|
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
ذات مقيدة حول عنق إمرأة /39
بسم الله الرحمن الرحيم تَوكلتُ على الله الجزء التاسع و الثلاثون الفصل الأول ،:نحن قد نُواجه عَقَبة تَقف سَيفاً مَسلولاً بيننا و بين المُتابعة..و هُنا يَظْهر الإختلاف،فذَّاتي غَيْر ذَّاتك..فقد تنحني ذَّاتي للسيف و تدعهُ ينتصر عليها،تستفرغ دماء قوَّتها لتبقى جَرْداء من وُجود،فقط رُوح تتنفس بإعياء..و في المُقابل ذَّاتك تَتَقلَّد ذلك السيف تُحاربهُ به،بحدَّته،طَعناته و أوْجاعه..تكسره بقوَّتها و شجاعة روحها و القَلبُ يتألم و لكن ألمٌ مُبْتسم..فهو يَرى النَّصْر يُرَفْرف عن قُرب حتى يمتزج معه..فيموت السيف و تنتصر الذَّات..، اسْتدارت تُلقيهم ظَهرها بل تُشيح عن أَعْيُنَهم تَصَدُّعات البؤس التي طالت ملامحها..ازدَرَدت ريقها و قدماها تَخطوان للمكتب بثَباتٍ تناقض مع الارتعاشات القابضة على نَبَضاتها..مَرَّرت لسانها على شفتيها المَطليتين كالعادة ثُمَّ أكْمَلت و هي تَجْلُس على المَقْعَد برأس مُنْخَفِض و صَوْت تُعَلّيه الثِقة بِلَكْنة بريطانية تَحن لها ذاكرتها،:هكذا هي الحياة..تُواجهنا بأقسى ما تَمْلك و الضَّعيفُ منا يستسلم من الصَّفعة الأولى لتراشق حَجَرها..غير عالم أنَّ في بَطن هذه القَسوة يَقْبَع الرَخاء و السعادة تَطفو من بين تلاطمات أمواجها العاتية..و أسَفاً أن بعضاً من ضُعفاء الحياة باعوا ذَّواتهم لها ليصبحون عَبيداً ظانين بأنَّهم لو قَبَّلوا قَدميها لَرُبما تُزْهِر لهم..لا يَدرون أَنَّهم كُلَّما اسْتَصغروا أنفُسَهم و بَخسوا الذَّأت حَقَّها ضاعفت هي تَعذيبها للحد الذي يُفْقِدَهم تلك الذَّات المسكينة..، ضَمَّت شَفتيها للداخل..اسْتَنْشَقَت نَفَساً لم يَكُن عَميقاً بالقَدْر الكافي لتزفر ضيقها..فرئتيها لا تزالان مَضْنيتان من بُكاء البارحة،فالشهقات قَد أحالتهما قِرْبة مَثْقوبة لا تحتفظ بالأنفاس..،أَراحت ذراعيها على المَكْتَب و هي تُشْبِك أصابعها..رَفَعَت رأسها لتبتسم بنعومة بعد أن أرْخَت شفتيها..تَساءلت و عيناها تَطوفان على وُجُوهِهم المُنْدَمِجة بانشداه..،:هل فعلاً يُمكن أن تُفْقَد الذَّات،و اذا كان الجواب نعم فما هي أسباب فَقْد الذَّات ؟ هذا هُو السُؤال الذي أُريد إجابته المُحاضرة القادمة"مال رسغها لتنظر للساعة و هي تُواصِل بالعَربية" اليوم محاضرتنا قصيرة "عادت لتنظر إليهم لتُرْدِف بحاجب مُرْتَفِع و الابتسامة لم تَبْرَح شفتيها" بترتاحون من هذرتي عَقَّبوا بأصْوات مُتَفَرّقة عن إعْتراضهم على ما قالته،فمُحاضَرَتِها هي الأمْتَع و لطالما تَمنَّوا أن تَكون أطَول و لأكثر من ثلاثة أيَّام في الأسبوع..فهم يأتون هُنا من أجْل الظَّفْر بفائدة يُصْلِحون بها عُطْب ذَّواتهم..بلا دراية بأنَّ هذه التي تَحكي عن كَمال الذَّات فاقِدة لها..فالماضي قَد لاكَ ذَّاتها بين أنْيابه حتى بَصَقَها لحماً نَتِناً تقتات عليه ديدان الأرْض بلا رَحْمة..، ,، أرْهَقَني ذاكَ التَزَمُّت القابع بين عَيْنيك،و كأَنَّك الشَّخصُ الأذْكَى في هذا العالم،لقد سَئِمت من كِبرياء جَعَل من قَلْبي مَدَاساً له،يخلع نعليه يُنَفّض عَنْهُ غُبار الشَّوق ثم يَرْتَدِيه و يذْهَب..ببرود يَذْهب،دون أن يُطيل النَظَر لنَبْضٍ تَهاوى صَرِيعاً أسْفَل قَدَميه..،أَخْبرني،مُنْذُ مَتى صار قَهَري سُكَّراً تَتَلَذَّذ بهِ نَفْسُك المَغرورة؟أَنَسِيتَ يَداً مَرَّت على أَرْضِ كَتِفَيك تُناغي تَعَباً وليداً للحظة؟ تُهَدْهِدُه،تَجْمَع شَتاتَهُ برِقَّة،ثُمَّ تُلْقيه عن كاهلك،تُلْقيه دونَ اكْتِراث للألَم الذي أَسْبَغَهُ انْتشالها بين كَفَّي روحي..