اعتلال الأفهام أشد خطرا من اعتلال الأجسام

يصاب الإنسان بالأمراض وربما تردد على المشافي طمعا في الحصول على دواء ناجع يعيد إليه صحته وحيويته ، إلا إنه حين يرى الأصحاء لايزالون في فسحة من أمرهم فهو قد يغبطهم ويتذكر أيامه الخوالي حين كان يرفل في حلل العافية ، فيخيم عليه الحزن وتسود الحياة أمام ناظريه لكنه بشيء من الصبر والاحتساب والتفكر ستنتابه حالة من الرضا والتسليم لأنه يعلم أن المؤمن يؤجر حتى على الشوكة حين يشاكها. وليس ذلك إلا للمؤمن والحمدلله فالكافر لايجد هذه الميزة ذلك أن صحته حين تذهب أويمرض فقد خسر كل شيء وحين يموت يكفي أنه كافر. والعياذ بالله. إذن لايغر أحد بصحته وشبابه وبإقبال الدنيا عليه فلابد له مِن لحظة وهن وضعف فقد تتكالب عليه الأمراض إلى درجة يفقد فيها الاعتماد على الذات ولهذا فالشاعر حين قال: والذي حارت البرية فيه. حيوان مستحدث من جماد. يصور حال هذا الإنسان الذي هو في أصله من طين ونهايته إلى طين وتحدث منه أمور تدعو للحيرة لكن أحبتي هناك ماهو أعظم خطرا وأشد فتكا ألا وهو اعتلال الأخلاق والانسلاخ من القيم والمبادئ بين بعض البشر. نعم في هذا الزمن المادي ترى العجاب من الأمور. فتجد البعض من الناس يصلي ويخشع في صلاته ويصوم ويتصدق ويذهب الى مكة أغلب فترات السنة لكنه والعياذ بالله تجد في ذمته مظالم لم يؤدها لأصحابها. تجد بعضهم يسطو على ممتلكات الناس ويعتدي على حقوقهم وإذا حاز أمتارا ليست له تنمر وكشر عن أنيابه ووقف وكأنه هو المظلوم وماذاك إلا لجرأته في الباطل وأمنه من مكر الله فهو قد أوتي وجها ذهب ماؤه ولسانا يجيد سبك الكلام وقلب الحقائق وأسلوبا ملتويا فقد يضلل الحكم وأحيانا يلجؤون إلى الحلول القبلية والتي قد تكون لها اشتراطات ما أنزل الله بها من سلطان وأصحابها هم على شاكلتين فصنف منهم يحكم عدلا ولاتأخذه في الحق لومة لائم ويقول للمخطيء أخطأت وهذا الصنف نصرة للمظلوم بإعادة حقه وللظالم حين يرده عن ظلمه فهو أبان الحق وذكّر المعتدي أن عليه أن يرعوي عن غيه ويتذكر أن نهاية هذه الرحلة الدنيوية إلى حفرة مظلمة لن يدخل مع المرء إلا عمل صالح ينير قبره أو عمل فاسد يفسد عليه آخرته التي إليها مآله وهناك فئة من أهل الإصلاح وفعلهم يناقض هذه الكلمة نذرت نفسها لخدمة الباطل وأهله والوقوف معه جنبا إلى جنب فتراها تقف إلى جانب القوي وتبذل كل السبل لإرضائه وذلك فضلا عن السكوت عن ظلمه وتجيير الأمور لصالحة ثم يصدرون حكمهم بعد أن نثروا عقولهم على حد زعمهم وتنتهي الأمور ويبقى صاحب الحق المسلوب إما أن يتردد على المحاكم للشكوى وإما أن يقبل الصلح الجائر على غبن وعندها قد يلجأ إلى ربه في جوف الليل فيدعو على من ظلمه وسلب حقه وربما طالت الدعوة من أعان على ظلمه نعم في خبايا المجتمع من ظُلْم وسطا القوي على ماله بشكل أوبآخر. ولولا اعتلال قلب هذا الظالم وانسلاخه من القيم والأخلاق الإسلامية واعتماده في ظلمة على من هم على شاكلته يقلبون موازين الأمور؛ لما فعل ذلك وكان فكر في دعوة المظلوم في جوف الليل فلن يقدم على ظلم أحد و في سكرات الموت وحفرة مظلمة لا يصاحبه فيها إلا عمله ولو تفكر في لقاء ربه ملك الملوك حين يلقاه غضبانا عليه فماعسى جوابه لعلام الغيوب ماذا يعني المتر في الدنيا وماذا تعني مئات الأمتار حين تخلط حرامها بحلالها أي الخيارين يفضّل الإنسان رضى ربه أم غضبه نعم إن أكل أموال الناس بالباطل والإعانة عليه هو ظلم فليتذكر القادرون على ظلم الناس قدرة الخالق عليهم. إن ليلة من ليالي القسطرة للشرايين والمريض تحت وطأة الألم. يئن والمشارط له صليل في جسده المنهك قدجعلت الكثير من الظلمة والجبابرة يتمنون فسحة أمل يعودون فيها لأهلهم وبنيهم. ومع عودتهم يعيدون كل مظلمة لصاحبها نعم إنه الموت وما أقساه . وما أشد بطشة على الظلمة وآكلي حقوق الناس بالباطل قمة المرض أن يكون الإنسان معتلا بداء حب اغتصاب أموال الناس وأخذها بدون وجه حق والآن قرائي الأعزاء هل عرفتم الاعتلال الحقيقي وأهله ؟ اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك رب واجعل حاجتنا وسؤالنا إليك وحدك رب لاتجعلنا ممن يلقاك وقد ذهبت أعماله من صوم وحج وصلاة وصدقة لأنه ظلم هذا وأكل مال هذا بالباطل ؛الله طيب لايقبل إلاطيبا والحياة خادعة براقة وهي كظل زائل. ومالحياة وإن أظمت وإن خدعت. إلا سراب على صحراء يلتمع.
بقلم الشجن المسافر