الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصــــــايـــد ليـــــــل 】✿.. > …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«…
 

…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. }

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-30-2023   #37


الصورة الرمزية كتف ثالثه

 عضويتي » 29424
 جيت فيذا » Jun 2017
 آخر حضور » منذ 7 دقيقة (02:09 AM)
آبدآعاتي » 53,531
الاعجابات المتلقاة » 1797
الاعجابات المُرسلة » 1730
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الادبي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » عزباء
 التقييم » كتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond reputeكتف ثالثه has a reputation beyond repute
نظآم آلتشغيل  » Windows 2000
مشروبك   water
قناتك abudhabi
اشجع ithad
مَزآجِي  »  انا هنا

اصدار الفوتوشوب : لا استخدمه My Camera: غير ذلك

мч ммѕ ~
MMS ~

افتراضي



النهايـة | الجُزء 81.



تَعيشُ أنْتَ وَتَبقَى
أنَا الذي مُتُّ حَقّاً
حاشاكَ يا نورَ عيني
تَلْقَى الذي أنَا ألْقَى
قد كانَ ما كانَ مني
واللهُ خيرٌ وأبقى
ولم أجدْ بينَ موتي
وبينَ هجركَ فرقا
يا أنعمَ الناسِ بالاً
إلى متى فيكَ أشقى
سَمِعْتُ عَنكَ حَديثاً
يا رَبِّ لا كانَ صِدْقَا
حاشاكَ تنقضُ عهدي
وعروتي فيكَ وثقى
وما عَهِدْتُكَ إلاّ
من أكرَمِ النّاسِ خُلْقَا
يا ألْفَ مَوْلايَ مَهْلاً
يا ألْفَ مَوْلايَ رِفْقَا
لكَ الحياة ُ فإني
أمُوتُ لا شَكّ عِشْقَا
لم يبقَ مني إلاّ
بَقِيّة ٌ لَيسَ تَبْقَى

ـ بهاء الدين زهير.




،

شحَب لونُها من الأرق والبُكاء، إلتفتت لتنظر إلى غادة الغارقة بالتفكير، أخذت نفس عميق لتقف وتجلسُ بمقابلها : ليه ما نمتي؟
غادة : مافيني نوم
ضيَ : سمعتي عبير بنفسك، قالت أنهم بخير الحمدلله بس هالمرَة شكله شغلهم مطوَل،
غادة بعينٍ تدمَع وبكلمةٍ مكسورة تعبرُ صوتها بعكازة البحَة : بتطمَن بشوفتهم، مشتهية أفرح، كل مافرحت صارت مصيبة لين بديت أخاف حتى من إحساسي بالسعادة، ودَي بس لو مرَة تتم اموري بدون لا يطلع لنا همَ جديد
ضيَ وضعت كفَها فوق كفَ غادة الدافئـة كعينيْها بهذه اللحظة، سُبحان من خلق هذه العينيْن ودقَتها، وأقتبسَها من عينيَ عبدالعزيز بذاتِ الدقَة، إن عيناهُم ـ قتَالة ـ بالوَجع، وأنا أشعرُ برعشة حزنهم، أن تقف بالمنتصف دون أن يجاورِك أحد، لا أُم تُخفف وطأة الحياة على قلبِك ولا أبَ يقرأ على رأسِك ـ آيات السكينة ـ كلمَا تزعزع أمنك، الوِحدة أن تكون الشمسُ فوقنا تحرقُ أجسادنَـا وتُبقي الروح بارِدة / مرتجفة. من يُدثَر الروح؟ لا شيء كقُرب الحبيب، أشعرُ بِك يا غادة وبهذا الحُزن المصطَف في رمشِك.
غادة بصوتٍ مخنوق : يا رب رحمتِك
ضيَ بإبتسامَة ناعمة مسحت دمعُ غادَة بأطرافِ كفَها : نامِي وارتاحي، وإن شاء الله الصباح يجينا خبر حلُو، أدري إنك تحسين بالوحدة هنا لكن كلنا جمبك، وعبدالعزيز يهمَنا والله
غادة بلعت ريقها بصعُوبة ومحاجرها تكتظَ بالدمع : بحاول أنام . .
ضيَ نظرت لعبير التي نامت أخيرًا وشعرُها المبعثر يُغطي نصف ملامحها، اقتربت منها لتُغطيها جيدًا بالفراش، وضعت يدها على بطنها، تجمدَت خُطاها اول ما شعرت بإهتزازته وحركته الخافتة في رِحمها، قفزت الإبتسامة إلى شفتيْها ودمعة رقيقة تعبرُ خدَها الأيمن.
هذه الأمومة تأتيني بفرح أكثرُ مما أستحق، لا أدري كيف أجازي هذه السعادة بشُكرٍ يليق بالله! أنا ممتنة حتى للأيام السينة التي جعلتني أشعرُ بحركة أبني، ممتنـة للحياة الناعمة التي تجيئني كلما تذكَرت أنني / أحملُ طفلاً في أحشائي، لو انَك معي يا عبدالرحمن الآن؟ لو أنَك تشعرُ بزوجتك وحبيبتك و إبنتك أيضًا! لو أرى عيناك وهي تبتسمُ لحركاتِه في بطني، ليتني أراها الآن وأشرحُ لك مقدار الحزن في بُعدِك ومقدار موْتِي في غيابك، يالله يا عبدالرحمن! تمكَنت من قلبي حدُ اللا حد.


