«الوعى».. دعوة متجددة للإعمار

«الوعى السليم دعوة متجددة للإعمار، وليس للهدم».. بهذه الكلمات يوضح علماء الدين، الهدف الحقيقى للوعى، مؤكدين أن الوعى السليم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مسئولية تعاونية بين الجميع، تحتاج إلى تضافر الجهود والمؤسسات، لنشر قيم التسامح والعيش المشترك، محذرين من الانسياق وراء الشائعات والأخبار الكاذبة التى تزعزع استقرار المجتمع، وتهدم الوطن، وتوقف عجلة التنمية، موضحين أن بناء الوعى صمام أمان للحفاظ على أمن المجتمع واستقراره، خاصة بعدما ابتلى بشعارات ترفعها الجماعات، والتنظيمات الإرهابية، وما زلنا نعانى - حتى الآن - آثار من انخدعوا بأفكارها المنحرفة بسبب ضعف الوعى والثقافة الدينية.


الدكتور خالد سعيد، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، يقول: إن الوعى أمر فطرى قبل أن يكون واجبًا شرعيًا، فوعى الإنسان وفهمه صمام أمان له، ضد الشائعات، وضد كل ما يُحاك للوطن من مكائد ودسائس، موضحا أن المؤسسات الدينية والثقافية والفكرية والتربوية والتعليمية، تؤدى دورا مهما فى ذلك الأمر، بُغية الرقى بالمجتمع، وتصحيح المفاهيم المغلوطة.
ويؤكد أن المطلع على النصوص الشرعية يراها تحث على الوعى والتفكير والدراية بالأشياء للاستفادة منها لخدمة الفرد والمجتمع، ومن ذلك الوعى بمهمة الإنسان فى الكون وإعماره، إذ قال تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»، وكذلك الوعى بأن خلق الأشياء، إنما هى حقيقة واقعة مما يترتب عليه الجزاء والحساب، كما جاء فى القرآن: «رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».
ويشدد على أن الوعى بما شرعه الله، تعالى، إنما هو للمصلحة الخالصة للفرد والمجتمع، بالإضافة إلى ضرورة الوعى بأن الاختلاف سنة كونية يحكمها التعارف والتلاقى، ومن ثم الإبداع، والوعى بالقضايا الإيمانية التى تضبط حركة الحياة، فغياب ذلك يؤدى إلى التحاسد والتباغض وتخريب المجتمع وهدمه، ونشر الشائعات، لهذا يجب الحذر - كل الحذر - من تناولها أو نقلها أو تصديقها.
تزييف الحقائق
ويحذر الدكتور عبدالراضى رضوان، العميد السابق لكلية دار العلوم، من خطورة تزييف الوعى، الذى يؤدى إلى إثارة الشكوك والشبهات وإلقاء الأباطيل وإطلاق الشائعات، على كل ما تقوم به الدولة وأجهزتها المتنوعة، من مشروعات تنموية وإصلاحية وفكرية وعلمية، فى محاولة لطمس وتزييف الحقائق، موضحا أن إقصاء الوعى الرشيد والفهم الصحيح لقضايا الإيمان والأديان والأوطان، وإحلال التصورات والمفاهيم الخاطئة، يهدف إلى تنفيذ الأجندات الخاصة فى تخريب المجتمعات.
ويدعو إلى اعتبار التعليم والبحث العلمى ودخول عصر المعرفة، قاطرة للوعى والتقدم الحضارى، وتكريس كل الجهود لتدارك ما فاتنا فى هذه المجالات، وحشد طاقة المجتمع كله لمحو الأمية، واستثمار الثروة البشرية، وتحقيق المشروعات المستقبلية الكبرى.
الاحتواء.. والتربية
وتشدد الدكتورة هبة المالكى، أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية (بنات المنصورة)، على أن غياب الوعى يسهم فى نشر الشائعات، التى تتسبب فى هدم المجتمعات، رغم أن المولى تبارك وتعالى حذرنا منها، إذ يقول تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
وتشدد على ضرورة الالتزام بالمنهج الشرعى السليم دون إفراط أو تفريط لمحاربة الشائعات، واحتواء الشباب وتنمية مداركهم العقلية فى كيفية استيعاب المواقف من خلال عقد الندوات والدورات التعليمية والحلقات النقاشية على جميع المستويات، مما يربط الشباب بمجتمعاتهم، وينمى مهاراتهم اللازمة لتنظيم سلوكهم، مما يعزز عندهم الوعى بأهمية الحفاظ على بيئاتهم، ومجتمعاتهم.
وتنادى بتربية الأبناء على القيم والمبادئ المتوافقة مع الشرع الحنيف، وترسيخ قيمة النصح والدعوة بالحسنى، إذ قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «الدِّينُ النَّصيحةُ، قالوا: لِمَن يا رسولَ اللهِ؟ قال: لكتابِ اللهِ، ولنبيِّه، ولأئمَّةِ المُسلِمينَ».
المؤسسات الدينية
وتشير الدكتورة جيهان ياسين، الواعظة بوزارة الأوقاف، إلى أن دور المؤسسات الدينية فى نشر الوعى، والتصدى لمواجهة الشائعات، يكون من خلال تصحيح المفاهيم الخاطئة، وبيان أوجه الحق والصواب بالحجة والبرهان، من خلال نشر الفكر الوسطى المستنير.
وتدعو إلى تحمل المؤسسات المعنية بالأمر مسئوليتها فى قضية بناء الوعى، وكذلك التنسيق مع المؤسسات الثقافية والعلمية والإعلامية، وكل مؤسسات الدولة للمساعدة على الفهم والتفكير والإبداع والابتكار، بدلا من الحفظ والتلقين والتقليد، مطالبة بعقد الاتفاقات مع المؤسسات التعليمية والثقافية لإلقاء المحاضرات فى المدارس والجامعات، وتنظيم الندوات فى النوادى ومراكز الشباب والقرى والنجوع، للتحذير من الشائعات وخطرها ومدى حرمتها فى كل العقائد.
وتشير إلى أن الإسلام حث على التثبت والتبيّن فى نقل الأخبار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء إثما أن يُحدِّث بكل ما سمع»، لهذا يجب ألا نتسرع فى نشر الخبر إلا بعد التأكد منه من مصدره، مطالبة بحملات توعية مكثفة على وسائل التواصل الاجتماعى، لمواجهة الشائعات، والأكاذيب.