عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 06-11-2021
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
لا أخشى عليك

..................من نسآء الكون

بــل أخشى عليك

من #

طفلة
تشبهني

مشآكسَة ، ثرثآرة ، مجنونة ، وتحبكَ كثيراً كثيراً
لوني المفضل Azure
 عضويتي » 752
 جيت فيذا » Feb 2010
 آخر حضور » منذ 6 ساعات (03:46 PM)
آبدآعاتي » 3,247,396
الاعجابات المتلقاة » 7390
الاعجابات المُرسلة » 3674
 حاليآ في » » 6ـلىآ رَصيـﭮ الـجنـﯛטּ εïз ••
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الترفيهي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » جنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond reputeجنــــون has a reputation beyond repute
مشروبك   star-box
قناتك mbc
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
icon4 هل يصلح أن نتعلم الإيمان قبل القرآن



هل يصلح أن نتعلم الإيمان قبل القرآن

قد يستغربُ البعضُ هذا العنوان، فيقول: إنَّنا نتعلَّم الإيمان مِن القُرآن؛ فهل يستقيم أن نضع هذا العنوان ويكون محل نقاش وبحث؟
والجواب عن ذلك: أن المقصودَ بتَعلُّمِ القرآنِ في هذا السياق أمران اثنان:
الأول: هو العناية بحفظه وإتقان تلاوته وتجويده وضبطه.
الثاني: هو معرفة تفاصيل الأحكام التي يزوِّدُنا بها القرآنُ.

فإذا بانَ هذا القَصْد وعُرِف يأتي السؤال عن أيِّهما يكون البدء به أَولَى؟
إن المطَّلِع على سيرةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وصحَابَتِهِ رضيَ اللهُ عَنهم يجدُ أنه كان يُعلِّمُهم أصولَ الإيمان من خلال أحواله وأفعاله وأقواله، فلربما أرشدَهم إلى الحقيقة عن طريق تساؤلات وأمثلة ليست من نصوص القرآن، لكنها نابعة من تعاليمه وهَدْيه، وبهذا يكونون قد تعلُّموا الإيمان قبل القرآن، ثم تعلُّموا القرآن ليُعطِيَهم العلْمَ المفصَّل، فيزدادوا إيمانًا.

ولكن هل كان هذا منهجًا مطَّرِدًا في التعليم؟
جاء من حديث جندب بن عبدالله البجَلي رضي الله عنه أنه قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ، فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"[1].

وهذا الحديث يستدل به بعض أهل العلم على أن المشروع في منهج تعليم الأطفال - فضلًا عن الكبار - أنْ يُبدَأ معهم بتعليم الإيمان؛ (أي: العقيدة)، ثم بعدَ ذلك يُعلَّمون القرآن (حفظًا وتجويدًا وضبطًا).

ولكن استدلالَهم هذا يَحتاج إلى وقفة لمعرفةِ معنى (الفتى والفَتِي)، أو (الفتاة والفَتِيَّة) في اللغة العربية.

قال إبراهيم الحربي (ت 285هـ): "الفتى: الشابُّ مِن الناس والبَهائم"[2].

وقال الأزهري (ت 370هـ): "قال الليث: الفَتِيُّ والفَتِيَّة: الشَّابُّ والشابَّةُ"[3].

ونقَلَ أيضًا عن ابن السِّكِّيت (ت 244هـ) قوله: "يُقَال: تَفَتَّت الجَارِيَة، إِذا راهَقَت فخُدِّرَتْ ومُنعتْ من اللَّعب مَعَ الصبيان"[4].

ثم نقلَ عن ابن قُتيبة الدِّيْنَوَري (ت 272هـ) أنه قال: "لَيْسَ الْفَتى بِمَعْنى الشابِّ والحَدَثِ، إنَّما هُوَ بِمَعْنى الكامِل الجزْل من الرِّجال"[5].

واحتج بقول الشاعر:
إِن الْفَتى حَمَّالُ كلِّ مُلِمَّةٍ *** ليْس الْفَتى بِمُنعَّم الشُّبَّانِ


والحقيقة أن ما احتجَّ به ابن قتيبة لا ينفي المعنى المذكور قبل ذلك، بل يؤكده، والمقصود من قول الشاعر كالمقصود من قول القائل: (ليس الرجل بمعنى الذكَر البالغ، وإنما الرجل الذي يحمل صفة كذا وكذا...)، ويعدِّد صفات الرجال للتنبيه إلى ما يجب أن يتحلى به الرجل من الصفات؛ فلذلك كان قول الشاعر هنا: (ليْس الْفَتى بِمُنعَّم الشُّبَّانِ)، هو تأكيد أن العرب يستعملونه بمعنى الشاب، ومع ذلك أراد التنبيه إلى أن الفتَى الحقَّ هو الذي يحمِل صفات يجب أنْ تتوفَّر لمن في سنِّه وحاله.

وقال الجوهري (ت 393هـ): "الفَتى: الشابُّ، والفتاةُ: الشابَّة، وقد فَتِيَ - بالكسْر - يَفْتى فَتًى، فهو فَتِئُ السِّنِّ بَيِّنُ الفَتاء، وقدْ وُلِدَ لَه فِي فَتاءِ سِنِّه أولادٌ"[6].

إذًا، فمُحَصَّل أقوال أهل اللغة أن الفتى هو الذي بلغ أشدَّه، والذي هو في مقتبل الشباب، بحيث يكون قادرًا على الزواج والإنجاب.

وعليه يكون معنى (الفتى) خارجًا عن المعنى الاصطلاحي للطفولة، فالطفل هو الإنسان ما دون سِنِّ البلوغ، والفتى يُطلَق على مَن هو في مرحلة المراهقة التي تمتدُّ منذ بلوغ الإنسان الحلُم إلى سنِّ الحادية والعشرين تقريبًا، ومن المسلَّم به أن الإنسان في هذه المرحلة يكون قادرًا على العقْل والفهْم والإدراك، وهذا شَرطٌ لازمٌ ليكون الإنسان مؤهَّلًا للإيمان.

ولكن قد يَستشكل البعضُ وُرود الحديث بلفظ آخَر: "ونحن غِلمان حَزاورة"[7]، والغلام يُطلَق على الإنسان منذ الولادة إلى أوَّل سنِّ الشباب، وأصلُه مِن غَلِمَ إذا طَرَّ شاربُه؛ أي: ظهرت عليه علامة البلوغ والرجولة[8].

ثم إنه في الرواية قيَّده بقوله: "حزاورة" يعني أنهم بلَغوا أشدَّهم، فلم يعودوا أطفالًا، فالحَزْوَر لغةً: هو الغلامُ إذا صار يافعًا[9]، أو: هو البالِغ القَوِي[10]، وعليهِ فلا يوجد تناقض في المعنى بين ألفاظ هذا الحديث.

هل للأطفال خصوصية في منهج التعليم؟
بعد هذا التأصيل، لا بد من لَفْت النظر إلى قضية الخصوصية التي يتمتَّع بها الأطفال في سني أعمارهم الأولى التي تمتد إلى عمر العاشرة أو أكثر، فهذه المرحلة لا يصلح معها سوى التلقين والتحفيظ والتخزين، بخلاف ما عليه البالغ الراشد الشاب، ولذا كان خير ما مُلِئتْ به ذاكرة الأطفال: آيات القرآن الكريم، فكتاب الله تعالى أولى الأشياء بالحفظ، ويعقب ذلك شيء من الأحاديث النبوية وسيرة الرسول وأصحابه، ومعها أيضًا نصوص العرب الأقحاح من الشِّعْر والحِكْمة، وهي المُعِينةُ فيما بعدُ على فَهْم القرآن وتعلُّم الإيمان، ولذلك يُروى عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: "رَوُّوا أبناءكم ما يجمل من الشعر"[11].

ولا يُخْلِ المربي منهجَ تلقينِ الأطفالِ مِن الأسئلة والأجوبة الميسَّرة في مسائل السلوك والعقيدة والفقه، بألفاظ مختصرة جدًّا التي ستكوِّن لهم قواعد يتمكنون من استحضارها في عمر الإدراك والفهم وما يعقب ذلك من يقينٍ وإيمان.

ومما يَحسن التنبيه إليه في هذا المقام أن التلقين لا يكون باللسان فحسب، بل يكون بالعمل أيضًا؛ فينتبه المعلم والمربي إلى حُسن سَمْتِه، فالأطفال يتلقَّون عنه السمْت كما يتلقون عنه القول، وهو قدوتهم في سائر الأمور، فهناك خِصال داخلة في باب الأخلاق والسلوك لا يكون الإيمان فيما بعدُ إلا إذا توفَّرت لدى صاحبها، وعلى رأسها الإخلاص والصدق والصبر.

ومما يشهد لخصوصية عمر الطفل في التعليم، ما جاء في خبَر عمرو بن سلمة رضي الله عنهما، ويحسن إيراد خبره هنا كاملًا؛ قال: "كنا بماءٍ مَمَرِّ الناسِ، وكان يمرُّ بنا الركبانُ فنسألهم: ما للناسِ، ما للناسِ؟ ما هذا الرجلُ؟ فيقولون: يزعم أن اللهَ أرسلَه، أوحى إليه، أو أوحى اللهُ بكذا، فكنتُ أحفظُ ذلك الكلامَ، وكأنما يقرُّ في صدري، وكانت العربُ تلوم بإسلامهم الفتحَ، فيقولون: اتركوه وقومَه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبيٌّ صادقٌ، فلما كانت وقعةُ أهلِ الفتحِ، بادرَ كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبدَرَ أبي قومي بإسلامِهم، فلمَّا قدِم قال: جئتُكم واللهِ من عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: (صلُّوا صلاةَ كذا في حين كذا، وصلُّوا كذا في حين كذا، فإذا حضرَت الصلاةُ، فلْيؤذِّن أحدُكم، وليؤمكم أكثرُكم قرآنًا)؛ فنَظروا فلم يكن أحد أكثرَ قرآنًا مني، لِما كنت أتلقى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ستِّ أو سبعِ سنين، وكانت علَيَّ بُردة، كنت إذا سجدتُ تقلَّصَت عني، فقالت امرأةٌ من الحيِّ: ألا تغطُّون عنا اسْت قارئِكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرحتُ بشيءٍ فرحي بذلك القميصِ"[12].

ومما يؤكد ذلك أنَّ منهج العلماء من السلف ومَن بعدهم رحمهم الله، هو حفظ القرآن في سن الطفولة؛ كما ورد عن محمد بن إدريس الشافعي (ت 204هـ) أنه حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين[13]، وكذلك فعلَ محمد بن داود الظاهري (ت 297هـ)[14]، وقد ورد عن كثير من العلماء أنهم حفظوا القرآن وهم صبيان[15].

بل وردَ عن أحمد بن حنبل (ت 241هـ) أن سائلًا سأله عن ابنه: بماذا يبدأ في تعليمه؟ فأرشده إلى البدء بالقرآن[16].
بل ألَّف بعضُ أهل العلم رسائل في منهج التربية، من أمثال محمد بن سحنون (ت 256هـ) في رسالته "آداب المعلِّمين"، وأبي الحسن المعافري القابسي (ت 402هـ) في رسالته "أحوال المعلِّمين والمتعلِّمين"، وقد ذهبا إلى أن الغاية الدينية هي التي تحدد العلوم التي يَدْرسُها الصبيان، وأوَّل هذه العلوم حفظ القرآن وقراءته وكتابته ونطقه وتجويده[17].


كما أن خصوصية مرحلة الطفولة قد نبَّهَ إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيهًا صريحًا، حيث قال: "علِّموا أولادَكُمُ الصَّلاةَ إذا بلَغُوا سَبعًا، واضْرِبوهم علَيها إذا بلَغُوا عَشْرًا"[18]، وقد ورد في حديث آخر بلفظ: "واضربوهم عليها لثلاثِ عشرة"، وآخر بلفظ: "واضْرِبوهم عليها أبناءَ اثنتَيْ عشرةَ سنةً"، ولكن أسانيدهما لا ترقى إلى الصحة، إلا أنها صحيحة المعنى ولا تناقض فيها، فهذه الأعمار تتوافق مع مدة عمر الطفولة، وبداية عمر المراهقة.

والمعنى المقصود بتعليم الأولاد الصلاة ما أُشيرَ إليه سابقًا أن الأولاد يَتلقون الأقوال والأعمال، ويقتدون بالمربين، وأن الواجب في هذه الفترة ألا يزيد المربي في تعليمهم عن الحث والترغيب والتعويد والتلقين، والاستمرار بذلك طيلة هذه السنوات، مع تنويع الوسائل والطرائق في التربية والتعليم[19].

كيف يتقدَّم جانب الإيمان في تعليم الكبار؟ ولماذا؟
أما الإنسان الراشد البالغ، فخير منهج يتَّبعه في طلب العلم هو المنهج المشار إليه في حديث جندب؛ حيث يهتم بجوانب الفهم الذي يؤدِّي إلى الإيمان.

ولهذا حين أورَدَ ابنُ مفلحٍ (ت 763هـ) كلامَ أحمدَ بنِ حَنبلٍ في إرشاده السائلَ إلى البدء بتعليم ابنه القرآن، ثم ذكَر كلامًا لعبدالله بنِ المبارك (ت 181هـ) يخالِف ذلك التوجيه، علَّق عليه بقوله: "وَكَلَامُ أَحْمَدَ واللهُ أَعْلَمُ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّغِيرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ، وَاَلَّذِي سَأَلَ ابْنَ الْمُبَارَكِ كَانَ رَجُلًا؛ فَلَا تَعَارُضَ، وَأَمَّا الصَّغِيرُ فَيُقَدِّمُ حِفْظَ الْقُرْآنِ لِمَا ذَكَرَهُ أَحْمَدُ مِنْ الْمَعْنَى، وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ يُمْكِنُ إدْرَاكُهَا وَالْفَرَاغُ مِنْهَا فِي الصِّغَرِ غَالِبًا، وَالْعِلْمُ عِبَادَةُ الْعُمُرِ لَا يُفْرَغُ مِنْهُ؛ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا حَسَبَ الْإِمْكَانِ، وَهَذَا وَاضِحٌ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ أَوْلَى لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِصُعُوبَتِهِ وَقِلَّةِ مَنْ يَعْتَنِي بِهِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ، وَلِهَذَا يُقَصِّرُ فِي الْعِلْمِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ طَلَبُهُ، وَلَا يُقَصِّرُ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ حَتَّى يَشْتَغِلَ بِحِفْظِهِ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ فِي الْعِلْمِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ"[20].

وأَولى تلك العلوم بالنسبة للبالغ الراشد: هو علم العقيدة، ولذا جاء في الحديث قوله: "نتعلم الإيمان"، والمقصود بالإيمان: علم العقيدة، وهو الإيمان بالله، والملائكة، والكتب، والرسل، والبعث، وما يتفرع عن ذلك من عقائد الإسلام، ولا يكون ذلك دون تفكُّر؛ فالإِسْلامُ فِكْرَةٌ، والإِيمانُ يَقِينٌ، والإِحْسانُ عَمَلٌ، وكُلَّما اتَّسَعَت الفِكْرَةُ وَتَعَمَّقَتْ زَادَ اليَقِينُ وَثَبَتَ ورَسَخَ، وَكُلَّما زَادَ اليَقِينُ كانَ دافِعًا إِلى مَزِيدٍ مِن العَمَل، وَكُلَّما زَادَ العَمَلُ تَفَتَّحَت العُقول لِمَزِيدٍ مِن التَّفْكِيرِ، حتَّى تَعودَ الدائِرَةُ وتستمرَّ، وهي التي تترتَّب عليها زِيادةُ الإِيمان أو نُقْصَانه، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ ﴾ [محمد: 17]، فالهداية إلى الفكرة (إسلام)، والزيادة في الهدى (إيمان)، والتقوى (إحسان).

فلذلك قال جندب: "ثم تعلَّمْنا القرآن فازدَدْنا به إيمانًا"، وهذا مِصداق قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]، ففيها إشارة إلى أن القراءة والحفظ سببٌ في زيادة الإيمان؛ لأنها توسِّع مدارك الإنسان، وتزيده إعمالًا لفِكرِه فيما يتعلَّمه، فينتج عن ذلك المدارَسة والبحث عن الحقائق، ثم يعقبها الإيمان واليقين والاعتقاد الجازم بما توصَّل إليه من نتائج تلكم الدِّراسة، وهذا الإيمان الذي بات يتمتَّع به هو الذي سيدفعه إلى العمل الصالح النافع.

ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾ [هود: 17]، قال أبو العباس ابن تيمية (ت 728هـ): "قَوْلهُ: ﴿ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ يَعْنِي هُدَى الْإِيمَانِ، ﴿ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ﴾؛ أَيْ: مِن اللَّهِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ شَاهِدٌ مِنْ اللهِ يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَتْبَعُهُ، وَقَالَ: ﴿ يَتْلُوهُ ﴾؛ لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِإِنْزَالِ الْقُرْآنِ الْإِيمَانُ وَزِيَادَتُهُ"[21].

ومما يشهد لحديث جندب ويُجَلِّي معناه: ما ورد عن عدد من الصحابة الذين كانوا بعمر الشباب في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؛ مِن ذلك قول ابن عمر رضي الله عنهما: "لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ دَهْرِنا وَأَحَدُنَا يُؤتَى الْإِيمَانُ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَتَنْزِلُ السُّورَةُ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَنَتَعَلَّمُ حَلَالَهَا وَحَرَامَهَا، وَآمِرَهَا وَزَاجِرَهَا، وَمَا يَنْبَغِي أَنْ نُوقَفَ عِنْدَهُ مِنْهَا، كَمَا تَعَلَّمُونَ أَنْتُمُ الْيَوْمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ لَقَدْ رَأَيْتُ الْيَوْمَ رِجَالًا يُؤْتَى أَحَدُهُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ الْإِيمَانِ، فَيَقْرَأُ مَا بَيْنَ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ، وَلَا يَدْرِي مَا آمِرُهُ وَلَا زَاجِرُهُ، وَلَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يَقِفَ عِنْدَهُ مِنْهُ، وَيَنْثُرُهُ نَثْرَ الدَّقل"[22].

وقال أيضًا: "إنَّا كُنَّا صُدُورَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ وَصَالِحِيهِمْ مَا يُقِيمُ إلَّا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ شِبْهَ ذَلِك، وَكَانَ الْقُرْآنُ ثَقِيلًا عَلَيْهِمْ وَرُزِقُوا عِلْمًا بِهِ وَعَمَلًا، وَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَخِفُّ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ حَتَّى يَقْرَأَهُ الصَّبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ قَالَ لَا يُسَلِّمُونَ مِنْهُ الشَّيْءَ"[23].

وجاء عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: "إنَّا آمَنَّا وَلَمْ نَقْرَأْ الْقُرْآنَ، وَسَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ وَلَا يُؤْمِنُونَ"[24].

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إنَّا صعُب علينا حفظُ ألفاظ القرآن، وسهُل علينا العملُ به، وإن مَن بعدَنا يسهل عليهم حفظ القرآن، ويصعب عليهم العمل به"[25].

وقال أبو عبدالرحمن السُّلَمي (ت 74هـ): "حدَّثنا مَن كان يُقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، ولا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العمل والعلم، قال: فعلمنا العمل والعلم"[26]، ففي هذا الخبر دلالة على الجمع بين الخيرَين مع التركيز على تعلُّم الإيمان، وأنه أولى بالوقوف عنده والاهتمام به.

وأما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ"[27]؛ فيقول ابن تيمية أن المراد به: "تَعْلِيمُ حُرُوفِهِ وَمَعَانِيه جَمِيعًا، بَلْ تَعَلُّمُ مَعَانِيه هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ بِتَعْلِيمِ حُرُوفِهِ، وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي يَزِيدُ الْإِيمَانَ؛ كَمَا قَالَ جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِالله، وَعَبْدُالله بْنُ عُمَرَ، وَغَيْرُهُمَا"[28].

وهل يبلغ الإيمانُ كمالَه؟
نعم، يبلغ؛ فإن طالبَ العلم إذا بدأ بتعلُّم الإيمان، ثم القرآن، ازدادَ إيمانًا - كما سلف تقرير ذلك عن الصحابة - وهذه الزيادة تستمر حتى تبلغ الكمال.

وقد جاء في وصف رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه "كان خُلقه القرآن"[29]، وهو ما يشير إلى أن تعلُّم القرآن والتخلُّق به يؤدي إلى الكمال، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "أَكْمَلُ اَلْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ أَخْلَاقًا"[30]، وفي الحديث الآخَر: "إن مِن خِيارِكم أحسنَكم أخلاقًا"[31].

قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ (ت 130هـ): "الْإِيمَانُ يَبْدُو فِي الْقَلْبِ ضَعِيفًا ضَئِيلًا كَالْبَقْلَةِ؛ فَإِنْ صَاحِبُهُ تَعَاهَدَهُ فَسَقَاهُ بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّغَلَ، وَمَا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَنْمُوَ أَوْ يَزْدَادَ، وَيَصِيرَ لَهُ أَصْلٌ وَفُرُوعٌ وَثَمَرَةٌ، وَظَلَّ إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى حَتَّى يَصِيرَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، وَإِنْ صَاحِبُهُ أَهْمَلَهُ وَلَمْ يَتَعَاهَدْهُ جَاءَهُ عَنْزٌ فَنَتَفَتْهَا أَوْ صَبِيٌّ، فَذَهَبَ بِهَا وَأَكْثَرَ عَلَيْهَا الدَّغَلَ، فَأَضْعَفَهَا أَوْ أَهْلَكَهَا أَوْ أَيْبَسَهَا، كَذَلِكَ الْإِيمَانُ"[32].

ختامًا، نخلُص إلى أن تعلُّم الإيمان المجمَل ورسوخه في النفس، قبل تعلُّم تجويد القرآن وحفظه، وما فيه من علوم مفصَّلة، هو منهَجٌ نبويٌّ، ولكن يُستثنى الأطفال من هذا المنهج؛ حيث تكون العناية في تعليمهم بالتلقين والتحفيظ، وأوْلى ذلك بالعناية هو القرآن خاصة، واللغة عامة، كما أن التلقين غير مقتصر على المنطوق باللسان، بل هو عام يشمل الأفعال والسمت الحسن.

وأما البالغ الراشد الشاب، فإنما يعتني بتعلُّم أصل الإيمان؛ (أي العقيدة)، ثم يتعلَّم القرآن ليزداد إيمانًا، ويستمر في هذا التعلُّم والتزوُّد، حتى يصبح القرآن خُلقًا له، كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يبلغ كمال الإيمان بهذا الخُلق، فاللهم ارزُقنا صحةَ الإيمان، وثبِّتنا عليه، وزِدنا منه، ووفِّقنا لكماله.


[1] أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 221)، وابن ماجه في سننه (61)، والطبراني في المعجم الكبير (2678)، وغيرهم، وإسناده صحيح.

[2] غريب الحديث، للحربي (3/ 944).

[3] تهذيب اللغة، للأزهري (14/ 233).

[4] تهذيب اللغة، للأزهري (14/ 233).

[5] تهذيب اللغة، للأزهري (14/ 233).

[6] الصحاح (6/ 2451).

[7] رواه البيهقي في السنن الكبرى (5292).

[8] يُنظَر: تهذيب اللغة، للأزهري (8/ 136).

[9] يُنظَر: جمهرة اللغة، لابن دريد (2/ 1188).

[10] يُنظَر: تهذيب اللغة، للأزهري (4/ 207)، نقلَه عن ابن السكيت.

[11] الكامل في اللغة والأدب، للمبرد (1/ 211).

[12] رواه البخاري (4302).

[13] يُنظَر: طبقات الشافعية، لابن كثير (1/ 21).

[14] يُنظَر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (13/ 110).

[15] يُنظَر: العلْم، لابن عثيمين (ص35).

[16] يُنظَر: الآداب الشرعية، لابن مفلح (2/ 33).

[17] يُنظَر: التربية الإسلامية، لمحمد منير مرسي (ص315).

[18] رواه البزار بهذا اللفظ عن أبي هريرة (9823)، وهو عند أحمد عن جَدّ عمرو بن شعيب (11/ 36)، وأسانيدهما صحيحة.

[19] وهنا فائدة: وهي أن ضرْب الأطفال في الشريعة الإسلامية ممنوع غير مشروع، إلا في سن متقدمة وفي حالات تقتضيه ولا تقتضي غيره، ولغاياتٍ تأديبية بحتة، لا بدافع الغضب ومشاعر العصبية وضيق الخُلق، ولذا يُلاحَظ أنه ذُكِر في هذا الحديث بعد سنوات من تعليم الطفل قضية واحدة وهي الصلاة، والتي تتكرر في اليوم خمس مرات في ثلاث أو خمس سنوات، وبطُرق وأساليب متنوعة، ثم إذا بلغ رشده ولم يستجب بعد كل هذا التعليم والتأديب، لمْ يبقَ من علاجٍ سوى الضرب، فيكون بشَرْطِه، فلا تقبيح فيه، ولا تبريح، ويكون أثره إيجابيًّا لا سلبيًّا.

[20] الآداب الشرعية (2/ 33).

[21] مجموع الفتاوى (15/ 17).

[22] رواه البيهقي في السنن الكبرى (5290)، والحاكم في مستدرَكه (101)، وصححه، ووافقه الذهبي.

[23] رواه الطبري في تفسيره (1/ 39).

[24] أخرجه الهروي في كتابه ذم الكلام (1457).

[25] رواه الطبري في تفسيره (1/ 40).

[26] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (29929).

[27] رواه البُخارِيّ (5027).

[28] مجموع الفتاوى (13/ 303).

[29] رواه مسلم (1773).

[30] حديث صحيح، رواه أحمد (2/ 472)، وأبو داود (4682)، والترمذي (1162).

[31] أخرجه البخاري (3559)، ومسلم (2321).

[32] مجموع الفتاوى (7/ 225).



 توقيع : جنــــون


مواضيع : جنــــون


رد مع اقتباس