سورة الحجر (الآيات 14 : 15)

سورة الحجر (الآيات 14 : 15)


قول الله - تعالى ذِكْره -: ﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فيه يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ [الحجر: 14 - 15].



"فظلُّوا" ظلَّ يفعل كذا؛ أيْ: ما زال يَفْعله بالنَّهار، والمصدر: الظُّلول، وجاء لفظ "فظلُّوا" مُشْعِرًا بحصول ذلك في وضَحِ النَّهار؛ لِيَدلَّ على أنَّ كل ما يعاينون من الآيات بيِّنٌ واضح، لا يدَع لهم شبهة في الإنكار، كما قال الله في سورة النمل: ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 13 - 14] على أن "ظلَّ" قد يأتي بمعنى "صار".



و"يعرجون" من العُروج، وهو الذهاب في صُعود، كما يُقال: درج، إذا مَشى، والصَّاعد على الدَّرج، وقد قرأ الأعمش، وأبو حيوة: "يَعْرِجون" بكسر الرَّاء، وهي لغة هُذَيل.



و"سكرت": قرأها الحسن ومُجاهد وابن كثير بتخفيف الكاف وضمِّ السِّين، مبنيًّا للمفعول، من سكور الريح، وذلك سكونُها وركودها، يُقال منه: سكرت الريح إذا سكَنَت وركدت، وقرأها باقي السَّبعة بتشديد الكاف مبنيًّا للمفعول، وقرأها الزُّهري بفتح السِّين وكسر الكاف مخفَّفة، مبنيًّا للفاعل، على أنها من سَكِرَ الشَّراب، قال ابن جرير: غير أنَّ القراءة التي لا أستجيز غيرها في القرآن "سُكِّرَت" بالتَّشديد؛ لإجماع الحجَّة من القراء عليها، وغير جائز خلافها فيما جاءت به مُجْمعة عليه[1]؛ اهـ.



فأمَّا قراءة التشديد، فمعناها عن ابن عبَّاس وقتادة: مُنِعَت عن رؤية الحقيقة، من السِّكْر - بكسر السين - وهو السّد والحبس، وعن مُجاهد والضحَّاك: سُدَّت؛ أيْ: مُنِعَت النَّظر، كما يُسكر الماء، فيمنع بالسدِّ المُحْكم الذي يحبسه في مكانه عن الجَرْي والانتقال إلى حيث كان مندفعًا في جرْيه لولا هذا السدُّ والسِّكر، وعن قتادة: سُحِرَت وأخذت أبصارنا، وعنه قال: مَن قرأها مشدَّدة، عنَى: سُدَّت، ومَن قرأها مخفَّفة، فإنه عنَى: سُحِرت، قال ابن جرير: وكأنَّ هؤلاء وجَّهوا معنى قوله: ﴿ سُكِّرَتْ ﴾ [الحجر : 15] إلى أن أبصارهم سُحِرت، فشبه عليهم ما يُبْصرون، فلا يميِّزون بين الصحيح مما يرون وغيره؛ من قول العرب: سُكِّر على فلان رأيه: إذا اختلط عليه رأيه فيما يريد، فلم يَدْرِ الصَّواب فيه من غيره، فإذا عزَم على الرَّأي قالوا: ذهب التَّسكير، وقال ابن زَيْد: هو مأخوذ من السُّكْر - بضم السِّين - يعني سكر الشراب - ومعناه: غشي بصره، كالسَّمادير، فلم يُبْصر، وقال الكلبي: سُكِّرَت: عَمِيتْ.



هذا، وأصل "السكر" شدَّة وإحكام حَبْس الشَّيء ومَنْعه بِقُوَّة عن سبيله وسُنَّتِه الجاري فيه، فسكر النهر شدَّة منعه وحبس الماء بإقامة السدِّ المُحْكم القوي؛ لِيَمنعه عن جَرْيِه في مجراه الآخِذ منه بطبيعة اندفاعه، وسكر الشراب حبس العقل ومَنْعه عن طريقه الفطْريِّ المُنْدفع فيه لِفَهْم الأشياء على حقيقتها، وسكر الشيء الحارِّ: ذهاب فَوْرته وسكون حدَّة حرِّه، قال المثنَّى بن جندل الطُّهوي:



