لا يُراودني الحنين يا ملاذ... إنّه يجتاحني كما لو كنتُ بيتًا لا علاقة له بالحرب، يغزوني كما لو كنتُ حُصنًا أسجنُ إحدى الملكات، ويشربني كما لو أنني الرشفةُ الأولى بعد عطشٍ طويل، لا تُراودني الرغبةُ العارِمة بأن تعود الدُنيا كلّها بحجمِ كتفينِ بين بيدي، بأن توجز كلّ كلّ الأشياء في رؤيةِ وجهك حقيقةً كما اختُصِرَ فيض وتناقض واتقاد وبهجة الروح كلّها بالحُب!
لا يُراودني الحلمُ أيضًا، إنّه يسرقني، يسرق ليلي الطويل، دقائقي القليلة في النومِ يسرقها، يسرق "الوردية" من جملة "الأحلام الوردية" لتبقى الأحلام وحدها أنت، لأنكَ كلّ الأحلام، المخيفة والمُحزنة، لا الوردية فقط!
لا يُراودني شيءٌ يا ملاذ، بل يحتلّني، يصوغني مجددًا وفقَ معاييرك، ويشكرني... لأنني صدقتُ، فمن ذا الذي يكتب لسَحابةٍ تلاشت غير عشّاقٍ علّقوا أرواحهم عليها، ويكتبون إليها رغم أنّها انقضتْ مثل اللحظات المُقدّسة، مرّةً واحدة، ويكتبون رغم أن لرسائلهم صوتٌ، وأن الردَّ الوحيد هو رَجُْعُ الصدى!
تغمرني جدًّاً يا ملاذ.
|