عزف البحر

موجك يابحر يعزف على صبوات القلوب
وأوجاعها الموثقة بتاريخ وبصمة ~ ~






ألقيت بحملي على صخرة منعزلة عند بحر السكون
في ليلة هدأت أنفاسها ...
مرخية حبل الهموم ..
وربطت مرساة قلبي عند أقدام الشاطئ ..
ثم طويت جنح شراعي الذي عاثت به الرياح ..
وأنا أهم بالتنفيس عن بعض مشاعر أثقل حملها نفسي
وضاق بزخمها صدري ..
وقابلت وجه موجاته الناعمة الباردة
المتدفقة إليّ برفق وحنان ؛ لأبثها حديثي :
....
ياخزينة الأسرار..!!
كم عند رمال شاطئك تلاقت قلوب .. وافترقت قلوب ..؟!
وكم وديعة من الأمنيات عادت ، وأخرى ضلت طريقها ..؟!
وكم لهفة غريقة طفت على سطحك تطلب النجاة ..؟!
وكم قلب أتاك مكتظ ... كقلبي ..
اضطرب اتزان خفقه .. واختنق في الزحام..؟!
:
أتيت .. أطلب فيك الرفيق المصغي ..
والصدر المتلقي ..
ألقي عندك بعض أحمالي ..
أستمع إلى همسك الشافي الحنون .. ..!
ياموج ..!
لم أجد بين البشر من يحسن الإصغاء كأنتِ..
فهلا أصغيت ؟
:
أعندك خبر عمّا يساورني ..؟!
أم هل طاف بشاطئك آخر يبثك هواجسه مثلي ؟!
تمرّ بي الأيام .. ياموج السلام ..هادئة الوتيرة ..
لانبض فيها يثير وتر الإيقاع ..
ولا أشواق تضرم فيها النيران ..
ولا وجع داهم تخطف مخالبه أمان القلب فيضطرب..
ورغم ذلك .. !!
تنفلت من بين قفص الضلوع .. حسرات
خلف هجعة الشعور وسكون النفس ..؟!
تتقلب معي كلما تقلب بي المنام !!
تفر .. كما يفر طير جريح من الأسار .؟!
تداهم وداعة سكوني.. بأنين الأعماق ..
فيصحو على غصني طائر الاكتئاب ..
....
هل هذه دلالات توترٍ و حيرة ..
تشي بما له جذور وامتدادات متفاعلة في الأعماق ..؟
أم أن تلكم الزفرات نفثات وجدان .. وتنفيسٌ عابر ..؟
أم هي مجرد تعكير لصفو الحاضر ..!؟
أفيديني ..!!
****
أقبلت بنات الموج من بعيد تتهادى ..
لتروي ظمأ الشطآن .. وتعانق غربة الصخور..
داعبت أقدامي العارية بدفقها البارد الحنون ..
ولملمت نثار أفكاري المبعثرة المغمغمة بالهواجس..
وارتدت بها ؛ لتلقيها في جوف البحر ..!
كأنها تسافر بي في رحلة علاج ..
صوتها .. ملمسها .. إيقاعها .. يهمسني :
إن هذا الشعور الذي يطفح إلى سطحك ...
زفرة كان أو أنين .. أو حسرة حزن .. أو تنهيدة حنين ..!
لاغرابة فيه .. بل هو منبه طبيعي يوقظ الغفلة ..
ويهز الشعور الآمن في الخلجات .. كي لا يركن إلى الأيام ..
فكما تقر النعماء .. تفر ..
وكما تنجاب الغماء .. تعود ..
تلك حقيقة صرفة .. من الخير أن لاتغيب عنا ،
فهي من طبيعة الوجود ..
وهي أشبه بالشوك إذ يسيّج الورود..
فتقبلي الورود وأشواكها .!
***
أحسست بعد أول بوح بتخفف قلبي ..من بعض أثقاله ..
فأطلقت تنهيدة خالطتها الحسرة مع الارتياح ..
وقلتها كلمة أخيرة قبل أن أقلب صفحة أخرى ..
من سطور بوحي :
هناك فقط ...! نَرِدُ السعادة .. صفواً سلسبيلاً .. !
لامرارة تشوبها ..
ولا حسرة تعقبها ..!
****

لازالت معظم كلماتي ...
محشورة في حنجرة الألم ...تنتظر البوح ..
ورغم أنه قد يشف عنها معاني تبدو غير منصفة ..
إلا أنها تحدّ س باطني .. وتفسير متخلق من شعوري ..
والشعور قد ينخدع .... أو يجانب بميلانه الصواب ..

لذا أدع قلبي وقلبك يتجاليان ..
انصتي إليّ .. !
ثمّ هاتي ما عندك من نظرة كاشفة ، ونصح صادق ..
:
عجبي ياموج من بعض أحوال البشر ..
لم يستخفون بهبات المشاعر الصادقة ..
ويولونها أذناً فيها وقر ...؟!
هل مرد ذلك الحذر ..؟!
أم ارتياب في طباعهم ..؟! أم انعدام ثقة ..؟! أم خشية آت ..؟!
أم كبرياء .. ؟! أم ضجر ..!؟!
:
لم لايتجاوز الناس عقبات النفس ..؟!
ويلغون من قاموسهم قوانين القهر ..
والتعقيد والتفسير ... والتأويل .. والتحليل ..؟!
لم لايهبون بالبساطة التي تصل بها منح القلوب إليهم ..؟!
لم يختارون الطريق الوعر ..؟!
عجبي..!! أما أشفقوا عليهم من غلواء أنفسهم ..
فتخففوا منها ..؟!
وحرروا قلوبهم المصفدة بقيود ذاتهم ..
لتستقبل .. وترسل ..؟!
فموائد الكرام ..مبسوطة ..
وموارد القلوب الصافية عذب .. زلال ..!!؟
****

عزفت الأمواج ...
و كأن لمساتها الشافية ..همس شفة خفوت في الأذن ..
تزف أخباراً ، وتكشف أسراراً..
تشربت معانيها الأعماق ..
بعضها تحرزت عليه فحجبته....
وبعضها لفظته الأقلام فكتبته ...
ياساءلتي ..!
ليست كل العيون ترى الأشياء من زاوية واحدة ..
لذا... تختلف على الناظرين المشاهد ..
وكذلك القلوب الشواهد .. تتلقى الرؤية وتفسرها كما تراها ..
ربما تكون بعيدة عن الحقيقة المنصفة ..
فالأمور ليست دائماً ظاهرها كباطنها ...
الحياة أكثر تعقيداً .. عندالبعض ..
لايسهل فك خيوطها ...
ولا فهم معانيها ..
....
لاتنظري إلى الناس من خلال عيني قلبك فقط ..
ولا تتجني عليهم بتساؤلاتك الساذجة ..
راقبيني ...!
كيف انحسر مع الجزر ..
وأقبل مع المد ..
أجاور هذا وذاك ..
ولا أملك من أمر التغيير شيئاً ..
هكذا تقبلت الحقيقة ..
وعشت وانسجمت معها ..
ولم ينقص ذلك من عطائي ..
لأنني ابنة البحر ... ولن أنسى ذلك ..!
****

أرحتني ياهامسة البحر ..!
صوتك المقبل والمدبر شفاء . .
وحديثك حكمة ..
أعترف أن نظرتي قد تكون غير منصفة .. أو عادلة ، أو منطقية ...!!
آمنت بالاختلاف ..
وتقبلت حقيقة أن لاوجود لاثنين ..
يتشاركان ذات المفاهيم بنفس المقدار .. والعمق ..
ولكنهما .. يكملان بعضاً...
عرفت أن تجاور الاختلاف مع الائتلاف ...
هي المعادلة الصحيحة في الحياة . .!
:
فلنروض أنفسنا ..
ونتحمل مسؤولية توجيه حياتنا ..
دون إلقاء اللوم على أحد ..
دون .. قرع ذواتنا بـ .. لماذا ؟!
لسنا ضحايا الحياة ..
ولاسلطة لنا .. إلا علينا ... فقط ..
****
لن نجني من هواجسنا .. إلا مزيداً من الحزن ...
فالحياة تجري ..كهذا الموج الدافق المتجدد ..
لن توقفها عثرات أفكارنا .. ولا صدمات قلوبنا ..
لندع الحقائق تنساب انسياب هذه الأمواج ..
ونرتب بعثرة قلوبنا ..
وندعها .. تدوزن إيقاعها .. على نمط يتسق وما حولها ..
ونبقى كرماء .. القلوب ..
نعتنق مذهب الحب ، ولا نرضى عنه بديلاً ..
****

ألقيت إلى البحر نظرة أخيرة ..
وعانقت موجه عناق التواضع ....
مع وعد لقاء آخر ..