جَاءَ الشِّتَاءُ وَاجْثَأَلَّ الْقُبَّرُ
وَاسْتَخْفَتِ الأَفْعَى، وَكَانَتْ تَظْهَرُ
وَجَعَلَتْ عَيْنُ الْحَرُورِ تَسْكُرُ


أيْ: تسكن وتنطفئ وتتلاشى وَقْدة حرِّها، وسكر الليل: سُكونه وذهاب فورَتِه، ومنه يُقال: ليلة ساكرة، قال ذو الرُّمَّة:



قَبْلَ انْصِدَاعِ الفَجْرِ والتَّهَجُّرُ
وَخَوْضُهُنَّ اللَّيْلَ حِينَ يَسْكُرُ


وقال أبو حيَّان: فإن كان من سكر الشراب أو من سكر الرِّيح، فالتَّضعيف للتعدية، أو من سكر مَجاري الماء فللتكثير؛ لأنَّ مُخَفَّفه مُتَعدٍّ بنفسه؛ ا. هـ.



وجاؤوا في ردِّهم بأداة الحصر "إنَّما"؛ ليدلُّوا على أنَّ أبصارهم ليس بها إلاَّ هذا التَّسكير والحبس الشديد، والمنع القويُّ عن رؤية الأشياء.



ثم أضرَبوا عن ذلك؛ إذْ كان واضِحَ البطلان، وقالوا: ﴿ بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ [الحجر: 15].



و"المسحور" الْمَخدوع بالأُمور الخفيَّة والحركات التي يعتقدها غير اعتياديَّة، حتى يتخيَّل الأشياء على غير حقيقتها.



يقول ربُّنا - جلَّ ثناؤه -: إنَّ الذين فسقوا عن أمر ربِّهم، فبدَّلوا نِعَمه عليهم كفرًا في إنسانيَّتهم السميعة البصيرة العاقلة الكريمة، وأخْلَدوا إلى أرض البهيميَّة الشرسة، فتحكَّمت الشَّهوات والأهواء في عقولهم، فقتلَتْها، ونفذ سلطانُها الفاجر على قلوبهم وأرواحهم فأماتها، وران عليهم ما كسبوا من الباطل والغي والإفساد في نِعَم الله، وسُنَنِه الحكيمة الَّتِي ما أعطاهم إيَّاها ولا أكرمهم بها إلاَّ لِيُربِّيبهم بها، ويرقِّيهم على مدارجها إلى درجات السُّمو والعلوِّ؛ ليكونوا مع الأبرار في عليِّين، ولتكون لهم الحُسْنَى وزيادة، لكنهم سفهوا أنفسهم، وكان كل هَمِّهم في هذه الحياة أن يتمتَّعوا ويأكلوا كما تأكل الأنعام، سابحين في أوهام الأماني الكاذبة والآمال الخادعة: أنَّهم ما داموا يدينون دين الآباء والشُّيوخ، ويحافظون على العادات والتقاليد الموروثة - مهما كانت هادمةً لِسُنن الله، وحربًا على آيات الله، وكفرًا به وبنعمه، ونقضًا لحكمته، ومهما كان فيها من الشِّرك والوثنية القديمة بأسماء مزخرفة إلى الشُّيوخ كان في دينهم مِن افتراء الكذب على الله وشرعه ما لم يَأْذن به، مروِّجًا نسبته إلى الشُّيوخ والسادة والرُّؤساء - مهما كان ذلك وغيره مما يدعو إليه ويستلزمه من الفسوق والعصيان، واستباحة المحرَّمات والاعتداء على حدود الله، وقلب الأوضاع، وإفساد الفطرة، وتغيير خلق الله - فهم النَّاجون بزعمهم من غضب الله ولعنته وعذابه، وإن لم تَفِ دعاواهم وغرورُهم بالأسماء والنَّسَب والألفاظ الإسلاميَّة، يقولونها تقليدًا بلا فهم ولا عقل، والكتب الدِّينية يلوكون ألفاظها بغير تعقُّل ولا تدبُّر، ويقرؤون كلماتها ساخرين هازئين بمعانيها ومقتضاها وما تدعو إليه، ويتغنَّون بها للموتى وعلى المقابر، ويتَّخذون آياتها هُزوًا ولعبًا، إن كان ذلك لم يف بالغرَض، ولم يَكْفِ لنوال الأمنيَّة، فهناك المحسوبيَّة لأوليائهم وشفعائهم الذين أشركوهم مع ربِّ العالمين في شؤون دنياهم، لا بدَّ أن يكونوا بزعمهم شركاءَه في الآخرة أيضًا، وكما كان لهم قدرة التصرُّف في شؤون الدنيا بما يشاؤون، فلا بدَّ أن يكون لهم كذلك القدرة على التصرُّف في شؤون الآخرة وحسابها وجزائها بما يشاؤون.



إنَّ الذين كفروا - هذا الكفر - اليومَ وقبل اليوم، وبعد اليوم، ومن أوَّل ما خلق الله الإنسان إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، كُلَّما تُلِيَت عليهم آياتُ ربِّهم الكونيَّة، وسننه الحكيمة، ترسلها رحمة الله؛ لإيقاظهم، وتبعثها حكمته؛ لِبَعْثِهم من مراقد الغفلة، وتنْتَشِلهم من وهاد الغباوة والذِّلة، وتدفعهم إلى درجات العزَّة والكرامة - صرخ فيهم شيطانُهم: ما لكم ولهذه الآيات تتفكَّرون فيها وتعتبرون بها؟! أأنتم كالشُّيوخ والعلماء والسَّادة، الذين تخصَّصوا لهذا العلم والتدبُّر والفهم؟ ألكم قلوب تفقهون بها، أم لكم أعين تُبْصِرون بها، أم لكم آذان تسمعون بها؟! إنَّ العقول التي تفقه، والأعين التي تُبْصِر، والآذان التي تسمع هي عقول وأعين وآذان الشُّيوخ والآباء، والسَّادة والزُّعماء والرؤساء فقط، أمَّا أنتم فعوامُّ مَحْرومون من كل ذلك، فحرامٌ عليكم كلُّ ذلك، والويل كل الويل لكم إذا أنتم حاولتم شيئًا من ذلك، فليس هو إلاَّ الطَّعن على أولئك الشُّيوخ والآباء، والكفر بالسَّادة والرُّؤساء، وذلك هو الكفر بالله المُؤَدِّي إلى أشدِّ الغضب والعذاب، فحذارِ ثم حذار أن تكونوا كمَثَلِ الذي يَنْعِق بما لا يسمع إلاَّ دعاءً ونداء، صُمًّا بُكْمًا عميًا لا تعقلون - فلن تفتح لكم أبواب السَّماء، ولن يرفع لكم عمل، ولن تبلغوا من رضوان الله والجنة ما تبتغون إلاَّ إذا كنتم بين يدي الشُّيوخ كالموتى بين يدي الغاسل، ثِقَة عمياء، وطاعة أشدّ عمًى، فأولئك الشُّيوخ هم سدَنة رَحْمة الله، وبِيَدِهم مفاتيح خزائنه في الدُّنيا والآخرة، فرضاهم قبل كل شيء، وعلى رضاهم يتوقَّف رضا الله، وتقديسهم أوَّل كل شيء، وعلى تقديسهم تتوقَّف السعادة في الدُّنيا والآخرة.



وهذا الذي قام فيكم يقول: إنَّه رسول الله، ما هو إلاَّ بشر مثلُنا ومثلكم، ليس فيه من أسرار الله وأنوارِه الفائضة ما كان لِمُقدَّسينا وأوليائهم، والذين رَقوا بهذه الأسرار والأنوار عن البشريَّة إلى طبقة وسط بين الربوبيَّة والبشريَّة، فمِن ثَمَّ كانوا وُسَطاء بين عامَّة البشر وبين ربِّهم، بما لَهم من حياة وقدرة ورحمة وبَطْش، أخذوا من كلِّ صفات الرَّب، وهم مع هذا أبناؤه المُدَلَّلون، الذين يفعلون في ملكه ما يشاؤون، وينقضون ويبْرمُون، ويتحكَّمون في أبيهم الذي جعل لهم التصرُّف في ملكه بكلِّ ما يشاؤون، لا معقِّب لحكمهم ولا رادَّ لأمرهم، كمثل الوُسَطاء والشُّفعاء عند الملوك والسَّادة والرُّؤساء، ليس شيءٌ مِن ذلك لهذا الذي يقول لكم: إنَّه رسول الله، إنَّما هو بشر مثلنا ومثلكم، ونحن أعرق منه في علوم الدِّين بما ورثنا عن الآباء والشُّيوخ، ونحن أوسع منه جاهًا، بكثرة ما لنا من الأتْباع والمريدين، ونحن أعزُّ منه جانبًا بِما لنا من الرِّياسات مما يُجْبَى إلينا من المريدين والأَتْباع من الأموال والثَّمرات.



ثُمَّ هو مع هذا يزعم أن آباءَكم وأجدادكم وجميع الناس غيره كافرون، وأنَّهم في النار خالدون، ويدَّعي أنَّه جاءكم ليغيِّر دينكم القديم الذي ورثتموه عن أبوَيْكُم إسماعيل وإبراهيم، الذي تدينون به ويدين لكم به الناس تابعين، والذي يقيمون ما ورثتم من شعائره، وتعظِّمون ما يلقِّنكم آباؤكم من عباداته، والآية الكُبْرى على ذلك ما أقَمْتم لإبراهيم وإسماعيل وكَبْش الفداء، وصالِحي هذا الدِّين وسادته من التماثيل؛ تعظيمًا وتقديسًا، تلتمسون البَرَكة منها، وتستشفعون بها إلى ربِّكم، ما أعجب أمْرَ هذا الإنسان! إنَّه يقول: إنَّ صورة إبراهيم وإسماعيل صنَمان، فانظروا إلى شنيع مَقالته، وقبيح جراءته؛ إذْ يسمِّي إسماعيل وإبراهيم والصَّالحين والشُّيوخ أصنامًا، أبَعْد هذا تُصدِّقونه وتتَّبعونه؟ إنكم إذًا لخاسرون.



وأعظم ما يدهش ويحيِّر من أمره: أنَّه يزعم أنه سيغيِّر دين هذه الجموع من الناس، وأنه سيَنْسَخ بدينه الجديد دينَهم القديم الذي مضَتْ عليه مئات السِّنين، وقد ذهبَتْ جذوره متغلغلة في القلوب على مدى هذه الأيام المتطاولة، وبعناية الشُّيوخ والآباء جيلاً بعد جيل، يَغْرِسونه في القلوب، ويتعهَّدونه بأنواع السَّقي والرعاية حتى أصبح هذه الدَّوحة العظيمة تتفيَّؤُها قُرَيش، وتَسُود بها الجزيرة، وتقودها بهذا الدِّين الحنيف في ظلِّ هذه الدوحة الإبراهيمية.



وكذلك هي صرخة الشيطان ودعوته بتلك الأمانِيِّ الكاذبة، وتغريره بهذه الخدع الباطلة، يَصْرخ بها في الناس في كلِّ زمان ومكان، وينفثها سُمومًا في رُوح كلِّ من يصيخ السَّمع إليه.



والله - سبحانه وتعالى - يَدْعو الناس بنِعَمه المتتالية، وآياته الواضحة البيِّنة في الأنفُسِ والآفاق، ورسول الله يدعو الناس بتبليغهم ما أُوحي إليه من ربِّه، ويتلو عليهم آياته، يبيِّن لهم الحقَّ من الباطل، ويميِّز لهم الطيِّب من الخبيث، ويكشف لهم عمَّا في قلوبهم من آثار جاهليتهم وتقليدهم فيه من الرِّجس والنجس، والانتكاس وموت الإنسانيَّة الذي خير منه موت الأجسام الحيوانيَّة، ورسول الله يُلحُّ عليهم بكلِّ ما أوتي من شفقة ورَحْمة، وبكلِّ ما فيه من بِرٍّ وإحسان، وبكل ما يستطيع من فصيح القول وساطع البيان، ويَصِيح بِهم في قوَّة: أنقذوا أنفسكم من هذا الشَّقاء والصَّغار، وتدارَكُوا أمركم قبل أن تحلَّ بكم اللَّعنة، ويَحِيق بكم الدَّمار، وبادِروا إلى الإيمان بالله وسُنَنِه، وحكمته وآياته، وكتابه ورسوله، يُزَكِّكم ويطهِّركم من هذه الأرجاس، ويَجْعَلكم خير أمَّة أخرجت للناس، ويعلِّمكم الكتاب والحكمة ويُخْرجكم من ظلمات هذا الضَّلال الدِّيني وتقاليده الكافرة، إلى نور الإسلام الذي ارتضاه لكم ربُّكم، وعقيدتِه وشرائعه المزكِّية المطهِّرة، ويهديكم في الدنيا والآخرة إلى صراطه المستقيم، ويستخلفكم في الأرض بالعزَّة والسُّلطان، ويمكِّن لكم الدِّين الذي ارتضاه، ويبدِّلكم من بعد خوفكم أمنًا، ومن وهنكم قوة وغلبًا، ويؤتكم الحُكْم والحِكْمة، إنه هو العزيز الحكيم.



فإنه سبحانه لم يَكُ مغيِّرًا نعمةً أنعَمَها على قوم حتَّى يغيِّروا ما بأنفسهم، إنَّه هو السَّميع العليم: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ في السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 125 - 127 ] و﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 96 - 97] ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأنعام: 25] ﴿ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ﴾ [الأنعام: 110 - 111].



﴿ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ * هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ﴾ [الأنعام: 157 - 158] ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا في السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ * فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ * ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس101: 103].



﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ * إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [يونس42: 44] ﴿ إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [النمل80: 81] ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [الفرقان: 43 - 44].



وأنَّى لِمَن هم أضلُّ من الأنعام سبيلاً، ومن هم صمٌّ بُكْمٌ عمي، موتى القلوب والأرواح - أن يعقلوا آيات الله، أو يتفكَّروا فيها؟ أو يفهموا كتاب الله أو يفقهوه ويدينوا به ويهتدوا بِهَدْي رسوله الأكرم - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟ ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ في السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105 - 106] ومتَّخِذون لربِّهم وبارئهم أرحَمِ الرَّاحمين، السميعِ القريب المُجيب - ما لا يُحْصيه العدد من الأنداد، حتى أصبَحْتَ لا تَمُرُّ في زقاق ولا شارع ولا بلد ولا قرية، إلاَّ تجدهم قد اتَّخَذوا سيِّدَهم "الأربعين" إن لم يجدوا مَن يدفنونه من مقدَّسيهم ومعبوداتِهم من دجاجلة الصُّوفية والصمم، وردُّوا أيديهم في أفواههم، وقالوا: إنَّا بكلِّ هذه الآيات الكونية والآيات القرآنية لَكافرون، ومنها ساخِرُون، ولِشَرائعها وعقائدها وأحكامها وآدابها ناقضون.



فلو أنَّ ربَّك فتح عليهم بابًا من السَّماء، وجعل لهم معارِجَ عليها يعرجون لِيُرِيهم آياتِ عظَمَتِه وحكمته ورحمته، وقوَّته وتدبيره في هذه السَّموات، وكواكبِها الضَّخمة الهائلة العظيمة، وملائكتها الخاشعة السَّاجدة لربِّها، وقد سخَّر كلَّ ذلك برحمته وحكمته وقَهْرِه لِخِدمة الإنسان - ثُمَّ سُئِلوا الإيمان بعد ما رأوا من هذه الآيات، لقالوا: ﴿ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ﴾ [الحجر: 15]، وأُحْكِم سَدُّ مَجْرى أبصارنا، ومُنِعَت عن الرُّؤية، فلم نر شيئًا يستوجب الكفر بأولئك الموتى وأعيادهم ومقاصيرهم ورُجومهم، والكُفْر بِهَذه الصُّوفية الوثنيَّة وما جرَّت على الناس من بلاءٍ وشَقاءٍ، وفسوق وعصيان، والكفر بهذا التشيُّع والتفرُّق والتحزُّب في ديننا ومذاهبنا التي وَرِثناها عن آبائنا، وألزَمَناها شيوخُنا وسادَتُنا ورؤساؤنا، والكفر بطواغيتنا الذين حَكَّموا فينا الأهواء وآراء الرُّؤساء، وقادونا بالتَّحاكم إلى أقوال السُّفهاء من اليهود والنَّصارى إلى قرار الهاوية السَّحيقة من الوهن والاِنْحلال، لم نرَ في تلك السَّموات وآياتها شيئًا يَدْعونا إلى ذلك، ويَحْملنا على الكفر بهذه الطَّواغيت، والإيمان بالله وكتابه ورسوله، والاستقامة على صراط الله المستقيم الذي كان عليه أبو بكر وعُمَر وإخوانُهما من الصَّحابة والتابعين والأئمَّة المهتدين - رضي الله عنهم - أجمعين.