نعم روحي التي ظَنَّت أنَّكَ الوَطَن،و لم تَعْلَم أنَّ الوَطَن هُوَ أكْبَرُ خائِن،يَلِدُ الإنْسان ليُبْصِقُه شَريداً بين تَخَبّطات الحياة،كُنتَ وَطَناً،و كالأوطان كُنتَ خائِناً لماضٍ رَفَعَ عَلَمَكَ فَوْقَ قارِعة القَلْب..،أَخْبرني..هل نَسِيتَ خَمْراً ارْتَشَفَتْ منهُ شَفَتيك في ليالي السَّهر الوالِهة ؟ نَسِيتَ طَرفاً ناعِساً تَدَثَّرْتَ بأهْدابِهِ ذَّات ضيقٍ و كآبة ؟ أَنسيتَ كُل هذا ؟ ما أقساك من رَجُل يَرْفض الخُضوع لاعتذار امْرأة أخْطَأت بعد أن صَفَعتها الدُّنيا التي أسَفَاً أنَّك كُنْتُ وَريثها الأكْبَر..وَريث الجَلْدِ و نَحْت الجِراح..،كلماته شَوْكاً تَراشَقَ جهة قلْبُها قاصِداً نَبْضة بَلْهاء كانت تحتضن اسْمه..تَخافُ أن يَسْرُقَهُ منها الزَّمن كما سَرَقَ قُرْبه..،:تبيها من الآخر ؟ عشان لا تقول ألف و أدور وياك ؟! "صَمَت لوَهْلة يسمع الجَواب على الطَرَف الثاني ثَمَّ أكْمل ببرود قاتِل و سَيفهُ يُلَوّح لها بخبث" ايــه هَدفي اقهرها،احرق قلبها مثل ما حرقت قلبي مــ "يبدو أنَّ الطَرَف الآخر و الذي مُتَيَقّنة أنَّهُ سَلمان قاطعه ليُجيب بعد ثوانٍ بحدَّة اقْتَطَعت ما اتصل من أوْردة بقلبها" يكفي إني أشْفَقت عليها يوم جتني مثل المَجنونة تسأل عن بنتها اذا عايشة..ما تستاهل أعذرها أكثر إلهي رُحماك..ضاقت أَنْفَاسُها و الكَفُّ غادرت لصَدْرها تُطَبْطِب بانقباض على انكسارات قَلْبه، الدَّمعُ قَدَ انْتَبَذّ في عينيها مِحْراباً يُقيم صلاة البُكاء،و الشَّفَتان مُطْبَقَتان من خُشُوعٍ تلاشت على إثْره الكلمات و حَلَّ الصَّمْتُ و لا غيره..صَمْتٌ تُباغتهُ الشَّهقات..، واصَلَ حَرْبَ اغْتياله،:و ليش أظْلم ياسمين ؟ البنية تحبني و مافي شي ينقصها "أكْمَلَ بسُخرية اقْتَلَعت آخِر نَبْضة من أَرَض حُبّه" اصلاً كل اللي كان ينقص جنان لقيته فيها تَراجعت و رياحه المُلَغَّمة تُفَجّرها،تُصَعّد أَنْفَاسَها بَراكين تُلْهبها..تَحْرِق دماءَها لترتفع نتانة تُسَمَّى في بلد الجِنان القَحِطة خُذْلان..خُذْلانٌ سُمِعَ لهُ دَوي وسط روحَها الفارِغة من وَعْدٍ تَلاشى صَداه..،أغْمَضَت عينيها النَّازِفَتان بألم و تَنَشُّقات مُتَقَطّعة ترتفع من صدرها و قَلْبُها يَهْمس بهَضيمة..سَامَحَكَ الله فَيصل..سامَحَك من شَهِدَ على كَمالي بين يديك..فأنا يُرافقني السُّهاد اذا ما زاركَ مَرَضٌ ناهِشاً طاقتك،أُوَسّدَكَ روحي ليلتحف جسدك بشرايين قلبي و أوْرِدته التي أظَلُّ أغْزُلَها طوال فَجْرٍ احْتَفَظَ في ذاكرته بملامح و َجهي القَلِقة عليك..كُنْتُ و أسَفاً أنّي لا زُلت أحْملك فوق سَحابة دُعائي،أرْفَعكَ للسَّماءِ عَسى أن يحفظك رَبّي..لطالما غَفَت يدي بين خُصْلاتك،أمْسَح بأناملي على تَعَبك..و أنا التي شارَكَتكَ دُموعي الفَرَح و عيناي تُبْصِران نَجاحاتك..كُنْتَ وَسْماً جَمَّلَ جَيْدي أَفْخَر بِكَ و كأنني من رَبَّيتك..فهل نَسَيْتَني و أنا اُم أُغْلِق عَليك وسط رَحْمَ مَحَبَّتي ؟ أسْقَيكَ شَهْدَ عِشْقٍ أَبَدي لم تُسَجَّل لهُ نهايات،و أُغَذّيك من قُوت ابتساماتي..هَمَساتي و قُبْلاتي المَنحوتة فوق جَبينَك..كُنْتُ لكَ كُل شيء إلا أنّي كُنْتُ في نَظَرِ كبْريائك جِنان..المَكْسورة بنُون النَّقص..،اسْتَدارت عائِدة من حَيْثُ أَتَتَ،بيدان تُخْفِيان قَوسَ الحُزن الرَّاسِمَتَهُ شَفَتيها..ارْتعاش ذقنها و الانْحِدار الذي تنتحر عنْدَهُ الدَّمْعات..عادت إلى مَكْتَبها لتُغْلِق على نَفْسها و تَبكي..تَبكي نَفْسَها و تنعاها،تَبكي حُبَّاً لم يُقَدَّر و ضاع ثَمَنَهُ بين مَوجٍ يتلاطم بكبْرياء..فكَيْفَ يُرْضَى كبرياء تَعَدَّى على قُدْسية الحُب ؟ انْتَحَبَت فَوق مَقْعَدِها و الجُدران من حَوْلِها تَجْتَرِع المَشْهَد لتَبيعه على الذّكرى التي أَقْسَمت أن تَرْفَع رايات الأسـى بعد أن تُنَكّس أعْلامَ السَّعادة..،تَحَرَّكت يديها قاصِدَتَان صَدْرَها.. و هُناك فَوْقَ الذي ارْتَدى السَّواد حِداداً على مَوْت حُب اسْتَقَرَّتا لتضغط بوَهْن هامِسةً و الرَّجاءُ لَحْنُها،:يــارب...يارب ,، أَيُّ ضيقٍ ذاك الذي يَنعى أسْفَلَ عَيْنَيْكِ ؟ بل أيُّ مَوتٍ ذاك الذي يُكَفّن وُجودكِ ؟ فأنا أراكِ بلا رُوح تُنازعين ما بين بَقاءٍ و تَحليق لسماء تَتَسّع للبُكاء المَسْجون حَوْلَ حَنْجَرتكِ..فالأرضُ ضَيّقة عَزيزتي، تَجْمَعنا في ثُقْب لا يَخْتَرقهُ ضَوء حياة ولا قَطْرة غَيث تَروي ذَّات عُطْشى..ضَيّقة للحد الذي يُسْتَعصى علينا الابتسام،فَنَحْنُ حينما نَبْتَسِم تُكَشّر هي عن أنيابها و تُعْلِن حَرْبها قاصِدة شفاهنا لتَنْزَع الإبتسامة و تَحْتَل ببؤسها قُلوبنا..ها أنا أراكِ كيف تَرْفُضين البَقاء بين بلاقعها الخاوية من سَعادة..هي أرْضٌ تعاقدت مع الأسَى و لا غَيْره،تجانَست مع الحُزن و لا سواه..و اليَوم ها هي تَضَع كَفّها وَسَط كَف الذَّبح النَّاهِب أُنوثتكِ المُغْتَصَبة..،اسْتَيْقَظَ صَباحاً ليَصْطَدِم بَصَرهُ الغائب خَلف أسْوار النُعاس بعَشَرات الاتصالات من والدته..حادَثها على عَجَل و هو لا يَزال يَسْكُن سَريره يَسْتَشْعر ما غَفى بين طَيّاته من دِفئ..و بصَوْتٍ تَزُفَّهُ الانْكِسارات أتاهُ جَوابها مَسْبِيَّاً بقوافل الشَّهَقات،:إخْتك ضاعت يُوسـف..مَلاك ضاعت يا ولدي..ضاعـ ـت ذلك الضَّياعُ الذي راَفَقَ مَسيرَ كلماتها تَسَاقطَ جَليداً جَمَّدَ أطْرافه..هُو حتى لم يَسْتَطِع أن يُحَرّك لسانه ليَنْطُق سُؤالاً يُنَبّش بهِ عن ماهية هذا الضَّياع ! لا يدرِ كيف غادَرَ السَّرير ليُغْرِقَ وَجْهه بمياه أرَادها أن تُوْزِع عَليه صَحْوة تُعينه على لُقْيا والدته و تلك التي ضاعت..ارْتَدى ملابسه على عَجل دو أن يُلاحظ ألْوانها أو إذا كانت مَقْلوبة،فجُلَّ وَعيه كان يَسْتَرْجِع تلك النَّبرة المَخْنُوقة و الكَلمات الغارِقة بالحَسْرة..هُوَ حتى لم يَنتبه لحُور التي لَحِقَته بعد أن شَهِدَت على غِياب ملامحه خلف أطنانٍ من جَليد وَخَزَ قلْبَها تَوَجُّساً..،ها هو يَقِف أمام من وُضِعَت أمانة أسْفَل جَناحيه..من عُقِدَت روحها المَحْرومة برُوحه المَذْبوحة..تِلك الصَّغيرة التي شَوَّهَت طُفولتها دماء أغْشَت وَجْه من غَفَت بين أحْضانه لسنواتٍ مَعدْودات..دماء ما إن أبْصَرَتها حتى كان للبُكاء أُغْنيته مَشْروخة الناي،و الصُّراخ لحْنٌ كان زَعِيقَهُ يَعزْف على أوْتار رُعْب نَهَشَ وعْيَها،تلك الليلة سَقَطَت و اليُتْم فُستانها المُلَطَّخ بغُرْبة..و اليوم كان السُّقوط مَوْتٌ مُحْتَم لا طَريق عَوْدة له..،خَطَى و عيناه تَتَسَلَّقان سُورها المُحَطَّم المَحشَور في الزَّاوِية،اقْتَرب مُبْصِراً انْكماشَها المُرْتَعِش..الذُّعر المُحَلَّق فوق قارعة وَجْهها المَلطوم،المَسفوكة نُعومته..اقْتَرَب و نَبْضُهُ يَكاد يَفُر من بين أضْلاعه مُعْلِناً عن صَرْخة رَجُل مَقهور،و للزَمَنِ مَواقفه ليَحكيها عن رِجال ماتوا قَهراً..،كانت تَجْلس في الزاوية،بالقُرب من النَّافذة التي غَفَت فوق زُجاجها بَصمات أصابعها الباحِثة عن شَجَرة منزلهم القَديم،المَهجور قِسْراً..تَحْتَضن ساقيها لصَدْرها لا يدرِ هل كانت تُحيط نَفسها بأمان أم أنَّها تُخفي عن أعْيُن الوَقت نَوح قَلْبها..