال تحفر في ذاكرة موسى، وتقض مضجعه وتؤرقه؛ لأنه ما كان ينوي - حين وكز القبطي - قَتْله، ولا قصد ذلك، وأن القتل عملٌ فظيع تمنى ألا يكون، بل بهذا التذكر عدَّه نقطة سوداء في تاريخه، وعندما يطلب الناس منه يوم القيامة أن يشفع لهم في الموقف؛ لأنه كليم الله، يعتذر ذاكرًا قتل النفس، ï´؟ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ï´¾ [القصص: 34]، وطلب موسى من ربه أن يشرك معه أخاه هارون؛ لأنه لا يزال خائفًا من فرعون، وزكى موسى أخاه هارون بأنه أفصح لسانًا منه، فيكون معه سندًا وعضدًا، يساعده في هذه المهمة، ويحمل عنه شيئًا من الجدال المتوقع مع فرعون وملئه، ولكي تطمئن نفس موسى ويقبل على التكليف بقوة وحماسة، لبَّى له ربه طلبه، ï´؟ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ï´¾ [القصص: 35]، وأضاف لموسى دعمًا آخرَ، ï´؟ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ï´¾ [القصص: 35]، وكان هذا غاية الدعم لموسى من ربه، تأمين الحماية والقوة والغلبة لموسى ومن يتبعه، وبهذا سيلجم فرعون ويقيد قدرته، فلا يأتي بما يؤذي موسى وهارون، وهنا انطلق موسى دون تردد، ودخل مصر، وذهب إلى أخيه هارون ليبشره بالنبوة، وقد كان جبريل قد سبقه، فانضم هارون إلى موسى، وقصدَا فرعون لدعوته إلى الله، ï´؟ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى ï´¾ [القصص: 36]، وهذا الرد دائمًا يصدر عن الطغاة؛ فهم لا يتقبلون الإصلاح ولا الهدى للطريق السوي، يريدون أن يكون العالم وفق مشيئتهم، وما يحلو لهم أن يفعلوه، أما الدعوة للإصلاح والعودة إلى الفطرة السوية من حيث العبودية لله الخالق، فهذا أمر تجاوزوه، وعطلوا في داخلهم إشراقة الفطرة، فليس عندهم إلا التعالي والظلم والغطرسة واستعباد الناس؛ ليكونوا فوق الناس، وقد سخَّروا كل مكر وخديعة ومال وأتباع ممالئين، ليصلوا إلى هذه الدرجة من العلو؛ لذلك لم يكن متوقعًا منه أن يستجيب لدعوة موسى، وهذا ما خشي منه موسى عند التكليف، الرفض والصد، والعُجْب والكبر، ودعم جحودَه جلساؤُه فقالوا: ï´؟ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ï´¾} [القصص: 36]، وبهذا يعُدُّون ما أتى به موسى بدعة واختلاقًا للتغيير والانتقام من فرعون، ولهذا الموقفِ من الموالين لفرعون ازداد فرعون كبرًا وغطرسة، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وهكذا أعلَن على الملأ ألوهيته بلا حياء ولا خجل، ونسي إنسانيته، وأنه مخلوق ضعيف لا يثبت على حال من التغيرات التي تأتيه؛ ما بين صحة ونشاط، ومرض وضعف، ويسر وعسر، وسرور وحزن، وانفتاح نفس تارة وانقباضها أحيانًا أخرى، فأنَّى له هذا الادعاء؟! فلو ادعى أمورًا هي في نطاق حدود البشر لكان مقبولًا، ولكن رفَع نفسه الضعيفة إلى مقام الألوهية، إن هذا لمنتهى الجهل وضعف العقل واختلال الفكر، ثم خلط الأمر بالسخريَّة والبرهان المضلل، فقال: ï´؟ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ï´¾ [القصص: 38]، وختم كلامه مسبقًا بتكذيب موسى، فلِم إذًا كل هذا التعب في بناء الصرح، وهو يحكم مسبقًا على موسى بالكذب؟ باب من التضليل، وخداع من يستمع إلى موسى؛ لينفضوا من حوله، وللملأ عنده؛ ليبقوا على ولائهم لفرعون، فأنَّى له أن يرى إله موسى حتى ولو اخترق السماء؟! ولكن ليقول لضعاف التفكير: ها قد ارتفعنا في السماء، فأين إله موسى؟! لا نراه؛ إذًا فهو غير موجود، وتعطي عبارة: ï´؟ فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ ï´¾ [القصص: 38] دلالة على ظلم فرعون، وتسخيره الناس للعمل لصالحه، وتدل على أن أبنية مصر كانت من القرميد؛ لندرة الحجارة، أو بُعدها عن مكان المدن، وأنه من قديم الزمان كان هناك استنزاف للطمي الزراعي، وتخريب للأرض الزراعية، وعدم تقدير لقيمة هذا الطين، هذه هي المرحلة الأولى من دعوة موسى، وبداية الصراع مع فرعون، اخترتُها من سورة القصص؛ علمًا بأن هذه البداية أيضًا قد ذكرت في سورة طه.

التشابه بين سورة طه وسورة القصص:
بدأت قصة موسى في سورة طه من حين عودته من مدين مع زوجه: ï´؟ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ï´¾ [طه: 9، 10]، وسورة القصص بدأت من الولادة، وهذا ما جعلني أبدأ بها القصة، ثم قال: ï´؟ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ï´¾ [طه: 11 - 13] ، وقد أفادت هذه الآية زيادة في وصف موسى؛ حيث أُمر بخلع نعليه، وعدَّ المفسرون السبب بأنهما كانا من جِلد حمار غير مدبوغ؛ أي: كانا نجسينِ، وقد خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في الصلاة؛ لإخبار الوحي بوجود نجاسة فيهما، وقيل: خلعهما أبلغ في التواضع، وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب، وقيل: تفريغ القلب من الأهل والمال، وفي سورة القصص لم يرد هذا الوصف، كما بين هنا اسم الوادي، فاتضح المكان بلا لبس باجتماع الوصفين في السورتين، وفي هذه السورة أيضًا الأمر بالاستماع لما يوحى، وفيه الأمر بالعبادة وإقام الصلاة، وأن الساعة قريبة، وفيها يكون الحساب والجزاء، وأنها أمر أكيد، فلا يصدنَّك عن هذا الإيمان مَن لا يؤمن به، ويتشابه المشهد في شأن المعجزات مع تفاصيلَ في كل سورة تكمل الأخرى، ï´؟ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ï´¾ [طه: 17، 18]، فهنا ملاطفة لموسى قبل إظهار الآية في العصا؛ حيث سأله ما يمسك بيمينه، فأجاب موسى جوابًا مستفيضًا أكثر مما يطلب منه، فلو قال: عصًا، لكفاه، ولكنها الرهبة التي جعلته يجيب عنها وعن استعمالاتها، وفي القصص أمر بلا مقدمات بإلقاء العصا، وكانت المفاجأة المذهلة والخوف والهروب.

تحليل الموقف:
لم أقرأ لأي من المفسرين مناقشة الأمرين المختلفين لموسى من ربه في إلقاء العصا عند بدء التكليف بالرسالة، وعدوهما موقفًا واحدًا، علمًا بأن الأمر بإلقاء العصا كان في موقفين، لنستعرض الآيات التي ذكرت بهذا الشأن:
ï´؟ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ï´¾ [النمل: 9، 10].

ï´؟ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ï´¾ [القصص: 31].

ï´؟ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ï´¾ [طه: 17 - 21].

ما ورد في سورتي النمل والقصص بشأن إلقاء العصا متشابهٌ، وما ورد في سورة [طه] مختلف عنهما، فهل قال الله لموسى: ألقِ عصاك، فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرًا، وفي اللحظة نفسها قال الله له: وما تلك بيمينك يا موسى؟ وبعد الجواب من موسى، قال له ربه: ألقها يا موسى، فهل خوطب موسى في الموقف الواحد بخطابين معًا، مختلفين في لغة الخطاب؟ إن التوفيق بين الخطابين - والله أعلم - يكون في الآتي:
ï´؟ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ï´¾ [القصص: 31]، وفي سورة النمل: ï´؟ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ï´¾ [النمل: 10]، زيادة شرح للأولى بأنه آمن، وأنه من المرسلين، من هذه الآية يتبين أن موسى كان خائفًا عند الوهلة الأولى؛ لذلك لما رأى العصا قد انقلبت أفعى ولَّى مدبرًا ولم يلتفت، فناداه ربه وطمأنه بأنك آمن، وأنه لا يخاف لديه المرسلون، فعاد موسى أدراجه إلى المكان الذي ألقى فيه العصا، فرأى عصاه، فحملها من جديد، ولكي يدخل الله إليه الطمأنينة سأله ثانية: ï´؟ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ï´¾ [طه: 17]، وهنا اطمأن موسى، وهدأ روعه، فأجاب بإسهاب عكس هذه الطمأنينة: ï´؟ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ï´¾ [طه: 18 - 20]، هنا لم يهرب كما في المرة الأولى؛ لأنه اعتاد هذا المنظر، وإنما أمره بأخذها وهي على هيئة الأفعى؛ لأنه في المرة الأولى أخذها بعد أن عادت عصًا؛ تدريبًا له على أخذها وهي بهذه الهيئة، ï´؟ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ï´¾ [طه: 21]؛ أي: عندما تلتقطها وهي أفعى تسعى ستعود عصى، وبعد هذا التدريب اعتاد موسى على إلقائها وأخذها بلا خوف ولا تردد.

أما الآيات التي فيها تكرار يعود بفائدة معنى أو شرح مفصل، فهي تختلف عن هذه الآيات التي مرت، ونمثل لها بضرب البحر بالعصا: ï´؟ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ï´¾ [طه: 77]، ï´؟ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ï´¾ [الشعراء: 63]، فهنا الأمر واحد، والزيادة في الوصف الذي يوضح الصورة ويَزيد في معانيها الحسية والنفسية.


 توقيع : ضامية الشوق




رد مع اقتباس