رجل مهزوم

على مرآتها الانيقة
وقفت تتأمل شكلها الغارق بالحزن
رغم احتفاظها بشيء من جمالها
بعد ست من السنين مرت على ليلة احلامها الاولى
تلك الليلة السعيدة التي ارتدت فيها لاول مرة ثوبها الابيض
كانت اقرب ما تكون الى الشرود منه الى شيء آخر
ذلك الشرود الذي تبدد
حين استوقفتها خطوط دقيقة متعرجة اسفل عينيها
اربكتها
واجفلت دواخلها رعدة خوف لاقبل لها بها
لكنها ما لبثت ان تماسكت وحدقت من جديد في المرآة
كمن تريد ان تمعن في تفاصيل التفاصيل
او كمن تود ان تدرء الوهم باليقين
غير انها سرعان ما عرفت ان ذلك الزائر الوقح
قد تسرب اليها
وهي منشغلة بزحمة الهموم
والبحث عن جواب لسؤالها الحائر
كيف انهار زواجها وذلك الحب الكبير بعد عامين فقط ؟
ثم تصدع ماتبقى من عرش مملكتها في السنوات الاربع الاخيرة
حتى تحولت الى مجرد أمرأة تطهو الطعام لرجل يسير مبتعداً
الى عالم آخر
يستمد منه سعادته الزائفة
ويجتر احاسيسه وغرائز قلبه
وكأن ضباباً كثيفاً حال بين روحيهما
ممزقاً تلك الذكريات الرقيقة دونما رأفة
تلك الخطوط المتطفلة اعلنت امامها بكل جراءة انها تجاوزت الثلاثين ربيعاً
وهي منهزمة تاركةً شريك عمرها يبحث عن سعادته مع أخرى
ورغم كل هذه الفوضى فأن
شيئاً واحداً كان أكيداً بالنسبة لها
إنها لازالت تحبه

نظرت لنفسها بطريقة اكثر وثوقاً وهمهمت قائلة
يجب أن استرده
اضافت لوجهها بعض التبرج وبلمسة سحرية سمحت لجدائل شعرها حرية احتضان خديها فأشرق وجهها الفاتن

في مكان آخر من المنزل
كان مرتمياً بأحضان عالمه
غارقاً في سحر الكلمات التي تتلقفها عينه من الشاشة الزرقاء قبالته
وقسمات وجهه تتغير مع كل سطر جديد يظهر أمامه
ثم ينقض بسرعة على الحروف ليرسل رداً
وقد بدا راضياً عن تلك الكذبة الكبرى التي فر اليها في ساعة يأس
استدرجته كلماتها العذبه وباقات الاحاسيس التي تحملها الحروف
مشاكسات ..
وضحكات..
وذلك البريق الذي يحدثه الاعجاب بوسامته
من امراءة اخرى تريد ان تحتل اوقاته وفكره
اشياء كثيرة كان يجدها في تلك الساعات التي يقضيها في مساحة إدمانه معها
كانت كافية لتجعل زوجته الرقيقة
قطعة رخام مهملة في مكان آخر

لكن فنجان القهوة الذي وضع أمامه على المنضدة إستلبه من كل ذلك الغرق
لم يكن يظن ان زوجته قد تتواجد في منطقته المحظورة لتقطع عليه خلوته بفنجان قهوة على غير العادة
استجمع نفسه وهو يحاول اخفاء ارتباكه نظر اليها
اتسعت عيناه وهو يرى ملامحها المشرقه وجمالها الذي اعلن عن نفسه
وقد مرت بسرعة في دواخله احاسيس كثيرة
ذكريات الحب
الخجل
ودهشةً أنسته ان يرد على تلك الكلمات التي تظهر على الشاشة
أين انت الوووووو
قال وهو لايحرك عيناه من وجهها...أهلا حبيبتي تفضلي
لم اشعر بوجودك حين دخلتي فقد كنت اتحدث مع صديقي و.......
قاطعته وهي تبتسم بحزن شديد
أتعرف يازوجي العزيز
لطالما أحببت تلك النظرة التي ترتسم على وجه ابي حين كان ينظر لأمي
لانه
كان ينظر اليها وكأنها الشيء الوحيد الجميل المتبقي له في هذا الكوكب
اتسعت عيناه وهو يجيب
اهااا
ليتني رأيتها تلك النظرة
قالت وقد احتل الحنان عينيها
انك تراها الان... حبيبي
فأنت هو الشيء الجميل الوحيد المتبقي لي في هذا العالم
سيطر الصمت عليه بينما راحت تكمل حديثها
هكذا اراك بقلبي وعيني
ومنذ ان اصبحت سيد حياتي بشرع السماء
كنت انت الاول فيها وانت الاخير...
و مضيت أمنحك وفائي وكل ما املك من حب
لم أسمح لقلبي ان يفكر برجل غيرك
ولا لعيني ان تنظر لاحد سواك
لانني ادركت منذ طفولتي
ان قيمة المراءة بعفتها وصدقها ووفاءها
ولست انا من ترضى لنفسها الخيانه
رغم انك
اوغلت في تجريحي يا زوجي الغالي
ولكن صدقني انك لن تجد قلباً يحبك... كما افعل انا الان
ولا احضاناً تشتهي رقودك فيها كما هي احضاني
وليس هناك أمراءة
تكون اول من يفتديك في لحظات انكسارك مثلي
فقط يا زوجي الحبيب تمنيتك ان تعرف
انك الشخص الوحيد الذي اشعر بالامتنان لوجوده
انت فقط حبيبي ... كل ما تبقى لي من اشيائى الجميلة
بعد رحيل ابي وامي
كانت تتحدث ودموعها تتساقط بحرقه كبيرة
تختنق بعبراتها فتخرج الكلمات كانغام حزينة
اما هو فقد انسلخ من كل شيء في تلك اللحظات الطاهرة
وكأن عالمه قد تهاوى بلا رجعة
وهو يستمع لدواخله التي تعج بالأسف
ومع اول التماعة لدمعة في عينه
مد يده لتلك الشاشة المكتوب عليها الووووووووو اين انت حبيبي لماذا لاترد
اطفأها
عاد للنظر بوجهها الجميل
سحبها بشوق اللقاء بعد الفراق الطويل
احتظنها بأحاسيس اللحظات الاولى
وراح يمرر يده على خصلات شعرها بحنان كبير
قائلاً فقط ارجوك اخبريني انك تعرفين
اني احبك
لكني رجل أحمق تبع خياله في لحظة ضعف
واساء لقلب طاهر لايستحق ذلك
كم انا عاجز عن البوح بحقيقة ما اشعر من اسف
وضعت اصابعها الرقيقة على شفتيه
وهي تمسح دموعها قائلةً
لا تقل ذلك حبيبي ودعني اخبرك سراً
اتذكر نظرة ابي التي حدثتك عنها
قال نعم حبيبتي
قالت اصبحت اراها في عينيك الان
تمت
منقول