فإذا وقفوا في هذه الآيات وشُدِّد عليهم القول، قالوا: رَأَيْنا، ولكن رأينا أشياء خُيِّلَت لنا على غير حقائقها التي نعتقدها بما أَوحى إلينا شيوخُنا من شياطين الإنس والجنِّ، فإنَّ عيوننا مَسْحورة ومُلبس عليها بما غلَبَنا وأذهلَنا مِمَّا يتلو علينا هذا الكتاب العجيب في أسلوبه، العجيب في معانيه وأحكامه، العجيب في مواعظه وعِبَرِه، العجيب في كلِّ ما فيه من العلم والقوَّة، كلُّ ذلك حَيَّرنا وأخذ علينا أبصارنا فسحَرها وبَهَرها، وأخذ علينا كلَّ الْمَسالك، فلا ندري ماذا نصنع ولا ماذا نقول، فأولى بنا أن نُثْنِيَ صدورنا ونستخفي منه؛ لعلَّه يذهب عنَّا بِنُذُرِه ووعيده بعيدًا.



وهكذا شأن الكافرين بآيات الله وسننه وكتابه ورسوله في كلِّ زمانٍ ومكان يُكابِرون الْحقَّ بالباطل، بل يُغالطون أنفسهم بما غلبهم شيطان الجهل والتقليد الأعمى، ولكن أين المَفر؟ كلا لا وزَر.



واسمع إلى الله سبحانه يُعْلِن أنَّ آياته في السَّماء بارزة كالبُروج المُشَيَّدة العالية التي لن تَخْفى إلاَّ على عُمي القلوب والبصائر إذْ يقول - عزَّ مِن قائل -: ﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا في السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الحجر: 16] فكيف بالأرض التي يعيش الإنسان عليها ويُخالطه في كلِّ ناحية من نواحيه من آيات ربِّه ما هو أظهر وأَجْلى، ولكن المقلِّدين الكافرين بالله وآياته: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].



نسأل الله السَّلامة والعافية، وأن يَجعلَنا من المؤمنين بالآيات والسُّنَن، العارفين نِعَم ربِّنا علينا في أنفسنا وفي الآفاق، وأن يُوزِعَنا شكْرَ هذه النِّعَم بِحُسن استعمالها فيما خلقها لها الرَّحْمنُ الرحيم، العليم الحكيم: ﴿ رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8].



وصلَّى الله وسلَّم وبارك على عبد الله ورسوله محمَّد، وعلى آله أجمعين[2].



[1] "تفسير ابن جرير الطبري"، ج7 ص496.

سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

سلمت اناملك لروعة ذوقك
يسعدك ربي ويحقق أمانيك

جزاك الله خيـــر
وزادك رفعه ورزقك الجنان

جزاك الله خيرا
ونفع بك ع الطرح القيم والمفيد
وعلى طيب ماقدمت
اسعد الله قلبك بالأيمان
وسدد خطاك لكل خير وصلاح
وفي ميزان حسناتك ان شاء الله
دمت بطاعة الرحمن

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

‏

لَآعِدَمَنِآ هـَ الَعَطَآءْ وَلَآَ هَـ الَمْجَهُودَ الَرَائَعْ
كُْلَ مَآتَجَلَبَهْ أًنَآَمِلكْ بًأًذخْ بَاَلَجَّمَآلْ مُتًرّفْ بَ تمًّيِزْ
وُدِيِّ

‏اختيار جميل جدا
يدل على ثقافه عاليه

‏شكرا من القب
على هكذا طرح




احترامي
‏محمد الحريري

جزاك الله خير

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي