منتديات قصايد ليل

منتديات قصايد ليل (http://www.gsaidlil.com/vb/index.php)
-   …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… (http://www.gsaidlil.com/vb/forumdisplay.php?f=3)
-   -   كن رحيما تجد الإله رحيما (خطبة) (http://www.gsaidlil.com/vb/showthread.php?t=206179)

ضامية الشوق 03-24-2022 11:44 AM

كن رحيما تجد الإله رحيما (خطبة)
 
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدانا وَأَطْعَمَنا وَسقانا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلانا، الحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ ولا مكافئ، ولا مَكْفُورٍ ولا مُسْتَغْنًى عَنْهُ، الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسا مِنَ الْعُرْي، وَهَدَى مِنَ الضَّلالةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَى، وَفَضَّلَنا عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.



وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رافعُ السماء وبانيها، وساطحُ الأرض وداحيها، ومثبتُها بالأوتاد في نواحيها، مقيلُ العثرات، ومنيلُ الطلبات، ومجزلُ الهبات، ومضاعفُ الحسنات، وغافرُ السيئات، ومعتقُ الرِّقابِ الموبقات.

اللهُ يَا أَعْذَبَ الأَلْفَاظِ فِي لُغَتِي
وَيَا أَجَلَّ حُرُوفٍ فِي مَعانِيها
اللهُ روحِي، طُمُوحِي، رَاحَتِي، سَكَنِي
لَا أَجْتَنِي الأُنْسَ إِلَّا مِنْ مَغانِيها
اللهُ شَهْد الهَوَى والوُدُّ لَيْسَ لَهَا
فِي مُهْجَةِ المُتَّقِي شَيْءٌ يُسَاوِيها
اللهُ حُبِّي وَسُلْوَانِي وَمَا فَتِئَتْ
رُوحِي مَدَى العُمْرِ فِي شَوْقٍ تُغَنِّيها
اللهُ إِنْ جَاءَتِ الدُّنْيَا بضَائِقَةٍ
إِلَيْها فَفِيها مَا يُجَلِّيها


وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، صاحب اللواء المرفوع في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، المثبت بالعصمة، المؤيد بالحكمة، صاحب الغرة والتحجيل، المعلم الجليل، المؤيد بجبريل، المذكور في التوراة والإنجيل، اللهم فصَلِّ وسلِّم وبارك عليه كلما همع سحاب، ولمع سراب، وأُنجِح طِلاب، وقُرئَ كتاب، وسُرَّ قادمٌ بإياب، وعلى الآل والأصحاب غيوث النَّدى، وليوث الرَّدى، ومصابيح الدجى، وبعد:



فإن من الأخلاق الجليلة، والخصال النبيلة، والصفات المندوبة، والسجايا المطلوبة، خلق الرحمة والتراحم؛ إذ هو كمال في الطبيعة، ونبل في الشعور، ومِفْتاح القبول لدى القلوب، وفقدان الرحمة بين الناس فقدان للحياة الهانئة، وإحلال للجاهلية الجهلاء، والأثرة العمياء؛ فإن الناس في حاجة إلى إحساس مرهف، وكنف رحيم، ورعاية حانية، وبشاشة سمحة.



إن الرحمة كلمة صغيرة، ولكن بين لفظها ومعناها من الفرق مثل ما بين الشمس في منظرها، والشمس في حقيقتها.



لو تراحم الناس لما كان بينهم جائع ولا مغبون ولا مهضوم، ولأقفرت الجفون من المدامع، واطمأنت الجنوب في المضاجع، ولمحت الرحمةُ الشقاءَ من المجتمع كما يمحو لسانُ الصبح مدادَ الظلام.



الرحمة- يا عباد الله- في أفقها الأعلى وامتدادها المطلق، صفة المولى تباركت أسماؤه؛ فرحمته- سبحانه- شملت الوجود وعمت الملكوت ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156].



فحيثما أشرق شعاعٌ من علمه المحيطِ بكل شيء، أشرق معه شعاعٌ للرحمة الغامرة؛ ولذلك كان من صلاة الملائكة له: ﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7]، ﴿ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 163].



وَسِعَ كُلَّ شَيءٍ رَحْمَةً وعِلْمًا، وأَوْسَعَ كُلَّ مَخْلُوقٍ نِعْمَةً وَفَضْلًا، فَوَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيءٍ، وَوَسِعَتْ نِعْمَتُهُ كُلَّ حَيٍّ، وَبَلَغَتْ رَحْمَتُهُ حَيْثُ بَلَغَ عِلْمُهُ.



وفي الصحيح: "إِنَّ اللهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ، كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاق مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ"[1].



وفيه أيضًا: "لَمَّا قَضَى اللهُ الْخَلْقَ، كَتَبَ فِي كِتَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ: إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي"[2].



﴿ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 54]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أَوْجَبَها عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ؛ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَإِحْسَانًا وَامْتِنَانًا[3].



فانْظُرْ إِلَى مَا فِي الْوُجُودِ مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ؛ فَبِرَحْمَتِهِ أَرْسَلَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا كِتَابَهُ، وَعَصَمَنَا مِنَ الْجَهَالَةِ وَهَدَانَا مِنَ الضَّلالةِ، وَبَصَّرَنا مِنَ الْعَمَى، وَأَرْشَدَنا مِنَ الْغَيِّ، وَبِرَحْمَتِهِ عَلَّمَنَا مَا لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ، وَأَرْشَدَنَا لِمَصَالِحِ دِينِنَا وَدُنْيَانا، وَبِرَحْمَتِهِ أَطْلَعَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَبَسَطَ الْأَرْضَ، وَجَعَلَهَا مِهَادًا وَفِرَاشًا وَقَرَارًا وَكِفَاتًا لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ، وَبِرَحْمَتِهِ أَنْشَأَ السَّحَابَ وَأَمْطَرَ الْمَطَرَ، وَبِرَحْمَتِهِ وَضَعَ الرَّحْمَةَ بَيْنَ عِبادِهِ لِيَتَراحَمُوا بِهَا، وَكَذَلِكَ بَيْنَ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْحَيَوانِ.



﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].



﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73].



﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].



﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الروم: 46].



﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].



﴿ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى ﴾ [الروم: 50].



ومن رحمته عدم مؤاخذة الناس بذنوبهم، أو عقابهم بأخطائهم ومعاصيهم، وأنه لو فعل لعاجلهم بالعذاب، ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 58].



﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ ﴾ [الأنعام: 133].



ومن رحمته: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].



ومن رحمته: أن أنزل كتابه رحمة، كما قال سبحانه:﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20].



﴿ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 203].



﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].



وغايات أولي النهى، ومطالب أولي العزم، وأمنيات أرباب الهمم:

كما قال موسى: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأعراف: 151]، أو كما قال سليمان: ﴿ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴾ [النمل: 19].



ورحمة الله تنال بطاعته، وعمل الصالحات، كما قال سبحانه:

﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النور: 56].

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴾ [الجاثية: 30].



وتقوى الله عز وجل، والتماس مرضاته من أسباب رحمته– سبحانه-:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 28].



﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].



عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاةَ اللَّهِ فَلا يَزَالُ بِذَلِكَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عز وجل لِجِبْرِيلَ: إِنَّ فُلانًا عَبْدِى يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي، أَلا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلانٍ، وَيَقُولُهَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُمْ حَتَّى يَقُولَهَا أَهْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ، ثُمَّ تَهْبِطُ لَهُ إِلَى الأَرْضِ"[4].



وبالاستغفار تُستَدَرُّ رحماتُ العزيز الغفار: ﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46].



والاعتصام بالله بابٌ موصلٌ لرحمته:

﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾ [النساء: 175].



ورحمته– سبحانه- قريبة من أهل الإحسان:

﴿ وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56].



وأقرب الناس من رحمة الله أرحمُهم لخلقه:

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ"[5].

وقال: "لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ"[6]، "مَنْ لا يَرْحَمِ النَّاسَ لا يَرْحَمهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"[7].

من يرحمُ النَّاسَ فالرحمنُ راحِمُهُ
ويكشفُ اللهُ عنهُ الضُرَّ والباسَا
ففي صحيح البخاري جاء متصلًا
لا يرحمُ الله من لا يرحمُ النَّاسَا


قَالَ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: "ارْحَمُوا تُرْحَمُوا وَاغْفِرُوا يَغْفِرِ اللَّهُ لَكُمْ، وَيْلٌ لأَقْمَاعِ الْقَوْلِ، وَيْلٌ لِلْمُصِرِّينَ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"[8].



وقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تَرَاحَمُوا" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا رَحِيمٌ، قَالَ: "إِنَّهُ لَيْسَ بِرَحْمَةِ أَحَدِكُمْ وَلَكِنْ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ"[9].



عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ وَأَنَا أَرْحَمُهَا، أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا، فَقَالَ: "وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ"[10].



وقال: "لا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ"[11].

بَادِرْ إلَى الْخَيْرِ يَا ذَا اللُّبِّ مُغْتَنِمَا
وَلَا تَكُنْ مِنْ قَلِيلِ الْخَيْرِ مُحْتَشِمَا
وَاشْكُرْ لِمَوْلَاك مَا أَوْلَاك مِنْ نِعَمٍ
فَالشُّكْرُ يَسْتَوْجِبُ الْأَفْضَالَ وَالْكَرَمَا
وَارْحَمْ بِقَلْبِك خَلْقَ اللَّهِ وَارْعَهُمُ
فَإِنَّمَا يَرْحَمُ الرَّحْمَنُ مَنْ رَحِمَا
إنْ كنتَ لا ترحم المسكين إن عَدِما
ولا الفقير إذا يشكو لك العَدما
فكيف ترجو من الرحمن رحمته
وإنَّما يرحم الرحمنُ من رَحِما


تأمل قوله تعالى: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة ﴾ [البلد: 11 - 18].



قال الطاهر بن عاشور: خَصَّ بِالذِّكْرِ مِنْ أَوْصَافِ الْمُؤْمِنِينَ تَوَاصِيَهمْ بِالصَّبْرِ وَتَوَاصِيَهمْ بِالْمَرْحَمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْرَفُ صِفَاتِهِمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ الصَّبْرَ مِلَاكُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ كَبْحِ الشَّهْوَةِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَذَلِكَ مِنَ الصَّبْرِ، وَالْمَرْحَمَةُ مِلَاكُ صَلَاحِ الْجَماعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وَالتَّوَاصِي بِالرَّحْمَةِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ، وَهُوَ أَيْضًا كِنَايَةٌ عَنِ اتِّصَافِهِمْ بِالْمَرْحَمَةِ؛ لِأَنَّ مَنْ يُوصِي بِالْمَرْحَمَةِ هُوَ الَّذِي عَرَفَ قَدْرَهَا وَفَضْلَهَا، فَهُوَ يَفْعَلُهَا قَبْلَ أَنْ يُوصِيَ بِهَا[12].

أيها الناس أطيعوا ربكم
وصلوا القربى جميعًا والرحم
وارحموا من في الأراضي إنما
يرحم الرحمن منكم من رحم


فيا أيها الإنسان، ارحم الأرملة التي مات عنها زوجها ولم يترك لها غير صبية صغار ودموع غزار، ارحمها قبل أن ينال اليأس منها، ويعبث الهم بقلبها؛ فتؤثر الموت على الحياة.



ارحم الزوجة أمَّ ولدك، وقعيدةَ بيتك، ومرآةَ نفسك، وخادمة فراشك؛ لأنها ضعيفة، ولأن الله قد وكل أمرها إليك، وما كان لك أن تُكَذِّب ثقته بك.



ارحم ولدك، وأحسن القيام على جسمه ونفسه، فإنك إلا تفعل؛ قتلته أو أشقيته فكنت أظلم الظالمين.



ارحم الجاهل، لا تتحين فرصة عجزه عن الانتصاف لنفسه؛ فتجمع عليه بين الجهل والظلم، ولا تتخذ عقله متجرًا تربح فيه ليكون من الخاسرين.



ارحم الحيوان؛ لأنه يحس كما تحس، ويتألم كما تتألم، ويبكي بغير دموع.

كن راحمًا لجميع الخلق منبسطًا
لهم، وعاملهمُ بالبِشْر والبِشَر
من يرحمِ الناسَ يرحمْه الإله كذا
جاء الحديث به عن سيد البشر


ومن موجبات الرحمة كذلك: السماحة في البيع والشراء والاقتضاء (عند أخذ الحقوق):

عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى"[13].



والتحلل من المظالم من موجبات الرحمة:

روى الترمذي من حديث أَبِى هُرَيْرَةَرضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِي عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَجَاءَهُ فَاسْتَحَلَّهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ حَمَّلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ"[14].



عباد الله، كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: "يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ"[15].



وكان يقول: "دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ"[16].

إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا
وأيُّ عَبْدٍ لَكَ لا أَلَمَّا


رب رُحماك بطفل لم يجد في قلوب الخلق قلبًا يرحمه، أنت مولاه الذي يستنصره.



أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 147].



قلت ما سمعتم وأستغفر الله.



الخطبة الثانية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

شرح الله صدر عبدٍ بمعرفته، ومنَّ عليه بحلاوة مناجاته، وأطلق لسانه متوسلًا برحماته قائلًا: اللهم إنَّك قلتَ وقولُك الحقُّ:﴿ فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [المائدة: 39]، وأنا تبت من بعد ظلمي؛ فارحمني.




فإنْ لم أكن أهلًا لذلك، فإنَّك قلتَ وقولُك الحقُّ: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، وأنا مؤمن فارحمني.


اللهُمَّ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَهْلًا أَنْ أَبْلُغَ رَحْمَتَكَ، فَإِنَّ رَحْمَتَكَ أَهْلٌ أَنْ تَبْلُغَنِي، فإنَّك قلتَ وقولُك الحقُّ: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 156]، وأنا شَيْءٌ فَلْتَسَعْنِي رَحْمَتُكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.


فإنْ لم أكن أهلًا لذلك، فأيُّ مصيبةٍ أعظمُ من مصيبتي؛أن تضيق عني رحمتك التي وسعت كل شيء؟!


وأنا أقول كما علمتنا: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156].


وأنت تقول وقولُك الحق: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة: 156، 157]فارحمني.



عبد الله:

كن رحيمًا تجد إلهًا رحيمًا = وانصرنَّ المظلومَ تُنجد وتُنصر



أيها السعداء، أحسنوا إلى البائسين والفقراء، وامسحوا دموع الأشقياء، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.


﴿ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 109].



﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].



﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [المؤمنون: 118].



﴿ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286].

ترانيم عشق 03-24-2022 12:03 PM

سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص إحترامى

عـــودالليل 03-24-2022 01:25 PM

أناقة طرح وجاذبيه
إهتمام و..

اجتهاد واضح في الطرح
وذائقة عالية المستوى

استمعت النفس بما مرت عليه هنا،،،
فبهذا العطاء سنرقي

من أعماق القلب أشكرك

اخوك
محمد الحريري

ملكة الجوري 03-24-2022 03:29 PM

جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

دلع 03-24-2022 04:21 PM

كـــ العادة إبـداع رائـع
وطرح يـسـتـحـق المتـابـعـة
بـــــ انتظار الجديد القادم


:
مع التحية والتقدير ..

نجم الجدي 03-24-2022 07:56 PM

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

نظرة الحب 03-24-2022 10:50 PM

سلمت أناملك على الجلب المميز
اعذب التحايا لك

المهرة 03-26-2022 04:07 AM


http://wahjj.com/vb/imgcache/3098.imgcache.png


بااارك الله فيك وفي جلبك
وطرحك الطيب
جزااك الله عناا كل خير واثابك الجنة
عرضهاا السموات والارض اشكرك
وسلمت الايااادي يعطيك ربي الف عافية
تحيتي وتقديري وبانتظااار جديدك دمتي
وكوني بخير


http://wahjj.com/vb/imgcache/3098.imgcache.png










































ضامية الشوق 03-28-2022 04:56 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ترانيم عشق (المشاركة 4238987)
سلمت على روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا روعه مواضيعك
لكـ خالص إحترامى

يسلمو على المرور

ضامية الشوق 03-28-2022 05:39 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عـــودالليل (المشاركة 4239048)
أناقة طرح وجاذبيه
إهتمام و..

اجتهاد واضح في الطرح
وذائقة عالية المستوى

استمعت النفس بما مرت عليه هنا،،،
فبهذا العطاء سنرقي

من أعماق القلب أشكرك

اخوك
محمد الحريري

يسلمو على المرور


الساعة الآن 01:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية