مرت عطلة الصيفية التي قضتهاحفيدتهبألم الأمر الذي جعلها تكبر عشرات السنين رغم صغر سنها حيث كانت في العاشرة من عمرها .
وقبل أن تعود إلى منزلها فتحت له قلبها وأخبرته بأسرار لم يكن يصدقها علها تحظى بآخر نقطة من بحر حنانه

جلست معه على الأرجوحة الطويلة التي اشتراها خصيصا لها وضعت رأسها على كتفه واغرقته بدمعات ساخنة احرقته فضمها بشدة وقال لها

_ يا ابنتي الجميلة ما لي أراك حزينة وأنت من المفروض أن تكوني بأجمل أيام عمرك والسعادة تعتري قلبك وليس حزنا ام أنك خائفة من أن تخسري من أحببت ؟؟
_ قد قست الدنيا علي ولم تترك لي مكانا للسعادة
_ ما هذا الذي اسمعه تكلمي أم أقول لك أمرا دعي الأسرار لليل حالك دامس فالجميع قد يسمع !! هدئي من روعك ... هيا جهزي نفسك وتعالي معي
_ إلى أين
_ إلى بستان جدك الذي تعب وهو يعتني به

جهزوا أنفسهم وذهبوا وأمضوا طيلة الصباح هنالك وعادوا إلى المنزل بعد الظهر متعبين من أشعة الشمس الحارقة ودعته وكانت ذاهبة الى غرفتها لكنه استوقفها وقال لها :
_ إلى أين أنت ذاهبة
_ سأرتاح قليلا أراك فيما بعد
_ لا انتظري دقيقة ادخلي معي اريد ان اوريك شيئا
_ لكنك لا تسمح لأحد بدخول غرفتك
_ جدتك واعمامك وعماتك نعم ولكن انت مفضلتي

ابتسمت الحفيدة ودخلت معه الغرفة فأخرج من الخزانة معطفا وبدأ يمزقه بيديه
_ لماذا تمزقه يا جدي ؟؟
_ انتظري قليلا لا تكوني لجوجة كالباقين ( مع ابتسامة )
_ حسنا سانتظر

وما ان انتهى من التمزيق تفاجأت برمي النقود منه على أرض الغرفة
_ ما هذا يا جدي ؟؟
_ انها أموالي يا حبيبتي جمعتها ليرة ليرة قلت لربما تنفعني لكنها لن تفعل شيئا بعد اليوم فخذيها انت صحيح انه مبلغ ليس بكبير
لكنه اصبح لك اليوم

بعد أن تربوا الغرفة همت بالخروج لكنه رفض ذلك فاستلقى أولا وطلب منها المجيء والنوم بجانبه !! استغربت الأمر ولم تخف منه فهو جدها وقرة عينها فاسرعت للنوم بين احضانه
_ هل تعلمين يا عمري انت أول من أن احتضنه وينام معي من بين الأحفاد؟؟ لا أدري لماذا أنا متعلق بك هكذا وأخشى عليك ربما لأنك مرهفة الاحساس ودمعتك سخية جدا

وما ان سمعت هذه الكلمات بدأت تسيل الدمعات من عينيها
_ ألو أقل ان دمعتك سخية هيا قولي لي والذي يبكيك ؟؟
_ ألو تقل دعي الأسرار لليل ؟؟
_ صحيح نسيت

مسح دمعاتها قبلها ضمها بشدة إلى قلبه وناما
وبدأت عملية البحث عن الحفيدة في المنزل والحديقة ومنزل إحدى العمات ربما ذهبت إلى ابنة عمتها التي تعاني من إعاقة عقلية
لكنهم لم يجدوها ولم يفكروا ابدأ انها قد تكون في غرفة جدها نائمة في سريره معه

لم يوقظوها ابدأ ولكنهم حزنوا كثيرا ربما لأنها آخر عطلة صيفية تقضيها معه
وبعد سبات عميق خرج الجد والحفيدة من الغرفة واكملوا باقي النهار مع العائلة وفي الساعة الواحدة والنصف فجرا بحثت عليه فلم تجده فعرفت بأنه على سطح المنزل بانتظارها !! صعدت هي الأخرى ووجدت انه جهز لها كرسي ومكسرات مالحة كانت تحب أن تأكلها وابريقا من البرتقال الطازج
_ اهلا بحبيبتي ونور عيوني
_ اهلا بك حبيبي كيف حالك ؟؟
_ بخير من الله عز وجل
_ بحثت عنك في أرجاء المنزل والحديقة ولم اجدك
_ صعدت الى هنا أراقب القمر والنجوم ريثما تأتيني
_ يا له من منظر رائع وجميل
_ ربما تكون آخر ليلة لي معك
_ لماذا تقول هذا ؟؟
_ هذا الواقع يا ابنتي فأنا مريض جدا
_ ما مرضك يا جدي
_ السرطان

اخفضت رأسها وقالت له :
_ هذا يعني اني افقدك بعد أن وجدت من يعتني بي ويسمع احزاني وإسراري وهذا يعني ايضا أنني لن أجد حضنا دافئا
_ لا تحزني حبيبتي ستجدينني دوما في أفكارك وقلبك وان كنت لن تريدني مجددا أريد أن تكوني سعيدة في حياتك لا ينبغي لطفلة بعمرك ان تعيش كل هذا الكم من الحزن
_ كيف لي أن أعيش ولا أشعر بأمان بل بغربة روحية تقتلني
_ لا تقولي كذلك أخبريني ما الذي يجري معك ؟؟
_ وكيف لي إن اخبرك وانت متعب
_ لست متعبا كثيرا اخذت بعض الأدوية المسكنة وبدأت بإعطاء المفعول فقد خصصت هذه الليلة لك فقط

بدأت الحفيدة تحكي كل ما في قلبها بحرقة ودموع وما لبث أن وضع يده على فمها واسكتها وقال لها :
_ اسكتي بالله عليك لقد اتعبني كلامك !! وانهارت الدموع من عينيه فضمها بشدة وقال لها :
_ اطلب من الله لو يمد بعمري ولو قليلا لاحاول مداواة جراحك لم أتصور بأنك حزينة هكذا وكل الأحداث جرت لك
_ ما أفعل يا جدي ان فقدتك كيف لي أن أصبر؟؟
فقال لها :
_ قال الإمام علي عليه السلام
"إذا ابتليتْ فاصبر."
لذا اصبري يا صغيرتي ولا تنسي أن الله قادر ان يشفي هذا القلب الحزين الصغير

خيم الهدوء عليهما لفترة ربع ساعة بعدها طلب ان يذهب ليرتاح قليلا
خلد كل منهما للنوم . في صباح اليومالثانيوالأخير طلب ان يصعد إلى غرفة عمرها بنفسه بعيدا عن ضجيج العائلة والاحفاد فصاعدا معه وبقيت بجانبه على كرسي ويدها بيده واطمأنت بأنه نائم فخرجت منها ونزلت إلى الدار حيث بقية العائلة

احست بأنه اليوم الأخير له فعادت وصعدت فوجدته باهت اللون منهك القوى لا يستطيع حتى فتح عينيه فقالت له :
_ لا ترحل يا جدي قاوم لأجلي
وسالت دمعة حارقة سقطت على وجهه فتح بعدها عينيه وقال لها
_ حبيبتي لا تبكي انا بخير !! نادي عمك ليعطني إبرة تخفف وجعي قليلا
خرجت من الغرفة ونادت عمها ففعل ما طلبه وقال له
_ يا أبي من المستحسن ان انزلك إلى المستشفى
_ لا داعي أريد أن أموت في منزلي
_ لا لن أسمح بذلك

جهزه وطلب من زوجة أخيه السير أمامه والحفيدة في السيارة مرهقة ساكتة دامغة لا تتكلم اي كلمة فقالت لها الام
_ لا تقلقي سيكون بخير

وما هي إلا بضعة أيام حتى فارق الحياة مستسلما لمرض انهك جسمه
انه جدي
نعم جدي الذي أفتخر به وبعمله الذي كان محل سخرية
انه ملاكي الحارس وملاذي الآمن
الله يرحمك يا جدي

القلب يميل لـ من يجتهد في احتضانـه
واستيعابـه ، واحتـواءه ، يميل لمن يصارع
العالـم لأجلـه ، من يشتاقه بلا سـبب
ويأتيـه بلا سـبب ، من يبقى بجواره للأبد