جَلَس أمامها و عيناها المُغَيَّبتان تُسْرَد منهما حكايات وِحْدة و مَوْت خَلاص..ناداها و صَوْتُهُ المَبحوح يُعَزّيه فَقْد شَقيقته،:مـــلاك غَيْرُ الأنَين لم يَرْتَفع و سَيْلُ الدَمعات لم يُوقِف عُبوره بَوَّابتيها الجاحظتين و كأنَّ المَشهد يُعاد أمامها بوَحْشية تَتَضاعف كُلَّما بَقِيَت روحها حَيَّة تتنفس هواء اجْتَرَع انتهاك أنوثتها..ناداها من جَديد و دَمْعٌ مَرير تَعَدَّى على رُجولته سَكَنَ عَيْنيه،:مــــلاك رَفَعَ يَدَهُ المُرْتَجِفة ليَحُط بِها على أرْضِ خَدّها المَبْلولة،و هي ما أنَّ أحَسَّت بمَلْمَسٍ غَريب يَعْتَدي على حُصُونها حتى فاضت من صَدْرها شَهْقة نَثَرت قَشْعَريرة هَوْجاء عَبَرت خلاياها..دَبَّ الرُّعب في نَفْسِها و تلْقائياً بَعَثَت خلاياها إشارات الدّفاع لعقلَها المَسْجون خلف قُضبان الحادثة الشَّنعاء،نَفَرت يَدَهُ عن خَدَّها بفَزَع و بالتوالي بَدأت تدفعهُ عنها و صَرْخة مَشْروخة الصَّوت غادرت حَلْقَها،:يُمَّــــــ ـه اتَّسَعَت حدقتاه و هو يَراها كيف تَتَعَفَّر بلا وَعي و النَّجْدَة لسانها..حاول أن يَتَلَقَّف هَلَعها،أن يَنْثِر عليها من ذَّاته سُكُوناً مَهزوزاً لرُبَّما يَهَدّأ من رَوْعِها..لكن كان ليَدِها المُكَبَّلة بصَدْمة الموقَف الجَواب..فهي لم تُتيح لإهتراء يديه أن تُمْسِكانها..و صُراخها بدأ يُخالِطَهُ نَحيبٌ ظَنَّ أنَّ "يُمَّـــه" تلك لن تأتي مُجَدَّدَاً،و أنَّ الذّئب سَيَقْتَلِع زُهورها بأنيابه السامَّة ليُصَيّرَها يَباباً مَسْلوب الرّداء..رِداء العفَّة الذي أَحاكَت من خُيوط سَواد الليل بَديلاً عنه بعد أن قُدَّ بيدين لم يَمْسَسْهُما ماءٌ يُطَهّر الجَسد لمُقابلة الله،يَدين لهما بَصَمات شيطان و خُطوط إجْرام تَهْوى الذَّبْح..،رائِحة تَحْمِل دِفْئاً حَماها لثمانية و عُشْرون عاماً شَعرت بها تحتويها،و هَمْسٌ تعاضَدَ مع مَسْحِ حَنون عَبَر مَسْمَعها المُتَشَرّب هَمْسٌ آسـِن أصَمَّها بكلماتٍ قَذِرة تَلَثَّمَت بشهوانية مُقْرِفة..،تَمَسَّكَت بها و فَجْر الشُّؤم يَتَلَصَّص عليها من باب ذاكرتها،تُخَبّئ وَجْهَ طُفولتها..مُراهقتها و شَبابها بين حَنايا صَدْرٍ كان يَتَأوّهَ بوَجَع،بَكَت و البُكاء يُعْلِن احْتلاله أرْضَها اللا"عَذْراء"،بَكَت و العَيْنُ إبْيَضَّت من سَعاداتٍ أبَت أن تَسْكن روحها..نادَتَها و الرَّجاءُ يسُوق كلماتها المُرْتَعِشة،:يُمَّــ..يُمَّـ ـه ..لا تخلينـي يُمَّـه شَدَّت عليها بذراعين أوْهَنَهُما تَساقُط وريقات صَغيرتها التي لم تَتَفَرَّع أغْصانَها بعد،بل لَن مُؤكّدة ها هي تُلَوّح لهما عن قُرب..نَطَقَت بوَجْسٍ تَمَنَّى لو كان حاضِراً ساعة الذَّبح العَظيم،:انا اهني يُمَّــه،اهني...ما بخليش يا عُمري ,، الليلة الماضية اليَومُ انْقَضى و الشَّمسُ قد غابت نَعِسة مُكَلّفَةً القَمَر بمُهِمَة تَسيير هذا الكَوْن الفَسيح..و الذي على قدر اتّساعه كانت تَشْعُر بهِ يَضيق حَوْل عُنُقِها بحبال قَهَر وَهْمِيَّة أَخْنَقَتها..،حيناً تَجْلُس على الأريكة تُمارس اهْتزازاً بساقيها على الأرْضية الخَشبية..و حيناً تَقْطَع غُرْفَة الجُلوس تَحْفُر بصمات أصابع قدميها المُلْتَحفة بجورابٍ قَصير بياضه تناقض مع السَّواد الحائم فوق رأسِها..أظافرها المسكينة وَقَعت أسيرة بين قُضْبان أسنانها المُتَوَتّرة..تقضمها بحَنَق ثُمَّ تَعضُّ على أصابعها بقلَّة حيلة قَبْل َ أن يَرْتَفع من حَنْجَرَتِها صَوْتٌ غَليظ تَتَضّح تَصَدُّعاته بين طَيَّات ملامحها المُنْتَشِية قَهراً..و أخيراً تُلْقي بجَسَدِها على الأريكة التي يَتَلَقَّف قماشها الناعم جلدها الرَّقيق دون أن يُسَبّب لهُ خُدوش..،هي كَرَّرت الدَوْرة هذه سبع مَرَّات خلال خَمس دقائق،فالسَّاعة انتقلت من الرُّبع إلى الثُّلث فقط..،زَفَرة مُرْهَقة عَبَرَت الفُوَّهة الصغيرة المُتَوَسّطة شفتيها..رأسَها تَحَرَّكَ جانباً و هي على اسْتلقائِها المائِل ليَلْتَقِط بَصَرَها هاتفها الغافي على وجهه..تناولتهُ بكَسَل و بحاجبين تُقَرّبهما عُقْدة..ضَغَطَّت الزر أسْفَل الشاشة ليَميل فَمَها بازْدراء بعد لحظات قبْل أن تَهْمس من بين أسنانها،:ما عليه،ما عليه احقرني..احقرني لكن بتشووف رَمَت الهاتف المَسْكين مُجَدَّدَاً ثُم جَذَبت جسدها بقوَّة غاضِبة مُعيدةً دورتها للمرة الثامِنة..و مع انْحشِار طَرف سَبَّابتها بين أسنانها فُتِحَ الباب و بان وَجْهُه الذي انتَظَرته لخمسة عَشَر ساعة كانت بطول أعْوام..،أَغَلَقَ الباب ثُمَّ تَجاوزَ المَمَرّ الواصل بينه و بين غُرْفة الجُلُوس..سَلَّم بهمس عندما التقت نظراتهما لتَرُد هي التَحِيَّة بصَوْت مَسْموع كان لَحْنُه سُخْرِية أرْفَعَت حاجبه،:و عليكم السلام يا باش مهندس "أشارت للساعة المُعَلَّقة و هي تُرْدِف" لااا جان انتظرتها تصير وحدة و بعدين رجعت ! التَقَطت أسنانه طرف شَفته السُفلى يُخْفي ابْتسامة و هو يَقْترب منها و يداه تتلقفان مفاتيحه ليَنْطُق بعد أن وَقَفَ أمامها،:والله كنت بقعد ويا الشباب لين الوحدة بس صراحة كسرتين خاطري..تركتش من الصبح ما يصير بعد اطوّل أكثر اسْتَقَرَّت بيدها على خصرها مُعَقّبة بذات السُخرية و عيناها تُرْسِلان لهُ شَرَارات أحْرَقَت سُتر ابتسامته،:ماشاء الله عليــك حَنوون ! هَزَّ رأسه يُجاريها،:شفتين شلون ..ماشاء الله علي ! اسْتَقامت في وُقوفها و عُقْدَتِها عادت لتسكن ما بين حاجبيها ناطقةً و سَبَّابتها ترتفع بتَحذير،:بَسَّـــام ترى مو قاعدة امزح تَجَاوزها لغُرفة نومهما مُعَقّباً ببرود،:و من قال إنّي قاعد امزح ؟! لَحِقَته و صوتُها المُعْتَرِض يسبقها،:تراك زودتها..صار لك يومين تطلع من الصبح و ما ترجع إلا على الثنعش و حولها " أكْمَلت بلحنٍ مُبَطَّن و هو يُلْقيها ظَهْره وسط الغُرفة "لا يكون هذي حقيقتك..و المثالية اللي لعبتها علي بداية زواجنا انتهت ؟! قابَلها و هو يَفتح أزرار قَميصه مُتسائلاً بابتسامة مائلة على مُنْحَدَر اسْتهزائه،:و انتِ شنو تتوقعين مَدام حَنين ؟ هذي حقيقتي فعلاً ؟ ارْتَفَعَ صَدْرها مُفْصِحة عن استنشاق عَميــق التَقَطَت بهِ جُزيئات الأكسجين أجْمع لتُهَدّأ من حَنَقِها..عادت لتَرْفَع سَبَّابتها أمام وجهه ناطِقةً من بين أسنانها و الزَّفرة قد ألْهَبَت حُروفها،:بسَّام..للمرة الألف اقول لك لا تكلمني بهالأسلوب خَلَعَ قَميصه ثُمَّ ألقاه على السَرير بإهمال قبْلَ أن يَتَقدَّم منها مُتسائِلاً بعَدم فَهم،:أي أسلوب ؟! ارْتَفَع صوتها و صَبْرُها الهَش هَوى بنفاذٍ الْتَمَستهُ حواسه الحافِظة أسرار شخصيتها العَوجاء،:بسَّــــام لا تجنني..أسلوبك التافه اللي قاعد تعاملني فيه من بعد ما عرفت بموضوع ملجتي "صَمَتَتَ لوَهْلة و حدقتاها تَتّسعان بصَدمة قبْل أن تُرْدِف بصوت أخْفَضَته الفِكرة التي اخْتَرَقت عَقلها" لا يكون قاعد تعاملني بهالأسلوب كعقاب لأني ما قلت لك من قبل ؟! عُقْدة بانت بَين حاجبيه و رأسه مال بخفَّة مُسْتَنْكِراً،:انا ابي افهم شفيه أسلوبي اللي مو عاجبش ؟ تَجَاهلت سُؤاله و اتّساع حَدقتاها في ازدياد ناطِقةً بعدم تَصديق،:لا مو معقولة ! شهالتفاهة ! عشان تبيّن إنّك زعلان من الموضوع قمت تتعامل معاي بهالأسلوب الغبي ! زَفَر و هو يُشيح وجهه بمَلل،:رجعنا للأسلوب عَلا صَوْتُها ليُعيد وجْههُ إليها و نَظَراته بدأ يَتَسَيَّدها جَليد لم تحترز من شظاياه،:ايــه لأنَّ أسلوبك التــافه هذا مو عاجبني "أشارت لنفسها و حاجباها يَستَجيبان لغُرورها المُنْفِر و هي تُكمِل باسْتنكار مَذهول" أنـا...أنـــا حنين تعاملني بهالمعاملة..ما تسأل و لا تهتم و لا كأني موجودة وياك في البيت ! عشان حضرة جنابك زعلان "أخْفَضتهما و عيناها كَساهما اسْتصغار طالَ خَيط رَجاحته و هُدوءه" اكتشفت إنَّ تفكيرك تفكير أطفـــااال ! كان رَدَّهُ قاسِياً لغُرورها الأرْعَن..هو الْتَقَط ذراعها المَكشوفة ضاغِطاً بقوَّة لم يُخَفّف منها إلا حينما عَبَرت مَسَامعه آه من حنجرتها المُكْتَظَّة بكلماتٍ تَمْرَق فُؤاده العابد أُنوثتها العَصِيَّة..نَطَق من بين أسْنانه مُتَقَلّداً بسِهام تَعرف الطَّريق جَيّداً للذي تَرفع رأسها عالياً فَخْراً به،:و انا اكتشفت إنش انسانة وقحة و ما عندها أي احترام لزوجها "هَزَّها يُريد أن يُوَّعيها مُواصِلاً و هو يَرى كيف تَخَبَّطت عدستاها بصَدمة من كلماته" انا زوجش يا ماما..زوجش مو وحده من صديقاتش عشان تكلميني بهالطريقة "عَضَّ شفته يُمَثّل خَطأه قَبْل أن يُواصِل بملامح مُرْتَخِية أتْقَن تَدثيرها بعباءة الشَّفَقة" اووه آســـف..نسيت إنّش أساساً ما عندش صديقات و السبب هالغرور اللي شوي و تغرقين منه صَخْورٌ ذات نتوءات سامَّة شَعَرت بها تَهوى على صَدْرها مُهَشّمة أضلاعها..و شَعْبٌ من غَصَّات ها هُو يُباغت حَلْقَها..كلماته الناقِعة بالسُّخرية صَفَعتها..أحْرَقتها حتى أرْمَدتها و نَثَرتها هباءً سَحَقتهُ نظرات شَفَقته القاتِلة..ازْدَرَدت ريقها بصُعوبة قَبْل أن تفتح فَمَها باحِثة بتَيه عن حُروف تمزجها لتَرُد لهُ الصَّفعة..لكنَّ سَبَّابته ارْتفعت بالقُرب من فَمه هامِساً ببرود لَسَعَ قلْبَها مُثيراً جُنون نَبْضاتها،:و لا كلمة "أرْخاها على شفتيها اللتان أطْبَقتهما بضَعف مُرْدِفاً و عيناه تجلْدانها" واجد اليوم ارْتَفَع صوتش "مال رأسه مُتَّخِذاً الطَّريق ذاته الذي استعانت بهِ قبل دقائق و هو يُضيف" لا يكون الرّقة و النعومة كانت كلها تمثيل ؟! حَرَّرها دون أن يَنتظر جَواب..فتَحليق سُرب الدُموع وَسط مُقْلتيها، تَنَشُّقاتها المُخْتَرِقة صَدرها..تَقَوُّس شَفتيها و ارْتعاش ذقنها الدَقيق أرْغَموه على التَراجُع..فهو خَشي أن يَضعف و يَجْتَذبها إليه..يُخَبّئها بين أَحْضانِه يُراضيها و يُداري خاطِرها الذي كَسَره..لكنَّه داسَ على نفسه و أصَمَّ أُذنيه عن صوت نَبْضاته ليَقول بصوت كَساهُ عَدم إهتمام،:اذا تبين تصيحين اطلعي برا..انا رجال قاعد من الصبح و تعبان مابي اصدّع راسي ! ,، اليوم الظَّلام يُحاصِرَهُ بوِحْشة أعادتهُ لسنينٍ عِجاف كانت قَحِطة من أهَلٍ و دفئٍ حَنون..سنين اغْتراب و فَقْدٌ تَباين في أوْجاعِه حتى بات كُل وَجَع يُنافس الآخر..و هو المُتَضَرّر الوَحيد،و بكُل ما للكلمة من مَعْنى وَحيد..،رأسُهُ مَدْفون أسْفَل وسادته هارباً من ذِكْرى أهانت الرُّجولة التي كان يَتَعَرَّف عليها للتو،رُجولة حَديثة لم يَشتد عَودها بَعْد،فالعُود انْكَسَر قَبْل أن يَرْفَع هامَتَه..كان يُحاول أن يَنْسَلِخ من رَجْفَة تلك الليلة،أن يَنْتَزِع الخَوف من نياط جَواه و الذي رُغْمَ انقطاعه إلا أنَّ مَسير الذّكرى لا زال يَعْبُره مُجَدّداً الألم..،بأصابعه المُرْتَعِشة يَشد على الوسادة من فوق رأسه و كأنَّه يُريد أن يُفَتت الأحْداث المُقَهْقِهة بخباثة تُثير قَهَرَاً لا يَتَفَجَّر،فهو يَحوم وَسَط الرّوح يَبْحَث عن بوَّابة عُبور لكنَّهُ يَصْطَدم بذَّات مُحَنَّطة تَحول بينه و بين العُبور..فيَخْمُد،و مع كُل انْخماد يَتَوَسَّع جرح رُجولته..،أغْمَضَ عَيْنيه بقوَّة آلَمَته يُريد بها مَحو الصور المُتَرَبّعة خلف أجْفانه،و هي تُعانده،تَعود و كل عَوْدة أقْسى من سابقتها،و هذه المَرَّة كانت العَوْدة مُذَيَّلة بصاحبة الابتسامة..مَلاك التي أعادهُ انْتهاك أُنُوثَتِها البَشِع لتلك الليلة التي وُئِدَت فيها أحلام رُجولته..، ، رأسٌ يَغفو فوق نافِذة الأَمل..لا ! بل مقْصَلةُ الأمَل،يُناظِر من خلف قُضْبانٍ لم تُشْفِق عَليه فتَتَّسِع ليَهْرُب،من قُيودٍ أخْنَقَت روحه يَهْرب، ومن بُعْدٍ أحالهُ كائناً لا يَعْرف الشَّمس..فهل لا زالت الشَّمس تَزهو في الأُفق أم أنَّ ظُلمَ بني آدم أصْمَت إشْراقها ؟ كان على مَوْضعهِ الذي لا يُغَيّرهُ ليلاً و لا نهارا،مُسْتَنِداً للحائط المَنحوتة عليه جِراح ظهره المَفْتوحة،لم تُدواى و غارت بقَسْوة حتى تَبَلَّد من شُعور و لم يَعُد يتألَّم،فحَنْجَرَته قد باعت على مَسامع الزَّمن كل آهٍ سَكَنتها..،كانت الساعة تُشِير إلى الواحِدة و الرُّبع صَباحاً،الهُدوء تُرَفْرِف أشْرِعَته حَوْل المَكان و ما بين زنزانة و أُخرى يَقْبَعُ سُكون غَريب،أَشْبَه بالخواء الذي يَبْتَلع المَيادين بعد وَطيس حَرْب مُحْتَدِمة..و اثنان من الحُرَّاس يَطوفان المَجال أمام الزِنْزَانات جيئةً و ذَهاباً،يَعْبُران خرائط الدَم التي تراشقت من جُلودهم عُنْوة تحت أعْيُن الظُّلم المُدْقَع..و َقْع خُطواتهما الخَشنة اخْتَلَطَ مع صوْت ارْتطام قَطرات الماء المُتَسَرّبة من أحد الأنابيب،مُشَكّلين مَعاً جُمْلة موسيقية مُعْوَجة المفتاح..،عَيْناه لم يَحبْسَهُما إغْماضٍ يَنتشِلَهُ لعالمٍ من رؤيا تُهَدْهِده بين ذراعي أحْبَّاء فُقِدوا..تُرى ما هو حالُهم،و حالُ عَينا والدته ؟ أَبالدَّمعِ هي مُتَكِحَّلة ؟ و بغُبار الشَّوق مُخَضَّبة ؟ و تلك الجنان المُزْهِرة عُمْراً يَعْبُر بها لأُنوثة رَقيقة..كيف هُو حال أُخَوّتها المَفْقودة ؟عَلي و طُفولته و والده المُتَعاقِد مع زمنٍ "أحْياناً" يَرمي بهِ إليهم..كيف حالُهم من غَيري؟ أحْنت أهْدابه يَدُ تَلْويحها تُحَيّي بإذلال وُجُوهاً نال منها البُعْد حتى صَيَّرها وُجُودٌ سَرْمَدي..و من بين انحناءاتِها المُتَحَسّرة فَرَّت مثلَ طَيرِ مَسْجُون دَمْعَة لها الْتماعة وَهِنة يَكاد أن يَجْترعها التَّلاشي..خَطَت فَوق تَصَدُّعات ملامحه حتى تَشَرَّبتها شُعيرات لحيته المُلتَحِفة دماً جُفَّ و لم تَتَطهَّر من نجاسته..، ،:أتَمَنَّى لكَ حِراسة مُمتعة يا صَديقي ،:بالتأكيد ستكون مُمتعة حَرَّكَ عَدَسَتيه ببطئٍ مَيّت مُلْتَفِتاً لصوتيهما التَّابِعة لهما ضِحكة مُتَشَدّقة تنْفرها الرُّوح النَقِيَّة..غادرَ أحَدَهُما و بَقيَ الآخر يُواصل خطواته و ما بين خُطوة و الأخرى يُلْقي نَظْرة على مُحَمَّد الغارق بين أمْواجٍ لها تَيَّار ضَعيف لا يَقدُر على حَمْله لوَطنه الأم..،دقيقتان و تَوَقَّفت الخُطوات أما باب الزنزانة المُحْكَم..تناول المفاتيح المُعَلَّقة عند جَيْبه و بهدوء حَشَر المفتاح في القُفل ليَكون جَسَده بعد ثوانٍ شَريكاً مع جَسَد مُحَمَّد وَسَطها..غَيرَ أنَّهُ حُر من قيود..و حُرٌ من اغْتراب..،تَسَاءَلَ بهَمْس بعد أن اسْتَقَرَّ على الأرض برُكْبتيه أمامه،:كيف حالك أيَّها الصَّغير لم يَنْطَلق جَواب من بين شَفتي مُحَمَّد الذَّابلتين..هُو حتى لم يُحاول أن يُحَرّك عُنُقَه المُتَصَلّب ليُلقي عليه بنظرة احْتقار تُليق بمكانته الدَنيئة..هذا لو كانت لهُ مَكانة ! ذاكَ لم يَكتفِ..فيَدُهُ الشاهِدة يَوْمَ غَدٍ بما سَوَّلَ لها دَنَسُ نَفْسِه امْتَدَّت لذقن مُحَمَّد يُريد لوَجْهه مُقابلته،لكنَّ يَداه و رُغم قَيدهما نَفَرَتاها بحدَّة تراشقت من عينيه لترتفع منهُ ضِحكة بَلْهاء أعْقَبها بكلماتٍ تَمَرَّغت بوَحْلٍ من خَبَث،:لا تَكُن قاسياً أيَّها الصَّغير "أَخْفَضها ببطئٍ ماكِر مارَّاً بها على صدره المُتَدَثَّر بخرقة بالية و هو يُرْدِف بفحيحٍ نَتِن" لا تَخف سأكون لَطيفاً معك أَنْهَى جُمْلَته بالتوالي مع إحكام قَبْضته على مُقَدّمة سروال مُحَمَّد الذي تَخَلَّى عن جُلُوسه المائل دافِراً يَدُ ذاك الهاوية مآرب قَذِرة بدأ عَقْله يَسْتوعبها..خَرَجَ صَوْتَهُ من قُعر حلقه المَسْقوم من البَحَّات،:ابْتَعد عني ارْتَفَعَ حاجبه من نَظرة القوَّة المَهْزوزة التي أغْشَت عَيني هذا الأسيرالمُثير رَغبات نَفْسه المَريضة..لم يَكُن رَجُلاً سَويَّاً و هو يَعْلَمُ ذلك جَيَّدا..تَركَ زَوجته بعد إسْبوعان من الزواج فقط..فهو اكتَشَف أنَّها لا تُشْبِع رَغْبته بل الإناث جميعهن لا يُشْبِعن رغبته المُسْتَرِقة النَّظَرَ على أبْناء جِنْسِه..،دَفَعَهُ للحائط ناطِقاً بقُبْحٍ تَجَلَّى على ملامحه الكَريهة،:أعدُكَ أنَّنا سنستمتع بروحٍ أُجْهِضَت منها القُدْرة..بذراعين كان للقَيْد كَلِمَتهُ عليهما..و بصَوْت خانتهُ حباله المَقْطوعة بخناجر الإعياء واجَهَهُ..تَصَدَّى لإجْرامه القَذِر و بُفتات قُوَّته حاول أن يَتَلَقَّف رُجُولته و يَنجو بها..أن يَحْضن سنوات عُمْرهُ التسعة عَشَر و يَحْفَظَها بين ضلعٍ و قَلْب،يَحميها من اعْتداءٍ كان السَّيف النَّاحِر آخِر وُجود لمُحَمَّد..مُحَمَّد الذي أصبح يَحْتَقِر ذَّاته،يَجْتَرِعها قَسْراً ثُمَّ يَبْصُقها يتَقَزّز مَرير..هُم أفْقَدوه سعادته..أحلامه و عائلته..و لم يَكتفوا..فهُم أهانوا رُجُولة لم يَكتمل نُضْجَها بين أزْقّة الإغتراب ، يَذْكُر أنَّهُ بَكى لليالٍ ثَلاث..طِفْلٌ صَغير سُرِق منهُ وَطَنه و حالوا بينه و بين الإنْطواء وَسَط حُضنِ أم كانت آخر كلماتها لهُ دَعواتٍ صادقة بأن يأتيها و الشَّهادة وسامه..و أسَفاً أنَّهُ أتاهم و الجِراح وسامه..بعد أعوامٍ من فِراق كَهلت منهُ الأشواق و انْطَفَأت من انْتظاره الذّكريات المَحْمومة مَشاعر كان يَتَدَفَّأ بها اذا ما زارَهُ شتاء الوِحْدة الذي احْتَكَرهُ على الرَّغم من تَحليق هاينز المَرح فوق سَمائه المَبْنِيَّة بيدي الفَقْد..، صَوْت الهاتف تَدَاخَل مع نَحيب الذّكرى..اسْتَجاب لهُ مُبْعِداً الوسادة عن رأسه قبْلَ أن يَرْفَع جَسده ليَجْلُس باسْتنادٍ للسرير..تناوله من جانبه و هو الذي كان يُضيء وسط الظَّلام ليُجيب ببرود قاتل،:نعم عدنان تَساءَل عدنان باستغراب،:محمد ليش للحين ما نزلت الكَراج ؟ باقي ساعة على أذان الظهر و إنت ما بَيَّنت ! يَدُهُ رَفيقة القَيْد فيما مَضى ارْتَفَعت تَمْسَحُ تَعَباً لا مَرئي عن وَجْهِه الجامد و هو يُجيب،:شوية إرهاق،ما نمت الا بعد ما طلعت الشمس عَقَّبَ بتَفَهُم،:زيــن ارتاح،احنا بنستلم شغلك أرْخَى كَفَّه على عُنُقِه و هو يَميل رأسه هامِساً،:تَمـام..يعطيك العافية أنْهى الإتّصال ليُخْفِض الهاتف عن أُذّنه..راقَب بعَيني تَكْسوهما جِدية لا تَقْبَل المُناقَشة الرَّقم الذي حادثتهُ منه والدتها..حَفَظَهُ عند عَوْدته باسم"مَلاك" و إصْرار في داخله يَدْفَعهُ لخَوَض خطوته التالية..، ,، |
10-21-2019 | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
http://www.tra-sh.com/up/uploads/1648853127783.gif
|
سلم ذوقك واختيارك
ربي يعطيك العافيه وما ننحرم من جمال طرحك لروحك الجوري
|
|
|