،

في الصبَاحِ الباكر، على بُعدِ بُضع كيلومترات من حائل، إلتفت لمنصور : نريَح شوي ولا جاء الظهر رحنا لهم
منصور : إيه شف لك أيَ فندق على الطريق ننام كَم ساعة
علي وضع يده على فمه وهو يتثاءب : جاني النوم، تعال سوق بدالي لين نلقى لنا فندق
منصور : لا تكفى واللي يرحم والدِيك ميَت أبي النوم
علي : الله لا يبارك في العدُو، كله بيوت ماهنا فندق!!
منصور : إذا مالقيت شف لك أيَ ظلال وأوقف عندها، ننام بالسيارة لأن طاقتي طفَت
علي : شف الجو غيم! شكلها بتمطر . . الله يرزق الرياض المسكينة
منصور : قبل كم يوم مطرت الرياض
علي : قصدِك رشَ!! ووقف بعدها . .
منصور تنهَد : يالله عاد الحين نستلم تحليل مناخ السعودية منك وبنجلس طول الصبح كِذا
علي إبتسم : والله ناقصنا يوسف كان حلَلك المناخ صح . . . . لحظة لحظة . . فتح شُباك منصور ليقف عند إحدى الرجال : السلام عليكم أخوي
: وعليكم السلام
علي : وين نلقى فندق قريب؟
: خلَك سيدا لين يلفَ فيك الشارع يمين ثم بتَل سيدا بتلقى دوَار لفَ من عنده يسار وبيوضح لك فندق بنهاية الشارع
علي : مشكور ما تقصر . . .
في الرياض بمثل هذا الوقت كان يوسف جالس بسيارته ينتظرهم وعيناه المُتعبة تُغطيها النظارة الشمسية، ومع طُولِ إنتظاره بدأت أفكاره تنشغل بلسعِ قلبه. هيَ لم ترى فيني إلا زوجًا مؤقتا من السهل عليها أن تنفصِل عنه، وأنا لم أرى بها إلا حياةً من الصعب عليَ أن أدفنُها، وإذا دفنتُ أرضها كيف أهدمُ سماءها؟ كيف أتجاهل آثارُها الباقيَة في قلبي؟ وكيف ألمَ الحُطام الذي خلفتهُ وأنساها؟ تُمارسين يا مُهرة معي أشدُ انواع العذاب، لا أدرِي كيف استطعتِ أن تحملين ذنب غيرِك من أجل الدفاع عن أفكار والدتِك وأنا؟ من يُدافع عن قلبي؟ أنا الذي رضيتُك قناعتي بهذه الدُنيـا، وأنتِ البسيطة الناعِمة التي كان النُور يقفُ بعينيْها كلمَا حاوْلنا أن نُعتمك، ولكنكِ الآن ترتضين بهذه العُتمة؟ وأنا الذي عهدتُكِ قويَة تقمعُ الظلام بيديْها؟ أين العهدُ؟ وأين ميثاقه؟
دخلت أم فيصل : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ريف بشقاوة قفزت لتجلس بين الكرسيْيَن الأماميَان وتنظرُ ليوسف، إبتسم لها وهو يقبَلها ويستنشق رائحتها الجميلة : كيف ريف ؟
ريف تُقلد نبرة الكبار : الحمدلله
أم فيصل بهدوء : ريف . .
يوسف : خليها عندي . . شلونك يا أم فيصل ؟
أم فيصل : بخير الحمدلله
ركبت هيفاء . . السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . . أجلس ريف بجانب هيفاء في الأمام : لا تتحركين
ريف التي تحتضن عروستها الصغيرة: طيَب
حرك سيارته مُتجهًا إلى المستشفى، وبظرفِ زمنٍ قصير ركنها في الأماكن المخصصة. نزَل ويدِه تُمسك بيَدِ ريف ومن خلفِه هيفاء و أم فيصل، صعدَا للطابق الذي يحتوي على جناحه.
صادفه الدكتور الذي أصبح صديق يوسف من أحاديثهم المكررة : يوسف ..
إلتفت عليه : صباح الخير
الدكتور : صباح النور . . عندي لك خبر حلُو
يوسف : بشَر
الدكتور : فيصل فتح عيونه وصحى، حتى تكلم معانا . . توَنا خلصنا من فحصه وتأكدنا من وعيْه التام بكل الأمور اللي حوله . .
أبتهلت عينُ والدتِه المتلهفة له، يا رحمة الله التي لا تتركنا أبدًا، وحين قُلت ـ يالله لا أقدر على رؤيته مريضًا ـ كان الجواب إستيقاظه، يا ـ روح أمك ـ التي تشتاقُك كلما باعدت بجسدِك الطرق الطويلة وأبقيْت قلبك حاضرٌ معنا، يا ـ ريحة الغالي ـ و يا السعادة التي تحتضر إذا تعبت، أمرُ مرضك ليس عاديًا، هذا المرَض تنزفُ له أرواحنا و ربَك يشهدُ على بكاءنا و غرقنا، يالله عليك يا فيصَل إن حمَلت الوجَع بجسدِك و أوجعتنا به نحنُ الذين نسكنُ صدرك ونرى الحياة بعينيْك من الطبيعي أن نفقدُ توازن الحياة بعُتمة حضورك.
يوسف رفع نظارته ليضعها فوق رأسِه : ياربي لك الحمد والشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك . . . سار بإتجاه غرفته ليفتحها بهدوء، ركضت ريف أولاً ليتبعها يوسف بإبتسامةٍ شاسعة : الحمدلله على السلامة . . حيَ بو عبدالله وحيَ هالوجه
فيصل الذي يشعرُ بثقل لسانِه، حاول أن يلفظها بإتزان ولكن خانه إتزانه واكتفى بإبتسامَة.
ريف تتأمل الأجهزة بإندهاش كبير وهي التي لم تدخل غُرفةً كهذه مُسبقًا، دارت حول نفسها فوق الكرسي الذي وقفت عليه : يعوَرك؟
فيصل هز رأسه بالرفض دون أن ينطق شيئًا. ريف بحركة سريعة جلست على السرير المرتفع بجانبِ رأسه بسبب قُرب الكرسي منه، أنحنت عليه لتُقبَله أسفل عينه اليُمنى، فيصل بتعَب واضح بحركاته الثقيلة، وضع ذراعه خلف ظهرها ليُقبَل خدها بإبتسامة ضيَقة.
اقتربت منه والدتِه وهي تُخلخل يدَها بيدِه الباردة : الحمدلله على السلامة يا أبُوي
يوسف اقترب هو الآخر ليحمل ريف حتى لا تُضايقه بحركتها . . قفزت على يديْه لتُمسك بيده وتخرج معه : هوْ مريض حيل ولا نص ونص ولا شويَة؟
يوسف يسير معها في الممر : شويَة، بس هو كان يبي يشوفكم الحين بنرجع له وتجلسين معه، بس قولي دايم الله يشفيه ويخليه وبيصير طيَب
ريف بشقاوة نبرتها : الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . . الله يشفيه ويخليه . .
يوسف لم يتحمَل فتنة صوتها الطفولي، حملَها بين يديْه ليغرقها بقبلاته : بآكلك مالي شغل
صخبت ضحكات ريف، يوسف أبعدها بإبتسامة : إذا جتني بنت بسمَيها ريف
ريف رفعت حاجبيْها : لا أنت بتسمَيها تهاني
يوسف بضحكة : ماشاء الله تبارك الرحمن، تتذكرين؟
ريف : إيوا قلت لي مرَة إنك تحب تهاني
يوسف إبتسم : بنتي الثانية بسمَيها ريف، أنا بكثَر نسل الأمة إن شاء الله
ريف لم تفهم كلماته : وشو نسل؟
يوسف : يعني بجيب بنات كثير وعيال كثيير . . بتصير عايلتنا كبيرة
ريف : لااااا مو حلو، بس بنت وحدة و ولد واحد
يوسف : ليه مو حلو؟ ماتبين عايلتنا تصير كبيرة؟ وفيصل يجيب عيال كثيير بعد
ريف بغيرة : لااااااا أنت تجيب كيفك بس فيصل لا
يوسف بضحكة : ليه فيصل لا ؟
ريف : فيصل ليْ بروحي أنا وهيفا وأمي
عندهُ، أجهشت عيناها الحانية بالدمع، فيصل عقد حاجبيْه وتزداد صعوبة حديثه : يمَه
والدته : يا عيونها . . لا تتعب نفسك بالكلام . . أنحنت وقبَلت جبينه حتى سقطت دمعة عليه . . الله لا يفجعني بس ولا أبكيك
هيفاء نزعت نقابها وهي تقفُ بنهاية السرير، كانت تنظرُ إليْهما دون أن تتحدَث بكلمة.
والدته : البيت بدونك ما يسوى، فقدناك كثيير
فيصل أكتفى بإبتسامة أمام مشقَة الكلام، وملامحه تزدادُ إصفرارًا بالشحُوب، كان هذا أقسى ما واجههُ طوال عُمره، أن يواجه الموت بعينٍ مفتوحة، وهو يُدرك أن لا رجلاً من بعدِه عند والدته، خاف كثيرًا من وحدَة تُصيب امه ومن حُزنًا يُصَب في قلبه، أدرك معنى درويش في قوله " وأعشق عُمري لأني إذا متَ أخجلُ من دمع أمي "، أول ما أستيقظ في ساعات الفجر الأخيرة ضلَ لثوانٍ ودقائق يتأمل المكان دون أن يصدر حركة ما، أسترجع الأحداث الأخيرة و ـ يمَه ـ التي بحثت عيناه لموضعٍ يطمئن به عليها، إلى أن دخل الممرض وتفاجئ من إستيقاظه، اقترب منه وهو يضع يده على عينيْه ليتأكد من وعيْه، لم يكن يُدرك ماذا يفعل الممرض ولكن أراد أن يرى والدتِه، همس ببحَة قاتلة : يمَه . . ليأتِه صوت الممرض : الحمدلله . . خرج ليُنادي الدكتور.
أعادتهُ والدته بصوتِها ونظراتها التي تملؤوها اللهفة، أعادتهُ لواقعِه وبترت أفكاره : طول الليل وأنا أدعي إني ما أشوفك بحالة سيئة، الحمدلله إنك صحَيت ومنَ الله عليك بالعافية، كل شي يهون دامك تحس فينا وباللي حولك . .
فيصل أحمرَت عيناه بدمعٍ مخنُوق، نظرات والدته تكسرُه جدًا وتكسرُ حتى حصون هيفاء وتُبكيها.
والدته تمسحُ ملامحه ودمعته قبل أن تسقط، إبتسمت : الحمدلله إنك بخير . .
فيصل أغمض عينه لثوانٍ طويلة حتى تتزنُ محاجره وتُبخَر دمعه، فتحها والإبتسامة تُحيي شحوبه : الحمدلله . . . نظر إلى هيفاء الواقفة بعيدًا عنهما.
والدته إلتفتت عليها : تعالي أجلسي أنا بروح أشوف ريف . . خرجت وتركتهما حتى لا تُضايقهما وبالحقيقة كانت تُريد أن ترتاح من حشد الدموع المحتبسة بداخلها ولم توَد أن يراها فيصل بهذه الحالة.
اقتربت هيفاء منه وجلست بجانبِه ويديْها تتشابك بنقابها المتوسَط حضنها، دون أن ترفع عينها الباكية له.
فيصل مدَ يدِه إليها.
كيف أُخبرك يا فيصل بأن نظرةٌ مِنك تُعيد هذا الإتزان و التوازن في الحياة، يا رب لا تجعلني أراه حزينًا أو تعيسًا أبدًا، لا قُدرة لي على تحمَل دموع الرجَال التي تُفقد قلبي وعيْه، كيف لو كان الرجُل / أنت! أشتقتُك كثيرًا، لو تدري أنني ملكتُ الكوْن هذا الصباح برؤيتك، لم أفقد أملي بشفاءِك أبدًا، ولكنني كنت أنتظر بلهفة أن أراك تُبادلني النظر.
وضعت يدها في يدِه، قرَب كفَها من شفتيْه التي قبَلتها بعُمق جعل عيناها تصبَ انهارًا من الدموع.
فيصل : لا تبكين
هيفاء بين دمعٍ مالح يضيقُ بحنجرتها نطقت : غصبًا عني، كنت راح أموت لو صار لك شي، كل ليلة أحلم فيك وأشوف نفس الصورة اللي شفتها ذيك الليلة يوم كنت على الأرض ودمَك يغرق فيك، خفت! . . من إني أفقدك! وخفت على أمك بعد . . .
فيصل شدَ على يدَها وكأنه يُريد أن يُخبرها بأنه ـ بجانبها ـ دائِمًا، أراد أن يتحدث بكلماتٍ كثيرة ولكنه صوتَه الضعيف يندَس بصدره.
هيفاء : الحمدلله إنك بخير . . الحمدلله، أمس كنت أبكِي لأنك ما تحس في وجودي واليوم تكلمني! وش كثر سعادتي فيك يا فيصل
فيصل بلع ريقه بصعُوبه وهو يُغمض عينيْه من حدَة حنجرته الجافَة، هيفاء شعرت به : لا تقولي شي، يكفيني أشوفك ويارب تقوم لنا بالسلامَة


،

تقلب كثيرًا وهو يحاول العودة إلى النوم ولم يستطِع، وقف وأخذ هاتفه ليخرج من الغرفة، اتصل على ياسر الذي تحدَث معه في بداية علاج تُركي : السلام عليكم
ياسر : وعليكم السلام . . مين معاي؟
عبدالمحسن : عبدالمحسن خالد آل متعب
ياسر : يا هلا والله . . بشرَنا عنك ؟
عبدالمحسن : بخير الحمدلله . . أتصلت عشان أتطمن على حالة تُركي
ياسر : تُركي من أسبوع هو بالسعودية
عبدالمحسن لم يتوقع ولا للحظة أن ما رأته الجوهرة حقيقة : عفوًا؟
ياسر : تُركي عندكم
عبدالمحسن : كيف يطلع بدون إذن مني؟
ياسر : با بو ريَان ماعاد له حاجة بالجلوس أكثر، أنا بنفسي حجزت له تذكرته وعلى مسؤوليتي
عبدالمحسن بغضب : فيه قوانين بالمستشفى صح كلامي ولا غلطان؟
ياسر : تُركي عرف غلطته ومحتاج وقفتك ويَاه الحين
عبدالمحسن : بس ماكان لازم يطلع بدون علمي
ياسر بهدوء : أعتذر منك لكن أنا سويت اللي شفته صح، راح أرسلك رقمه الجديد الحين وأتمنى أنك تكلمه
عبدالمحسن بعصبية أغلق الهاتف دون أن يُجيب عليه بكلمة، إتجه ناحية غُرفة الجوهرة ليفتح الباب بهدوء ويطلَ عليها، كانت نائمة بهدوء وسكينة لا يُزعزعها شيء، اقترب منها لينحني بقُبلة رقيقة على رأسها، أبعد شعرها المبعثر من وجهها وضلَ يتأملها لوقتٍ طويل حتى خرَج.
نظر إلى شاشة هاتفه التي تُضيء برسالةٍ جديدة، نزل للأسفل متجهًا إلى المجلس الخارجي.
جلس لثوانٍ طويلة يتأمل الرقم دون أن يضغط عليه، ثانية تلو الثانية حتى اتصل، أتى صوتُه الضيَق : ألو
عبدالمحسن لم يظنَ أبدًا أن صوته العائد يُقيم الحنين في قلبه : السلام عليكم
طال صمتُ تركي بعد أن سمع صوته، حتى نطق : وعليكم السلام
عبدالمحسن : الحمدلله على السلامة
كانت إجابات تُركي لا تجيء سريعًا، كانت الربكة واضحةٌ في نبرته : الله يسلمك
عبدالمحسن : وينك فيه؟
تُركي بلع ريقه بصعوبة : بفُندق
عبدالمحسن : أيَ فندق؟
تُركي : ليه؟ . . والله ماني مقرَب لكم بشي وبطلع من حياتك كلها
عبدالمحسن : أبي أشوفك
تُركي برجاء : عارف وش بتسوي! لكن والله ما عاد راح أقرَب لكم! وإذا تبيني أطلع من الشرقية بكبرها راح أطلع وأروح لأيَ مكان ثاني . .
عبدالمحسن : تُركي! قلت أبي أشوفك . . أرسلي العنوان بسرعة، بنتظرك دقيقتين وأشوف العنوان عندِي . . أغلقه وضاق قلبُه بصوتِه المتوسَل الذي يظن بأنه سوف يتعرَضُ له.

،


دخل رائِد ومعه آسلي ليتوسَط المكانِ أمامهم، إبتسم بإنتصارٍ لذيذ لرُوحه وهذه الضربة التي ستقصُمُ ظهورهم، جلسَ أمامهم : طبعًا عشان أضمن حقي بعد، راح أوقَعكم ولو حاولتوا تغدرون فيني بطلَع هالورقة وأقول شوفوا! حتى هُم شركاء معي . .
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : وين ناصر؟
رائد إبتسم بإستفزاز : بالحفظ والصون طمَن قلبك . . بس نخلص إجراءات عقدنا بالأوَل
آسلي ذو الملامح العربيَة رُغم بياضِه الذي يميلُ للشقَار، دون أن ينطق كلمةٍ واحدة فتح الملفات ووزعَ الأوراق على الطاولة، نظر سلطان إليْه بنظراتٍ متفحصَة مُدققَة.
دخل فارس،و نظر إلى والدِه بنظرةٍ أراد أن يُنفذ بها رجاءه بأن لا يضرهم و جلس على الكُرسي الذي خلف مكتبِ رائد.
رائد يُمسك القلم ويوقَع على الورقة تلو الورقة، والإبتسامة لا تُفارق محيَاه، رفع عينه لعبدالمجيد : دُورك
عبدالمجيد بإستجابة لأمره، إتجه إليه وأخذ الأوراق ليوقَعها، وضعها على الطاولة ليأتِ الدور على عبدالرحمن الذي لا يدري بأيَ هم يُشغل تفكيره ومن كل جهة يهجم على جسدِه هم جديد، أنحنى ليوقَع ويشترك بعمليةٍ مُحرمة قانونيًا.
أخذ سلطان القلم منه و وقَع هو الآخر كشريكٍ في هذه المُهمة، رمى القلم على الطاولة ليُلقي بنظرةٍ متوعَدة في وجه رائد.
رائد بإبتسامة : شرفتوني يا شُركائي، مدري من دونكم وش كان راح يصير!!
عبدالعزيز دُون أن يُبالي بما يحدث : وين ناصر؟
رائد : ناصِر؟ . . بيجيك لا تخاف
عبدالمجيد بحدَة : رائد! طلَع ناصر
رائد بضحكة : قلت لكم بيطلع! هدَوا . . بعدنا ما تناقشنا ببنود إتفاقنا
عبدالرحمن : ما عاد باقي بيننا كلام! طلَع ناصر بسرعة
عبدالمجيد نظر إلى آسلي بنظرةٍ أثارت الريبة في نفس رائد، آسلي وقف وهو يُلملم أوراقِه، اقترب من رائد أكثر وهو يُسقط ورقة بجانب قدمِه، أنحنى ليأخذها ويقف بجوارِه، بحركةٍ مُخادِعة كان يُريد أن يدخل هاتفه بجيبه ولكن سحب السلاح من حزامه و وضعه على رأس رائد.
فارس وقف بصدمَة، تبعتها نظرات سلطان وعبدالرحمن وعبدالعزيز أما عبدالمجيد فكان ينتظرُ هذه اللحظة.
رائد تجمدَت ملامحه أمام فوهة السلاح المُلتصقة برأسه، كل رجاله الذين حوله أخرجُوا أسلحتهم الموجَهة إلى ـ آسلي ـ
رائد بحدَة موجَهة لرجاله : وش تنتظرون؟
آسلي شدَه من رقبته أكثر وبلكنةٍ نجديَة صدمتهُ صدمةً قاسية : لو قرَب واحد منهم ماراح يحصلك خير
تجمدَت نظرات الجميع عندما ضجَت مسامعهم بنبرته العربيَة، لم يتوقعوا ولا في الخيال أن ـ آسلي ـ خدعـة.
فارس اقترب غير مُباليًا لتأتِ صرخة والده : أبـــعـــد
فارس بعُقدة حاجبيْه : ماراح أبعد . .
عبدالمجيد : فارس
فارس بصراخ إلتفت عليه : ما قلت لي إنه بيصير كِذا!!!
عبدالمجيد : وأنا عند كلمتي . . فارس أبعِد
فارس : ماراح أبعد . . اقترب بخُطاه إلى والدِه، بنظراتٍ حادة من ـ آسلي ـ : إذا تبي سلامة أبوك أبعِد
وقف بلا حولٍ ولا قوَة، نظر إلى عينيَ والدِه بنظراتٍ أراد أن يسحبُ بها روح والدِه ويحبسها بداخلِه، أراد أن يقتبسُ هذه النظرات من عينيْه ويضعها في جيب قلبه.
عبدالمجيد : سنين وسنين وإحنا نحاول نوقفِك، كان لازم تعرف إنه العدالة راح تُقام في يوم وإنه لذتِك ماراح تدُوم
رائد : شايف كم شخص حولي؟ بغمضة عين راح تنتهون بدون لا تثيرون شفقتي
عبدالمجيد : وبغمضة عين راح تنتهي بعد . . عبدالملك . .
عبدالملك ( آسلي ) : بهدوء راح تمشي قدامي وأيَ تعرض أو حركة من أحد رجالِك راح يعرَضك للموت ماهو للخطر بس!! مفهوم كلامي؟
ضجَ صوتُ سياراتِ الشرطة المحاصرة للمكان في الوقت المناسب، أردف : خلهم يرمون أسلحتهم
بنظراتٍ من رائد دون ان ينطق كلمة رمَى رجاله كل الأسلحة التي بحوْزتهم، عبدالملك : الشرطة تنتظرك! ماعاد فيه أيَ مجال للهرب ومثل ما قلت لك محاولتك للهرب راح تنهيك.
رائد عضَ بأسنانه شفتِه السفليَة، لا يتحمل أن يُهزم في أوَج إنتصاره.
سَار خطوات قليلة أمام أنظار فارس التي تضيقُ شيئًا فشيئًا، رائد بتهور دفع بقدمِه ساق عبدالملك، ليشدَه عبدالملك أكثر ويُسقطه على الأرض، تقدَم أحد رجال رائِد ليُمسك ذراع عبدالملك و يحاول أنَ يُخلَصها من السلاح، وبجُزءٍ من الثانيـة أنطلقت رصاصة والمُفاجئة أنها كانت من يدِ إحدى رجاله وليس عبدالملك، أصابت الجزء الأيسر من صدرِه ليسقط على ظهره، بتهورٍ من ذاتِ الرجُل أنطلقت رصاصة أخرى بجانب إصابته الأولى، ضجَ المكان بصوتِ الرصاص حتى تدخلت أفراد الشرطة وبدأت تُمسك رجال رائد بأكملهم ومعهم سليمان.
عبدالعزيز أرتعش قلبه من منظر رائد، و صدمَة فارس التي أمامه.
سقط فارس على ركبتيْه وهو يقترب من والدِه : يـبـــه! . . يبببه . . . صرخ بقوَة : يبــــــــــه . . . يبه . .
بكَى دون أن يُحاول أن يُمسك نفسه، تساقطت دموعه كنزيفٍ من الدماء الثائرة، وضع يدِه على صدرِ والده المُبلل بالحُمرة وعينا رائد مُغمضَة فقدت الحياة، ضرب صدرِ والده كثير بكفيَه وهو يُردد بأنين يُشبه أنين الأطفال الذين تاهوا في الدُنيا، فقد الإتزان وعقله تمامًا وهو غير مُصدَق هذه الحُمرة التي تُغرق المكان : لا تتركني! . . لا تتركني . .. قوووم . . . صرخ . . قوووووووم . . . وضع رأسه على صدرِ والده وهو يجهشُ بالبكاء وبدأ الغاز يتسرَب والمتفجرات تعملُ عملها بالعد التنازلي للدقائق البسيطة.
عبدالمجيد حاول أن يسحب فارس الذي دفعه : ما يموت . . مستحيل يموووت ويتركني
سلطان أختنق وهو يفتحُ أزارير قميصه، عبدالعزيز بخُطى سريعة خرج وهو ينزل للأسفل، إلتفت يمينه وشماله يبحثُ عن ناصر، أندلعت النارُ أمامه ليبتعد، صرخ حتى يسمعه : ناصـــــر!! . . . أتى إحدى رجال الأمن ليُخرجه.
عبدالعزيز دفعه عنه ليسحبه الرجل مرةً أخرى، صرخ بوجهه بالفرنسيـة : لِيس موَا " laissez moi = أتركني "
اقترب أكثر وهو يُنادِي بصوتٍ أعلى : ناصصصر! . . .
في الأعلى كان يُرثي والدِه بأشدَ انواع البكاء و القهر، تبللت ملابسه بدماءِ والده وهو يُنادي ـ يبه ـ حتى بحَ صوتِه ولم يلقى سوى الصدَى، لم يُبالي بالإختناق الذي يواجهه من الغاز المتفجَر بالمنزل ويُدرك أن عدَة ثواني وسينفجر كل هذا.
لا حياة تنتظرنِي دُونِك، لا أريد العيْش! أنا أُقبل على الموت بشهيةٍ مفتوحة يا والدِي، ردَ عليَ قُل أنك تسمعني! قُل أنك هُنا معي، لا تصمت، هذا الصمت لا يليقُ بِك، قُل ـ ولدي فارس ـ حتى أطمئن أنَك بخير، قُلها، لا تصمُت! لا يُمكنك أن تموت هكذا وأنت وعدتني أن تبقى معي دائِمًا مهما تعارضتُ معك، لا يُمكنك يا ـ أبي ـ أن تفعل هذا بيْ! لا بُد أن تقاوم! لا بُد أن أسمع صوتِك وحالاً.
همس : يُبه . . يا رُوح ولدِك، يا روح فارس كيف تترك هالرُوح؟
اقترب منه عبدالمجيد مرةً أخرى وهو يجلسُ على ركبتيْه بجانبه : فارس
فارس : قويَ! يقدر يقاوم! أعرفه يقدر . . صابوه كثير لكن قام . .
عبدالمجيد سعل من الجو الملوَث : قوم . . قوم معي
فارس أخفض رأسه ليجهش بالبكاء وأنينه يشطرُ عبدالمجيد : ليه سوَا كِذا؟ ليــــه؟
دخل رجُلان يحملان سرير الإسعاف حتى يضعون رائد عليه ويُخرجونه من المنزل.
فارس نظر إلى والدِه نظرةً أخيرة، أنحنى ليُقبَل رأسه وهو يبكِي فُقدَه، أطال بتقبيله حتى ألتصق أنفُه بجبين والدِه وعيناه تئنَ وتغصَ بالدمع، كانت صرخاتِه فوق أيَ رجُولةٍ تحاول أن تُكابر أمام بُكاءه، صرخاتِه كان ظلَها / حاد في صوتِه المبحوح. ومازال يحاول أن يسترجعُ صوتِه بنداء والده.
كُنت أريد أن اقول لك قبل أن ترحل، أنني آسف على كل لحظة تذمرتُ فيها منك، أنني آسف على كل لحظة لم أقف بها بجانبِك، إنني آسف على كل لحظة رأيتُك بها ولم أقُل لك " أن حظي بائسٌ بعملك المُحرَم وحظي الجميل أنَك أبي " . . أنا آسف لأنني لم أستطيع أن أوقف شرَ أعمالك، ولم أستطع أن أغيَرك، ليتني حاولت أكثر! ليتني جعلتُك تموت بسلامٍ أكبر، أنا آسف لأنني لستُ بخير الآن وأنت الذي كُنت تقول لي دائِمًا " يهمني تكون بخير "، رحلت الآن! وكيف أجد شخصًا يُخبرني بذاتِ القوْل.
حضن رأس والدِه وهو يقربه من صدرِه ويشمَ رائحته للمرةِ الأخيرة، كان يُقبل جبينه مرارًا وهو لا يُريد ان يتركه.
تقدم الرجلان حتى يحملا جسدِه، فارس برجاء : قولهم بس دقيقة . . بس دقيقة
عبدالمجيد الذي لا تدمعُ عيناه الا نادِرًا، صعدت الحُمرة في أوَجها على حال فارس، أشار للرجلان بالإنتظار قليلاً رُغم أنه لا مجال للإنتظار أمام تصاعد الغاز.
أريد أن أحبس رائحتِك فيَ، أن أحملُك معي، لِمَ رحلت؟ لِمَ؟! يا من أفديِه برُوحي و إن طلب عيني لأخترتُ العمَى، طعمُ اليُتم وأنا بهذا العُمر لاذع يا أبي! طعمُه مرَ لم أعتادِه رُغم بعدك عني في أيامٍ كثيرة، ولكن لا أحتمل بُعدك عُمرًا بأكمله، يا رُوح روحِي، لِمَ فعلت بنفسك هذا؟ لِمَ قتلتني وقتلتَ نفسُك؟ كيف سأواصِلك؟ كيف سأسمعُ صوتِك إن أشتقتُ إليْك؟ إبنُك ضعيف جدًا أمام شيئين أنت أحدهُما، من يربتُ على كتفي؟ من أُخبره عن عشقي و أحلامي؟ من سيستهزأُ بي الآن بكلماتِه. من سيقُول ليْ " خلَ الشِعر ينفعك! " من سأخبره بقصائدي وكتاباتي؟ من سأغني له مقاطعٍ شعرية كتبتُها، من سأُعيد على مسامعه كلما رأيته " يبه إحنا من قومٍ إذا عشقوا ماتوا " لمن أقولها من بعدِك؟ أنا لا أبكِي! رُبما هذا نوعٌ من الموْت.
عبدالمجيد وقف بعد أن إزداد إختناقِه، ومسك ذراعِ فارس : خلاص . .
فارس ترك رأس والدِه ليسقط بقوَة على السرير الذي سيُحمل عليه إلى ثلاجة الموتى.
اقتربت يدِه من يدِ والده ليقربَها من شفتيْه ويُغرقها بالقُبل، أستشنق رائحته بلهفةٍ وحنين يبدأُ من هذه اللحظة، صبَرني يالله! صبَرني قبل أن أفقدُ قلبي معه.
عبدالمجيد : قل إنا لله وإنا إليه راجعون . .
فارس تصاعدت أنفاسه المضطربَة وضجَ صوتُ رجفته : إنا لله وإنا إليه راجعون . . .
في الأسفَل كان عبدالرحمن يوقَع على أمرٍ أمنِي مختصَ بالشرطة، سلطان بحث بعينيْه عن عبدالعزيز ليسير إلى الداخل بإنشغال عبدالرحمن الذي كان يحسبُ ان عبدالعزيز خرَج.
دخل لأول ممَر ليُنادي وهو يضع الكمام على وجهه : عبدالــــعزيــــــز . . .
نادى مرارًا وتكرارًا وهو يتقدَم أكثر للنار المُندلعة في الطابق السُفلي : عــــــز!!!
بحث بعينيْه ليأخذ قطعةً خشبية مرمية على الأرض ويحاول أن يقترب بها من النار حتى لا تُصيب وجهه.
صرخ بقوَة أكبر : عـــــــز!
أقترب منه إحدى رجال الإطفاء ودون أن يلفظ كلمةٍ واحد أشار له بيدِه إلى مكان على يمينه، إتجه إليْه سلطان لينظر لعبدالعزيز الذي يبحثُ بكل غرفة تواجهه رُغم النار التي تُحرق المكان : عبدالعزيز . . . مسكه من ذراعه
عبدالعزيز إلتفت عليه بإضطرابِ أنفاسه المختنقة : وين ناصر؟ . . .
سلطان : يدورونه . . أطلع . .
عبدالعزيز يسحب ذراعه من بين يديْه ليصرخ : نـــــــــاصر!!
سلطان بخضوع لفعلٍ عبدالعزيز بدأ يبحث معه، وبكل لحظةٍ تمرَ يتضاءل الأملُ بداخلِه.
إلا أنت يا ناصر! لا تُخفيني بأمرِك هكذا، لا تقتلني أكثر ورُوحي لم تعَد تتحمَل موتٌ آخر، لا تفعلها أرجُوك! لا تفعلها برفِيق عُمرك الذي أساء إليْك ولكنه عاد، عاد من أجل العُمر الذي مضى بيننا، أنت تعلم أنني لا أقدر على العيْش دُونك! أنت الذي تُشاركني الحزن بقدر ما تُشاركني الفرح، كُنت دائِمًا معي! وكنت تستنطقُ صمتِي بعينيْك، يا من علَم عيني الدمع و أخبرتني دائِمًا " لا تشكِي ليْ! إبكي معي " لا تفعلها من أجل الله، وتقتلني.
سلطان أنتبه لقطعة الزجاج القريبة من رقبة عبدالعزيز وسحبها لتدخل بكفَه، قاوم وجَعه وهو يشعرُ بفتات الزجاج بباطن يدِه، وقف قليلاً ليُخرج قطعة الزجاج الصغيرة، دخل غرفةٍ اخرى : ماهو موجود!!
عبدالعزيز : ما دوروه!. .
سلطان : والله دوروه الرجال قبل شويَ!! وبيدخلون الإطفائيين الحين يدورونه!
عبدالعزيز : مُستحيل وين أختفى؟ . . . صرخ بأعلى ما يملكُ من نبرة . . . ناااااااااصر
وأين ناصر؟ أينَك يا شاعرُنا الذي كان يروينـا بكلماته كلما جفَ المزاج وفسَد، أينَك يا رُوحنـا التي تُشاركنا وتحبسنا بداخلها دائِمًا؟ أينَك يا وجُودِنا في حضرة وجودِك، يا من تُمثلنَا بقلبِك وتشهدُ لنا؟ أينَك يا بحَة صوتي الحزينَـة حين تضيق الكلمات في حُنجرتي؟ كل شيء فاتُنا حتى الضحكَة، علَم هذا الصدَى الحديث إن كان النداء / مبحُوح، وعلَم هذه النار بجسدِك إن كان الجسدُ لا يرَد لنا الكلمات! ناديتُك بأقصى حُمرة في دمائِي ولم تُجيبني؟ أينَـك؟ أخافُ عليَ من ضياعي و حشرجَة الجفاف في جلدي.
سعَل عبدالعزيز كثيرًا إثر الإختناق، وبدأ تركيزه يضطرب، بحدَة من سلطان لم تترك لعبدالعزيز أيَ مجال، ألصقه بالجدار ونزع كمامه ليضعه عليه : يمكن طلع . . . . . سَار عبدالعزيز أمامه وهو من خلفه للخروج بخيبةِ أملٍ كبيرة، ثوانٍ قليلة حتى أصابتهم أشعة شمس باريس، بحث بنظراتِه عنه في الطُرق الطويلة المقابلة له! أأيجب أن أخاف الآن؟
نزع الكمام ليأخذ قارورة المياه التي امتدَت له، أفرغها بجوْفِه، ليلتفت على سلطان : كيف يطلع؟
سلطان ابتعد قليلاً وهو يسعَل ببحَة موجعة، أخذ منديل ليُلاحظ الدماء التي تندفعُ من بين شفتيْه، أدرك أن جرح لثتِه، اقترب منه عبدالعزيز ليمدَ له الماء، تمضمض سلطان به وبدأ الإصفرار يتضح على ملامحه، مسح وجهه بالمياه الباردَة، نظر إلى عبدالعزيز : يمكن طلع لمَا صعدوا رجال رائد لفوق، لأن مافيه أيَ شخص بالدور الأوَل
عبدالعزيز رفع عينه للدُخان المتصاعد من المنزل بعد أن أنفجرت النار به، وهو يدعو أن لا يكون ناصر بداخله.
اقترب عبدالرحمن منهم : راح عبدالمجيد مع فارس، . . أنتبه لوجه سلطان ويدِه . . . وش فيك؟
سلطان : دخلت فيني قطعة قزاز،
إلتفت عبدالرحمن لإحدى المُسعفين ليقترب منهم بنظرة فهمها، فتح شنطتِه ومازال إزدحام الأمن في الحيَ يضجَ في هذه الأثناء.
عقَم جرحه ولفَه كفَه بالشاش، ونظر إلى عبدالعزيز إن كان يحتاج شيء، دون أن يترك مجال لعبدالعزيز بالمناقشة أخذ كفَه ليُطهَر جرحها الذي طال منذُ الأمس، ولفَها ـ بالشاش ـ أيضًا.
عبدالرحمن : شكرًا . .
عبدالعزيز : وين الفندق؟
عبدالرحمن : بخليهم يوصلونك
عبدالعزيز ضغط على جفنيْه بشدَة إثر الصُداع الذي هاجمه، تنهَد : طيب
سلطان : أنا بروح لعبدالمجيد
عبدالرحمن : بجيكم، بس بمَر المستشفى وأتطمن
عبدالعزيز الذي أغمض عينيْه فتحها من لفظ ـ المستشفى ـ وأمال شفتِه السفليَة بأسنانِه.
أبسطُ الحركات وأدقَها كانت دليلٌ واضح على العراك الذي يجري في قلبه، مشَط بأصابعه شعره من مقدَمة رأسِه وهو يُريد أن يفكر بإتجاهٍ واحد، لا يُخالطه أيَ إتجاه آخر ولكن هذا ما لا يرضاهُ قلبه.
: بروح معاك المستشفى
عبدالرحمن إتسعت محاجره بالدهشَة ولكنه لم يبيَن له : طيب . . خلنا نمشي
في الرياض، إتسعت إبتسامته بعد سهرٍ منذُ الليلة الفائتة حتى وصل الخبر أخيرًا، القبض على سليمان و موْت رائد إثر طلقةٍ اتت من إحدى رجاله، عبدالله و أول ردةِ فعلٍ كانت سجدَة شكرٍ في منتصف الممَر.
اللهم لك الحمدُ والشكر كما ينبغي لجلال وجهِك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه.
يالله! على كرمِك وأنت تُثلج صدورنا بخبرٍ أنتظرناه لسنين، يالله على السعادة التي تأتِ من هذا الخبر، والجميعُ بخير أيضًا! ياربي لك الحمد . . ياربي لك الحمد.
تهللت وجوههم جميعًا وهم يكررون الحمَد والشهادة، لذَة النجاح بعد تعبِ سنينٍ مضَت لا تُضاهيها لذَة، كان كالحلم! وأصبح حقيقة، كان بمقدرتنا أن نقبض عليهم منذُ اول لحظة ولكن كنَا نعلم أنه سيخرج من بعدهم واحدًا وإثنين وثلاثة، لكننا عملنا على مبدأ واحد، أن نًضعفهم ونستأصلهم، يالله! سيطير قلبي من فرحه، سيُجَن تمامًا.
كانت الإبتسامات مُبكيَة من شدَة فرحها، هذا الفرح الذي طال إنتظاره، لم يكن فرحًا لفردٍ واحد بل لإدارة كاملة تعبت ونالت حصاد تعبه.
في باريس، اقترب سلطان من حديقةٍ صغيرة بين البيُوت ولا أحد بها من الثلج، دخلها وهو يحتاج أن يسجُد بأيَ مكانٍ كان، سجد على الأرضِ الباردة، لتسقطُ من عينه اليسرى دمعةٌ وحيدة كانت رسالة ضيَقة لِـ / سلطان العيد.
رفع من السجود ليتنهَد تنهيدةً طويلة، بقيَ جالِسًا على الأرض، همس : الحمدلله
أدخل كفَه التي يلفَها الشاش الأبيض في جيب معطفه ليستشعر هاتفه، أخرجه وفتحه ليجد كمَا من الإتصالات من ـ عمته و عبدالمحسن و عبدالله و أشخاصًا آخرين ـ، ضغط على عينِه التي شعر وكأن نارًا تُحرقها، إتصل على ـ الجوهرة ـ.
كانت واقفة أمام المرآة الطويلَة وهي ترتدِي بلوزتها، انتبهت لإهتزاز الهاتف على السرير، شعرت بغثيَان بأولِ خطوة أقتربت فيها من هاتفها، عادت للخلف لتتجه نحوَ الحمام، تقيأت إثر معدتها الفارغة التي تستثير الغثيان، اغتسلت وتمضمضت، إلتفتت لوالدتها التي دخلت الغرفة : إنزلي إكلي لك شي
الجوهرة وضعت يدها على بطنها : يمَه تكفين أبي زنجبيل أحس معدتي تقلب
والدتها : الحين أسويه لك، بس أنزلي عشان تآكلين شي
الجوهرة : بجيك . . إتجهت نحو سريرها، جلست وأخذت هاتفها، كانت في طورْ أن تزفر شهيقها ولكن تجمدَت عندما رأت إسمه ـ مكالمة فائتة ـ، يُربكني إسمك فما بالُك بصوتِك؟
رفعت شَعرها بيديْها وربطته بخصلة، مسحت على وجهها لتأخذ نفس عميق وضغطت على إسمه، ثوانٍ قصيرة حتى أجابها : ألو
الجوهرة بللت شفتيْها بلسانِها إثر ربكتها : مساء الخير
سلطان : مساء النور
طال الصمت بعد تحيَةٍ روتينية لتقطعه الجُوهرة : ما كنت عند الجوَال قبل شويَ
برب السماء لِمَ اتصلت يا أنا؟ ماذا أُريد منها؟ وعن ماذا أسألها؟ كنت أُريد فقط أن أسمع صوتِك دون أن أخطو خطوةً واحِدة للأمام، من أيَ أرضٍ جئتِ؟ وبأيَ بُركانٍ أثرتِ حممه في داخلي؟ تهشَم غصنُ الكلام، وأيَ نبرةٍ تُجمع حُطامَه؟ أوقعتِ في ظرفِ أيام على قلبي / خُضرته و في جُزء من هذه الأيام أيضًا بددتي الربيع الذي أعشبَ صدري، من أيَ شيءٍ خُلقتِ حتى تقُيمين بصوتكِ إحتلالًا كاملاً لا مفَر منه، أنا لا أفتقدُكِ! أنا أمُوتِك. و أنا لا أكابر أنا رُغمًا عني أصدَ عنكِ، لو أنَ الطريقُ ممهدٌ أمامي لقولِ شيء يجعلني أتمسك بكِ أكثر! لو أنه فقط يُتيح لي فرصة هذا القوْل لمَا ترددَتُ لحظة ولكنني أعرفُ نفسي " أشقِي عُمري دايم ".
الجوهرة زادَها هذا الصمتُ ربكة وسارت الرعشةُ بإتجاه قلبها الذي انتفض بصوتِ أنفاسه المبعثرة التي تصله.
بجمُودِ حاولت أن تحبس بداخله الفيضان الذي يُقيمه صوتِه : تآمرني بشي؟
أأمرُكِ بالحُب و بممارسَة الحُب جهرًا، أما زلتِ تُفضلَين الخفاء؟
سلطان : أتصلت أتطمَن
الجوهرة بلعت ريقها بصعُوبَة : أمورنا تمام . . أنا وولدك
سلطان : الحمدلله،
من أجل الله ماذا تفعل يا سلطان؟ ماذا تُريد أن تصِل إليْه؟ يا رجلاً أعزَني بالهوَى بقدر ما أذلَني، و بدَد العالمين بملامِحه وسكنني! يا رجُلاً يخضعُ له القلب عمدًا رُغم قسوتِك، وعجبتُ من قلبِي الذي يهفُو إلى ظالمٍ! عجبتُ من عيني التي مازالت ترتبك ويرتجفُ رمشها من حدَة صوتِك، عجبتُ من ـ أحبك ـ التي مازالت تتكاثرُ وتُعشَب في صدري، يا رجُلاً أبقاني على حافة الإنهيار وهو إتزاني! كيف أطيقُ البُعدَ عنكَ وأنت مركزُ توازني؟ يا حدَة السُمرة في ملامِحك و يا شقائي بها، يا شقائي بمقطعُ إسمك الذي يبعثرني رُغم صلاتِي وسكينتي، كيف أتجاوزك؟ وأنتَ قَدرٌ لا أُلام على مصائبه، وكيف أُلام؟ و أعظم مصيبة عيناكَ سببها، يا قلبي المُعنَى بأسبابِك إنني لا أدلَ طريقًا لا تُقاطعني بها ظلالِك.
سلطان حكَ جبينه وهو يُردف : محتاجة شي؟
أحتاجُ عيناك، وأمرَ بحاجة شديدة لبريقها.
الجوهرة : لا . . مع السلامة
سلطان : بحفظ الرحمن . . . أغلقه دون أن يقدر على قوْل كلمةٍ واحدة من الكلمات المتزاحمة في صدرِه.


،

أرتدت مُهرة عباءتها بعد أن علِمت بوجودِه، أخذت نقابها لتنظر لوالدتها : لا تخافين ماني قايلة شي
والدتها : دارية إنتس ماراح تقولين شي بس تذكري إنه أهلتس هِنيَا ويوسف ماراح يبقى لك طول العُمر
مُهرة بضيق لبست نقابها ونزلت للأسفل، دخلت للمجلس وبطرفه جلست في حين أن منصور كان يجلسُ بعيدًا عنها : السلام عليكم
مُهرة : وعليكم السلام
منصور : شلونِك؟
مُهرة : بخير الحمدلله
منصور بتوتر : أنا جايَك اليوم وأبي أقولك اللي عندي وأبيك تسمعيني لين الآخر . . . . صمت قليلاً حتى أردف . . يوسف ما يدري بجيَتي لِك ولا أبيه يدري، أنا عارف إنه مشكلتك الأساسية معي ماهي مع يوسف، بس بقولك أنه ما لأحَد حق أنه يوقَف حياتِك، إحنا مانشوفك أخت فهد اللي صارت لنا قضية بإسمه، إحنا نشوفك زوجة يوسف وبس! إذا أنتِ تعتبرين إنه اساس زواجك من يوسف هالمُشكلة وبمجرد ما أنحلَت فخلاص ماله داعي هالزواج فانتِ غلطانة، لأن من أول يوم كنا ندري بأنه فهد قضيته مو مثل ماهي مذكورة وكان الكل يعرف بأنه مالي أيَ يد في اللي صار، لكن رُغم هذا كنَا نعاملك على أساس زوجة يوسف لا أكثر ولا أقل، وأمي أعتبرتك وحدة من بناتها! وإن كان أحد ضايقك بكلمة أنا بنفسي الحين أعتذر لك، يوسف ماله أيَ ذنب بوصول الخبر لك الحين! لأنه كان يعرف بأنه مالي علاقة وأخوك الله يرحمه تورَط معهم لكن ماكان يربط مصيره بمصير أهله، وأنتِ لا تربطين مصيرك بمصير أهلك!! هذا شي فات وأنتهى من سنَة، والحكي بالماضي لا راح يقدَم ولا يزيد، أبدأي صفحة جديدة وأنسي اللي فات، وصدقيني محد بيتذكره! إلا أنتِ! إذا حاولتي تنبشين فيه كل مرَة، مافيه عايلة بهالوجود كاملة! وأفرادها كلهم مثاليين! لكن مافيه عايلة بعد تصير ضحية فرد واحِد، وأنتِ لا تصيرين ضحية اخوك بعد!! أقتنعي بمسألة إنه مالك أيَ علاقة وذنب باللي صار، ذنبك الحين إنك تربطين مصيرك بمصير غيرك، يا مُهرة أنتِ مالك دخل في أحد! ولا لِك دخَل باللي صار قبل، أنا أعرف أنه أخوك ومن حقك تعرفين كل صغيرة وكبيرة عنه لكن شي صار وأنتهى، تشوفين إنه يوسف يستحق منك كل هذا؟ هو يبيك أنتِ بحاضرك ما يبيك بماضيَيك!! لا تدمرين نفسك وتدمرينه معك! لا أنتِ تستاهلين التعاسة عشان أهلك ولا هو يستاهل الحزن عشان رغبتك!!
مُهرة بضيق صوتها المتحشرج : أنا ما أقبل إني أحس وكأني مفروضة عليكم
منصور بإنفعال : منتِ مفروضة والله منتِ مفروضة! يوسف يبيك وأبوي وأمي وخواتي متقبلين وجودك وفرحانين فيك!! وحتى يوسف صرت أحس بسعادته معاك رُغم كل شي!! لا تهدمين حياتك بهالطريقة! اللي تسوينه أكبر غلط بحق نفسك قبل لا يكون بحق يوسف
مُهرة : ما بُني على باطل فهو باطل
منصور : و ربَ ضارة حسنَة بعد!! بس فكري وخذي وقتك بالتفكير أكثر قبل لا تندمين وإذا فكرتي بجهة أهلي تأكدي إننا كلنا نبيك ومنتِ مفروضة على أحد!


،

يجلسُ بمقابله دون أن يرفع عينِه وينظرُ إليْه، تشابكت يدِه ببعضها ولا كلمات تحضرُ في صوتِه، أقشعرَ جسدِه من هذا الصمت الذي يُربك قلبه.
لا أنتظر مغفرة عبدالمحسن، أعرفُ جيدًا أنه من المستحيل أن يُسامحني بسهولة، أحتاجُ عمرًا يوازي الثمانية سنوات التي مرَت حتى يتجاهل ما حدث لإبنته، ولكن لن ينسى! لن يقدر على محوِ شيءٍ وضعتهُ نصب عينيْه على الدوام، ولكن أسألُ الله أن يليَنه عليَ، أن يعطيني فرصة واحدة حتى أُصحَح ما حدث، لو أن الأمر بيدي لكرهتُها، لنفرتُ منها، ولكنها تمكَنت مني، كان حُبها أقوى من أن أواجهه لوحدِي، كنت أراها بمواصفات شريكة حياتي حتى لعنتُ أنها ـ إبنة أخي ـ وهذا التصنيف الذي يجعل من أمر إجتماعنا مستحيلاً، حاولت أن أنساها ولكنني جُننت بها حتى تجرَدت من كل المسميات وأردتُها زوجتي، عشقتُها ومازلت، أنا لا قُدرة لي على محو الجوهرة بهذه السهولة. ولكن سأحاول! سأحاول أن أعُود لنفسي التي كانت حيَة قبل 8 سنوات.
عبدالمحسن : وش أخبارك؟
تُركي بإقتضاب : بخير
عبدالمحسن : كلَمت ياسر وقالي أخبارك بس أبي أسمعها منك
تُركي بضيق : أيَ أخبار؟
عبدالمحسن : ماراح تقولي ليه رجعت؟
تُركي نظر إليه وسُرعان ما شتتَ نظراتِه : آسف
عبدالمحسن أشتَد ضيقه : على ؟
تُركي تلألأت عيناه بالدمع : خنت ثقتك، بس والله ماكانت غايتي أضايق أحد، كنت بس . . .
تحشرج صوتِه ولم يقدر على مواصلة الحديث، عبدالمحسن : تُركي
تُركي يُكمل بصوتٍ يُضعفه ـ قبضة الدمع ـ عليه : أنجنَيت والله فيها! وما كنت أبي أضرَها بشي، بس الحين حالف ما عاد أقرَب لها كنت أبي أشوفها قبل كم يوم لكن ما خلتني أقولها كلمة وحدة، بس والله ماعاد بقرَب لها، وأصلاً قلت راح أنقل لأيَ منطقة ثانية بعيد عنكم
قامت صلاة العصَر و تسلل إلى مسامعهما ـ الله أكبر ـ، وقف عبدالمحسن وبأمر : أمش معي نصلي . .
تُركي كان ينتظر منه ردَة فعلٍ على حديثه ولم يجد شيئًا، وقف وتبعه حتى دخلا إلى المسجد المجاور للفندق.
صلَى بجانب أخيه بعد عهدٍ طويل لم يُصلي به مع عبدالمحسن، أخذ نفس عميق وهو يُغمض عينه حتى كبَر بعد الإمام.
أنتهت الركعة الأولى وبعدها الثانية إلى أن أتى التشهدُ الأخير والسلام، وبإيمانٍ تام بمعجزة الدعاء لفظ تُركي " يارب ليَن قلبهُ عليَ، يارب ليَنه و أنزع حُبها من صدري ".
إلتفت لعبدالمحسن بعد أن بدأ الرجال يخرجون من المسجد، بتردد كبير أقترب وأنحنى ليُقبَل رأسه، قبَله حتى أجهشت عيناه، حاول أن يمسك نفسه ولكن البُكاء على المعاصِي أشدَ حرقة على النَفس.
عبدالمحسن تجمَد بمكانه دون أن يلتفت أو يحاول أن يرفع عينه عليه، صوتُ بكائِه كان يشطرُه بإستمرار، أخذ نفَس عميق، وهو يحاول بجَد أن لا يفقد توازنه، أخفضَ تُركي رأسه وهو يُكرر ـ الأسف ـ في كل دمعةٍ يذرفها.
إلتفت عليه عبدالمحسن بكامل جسدِه، أحاط رأس أخيه بيديْه ورفعه لينظر إليه : اجبرتني يا تُركي!!
تركي بلع غصَاتِه ورُغم أن يدَا عبدالمحسن ترفع رأسه إلى أنه لا يضع عينه بعين أخيه : الله يغفر لي حزنك . .
عبدالمحسن سحبه بقوَة ليُعانقه ودمعة أتعبها الزمن نزلت بقهرٍ شديد : الله يغفر لك حزنها . . الله يغفر لك حزنها . . .
بكى تُركي كالطفل بين ذراعيَ عبدالمحسن وهو يذوق مرارة الذنب و وجعه في صدرِه، لم يكن سعيدًا أبدًا بمعصيته لله لكن كان يشعرُ بلذةٍ وقتية لم يستطع أن يمنع نفسهُ منها، كانت أهواءهُ أكبر من أن تواجه وتُقمع، وحين قُلت سابقًا بأن لي القُدرة أن أعيش بعيدًا عن هذه الحياة كنت أكذبُ على نفسي، لا أستطيع أن أحيَا دون عبدالمحسن و عبدالرحمن، لا أستطيع ولا أقدِر على الحياة بعيدًا عنهم ولكنني آذيتهُم! رُبما عبدالرحمن لم يشعر بعد بهذا الأذى ولكن إن عرف يومًا مَا بما حدث سيُصاب بخيبة مُوجعة، وأنا لا أقدر على وجع عبدالرحمن أيضًا.
عبدالمحسن : توعدني ماعاد تشوفها! ولا عاد تقرَب لمكان هي تكون فيه . . أوعدني يا تركي تذبح الجوهرة في قلبك و حياتِك وتنسى إنها بنت أخوك، ماعندِك بنات من أخوانك الا أفنان و رتيل و عبير وبس!!
تُركي ببحَة موجعة : والله، ماراح أقرَب لها
عبدالمحسن : وإذا تبيني أسامحك، ترجع لقبل 8 سنين لمَا بديت تحفظ قرآن وقطعته، إذا ختمت القرآن بتجاهل كل اللي صار، أوعدني تختم القرآن، وأوعدِك بنسى إنك تُركي اللي دمَرت بنتي!!
تُركي يُغطي عينيْه بكتفِ عبدالمحسن : راح أحاول بكل ما أقدر إني أختمه
عبدالمحسن : أرجع تُركي أخوي اللي أعرفه

،

،


مرَر كفه على جبينها الدافئ ليلتفت إلى الدكتور، ينتظرُ شيئًا يُطمئنه ويُساعده على التفاؤل بأمرِها، ضاقت عيناه عندما رآها بهذه الصُورة، هي الأسوأ حظَا دائِمًا والتي تواجه الموت بكثرة تقتلني، تمرَ المرةِ الأولى وتُجبر الثانيَة وتخطُو الثالثة وأخشى أن تواجه هذا الخطر مرةً رابعة وخامسة ولن يُفيدنا تمسكها بالحياة شيئًا، جميلتِي! التي مازالت تشعرُ بنا وتقاوم من أجلنا، لو أنظرُ لعينيْـك و أُشبع شوْقي لها.
الدكتور : للأسف واجهت إنهيارًا نفسيًا جعلنا نُخدرها ولكنها ستستيقظ بعد وقتٍ قصير أو في الليل رُبما.
عبدالرحمن أنحنى ليقبَل جبينها، مسح على شعرها وهو يُخلخل خصلاتِها بأصابعه.
مازلتِ جميلتي! وإبنتي التي يُعجبني فيها كل شيء حتى تمرَدها، مازلتِ انتِ بسُمرتِك الناعمة تُنعشين الحياة في صدري، يارب عساهُ يُشفيك ويُبدد العتمة في قلبي عليكِ، يارب عساهُ يُصلحك ويُسعد قلب والدِك، يارب عساهُ لا يصل حُزنٍ إلى محاجرِك اللؤلؤيـة والتي أحبها كثيرًا، أنتهت فترةٌ تعيسَة من حياتي وأُريد أن أبدأ فترةٍ أخرى بضحكتِك. أثقُ بقوَتِك وبمُقاومتِك من أجل الحياة، أثقُ جيدًا أن إبنتي مهما واجهت ستقف على أقدامها، ـ حنَيت ـ و هذا كل ما أعنيه بكلامي السابق.
خرج ليقترب من عبدالعزيز الذي كان ينتظرُه، بهدوء : صاحيَة؟
عبدالرحمن : لا، قال يمكن تصحى بعد شويَ أو في الليل . . خلنا نروح الفندق؟
صمت طويلاً حتى نطق بشتاتِ نظراته : بشوفها
عبدالرحمن دون أن ينظر إليه : بنتظرك تحت بالسيارة . . .
عبدالعزيز أخذ نفس عميق ليفتح باب غُرفتها، أغلقهُ من خلفه وبكل خطوةٍ يخطوها وعيناه لا ترمش، عقد حاجبيْه عندما نظر إليْها، وقف بالقُرب منها عند رأسها، وضع يدِه على شعرها البُندقي وأصابعه تُخلخله ببطء لا يُضايقها.
إني لأُعيذكِ من ضياعي، وأظنُكِ تزيدنهُ، وإني لأعيذك من حُبي، وأظنَكِ ترتكبينه. لا ذنب لكِ بما قتلتِ، إن كان مُرتكب الجريمَة عيناكِ وليست يداكِ، لا ذنب لكِ يا رتيل! سوى أنَ النور حين ينعكسُ على السمرَاء ـ يذبح ـ، وأنا وقعتُ بهذا الضيَاء، منذُ اللحظة التي كنت أسيرُ بها وألتفتَ من أجل ظلَك الذي ينعكسُ من النافذة، ومنذُ أن لمحت عيناكِ وأستهزأتُ بها، لم أكن أقصد الإستهزاء، ولكن الرِجال حين تلفتهُم عينانِ تُشبه عيناكِ يحاولون أن يخفُون ـ شدَة الإعجاب ـ بتصرفاتٍ مُقللة من شأنها، هذا كل ما في الأمر، لِمَ وصلنا إلى هذه النُقطة؟ أُدرك فداحة خطأي، ولكن من فرط الشقاء أصحبتُ أخافُ الفرح، أخافُ أن اقترب منه.
سحب الكُرسي من خلفه بقدمِه ليجلس بجانبها، وضع يدِه فوق كفَها الباردة، قرَبها من شفتيْه ليُقبَلها.
الظن الذي يجيئني في هذه اللحظة، أنه بمُجرد أن تُغادرين باريس ستُغادريني، كنت دائِمًا أخبرك أنني أعرفُ النهاية، أعرفُ ما سيحدثُ بنهاية المطاف، ستتكاثرُ اخطاءنا حتى يُصبح من فرط الجنون أن نتجاهلها ونعفُو عنها، لا أنتِ القادرة على الغُفران ولا أنا القادر على النسيان.
ترك يدها على بطنها، لينظرُ إلى ملامحها مرةً أخرى، همس : رتيل!
أجيبيني ولو لمرةٍ أخيرة، أُريد أن أرى عيناكِ وهي تُخبرني بحقيقةٍ لا يعكسُها لسانِك، أشتقت للحُب الذي تشي به نظراتِك.
عبدالعزيز إبتسم من الفكرة التي جاءتهُ، وقف لينحني عليها، قبَل جفنها النائم وهو يهمسُ بصوتٍ خافت : هنا الودَ . . ـ نزل إلى خدَها ـ و هِنا الحنان . . ـ اقترب من جبينها ليُقبَله ـ . . وهِنا موضع الإحترام . . .
في الوقت الذي كان يُلامس جُزء من صدره المنحني جسدها، همس : رتِيل، على فكرة إذا طلعت الحين ماعاد بجيك، يعني ماراح تصحين؟ . . .
دخلت الممرضة من خلفه ليرفع نفسه بسُرعة، إلتفت عليها، الممرضة بإبتسامة : توقعت أنها مستيقظة، لابُد أن تستيقظ لأن التخدير الذي أخذتهُ كان خفيفًا.
عبدالعزيز تمتم : أنا أعرف كيف أصحَيك . .
الممرضة : عفوًا؟
عبدالعزيز : شكرًا لكِ
خرجت الممرضة ليعود عبدالعزيز بإنحناءه عليها، بخفُوت : أبوك تحت، يعني أطلع؟ . . أطلع؟ . . . . اقترب بشدَة حتى لاصق أنفُها أنفه، همس : تبين تجرَبين موضع العشق؟ نسيناه . . . ـ قبَلها وأطال بقُبلته حتى بدأت تتحرك بتضايَق ـ
إبتعد عنها وهو يُعطيها ظهره حتى يحبس ضحكته التي قفزت نحو شفتيْه، بلل شفتِه بلسانِه وعاد إليْها : الحمدلله على السلامة
رتيل بقيْت لدقيقتيْن تنظرُ إليه حتى أستوعبت، أضطربت أنفاسها بإضطراب التركيز بنظراتها.
عبدالعزيز : أبوك تحت
رتيل : وينه؟
عبدالعزيز : أقولك تحت، بيرجع لك بس بيروح للفندق أوَل
رتيل بضيق وضعت يدها على ملامحها البارِدة، لترفع حاجبها : وش سوَيت؟
عبدالعزيز إبتسم : كنت أعلَمك فن القُبل
رتيل بغضب : بالله؟
عبدالعزيز ضحك ومن بين ضحكاته نطق : ما يصير تعصبَين بعدين تتعبين أكثر! . .
رتيل إلتفتت للجهة الأخرى حتى لا تراه، شعرت بأن نارًا تحرقُ حنجرتها.
عبدالعزيز : أفهم من كِذا إنك تطرديني؟
رتيل: ناد ليْ أبوي
عبدالعزيز بجديَة : رتيل
رتيل نظَرت إليْه، رفعت حاجبها بحدَة : وش تبي؟ ترى أبد طيحتي بالمستشفى ما نسَتني شي
عبدالعزيز تنهَد : ولا أنا أبيك تنسين شي، أنتهى كل شي هنا أصلاً
" لو كلمة تجبر خاطري فيها يا عزيز " كلمةٌ واحِدة قُل فقط أنَك أشتقت، إجعلني أشعُر ولو لمرَة أنني شيءٌ مُهم في حياتِك وأن مرضِي يعنيك، لِمَ جئت؟ لتزيد لوْعتِي و وجعي، جِئت حتى تُصيبني بخيبةٍ أكبر، أنتَ أسوأ رجُلٍ يُمارس رجولته عليَ، هذه الرجولة التي أقوى مما أحتمَل، وهي تجيئني بحُبٍ لا أستطيعُ أن أتجاهله، المعادلة الصعبة أن أجملُ الأشياء تأتِ منك و أوجعُها تُصيبني منك أيضًا، لا أدري مالحل؟ وماهي حيلتي وقلبي مُكبَل بهواك؟ في ذلك اليوم، عندما أغرقتني بقُبلاتِك وقُلت بين حشدٍ من ضحكاتِك " عندي خبرة بفنَ القُبل " قُلت لَك مقطعًا يجيئني دائِمًا كذكرى لعينيْك. " يا عاقد الحاجبيْنِ على الجبين اللجيْن، إن كنت تقصد قتلي قتلتني مرتيْن " قتلتني يا عبدالعزيز بسُمرتِك و حدَتها.
عبدالعزيز : ماراح تقولين شي؟
رتيل بعصبية وأعصابها تشتَدُ أكثر : مين لازم يقول؟ أنا ولا أنت؟ تحب تقهرني وتضايقني . . . ضعفت قوَاها وهي تبكِي وتحاول أن تُغطي ملامحها بالوسادة حتى لا يرى دمعُها الذي يسقطُ بوضوح ـ أحبك ـ في عينيْها.
عبدالعزيز حاول أن يقترب ولكن وقف بمكانِه، بهدوء : ماجيت أقهرك ولا أضايقك، جيت أتطمَن عليك
رتيل : كذَاب!!
عبدالعزيز : والله، كنت بروح الفندق أوَل عشان غادة . .
رتيل نظرت إليْه بمحاجرٍ ممتلئة بضياء الدمع، بإنفعال : وتطمَنت؟ أنا بخير الحمدلله، لكن بعد ما شفتِك ماني بخير!!
عبدالعزيز فهم تمامًا أنها متوترة و يتضحُ ذلك من كلماتها المتقطَعة وإنفعالها، أردفت ببكاء عميق وهي ترتجفُ بأنفاسها : عُمرك ماراح تحسَ، لين أموت ذيك الساعة بتتذكر وتقول والله فيه بني آدم ينتظرني
عبدالعزيز بضيق : بسم الله عليك
رتيل بصراخ : بسم الله عليَ منك . . أنت اللي تذبحني وأنت اللي تمرضني!!
عبدالعزيز بخفُوت : طيب إهدي خلاص، لا يرتفع ضغطك
رتيل بقهر وعيناها لا تجفَ : شف أنا وين أحكي وهو وين يحكي!! وتقول جايَ تتطمَن بعد؟ . . يارب بس أرحمني
عبدالعزيز بحدَة يقترب منها : رتيل خلاص!! بتخلين الممر كله يسمعك الحين
رتيل أخفضت عينيْها لتدخل بدوامةٍ من البكاء المستمَر، تنهَد وهو يضع يدِه على شَعرها : ليه أنفعلتي؟ ماحاولت أستفزك ولا أقهرك . . صايرة ما تتحملين كلمة مني
رتيل بإنكسارِ نبرتها : ليه تسوي فيني كِذا؟
عبدالعزيز : ما سويت شي، لو أدري إنه جيَتي لك بتسوي كِذا ما جيتك، يهمني بعد إنك تكونين بخير
رتيل تُشتت نظراتها : يارب ساعدني بس
عبدالعزيز وهذه الدموع تكسرُه، وتُليَنه رُغمًا عنه، مسح ملامحها بأطراف كفَه : لا تبكين، توَ ما مرَ عليك يومين
رتيل نظرت إلى عينيْه القريبة منها ولا تفصلُه عنها سوى بُضع سنتيمترات، طال صمتهما.
أأمُوت أمْ مالعمل؟ ما كان بالبُعد خيرًا حتى أرضى به، خيْرِي يا عزيز معك وأنت شحيحٌ بالهوَى! وأنا لا أتنازل! مثل بقية نساء بلدِي اللاتي لم يعتادون التنازل ابدًا إن كان هذا يخلَ بكبرياءهم، كيف أتنازل؟ وأنا كنت صاحبة الرغبة والخطوة الأولى في كل أمورنا الفائتة؟ تذكُر؟ سألتني في أول زيارة لباريس " وين بتروحين " أجبتُك " جهنَم " و وقتها ضحكت وقُلت " كويَس بطريقي " أظنُك كنت صادق حينها، نحنُ في الجحيم و أنت لا تعطفُ عليَ أبدًا. لم يكن سيضرَك شيئًا لو تقدمت خطوةٍ للأمام وتمسَكت بي مثل ما أتمسَك بك في كل مرَة وأتجاهلُ أمر عقلي، لِمَ تفعل بي كل هذا يا عزيز؟ والله لا أستحق أن تُحزني بهذه الطريقة الموجعة.
عبدالعزيز بلع ريقه من نظراتِها التي تُزيده حُزنًا، أردف : بترجعون الرياض بس تقومين بالسلامة، شدَي حيلك
رتيل بقهر : بنرجع؟ طبعًا أنت منتَ منَا! طبيعي أصلاً ليه أسأل، عُمرك ماراح تكون منَا لأن عُمرك ماراح تفكر بأحد غير نفسك، كل مرة أقتنع أكثر إنك أناني وتحب نفسك أكثر من شي ثاني، وطريق بيوجعك تبعد عنه حتى لو أحد ينتظرك فيه وطريق فيه لذتَك حتى لو مافيه أحد ينتظرك مشيت فيه!!
عبدالعزيز : وأنتِ ظالمة! لأن عُمري ما فكَرت أمشي ورى رغبتي! شوفي حالتي اللي وصلت لها وعقب كل هذا تقولين أناني؟ بدآ حقدك يعميك فعلاً!!
رتيل بغضب : أطلع برا
عبدالعزيز نظر إليها طويلا حتى صرخت مرةً أخرى : أطلللع
عبدالعزيز ابتعد عنها، وبهدُوء : طيَب
رتيل من بين إندلاعات الحُرقة في صدرها وتصاعد البُكاءِ في عينيْها نطقت : ما أبي أشوفك . .
إتجه عبدالعزيز ناحية الباب وبمُجرد أن وضع يده على مقبض الباب حتى توقَف وهو يسمعها تبكِي وتُنادي ـ يُمَه ـ، للمرةِ الأولى يسمع لفظ " يمَه " من بين شفتيْها، كان يُدرك خسارتها لوالدتها ولكن لم يُدرك أن حزنها يتفاقم في كل لحظة تحتاج أن تبكي على صدرِ أحد.
دفنت وجهها بالوسادة وهي تستلقي على جمبها مُتجاهلة أمر إصابتها، أختنق صوتها بكلماتٍ كثيرة لا مجال لفهمِها : يارب . . ليه كِذا؟ ياربي . . . يا يمَه . . .
لم يقدر أن يفتح الباب ويخرج وهو يسمعها تبكِي بهذه الصورة، تنهد: يارب . .
عاد بخُطاه ليُبرهن لها أنه ـ يتمسك بها ـ رُغم أنها تُهينه، جلس على السرير بجانبها بعد أن أستلقت على جمبها وتركت مساحةً فارغة، سحبها برفق رُغم محاولاتها بأن تُبعده : أتركني
عبدالعزيز شدَها إلى صدره : أششش! خلاص
رتيل بإنهيارٍ تام لا فُرصة للسيطرة عليه، حاولت أن تضرب صدره وتُبعده ولكن ذراعيْه جمدَت حركاتها : ليييه!
عبدالعزيز وبدأ صوتِه يختنقُ معها : رتيل . . خلاص
رتيل وهي تحبسُ وجهها في صدره : تحبَها؟ طيب وأنا؟ ليه تزوجتني؟ ليه تسوون فيني كِذا؟ ماني حجر عشان ما أحس! ليه تلعبون في قلبي بمزاجكم؟ أنت وأبوي كلكم تعاملوني كأني عديمة إحساس . . تعببببت
عبدالعزيز قبَل رأسها ولمْ يحاول أن يُحرك وجهه بعيدًا عنها، ضلَت شفتاه تُلامس رأسها.
رتيل ببكاء : ليه يا عزيز؟ أنت تدري وش في قلبي لك؟ كيف تقوى تسوي فيني كِذا؟
عبدالعزيز وصدرُه يرتفع بعلوٍ ويسقطُ بذاتِ العلو، قلبهُ ينتفض من مكانه مع كل حرف تنطقه شفاهِها : إرتاحي، لا تفكرين بأشياء راحت
رتيل بعلوِ صوتها المُتعب : لا تقول لا تفكرين! هذي نفسي كيف ما أفكر فيها!! ياربي . . ليه لييييه
عبدالعزيز أبعدها عن صدرِه حتى يُحيط رأسه وينظرُ إلى عينيْها التي تُقابله : ما أحب أشوفِك كِذا، تذبحيني والله
رتيل : ما تعرف شعوري ولا راح تفهمه، بموت يا عبدالعزيز لما أفكَر إنك معاها، أحس بنار تحرقني! أنا ما أستاهل تسوي فيني كِذا، من البداية كنت تهيني مع كل كلمة، وبعدها أهنتني بأفعالك! وش جريمتي عشان تسوي كل هذا؟ عشاني بنت عبدالرحمن؟
عبدالعزيز : ماعاش من يهينك
رتيل بغضب : لا تحاول تقنعني بأيَ كلمة! أنت تهيني . . تهيني يا عبدالعزيز، حتى الحين تهين شعوري لما أبيَن لك كل شي وتجلس تجاوبني بأشياء ثانية
عبدالعزيز : كيف أجاوبك؟
رتيل تلفَ وجهها للجهة الأخرى : وش أبي بحُب أنا طلبته؟ إما تجي منك ولا ما أبيه . .
عبدالعزيز الذي مازال يحاوط وجهه أرغمها على النظر إليْه : الحين فهمت كلام ابوك لي، لمَا قالي لا تكوَن علاقات وصداقات مع أحد، فهمت وش كان يقصد
رتيل بحدَة نظراتها : الله يسلم أبوي كانه داري إنك إنسان بارد تجرح الواحد وتجي تداويه!!
عبدالعزيز عقد حاجبيْه وبحدَة نبرته : تدرين وش الفكرة اللي في بالي الحين؟ إنك جاحدة وظالمة
رتيل بغضبها الذي لا يهدأ دفعته بكفيَها الرقيقتيْن، لم يتحرَك من مكانِه ولم تهزَه ضربتها الناعمة : ليه رجعت؟ . . ما أبغى أشوفك
عبدالعزيز رُغما عنه إبتسم : ومتناقضة
رتيل : وأنت أناني وحقير وبارد و نذل و قاسي و متسلط وو . .
لم تُكمل من قُبلته المُفاجئة التي أعادت رأسها إلى الوسادة، ويديْه تُقيَد كفيَ رتيل، همس وهو يبتعد مقدار ـ 5 سم ـ عن شفتيْها : وعاشق
فتحت عينيْها وصدرُها لا يتنفسُ بسلام إثر الإضطراب الذي يعيشه ويجعله يرتفع بعلوِ الشهيق ويزفرُ بهبوطٍ شديد، نظرت إليْه وشحوب ملامحها يتحوَل للحُمرة، رفع عبدالعزيز نفسه عنها حتى لا يضغط على مكان الإصابة، ترك كفيَها ليقف بعد أن سمع صوتُ الباب، عبدالرحمن قبل أن ينظرُ إلى رتيل : وينـ . . صمت عندما رأى إبنته، أقترب منها : يا بعد عُمري، الحمدلله على السلامة . . قرَت عيوني
عانقتهُ بشدَة وهي تنظرُ من على كتفِ والدها عينيَ عبدالعزيز، أرادت أن تمتص الهدوء من جسدِ أبيها : الله يسلمك
عبدالرحمن أنتبه لتنفسها غير المنتظم، أبعدها لينظر إلى وجهها الباكي : وش مبكِيك؟ . . إلتفت لعبدالعزيز . . .
عبدالعزيز حكَ رقبته بتوتر وحرارة جسدِه ترتفعُ إلى أوجَها : كانت تبيك
عبدالرحمن عاد بأنظاره إليْها وهو يمسح وجهها ويُبعد خصلات شعرها الملتوية من على وجهها : شلونك الحين؟ حاسَة بألم؟
رتيل هزَت رأسها بالنفي و زادت عُقدة حاجبيَ والدها من أنفاسها التي تُشعره وكأنها ركضت للتو : فيك شي؟
رتيل بإبتسامة أرادت أن تُطمئنه : لا، . . أشتقت لك
عبدالرحمن يُقبَل جبينها : تشتاق لك الجنَة، وأنا أشتقت لكم والله بس الحمدلله عدَت على خير . .تنذكر ولا تنعاد يارب
رتيل : آمين . .
عبدالرحمن : تجلسين بروحك بس شويَ؟ بروح أنا وعبدالعزيز للفندق وبرجع لك بعدها
رتيل فقدت الإدراك بكل الكلمات التي يقولها والدها، وبقيْت صامتة.
عبدالرحمن بإستغراب : رتيييل
رتيل : ها
عبدالرحمن : وش فيك؟ شكلك مو طبيعي . . إلتفت لعبدالعزيز . . قايلها شي؟
عبدالعزيز : وش بقولها يعني؟ أصلاً توَها صحت وبكت على طول . . صح؟
عبدالرحمن أنتظر تأكيد رتيل الذي طال وأربك عبدالعزيز، نطقت وهي تبلعُ ريقها بصعوبة : إيه
عبدالرحمن : طيب بتركِك وماني مطوَل عليك بس عشان ما ينشغل بالي على عبير وضيَ
رتيل : طيب
عبدالرحمن : إذا بتخافين بجلس عندِك
رتيل : لا عادي بنتظرك
وقف : يالله عبدالعزيز . . خرج وتبعه عبدالعزيز الذي إلتفت عليها بنظرةٍ أخيرة ـ تبتسم ـ.
رتيل وضعت يدها على قلبها لتستشعر الزلازل التي صابته، إلتفتت للشاشة التي تُبيَن صورة نبضاتِ قلبها، تأملتها لعلَها تفهم شيء ولكن لم تستنتج أيَ معلومة منه.
وضعت رأسها على الوسادة لتُتمتم : مجنون!


،




رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بين بسمة ذلك الثغر ودمعة تلك العين جنــــون …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… 15 04-26-2019 03:07 AM
لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية / كاملة فزولهآ …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… 28 03-17-2016 09:34 PM
يابسمة الثغر الخجول ماظن عندك لي حلول - bb جنــــون …»●[قصايدليل لعالم الجوالات بجميع انواعها]●«… 10 03-18-2011 05:07 PM
بروشات 2010 ما شفتيها من قبل...... يآزمن الأقنعهـ …»●[غروركــ مصدرهـ روعة جمــالكــ]●«… 8 11-15-2010 08:12 AM
هل لو حصلك تروح مع هالطريق .. تروح بالفعل ..؟ نادر الوجود …»●[متــع ناظــريكـ بــروائــع الصــور]●«… 6 05-04-2009 11:13 PM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية