أنت في ظل صدقتك يوم القيامة

أنت في ظل صدقتك يوم القيامة



محمد حماد
تباهي الصدقة غيرها من الأعمال وتفخر عليها، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم؛ ذلك أنها من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل؛ لأن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، يقول تعالى: «قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال»، والصدقة تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى».
كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالًا وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعمل فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل...»، والمتصدق صاحب اليد العليا وهي خير لصاحبها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اليد العليا خير من اليد السفلى».

حساب مفتوح

وصاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «ما نقصت صدقة من مال»، وهي حساب مفتوح عند الله يربيه ويزيده: «يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم»، والصدقة تقع في يد الله: «ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم»، والنفقة من مال الله الذي ائتمنك عليه تجارة رابحة بضمان رباني: «إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً يرجون تجارةً لن تبور»، «فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرًا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون».
لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها، فقال صلى الله عليه وسلم: «بقي كلها غير كتفها»، والأحاديث الدالة على فضل الصدقة كثيرة وفي الصحيحين يروى قوله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة».

أبواب الجنة

تدخل الصدقة صاحبها في ظلها تحت ظل الرحمن يوم القيامة كما في حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرئ في ظل صدقته، حتى يُقضى بين الناس»، وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه».
ويدعى المتصدق من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم».
الصدقة الخفية أفضل الصدقات، لأنها أقرب إلى الإخلاص من المعلنة وفي ذلك يقول عز وجل: «إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير»، فأخبر أن إعطاءها للفقير في خفية خير للمنفق من إظهارها وإعلانها، «وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم»، ففي إخفائها الستر على الفقير، وعدم تخجيله بين الناس.

صدقة السر

وقد مدح الله تعالى المنفقين في سبيله، والمتصدقين ابتغاء مرضاته في جميع الأوقات من ليل أو نهار، والأحوال من سر وجهر: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، والإنفاق على كل حال وبكل كيفية وفي أي وقت، بالليل أو بالنهار، سراً أو علانية، بالقليل أم بالكثير، كل إنفاق له أجره، وأجر المنفقين عند ربهم، وهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ويروى أن علياً بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه، ولم يكن يملك غير أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً، وبدرهم نهاراً، وبدرهم سراً، وبدرهم علانية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على هذا؟»، قال: حملني أن أستوجب على الله الذي وعدني، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا إن ذلك لك.
ومدح النبي صلى الله عليه وسلم صدقة السر، وأثنى على فاعلها، وجعل الغنى مع الإنفاق بمنزلة القرآن مع القيام به؛ وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل والنهار»، والمسلم يتصدق بما يستطيع ويطيق مع القلة والحاجة، لقوله صلى الله عيه وسلم: «أفضل الصدقة جهد المقل، وابدأ بمن تعول»، وقال صلى الله عليه وسلم: «سبق درهم مئة ألف درهم قالوا: وكيف؟ قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مئة ألف درهم فتصدق بها».

الإنفاق على الأهل

حتى النفقة على الأهل تدخل في ذلك أيضاً، فقد ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسعد بن أبي وقاص حين عاده مريضاً عام الفتح، (وفي رواية عام حجة الوداع): «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا ازددت بها درجة ورفعة، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك»، والإنفاق على الأولاد صدقة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «الرجل إذا أنفق النفقة على أهله يحتسبها كانت له صدقة»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أربعة دنانير: دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبة، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أفضلها الدينار الذي أنفقته على أهلك»، والصدقة على القريب لها أجر الصدقة وأجر الصلة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة». والنفقة في الجهاد في سبيل الله من أعظم ما بذلت فيه الأموال، فإن الله تعالى أمر بذلك في غير ما موضع من كتابه، وقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر الآيات ومن ذلك قوله سبحانه: «انفروا خفافاً وثقالًا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون».
وروي كذلك عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ارتبط فرساً في سبيل الله فأنفق عليه احتساباً، كان شبعه وجوعه وريه وظمؤه وبوله وروثه، في ميزانه يوم القيامة»، وعن جابر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: المنفق في سبيل الله على فرسه كالباسط كفيه بالصدقة، وعن أبي أمامة الباهلي قوله: «من ارتبط فرساً في سبيل الله لم يرتبطه رياء ولا سمعة، كان من (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)».
والصدقة مطهرة للمال، تخلصه من الدخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة.