الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصايدلــيل الإسلامية】✿.. > …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… > الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية
 

إنشاء موضوع جديد  إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 12-27-2015
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
لوني المفضل Silver
 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي
بيانات اضافيه [ + ]
s18 تفسير القـرآن الكريــم للقرطبي:البقرة 5



{وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42)}
قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ} اللبس: الخلط. لبست عليه الامر ألبسه، إذا مزجت بينه بمشكلة وحقه بباطله قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ} [الأنعام: 9]. وفى الامر لبسة أي ليس بواضح. ومن هذا المعنى قول علي رضي الله عنه للحارث بن حوط يا حارث إنه ملبوس عليك، إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وقالت الخنساء:
ترى الجليس يقول الحق تحسبه *** رشدا وهيهات فانظر ما به التبسا
صدق مقالته واحذر عداوته *** والبس عليه أمورا مثل ما لبسا
وقال العجاج:
لما لبسن الحق بالتجني *** غنين واستبدلن زيدا مني
روى سعيد عن قتادة في قوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ} [البقرة: 42]، يقول: لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله- الذي لا يقبل غيره ولا يجزئ إلا به- الإسلام وأن اليهودية والنصرانية بدعة وليست من الله. والظاهر من قول عنترة:
وكتيبة لبستها بكتيبة ***
أنه من هذا المعنى، ويحتمل أن يكون من اللباس. وقد قيل هذا في معنى الآية، أي لا تغطوا. ومنه لبس الثوب يقال لبست الثوب ألبسه ولباس الرجل زوجته وزوجها لباسها قال الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى جيدها *** تثنت عليه فكانت لباسا
وقال الأخطل:
وقد لبست لهذا الامر أعصره *** حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا
واللبوس: كل ما يلبس من ثياب ودرع قال الله تعالى: {وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ} [الأنبياء: 80]. ولابست فلانا حتى عرفت باطنه وفي فلان ملبس أي مستمتع قال:
ألا إن بعد العدم للمرء قنوة *** وبعد المشيب طول عمر وملبسا
ولبس الكعبة والهودج ما عليهما من لباس بكسر اللام.
قوله تعالى: {بِالْباطِلِ} الباطل في كلام العرب خلاف الحق ومعناه الزائل قال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ***
وبطل الشيء يبطل بطلا وبطولا وبطلانا ذهب ضياعا وخسرا وأبطله غيره. ويقال ذهب دمه بطلا أي هدرا والباطل الشيطان والبطل الشجاع سمي بذلك لأنه يبطل شجاعة صاحبه. قال النابغة:
لهم لواء بأيدي ماجد بطل *** لا يقطع الخرق إلا طرفه سامي
والمرأة بطله. وقد بطل الرجل بالضم يبطل بطوله وبطالة أي صار شجاعا وبطل الأجير بالفتح بطالة أي تعطل فهو بطال واختلف أهل التأويل في المراد بقوله: {الْحَقَّ بِالْباطِلِ} فروي عن ابن عباس وغيره لا تخلطوا ما عندكم من الحق في الكتاب بالباطل وهو التغيير والتبديل.
وقال أبو العالية قالت اليهود محمد مبعوث ولكن إلى غيرنا فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل وقال ابن زيد المراد بالحق التوراة والباطل ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام وغيره وقال مجاهد لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام. وقاله قتادة وقد تقدم.
قلت: وقول ابن عباس أصوب لأنه عام فيدخل فيه جميع الأقوال والله المستعان قوله تعالى: {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} يجوز أن يكون معطوفا على {تَلْبِسُوا} فيكون مجزوما ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن التقدير لا يكن منكم لبس الحق وكتمانه أي وأن تكتموه. قال ابن عباس: يعني كتمانهم أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم يعرفونه.
وقال محمد بن سيرين: نزل عصابة من ولد هارون يثرب لما أصاب بني إسرائيل ما أصابهم من ظهور العدو عليهم والذلة وتلك العصابة هم حملة التوراة يومئذ فأقاموا بيثرب يرجون أن يخرج محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين ظهرانيهم وهم مؤمنون مصدقون بنبوته فمضى أولئك الآباء وهم مؤمنون وخلف الأبناء وأبناء الأبناء فأدركوا محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكفروا به وهم يعرفونه وهو معنى قوله تعالى: {فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89].
قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} جملة في موضع الحال أي أن محمدا عليه السلام حق فكفرهم كان كفر عناد ولم يشهد تعالى لهم بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا. ودل هذا على تغليظ الذنب على من واقعه على علم وأنه أعصى من الجاهل. وسيأتي بيان هذا عند قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] الآية.



 توقيع : عازفة القيثار





آخر تعديل عازفة القيثار يوم 12-27-2015 في 05:01 PM.
رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #2


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
فيه أربع وثلاثون مسألة:
الأولى: قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} أمر معناه الوجوب ولا خلاف فيه، وقد تقدم القول في معنى إقامة الصلاة واشتقاقها وفي جملة من أحكامها، والحمد لله.
الثانية: قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكاةَ} أمر أيضا يقتضي الوجوب والإيتاء الإعطاء. أتيته: أعطيته قال الله تعالى: {لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ} [التوبة: 75]. واتيته- بالقصر من غير مد- جئته فإذا كان المجيء بمعنى الاستقبال مد ومنه الحديث: ولآتين رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلأخبرنه وسيأتي.
الثالثة: الزكاة مأخوذة من زكا الشيء إذا نما وزاد يقال زكا الزرع والمال يزكو إذا كثر وزاد. ورجل زكي أي زائد الخير. وسمي الإخراج من المال زكاة وهو نقص منه من حيث ينمو بالبركة أو بالأجر الذي يثاب به المزكي ويقال زرع زاك بين الزكاء. وزكأت الناقة بولدها تزكأ به إذا رمت به من بين رجليها. وزكا الفرد إذا صار زوجا بزيادة الزائد عليه حتى صار شفعا قال الشاعر:
كانوا خسا أو زكا من دون أربعة *** لم يخلقوا وجدود الناس تعتلج
جمع جد وهو الحظ والبخت تعتلج أي ترتفع. اعتلجت الأرض طال نباتها فخسا الفرد وزكا: الزوج.
وقيل: أصلها الثناء الجميل ومنه زكى القاضي الشاهد. فكأن من يخرج الزكاة يحصل لنفسه الثناء الجميل وقيل: الزكاة مأخوذة من التطهير كما يقال: زكا فلان أي طهر من دنس الجرحة والاغفال فكأن الخارج من المال يطهره من تبعة الحق الذي جعل الله فيه للمساكين ألا ترى أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سمى ما يخرج من الزكاة أوساخ الناس وقد قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها} [التوبة: 103] الرابعة: واختلف في المراد بالزكاة هنا فقيل: الزكاة المفروضة لمقارنتها بالصلاة وقيل: صدقة الفطر قاله مالك في سماع ابن القاسم.
قلت: فعلى الأول وهو قول أكثر العلماء- فالزكاة في الكتاب مجملة بينها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فروى الأئمة عن أبي سعيد الخدري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ولا فيما دون خمس ذود صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة» وقال البخاري: «خمس أواق من الورق» وروى البخاري عن ابن عمر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر» وسيأتي بيان هذا الباب في الأنعام إن شاء الله تعالى. ويأتي في براءة زكاة العين والماشية وبيان المال الذي لا يؤخذ منه زكاة عند قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] وأما زكاة الفطر فليس لها في الكتاب نص عليها إلا ما تأوله مالك هنا وقوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]. والمفسرون يذكرون الكلام عليها في سورة الأعلى، ورأيت الكلام عليها في هذه السورة عند كلامنا على آي الصيام لان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرض زكاة الفطر في رمضان الحديث. وسيأتي فأضافها إلى رمضان.
الخامسة: قوله تعالى: {وَارْكَعُوا} الركوع في اللغة الانحناء بالشخص وكل منحن راكع. قال لبيد:
أخبِّر أخبار القرون التي مضت *** أدبُّ كأني كلما قمت راكع
وقال ابن دريد: الركعة الهوة في الأرض لغة يمانية وقيل الانحناء يعم الركوع والسجود ويستعار أيضا في الانحطاط في المنزلة قال:
ولا تعاد الضعيف علّك أن *** تركع يوما والدهر قد رفعه
السادسة: واختلف الناس في تخصيص الركوع بالذكر فقال قوم: جعل الركوع لما كان من أركان الصلاة عبارة عن الصلاة قلت: وهذا ليس مختصا بالركوع وحده فقد جعل الشرع القراءة عبارة عن الصلاة والسجود عبارة عن الركعة بكمالها فقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي صلاة الفجر وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أدرك سجدة من الصلاة فقد أدرك الصلاة» وأهل الحجاز يطلقون على الركعة سجدة. وقيل إنما خص الركوع بالذكر لان بني إسرائيل لم يكن في صلاتهم ركوع.
وقيل: لأنه كان أثقل عل القوم في الجاهلية حتى لقد قال بعض من أسلم أظنه عمران بن حصين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: على ألا أخر إلا قائما. فمن تأويله على ألا أركع فلما تمكن الإسلام من قلبه اطمأنت بذلك نفسه وأمتثل ما أمر به من الركوع السابعة: الركوع الشرعي هو أن يحني الرجل صلبه ويمد ظهره وعنقه ويفتح أصابع يديه ويقبض على ركبتيه ثم يطمئن راكعا يقول سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه روى مسلم عن عائشة قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك.
وروى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره الحديث.
الثامنة: الركوع فرض، قرآنا وسنة، وكذلك السجود لقوله تعالى في آخر الحج {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77]. وزادت السنة الطمأنينة فيهما والفصل بينهما وقد تقدم القول في ذلك وبينا صفة الركوع آنفا. وأما السجود فقد جاء مبينا من حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا سجد مكن جبهته وأنفه من الأرض ونحى يديه عن جنبيه ووضع كفيه حذو منكبيه. خرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وروى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب». وعن البراء قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك». وعن ميمونة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سجد خوى بيديه- يعني جنح حتى يرى وضح إبطيه من ورائه- وإذا قعد اطمأن على فخذه اليسرى.
التاسعة: واختلف العلماء فيمن وضع جبهته في السجود دون أنفه أو أنفه دون جبهته، فقال مالك: يسجد على جبهته وأنفه، وبه قال الثوري وأحمد، وهو قول النخعي. قال أحمد: لا يجزئه السجود على أحدهما دون الآخر، وبه قال أبو خيثمة وابن أبي شيبة. قال إسحاق: إن سجد على أحدهما دون الآخر فصلاته فاسدة.
وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز، وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وعبد الرحمن بن أبي ليلى كلهم أمر بالسجود على الأنف. وقالت طائفة: يجزئ أن يسجد على جبهته دون أنفه، هذا قول. عطاء وطاوس وعكرمة وابن سيرين والحسن البصري، وبه قال الشافعي وأبو ثور ويعقوب ومحمد. قال ابن المنذر: وقال قائل: إن وضع جبهته ولم يضع أنفه أو وضع أنفه ولم يضع جبهته فقد أساء وصلاته تامة، هذا قول النعمان. قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدا سبقه إلى هذا القول ولا تابعه عليه.
قلت: الصحيح في السجود وضع الجبهة والأنف، لحديث أبي حميد، وقد تقدم.
وروى البخاري عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة- وأشار بيده إلى أنفه- واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب والشعر». وهذا كله بيان لمجمل الصلاة فتعين القول به. والله أعلم وروي عن مالك أنه يجزيه أن يسجد على جبهته دون أنفه، كقول عطاء والشافعي. والمختار عندنا قوله الأول ولا يجزئ عند مالك إذا لم يسجد على جبهته.
العاشرة: ويكره السجود على كور العمامة، وإن كان طاقة أو طاقتين مثل الثياب التي تستر الركب والقدمين فلا بأس، والأفضل مباشرة الأرض أو ما يسجد عليه. فإن كان هناك ما يؤذيه أزاله قبل دخوله في الصلاة، فإن لم يفعل فليمسحه مسحة واحدة.
وروى مسلم عن معيقيب أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: «إن كنت فاعلا فواحدة» وروي عن أنس بن مالك قال: كنا نصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه.
الحادية عشرة: لما قال تعالى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] قال بعض علمائنا وغيرهم يكفي منها ما يسمى ركوعا وسجودا، وكذلك من القيام. ولم يشترطوا الطمأنينة في ذلك فأخذوا بأقل الاسم في ذلك وكأنهم لم يسمعوا الأحاديث الثابتة في إلغاء الصلاة. قال ابن عبد البر: ولا يجزي ركوع ولا سجود ولا وقوف بعد الركوع ولا جلوس بين السجدتين حتى يعتدل راكعا وواقفا وساجدا وجالسا. وهو الصحيح في الأثر وعليه جمهور العلماء وأهل النظر وهى رواية ابن وهب وأبي مصعب عن مالك.
وقال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد تكاثرت الرواية عن ابن القاسم وغيره بوجوب الفصل وسقوط الطمأنينة وهو وهم عظيم لان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعلها وأمر بها وعلمها. فإن كان لابن القاسم عذر أن كان لم يطلع عليها فما لكم أنتم وقد انتهى العلم إليكم وقامت الحجة به عليكم! روى النسائي والدارقطني وعلي بن عبد العزيز عن رفاعة بن رافع قال: كنت جالسا عند رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ جاءه رجل فدخل المسجد فصلى، فلما قضى الصلاة جاء فسلم على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى القوم فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارجع فصل فإنك لم تصل» وجعل يصلي وجعلنا نرمق صلاته لا ندري ما يعيب منها فلما جاء فسلم على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلى القوم فقال له النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وعليك أرجع فصل فإنك لم تصل». قال همام: فلا ندري أمره بذلك مرتين أو ثلاثا فقال له الرجل: ما ألوت فلا أدري ما عبت علي من صلاتي؟ فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين ثم يكبر الله تعالى ويثني عليه ثم يقرأ أم القرآن وما أذن له فيه وتيسر ثم يكبر فيركع فيضع كفيه على ركبتيه حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يقول سمع الله لمن حمده ويستوي قائما حتى يقيم صلبه ويأخذ كل عظيم مأخذه ثم يكبر فيسجد فيمكن وجهه- قال همام: وربما قال: جبهته- من الأرض حتى تطمئن مفاصله ويسترخي ثم يكبر فيستوي قاعدا على مقعده ويقيم صلبه- فوصف الصلاة هكذا أربع ركعات حتى فرغ ثم قال- لا تتم صلاة أحدكم حتى يفعل ذلك» ومثله حديث أبي هريرة خرجه مسلم وقد تقدم.
قلت: فهذا بيان الصلاة المجملة في الكتاب بتعليم النبي عليه السلام وتبليغه إياها جميع الأنام فمن لم يقف عند هذا البيان وأخل بما فرض عليه الرحمن ولم يمتثل ما بلغه عن نبيه عليه السلام كان من جملة من دخل في قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ} [مريم: 59] على ما يأتي بيانه هناك إن شاء الله تعالى روى البخاري عن زيد بن وهب قال رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع ولا السجود فقال: «ما صليت ولو مت لمت على غير الفطرة التي فطر الله عليها محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
الثامنة عشرة: قوله تعالى: {مَعَ الرَّاكِعِينَ} {مع} تقتضي المعية والجمعية ولهذا قال جماعة من أهل التأويل بالقرآن: إن الامر بالصلاة أولا لم يقتض شهود الجماعة فأمرهم بقوله: {مع} شهود الجماعة وقد اختلف العلماء في شهود الجماعة على قولين فالذي عليه الجمهور أن ذلك من السنن المؤكدة ويجب على من أدمن التخلف عنها من غير عذر العقوبة. وقد أوجبها بعض أهل العلم فرضا على الكفاية قال ابن عبد البر: وهذا قول صحيح لإجماعهم على أنه لا يجوز أن يجتمع على تعطيل المساجد كلها من الجماعات فإذا قامت الجماعة في المسجد فصلاة المنفرد في بيته جائزة لقوله عليه السلام: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» أخرجه مسلم من حديث ابن عمر.
وروى عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا».
وقال داود: الصلاة في الجماعة فرض على كل أحد في خاصته كالجمعة واحتج بقوله عليه السلام: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» خرجه أبو داود وصححه أبو محمد عبد الحق، وهو قول عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنبل وأبي ثور وغيرهم.
وقال الشافعي: لا أرخص لمن قدر على الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر حكاه ابن المنذر.
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجل أعمى فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له فلما ولى دعاه فقال: «هل تسمع النداء بالصلاة؟» قال: نعم. قال: «فأجب» وقال أبو داود في هذا الحديث: «لا أجد لك رخصة». خرجه من حديث ابن أم مكتوم وذكر أنه كان هو السائل وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من سمع النداء فلم يمنعه من إتيانه عذر- قالوا: وما العذر؟ قال خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلى». قال أبو محمد عبد الحق: هذا يرويه مغراء العبدي والصحيح موقوف على ابن عباس: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له» على أن قاسم بن أصبغ ذكره في كتابه فقال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر» وحسبك بهذا الاسناد صحة ومغراء العبدي روى عنه أبو إسحاق وقال ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.
وقال عليه السلام: «بيننا وبين المنافقين شهود العتمة والصبح لا يستطيعونهما» قال ابن المنذر ولقد روينا عن غير واحد من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنهم قالوا: «من سمع النداء فلم يجب من غير عذر فلا صلاة له» منهم ابن مسعود وأبو موسى الأشعري.
وروى أبو داود عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لقد هممت أن آمر فتيتي فيجمعوا حزما من حطب ثم أتى قوما يصلون في بيوتهم ليست لهم علة فأحرقها عليهم». هذا ما احتج به من أوجب الصلاة في الجماعة فرضا وهى ظاهرة في الوجوب وحملها الجمهور على تأكيد أمر شهود الصلوات في الجماعة بدليل حديث ابن عمر وأبى هريرة وحملوا قول الصحابة وما جاء في الحديث من أنه: «لا صلاة له» على الكمال والفضل وكذلك قوله عليه السلام لابن أم مكتوم: «فأجب» على الندب. وقوله عليه السلام: «لقد هممت» لا يدل على الوجوب الحتم لأنه هم ولم يفعل وإنما مخرجه مخرج التهديد والوعيد للمنافقين الذين كانوا يتخلفون عن الجماعة والجمعة. يبين هذا المعنى ما رواه مسلم عن عبد الله قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولو تركتم سنة نبيكم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف.
فبين رضي الله عنه في حديثه أن الاجتماع سنة من سنن الهدى وتركه ضلال، ولهذا قال القاضي أبو الفضل عياض: اختلف في التمالؤ على ترك ظاهر السنن، هل يقاتل عليها أولا، والصحيح قتالهم، لأن في التمالؤ عليها إماتتها.
قلت: فعلى هذا إذا أقيمت السنة وظهرت جازت صلاة المنفرد وصحت. روى مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون اللهم أرحمه اللهم اغفر له اللهم تب عليه ما لم يؤذ فيه ما لم يحدث فيه». قيل لابي هريرة: ما يحدث؟ قال: يفسو أو يضرط.
الثالثة عشرة: واختلف العلماء في هذا الفضل المضاف للجماعة هل لأجل الجماعة فقط حيث كانت أو إنما يكون ذلك الفضل للجماعة التي تكون في المسجد لما يلازم ذلك من أفعال تختص بالمساجد كما جاء في الحديث قولان والأول أظهر لان الجماعة هو الوصف الذي علق عليه الحكم والله أعلم وما كان من إكثار الخطا إلى المساجد وقصد الإتيان إليها والمكث فيها فذلك زيادة ثواب خارج عن فضل الجماعة والله أعلم الرابعة عشرة: واختلفوا أيضا هل تفضل جماعة جماعة بالكثرة وفضيلة الامام؟ فقال مالك: لا.
وقال ابن حبيب نعم لان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كثر فهو أحب إلى الله» رواه أبى بن كعب وأخرجه أبو داود وفي إسناده لين الخامسة عشرة: واختلفوا أيضا فمن صلى في جماعة هل يعيد صلاته تلك في جماعة أخرى؟ فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم إنما يعيد الصلاة في جماعة مع الامام من صلى وحده في بيته واهلة أو في غير بيته وأما من صلى في جماعة وإن قلت فإنه لا يعيد في جماعة أكثر منها ولا أقل وقال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي: جائز لمن صلى في جماعة ووجد جماعة أخرى في تلك الصلاة أن يعيدها معهم إن شاء لأنها نافلة وسنة. وروي ذلك عن حذيفة بن اليمان وأبي موسى الأشعري وأنس بن مالك وصلة بن زفر والشعبي والنخعي وبه قال حماد بن زيد وسليمان بن حرب. احتج مالك بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تصلى صلاة في يوم مرتين» ومنهم من يقول لا تصلوا رواه سليمان بن يسار عن ابن عمر واتفق أحمد وإسحاق على أن معنى هذا الحديث أن يصلي الإنسان الفريضة ثم يقوم فيصليها ثانية ينوي بها الفرض مرة أخرى فأما إذا صلاها مع الامام على أنها سنة أو تطوع فليس بإعادة الصلاة وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للذين أمرهم بإعادة الصلاة في جماعة: «إنها لكم نافلة» من حديث أبي ذر وغيره السادسة عشرة: روى مسلم عن أبي مسعود عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه» وفي رواية: «سنا» مكان: «سلما» وأخرجه أبو داود وقال: قال شعبة: فقلت لإسماعيل ما تكرمته؟ قال: فراشه وأخرجه الترمذي وقال: حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم قالوا: أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة وقالوا صاحب المنزل أحق بالإمامة وقال بعضهم إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي به. وكرهه بعضهم وقالوا: السنة أن يصلي صاحب البيت. قال ابن المنذر روينا عن الأشعث بن قيس أنه قدم غلاما وقال إنما أقدم القرآن وممن قال يؤم القوم أقرؤهم ابن سيرين والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي قال ابن المنذر بهذا نقول لأنه موافق للسنة وقال مالك يتقدم القوم أعلمهم إذا كانت حاله حسنة وإن للسن حقا وقال الأوزاعي يؤمهم أفقههم وكذلك قال الشافعي وأبو ثور إذا كان يقرأ القرآن وذلك لان الفقيه أعرف بما ينوبه من الحوادث في الصلاة وتأولوا الحديث بأن الاقرأ من الصحابة كان الأفقه لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن وقد كان من عرفهم الغالب تسميتهم الفقهاء بالقراء واستدلوا بتقديم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه أبا بكر لفضله وعلمه.
وقال إسحاق إنما قدمه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليدل على أنه خليفته بعده ذكره أبو عمر في التمهيد.
وروى أبو بكر البزار بإسناد حسن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سافرتم فليؤمكم أقرؤكم وإن كان أصغركم وإذا أمكم فهو أميركم» قال: لا نعلمه يروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا من رواية أبي هريرة بهذا الاسناد.
قلت: إمامة الصغير جائزة إذا كان قارئا ثبت في صحيح البخاري عن عمر بن سلمة قال: كنا بماء ممر الناس وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله أوحى إليه كذا! أوحى إليه كذا! فكنت أحفظ ذلك الكلام فكأنما يقر في صدري وكانت العرب تلوم بإسلامها فيقولون اتركوه وقومه فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق فلما كانت وقعة الفتح بادر كل قوم بإسلامهم وبدر أبي قومي بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم والله من عند نبي الله حقا، قال: «صلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرانا». فنظروا فلم يكن أحد أكثر منى قرآنا لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين وكانت علي بردة إذا سجدت تقلصت عني فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا است قارئكم! فاشتروا فقطعوا لي قميصا فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص. وممن أجاز إمامة الصبي غير البالغ الحسن البصري وإسحاق بن راهويه واختاره ابن المنذر إذا عقل الصلاة وقام بها لدخوله في جملة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يؤم القوم أقرؤهم» ولم يستثن ولحديث عمرو بن سلمة وقال الشافعي في أحد قوليه يؤم في سائر الصلوات ولا يؤم في الجمعة وقد كان قبل يقول ومن أجزأت إمامته في المكتوبة أجزأت إمامته في الأعياد غير أنى أكره فيها إمامة غير الوالي وقال الأوزاعي: لا يؤم الغلام في الصلاة المكتوبة حتى يحتلم إلا أن يكون قوم ليس معهم من القرآن شيء فإنه يؤمهم الغلام المراهق وقال الزهري إن اضطروا إليه أمهم. ومنع ذلك جملة مالك والثوري وأصحاب الرأي.
السابعة عشرة: الإتمام بكل إمام بالغ مسلم حر على استقامة جائز من غير خلاف إذا كان يعلم حدود الصلاة ولم يكن يلحن في أم القرآن لحنا يخل بالمعنى مثل أن يكسر الكاف من {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] ويضم التاء في: {أَنْعَمْتَ} ومنهم من راعى تفريق الطاء من الضاد وإن لم يفرق بينهما لا تصح إمامته لان معناهما يختلف. ومنهم من رخص في ذلك كله إذا كان جاهلا بالقراءة وام مثله ولا يجوز الإتمام بامرأة ولا خنثى مشكل ولا كافر ولا مجنون ولا أمي ولا يكون واحد من هؤلاء إماما بحال من الأحوال عند أكثر العلماء على ما يأتي ذكره إلا الأمي لمثله قال علماؤنا: لا تصح إمامة الأمي الذي لا يحسن القراءة مع حضور القارئ له ولا لغيره وكذلك قال الشافعي. فإن أم أميا مثله صحت صلاتهم عندنا وعند الشافعي.
وقال أبو حنيفة إذا صلى الأمي بقوم يقرءون وبقوم أميين فصلاتهم كلهم فاسدة. وخالقه أبو يوسف فقال صلاة الامام ومن لا يقرأ تامة وقالت فرقة صلاتهم كلهم جائزة لان كلا مؤد فرضه وذلك مثل المتيمم يصلي بالمتطهرين بالماء والمصلي قاعدا يصلي بقوم قيام صلاتهم مجزئة في قول من خالفنا لان كلا مؤد فرضي نفسه.
قلت: وقد يحتج لهذا القول بقول عليه السلام: «ألا ينظر المصلي إذا صلى كيف يصلي فإنما يصلي لنفسه» أخرجه مسلم وإن صلاة المأموم ليست مرتبطة بصلاة الامام والله أعلم وكان عطاء بن أبي رباح يقول إذا كانت امرأته تقرأ كبر هي وتقرأ هي فإذا فرغت من القراءة كبر وركع وسجد وهى خلفه تصلى وروي هذا المعنى عن قتادة.
الثامنة عشرة ولا بأس بإمامة الأعمى والأعرج والأشل والأقطع والخصى والعبد إذا كان كل واحد منهم عالما بالصلاة وقال ابن وهب لا أرى أن يؤم الأقطع والأشل لأنه منتقص عن درجه الكمال وكرهت إمامته لأجل النقص. وخالفه جمهور أصحابه وهو الصحيح لأنه عضو لا يمنع فقده فرضا من فروض الصلاة فجازت الامامة الراتبة مع فقده كالعين وقد روى أنس أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استخلف ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى، وكذا الأعرج والأقطع والأشل والخصى قياسا ونظرا والله أعلم وقد روي عن أنس بن مالك أنه قال في الأعمى: وما حاجتهم إليه! وكان ابن عباس وعتبان بن مالك يؤمان وكلاهما أعمى، وعليه عامة العلماء.
التاسعة عشرة: واختلفوا في إمامة ولد الزنى فقال مالك أكره أن يكون إماما راتبا وكره ذلك عمر بن عبد العزيز وكان عطاء بن أبي رباح يقول له أن يؤم إذا كان مرضيا وهو قول الحسن البصري والزهري والنخعي وسفيان الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وتجزئ الصلاة خلفه عند أصحاب الرأي وغيره أحب إليهم وقال الشافعي أكره أن ينصب إماما راتبا من لا يعرف أبوه ومن صلى خلفه أجزأه وقال عيسى بن دينار لا أقول بقول مالك في إمامة ولد الزنى وليس عليه من ذنب أبويه شيء ونحوه قال ابن عبد الحكم إذا كان في نفسه أهلا للإمامة قال ابن المنذر يؤم لدخوله في جملة قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يؤم القوم أقرؤهم» وقال أبو عمر ليس في شيء من الآثار الواردة في شرط الامامة ما يدل على مراعاة نسب وإنما فيها دلالة على الفقه والقراءة والصلاح في الدين العشرون: وأما العبد فروى البخاري عن ابن عمر قال: لما قدم المهاجرون الأولون العصبة- موضع بقباء- قبل مقدم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة وكان أكثرهم قرآنا. وعنه قال: كان سالم مولى أبي حذيفة يؤو المهاجرين الأولين وأصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد قباء فهم أبو بكر وعمر وزيد وعامر بن ربيعة وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف. قال ابن المنذر: وام أبو سعيد مولى أبي أسيد وهو عبد نفرا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم حذيفة وأبو مسعود. ورخص في إمامة العبد النخعي والشعبي والحسن البصري والحكم والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وكره ذلك أبو مجلز.
وقال مالك لا يؤمهم إلا أن يكون العبد قارئا ومن معه من الأحرار لا يقرءون إلا أن يكون في عيد أو جمعة فان العبد لا يؤمهم فيها ويجزئ عند الأوزاعي إن صلوا وراءه قال ابن المنذر العبد داخل في جملة قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يؤم القوم أقرؤهم».
الحادية والعشرون: وأما المرأة فروى البخاري عن أبي بكرة قال: لما بلغ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أهل فارس قد ملكوا بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
وذكر أبو داود عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقه بنت عبد الله قال: وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزورها في بيتها قال وجعل لها مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها قال عبد الرحمن: فأنا رأيت مؤذنها شيخا كبيرا. قال ابن المنذر: والشافعي يوجب الإعادة على من صلى من الرجال خلف المرأة.
وقال أبو ثور لا إعادة عليهم. وهذا قياس قول المزني.
قلت: وقال علماؤنا لا تصح إمامتها للرجال ولا للنساء.
وروى ابن أيمن جواز إمامتها للنساء. وأما الخنثى المشكل فقال الشافعي: لا يؤم الرجال ويؤم النساء.
وقال مالك: لا يكون إماما بحال، وهو قول أكثر الفقهاء.
الثانية والعشرون: الكافر المخالف للشرع كاليهودي والنصراني يؤم المسلمين وهم لا يعلمون بكفره. وكان الشافعي وأحمد يقولان لا يجزئهم ويعيدون وقاله مالك وأصحاب لأنه ليس من أهل القربة.
وقال الأوزاعي: يعاقب.
وقال أبو ثور والمزني لا إعادة على من صلى خلفه ولا يكون بصلاته مسلما عند الشافعي وأبي ثور.
وقال أحمد: يجبر على الإسلام الثالثة والعشرون: وأما أهل البدع من أهل الاهواء كالمعتزلة والجهمية وغيرهما فذكر البخاري عن الحسن صل وعليه بدعته وقال أحمد: لا يصلي خلف أحد من أهل الاهواء إذا كان داعية إلى هواه وقال مالك ويصلى خلف أئمة الجور ولا يصلي خلف أهل البدع من القدرية وغيرهم.
وقال ابن المنذر كل من أخرجته بدعته إلى الكفر لم تجز الصلاة خلفه ومن لم يكن كذلك فالصلاة خلفه جائزة ولا يجوز تقديم من هذه صفته.
الرابعة والعشرون: وأما الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر ونحو ذلك فاختلف المذهب فيه فقال ابن حبيب من صلى وراء من شرب الخمر فإنه يعيد أبدا إلا أن يكون الوالي الذي تؤدي إليه الطاعة فلا إعادة على من صلى خلفه إلا أن يكون حينئذ سكران. قاله من لقيت من أصحاب مالك وروي من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال على المنبر: «لا تؤمن امرأة رجلا ولا يؤمن أعرابي مهاجرا ولا يؤمن فاجر برا إلا أن يكون ذلك ذا سلطان» قال أبو محمد عبد الحق هذا يرويه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب والأكثر يضعف علي بن زيد وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم» في إسناده أبو الوليد خالد بن إسماعيل المخزومي وهو ضعيف قال الدارقطني.
وقال فيه أبو أحمد بن عدي كان يضع الحديث على ثقات المسلمين وحديثه هذا يرويه عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة وذكر الدارقطني عن سلام بن سليمان عن عمر عن محمد بن واسع عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفد فيما بينكم وبين الله» قال الدارقطني عمر هذا هو عندي عمر بن يزيد قاضى المدائن وسلام بن سليمان أيضا مدائني ليس بالقوي قاله عبد الحق.
الخامسة والعشرون: روى الأئمة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون» وقد اختلف العلماء فيمن وكع أو خفض قبل الامام عامدا على قولين: أحدهما: أن صلاته فاسدة إن فعل ذلك فيها كلها أو في أكثرها وهو قول أهل الظاهر وروى عن ابن عمر. ذكر سنيد قال: حدثنا ابن علية عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الورد الأنصاري قال صليت إلى جنب ابن عمر فجعلت أرفع قبل الامام واضع قبله فلما سلم الامام أخذ ابن عمر بيدي فلو اني وجذبني فقلت مالك! قال من أنت؟ قلت: فلان بن فلان قال: أنت من أهل بيت صدق! فما يمنعك أن تصلى؟ قلت: أومأ رأيتني إلى جنبك! قال: قد رأيتك ترفع قبل الامام وتضع قبله وإنه لا صلاة لمن خالف الامام.
وقال الحسن بن حي فيمن ركع أو سجد قبل الامام ثم رفع من ركوعه أو سجوده قبل أن يركع الامام أو يسجد:
لم يعتد بذلك ولم يجزه.
وقال أكثر الفقهاء: من فعل ذلك فقد أساء ولم تفسد صلاته لان الأصل في صلاة الجماعة والائتمام فيها بالأئمة سنة حسنة فمن خالفها بعد أن أدى فرض صلاته بطهارتها وركوعها وسجودها وفرائضها فليس عليه إعادتها وإن أسقط بعض سننها لأنه لو شاء أن ينفرد فصلى قبل إمامه تلك الصلاة أجزأت عنه وبئس ما فعل في تركه الجماعة قالوا: ومن دخل في صلاة الامام فركع بركوعه وسجد بسجوده ولم يكن في ركعة وإمامه في أخرى فقد اقتدى وإن كان يرفع قبله ويخفض قبله لأنه بركوعه يركع وبسجوده يسجد ويرفع وهو في ذلك تبع له إلا أنه مسي في فعله ذلك لخلافه سنة المأموم المجتمع عليها.
قلت: ما حكاه ابن عبد البر عن الجمهور ينبئ على أن صلاة المأموم عندهم غير مرتبطة بصلاة الامام لان الاتباع الحسى والشرعي مفقود وليس الامر هكذا عند أكثرهم والصحيح في الأثر والنظر القول الأول فإن الامام إنما جعل ليؤتم به ويقتدى به بأفعاله ومنه قوله تعالى: {إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً} [البقرة: 124] أي يأتمون بك على ما يأتي بيانه هذا حقيقة الامام لغة وشرعا فمن خالف إمامه لم يتبعه ثم أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين فقال: «إذا كبر فكبروا» الحديث. فأتى بالفاء التي توجب التعقيب وهو المبين عن الله مراده. ثم أوعد من رفع أو ركع قبل وعيدا شديدا فقال: «أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الامام أن يحول الله رأسه رأس حمار أو صورته صورة حمار» أخرجه الموطأ والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم وقال أبو هريرة إنما ناصيته بيد شيطان.
وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» يعني مردود فمن تعمد خلاف إمامه عالما بأنه مأمور باتباعه منهم عن مخالفته فقد استخف بصلاته وخالف ما أمر به فواجب ألا تجزي عنه صلاته تلك والله أعلم.
السادسة والعشرون- فإن رفع رأسه ساهيا قبل الامام فقال مالك رحمه الله: السنة فيمن سها ففعل ذلك في ركوع أو في سجود أن يرجع راكعا أو ساجدا وينتظر الامام وذلك خطأ ممن فعله لان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه» قال ابن عبد البر: ظاهر قول مالك هذا لا يوجب الإعادة على من فعله عامدا لقوله: وذلك خطأ ممن فعله؛ لأن الساهي عنه موضوع.
السابعة والعشرون- وهذا الخلاف إنما هو فيما عدا تكبيرة الإحرام والسلام أما السلام فقد تقدم القول فيه. وأما تكبيرة الإحرام فالجمهور على أن تكبير المأموم لا يكون إلا بعد تكبير الامام إلا ما روي عن الشافعي في أحد قوليه: أنه إن كبر قبل إمامه تكبيرة الإحرام أجزأت عنه لحديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء إلى الصلاة فلما كبر انصرف وأومأ إليهم- أي كما أنتم- ثم خرج ثم جاء ورأسه يقطر فصلى بهم فلما انصرف قال: «إني كنت جنبا فنسيت أن أغتسل».
ومن حديث أنس: «فكبر وكبرنا معه» وسيأتي بيان هذا عند قوله تعالى: {وَلا جُنُباً} في النساء [43] إن شاء الله تعالى.
الثامنة والعشرون- وروى مسلم عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم». قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافا. زاد من حديث عبد الله: «وإياكم وهيشات الأسواق». وقوله: «استووا» أمر بتسوية الصفوف وخاصة الصف الأول وهو الذي يلي الامام على ما يأتي بيانه في سورة الحجر إن شاء الله تعالى. وهناك يأتي الكلام على معنى هذا الحديث بحول الله تعالى.
التاسعة والعشرون- واختلف العلماء في كيفية الجلوس في الصلاة لاختلاف الآثار في ذلك فقال مالك وأصحابه: يفضي المصلي بأليتيه إلى الأرض وينصب رجله اليمنى ويثنى رجله اليسرى، لما رواه في موطئة عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثني رجله اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك.
قلت: وهذا المعنى قد جاء في صحيح مسلم عن عائشة قالت. كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك، وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالسا وكان يقول في كل ركعتين التحية، وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان وينهى أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع، وكان يختم الصلاة بالتسليم.
قلت: ولهذا الحديث- والله أعلم- قال ابن عمر: إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى.
وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن صالح بن حي: ينصب اليمنى ويقعد على اليسرى، لحديث وائل بن حجر، وكذلك قال الشافعي وأحمد وإسحاق في الجلسة الوسطى. وقالوا في الآخرة من الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء كقول مالك لحديث أبي حميد الساعدي رواه البخاري قال: رأيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا كبر جعل يديه حذو منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما وأستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة وإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب الأخرى وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب اليمنى وقعد على مقعدته. قال الطبري: إن فعل هذا فحسن كل ذلك قد ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الموفية الثلاثين- مالك عن مسلم بن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي أنه قال: رآني عبد الله بن عمر وأنا أعبث بالحصباء في الصلاة، فلما انصرف نهاني فقال: اصنع كما كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع قلت وكيف كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع؟ قال: كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى وقال: هكذا كان يفعل. قال ابن عبد البر: وما وصفه ابن عمر من وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابع يده تلك كلها إلا السبابة منها فإنه يشير بها ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى مفتوحة مفروجة الأصابع، كل ذلك سنة في الجلوس في الصلاة مجمع عليه لا خلاف علمته بين العلماء فيها وحسبك بهذا إلا أنهم اختلفوا في تحريك أصبعه السبابة فمنهم من رأى تحريكها ومنهم من لم يره وكل ذلك مروي في الآثار الصحاح المسندة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجميعه مباح والحمد لله.
وروى سفيان بن عيينة هذا الحديث عن مسلم بن أبي مريم بمعنى ما رواه مالك وزاد فيه: قال سفيان وكان يحيى بن سعيد حدثناه عن مسلم ثم لقيته فسمعته منه وزادني فيه قال: «هي مذبة الشيطان لا يسهو أحدكم ما دام يشير بإصبعه ويقول هكذا».
قلت: روى أبو داود في حديث ابن الزبير أنه عليه السلام كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها. وإلى هذا ذهب بعض العراقيين فمنع من تحريكها وبعض علمائنا رأوا أن مدها إشارة إلى دوام التوحيد وذهب أكثر العلماء من أصحاب مالك وغيرهم إلى تحريكها إلا أنهم اختلفوا في الموالاة بالتحريك على قولين تأول من والاه بأن قال إن ذلك يذكر بموالاة الحضور في الصلاة وبأنها مقمعة ومدفعة للشيطان على ما روى سفيان ومن لم يوال رأى تحريكها عند التلفظ بكلمتي الشهادة وتأول في الحركة كأنها نطق بتلك الجارحة بالتوحيد والله أعلم الحادية والثلاثون- واختلفوا في جلوس المرأة في الصلاة فقال مالك هي كالرجل ولا تخالفه فيما بعد الإحرام إلا في اللباس والجهر وقال الثوري: تسدل المرأة جلبابها من جانب واحد ورواه عن إبراهيم النخعي وقال أبو حنيفة وأصحابه: تجلس المرأة كأيسر ما يكون لها. وهو قول الشعبي تقعد كيف تيسر لها.
وقال الشافعي تجلس بأستر ما يكون لها.
روى مسلم عن طاوس قال قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، فقال: هي السنة فقلنا له إنا لنراه جفاء بالرجل فقال ابن عباس: بل هي سنة نبيك صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقد اختلف العلماء في صفة الإقعاء ما هو فقال أبو عبيد: الإقعاء جلوس الرجل على أليتيه ناصبا فخذيه مثل إقعاء الكلب والسبع. قال ابن عبد البر وهذا إقعاء مجتمع عليه لا يختلف العلماء فيه وهذا تفسير أهل اللغة وطائفة من أهل الفقه.
وقال أبو عبيد وأما أهل الحديث فإنهم يجعلون الإقعاء أن يجعل أليتيه على عقبيه بين السجدتين قال القاضي عياض والأشبه عندي في تأويل الإقعاء الذي قال فيه ابن عباس إنه من السنة الذي فسر به الفقهاء من وضع الأليتين على العقبين بين السجدتين وكذا جاء مفسرا عن ابن عباس من السنة أن تمس عقبك إلى أليتك رواه إبراهيم بن مسرة عن طاوس عنه ذكره أبو عمر قال القاضي: وقد روي عن جماعة من السلف والصحابة أنهم كانوا يفعلونه ولم يقل بذلك عامة فقهاء الأمصار وسموه إقعاء. ذكر عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه أنه رأى ابن عمر وابن عباس وابن الزبير يقعون بين السجدتين.
الثالثة والثلاثون- لم يختلف من قال من العلماء بوجوب التسليم وبعدم وجوبه أن التسليمة الثانية ليست بفرض إلا ما روى عن الحسن بن حي أنه أوجب التسليمتين معا. قال أبو جعفر الطحاوي: لم نجد عن أحد من أهل العلم الذين ذهبوا إلى التسليمتين أن الثانية من فرائضها غيره. قال ابن عبد البر: من حجة الحسن بن صالح في إيجابه التسليمتين جميعا- وقوله: إن من أحدث بعد الأولى وقبل الثانية فسدت صلاته- قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تحليلها التسليم». ثم بين كيف التسليم فكان يسلم عن يمينه وعن يساره. ومن حجة من أوجب التسليمة الواحدة دون الثانية قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «تحليلها التسليم» قالوا: والتسليمة الواحدة يقع عليها اسم تسليم.
قلت هذه المسألة مبنية على الأخذ بأقل الاسم أو بآخره ولما كان الدخول في الصلاة بتكبيرة واحدة بإجماع فكذلك الخروج منها بتسليمة واحدة إلا أنه تواردت السنن الثابتة من حديث ابن مسعود- وهو أكثرها تواترا- ومن حديث وائل بن حجر الحضرمي وحديث عمار وحديث البراء بن عازب وحديث ابن عمر وحديث سعد بن أبي وقاص أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يسلم تسليمتين. روى ابن جريج وسليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد الدراوردي كلهم عن عمرو بن يحيى المازني عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال قلت لابن عمر: حدثني عن صلاة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف كانت؟ فذكر التكبير كلما رفع رأسه وكلما خفضه وذكر السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه، السلام عليكم ورحمة الله عن يساره. قال ابن عبد البر: وهذا إسناد مدني صحيح والعمل المشهور بالمدينة التسليمة الواحدة وهو عمل قد توارثه أهل المدينة كابرا عن كابر ومثله يصح فيه الاحتجاج بالعمل في كل بلد لأنه لا يخفى لوقوعه في كل يوم مرارا. وكذلك العمل بالكوفة وغيرها مستفيض عندهم بالتسليمتين ومتوارث عندهم أيضا. وكل ما جرى هذا المجرى فهو اختلاف في المباح كالأذان وكذلك لا يروى عن عالم بالحجاز ولا بالعراق ولا بالشام ولا بمصر إنكار التسليمة الواحدة ولا إنكار التسليمتين بل ذلك عندهم معروف وحديث التسليمة الواحدة رواه سعد بن أبي وقاص وعائشة وأنس إلا أنها معلولة لا يصححها أهل العلم بالحديث.
الرابعة والثلاثون- روى الدارقطني عن ابن مسعود أنه قال: من السنة أن يخفى التشهد. وأختار مالك تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو. التحيات لله الزكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. وأختار الشافعي وأصحابه والليث بن سعد تشهد ابن عباس قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول: «التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» واختار الثوري والكوفيون وأكثر أهل الحديث تشهد ابن مسعود الذي رواه مسلم أيضا قال: كنا نقول في الصلاة خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: السلام على الله السلام على فلان، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: «إن الله هو السلام فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين- فإذا قالها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم يتخير من المسألة ما شاء» وبه قال أحمد وإسحاق وداود. وكان أحمد بن خالد بالأندلس يختاره ويميل إليه وروي عن أبي موسى الأشعري مرفوعا وموقوفا نحو تشهد ابن مسعود وهذا كله اختلاف في مباح ليس شيء منه على الوجوب والحمد لله وحده. فهذه جملة من أحكام الامام والمأموم تضمنها قوله عز وجل: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43]. وسيأتي القول في القيام في الصلاة عند قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ} [البقرة: 238]. ويأتي هناك حكم الامام المريض وغيره من أحكام الصلاة ويأتي في آل عمران حكم صلاة المريض غير الامام ويأتي في النساء في صلاة الخوف حكم المفترض خلف المتنفل ويأتي في سورة مريم حكم الامام يصلي أرفع من المأموم إلى غير ذلك من الأوقات والأذان والمساجد وهذا كله بيان لقوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} وقد تقدم في أول السورة جملة من أحكامها والحمد لله على ذلك.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #3


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (44)}
فيه تسع مسائل:
الأولى قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} هذا استفهام معناه التوبيخ والمراد في قول أهل التأويل علماء اليهود. قال ابن عباس: كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين اثبت على الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل يريدون محمدا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن أمره حق فكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه. وعن ابن عباس أيضا: كان الأحبار يأمرون مقلديهم وأتباعهم باتباع التوراة وكانوا يخالفونها في جحدهم صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال ابن جريج كان الأحبار يحضون في طاعة الله وكانوا هم يواقعون المعاصي وقالت فرقة كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون والمعنى متقارب وقال بعض أهل الإشارات المعنى أتطالبون الناس بحقائق المعاني وأنتم تخالفون عن ظواهر رسومها! الثانية: في شدة عذاب من هذه صفته روى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليلة أسرى بي مررت على ناس تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت يا جبريل من هؤلاء؟ قال هؤلاء الخطباء من أهل الدنيا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون» وروى أبو أمامة قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم يجرون قصبهم في نار جهنم فيقال لهم من أنتم؟ فيقولون نحن الذين كنا نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا».
قلت: وهذا الحديث وإن كان فيه لين، لأن في سنده الخصيب بن جحدر كان الامام أحمد يستضعفه وكذلك ابن معين يرويه عن أبي غالب عن أبى أمامة صدى بن عجلان الباهلي وأبو غالب هو فيما حكى يحيى بن معين حزور القرشي مولى خالد بن عبد الله بن أسيد وقيل: مولى باهلة وقيل: مولى عبد الرحمن الحضرمي كان يختلف إلى الشام في تجارته. قال يحيى بن معين: هو صالح الحديث فقد رواه مسلم في صحيحه بمعناه عن أسامة بن زيد قال سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه». القصب بضم القاف المعى وجمعه أقصاب. والأقتاب: الأمعاء واحدها قتب. ومعنى: «فتندلق»: فتخرج بسرعة. وروينا: «فتنفلق».
قلت: فقد دل الحديث الصحيح وألفاظ الآية على أن عقوبة من كان عالما بالمعروف وبالمنكر وبوجوب القيام بوظيفة كل واحد منهما أشد ممن لم يعلمه وانما ذلك لأنه كالمستهين بحرمات الله تعالى ومستخف بأحكامه وهو ممن لا ينتفع بعلمه قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه». أخرجه ابن ماجه في سننه.
الثالثة: اعلم وفقك الله تعالى أن التوبيخ في الآية بسبب ترك فعل البر لا بسبب الامر بالبر ولهذا ذم الله تعالى في كتابه قوما كانوا يأمرون بأعمال البر ولا يعملون بها وبخهم به توبيخا يتلى على طول الدهر إلى يوم القيامة فقال: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} الآية.
وقال منصور الفقيه فأحسن:
إن قوما يأمرونا *** بالذي لا يفعلونا
لمجانين وإن هم *** لم يكونوا يصرعونا
وقال أبو العتاهية:
وصفت التقى حتى كأنك ذو تقى *** وريح الخطايا من ثيابك تسطع
وقال أبو الأسود الدؤلي:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم
وابدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإن انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى *** بالقول منك وينفع التعليم
وقال أبو عمرو بن مطر: حضرت مجلس أبي عثمان الحيري الزاهد فخرج وقعد على موضعه الذي كان يقعد عليه للتذكير، فسكت حتى طال سكوته، فناداه رجل كان يعرف بأبي العباس: ترى أن تقول في سكوتك شيئا؟ فأنشأ يقول:
وغير تقي يأمر الناس بالتقى *** طبيب يداوي والطبيب مريض
قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء والضجيج.
الرابعة: قال إبراهيم النخعي: إني لأكره القصص لثلاث آيات، قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: 44] الآية، وقوله: {لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، وقوله: {وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} [هود: 88].
وقال سلم بن عمرو:
ما أقبح التزهيد من واعظ *** يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقا *** أضحى وأمسى بيته المسجد
إن رفض الدنيا فما باله *** يستمنح الناس ويسترفد
والرزق مقسوم على من ترى *** يناله الأبيض والأسود
وقال الحسن لمطرف بن عبد الله: عظ أصحابك، فقال إني أخاف أن أقول ما لا أفعل، قال: يرحمك الله! وأينا يفعل ما يقول! ويود الشيطان أنه قد ظفر بهذا، فلم يأمر أحد بمعروف ولم ينه عن منكر.
وقال مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شي، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شي!.
الخامسة: قوله تعالى: {بِالْبِرِّ} البر هنا الطاعة والعمل الصالح. والبر: الصدق. والبر: ولد الثعلب. والبر: سوق الغنم، ومنه قولهم: لا يعرف هرا من بر أي لا يعرف دعاء الغنم من سوقها. فهو مشترك، وقال الشاعر:
لا هم ربّ إن بكرا دونكا *** يبرّك الناس ويفجرونكا
أراد بقوله يبرك الناس: أي يطيعونك. ويقال: إن البر الفؤاد في قوله:
أكون مكان البر منه ودونه *** وأجعل مالي دونه وأوامره
والبر بضم الباء معروف، وبفتحها الإجلال والتعظيم، ومنه ولد بر وبار، أي يعظم والديه ويكرمهما.
السادسة: قوله تعالى: {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} أي تتركون. والنسيان بكسر النون يكون بمعنى الترك، وهو المراد هنا، وفي قوله تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67]، وقوله: {فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ} [الأنعام: 44]، وقوله: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237]. ويكون خلاف الذكر والحفظ، ومنه الحديث: «نسي آدم فنسيت ذريته». وسيأتي. يقال: رجل نسيان بفتح النون: كثير النسيان للشيء. وقد نسيت الشيء نسيانا، ولا تقل نسيانا بالتحريك، لأن النسيان إنما هو تثنية نسا العرق. وأنفس: جمع نفس، جمع قلة. والنفس: الروح، يقال: خرجت نفسه، قال أبو خراش:
نجا سالم والنفس منه بشدقه *** ولم ينج إلا جفن سيف ومئزرا
أي بجفن سيف ومئزر. ومن الدليل في أن النفس الروح قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها} [الزمر: 42] يريد الأرواح في قول جماعة من أهل التأويل على ما يأتي. وذلك بين في قول بلال للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث ابن شهاب: أخذ بنفسي يا رسول الله الذي أخذ بنفسك. وقوله عليه السلام في حديث زيد بن أسلم: «إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا». رواهما مالك وهو أولى ما يقال به. والنفس أيضا الدم يقال سالت نفسه قال الشاعر:
تسيل على حد السيوف نفوسنا *** وليست على غير الظبات تسيل
وقال إبراهيم النخعي ما ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس الماء إذا مات فيه. والنفس أيضا الجسد قال الشاعر:
نبئت أن بني سحيم أدخلوا *** أبياتهم تامور نفس المنذر
والتامور أيضا: الدم.
السابعة: قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ} توبيخ عظيم لمن فهم. {وتَتْلُونَ}: تقرءون. {الْكِتابَ}: التوراة. وكذا من فعل فعلهم كان مثلهم واصل التلاوة الاتباع ولذلك استعمل في القراءة لأنه يتبع بعض الكلام ببعض في حروفه حتى يأتي على نسقه يقال: تلوته إذا تبعته تلوا وتلوت القرآن تلاوة. وتلوت الرجل تلوا إذا خذلته. والتلية والتلاوة بضم التاء: البقية يقال: تليت لي من حقي تلاوة وتليه أي بقيت. وأتليت: أبقيت. وتتليت حقي إذا تتبعته حتى تستوفيه قال أبو زيد: تلى الرجل إذا كان بآخر رمق.
الثامنة: قوله تعالى: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم. والعقل: المنع ومنه عقال البعير لأنه يمنع عن الحركة ومنه العقل للدية لأنه يمنع ولي المقتول عن قتل الجاني ومنه اعتقال البطن واللسان ومنه يقال للحصن: معقل. والعقل. نقيض الجهل والعقل ثوب أحمر تتخذه نساء العرب تغشي به الهوادج قال علقمة:
عقلا ورقما تكاد الطير تخطفه *** كأنه من دم الأجواف مدموم
المدموم بالدال المهملة الأحمر وهو المراد هنا. والمدموم الممتلئ شحما من البعير وغيره ويقال: هما ضربان من البرود. قال ابن فارس: والعقل من شيات الثياب ما كان نقشه طولا وما كان نقشه مستديرا فهو الرقم.
وقال الزجاج: العاقل من عمل بما أوجب الله عليه فمن لم يعمل فهو جاهل.
التاسعة: اتفق أهل الحق على أن العقل كائن موجود ليس بقديم ولا معدوم لأنه لو كان معدوما لما اختص بالإنصاف به بعض الذوات دون بعض وإذا ثبت وجوده فيستحيل القول بقدمه، إذ الدليل قد قام على أن لا قديم إلا الله تعالى على ما يأتي بيانه في هذه السورة وغيرها إن شاء الله تعالى. وقد صارت الفلاسفة إلى أن العقل قديم ثم منهم من صار إلى أنه جوهر لطيف في البدن ينبث شعاعه منه بمنزلة السراج في البيت يفصل به بين حقائق المعلومات. ومنهم من قال إنه جوهر بسيط أي غير مركب. ثم اختلفوا في محله فقالت طائفة منهم: محله الدماغ لان الدماغ محل الحس. وقالت طائفة أخرى محله القلب لان القلب معدن الحياة ومادة الحواس. وهذا القول في العقل بأنه جوهر فاسد من حيث إن الجواهر متماثلة فلو كان جوهر عقلا لكان كل جوهر عقلا.
وقيل: إن العقل هو المدرك للأشياء على ما هي عليه من حقائق المعاني. وهذا القول وإن كان أقرب مما قبله فيبعد عن الصواب من جهة أن الإدراك من صفات الحي والعقل عرض يستحيل ذلك منه كما يستحيل أن يكون ملتذا ومشتهيا وقال الشيخ أبو الحسن الأشعري والأستاذ أبو إسحاق الاسفرايني وغيرهما من المحققين العقل هو العلم بدليل أنه لا يقال عقلت وما علمت أو علمت وما عقلت وقال القاضي أبو بكر العقل علوم ضرورية بوجوب الواجبات وجواز الجائزات واستحالة المستحيلات وهو اختيار أبى المعالي في الإرشاد واختار في البرهان أنه صفة يتأتى بها درك العلوم واعترض على مذهب القاضي واستدل على فساد مذهبه وحكي في البرهان عن المحاسبي أنه قال العقل غريزة وحكى الأستاذ أبو بكر عن الشافعي وأبي عبد الله بن مجاهد أنهما قالا العقل آلة التمييز وحكى عن أبي العباس القلانسي أنه قال العقل قوة التمييز وحكي عن المحاسبي أنه قال العقل أنوار وبصائر ثم رتب هذه الأقوال وحملها على محامل فقال والأولى ألا يصح هذا النقل عن الشافعي ولا عن ابن مجاهد فان الآلة إنما تستعمل في الآلة المثبتة واستعمالها في الاعراض مجاز. وكذلك قول من قال إنه قوة فإنه لا يعقل من القوة إلا القدرة والقلانسي أطلق ما أطلقه توسعا في العبارات وكذلك المحاسبي. والعقل ليس بصورة ولا نور ولكن تستفاد به الأنوار والبصائر وسيأتي في هذه السورة بيان فائدته في آية التوحيد إن شاء الله تعالى.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #4


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (45)}
فيه ثمان مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} الصبر: الحبس في اللغة وقتل فلان صبرا أي امسك وحبس حتى أتلف وصبرت نفسي على الشيء حبستها. والمصبورة التي نهي عنها في الحديث هي المحبوسة على الموت وهي المجثمة.
وقال عنترة:
فصبرت عارفة لذلك حرة *** ترسو إذا نفس الجبان تطلع
الثانية: أمر تعالى بالصبر على الطاعة وعن المخالفة في كتابه فقال: {وَاصْبِرُوا} يقال فلان صابر عن المعاصي وإذا صبر عن المعاصي فقد صبر على الطاعة هذا أصح ما قيل قال النحاس: ولا يقال لمن صبر على المصيبة: صابر إنما يقال صابر على كذا. فإذا قلت صابر مطلقا فهو على ما ذكرنا قال الله تعالى: {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} [الزمر: 10] الثالثة: قوله تعالى: {وَالصَّلاةِ} خص الصلاة بالذكر من بين سائر العبادات تنويها بذكرها وكان عليه السلام إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي له أخوه قثم- وقيل بنت له- وهو في سفر فاسترجع وقال: عورة سترها الله، ومئونة كفاها الله، واجر ساقه الله. ثم تنحى عن الطريق وصلي ثم أنصرف إلى راحلته وهو يقرأ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} فالصلاة على هذا التأويل هي الشرعية.
وقال قوم: هي الدعاء على عرفها في اللغة فتكون الآية على هذا التأويل مشبهة لقوله تعالى: {إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ} [الأنفال 45] لان الثبات هو الصبر والذكر هو الدعاء وقول ثالث قال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصوم ومنه قيل لرمضان شهر الصبر فجاء الصوم والصلاة على هذا القول في الآية متناسبا في أن الصيام يمنع من الشهوات ويزهد في الدنيا والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر الآخرة والله أعلم.
الرابعة: الصبر على الأذى والطاعات من باب جهاد النفس وقمعها عن شهواتها ومنعها من تطاولها وهو من أخلاق الأنبياء والصالحين قال يحيى بن اليمان الصبر ألا تتمنى حالة سوى ما رزقك الله والرضا بما قضى الله من أمر دنياك وآخرتك.
وقال الشعبي قال علي رضي الله عنه الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد قال الطبري وصدق علي رضي الله عنه وذلك أن الايمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح فمن لم يصبر على العمل بجوارحه لم يستحق الايمان بالإطلاق. فالصبر على العمل بالشرائع نظير الرأس من الجسد للإنسان الذي لا تمام له إلا به.
الخامسة: وصف الله تعالى جزاء الأعمال وجعل لها نهاية وحدا فقال: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها} [الانعام 160] وجعل جزاء الصدقة في سبيل الله فوق هذا فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261] الآية. وجعل أجر الصابرين بغير حساب ومدح أهله فقال: {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} [الزمر: 10] وقال: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43] وقد قيل: أن المراد بالصابرين في قوله: {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ} [الزمر: 10] أي الصائمون لقوله تعالى في صحيح السنة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصيام لي وأنا أجزى به» فلم يذكر ثوابا مقدرا كما لم يذكره في الصبر. والله أعلم.
السادسة: من فضل الصبر وصف الله تعالى نفسه به كما في حديث أبي موسى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «ليس أحد أو ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله تعالى إنهم ليدعون له ولدا وإنه ليعافيهم ويرزقهم» أخرجه البخاري. قال علماؤنا: وصف الله تعالى بالصبر إنما هو بمعنى الحلم ومعنى وصفه تعالى بالحلم هو تأخير العقوبة عن المستحقين لها ووصفه تعالى بالصبر لم يرد في التنزيل وانما ورد في حديث أبي موسى وتأوله أهل السنة على تأويل الحلم قاله ابن فورك وغيره. وجاء في أسمائه الصبور للمبالغة في الحلم عمن عصاه.
السابعة: قوله تعالى: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} اختلف المتأولون في عود الضمير من قوله: {وَإِنَّها}، فقيل: على الصلاة وحدها خاصة لأنها تكبر على النفوس ما لا يكبر الصوم والصبر هنا: الصوم فالصلاة فيها سجن النفوس والصوم إنما فيه منع الشهوة فليس من منع شهوة واحدة أو شهوتين كمن منع جميع الشهوات. فالصائم إنما منع شهوة النساء والطعام والشراب ثم ينبسط في سائر الشهوات من الكلام والمشي والنظر إلى غير ذلك من ملاقاة الخلق فيتسلى بتلك الأشياء عما منع. والمصلى يمتنع من جميع ذلك فجوارحه كلها مقيدة بالصلاة عن جميع الشهوات. وإذا كان ذلك كانت الصلاة أصعب على النفس ومكابدتها أشد فلذلك قال: {وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ} وقيل: عليهما ولكنه كنى عن الأغلب وهو الصلاة كقوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 34] وقوله: {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها} [الجمعة: 11] فرد الكناية إلى الفضة لأنها الأغلب والأعم وإلى التجارة لأنها الأفضل والاهم وقيل: إن الصبر لما كان داخل في الصلاة أعاد عليها كما قال: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] ولم يقل: يرضوهما لان رضا الرسول داخل في رضا الله عز وجل ومنه قول الشاعر:
إن شرخ الشباب والشعر الاس *** ود ما لم يعاص كان جنونا
ولم يقل يعاصيا رد إلى الشباب لان الشعر داخل فيه.
وقيل: رد الكناية إلى كل واحد منهما لكن حذف اختصارا قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} [المؤمنون: 50] ولم يقل آيتين ومنه قول الشاعر:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله *** فإني وقيار بها لغريب
وقال آخر:
لكل هم من الهموم سعة *** والصبح والمسي لا فلاح معه
أراد: لغريبان، لا فلاح معهم وقيل: على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة.
وقيل: على المصدر وهى الاستعانة التي يقتضيها قوله: {وَاسْتَعِينُوا} وقيل على إجابة محمد عليه السلام لان الصبر والصلاة مما كان يدعو إليه وقيل على الكعبة لان الامر بالصلاة أنما هو إليها {وكبيرة} معناه ثقيلة شاقة خبر إن ويجوز في غير القرآن: وانه لكبيرة {إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ} فإنها خفيفة عليهم. قال أرباب المعاني إلا على من أيد في الأزل بخصائص الاجتباء والهدى.
الثامنة: قوله تعالى: {عَلَى الْخاشِعِينَ} الخاشعون جمع خاشع وهو المتواضع. والخشوع: هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع.
وقال قتادة: الخشوع في القلب وهو الخوف وغض البصر في الصلاة قال الزجاج: الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الإقواء هذا هو الأصل قال النابغة:
رماد ككحل العين لأيا أبينه *** ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع
ومكان خاشع: لا يهتدى له. وخشعت الأصوات أي سكنت. وخشعت خراشي صدره إذا ألقى بصاقا لزجا. وخشع ببصره إذا غضه. والخشعة: قطعة من الأرض رخوة وفي الحديث: «كانت خشعة على الماء ثم دحيت بعد» وبلدة خاشعة: مغبرة لا منزل بها قال سفيان الثوري سألت الأعمش عن الخشوع فقال يا ثوري أنت تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع! سألت إبراهيم النخعي عن الخشوع فقال: أعيمش! تريد أن تكون إماما للناس ولا تعرف الخشوع! ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطؤ الرأس! لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء وتخشع لله في كل فرض أفترض عليك ونظر عمر بن الخطاب إلى شاب قد نكس رأسه فقال يا هذا! ارفع رأسك فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب.
وقال علي بن أبي طالب: الخشوع في القلب، وأن تلين كفيك للمرء المسلم وألا تلتفت في صلاتك. وسيأتي هذا المعنى مجودا عند قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ} [المؤمنون: 1- 2] فمن أظهر للناس خشوعا فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقا علو نفاق قال سهل بن عبد الله لا يكون خاشعا حتى تخشع كل شعرة على جسده لقول الله تبارك وتعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر: 23].
قلت: هذا هو الخشوع المحمود لان الخوف إذا سكن القلب أوجب خشوع الظاهر فلا يملك صاحبه دفعه فتراه مطرقا متأدبا متذللا وقد كان السلف يجتهدون في ستر ما يظهر من ذلك وأما المذموم فتكلفه والتباكي ومطأطأة الرأس كما يفعله الجهال ليروا بعين البر والإجلال وذلك خدع من الشيطان وتسويل من نفس الإنسان. روى الحسن أن رجلا تنفس عند عمر بن الخطاب كأنه يتحازن فلكزه عمر أو قال لكمه. وكان عمر رضي الله عنه إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع وكان ناسكا صدقا وخاشعا حقا وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الخاشعون هم المؤمنون حقا.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #5


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (46)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} {الذين} في موضع خفض على النعت للخاشعين، ويجوز الرفع على القطع. والظن هنا في قول الجمهور بمعنى اليقين ومنه قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ} [الحاقة: 20] وقوله: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها} [الكهف: 53]. قال دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج *** سراتهم في الفارسي المسرد
وقال أبو داود:
رب هم فرجته بغريم *** وغيوب كشفتها بظنون
وقد قيل: إن الظن في الآية يصح أن يكون على بابه ويضمر في الكلام بذنوبهم فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين ذكر المهدوي والماوردي قال ابن عطية: وهذا تعسف. وزعم الفراء أن الظن قد يقع بمعنى الكذب ولا يعرف ذلك البصريون. واصل الظن وقاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه وقد يوقع موقع اليقين كما في هذه الآية وغيرها لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنسانا وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس بمعنى كهذه الآية والشعر وكقوله تعالى: {فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها} وقد يجئ اليقين بمعنى الظن وقد تقدم بيانه أول السورة وتقول سؤت به ظنا وأسأت به الظن يدخلون الألف إذا جاءوا بالألف واللام. ومعنى: {مُلاقُوا رَبِّهِمْ} جزاء ربهم.
وقيل: جاء على المفاعلة وهو من واحد، مثل عافاه الله. {وَأَنَّهُمْ} بفتح الهمزة عطف على الأول ويجوز وإنهم بكسرها على القطع. {إِلَيْهِ} أي إلى ربهم وقيل إلى جزائه. {راجِعُونَ} إقرار بالبعث والجزاء والعرض على الملك الأعلى.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #6


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



{يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47)}
قوله تعالى: {يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} تقدم و{وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ} يريد على عالمي زمانهم، وأهل كل زمان عالم.
وقيل: على كل العالمين بما جعل فيهم من الأنبياء وهذا خاصة لهم وليست لغيرهم.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #7


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي




{وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)}
قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} أمر معناه الوعيد وقد مضى الكلام في التقوى. {يَوْماً} يريد عذابه وهوله وهو يوم القيامة. وانتصب على المفعول بـ {اتَّقُوا} ويجوز في غير القرآن يوم لا تجزى على الإضافة. وفى الكلام حذف بين النحويين فيه اختلاف. قال البصريون: التقدير يوما لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا ثم حذف فيه كما قال:
يوما شهدناه سليما وعامرا ***
أي شهدنا فيه وقال الكسائي هذا خطأ لا يجوز حذف فيه ولكن التقدير واتقوا يوما لا تجزيه نفس ثم حذف الهاء وإنما يجوز حذف الهاء لان الظروف عنده لا يجوز حذفها قال لا يجوز أن تقول هذا رجلا قصدت ولا رأيت رجلا أرغب وأنت تريد قصدت إليه وأرغب فيه قال ولو جاز ذلك لجاز الذي تكلمت زيد بمعنى تكلمت فيه زيد.
وقال الفراء يجوز أن تحذف الهاء وفيه وحكى المهدوي أن الوجهين جائزان عند سيبويه والأخفش والزجاج ومعنى: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً}: أي لا تؤاخذ نفس بذنب أخرى ولا تدفع عنها شيئا تقول جزى عني هذا الامر يجزي كما تقول قضى عني واجتزأت بالشيء اجتزاء إذا اكتفيت به قال الشاعر:
فإن الغدر في الأقوام عار *** وأن الحر يجزأ بالكراع
أي يكتفي بها.
وفي حديث عمر: «إذا أجريت الماء على الماء جزى عنك» يريد إذا صببت الماء على البول في الأرض فجرى عليه طهر المكان ولا حاجة بك إلى غسل ذلك الموضع وتنشيف الماء بخرقة أو غيرها كما يفعل كثير من الناس وفي صحيح الحديث عن أبي بردة بن نيار في الأضحية: «لن تجزي عن أحد بعدك» أي لن تغني فمعنى لا تجزي: لا تقضي ولا تغني ولا تكفي إن لم يكن عليها شيء فإن كان فإنها تجزي وتقضي وتغني بغير اختيارها من حسناتها ما عليها من الحقوق كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه». خرجه البخاري. ومثله حديثه الآخر في المفلس وقد ذكرناه في التذكرة خرجه مسلم. وقرئ {تجزئ} بضم التاء والهمز. ويقال: جزى وأجزى بمعنى واحد. وقد فرق بينهما قوم فقالوا جزى بمعنى قضى وكافأ وأجزى بمعنى أغنى وكفى أجزأني الشيء يجزئني أي كفاني قال الشاعر:
وأجزأت أمر العالمين ولم يكن *** ليجزئ إلا كامل وابن كامل
الثالثة- قوله تعالى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ} الشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان تقول كان وترا فشفعته شفعا والشفعة منه لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك. والشفيع صاحب الشفعة وصاحب الشفاعة وناقة شافع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها تقول منه: شفعت الناقة شفعا وناقة شفوع وهي التي تجمع بين محلبين في حلبة واحدة. واستشفعته إلى فلان: سألته أن يشفع لي إليه. وتشفعت إليه في فلان فشفعني فيه فالشفاعة إذا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال منفعته للمشفوع.
الرابعة: مذهب أهل الحق أن الشفاعة حق وأنكرها المعتزلة وخلدوا المؤمنين من المذنبين الذين دخلوا النار في العذاب. والاخبار متظاهرة بأن من كان من العصاة المذنبين الموحدين من أمم النبيين هم الذين تنالهم شفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والشهداء والصالحين. وقد تمسك القاضي عليهم في الرد بشيئين أحدهما الاخبار الكثيرة التي تواترت في المعنى. والثاني الإجماع من السلف على تلقي هذه الاخبار بالقبول ولم يبد من أحد منهم في عصر من الاعصار نكير فظهور روايتها وإطباقهم على صحتها وقبولهم لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل الحق وفساد دين المعتزلة فإن قالوا قد وردت نصوص من الكتاب بما يوجب رد هذه الاخبار مثل قوله: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} [غافر: 18]. قالوا: وأصحاب الكبائر ظالمون. وقال: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] {وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ} [البقرة: 48] قلنا ليست هذه الآيات عامة في كل ظالم والعموم لا صيغة له فلا تعم هذه الآيات كل من يعمل سوءا وكل نفس وإنما المراد بها الكافرون دون المؤمنين بدليل الاخبار الواردة في ذلك وأيضا فان الله تعالى أثبت شفاعة لأقوام ونفاها عن أقوام فقال في صفة الكافرين {فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر: 48] وقال: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى} [الأنبياء: 28] وقال: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 23]. فعلمنا بهذه الجملة أن الشفاعة إنما تنفع المؤمنين دون الكافرين وقد أجمع المفسرون على أن المراد بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ} النفس الكافرة لا كل نفس. ونحن وإن قلنا بعموم العذاب لكل ظالم عاص فلا نقول إنهم مخلدون فيها بدليل الاخبار التي رويناها وبدليل قوله: {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء: 48] وقوله: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ} [يوسف: 87]. فإن قالوا: فقد قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى} والفاسق غير مرتضى قلنا لم يقل لمن لا يرضى وإنما قال: {لِمَنِ ارْتَضى} ومن ارتضاه الله للشفاعة هم الموحدون بدليل قوله: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً} [مريم 87]. وقيل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما عهد الله مع خلقه قال: «أن يؤمنوا ولا يشركوا به شيئا».
وقال المفسرون: إلا من قال لا إله إلا الله. فإن قالوا المرتضى هو التائب الذي اتخذ عند الله عهدا بالإنابة إليه بدليل أن الملائكة استغفروا لهم وقال: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: 7] وكذلك شفاعة الأنبياء عليهم السلام إنما هي لأهل التوبة دون أهل الكبائر قلنا: عندكم يجب على الله تعالى قبول التوبة فإذا قبل الله توبة المذنب فلا يحتاج إلى الشفاعة ولا إلى الاستغفار. وأجمع أهل التفسير على أن المراد بقوله: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا} أي من الشرك {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} أي سبيل المؤمنين. سألوا الله تعالى أن يغفر لهم ما دون الشرك من ذنوبهم كما قال تعالى: {وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء: 48] فإن قالوا جميع الامة يرغبون في شفاعة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلو كانت لأهل الكبائر خاصة بطل سؤالهم. قلنا: إنما يطلب كل مسلم شفاعة الرسول ويرغب إلى الله في أن تناله لاعتقاده أنه غير سالم من الذنوب ولا قاسم لله سبحانه بكل ما افترض عليه بل كل واحد معترف على نفسه بالنقص فهو لذلك يخاف العقاب ويرجو النجاة وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا ينجو أحد إلا برحمة الله تعالى فقيل ولا أنت يا رسول الله؟ فقال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» الخامسة: قوله تعالى: {وَلا يُقْبَلُ} قرأ ابن كثير وأبو عمرو {تقبل} بالتاء لان الشفاعة مؤنثة. وقرأ الباقون بالياء على التذكير لأنها بمعنى الشفيع.
وقال الأخفش: حسن التذكير لأنك قد فرقت كما تقدم في قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ} [البقرة: 37].
السادسة: قوله تعالى: {وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ} أي فداء والعدل بفتح العين الفداء وبكسرها المثل يقال عدل وعديل للذي يماثلك في الوزن والقدر ويقال عدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه والعدل بالكسر هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفى جرمه وحكى الطبري: أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غير قوله تعالى: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} أي يعانون. والنصر العون والأنصار الأعوان ومنه قوله: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52] أي من يضم نصرته إلى نصرتي وأنتصر الرجل: أنتقم والنصر: الإتيان يقال: نصرت أرض بني فلان أتيتها قال الشاعر:
إذا دخل الشهر الحرام فودعي *** بلاد تميم وانصري أرض عامر
والنصر المطر يقال نصرت الأرض مطرت والنصر العطاء قال:
إني وأسطار سطرن سطرا *** لقائل يا نصر نصرا نصرا
وكان سبب هذه الآية فيما ذكروا أن بني إسرائيل قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل قيه الشفاعات ولا يؤخذ فيه فدية. وإنما خص الشفاعة والفدية والنصر بالذكر لأنها هي المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا فان الواقع في الشدة لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدي.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #8


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



{وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49)}
فيه ثلاث عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: {وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} إذ في موضع نصب عطف على {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ}. وهذا وما بعده تذكير ببعض النعم التي كانت له عليهم أي اذكروا نعمتي بإنجائكم من عدوكم وجعل الأنبياء فيكم والخطاب للموجودين والمراد من سلف من الآباء كما قال: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ} [الحاقة: 11] أي حملنا آباءكم وقيل إنما قال: {نَجَّيْناكُمْ} لان نجاة الآباء كانت سببا لنجاة هؤلاء الموجودين ومعنى: {نَجَّيْناكُمْ} ألقيناكم على نجوة من الأرض وهي ما ارتفع منها هذا هو الأصل ثم سمى كل فائز ناجيا. فالناجي من خرج من ضيق إلى سعة وقرئ {وإذ نجيتكم} على التوحيد.
الثانية: قوله تعالى: {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} {آل فرعون} قومه وأتباعه وأهل دينه. وكذلك آل الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هو على دينه وملته في عصره وسائر الاعصار سواء كان نسيبا له أو لم يكن. ومن لم يكن على دينه وملته فليس من آله ولا أهله وإن كان نسيبه وقريبه خلافا للرافضة حيث قالت إن آل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة والحسن والحسين فقط. دليلنا قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ} [البقرة: 50] {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} [غافر: 46] أي آل دينه إذ لم يكن له ابن ولا بنت ولا أب ولا عم ولا أخ ولا عصبة. ولأنه لا خوف أن من ليس بمؤمن ولا موحد فإنه ليس من آل محمد وإن كان قريبا له ولأجل هذا يقال إن أبا لهب وأبا جهل ليسا من آله ولا من أهله وإن كان بينهما وبين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرابة ولأجل هذا قال الله تعالى في ابن نوح {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ} [هود: 46].
وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جهارا غير سر يقول: «ألا إن آل أبي- يعني فلانا ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين» وقالت طائفة آل محمد أزواجه وذريته خاصة لحديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال: «قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» رواه مسلم وقالت طائفة من أهل العلم الأهل معلوم والآل الاتباع والأول أصح لما ذكرناه ولحديث عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صل عليهم» فأتاه أبي بصدقته فقال: «اللهم صل على آل أبي أوفى».
الثالثة: اختلف النحاة هل يضاف الآل إلى البلدان أو لا؟ فقال الكسائي إنما يقال آل فلان وآل فلانة ولا يقال في البلدان هو من آل حمص ولا من آل المدينة. قال الأخفش إنما يقال في الرئيس الأعظم نحو آل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وآل فرعون لأنه رئيسهم في الضلالة. قال وقد سمعناه في البلدان قالوا: أهل المدينة وآل المدينة.
الرابعة: واختلف النحاة أيضا هل يضاف الآل إلى المضمر أو لا؟ فمنع من ذلك النحاس والزبيدي والكسائي فلا يقال إلا اللهم صل على محمد وآل محمد ولا يقال وآله والصواب أن يقال: أهله. وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك يقال منهم ابن السيد وهو الصواب لان السماع الصحيح يعضده فإنه قد جاء في قول عبد المطلب:
لاهمّ إن العبد يمن *** ع رحله فامنع حلالك
وانصر على آل الصلي *** ب وعابديه اليوم آلك
وقال ندبة:
أنا الفارس الحامي حقيقة والدي *** وآلي كما تحمي حقيقة آلكا
الحقيقة بقافين: ما يحق على الإنسان أن يحميه أي تجب عليه حمايته.
الخامسة: واختلفوا أيضا في أصل آل فقال النحاس أصله أهل ثم أبدل من الهاء ألفا فإن صغرته رددته إلى أصله فقلت: أهيل.
وقال المهدوي: أصله أول.
وقيل: أهل قلبت الهاء همزة ثم أبدلت الهمزة ألفا. وجمعه آلون وتصغيره أويل فيما حكى الكسائي.
وحكى غيره أهيل وقد ذكرناه عن النحاس.
وقال أبو الحسن بن كيسان: إذا جمعت ألا قلت آلون فإن جمعت آلا الذي هو السراب قلت آوال مثل مال وأموال.
السادسة: قوله تعالى: {فِرْعَوْنَ} {فرعون} قيل إنه اسم ذلك الملك بعينه. وقيل اسم كل ملك من ملوك العمالقة مثل كسرى للفرس وقيصر للروم والنجاشي للحبشة وأن اسم فرعون موسى قابوس في قول أهل الكتاب.
وقال وهب أسمه الوليد بن مصعب بن الريان ويكنى أبا مرة وهو من بني عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. قال السهيلي وكل من ولى القبط ومصر فهو فرعون. وكان فارسيا من أهل إصطخر. قال المسعودي لا يعرف لفرعون تفسير بالعربية. قال الجوهري: فرعون لقب الوليد بن مصعب ملك مصر وكل عات فرعون والعتاة الفراعنة وقد تفر عن وهو ذو فرعنة أي دهاء ونكر. وفى الحديث: «أخذنا فرعون هذه الامة». {وفرعون} في موضع خفض إلا أنه لا ينصرف لعجمته السابعة: قوله تعالى: {يَسُومُونَكُمْ} قيل: معناه يذيقونكم ويلزمونكم إياه.
وقال أبو عبيدة: يولونكم يقال: سامه خطة خسف إذا أولاه إياها ومنه قول عمرو بن كلثوم:
إذا ما الملك سام الناس خسفا *** أبينا أن نقر الخسف فينا
وقيل: يديمون تعذيبكم. والسوم: الدوام ومنه سائمة الغنم لمداومتها الرعي. قال الأخفش: وهو في موضع رفع على الابتداء وإن شئت كان في موضع نصب غلى الحال أي سائمين لكم.
الثامنة: قوله تعالى: {سُوءَ الْعَذابِ} مفعول ثان ل {يَسُومُونَكُمْ} ومعناه أشد العذاب. ويجوز أن يكون بمعنى سوم العذاب. وقد يجوز أن يكون نعتا بمعنى سوما سيئا. فروى أن فرعون جعل بني إسرائيل خدما وخولا وصنفهم في أعماله فصنف يبنون وصنف يحرثون ويزرعون وصنف يتخدمون وكان قومه جندا ملوكا ومن لم يكن منهم في عمل من هذه الأعمال ضربت عليه الجزية فذلك سوء العذاب التاسعة: قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ}... {يُذَبِّحُونَ} بغير واو على البدل من قوله: {يَسُومُونَكُمْ} كما قال أنشده سيبويه:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا *** تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
قال الفراء وغيره {يُذَبِّحُونَ} بغير واو على التفسير لقوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ} [البقرة: 49] كما تقول أتاني القوم زيد وعمرو فلا تحتاج إلى الواو في زيد ونظيره: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ} [الفرقان: 68- 69] وفي سورة إبراهيم {وَيُذَبِّحُونَ} بالواو لان المعنى يعذبونكم بالذبح وبغير الذبح فقوله: {وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ} جنس آخر من العذاب لا تفسير لما قبله. والله أعلم.
قلت: قد يحتمل أن يقال: إن الواو زائدة بدليل سورة البقرة والواو قد تزاد كما قال:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى ***
أي قد انتحى وقال آخر:
إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم
أراد إلى الملك القرم ابن الهمام ليث الكتيبة وهو كثير العاشرة: قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ} قراءة الجماعة بالتشديد على التكثير وقرأ ابن محيضن {يذبحون} بفتح الباء. والذبح: الشق. والذبح: المذبوح. والذباح: تشقق في أصول الأصابع وذبحت الدن بزلته أي كشفته وسعد الذابح: أحد السعود. والمذابح: المحاريب. والمذابح: جمع مذبح وهو إذا جاء السيل فخد في الأرض فما كان كالشبر ونحوه سمي مذبحا فكان فرعون يذبح الأطفال ويبقي البنات وعبر عنهم باسم النساء بالمال وقالت طائفة {يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ} يعني الرجال وسموا أبناء لما كانوا كذلك واستدل هذا القائل بقوله: {نِساءَكُمْ} والأول أصح لأنه الأظهر والله أعلم.
الحادية عشرة: نسب الله تعالى الفعل إلى آل فرعون وهم إنما كانوا يفعلون بأمره وسلطانه لتوليهم ذلك بأنفسهم وليعلم أن المباشر مأخوذ بفعله. قال الطبري ويقتضي أن من أمره ظالم بقتل أحد فقتله المأمور فهو المأخوذ به.
قلت: وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال يقتلان جميعا هذا بأمره والمأمور بمباشرته هكذا قال النخعي وقاله الشافعي ومالك في تفصيل لهما قال الشافعي: إذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل والمأمور يعلم أنه أمر بقتله ظلما كان عليه وعلى الامام القود كقاتلين معا وإن أكرهه الامام عليه وعلم أنه يقتله ظلما كان على الامام القود وفى المأمور قولان أحدهما أن عليه القود والآخر لا قود عليه وعليه نصف الدية حكاه ابن المنذر وقال علماؤنا لا يخلو المأمور أن يكون ممن تلزمه طاعة الآمر ويخاف شره كالسلطان والسيد لعبده فالقود في ذلك لازم لهما أو يكون ممن لا يلزمه ذلك فيقتل المباشر وحده دون الآمر وذلك كالأب يأمر ولده أو المعلم بعض صبيانه أو الصانع بعض متعلميه إذا كان محتلما فان كان غير محتلم فالقتل على الآمر وعلى عاقلة الصبي نصف الدية وقال ابن نافع: لا يقتل السيد إذا أمر عبده وإن كان أعجميا بقتل إنسان قال ابن حبيب وبقول ابن القاسم أقول إن القتل عليهما فأما أمر من لا خوف على المأمور في مخالفته فإنه لا يلحق بالإكراه بل يقتل المأمور دون الآمر ويضرب الآمر ويحبس.
وقال أحمد في السيد يأمر عبده أن يقتل رجلا: يقتل السيد. وروي هذا القول عن علي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهما.
وقال علي ويستودع العبد السجن.
وقال أحمد ويحبس العبد ويضرب ويؤدب وقال الثوري يعزر السيد وقال الحكم وحماد يقتل العبد وقال قتادة: يقتلان جميعا.
وقال الشافعي إن كان العبد فصيحا يعقل قتل العبد وعوقب السيد وإن كان العبد أعجميا فعلى السيد القود وقال سليمان بن موسى لا يقتل الآمر ولكن تقطع يديه ثم يعاقب ويحبس وهو القول الثاني ويقتل المأمور للمباشرة. كذلك قال عطاء والحكم وحماد والشافعي وأحمد وإسحاق في الرجل يأمر الرجل بقتل الرجل وذكره ابن المنذر وقال زفر لا يقتل واحد منهما وهو القول الثالث حكاه أبو المعالي في البرهان وراي أن الآمر والمباشر ليس كل واحد منهما مستقلا في القود فلذلك لا يقتل واحد منهما عنده والله أعلم الثانية عشرة: قرأ الجمهور {يُذَبِّحُونَ} بالتشديد على المبالغة وقرأ ابن محيصن {يذبحون} بالتخفيف والأولى أرجح إذ الذبح متكرر وكان فرعون على ما روي قد رأى في منامه نارا خرجت من بيت المقدس فأحرقت بيوت مصر فأولت له رؤياه أن مولودا من بني إسرائيل ينشأ فيكون خراب ملكه على يديه وقيل غير هذا والمعنى متقارب.
الثالثة عشرة: قوله تعالى: {وَفِي ذلِكُمْ} إشارة إلى جملة الامر إذ هو خبر فهو كمنفرد حاضر أي وفي فعلهم ذلك بكم بلاء أي امتحان واختبار و{بلاء} نعمة ومنه قوله تعالى: {وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً} [الأنفال: 17] قال أبو الهيثم البلاء يكون حسنا ويكون سيئا وأصله المحنة والله عز وجل يبلو عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره فقيل للحسن بلاء وللسيئ بلاء حكاه الهروي وقال قوم الإشارة ب {ذلِكُمْ} إلى التنجية فيكون البلاء على هذا في الخير أي تنجيتكم نعمة من الله عليكم وقال الجمهور: الإشارة إلى الذبح ونحوه والبلاء هنا في الشر والمعنى: وفى الذبح مكروه و- امتحان.
وقال ابن كيسان ويقال في الخير أبلاه الله وبلاه وأنشد:
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم *** وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
فجمع بين اللغتين والأكثر في الخير أبليته وفي الشر بلوته وفى الاختبار ابتليته وبلوته قاله النحاس.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #9


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



{وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50)}
قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ} إذ في موضع نصب و{فرقنا} فلقنا فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ أي الجبل العظيم. واصل الفرق الفصل ومنه فرق الشعر ومنه الفرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل أي يفصل ومنه: {فَالْفارِقاتِ فَرْقاً} [المرسلات: 4] يعني الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل ومنه: {يَوْمَ الْفُرْقانِ} [الأنفال: 41] يعني يوم بدر كان فيه فرق بين الحق والباطل ومنه: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ} [الإسراء: 106] أي فصلناه وأحكمناه وقرأ الزهري: {فرقنا} بتشديد الراء أي جعلناه فرقا ومعنى: {بِكُمُ} أي لكم فالباء بمعنى اللام وقيل الباء في مكانها أي فرقنا البحر بدخولكم إياه أي صاروا بين الماءين فصار الفرق بهم وهذا أولى يبينه {فَانْفَلَقَ}.
قوله تعالى: {الْبَحْرَ} البحر معروف سمي بذلك لاتساعه. ويقال: فرس بحر إذا كان واسع الجري أي كثيره. ومن ذلك قول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مندوب فرس أبى طلحة: «وإن وجدناه لبحرا» والبحر: الماء الملح. ويقال: أبحر الماء: ملح قال نصيب:
وقد عاد ماء الأرض بحرا فزادني *** إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب
والبحر: البلدة يقال: هذه بحرتنا أي بلدتنا. قاله الأموي. والبحر: السلال يصيب الإنسان. ويقولون: لقيته صحرة بحرة أي بارزا مكشوفا. وفي الخبر عن كعب الأحبار قال: إن لله ملكا يقال له: صندفاييل البحار كلها في نقرة إبهامه. ذكره أبو نعيم عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعب قوله تعالى: {فَأَنْجَيْناكُمْ} أي أخرجناكم منه يقال نجوت من كذا نجاء ممدود ونجاة مقصور والصدق منجاة وأنجيت غيري ونجيته وقرى بهما {وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ}... {فَأَنْجَيْناكُمْ}.
قوله تعالى: {وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ} يقال: غرق في الماء غرقا فهو غرق وغارق أيضا ومنه قول أبي النجم:
من بين مقتول وطاف غارق ***
وأغرقه غيره وغرقه فهو مغرق وغريق. ولجام مغرق بالفضة أي محلى. والتغريق: القتل قال الأعشى:
ألا ليت قيسا عرقته القوابل ***
وذلك أن القابلة كانت تغرق المولود في ماء السلى عام القحط ذكرا كان أو أنثى حتى يموت ثم جعل كل قتل تغريقا ومنه قول ذي الرمة:
إذا غرقت أرباضها ثنى بكرة *** بتيهاء لم تصبح رءوما سلوبها
والارباض: الحبال. والبكرة: الناقة الفتية وثنيها: بطنها الثاني وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها من التعب.
القول في اختلاف العلماء في كيفية إنجاء بني إسرائيل:
فذكر الطبري أن موسى عليه السلام أوحى إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحلي والمتاع من القبط وأحل الله ذلك لبني إسرائيل فسرى بهم موسى من أول الليل فأعلم فرعون فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الديكة فلم يصح تلك الليلة بمصر ديك وأمات الله تلك الليلة كثيرا من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الاتباع مشرقين كما قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ} [الشعراء: 60]. وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه. وكانت عدة بني إسرائيل نيفا على ستمائة ألف وكانت عدة فرعون ألف ألف ومائتي ألف.
وقيل: إن فرعون اتبعه في ألف ألف حصان سوى الإناث وقيل دخل إسرائيل- وهو يعقوب عليه السلام مصر في ستة وسبعين نفسا من ولده وولد ولده فأنمي الله عددهم وبارك في ذريته حتى خرجوا إلى البحر يوم فرعون وهم ستمائة ألف من المقاتلة سوى الشيوخ والذرية والنساء وذكر أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال حدثنا شبابة بن سوار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسرى إسرائيل بلغ فرعون فأمر بشاة فذبحت ثم قال: لا والله لا يفرغ من سلخها حتى تجتمع لي ستمائة ألف من القبط قال: فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر فقال له أفرق فقال له البحر: لقد استكبرت يا موسى! وهل فرقت لاحد من ولد آدم فأفرق لك! قال: ومع موسى رجل على حصان له قال فقال له ذلك الرجل أين أمرت يا نبي الله؟ قال ما أمر ت إلا بهذا الوجه قال: فأقحم فرسه فسبح فخرج. فقال أين أمرت يا نبي الله؟ قال ما أمرت إلا بهذا الوجه قال: والله ما كذبت ولا كذبت ثم أقتحم الثانية فسبح به حتى خرج فقال أين أمرت يا نبي الله؟ فقال ما أمرت إلا بهذا الوجه قال: والله ما كذبت ولا كذبت قال فأوحى الله إليه {أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ} [الأعراف 160] فضربه موسى بعصاه {فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء 63] فكان فيه اثنا عشر فرقا لاثني عشر سبطا لكل سبط طريق يتراءون وذلك أن أطواد الماء صار فيها طيقانا وشبابيك يرى منها بعضهم بعضا فلما خرج أصحاب موسى وقام أصحاب فرعون التطم البحر عليهم فأغرقهم ويذكر أن البحر هو بحر القلزم وأن الرجل الذي كان مع موسى على الفرس هو فتاه يوشع بن نون. وأن الله تعالى أوحى إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك فبات البحر تلك الليلة يضطرب فحين أصبح ضرب البحر وكناه أبا خالد. ذكره ابن أبي شيبة أيضا. وقد أكثر المفسرون في قصص هذا المعنى وما ذكرناه كاف وسيأتي في سورة يونس والشعراء زيادة بيان إن شاء الله تعالى فصل ذكر الله تعالى الإنجاء والإغراق ولم يذكر اليوم الذي كان ذلك فيه فروى مسلم عن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما هذا اليوم الذي تصومونه» فقالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرق فرعون وقومه فصامه موسى شكرا فنحن نصومه. فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فنحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمر بصيامه. وأخرجه البخاري أيضا عن أبن عباس وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم فصوموا».
مسألة في صوم يوم عاشوراء:
ظاهر هذه الأحاديث تدل على أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما صام عاشوراء وأمر بصيامه اقتداء بموسى عليه السلام على ما أخبر به اليهود وليس كذلك لما روته عائشة رضي الله عنها قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه في الجاهلية فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه أخرجه البخاري ومسلم.
فإن قيل يحتمل أن تكون قريش إنما صامتة بإخبار اليهود لها لأنهم كانوا يسمعون منهم لأنهم كانوا عندهم أهل علم فصامه النبي عليه السلام كذلك في الجاهلية أي بمكة فلما قدم المدينة ووجد اليهود يصومونه قال: «نحن أحق وأولى بموسى منكم» فصامه اتباعا لموسى وأمر بصيامه أي أوجبه وأكد أمره حتى كانوا يصومونه الصغار. قلنا: هذه شبهة من قال إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعله كان متعبدا بشريعة موسى وليس كذلك على ما يأتي بيانه في الأنعام عند قول تعالى: {فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
مسألة: اختلف في يوم عاشوراء هل هو التاسع من المحرم أو العاشر؟
فذهب الشافعي إلى أنه التاسع لحديث الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء فقال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما.
قلت: هكذا كان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه؟ قال نعم خرجه مسلم. وذهب سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وجماعة من السلف إلى أنه العاشر. وذكر الترمذي حديث الحكم ولم يصفه بصحة ولا حسن ثم أردفه: أنبأنا قتيبة أنبأنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس قال أمر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصوم عاشوراء يوم العاشر. قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح. قال الترمذي: وروي عن ابن عباس أنه قال: صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود. وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق. قال غيره وقول ابن عباس للسائل: فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ليس فيه دليل على ترك صوم العاشر بل وعد أن يصوم التاسع مضافا إلى العاشر. قالوا: فصيام اليومين جمع بين الأحاديث. وقول ابن عباس للحكم لما قال له: هكذا كان محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومه؟ قال نعم معناه أن لو عاش وإلا فما كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام التاسع قط. يبينه ما خرجه ابن ماجه في سننه ومسلم في صحيحه عن ابن عباس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع».
فضيلة:
- روى أبو قتادة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» أخرجه مسلم والترمذي وقال لا نعلم في شيء من الروايات أنه قال: «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة» إلا في حديث أبي قتادة.
قوله تعالى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} جملة في موضع الحال ومعناه بأبصاركم فيقال إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم يغرقون وإلى أنفسهم ينجون ففي هذا أعظم المنة وقد قيل إنهم أخرجوا لهم حتى رأوهم فهذه منة بعد منة وقيل المعنى: {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} أي ببصائركم الاعتبار لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار وقيل المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر كما تقول هذا الامر منك بمرأى ومسمع أي بحال تراه وتسمعه إن شئت. وهذا القول والأول أشبه بأحوال بني إسرائيل لتوالي عدم الاعتبار فيما صدر من بني إسرائيل بعد خروجهم من البحر وذلك أن الله تعالى لما أنجاهم وغرق عدوهم قالوا يا موسى إن قلوبنا لا تطمئن إن فرعون قد غرق! حتى أمر الله البحر فلفظه فنظروا إليه. ذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن قيس بن عباد أن بني إسرائيل قالت: ما مات فرعون وما كان ليموت أبدا! قال فلما أن سمع الله تكذيبهم نبيه عليه السلام رمى به على ساحل البحر كأنه ثور أحمر يتراءاه بنو إسرائيل فلما اطمأنوا وبعثوا من طريق البر إلى مدائن فرعون حتى نقلوا كنوزه وغرقوا في النعمة رأوا قوما يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة حتى زجرهم موسى وقال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين أي عالمي زمانه. ثم أمرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة التي كانت مساكن آبائهم ويتطهروا من أرض فرعون. وكانت الأرض المقدسة في أيدي الجبارين قد غلبوا عليها فاحتاجوا إلى دفعهم عنها بالقتال فقالوا أتريد أن تجعلنا لحمة للجبارين! فلو أنك تركتنا في يد فرعون كان خيرا لنا قال: {يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21] إلى قوله: {قاعِدُونَ} حتى دعا عليهم وسماهم فاسقين فبقوا في التيه أربعين سنة عقوبة ثم رحمهم فمن عليهم بالسلوى وبالغمام على ما يأتي بيانه ثم سار موسى إلى طور سيناء ليجيئهم بالتوراة فاتخذوا العجل- على ما يأتي بيانه- ثم قيل لهم: قد وصلتم إلى بيت المقدس ف ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ على ما يأتي وكان موسى عليه السلام شديد الحياء ستيرا فقالوا: إنه آدر. فلما أغتسل وضع على الحجر ثوبه فعدا الحجر بثوبه إلى مجالس بني إسرائيل وموسى على أثره عريان وهو يقول يا حجر ثوبي! فذلك قول تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا} [الأحزاب: 69] على ما يأتي بيانه ثم لما مات هارون قالوا له: أنت قتلت هارون وحسدته حتى نزلت الملائكة بسريره وهارون ميت عليه- وسيأتي في المائدة- ثم سألوه أن يعلموا أية في قبول قربانهم فجعلت نار تجئ من السماء فتقبل قربانهم ثم سألوه أن بين لنا كفارات ذنوبنا في الدنيا فكان من أذنب ذنبا أصبح على بابه مكتوب: «عملت كذا وكفارته قطع عضو من أعضائك» يسميه له ومن أصابه بول لم يطهر حتى يقرضه ويزيل جلدته من بدنه ثم بدلوا التوراة وافتروا على الله وكتبوا بأيديهم واشتروا به عرضا ثم صار أمرهم إلى أن قتلوا أنبياءهم ورسلهم. فهذه معاملتهم مع ربهم وسيرتهم في دينهم وسوء أخلاقهم. وسيأتي بيان كل فصل من هذه الفصول مستوفى في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال الطبري: وفي أخبار القرآن على لسان محمد عليه السلام بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في حق بني إسرائيل دليل واضح عند بني إسرائيل قائم عليهم بنبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.




رد مع اقتباس
قديم 12-27-2015   #10


الصورة الرمزية عازفة القيثار

 عضويتي » 27946
 جيت فيذا » Nov 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (11:52 PM)
آبدآعاتي » 1,021,147
الاعجابات المتلقاة » 1484
الاعجابات المُرسلة » 385
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط
 التقييم » عازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond reputeعازفة القيثار has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   7up
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  ابكي

اصدار الفوتوشوب : Adobe Photoshop 7,0 My Camera: Sony

мч ѕмѕ ~
أبكي عليها كثر ماشالتني..وكثر الحنين اللي أختلط بغناها..
أبكي عليها من القهر يادنيا..من لي أنا..من لي عقب فرقاها..
мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي





{وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (51)}
فيه ست مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} قرأ أبو عمرو {وعدنا} بغير ألف، واختاره أبو عبيد ورجحه وأنكر {واعَدْنا} قال: لان المواعدة إنما تكون من البشر فأما الله عز وجل فإنما هو المنفرد بالوعد والوعيد. على هذا وجدنا القرآن، كقوله عز وجل: {وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ} [إبراهيم: 22] وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} [الفتح: 29] وقوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ} [الأنفال: 7]. قال مكي: وأيضا فإن ظاهر اللفظ فيه وعد من الله تعالى لموسى، وليس فيه وعد من موسى، فوجب حمله على الواحد، لظاهر النص أن الفعل مضاف إلى الله تعالى وحده، وهي قراءة الحسن وأبي رجاء وأبي جعفر وشيبة وعيسى بن عمر، وبه قرأ قتادة وابن أبي إسحاق. قال أبو حاتم: قراءة العامة عندنا {وعدنا} بغير ألف، لأن المواعدة أكثر ما تكون بين المخلوقين والمتكافئين، كل واحد منهما يعد صاحبه. قال الجوهري: الميعاد: المواعدة والوقت والموضع. قال مكي: المواعدة أصلها من اثنين، وقد تأتي المفاعلة من واحد في كلام العرب، قالوا: طارقت النعل، وداويت العليل، وعاقبت اللص، والفعل من واحد. فيكون لفظ المواعدة من الله خاصة لموسى كمعنى وعدنا، فتكون القراءتان بمعنى واحد. والاختبار {واعَدْنا} بالألف لأنه بمعنى وعدنا في أحد معنييه، ولأنه لأبد لموسى من وعد أو قبول يقوم مقام الوعد فتصح المفاعلة. قال النحاس: وقراءة {واعَدْنا} بالألف أجود وأحسن، وهي قراءة مجاهد والأعرج وابن كثير ونافع والأعمش وحمزة والكسائي، وليس قوله عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} من هذا في شي، لآن {واعَدْنا مُوسى} إنما هو من باب الموافاة، وليس هذا من الوعد والوعيد في شي، وإنما هو من قولك: موعدك يوم الجمعة، وموعدك موضع كذا. والفصيح في هذا أن يقال: واعدته. قال أبو إسحاق الزجاج: {واعَدْنا} هاهنا بالألف جيد، لأن الطاعة في القبول بمنزلة المواعدة، فمن الله عز وجل وعد، ومن موسى قبول واتباع يجري مجرى المواعدة. قال ابن عطية. ورجح أبو عبيدة وعدنا وليس بصحيح، لأن قبول موسى لوعد الله والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة.
الثانية: قوله تعالى: {مُوسى} موسى اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف. والقبط على- ما يروي- يقولون للماء: مو، وللشجر: شا. فلما وجد موسى في التابوت عند ماء وشجر سمى موسى. قال السدي: لما خافت عليه أمه جعلته في التابوت وألقته في اليم- كما أوحى الله إليها- فألقته في اليم بين أشجار عند بيت فرعون، فخرج جواري آسية امرأة فرعون يغتسلن فوجدنه، فسمي باسم المكان. وذكر النقاش وغيره: أن اسم الذي التقطته صابوث. قال ابن إسحاق: وموسى هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث ابن لاوى بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
الثالثة: قوله تعالى: {أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} أربعين نصب على المفعول الثاني، وفي الكلام حذف قال الأخفش: التقدير وإذ واعدنا موسى تمام أربعين ليلة كما قال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} والأربعون كلها داخلة في الميعاد. والأربعون في قول أكثر المفسرين ذو القعدة وعشرة من ذي الحجة وكان ذلك بعد أن جاوز البحر وسأل قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله فخرج إلى الطور في سبعين من خيار بني إسرائيل وصعدوا الجبل وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة فعدوا فيما ذكر المفسرين عشرين يوما وعشرين ليلة وقالوا قد أخلفنا موعده. فاتخذوا العجل وقال لهم السامري: هذا إلهكم واله موسى فاطمأنوا إلى قوله ونهاهم هارون وقال: {يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي. قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى} [طه: 90]. فلم يتبع هارون ولم يطعه في ترك عبادة العجل إلا اثنا عشر ألفا فيما روي في الخبر. وتهافت في عبادته سائرهم وهم أكثر من ألفي ألف فلما رجع موسى ووجدهم على تلك الحال ألقى الألواح فرفع من جملتها ستة أجزاء وبقي جزء واحد وهو الحلال والحرام وما يحتاجون وأحرق العجل وذراه في البحر فشربوا من مائه حبا للعجل فظهرت على شفاههم صفرة وورمت بطونهم فتابوا ولم تقبل توبتهم دون أن يقتلوا أنفسهم فذلك قوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 54] فقاموا بالخناجر والسيوف بعضهم إلى بعض من لدن طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى فقتل بعضهم بعضا لا يسأل والد عن ولده ولا ولد عن والده ولا أخ عن أخيه ولا أحد عن أحد كل من أستقبله ضربه بالسيف وضربه الآخر بمثله حتى عج موسى إلى الله صارخا: يا رباه قد فنيت بنو إسرائيل! فرحمهم الله وجاد عليهم بفضله فقبل توبة من بقي وجعل من قتل في الشهداء على ما يأتي.
الرابعة: إن قيل لم خص الليالي بالذكر دون الأيام؟ قيل له: لان الليلة أسبق من اليوم فهي قبله في الرتبة ولذلك وقع بها التاريخ فالليالي أول الشهور والأيام تبع لها.
الخامسة: قال النقاش: في هذه الآية إشارة إلى صلة الصوم لأنه تعالى لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين يوما بلياليها. قال ابن عطية: سمعت أبي يقول: سمعت الشيخ الزاهد الامام الواعظ أبا الفضل الجوهري رحمه الله يعظ الناس في الخلوة بالله والدنو منه في الصلاة ونحوه وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول أين حال موسى في القرب من الله! ووصال ثمانين من الدهر من قول حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم {آتِنا غَداءَنا} [الكهف: 62].
قلت: وبهذا أستدل علماء الصوفية على الوصال وأن أفضله أربعون يوما. وسيأتي الكلام في الوصال في أي الصيام من هذه السورة إن شاء الله تعالى. ويأتي في الأعراف زيادة أحكام لهذه الآية عند قوله تعالى: {وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً} [الأعراف: 142] ويأتي لقصة العجل ببان في كيفيته وخوارة وفي طه إن شاء الله تعالى.
السادسة: قوله تعالى: {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ} أي اتخذتموه إلها من بعد موسى. وأصل اتخذتم ائتخذتم من الأخذ ووزنه افتعلتم سهلت الهمزة الثانية لامتناع همزتين فجاء إيتخذتم فاضطربت الياء في التصريف جاءت ألفا في ياتخذ وواوا في موتخذ فبدلت بحرف جلد ثابت من جنس ما بعدها وهي التاء وأدغمت ثم أجلبت ألف الوصل للنطق وقد يستغنى عنها إذا كان معنى الكلام التقرير كقوله تعالى: {قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً} [البقرة: 80] فاستغنى عن ألف الوصل بألف التقرير قال الشاعر:
استحدث الركب عن أشياعهم خبرا *** أم راجع القلب من أطرابه طرب
ونحوه في القرآن {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ} [مريم: 78] {أَصْطَفَى الْبَناتِ} [الصافات: 153] {أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ} [ص: 75]. ومذهب أبي علي الفارسي أن {اتَّخَذْتُمُ} من تخذلا من أخذ. {وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ} جملة في موضع الحال. وقد تقدم معنى الظلم. والحمد لله.




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
5, للقرطبي:البقرة, القـرآن, الكريــم, فسير


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية