08-31-2016
|
|
سبب النهي عن التبكير بدخول السوق والتأخر في الخروج منها
سبب النهي عن التبكير بدخول السوق والتأخر في الخروج منها
السؤال:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها، فإنها معركة الشيطان، وبها ينصب رايته ـ فكيف يدخل الناس إلى السوق، فلابد من وجود شخص هو أول من يدخل إلى المكان، ولابد من وجود فرد هو آخر من يخرج منه؟.
الإجابــة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ترك التقدم والتأخر في الحضور للسوق والانصراف مرغب فيه، فينبغي لكل واحد أن يحرص على البعد عن الحرص والبدار للتسوق والتأخر في السوق، فقد قال ابن الحاج في المدخل: وينبغي له أن لا يدخل السوق في أول النهار حتى تطلع الشمس, وكذلك في عكسه لا يمكث في الدكان حتى تغرب الشمس، بل ينصرف قبل اصفرارها، لما قد قيل: إن أول من يدخل السوق الشياطين، ثم شياطين الإنس, وعكسه الانصراف، ووجه آخر، وهو أن من اتصف بهاتين الصفتين غالبا حاله الحرص والاستشراف، وهما مذهبان للبركة. اهـ.
واعلم أن هذا الحديث وما أشبهه من الأحاديث التي تدل على كراهة الذهاب للسوق محلها فيما كان لغير حاجة لما يخشى من مشاهدة وحضور الأفعال المنكرة بها، وأما المشي للسوق لحاجة مع التحفظ من المعاصي، فلا يكره، ولكن الأولى بكل واحد أن يترك المنافسة والحرص على التبكير إليها والتأخر فيها، فقد ثبت عَنْ سَلْمَانَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ: لاَ تَكُونَنَّ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ، وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ. رواه مسلم.
قال النووي رحمه الله: قَوْله فِي السُّوق إِنَّهَا مَعْرَكَة الشَّيْطَان، لِكَثْرَةِ مَا يَقَع فِيهَا مِنْ أَنْوَاع الْبَاطِل كَالْغِشِّ وَالْخِدَاع وَالْأَيْمَان الْخَائِنَة، وَالْعُقُود الْفَاسِدَة، وَالنَّجْش، وَالْبَيْع عَلَى بَيْع أخِيهِ، وَالشِّرَاء عَلَى شِرَائِهِ، وَالسَّوْم عَلَى سَوْمه، وَبَخْس الْمِكْيَال وَالْمِيزَان، قَوْله: وَبِهَا تُنْصَبُ رَايَته إِشَارَة إِلَى ثُبُوته هُنَاكَ، وَاجْتِمَاع أعْوَانه إِلَيْهِ لِلتَّحْرِيشِ بَيْن النَّاس، وَحَمْلِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَفَاسِد الْمَذْكُورَة، وَنَحْوهَا، فَهِيَ مَوْضِعُهُ وَمَوْضِعُ أَعْوَانه. انتهى.
وقال القرطبي: ففي هذه الأحاديث ما يدل على كراهة دخول الأسواق، ومحل هذه الكراهة لمن لم يكن له حاجة في السوق من بيع وشراء أو حسبة أو زيارة ونحو ذلك من المقاصد. اهـ.
ويدل لعدم الكراهة عند الحاجة قول الله تعالى واصفًا الرسل عليهم الصلاة والسلام: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ {الفرقان:20}.
أي: يبتغون من فضل الله فيها بالتجارة والشراء ونحو ذلك، وكان الصحابة يتاجرون ويحترفون في الأسواق، وكان ابن عمر وأبو هريرة يدخلان إلى السوق أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما، قال النووي في المجموع:
قال الماوردي وغيره: الذم لمن أكثر ملازمة السوق وصرف أكثر الأوقات إليها والاشتغال بها عن العبادة، وهذا كما قالوه لثبوت الأحاديث في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الأسواق مع نص القرآن, قال الله تعالى: وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ـ وقال تعالى: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ـ
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف ـ رواه البخاري ومسلم, قينقاع قبيلة من اليهود بفتح القاف الأولى وضم النون وفتحها وكسرها، وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السوق، فقال رجل: يا أبا القاسم، فالتفت إليه... وذكر تمام الحديث، رواه البخاري، وعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق قال: بسم الله اللهم إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها, وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها, اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة أو صفقة خاسرة ـ رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين. اهـ.
والله أعلم.
|
|
|