موسوعة المتسابقين في السيرة النبوية (5)

أفاضل:

أفضل هذه الأمة بعد نبيها - حسبما أجمع عليه علماء أهل السنة والجماعة - السَّابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وأفضل المهاجرين والأنصار: أبو بكر الصديق، فعمر بن الخطاب، فعثمان بن عفان، فعليُّ بن أبي طالب، فبقيَّة العشرة، فالمبشَّرون بالجنة من غير العَشَرة؛ كبلال بن رباح وعكَّاشة بن محصن وغيرهم، ثم أهل بدر، فأهل أحُد، فأهل بيعة الرضوان، ثم سائر الصحابة.



وخير دُور الأنصار - كما جاء في الحديث الصحيح - بَنو النجار من الخزرج، ثم بَنو عبدالأشهل الأوس، ثم بنو حارثة بن الخزرج، ثم بنو ساعدة.



وأفضل نساء العالمين أربع: مريم ابنت عمران وآسية بنت مزاحم - من الأمم السَّالفة - وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة - من هذه الأمة - وصحَّ في حديث آخر: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثَّريد على الطعام)).



أمَّا من سائر العرب؛ فإن الله اصطفى ولدَ إسماعيل "العرب المستعربة"، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم خاتمَ رسلِه وأنبيائِه.



وخيرُ القرون قرنُه صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يَلونهم.



وخير اليهود الذين لم يُسلموا مُخيريق الذي قاتَل مع رسول الله يوم أحُد، ولما أصيب وطُرح على فراش الموت أوصى بمالِه لرسول الله.

فضائل:

غِسِّيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر؛ وذلك أنه لبَّى دعوة الجهاد، وذهب قبل أن يغتسل..



وذو الجَناحين جعفر بن أبي طالب؛ أبدله الله بيدَيه المقطوعتين في مؤتةَ جَناحَينِ يَطير بهما في الجنة.



والذي قال النبي في حقه: ((اهتزَّ عرش الرحمن لموت سعد)) هو سعدُ بن معاذ الأوسي، ثم الأشهلي، أصيبَ بالخندق، واستُشهد بعد أن حكَم في قريظة حُكمَه المعروف، وهو (قتلُ المقاتلة وسبيُ الأموال والذرِّية وتقسيم أموالهم).



والصحابي الذي أسلم يوم أحُد وجاهد فاستُشهد ووجبَت له الجنة دون أن يؤدِّي شيئًا من أركان الإسلام: أصيرم عبدالأشهل.



وعكسه قُزْمان المنافق الذي قاتَل، وأبلى في القتال عن أحساب قومه، ثم قتل، وباءَ بالخسران.



وحبر اليهود الشاهد في كتاب الله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ﴾ [الأحقاف: 10] عبدالله بن سلام، أسلم مقدِمَ النبي المدينة، لما رأى فيه علامات النبوة، ولإسلامه قصة طويلة؛ رواها البخاري في صحيحه.

أسياد وقادة:

سيِّد الأوس سعد بن معاذ، وسيد الخزرج سعد بن عُبادة، وسيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، وسيد مكة بعد بدر أبو سفيان بن حرب، وسيد ثَقيف عُروة بن مسعود، وجاء النبيُّ إلى بني سلمة، فقال: ((يا بني سلمة، مَن سيدكم؟))، فأجابوا "الجدُّ بن قيس؛ على بُخلٍ فيه"! فقال: ((وأيُّ داءٍ أدوى من البخل! بل سيدكم الجعدُ الأبيض عمرو بن الجموح)).



وقادة جيش مؤتة ثلاثة: زيد بن حارثة - ولم يرسله في بعثٍ إلا أمَّره عليه - وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة، وقائد بعث الرجيع عاصم بن ثابت، وقائد بعث بئر معونة المنذر بن عمرو، وقائد السرية التي قتَلت كعب بن الأشرف محمد بن مَسلَمة، وقاد معها سَريةً إلى نجدٍ أمسَك فيها ثُمامةَ بن أثال، وكان أرسله مُسيلمةُ لقتل الرسول وقد أسلم ثُمامة، وكان خيرَ سنَدٍ للمسلمين، وقاد ابنُ مسلمة أيضًا بعضًا من السرايا، وقائد الرُّماة يوم أحُد عبدالله بن جبير.

حياته صلى الله عليه وسلم:

المَولد الشريف: وُلد رسول الله يوم الاثنين 3 أو 9 أو 12 مِن ربيع الأول، الموافق 21 مِن أبريل 571م، في العام المعروف بعام الفيل.



إرهاصات المَوْلد: لما وُلد رسول الله تنكَّسَت الأصنام، واهتز إيوان كسرى، وخمدَت نيران المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة؛ قال المباركفوري رحمه الله معلِّقًا على الأحداث: لم يَثبُت له إسنادٌ ثابت، ولم يَشهد له تاريخُ تلك الأمم مع دَواعي قوة التسجيل.



ويُروى عن والدته أنها قالت: لم أشعر له بآلام لمخاض، ولما وضَعَته خرج من فرجِها نورٌ أضاء لها قصور الشام، وقد وضعَته ساجدًا، وقد تحدث عنه الكهَنة والمنجِّمون، وبشَّر به علماء أهل الكتاب.



نسبه:

هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب - واسمه شيبة، وكان يُكنَى الفياض، وهو الذي حفَر زمزم واستخرج كنوز الكعبة - بن هاشم - واسمه عمرٌو - بن عبدمَناف - واسمه المغيرة - بن قُصيِّ بن كِلاب بن مرَّة بن كعب بن لؤيِّ بن غالب بن فِهْر - وهو قُريش - بن مالك بن النَّضْر بن كِنانة بن خُزيمة بن مُدرِكةَ بن إلياسَ بن مُضَر بن مَعَدِّ بن عَدنان. وإلى هنا يَنتهي نسَبُ النبيِّ المتفقُ عليه، ولا خلاف أنه مِن نسل إسماعيل بن إبراهيم، وأن إبراهيمَ مِن نسل سام بن نوح، ونوحًا من نسل شيث بن آدم.



رضاعه:

أرضعته ثُويبةُ أيامًا، وكان مِن عادة العرب أن تَستأجِرَ المراضع لأبنائها؛ ليشبُّوا في البادية، فتَقْوى أجسامهم، ويتعلموا الفصاحة، فجاءت نِسوةٌ من بني سعد إلى مكَّة؛ ليأخُذْنَ الأطفال يُرضِعنَهن، وكانوا كلَّما مرُّوا على رسول الله قيل: هذا غلام يتيم! فيَعزِفْن عنه رغبةً في المال، إلى أن أخذَته حليمةُ فرأَت مِن بركاته ما جعَلَها تغتبط به، وأمضى معها أربع سنوات إلى أن شُقَّ صدره، فأعادته لأمه.



مع أمه:

أمضى سنتَين من حياته يتمتع بدفء أمِّه إلى أن قرَّرَت زيارة قبر أبيه عبدالله في المدينة، ولما زارت قبره - وفي طريق عودتها - توفِّيَت بالقرب من الأبواء، وهناك قبرُها، فانتقل إلى كَفالة جدِّه عبدالمطلب، فكَفَله جدُّه إلى أن توفي وعمرُ النبي ثماني سنوات، فأوصى به لعمه أبي طالب شقيقِ والده عبدالله.



مع عمه:

انتقل إلى كَفالة عمة، ولما بلغ من العمر اثنتَي عشرةَ سنة سافر إلى الشام مع عمه.



عاد إلى مكَّة وشهد حرب الفِجَار وعمره خمسَ عشرةَ سنة، ويُروى أنه كان يناول أعمامه النَّبْل، وبعد الحرب شهد حِلفَ الفضول في دار عبدالله بن جُدْعان التيمي، وقد تعاقَدوا أن لا يَبقى بمكة مَظلومٌ إلا نصَروه وأعادوا إليه حقه، وقد حدث أن العاصي بن وائل السهميَّ ظلَم يَمانِيًا بمكة، فقاموا إليه وأعادوا إلى صاحب الحقِّ حقَّه.



ثم سكَت أهل السِّيَر عن الفترة الممتدة بين حلف الفضول وزواجِه من خديجة، فلم تُوافِنا عن تلك الفترة إلا بالنَّزر اليسير؛ أنه رعى أغنامَ أهلِ مكة، وخرج في تجارة خديجة مع غلامها ميسرة، وأن خديجة أسَرَّت إلى صديقتها نفيسة بنت منبِّه تخبرها بمحبتها للنبيِّ، وتطلب منها القيام بوساطة، وقد نجحت تلك الوساطة وتزوج رسول الله خديجة، وحضر العقدَ أعمامُ الرسول ووكيلُ خديجة عمُّها عمرُو بن أسد.



وأمَّا ما أشاعه المستشرقون من أن خديجة سقَت أباها خمرًا حين تزوجَت من رسول الله، فلمَّا صحا اعترض على الخِطْبة - فلم يثبت في أيٍّ من كتب السيرة المعتمدة.



ثم سكَت أصحاب السير عن الفترة الممتدة من زواجه خديجة إلى تجديد بناء الكعبة، فلم يَذكروا من الأحداث الهامة إلا تبنِّيَه زيدَ بن حارثة، واحتضانه لعليِّ بن أبي طالب، ويبدو أنه في تلك الفترة وُلد بعضُ أولاده صلى الله عليه وسلم.



تجديد بناء الكعبة:

جُدِّد بناء الكعبة والنبيُّ عمره خمس وثلاثون سنة، ولما وصَلوا لموضع الحجر الأسود كادوا يَقتتلون؛ أيُّهم يضَع الحجر مكانه؟ فاتفقوا أن يُحكِّموا بينهم أولَ داخل، فكان رسولَ الله، فقالوا: الأمين! رضينا بحكمه، فوضَع عمامته، ثم وضع عليها الحجَر، فدعا كلَّ بطنٍ من بطون قريش أن يَأخذ بطرَفٍ من أطراف العمامة، فلما وضَعوا الحجر سوَّاه النبي بيده الشريفة.



وسكَتوا عن الفترة بين بناء الكعبة والبعثة، ويبدو أنها فترةُ التحنُّث والتعبد؛ ففيها كان يَخرج إلى غار حِراء، حيث نزَل عليه جبرائيل بالوحي.