تحسينات متعدّدة وتطوير متواصل للخدمات المقدّمة لضيوف الرحمن، هذا هو الشعار الذي ترفعه المملكة العربية السعودية وتطبقه على أرض الواقع، فالذاهب إلى الأراضي المقدسة في هذه لأيام يشهد حركة متواصلة وجهوداً كبيرة تبذلها كافة الجهات ذات الصلة؛ لتيسير أداء الشعيرة وتقديم كل ما يلزمهم من مساعدات، بما يجعل أداء ركن الإسلام الأعظم بمثابة ذكرى خالدة في نفوس من يكرمهم الله تعالى؛ ويسهل لهم أداء الشعيرة.

وإن كانت المملكة العربية السعودية قد اعتادت منذ توحيدها على يد الملك المؤسس المغفور له - بإذن الله- عبدالعزيز آل سعود، القيام بإجراءات عديدة لمساعدة الحجاج منذ وصولهم إلى مطارات المملكة وموانئها، وإجراء تحسينات متواصلة في المشاعر المقدسة، وإنشاء العديد من المرافق، فإنها بدأت منذ السنوات القليلة الماضية باتباع إجراءات تسهيلية تبدأ من بلد الحجاج أنفسهم وقبل وصولهم إلى المملكة، وهو ما يؤكد حرصها على راحة الحجيج، وتذليل العقبات التي قد تصادفهم حتى داخل بلادهم.

من أبرز المبادرات التي أثبتت قدرتها على تحقيق ذلك، مبادرة «طريق مكة»، وهي ابتكار سعودي متميز، حيث تشرف عليها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارات الخارجية والصحة والحج والعمرة، إضافة إلى الهيئة العامة للطيران المدني، وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي «سدايا»، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والمديرية العامة للجوازات، وشركة علم.

تقوم الفكرة على استقبال الحجيج داخل بلدانهم، واستكمال إجراءاتهم، وإصدار التأشيرات الإلكترونية، وبالتالي إنهاء إجراءات الجوازات في مطار المغادرة بعد مراجعة الاشتراطات الصحية، وترميز وفرز الأمتعة وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، وبمجرد وصول الحجيج إلى المطارات السعودية؛ يتم نقلهم على الفور إلى حافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ وفق خطوط ومسارات مخصصة، وتسليمهم أمتعتهم في أماكن سكنهم.

ما يميز هذه المبادرة الرائعة، هو أنها في المقام الأول تأخذ في الاعتبار راحة ضيوف الرحمن، وتسهيل إجراءاتهم حتى يتفرغوا للعبادة بدون الانشغال بالإجراءات، وفي ذات الوقت تساعد السلطات على تبسيط الإجراءات، وتجنب الازدحام، وعدم إضاعة الوقت، وتيسير العمل في المطارات ليتم بسلاسة، وفي أقل فترة زمنية ممكنة.

لذلك، وجدت هذه المبادرة المتميزة صدى واسعاً، وأشادت بها كافة الدول التي طبّقت فيها، ورغم تطبيقها في دول معينة في البداية لقياس أثرها والتأكد من جدواها، إلا أن مطالبة العديد من الدول بها تؤكد مزاياها بالدرجة التي ارتفعت فيها الأصوات؛ لتكون مبادرة عامة لكافة الدول.

ومن أبرز إيجابيات «طريق مكة»، توافقها الكامل مع مستهدفات ومبادئ رؤية 2030، التي تهدف لمضاعفة أعداد الحجيج، وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المسلمين لأداء شعيرة الحج، فهي كما ذكرتُ سابقاً تختصر الزمن، وتتناغم مع التوجه الذي تشهده بلادنا بزيادة الاعتماد على مخرجات التقنية؛ كجزء من خطة التحول المعرفي التقني التام نحو اقتصاد المعرفة.

لم تقتصر المبادرات السعودية الرائدة القائمة على تسخير وسائل التقنية الحديثة لخدمة ضيوف الرحمن على ذلك، بل شملت إطلاق العديد من المنصات الرقمية التي تعين الحجيج على أداء مناسكهم بسهولة ويسر، وتجنّبهم المشقة والتعب. حتى في داخل الحرمين الشريفين تم استخدام روبوتات للتعقيم، وتوفير روبوتات أخرى لتوزيع ماء زمزم على الحجاج، وتوجيه ضيوف الرحمن، إضافة إلى ترجمة خطبة عرفة للعديد من اللغات العالمية، وخدمات الإفتاء الإليكتروني.

كما تم اتباع أساليب حديثة تتوافق مع التوجه نحو الحفاظ على البيئة، مثل مبادرة المشاعر الخضراء؛ التي تهدف لمعالجة 260 طن من النفايات العضوية والصلبة داخل المشاعر، والاستفادة من عشرات الآلاف من قطع الإحرام المستعملة، ليعاد تدويرها وإنتاجها بسعر يقل بمقدار النصف عن قيمة المنتجات المستوردة، وإعادة إنتاج الملايين من العلب البلاستيكية وتدويرها، وكذلك الاستفادة من لحوم الهدي والأضاحي وجمعها وتعبئتها، لتوزع على الفقراء في مختلف الدول الإسلامية.

هذه الجهود المتواصلة حتماً سوف تستمر خلال الأعوام المقبلة، لتؤكد أن المملكة مستمرة في ترحيبها بضيوف الرحمن، وتقديمها لكل التسهيلات التي قد يحتاجونها، لأنها أرض الحرمين ومهوى أفئدة المسلمين حول العالم.