|
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
ذات مقيدة حول عنق إمرأة / 42 الفصل الاول
الجزء الثَّاني و الأَرْبَعون
الفَصْل الأَوَّل ماضٍ شَجَرة التُّوت لا زالت تَنْتَظِر مَوْسم نُضْجَها،مُتَسَرْبِلة بأوراق خَضْراء داكِنة تُشْبِع العُيون.. لها أغصان تَتَجانَف بإغْراء جاذِبة الطُّيور المُهاجِرة لتَسْتَقِر بظَعْنها فَوْق مَيلانها المُمَيّز..مائلة لا في السَّماء و لا في الأرض..و كأنَّها في الهواء قَد نُحِتت..و منها تَدَلَّت سيقان ثِمار التُّوت الحَديثة المَنْبت..،كانت صَغيرة،مُصْطَبِغة باحْمرار شَهي باهت،كما شُعاع شَمْس تَسْتَعِد للإشْراق..مثلما يُحِب تَماماً..،يَقِف أَمامها بطوله المُتناقض مع سنوات عُمْره العَشْر و ابْتسِامة غُرور فِطْري تَغْفو فَوْقَ شَفَتيه..نَسيم ما بَعْد الظَّهيرة يُداعب خصلات شَعْره النَّاعمة،و كأنَّ الهَواء يَجيء و يَذْهب لاثِماً وَجْنَتِه النَّاعِمة،و التي لا زالت تَقْتات على الطُّفولة البَريئة..،تَقَدَّمَ بخطوات ثابتة ناحيتها حتى لامَست رُكْبتاه جِذْعها الخَشِن..رَفَع كَفَّيه الصَّغيرتين.ثَبَّتَ أَطْراف أَصابعه بين شُقوقها التَّاريخية،و من الأسْفَل ثَبَّتَ قَدَميه..أَخْفَضَ جَسَدهُ للأسْفَل ليَجْذِبهُ بعد لحظات للأعْلى مُبْتَدِئاً تَسَلُّقه..،لم تَكُن الشَّجَرة طَويلة،كان تَسَلُّقها يَسْتَغْرِق منهُ نصف دَقيقة فَقَط،فهو قد حَفِظَ مَواضِع شُقوقها و احْتَرَف المَشْي على جذْعها العَجوز..،الْتَقَطَ لهُ كَميَّة وَفيرة تَكْفي حاجته و بخفَّة قَفَز للأرْض قَبْل أن يَجْري بابْتسامة واسِعة نَحْو المَنْزِل تاركاً الحَديقة..دَلَف للداخِل لتَسْتَقْبِلهُ والدته التي عَلِمت أين هُو بعد أن انتبهت لاختفائه.. و بتأنيب نَطَقَت و هي تَرى ملابسه،:يُمَّه فيصل شوف شنو سويت في ثيابك "اقْتَرَبَت منه لتَشِدَّهُ بخفَّة من ذراعه مُرْدِفة" جم مرة قايلة لك لا تركب الشجرة و توصخ نفسك ؟ "أشارت للتوت الذي جَمَعه كما كُومة وَسَط سُتْرته" يُمَّه يبَقّع التوت،ما يروح بالغسيل نَطَق ببساطة و هو يُحاول أن يفلت من يَدها،:يُمَّه عادي..ثيابي لونهم أسْود ما يبين هَزَّت رأسها بقلّة حيلة و هي تَمْشي معه للداخل،:ما في فايدة وياك..على طول عندك رد محد يقدر عليك نَطَق و عَيْناه على باب المَطْبَخ،:انتظري يُمَّه..بروح اغسله و اجي اوزعه عليكم تَركت ذراعه مُعَقّبة بأمر،:خل الخدَّامة تساعدك مو توصخ المكان و هو يَجْري مُبْتَعِداً،:ان شاء الله و كما اعْتاد أَفْرَغ حُمولته في طَبَقٍ غَزير لونهُ أَخْضَر..و كأنَّهُ يُعيد الثّمار لأوْراقها..غَسَلهُ بنفسه دون مُساعدة الخادمة..فهو لا يَقْبَل أن تَنْتَقِص رُجولته..هُو كَبير و يَعْرف جَيّداً كيف يُدير أُموره وَحْده..،بعد أن انتهى احْتَضَن الطَّبق بكَفّيه،ثُمَّ و بهدوء خَطى قاصِداً غُرْفة جُلوس مَنْزل جَدّه التي يَجْتمع وَسَط دِفْئها عائلته كُل جُمْعة..و هُناك اسْتَقْبَلوه بضحكات و تعليقات مُتباينة..والدهُ عَلَّق بابْتسامة مازِحة،:عاد اللحين جينا للشروط شاركهُ أبا حَنين،:أول مَرَّة اشوف هَدِيَّة بشروط تَجاهل تعليقاتهم المُحاولين بها مُشاكسته و بدأ بدَوْرته..كان يَتَعَمَّد أن يَبْدأ عند عَمَّته لينتهي عند التي ابْتَدَع قَطْفه لأَجْلِها....أو لأجل ما تَمْتَلِكُه..،مَدَّ لها الطَّبق و بأدب،:تفضلي عَمَّتي ضاقت عَيْناها مُتَّخِذة بملامحها دَوْر المسْكينة مُحاولة دَرَّ ثِمار عَطْفه،:حَبيبي فَصَّول أنا عمتك و تدري شكثر أحبّك ابْتَسَم لها بخفَّة و هو يَعي مَقْصدها..و بثقة،:و أنا بعد أحبش عمتي..بس ما يدخل حبي و حبش في التوت "كَرَّر و هو يُشير للطَّبق برأسه" تفضلي باسْتسلام مُضْحِك،:أَمْري لله..ثَلاث ثلاث..مثل ما تبي يالمُدير قَرَّبَهُ من جَدَّته من بعدها لتَقَول مُجَرَّبة حَظَّها،:زين حبيبي فيصل أنا جدّتك..أنا الا على طُول واقفة في صفّك..عطني أكثر من ثلاث حَبَّات دَنا منها مُقَبّلاً رأَسها قَبْل أن يُعَقّب بمنطقيته،:ماما عوده ما يصير أكثر..لازم بس ثلاث..عشان كل من ياخذ نفس الشي و ما يخلص أَصْدَرت صُوت مستنكر و هي تَرْنو إليه بطرف عَينها،:حاسبهم بعد..شوي و تقول بالوزن "و هي تَلْتَقِط لها" اشوف في شي عدل..عاد إنت ما تنتظره ينضج،تجيب لنا الحامض انْتَقَل لعَمّه أبا عَبدالله بعد أن انتهت من اقْتناء ما طابَ لنَفْسِها..و واصَل دَوْرته المُعْتادة إلى أن تَوَقَّف عندها..هي كانت نهاية الحَلَقة،تَتَوَسَّط والدتها و مُحَمَّد..بجسدها الصَّغير مُلْتَصِقة بأخيها و كَفَّيها مُتَعَلّقِتان بذراعه القَريبة..،هي انْتَبَهت لوُقوفه..ابْتَسَمت و عَدَستاها تَتَراقصان على التُّوت المُتَبَقّي..كُن ثمان ثَمَرات..رَفَعت عَيْنيها الواسعتين مُسْتَأذنة،:آخذ ؟ هَزَّ رأسه بالإيجاب و هو يَتَطَلَّع لها و الحَماس يَدِبُ من مُقْلتيه..تَناولت ثَلاث كما الباقي لتُخَلّف عُقْدة غَضَب بين حاجبيه..الْتَفَت يُمْنةً و شِمالاً يَتَأكَّد من انْشغال الجَميع عَنْهُما..انْحنى بخفَّة لها،تَرَكت يدهُ الطَّبَق الذي خَفَّ وَزْنه مُعْتَمِداً بإمْساكه على واحدة فقط.. بأصابعه أَبْعَد عن أُذنها تَمَوُّجاتها الرَّقيقة ليَهْمس بتَوْبيخ،:جِنان يالغَبيَّة..جم مرة اقول اخذي خَمس حَرَّكَ عَدَسَتيه لتَسْتَقْبلان البَراءة اللَّامعة وَسَط جَنَّتيها..نَطَقَت بخُفوت،:هم ياخذون بس ثلاث حَرَّك رأسه بالنَّفي،:إنت لا مو ثلاث..اخذي خَمْس "أشار للطَّبق" يله اخذي ثنتين بعد هَزَّت رأسها بموافقة،:زيــن تناولت اثنتان لتَضُمَّهما للثَلاث السابقات..نَطَق بأمر،:اكليهم الْتَقَطَت إحداهما من كَفَّها..قَرَّبتها من فَمِها الصَّغير،و بخفَّة قَضَمت منها و عَيْناه تُراقبانها بدِقَّة مُتناهية..هُو لو لُوحِظَ من قِبِل الكِبار لتَعَجُّبوا من مُتابعته لها..لكن من حَظّه أنَّ الجَميع مَشْغولون عنه في الحَديث..،هي ما أن اسْتَطْعَمت مَذاقَها الحامِض حتى باغتَها احْتراق دَمَعت منهُ عَيْنها و احْمَرَّ منهُ أَنْفها..و شَيء يُشْبِه الفَرْقَعة لاَزَم عَضلات فكّها..نَطَقت بملامح مُنْكَمِشة،:حـــاامض قال بنبرته الآمِرة و هو يتراجع للخلف،:حتى لو حامض كليهم كامل بطاعة،:اووكي "مالَ رأسها و هي تَلْعق التُّوت بلسانها قَبْلَ أن تقول بابْتسامة" شُكْــراً فيصل برِضا لَوَّح من عَيْنيه،:عَفْــواً جِنان ,، حاضر تَصَوَّر أن يَجِدَها على حالِها المُنْطوي و الرَّسائل تَحُفّها..أو أن تَكُون قَد هَرَبت إلى الأريكة..مَخْدَعَها المُفَضِّلة حَواسَها أن تَخْتَنِق بين ضِيقه على أن تُفْضَح تحت مِجْهَر عَيْنَيْه،تَرْجُمان بَوْحَها الجَبان..هو أَيْضاً تَوَقَّع أن يأتي و لا يَجِد لها أثر..فبالطَّبْع شظاياه لا يَتَحَمَّلَها قَلْبُها المُدَلَّل..،لكن ما لم يَخْطُر على باله و لو للحظة أن يُبْصِرها و هي بهذا المَنْظَر الجَريء و جِدَّاً! الأَضْواء المُنْبَعِثة من المَصابيح تَنْبُض بِوَهْن..و كأنَّها تَكادُ تَتَلاشَى..حَوْض الإسْتحمام قد امْتَلَأَ برَغْوة كانت سُتْراً لجَسَدِها المُضَّجِع وَسَطَه..مُسْنِدة رَأسَها للحائط خَلْفَها و العَيْنان قَد حَجَبَ سِحْرَهُما إغْماضٌ مُسْتَرْخي..أناملها النَحيلة اسْتَقَرَّت عند صِدْغها،و ملامحها الثَّرِيَّة الجَمال ارْتَدَت سُكُون جَذَّاب،تَعَلَّقَ وَعْيُه بأَطَرافه المُرَفْرِفة بإغْراء..،مالَ في وقوفه مُتَّكِئاً بكَتفه على إطار الباب..مَسَّ زاوية فَمَه بطرف لسانه،قَبْلَ أن يَتَسَاءَل بخُفوت،:ليش ما تردين ؟ و كأنَّ حُروفه لم تُغادِر حَنْجَرته لتَسْتَقِر وَسَط أُذُنيها..هو حتى لم يُبْصِر حَرَكة بين أَهْدابها..،زَمَّ شَفَتيه لتَسْتَويان خَطَّاً كان هو الفاصِل بين صَبْره و انْفجار أَعْصابه..أَرْخاهما ليُناديها بصَوْت أَعْلى ارْتَدى حِدَّة مُحَذِّرة،:حَنيـــن تَحَرَّكَ رَأسُها بطَريقة تَنُم عن الإنزعاج،و من بين شَفَتيها الطَّريتين هَرَبَت زَفْرة جَليدية لَسَعَت جَواه المُتَضَرّر منها حدَّ اليأس..أَزاحت رأسها عن الحائط بالتوالي مع انْخِفاض يَدَها لتَغيب أَسْفَل الرَّغوة البَيْضاء الكَثيفة..أَكْمَل بأمر و هو يتراجع ناوياً إغلاق الباب،:خلصي بسرعة ابي الحمام ببرود مَدْروس،:أعتقد في حمام غيره عَلَّقَ مُمسِكاً بخيط البُرود ذاته،:أعتقد اهني أغراضي اعْتَلى حاجبه و هو يراها كَيف تَمْتَمَت بخفوت و بملامح مُنْكَمِشة تَحْكي لهُ ضيقها..تَجاهلها كُليَّاً مُتراجعاً للخلف ليُغْلِق الباب..تَقَدَّمَ حتى اسْتَقَرَّ وسَطَ الغُرْفة و هو يَخْلَع سُترته و بنطاله مُكْتَفِياً بسرواله الداخلي الساتر حتى نصف فخذه..،التفت للباب ليُبْصِرها و هي تُخْفي جَسَدها أسْفَل رداء اسْتحمام مالت منهُ شَفَتاه سُخْرِيةً..كان قصيراً جدَّاً،يقف عند بداية فَخذها،و عند الصَّدْر كانت تَشِدُّه بأناملها المَطْلية أظافرها بِلَوْن داكن جَذَب أنظاره..بكَيْد أبْرَزَت من خلاله بياض بَشْرتها الصَّافية من شوائب..،خَطَت ناحيته و العَيْنان تُطالعِان ما حَوْله إلا هُو..مَرَّت من جانبه بالْتصاق للحد الذي تَرَك كَتِفَها بَلَلَهُ على ذراعه العارية..بطَرَف عينه رنا للماء الغافي فوقها قَبْلَ أن يَرْتَفِع جِفناه ليُناظرها من خلف كَتِفه، و في وسَط عَدَستيه الْتَمعَ شَكٌّ بدأ يُحيك خُيوطه حَوْل أَفْعالها الغَريبة هذه..،تَرَكها أمام المرآة تُرَطّب بَشَرة وجهها دالفاً لدَوْرة المياه يُزيح عنهُ ما تراكم من تعب طوال فترة غيابه عن المنزل..تَعَبٌ أَتَت بهِ رياح التَّفْكير المُتَّجِهة جَنوباً نَحْو أَرْض الحْنين العَصِيَّة..ها هي الآن تَصْدِمَه بردَّة فعل مُعاكِسة لتوقعاته،لم يَتَنَبَّأ بها لكي يُواجهها بالسِّلاح المُناسب..أَغْمَض عَيْنيه المُجْتَرِعَتان إرْهاق تَجَلَّى بين ملامحه..أَتْخَمتيني تَعَباً حَنيني..ابْتَسَم بحُبٍ مُر لم يَذُق حَلاوته بَعْد،و الماء يَنْهَمِر من فَوْقِه يُحاول أن يُرَشّح ذَّاته الضائعة خلف غُبار التَّهْميش..هي أَطْعَمَتهُ شَهْداً غير مُصَفَّى،بانت لهُ سُمومه بعد أن خُلّدَت أُنوثتها وسط روحه..آآآهٌ من حُبكِ حَنين،يُبيعني الوَجَع لا نَشْوة أَتوه منها عن بُؤس الحَياة..انتظرتكِ أَعْواماً واقفاً عند بَوَّابة البَوح،مُتَيَقّناً أنَّ أَحْضانَكِ هي المفتاح لها..أرْدتُ أن أحْكي لكِ عن أُمي،و عن كَفناً أبْيَض جَمَّدَ دفىء جَسَدها..أَردتُ أن تَمْسَحين عن شَعْري غُباراً تَكاثَف إثْر هُجْران يَدَيها الحَنونتين..أن تَحضنيني بالقُبَل و تَقْرَأين صَمْتي فوق صَفْحة مُقلَتَي..أَردتُ أن أُخْبِرُكِ عن غَصَّة آلمت قَلْبي و أنا أَلْمَحُ دَمعُ أبي يُحَلّقُ حَماماً زاجِل،يَبْعَث شَوْقَه و رسائل فَقْده لقبرٍ صامت اغْتَسَلت تُرْبته بدمع شقيقاتي..،أَرَدتُ و أَردت،و لا زلتُ أريد،و الحَكايا أَغْصانٌ لا يَتَوَّقف نُموها من جذع قَلْبي الذي يَخْشي أن يَنْهَب المَوْتُ نَبْضه،و الحاجَّة لا تزال تُنادي بين حُجُراته بهمسٍ مَخْذول..،غادرَ دورة المياه مُتَّجِهاً مُباشرة لغُرْفة الملابس ليَرْتدي سروال مَنامته تاركاً صَدْره حُرَّاً يتنفَّس بضع نَسَمات،مع اسْتسلام خصلات شَعْره لتجفيفه بالمنشفة الصَّغيرة..،ما إن اسْتَقَرَّت قَدماه على أَرْضية غُرْفة نومهما حتى اخْتَرقت أَنْفهُ رائحة قَويَّة نَتَجَ عنها عُطاس انْكَمَشت منهُ ملامحه..هَمَسَ بعد أن توقف و هو يَمس أنفه بظاهر يده،:الحمد لله "أَرْدَفَ باسْتنكار بملامح بَعْثَرها الإنْزعاج" شنو حاطة ؟ أجابَت ببرود مُسْتَفِز و هي التي لا تزال تقف أمام المرآة بعد أن ارْتَدَت ملابسها،:عطر..يعني شنو حاطة! تَقَدَّم ناحيتها بهُدوء مُعَلّقاً بجديَّة غَلَّفَت صَوْته و عُقْدة بين حاجبيه،:اللي اعرفه ان عطر بهالقوة يستخدمونه للمُناسبات..مو للنوم ! "و هو يَتْرك مَنْشَفته حول عُنقه" شنو تبين تختنقين و إنتِ نايمة ؟ اسْتَدارت ثُمَّ خَطت مُتجاوزته إلى السَّرير و هي تُجيب بعدم اهتمام لا تعي حَجْم القَهَر الذي يُضْرمه في صَدْره،:والله اذا إنت بتختنق اطلع نام برا تناولت الصُّندوق و أمام ناظريه حَشَرتهُ في الدُّرج قُرب رأسها ثُمَّ شَرَعَت تَفك عُقْدة رداء النَّوم الأَبْيض..فَتَحَ فَمَهُ يُريد أن يُعَقّب على قِلَّة ذَوْقِها،لكنَّ ما انْعَكَسَ وَسَط عَدَستيه نَهَبَ الكلمات المُتَعَلّقة بلسانه..الإنْزعاج بَرح وَجْهه تاركاً المَجال للتَعَجُّب أن يَسْتَقِر بين طَيَّاته..اعْتَلى حاجبه يُتَرْجِم عدم استيعابه لمَظْهرها المُنْفِر..كان جَسَدها مُنْطوي أسْفَل قماش أَبْيض لو خَلعته لكان أَرْحم..ليس من ديدنها أن تَرْتدي مثل هذه الملابس الجَريئة أمامه ! و علاقة شَهران لا يعتقد بأنَّها تستطيع أن تُزيح الحَواجز بينهما بهذه السُّرعة..خُصوصاً بالنسبة لها..هي التي يَهفو قَلْبه لخَجَلِها الرَّقيق..،اضَّجَعَت دون أن تَلْتَفِت لنظراته مُسْتَعِدَّة للنَّوم بهُدوء ظاهري..هو تَحَرَّك بخطوات أبْطَأها التَّفكير،عَلَّقَ المنشفة،أَغْلَقَ الأضواء ثُمَّ أَخذ يَشُق طَريقه في الظَّلام جهة السَّرير..انطوى في مكانه و هو يُشْعِل المصباح بجانبه لتَتَّضح ملامحها المُغْمَضة لعينيه المُتَفَحّصَتين..بقي لثوانٍ يَطوف بُستان وجهها المُزْهِر و سُكون اللَّيْل عَزَفَ موسيقى صامِتة،وَشْوَشت لهُ بنوايا هذه الأنثى المفَضوحة حَدَّ جَهْلِها بمدى شَفافيتها أمام عَيْني روحه..،هي اسْتَشْعَرت تَحْديقه بها،لذلك سَمَحت لجفنيها بالكَشْف عن عَسلها المُصَفَّى ليَنْعَقِد بَصرها ببصره السَّارِح..ازدردت ريقها و بُرودة حاصرتها تُزَعْزِع جُرأتها المُهترئة..و بوَجْسٍ مبحوح،:شتبي تطالعني ؟ رَمَش بخفَّة ثُمَّ اسْتَلْقى هامساً،:ولا شي..تصبحين على خير زَفْرة مُصْمتة غادرت صَدْرها بارْتياح و هي تراه يُلْقيها ظَهْره..أغْمَضَت عَيْنيها بشدَّة و جسدها ينكمش أَسْفَل الغطاء،و في رأسها اعْتَلى صَخْبُ كَيْد أنْساها أن تنطق بـ"و إنت من أهل الخير"..فما يَجوس طُرق عَقْلها الصَّدئ لا يَعرف الخَيْر أَبداً..، ,، انْطَوَت في زاوية غُرْفَتها و الأَضْواء أَعْلاها تَسْتَرِق النَّظَرَ بخُفوت..فَوْقَ السَّرير اسْتَراح جَسَد صَغيرتها يَتَنَعَّم بنومٍ هانئ..،كانت تُناظِر ما غَفى وَسَط الحَقيبة بعَيْنٍ دامِعة،دَمْعٌ لهُ طَعْمُ حَنين..تُداعِب شَفَتيها ابْتسامة مائِلة فَوْق سُفوحٍ من مَرارة..حاَوَلت أن تُلْبِسها رِضا لكنَّها فَشَلَت..الآن و في هذه اللحظة فَشَلت..لكنَّها تَرْجو أن لا يَكون فَشلاً سَرْمدي..يَحْتَكِرُها مَدى الدُّهور..يَجب أن تَجْتَرِع حَقيقة خَسارتها إليه..هي خَسَرَته قبْلَ أَعْوام..لكنَّ الخُسْران اليَوم سيَجْعَلهُ حِلَّاً لأُنْثى غَيْرها..،رَفَعت يَديها تَتَشَرَّب بظَاهرهما ماءُ عَيْنيها الجامِد دُون هُطول..أَرْجَعَت خُصْلاتها خَلْف أُذْنيها ثُمَّ مَدَّت يَدها مُتناولة العُلْبة..فَتَحتها لتُرْسِل لَمْعة الألْماس ارْتعاشة لخلاياها،تُعيد لها ذِكْرى تلك السَّاعة..اسْتَنْشَقت الهواء بعُمْق..ثُمَّ زَفَرت تُرَشّح صَدْرها من الشَّهقات..فلا طاقة لها لكَسْر ضلْعٍ جَديد من أَنَّة قَلْب مَجْروح..،بنعُومة أَزاحت إحْداهما من مَخْدَعها..و بهدوء أَسْكَنتها أُذنها اليُمْنى..تُعيد الطَيْر لعُشّه،و تُوْدِع قَطْرة يَتيمة في رَحْم سَحابة هاجَرت كُرْهاً..،ارْتَدَت الثَّانية و رَفيف مَشاعر قُبْلَتيه ناغى قَلْبها..حاولت و بصعوبة أن تَتَجاهلها..و نَجَحَت بعَيْنان مُغْرَقَتان و حَلْق مَوْجوع من غَصَّة..،أخيراً أَغْلَقَت الحقيبة دون أن تُطيل النَظَر أكْثَر..فَلو مَرَّت بقافِلة ذكرياتها على الفُسْتان الأسْود..ستطلع الشَّمْس و هي لا زالت تُكَفْكِف دَمْعها..،تَرَكَتها قاصِدة دَوْرة المياه..تَوَضَّأت و الرُّوح مُشْتاقة لطَبيبها،و مُشْفي عُلَلَها..بثَوْب صَلاة اصْطَبَغَ بلون البَحْر تَوَجَّهت إليه..تُقيم لَيْلاً أراد أن يُباغتها مُودِعاً ساعاته بين صَفَحات الكآبة..لكنَّها سَئِمَت و الوِحْشة قد بَصَقَت سَوادها على شَبَابها..لا تُريد فَصْلاً آخر من الألم..لها الله و لا غَيْره،سَيَحْفَظها و سَيُعيد الرَّبيع إليها..بإذنه تَعالى..، ,، أَغْلالٌ من بُؤس نَحَتَت آثارَها حَوْلَ رُوحه مُذ لَطَمَتهُ الدُّنيا بيَدِ اليُتْم..كانَ طِفْلُها المُدَلَّل و أَمْسى طِفْلاَ مَذْلول..سِيقت بَراءته إلى طُرُقَات مُعَبَّدة بجَمْرٍ يُلْهِب أُمْنياته..يَحْرُقَها و يُصَيّرها رَماداً يَتوه من كَفّي رِياح عاتِية،يتناثر في بقاعٍ مُدْلَهِمَّة،يُسْتَعْصى على عَيْناه الفَقيرتان من ضَوْءِ حَياة أن تَتّبعان آثاره،لعَلَّهُ يَجْمَع شَتاتهُ ليَعيش..بذاتٍ ضائعة يَعيش..،المَطَرُ يُواصِل انْسكِابه بالقُوَّة ذَّاتها،يَغْسِل الأرْض و لا يَغْسِل الرُّوح..هُو لم يَكُن يَشْعُر بصَبيبه المُتَطارد،فجُلَّ حَواسِه مَشْدوهة للذي اخْتَرَق أٌذنه بلا رَحْمة..لا تُشْفِق عليه تِلكَ الصَّغيرة..لا تُشْفِق على حُبّه،بل هي لا تَراه..أَيُعْقَل أنَّها لا تَراه ؟ لا تُبْصِر تَيْه عَدَسَتيه كُلَّما اسْتوى وَجْهُها مِرآته..و لا تَسْتَمِع لهَدير نَبْضاته إذا قَرَّبتها الدُّنيا منه..تُقَرّبها ثُمَّ تَخْطفها بَعيداً..ليَنوح الشَّوْقُ بلا حيلة بين حُجُرات قَلْبه..هي حتى لا تَلْتَفِت لارْتباك الأَنْفاس و اصْطدامها بأضْلاعه حينما يُرافقهُ طَيْفُها المُسْتَحيل..مُسْتَحيلةٌ أنتِ يا نُور..و كأنكِ أَقْسَمتِ أن لا تَبيعينَني مِشْكاة نُوركِ،لأُضيئ عُتْمة ذّات رَجُلٍ مَنْسي..نَعَم أنا مَنْسي،و في وَطَن الغُرْبة أَضيع..و ما أَقْسى من أن تَغْتَرب بين وَطَنٍ و عائِلة..،قَدَماه شَقَّت طُرقات دُبْلُن كما عَجَلات قِطار وَجَّه سِكَّته للوادي الأخير..حَيثُ الإرْتواء أو الذَّبح من عَطَشٍ سَقيم..أَنْفاسه أَسْهُم تُغادر صَدْره المُتْعَب..حَدَّ الإخْتناق مُتْعَب،و عَيْناه شَوَّشَ رؤيَتهما سائلٌ حارِق،لا يَعْلم هل كان وَدَقاً،أم دَمْعٌ باغَتَهُ فَوُلِدَ من رَحْم مُقْلَتيه..،دَقائق فَقَط تلك التي حَمَلته من مَوْضِعه إليها..دَلَف من بَوَّابة الفُنْدق الرَّئيسية مُتَجاهِلاً رَجُل الأمَن الذي حاوَل بلسانه أن يَمْنَعهُ من الدُّخول و هو بهذا المَنْظَر..ثيابه قَد أَثْقَلَها بُكاء السَّماء و باتت تُفْرِغ حِمْلَها على الأَرْض التي تَمَسَّها قَدَمَيه..،قَصَدَ السَّلالم لتُقِلّه للأعلى،و كأنَّ عَقْلَهُ قَد نَسي شيءٌ يُسَمَّى مَصْعَد..،ظِلَّ يَرْكَب و الأنْفاس تَتَصاعَد بشَهيقٍ و زَفير مُسَنَّنان الأطْراف،يَحْتَكَّان بقارعة صَدْره ليَعْلو صَوْت يُشْبِه صَرير بابٍ صَدِأ..يَرْكَب و الذَّات تُبْصِر المَسير طَويلاً..و كأنَّه لا يَنْتَهي إلى بَرّ أمان..،أَخيراً وَصَل للطَّابِق المَنْشُود..بدأ يَخْطو و هو يَلْتَفِت يُنَبّش بين أَرْقام الغُرف المُنْتَشِرة..و هُناك في الزَّاوية اليُمْنى انْطَوى الباب لوَحْده..سَرَّع من خُطواته و حينما أَصْبَحَ أمامه تَلَقَّفَت يَدَهُ المِقْبَض و الأُخْرى ابْتَدأت موسيقى طَرْق مُزْعِجة تَداخلت بشَعْواء مع صَخْب المَطَر..، ، كان النَّومُ غَريباً عَنها،لا يَعْرف طَريقه لحواسَها المَضْنِيَّة..فَهْد و هي ! كيف وافقت ؟ كيف نَطَقتها لوالدها ؟ كيف اسْتطاع لسانها أن يَتَلَفَّظ بها..بلا تَفْكير أجابته "ايــه يُبــه موافقة " المُوافَقة تلك سَتَعْقِد أُنوثتها به..سَيَكون رَجُلَها الذي يُحَرَّم عَلَيْها التَّفْكير في غَيْره..سَيُسْجَن قَلْبها من جَديد، و القُضْبان سَتَضيق لتَمْنَعِها من التَلَصُّص على حَبيب عُمْرِها..ستُجْبِر عَقْلَها..قَلْبها و حَواسها على بَيْع حُبّه الثَّمين على النِسيان..،أَغْمَضَت عَيْنيها بشِدَّة،وَ جَسَدها انْكَمَشَ يَحْمي رُوحها من شَظايا الواقِع المُتَجَبّر على قَلْبها..يُريد أن يَكْسُره لا أن يُجْبِر كُسور ماضيَّة شَوَّهت يَناعة حُبّه..،تَصَافَقَت أَهْدابها من صَوْت سارة المُتَجانس مع ارْتطام القَطَرات بالأرْض في الخَارج،:نُور قُومي كلميني و لا تتهربين شَعَرَت بها و هي تَجْلس على السَّرير من خَلْفِها لينْكَمِش جَسَدها أَكْثر..و كأنَّها تَهْرُب منها و من أَسْرار احْتَفَظَت بها في بِئر صَدَاقَتها الوَفِيَّة لأعوام..أَكْمَلَت سارة و هي تَلْتَقِط طَرَف الغِطاء تُحاول أن تُزيحه عَنها،:أنا مو مستعوبة كميَّة الغباء اللي استحوذ عليش ! "شَدَّت كَتِفها بقوَّة حتى اسْتدارات لها بنصف جَسِدها و العَيْنان مُتَوَرّمتان من جَمْر دُموع..أَرْدَفَت و القَهَر تَشَعَّبَ في صَوْتها" شلون توافقين على فَهد ! لا و قبله ترفضين طَلال "و باسْتنكار ساحِق أَرْفَعَ حاجبيها" ترفضين طَلال عشان توافقين على فهد ! شنو من غباء كان في عقلش حَزَّتها ! نَظَرَت لها و قَوارب أَسَى تَطْفو وَسَط بَحْر مُقْلتيها..و بحَشْرَجة،:هـ ـذا اللي لازم يصيـ ـر اسْتدارات تُريد أن تَعود لشَرْنَقة اخْتبائها لكن كفَّي سارة كانتا أقْوى..ضَغَطَت على كَتفِها بيد و الأخْرى قَبَضَت على ذِقْنها لتُثَبّت واحَتي الغَرق بعَيْنَيْها الحادَّتين..نَطَقت و الكَلِمات تَعْبر من بين أسْنانِها كَما سَيْفٌ يُسَل،:نُـــوور لا تقهريني..أنا أعرف أي كِثر تحبين طلال..و أي كثر تمنيتين يكون زوجش و أبو عيالش..ليش يوم جتش الفرصة تعطينها ظهرش ! اقْتَلَعت صَوْتَها من عُقْر غَصَّاتها ليَخْرُج مَبْحوحاً مَسْلوب القوِى،:لأنَّ ما يصير نرتبط سارة..ارتباطنا مُسْتحيـ ـل شَهْقّة اخْتَنَقَت من ضَياع حُلْم انْتَصَفَت الحَقيقة..فالمُسْتحيل يَقِف سَدَّاً مَنيعاً بين لقاءهما و تَحْطيمه يَتَطَلَّبُ حَرْب،ستُشْعِل أَحْقاداً غُلِيَت من نيران وَساوس ابْتَدَعتها والدة عبدالله..لا تُريد أن تَخْسَر الثِقَّة التي بالكاد اسْتطاعت أن تَبنيها بأساسٍ ضَعيف وسط روح غَيْداء..لا تَقْوى على سِهامٍ من عِتاب تَرْشقها عَيْنيها الصَّامتَتين..بصمتها ستَقول لها أنّني كُنت أَعْلم بخيانتكما..أعْلمُ أنَّ قَلْبكِ كان يُولّي وَجْهه شَطْرَ طَلال..و أَعْلَمُ أن عَبْدالله قد طُعِن في ظَهْره و هو أسَفاً غَير عالم بحقيقة اليَد التي أَوْجَعَته..،هَمَسَت سارة و هي تُبْصِر الضَّياع المُحَلَّق حَوْلَ وَجْهها،:نُور قلبش للحين يحبه..ما نساه حتى يوم كنتِ على ذمَّة عبدالله..كل اللي أتعبش نَفي حبه عن قلبش عشان ما تخونين زوجش..تبين تعيشين هالتعب من جديد ؟ تبين ترتبطين برجَّال غيره و تظلين طُول عمرش خايفة تجي لحظة و تخونين زوجش لأنش اشتقتين للي يبيه قلبش ؟ اذا إنتِ قادرة إنش تعيشين هالرُّعب من جَديد كملي و تزوجي فهد..كملي هالغباء و انحري سعادتش بيدش برَجاء انْعَقَد في صَوْتِها انْعِقاد الورقة بغُصْنِها،:ســـارة لا تكلميني بهالطريقة..والله تعبـ ـانة ما اتحمـ ـل الجِديَّة لم تُفارق ملامحها..و صَوْتها اسْتعار حِدَّة نادِراً ما تُلازمه،:و هالتَّعب بيتضاعف اذا استمريتين على هالقرار..فكري بعقل نُور و انسي عبدالله شوي..خلاص انتهى اللي بينكم و كل واحد من حقه يكمل طريقه بدون تدخل أي أحد..ادري إنش خايفة تجرحينه اذا تزوجتين خاله..و أدري بعد إنش شايله هم غيداء و شكوكها..أمه و أهله و أهلكم "شَدَّت على كَتِفها بمَلَق و رأسَها يَميل بنعومة كنعومة الإبْتسامة التي داعبت شَفَتيها..و بهمس رَقيق" حبيبتي لا يهمش أحد..فكري بنفسش و حياتش..سعادتش أهم من كلامهم و تفكيرهم،أهم شي إنتِ واثقة من طُهرش..و واثقة إنش صنتين عبدالله..خلاص عيشي..تجاهلي كل شي و عيشي أَعيش ؟ بين ثَنايا كابُوس أَسْوَد أعيش ! كيف لي أن أُبْحِر وَسَط أَمْواجٍ سَوْداء..تَهَدْهِد قاربي الأعْزَل لتَطْرحني عند شاطئ لهُ رِمال آسِنة..تُذَر على جِراحي و أنا اتَوَجَّع بآهاتٍ بَكْماء حتى لا أُفْتَضَح..،قَرَّرتُ أن أعيشَ في كَنَفِ عبد الله بعد أن انْتَبَذ من ظَنَنتهُ حَبيباً صَمْتاً جَبان..انْتظرتُ منه اعْتراض شُجاع،أو كَلِمة بَسيطة بها هُو يُخْبِرهم أنَّهُ يُريدني..أنا له و هو لي..لكنُّه ابْتَسَم لي فَرِحاً ليُؤكّد أنَّ ما نما في قَلْبي نَما وَحيداً دون أن يُسْقيه بماء حُبّه الذي ظَنَنت..و أَسَفاً أنَّه لا زال يَنْمو..أُسْقيه من بَحْر دَمْعي بعد أن كُنْتُ أَرْويه من أنْهار سَعادتي بهِ..نعم كُنْتُ سعيدة بك و من أجْلِك طلال..و كُنْتُ اقْطِف من عُمْرِي السَّعادات لأُهْديها لذَّاتك الطّفْلة..البَريئة من أَحْقاد..فتلك التي وبالرَّغم من سوئها إلا أنَّك أحْبَبتها..و أحْبَبت الأرْبع معها..لا زلتُ أذْكُر عندما أخْبَرْتني بلُطْف قَلْبك ذّات مَساء..و آهٌ من ذكريات حَوَت عالمي و لم تَفُك رَقَبتي..حتى الآن أنا جارية لها،تُناديني بهَسيسٍ خافِت في كُل ليل لتُعاشر قَلْبي المُشْتاق لمَشاعر تَفَجَّرت حينها..ليت الذّكْرى تَعود لتَمْضي مَعنا..نَسْتعيدها بحلاوتها و بأحاسيسها..و نَسْتَشْعِر الحَياة بها..ليتها تَعود لعَلَّ عَوْدُها يَنْتَشلني من قُيود حاضر مُوْحِش لا يَعْرف الفَرح..و إنّما هو للضَّجَرِ قد خُلِق..،هَمَسَت سارة التي كان تَقْرأ هذْيان نُور في حَدَقتيها المُضطربتين..،:كلميني نور..كلميني عشان ترتاحين فَتَحت فَمَها لتَقُول بملامح مُتَصَدّعة،:زيـن إذا بعديــ انْفَجَر صَوْت طَرْق الباب راجِفاً أَوْصالهما..كلتيهما التفتا للباب و عَيْنيهما قد ابْتَلَعهما اتّساع مَرْعوب..هَمَسَت نُور بتأتأة،:شـ ـشصاير ! وَقَفت سارة و الخَوف يَجوس طُرقات وَجْهها..نَطَقت و هي تَخْطو للباب،:بشوف من هذا تَوَقَّفَت أمام الباب..مَسَّتهُ بأناملها و هي تُقَرّب رأسها لتَنْظُر من خلال العَيْن السّحْرية..اتَّسَعت حَدقتيها لتَهْتُف بعدم تصديق،:هذا طَــلال ! وَقَفَت نُور مَلْسوعة من ذِكْر اسْمه..و بتلقائية اسْتدارت تَنظر للسَّاعة المُشيرة للثانية بعد مُنتصف اللَّيْل..ازْدَرَدت ريقها المُتَحَجّر و الذُّعْر يَحْفُر خُطوطه على وَجْهها..تَبادَلت النَّظَرات مع سارة و كلاهما تَعْلمان بمَدى جُنون الذي يَقِف خَلْف الباب..إلهــي رُحْماك ! ,، يتبع |
11-12-2019 | #2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
بصعوبة اسْتَطاع أن يَنْتَشِل جَسَدَهُ المُنْهَك المَشاعر من دفىء السَّرير،لم يَزر النَّومَ عَيْنيه،و إنَّما سُهادٌ ثَقيل اتَّكَأ فَوْقَ جِفْنيه،كُلَّما ألْبَسَهما إغماض يُنَبّش عن الرَّاحة باغَتَهُ وَجْهها المَنْحوت بين طَيَّاته كَلِمات عِتاب..و سَحَابَتاها المُثْقَلَتان حَدَّ الغَرَق تُلَوِحَان له..تَبْحثان عن سَماء أَمان لتَنْتَحِبان وَسَطها،تُفْرِغان شَكْوى أُصْمِتت بين قَلْبٍ و نَبْض..،بالكاد اسْتطاع أن يَغفو بعد أن حَيَّت الشَّمسَ غُرْفَته بأشِعَّتها المُتَلَصّصة عليه من أَطْراف السَّتائر..،اسْتَحم و ارْتَدى ملابسه..قَميص و بنطال مُصْطَبِغان بَسواد كَئيب يُتَرْجِم دَواخله..تَخَلَّى عن بذْلَته الرَّسْمية اليَوم،بطريقةٍ ما يَشْعُر بأنَّها تُقَيّده..أو تَزيد ثِقْل رُوحه..،كان خَارِجاً من جناحه عندما قابَل والدته التي بَعَثت لهُ ابْتسامة حَنان نِصْفها اطْمئنان..بادلَها بابْتسامة خَفيفة لم تَنْثِر صِدْقها على مَلامحه..هَمَسَ بَعد أن قَبَّلَ رأسها،:صباح الخير أجابته و هي تَتّجه للسُلَّم معه،:صباح النور بعد عمري..شلونك حبيبي ؟ ما شفتك البارحة مَسَّ صدغه بسَبَّابته مُجيباً،:زين يُمَّه..البارحة رجعت متأخر البيت و كنتِ نايمة..ما حبيت أزعجش خَطَت و هو يَتْبَعُها للطاولة المُسْتَقِر فَوْقَها إفْطار خَفيف أعَدَّتهُ قَبْلَ أن تَسْتَحِم..تَساءلت و هي تَتَّخِذ مَكانها،:كنت مع رَبعك ؟ هَزَّ رأسه نافِياً ليُوَضّح بعد أن اسْتكان على يَمينها،:لا كنت مع جَنى..لعَّبتها و عشيتها "زَفَر و هو يدعك ما فَوق حاجبه الأَيْمن مُرْدِفاً" احسها تمللت من هالرّوتين..في لُنْدن كان عندها صديقاتها و مدرستها اسْتَفْسَرت و هي تُسْكِب لهُ الحَليب،:تفكّر ترجع تستقر في لندن ؟ ضَحَكَ بخفَّة و عَيْناه تُراقِبان البُخار المُرْتَفِع من الكُوب،تُقارنان بينه و بين دُخَّان أَسْود اشْتَعَل بين حُجْرات قَلْبه تحت سَماء لُنْدُن..أجاب بهمس لهُ لَحْن إرْهاق ارْتَسَم حَوْل محجريه،:لا يُمَّه..صحيح أحِن لها..بس تظل غُربـه،ما اقدر أعيش فيها طول العمر تَناول منها الكُوب الأَبْيَض شاكِراً بهمس..رَفَعهُ لفَمه ناطِقاً بالبَسْمَلة في سِرّه..ارْتَشف قَليلاً بعَقْلٍ سارِح..غادَرَ رأَسه مُسافِراً لليالٍ تَسَرْبَلت بظلامٍ دامِس..تَمْرَق رداءَها الأسْوَد لتَخْتَرِق فُؤاده..تُوْجِعه و لا تَهْديه قَمَراً يُضيء فَوق جِراحه،لعَلَّهُ يُعاينها بقَهَرِه..،رَمَشَ بخفَّة لصَوْتِها الذي عادَ بنَبْرة لم يَسْتطع عَقْلَهُ الغائِب سَبْرَ أَغْوارها،:غَريــبة ما سألتني ! نَظَرَ لها بملامح ارْتَدَت بَراءة عَدَم الفهم..وأَسَفاً أنَّهُ لم يَفْهم،رُبَّما لو فَهِم لتَجاهلت نسيانه و الذي يُؤكّد انْشغال فِكْر قَلْبه عن تلك اليَاسمين..تساءَل،:عن شنو ؟ أَخْفَضَت رأسها قَليلاً تَرْميه بحجارةٍ من نَظَرات،لها نُتوء مُؤنّبة،:شنو إنت نَسيت إنّي البارحة خاطبة لك! ارْتَبَكَت ملامحه و تَبَعْثَرَت خُطوطها..أَخْفَضَ الكُوب بالتوالي مع انْخفاض جِفْنيه،يَتَسَتَّران على ضِيقٍ تَكالب وَسَط بَياض مُقْلتيه..هَمَسَ وهو يَعْبَث بأطراف أنامله حَوْل حَواف الكُوب،:نسيت..انْشغلت في شي و نسيت "نَظَرَ لها مُرْدِفاً كما طِفْل خَجِل" يُمَّه أنا جمعت أغراض جِنان و عطيتهم إياه ارْتَفَع حاجِبها و بابْتسامة مائِلة تُريد بها تَلْطيف الجَو عَلَّقَت،:تفضّي المَكان لياسمين..إلى هالدرجة متأكّد من المُوافقة ظَنَّت أنا سَترى ابْتسامة..نصف ابْتسامة أو حَتَّى شبه ابْتسامة..لكن ما أَبْصَرته هُو عُقْدة اسْتكانت بين حاجبيه،على إثْرها الْتَهَم العُبوس مَلامحه..هَمَسَ ببحَّة خاوية من مشاعر..باردة تُجَمّد كَلمات الطَّرف الآخر..،:لا..ما فضّيت المكان لها "أَكْمَل مُوَضّحاً" من قبل أنا مقرر بشتري شقة مُلك لنا العُقْدة زارتها ناثِرة اسْتنكاراً على وَجْهها،:بنقول أَرْضك ما يمدي تبنيها في مدَّة قصيرة..بس بيت أبوك موجود تروح تسكن في شقة ؟ مالَ رأسه و هو يَتَرَاجع للخلف يُناديها بنَبْرة أُغْرِقت في بَحْرٍ من رَجَاء،بانت أَمْواجه العاتية حَوْل عَيْنيه المُرْهَقتين،:يُمَّــــه أَطْبَقَ شَفَتيه فَقيراً من كَلِمات خانت لسانه و لم تُعنه على دَرْأ الضّعف المُتأزّم في روحه..لم يَعْتَقِد و لو لوَهْلة أنَّ اخْتياره صَراحةً لُأنْثى غَيْرها سَيُصَيّره رَجُلاً مُكَبَّل القِوى..مُسْتَسْلِماً بكيانه لذكرياته معها،و لمشاعره المُشْتاقة إلى أن تَتَمَرَّغ تحت قَدَميها..فَفي أَعْماق ذَّاته الصافية من كبْرياء..و البَريئة من قَسْوة،في البُؤرة التي انْبَجَسَ منها مَنْبَع الحُب المُرْوي أَرْضَ الجِنان.هُناك..هَمَسَ صَوْتٌ رَهيف،يُعْلِن بشَجاعة عُبوديته لها..لكنَّ يَدُ الكِبْرياء الضَّخْمة أَصْمَتت حتَّى الأنين المُشْتاق لرائحة تُرابها الخَمْري..،هي اسْتَشَفَّت من ضَياع عَيْنيه مَقْصَده..فقَلْبه لا يَقْوى بأن تُنْحَت مكان ذكرياتهما حاضِره مع أُنْثى غَيْرها..نَطَقت تُوَجّه سِياق الحَديث لمَجْرى آخرَ و هي تدهن قُطْعة الخُبْز بالجُبْن،:عطوني الموافقة في نفس الوقت..أهلها مبين عليهم الفرحة "قَضَمَت من الخُبْز لتُكْمِل بعد أن اجْتَرَعت اللُّقْمة" صَراحة توقعت يكون الموضوع حَسَّاس بالنسبة لهم..بما إنّك منفصل و عندك بنت..و هي ما سبق لها الزواج عَقَّبَ بصَراحة،:اثنينا كنّا نحاتي ردَّة فعل أهلها بهالخصوص..بس أبُوها صدمني ذاك اليوم..فعرفت إن هالشي ما يهمهم ابْتَسَمَت بحُب فَخُور،:أهم شي يكون المتقَدّم لبنتهم رَجَّال آدمي..و إنت ما يحتاج أمدحك رَدَّ لها الإبْتسامة مُتَمْتِماً،:الحمدلله أَكْمَلت ترْسم لهُ الخطوة التالية،:بعد ما يرجع أبوك و إختك لازم تروحون تطلبونها من أبوها و تتفقون على كل شي..المهر و موعد الملجة و هالسوالف هَزَّ رأسه مُوافقاً و بهَمْس،:على خير ان شاء الله ,، وَصَلَهُ اتّصال عَبْدالله مُبَكّراً..هُو لم يَنَم،فبعد أن عاد من منزل شَقيق مَلاك قَضى اللَّيْل بين زُحام مَكائنه و أَسْلاكه،لعَلَّ التَّفْكير يَخْجَل من أن يُزْعِجهُ في خُلْوته مع عِشْقه..لا يُريد أن يُفَكّر في ردَّة فعل ملاك بعد أن تعرف طلبه..أو طَلبيه بالأحرى..والدتها أخَبرتهُ بانَّها ستُأجّل مُحادثتها لأيَّام..فهي لا تَرى أنَّ وضعها يسمح بالإنْخراط في دَوَّامة مُعَقَّدة تُسَمَّى بالزَّواج..، ،:سَلام رفع رأسه لعبدالله المُقْبِل و عباءة الإرْهاق تَعْتليه..رَدَّ بهمس و هو يَعود ببصره لما بين يَديه،:عليكم السَّلام تَوَقَّفَ بجانبه ناطِقاً بصَوت ناعِس،:فيني النُّوم و مو قادر حتى اوقف..بس ادري اذا ما جيت لك ما بقدر انام..فاريّح راسي من اللحين احسن ارْتَفَع حاجبه ببرود مُعَقّباً بعدم فهم،:شصاير ! شقاعد تخربط إنت ! نَطَقَ و يَدهُ تنحشر في جَيْب سرواله،:سؤال بس و ابي جواب سريع عشان امشي "مال في وقوفه و هو يَرْفع يده أمامه ليُديرها بتساؤل" إنت تعرف شي عن حادث عَمَّار ؟ تَوَقَّفَت حَرَكة أًصابع لثوانٍ مع تَعَلُّق عَدَستيه بسنابك ذِكْرى الحادث التي مَرَّ طَيْفُها أمام عَيْنيه..عَبْدالله انْتبه لاسْتكانته لذلك نَطَق بثقة،:وااضــح إنّك تعرف أشياء..و الدليل الكلام اللي قلته يوم شفت السيارة تَرَك أداته قَبْلَ أن يتناول الخُرْقة المُلازِمة كَتفه..مَسَح كَفّيه ثُمَّ أعادها لمَخْدعها و هو يُعَلّق ببرود،:ماشاء الله توك تنتبه لكلامي تَجاهل بروده المُتَحَوّر لسُخرية ناطِقاً بجديَّة،:انا عرفت معلومات خطيرة من رائد و صديق ثاني لعمَّار..و جملتك اللي قلتها بخصوص السيارة خلتني اقتنع من كلامهم تَساءل بهدوء،:و شنو كلامهم ؟ أجابَ و الحُزْن قد خالَطَ جدّيته،:عَمَّار انقتل محمد..ما كان حادث..كان قَطــ قاطعه و هو يَتّكئ بباطن كَفّيه على جوانب السيارة،بكلمات باردة كما جَليد قَيَّد حَواس عَبْدالله المُرْهَقة،:قتلوه عن طريق قطع شريانه العضدي اللي ينزف منه ثلاثة لتر دم في الدقيقة..و الجسم فيه بس خمسة لتر..اتخلصوا منه في دقايق و بطريقة ذكيَّة بعدين رموه في سيارة مشوهَّة مُسْبقاً..عشان يقنعون الجميع إنَّه مات في حادث سيَّارة طَبيعي ,، ماضٍ للتو عادَ من عَمَلِه المُمْتَد لساعات طَويلة لا يَلْتَفِت لها من كِثْرة أَشْغاله..مَرَّ عُشْرون عاماً و هو لا زال يَتَسَيًّد تُجَّار البَلَد..اشْتَهَر ببيع باللُّؤلؤ الطَّبيعي و الذَّهب البَحريني النَّفيس..رُبَّما كان مَحْظوظاً لأنَّهُ الإبْن الوَحيد لأكْبر تاجر لُؤلؤ..وَرَثَهُ و وَرثَ منهُ الذَّكاء الحاد..و من خلال سياستهُ في العلاقات اسْتطاع أن يُشارك العَديد من تُجَّار الذَّهب حتى احْتَرَف صنعتهم ليَنْفَرد في مَساره الخاص..عبدالإله عبدالله..اسْمٌ شَهير يتداولهُ النَّاس بالخَيْر و الإبْتسامة المُحِبّة..فغناه لم يَطْمِس بَياض قَلْبه الشَّبيه بالقُطْن..كان غَنِيَّاً في دينه و دُنياه..لذلك يُبارك الله في رزقه سنة بعد سنة،و الشُّكْر لا يَتْرك لسانه قَط..،اسْتَحَمَّ سَريعاً يُزيح بعضاً من غُبار التَّعب عن كاهله..ارْتَدى ملابسه بمًساعدة زوجته الحَبيبة..قَبْل أن يَسْبقها للغُرْفة التي اعتادوا أن يتناولون فيها الوَجبات..،دَلَفَ و الإبْتسامة تُناغي وجْهه ذو الشَّعْر الأشْيب..فهو قد ذَرَّف على الأرْبعون منذُ أعوام..رَكِضن إليه الفتيات الصَّغيرات تُقَبّلن يَده الحَنونة و هو يُبادلنهن الحُب بعباراته المُنْتَشِية دِفْئاً خاص..،تَوَسَّط سُفْرة الطَّعام المُمْتَدة على الأرض ببساطة..جال بعَيْني اطْمئنانه عليهن حتى تَوَقَّفَت عَدستيه على زوجته مُسْتَفْسِراً،:وين مَلِكَة أبوها ؟ أجابت و هي تسكب الماء في الكُؤوس،:بلقيـس في غُرْفتها..تقول تعبانة حتى المدرسة ما راحت اتَّكأ على رُكْبته ناطِقاً بتأنيب تَكَوَّنت على إثْره عُقْدة بين حاجبيه،:ليش توش تقولين نَطَقَت عندما وَقَف،:اقعد اتدا بعدين شوفها عَقَّبَ بحزم و هو يبتعد،:لاا..أول شي اتطمن عليها تَرَكهن عائداً للأعْلى حيث تَوَزَّعت الغُرف..تَوَقَّف عند باب غُرْفَتِها طارقاً إيَّاه بهدوء و هو يُنادي بود،:بابا بَلْقيس يصير ادْخل ؟ انْتَظَر جَوابها لكن لم يَصْطَدم بمَسْمعيه سوى الصَّمْت..نَطَقَ يُنَبّهها،:بابا أنا داخل أَخْفَضَ المِقْبَض فاتِحاً الباب لتَتَّضِح لهُ مَعالم الغُرْفة السَّاكنة..خَطى مُقْتَرِباً من السَّرير الذي كانت مُتَكَوّمة أَسْفَل غِطائه..جَلَسَ خَلْفَها و هو يَقول بحنان و كَفُّه تَحُط على رأسِها،:يا بعد عُمْري شفيش ؟ من شنو تعبانة ؟ لم يَرْتَفِع صَوْتها و إنّما ارْتَفَعت أنَّة تَصَدَّعت منها مَلامحه عَطْفاً..فَتَح فَمه يُريد أن يُكْمِل لكن يَدهُ التي أزاحت الغِطاء عن كتفها دون قَصَد كَشَفت لهُ ما الْتوى منهُ عِرْق وَسَط قَلْبه..قَبَضَ عليه ليُديرها إليه بالكامِل..اتّساع مُخيف أحاط َ عَيْنيه مع انْطلاق كلماته بصوتٍ كالفَحيح،:من شنو هذا ! كان وَجْهُها قد وقَعَ صَريعاً بين يَدي احْتقان مُخيف..دَمٌ قَد جُفَّ عند زاوية فَمها و آثار لأصابع قاِسية بُصِمت على جانب خَدَّها و عُنُقِها..،أَغْمَضَت عَيْنيها و الدَّمْع مِدْرارا..فَرَّت منها شَهْقة لَطَمت خَدَّه..رَفَعت كَفَّيها تُخْفي هَطيلها المُوْجِع و هي تُناديه بارْتعاش مَرْعوب،:يُــ ـيـ ـبه يُبـــه انْجْلى الغطاء عن صَدْرها من تَحَرَّكِها ليَنْعِكس في عَدستيه حالها الرَّث..شَعَر برُوحه تُسْتَل من قَدَميه..دُوار حاصَرَ رأسه و الأنْفاس قَد غادرت صَدْره تُنْذره باخْتناق قَريب..أَغْمَض عَيْنيه يَبْحَث عن بَقاء يُجَلّد روحه لدَقيقة فقط..بهَسيسٍ مَذْبوح الصَّوت سأل و يدهُ بارْتجاف لامست عُنُقِه،:مــ ـمن..من اللي سوَّاها..من الكلـــب من بين فَراغات أَصابعها نَظَرت إليه قَبْلَ أن تَطْعَنهُ بخَنْجَر الخِيانة،:نـــ ـاصر ,، حاضر أَنْهَى القَمَرُ اطْمِئنانه على أَرْضٍ ضَعَّفَ سُكَّانها من سَواد لَيْله المُوْحِش..لم يَجِد ما يُسْقي ضَوْءَهُ المُنير سَعادة..كُلُّ الذي انْعَكَسَ على سَطْحِه كان مُتَوَشّحاً بالكآبة..حتى أنَّه اسْتَسْلَم في الهَزيع الأخير من اللَّيْل،و قَرَّرَ أن يُكْمِل مَبيته خَلْف سِتارٍ من سُحُب رَمادية،فلَوْنُها الآسِن يَسْتَطيع أن يَجْتَرِع المَرارة المُقْتَرِنة بدِماء بَني آدم..،الشَّمْسُ على النَّقيض نَشَرَت أَشِعَّتها بكبْرياء لا يَمُوت،حتى و لو أُغْرِقت الأَرْض حُزْناً،و اسْتَوَت الجِبال مآتِم لجَر قصائد النَّعْي و الأسى..وإن صَيَّر الفَقْدُ الحَياة بَلْقعاً من سَعادات فهي لن تَنْحَني أَبَداً..ففي إشْراقِها يَقْبَعُ الأمَل..فإن كَبَّلَتها رِياح الدَّنيا الخانِقة فمن أَيْن لهم الأمَل ؟ و هي التي أَرْسَلَها الله لتُنير كَوْناً تُهَدّده شَياطين الإنس و الجان..،قُرابة التَّاسعة و الرُّبْع غادَرت دَارها في الطَّابق الأرْضي مُتَوَجَّهة للغُرْفة التي أَصْبَحت لإبْنتها..طَرَقت الباب بهدوء ثُمَّ دَخَلت مُتَوَقّعة أن تُبْصِرها مُضَّجِعة بانْكسار على السَّرير..لكنَّها وَجَدتهُ هذه المَرَّة مُقْفِراً من جَسَدها الباكي و الغطاء قَد انْطوى بتَرْتيب فَوْقه..جَنَحت لدورة المياه ليَسْتَقْبِلها الباب المَفْتوح نِصْفه و الأَضْواء المُطْفَأة..دَفَعَته و هي تُنادي بشك،:مَــلاك رَجْفة بَعْثَرَت نَبَضاتها عندما اصْطَدَم بَصَرها بخُلُوّه..اسْتَدارت بسُرْعة بوَجْهٍ خُطِفَ لَوْنه تاركةً الغُرْفة و لسانها بدأ مُناداته القَلِقة،:مــلاك..يُمَّــه مَلاك وينش ؟ مَــلااااك بَحَثَت في المَطْبَخ..في غُرف الجُلوس المُنْتَشِرة..المَجْلِس الدَّاخلي و الخارجي..حتى الحَديقة قَطَعت أَرْضَها بقَدَميها المُنْتحبتين و لم تَجِد لها أَثَر..عادت للدَّاخِل و الشَّمسُ قَد تَرَكت آثارها المُتَوَهّجة فَوق وَجْنتيها..قابَلتها حُور التي نَطَقت بخَوْف فَوْر رؤيتها لتَخَبُّطها،:عمتي شنو فيــه ؟ قَرَّبَت يَدها من صَدْرها قابِضة على المَوْضِع الذي تَخْبو عنده النَّبَضات و تَذْوي قُوَّتها..مال جَسَدها بإعياء على الحائط بجانبها و هي تَهْمس بأنْفاس مُتَقَطّعة أَجْهَدها الذُّعْر،:بنتـ ــ ـي ..مـ ـلاك مادري وينها..بنتي مـ ـلااك
|
|
|