الوقف.. أهم مصادر تمويل التعليم في التاريخ الإسلامي

يعد نظام الوقف على التعليم من أهم مصادر تمويل التعليم في النموذج الإسلامي، وإليه يعود الفضل – بعد الله – في كل ما تحقق من نهضة علمية واسعة شهدها العالم الإسلامي في مؤسسات التعليم المختلفة، وتعود فكرة وقف الأوقاف على المؤسسات التعليمية – بحسب ما يذهب إليه أكثر الباحثين – إلى الخليفة العباسي المأمون، وذلك أنه عندما أنشأ بيت الحكمة الذي أنفق عليه أموالًا طائلة؛ فهو لم يشأ أن يكون نشاط بيت الحكمة متوقفا على سخاء الخلفاء والأمراء، فهيأ للعلماء أرزاقًا سخية يتقاضونها في أوقات محددة من وقف ثابت يفيض ريعه عن التكاليف المطلوبة لهذه المؤسسة العظيمة، ومن ثم انتشرت فكرة الخليفة المأمون، فأصبح من ضرورات إنشاء معهد أو مدرسة أو مؤسسة علمية أن يعين لها وقف ثابت يفي بنفقاتها.
ويمكن إرجاع فكرة تطور نظام الأوقاف التي تحبس على المدارس إلى ما نصح به «القابسي» من تعليم أبناء المسلمين غير القادرين على الإنفاق، ودفع أجر التعليم من بيت مال المسلمين، وهو الأمر الذي أدى إلى تطور الفكرة فيما بعد إلى نظام الأوقاف التي يحبسها الموسرون في المدارس ضمانًا لحمايتها واستمرارًا لوجود التعليم. وبرغم أن القابسي هو أحد علماء القرن الرابع الهجري بينما كان زمن الخليفة المأمون سابقًا له، فإنه لا خلاف في ذلك، فالمأمون هو من لفت الأنظار إلى توجيه الأوقاف إلى ميدان التعليم كوجه من وجوه البر التي يوقف عليها، أما فكرة نظام الأوقاف على المدارس كنظام واضح المعالم فإنه لم يبرز إلا مع إنشاء المدارس في القرن الخامس الهجري كالمدارس النظامية وغيرها.
غير أن بروز فكرة الأوقاف على التعليم كنظام لا يعني أنها كانت الأولى على التعليم ،إذ إن الخليفة المأمون هو أول من وقف الأوقاف على التعليم، كما وجدت الأوقاف على التعليم في مصر قبل المدارس النظامية، وذلك في عهد العزيز بالله سنة 378هـ، حيث أصبح الجامع الأزهر معهدًا علميًا أكثر منه مسجدًا، ولذلك فقد سأل الوزير يعقوب بن كلس الخليفة في تحديد أجور لجماعة من الفقهاء فأطلق لهم ما يكفي، وأمر بشراء دار وبنائها، فبنيت بجانب الجامع الأزهر، فلما جاء الحاكم عمد إلى الأوقاف بعينها للإنفاق من ريعها على المساجد والمؤسسات الثقافية.
ولقد برزت الأوقاف على التعليم بشكل جلي عندما استقلت الدراسة العلمية في العصور التالية، واحتاجت المؤسسات الخاصة وجود الفقهاء وأخذ الأجور على القيام بالواجبات والشعائر الدينية العامة من تعليم القرآن والعلم والقيام بالإمامة والخطابة، وعندها اتجه الوقف اتجاهًا جديدًا في هدفه نحو المؤسسات العلمية وأهل العلم ؛ مما نشأ عنه اتجاه جديد أيضًا في الأموال الموقوفة نفسها ، إذ أصبحت توقف العقارات التي تستغل بالإيجار كالدور والحوانيت، ولم يبق مقصورًا بالزراعة فقط.
وقد تطورت الأوقاف على التعليم حتى أضحى هناك توجه عام بأن إنشاء أي مدرسة أو مؤسسة تعليمية لابد وأن يواكبه وقف ثابت يفي بمتطلباتها ومتطلبات طلابها ومعلميها.
دور الأوقاف في حركة التعليم:
لعل المطلع على تاريخ التعليم الإسلامي يلمس بوضوح الدور الفاعل والمؤثر الذي قامت به الأوقاف التعليمية في نمو واتساع الحركة التعليمية، نموًا متسارعًا أدى بها في نهاية المطاف إلى تحقيق نهضة علمية واسعة كان لها مصب في شتى المجالات العملية، وقد ساعد على هذا الدور المؤثر انتشار الأوقاف التعليمية بصورة تدعو إلى الإعجاب والتقدير، يدفع الواقفين لهذا العمل الخيري الإيمان الذي يملأ النفوس، وحب العلم والمعرفة، وبخاصة أن الفقهاء قد أجازوا الوقف على طلبة العلم، واعتبروا ذلك من وجوه البر، وأن هذا الإنفاق يعادل الجهاد في سبيل الله، استنادًا إلى الأحاديث النبوية التي تضع مرتبة العلم والعلماء أعلى من مرتبة الجهاد.
وقد أدى إسهام الأوقاف في حركة نمو وتطور التعليم الإسلامي إلى اتسام هذه الأوقاف بمرور الوقت بالعديد من المزايا التي يمكن تحديدها بما يلي:
- أنها مصدر تمويل ثابت ومستقر:
يتميز الوقف بأنه مصدر ثابت تتلقى منه المؤسسة التعليمية كل ما تحتاجه من مصروفات ونفقات، وهذا الثبات هو الذي ساهم في تثبيت أركان المدرسة ومكنها من القيام برسالتها، حيث كان الريع الذي تغله الأعيان الموقوفة على المدرسة شهريًا أو سنويًا نقدًا أو عينًا هو ضمان استمرار العمل المدرسي وبفضل تميز الوقف بالثبات، لم تكن حياة المدرسة وغيرها من المؤسسات التعليمية رهنًا بحياة مؤسسها ،إذ إن في الوقف ما يضمن استمرارها حتى بعد وفاته، وكان مرد هذا الثبات والاستمرارية في الوقف يعود إلى حفظ الأصول المنتجة ،وعدم التصرف فيها والإنفاق من ريعها، ومن اتسام الوقف بالثبات والاستقرار -كمصدر تمويل - يتضح أحد أدواره الهامة في الحركة التعليمية.
- تحقيق الاكتفاء الذاتي للمؤسسة التعليمية:
أسهم الوقف بما يدره من عائدات في توفير احتياجات المؤسسة التعليمية الموقوف من أجلها ، حيث ينفق ريع الوقف في الأوجه المقرر صرفها ،والتي تضمن الوفاء بمتطلبات المؤسسة ،سواء من حيث رواتب المعلمين، أو مكافآت الطلاب، أو متطلبات الصيانة وغيرها من لوازم المؤسسات التعليمية، وقد أدى هذا الريع الوافر إلى اكتفاء المؤسسة التعليمية بوقفها، وعدم حاجتها إلى أي مصدر تمويلي آخر في غالب الأحوال، وهذا ما أدى إلى استغناء المؤسسات التعليمية عن الدعم المالي من الدولة أو من بيت مال المسلمين ؛ مما حقق لها اكتفاء ذاتيًا من موردها الخاص بها ،والمتمثل في الوقف الموقوف عليها، كما أدى هذا الاكتفاء إلى تحقيق نوع من حرية التعليم واستقلالية العلماء فيما يقومون بتدريسه دون وصاية من الدولة إلا من الشروط التي وضعها الواقف، وهو الأمر الذي دفع بعلماء المسلمين إلى تعظيم الوقف، وحرصهم على بقائه واستمراره؛ وحمايته، والوقوف في وجه من يحاول التعدي عليه، وإجماعهم على تحريم إلغائه.
- تطوير نظام التعليم:
لم يكتف الوقف بدوره كمصدر تمويلي للمؤسسات التعليمية؛ وإنما أسهم إسهامًا فاعلًا في تطوير النظام التعليمي من خلال تلك الاشتراطات التي يضعها الواقفون في سير الدراسة في المدارس التي يقفونها حتى يمكن القول إن وثيقة الوقف أو كتاب الوقف كان أشبه ما يكون باللائحة الأساسية للمؤسسة التعليمية أو النظام الداخلي للمدارس.
وكان للشروط التي يضعها الواقفون أثر في كيفية سير الدراسة بالمدرسة وذلك بما تتضمنه من تنظيمات مالية وإدارية من حيث شروط القبول في هذه المدارس والكتب المعتمدة للتدريس، وإعداد الطلبة في كل تخصص وغيرها من التنظيمات.
ولقد كان أثر الاشتراطات الوقفية على المدارس في تطوير النظام التعليمي واضحًا ،حيث أصبحت هذه الشروط على مر السنين مع الحرص على تنفيذها شيئًا متعارفًا عليه وتقليدًا يتم العمل به حتى لو لم ينص الوقف على ذلك.
- توفير المباني التعليمية:
حيث كان من أهم إسهامات الوقف التعليمي إسهامه الواضح في توفير المباني التعليمية، ولعل المتتبع لحالة التعليم الإسلامي لا يجد إشارة استئجار المباني التعليمية إلا ما كان في الكتاتيب، أما المؤسسات التعليمية التي واكب ظهورها وقف الأوقاف فقد كان المبنى أصلًا اقتصاديًا ثابتًا من أصول الوقف نفسه.
ودائمًا ما نجد أن توفير المبني التعليمي سابق للوقف الذي يوقف عليه، إذ جرت العادة أن يقوم الواقف بإنشاء المؤسسة التعليمية وإعدادها للعمل التعليمي، ومن ثم وقف الأوقاف المدرة على هذه المؤسسة بما يضمن استمرار نشاطها.
ولقد أدت حرية التعليم إلى مسارعة الخيرين القادرين من أبناء المجتمع الإسلامي بإنشاء المؤسسات التعليمية والوقف عليها، ولعل مرد ذلك – فضلًا عن الدافع الديني – هو الدافع المعنوي الكبير المتمثل في تسمية هذه المؤسسات التعليمية بأسماء منشئيها.
وهو الأمر الذي يمثل تكريمًا حقيقيًا لهم، وتشجيعًا للآخرين على الإسهام والتبرع لضمانهم بإحياء أسمائهم وذكراهم – حتى بعد موتهم – بما يحقق الدعاء لهم والترحم عليهم.
- تعميق روح المسؤولية:
فقد أدت الأوقاف إلى تنامي روح المسؤولية تجاه التعليم من قبل أبناء المجتمع الإسلامي، حيث تدل ضخامة الأوقاف على التعليم على معنى المسؤولية الفردية والشعبية عن التعليم إدارة وتمويلًا، ومن منطق هذه الروح المسئولة نجد أن واقفي الأوقاف كانوا من الخلفاء أو السلاطين والأفراد والتجار والعلماء والقضاة والنساء وغيرهم من أبناء المجتمع الإسلامي ..
ولقد أدى تنامي هذه المسؤولية إلى مسارعة الكثيرين من أبناء المجتمع المسلم إلى وقف الأوقاف على مدارس أو مؤسسات سبق أن شيدها غيرهم، بل لقد أدى تنامي هذه الروح إلى عدم قصر المخصصات الوقفية على إنشاء المدارس الشرعية فقط، وإنما امتد إلى إنشاء المدارس الطبية والإدارية ،إضافة إلى علوم الفقه والحديث ،وشمل التعليم الكبار والصغار، والرجال والنساء، لأن الوقفيات سهلت لهم ذلك، وبفضل هذه الروح نجد أن بعض الأوقاف قد اتسعت بعائداتها حتى شملت مدارس في بلدان ومناطق أخرى غير بلد الوقف، فقد اتسعت بعض الأوقاف في مصر وامتدت إلى خارجها، حيث كان عليها ارتباطات مالية بالمدن المقدسة كالحرمين الشريفين والقدس الشريف..
ولهذا نجد أن مدرسة كمدرسة قايتباي بمكة كانت لها أوقاف بمصر تشمل قرى وضياعا، وواضح أن هذه الروح المسئولة تجاه الحرمين الشريفين وأهلهما هي ما أدت أن تكون معظم الأوقاف على التعليم في العصر المملوكي من قبل المحسنين من خارج الحجاز، كما أن هذا الإحساس بالمسؤولية هو ما أدى إلى اشتراط بعض الأوقاف الإسلامية أيلولة الوقف إلى أوقاف الحرمين الشريفين عند انقطاع الذرية أو تعذر صرف الريع على الأوجه المختلفة المقررة للصرف.
وهكذا يتضح أن الأوقاف ساعدت على تنمية روح المسؤولية تجاه التعليم وكانت وسيلة من وسائل التعبير عن هذا الحس المسئول لدى أفراد المجتمع المسلم.
ولعل فيما سبق ما يبرز مدى الدور الفاعل الذي أسهمت به الأوقاف في حركة التعليم الإسلامي، وكذلك الدور الحيوي والهام لها كأهم مصدر من مصادر تمويل التعليم.
تنظيم الوقف التعليمي:
حرص الواقفون على تنظيم الأوقاف التي يقفونها على التعليم وذلك لضمان تحقيقها لأهدافها، ولذا حرص كل واقف على تضمين نص كتاب وقفه مجموعة من الشروط التي تحقق الهدف من الوقف، حتى لقد كان كتاب الوقف بمثابة لائحة تنظيمية لكل ما يتعلق بأعمال الوقف، ومع تتابع الأوقاف واتساعها أصبحت هذه الشروط بمثابة نظام تعليمي متكامل في كل ما يختص بالعملية التعليمية، وذلك كما يلي:
نظام الدراسة:
إذ حددت وثائق الوقف ما يتعلق بنظام الدراسة في المدارس سواء من حيث مواد الدراسة أو مواعيد الدراسة أو غيرها من الأمور الأخرى المتعلقة بسير الدراسة، فهناك من الواقفين من اشترط كتابًا معينًا للدراسة لضمان الحد الأدنى للتعليم الذي يجب أن يلقنه المدرس لطلابه، كما حددت وثائق الوقف مواعيد الدراسة بدقة تامة حتى أصبحت تقليدًا معمولًا به، فكان اليوم الدراسي ممتدًا من طلوع الشمس إلى آذان العصر.
كما تحددت ما بين ثلاثة أيام وخمسة أيام في كل أسبوع حسب شروط الواقف، كما كان هناك عطلة دراسية لمدة شهر كامل، وكان ذلك الشهر على الأرجح هو شهر رمضان، كما نصت غالبية وثائق الوقف على السماح لأرباب الوظائف والطلبة بتأدية فريضة الحج على أن يحصلوا على مرتباتهم إذا كان الحج لتأدية الفريضة، أما إذا كان الحج تطوعًا فيلزم الموظف أن يستنيب عنه أو بقطع معلومه حتى عودته، كما حرص الواقفون على جدية الدراسة بالمدارس ،حيث اشترط السلطان حسن في وثيقة وقفه تعيين طالب من كل مجموعة دراسية ليكون نقيبًا لهذه المجموعة يتولى ضبط حضور مجموعته وغيابها ،ورتب له مقابل ذلك زيادة في معلومه عشرين درهمًا، وقد يشترط الواقف الخصم من معاليم الطلبة وإنفاق بعض ما يحصل من متوفر غياب الطالب على المترددين إلى الدروس ،بحيث تقسم على الطلبة كما تنص شروط الوقف في مخصصاتها.
المدرسون :
وقد وضع الواقفون مجموعة من الاشتراطات فيما يخص المدرسين، لعل أهم هذه الشروط أن يكون المدرس من مذهب معين تبعًا لذلك، فلا يجوز إشغال وظيفة التدريس إلا لمن تتوفر فيه الشروط التي وضعها الواقف، وقد ورد أن ابن الدهان الملقب بالوجيه كان حنبليًا ثم شغر منصب أو تدريس النحو بالمدرسة النظامية، وكان شرط الواقف ألا يفوض المنصب إلا إلى شافعي المذهب، فانتقل ابن الدهان إلى المذهب الشافعي وتولى المنصب، ولعل هذا ما يشير- صراحة - إلى الالتزام والتمسك بشرط الواقف فيما يخص شغل الوظائف، كما يقوم الواقف – عادة – بتحديد عدد المدرسين الذين يقومون بالتدريس بالمدرسة التي يقفها الواقف، وقد يشترط الواقف أن يكون التدريس في مدرسته وقفًا على ذريته ،وذلك كما فعل شرف الدين ابن أبى عصرون في وقف مدرسته بدمشق، ومن أمثلة ذلك أيضًا إمام الحرمين الجويني الذي خلف والده في المسجد والمدرسة عند وفاته ولم يبلغ الثامنة عشرة، كما قد يشترط الواقف على المدرس الحضور إلى المدرسة مبكرًا ،وكذلك الدعاء للواقف وآله قبل بدء الدرس.
الطلاب:

حيث حددت الوثائق الوقفية مجموعة من الشروط التي تختص بالطلاب، ولعل أهم هذه الشروط ما يتعلق بأعداد الطلبة، وهي الأعداد التي كانت تتحدد وفقًا لمذهب الواقف – عادة – فغالبًا ما كان الواقف يزيد في عدد طلبة المذهب الذي يتبعه بالقياس إلى أعداد طلبة المذاهب الأخرى، وقد حدد وقف مدرسة الأمير صرغتمش عدد طلبة المذهب الحنبلي بستين طالبًا ،ودراسة الحديث الشريف بخمسة عشر طالبًا، وقد حددت أوقاف المدرسة البنجالية بمكة المكرمة عدد الطلاب بستين طالبًا؛ عشرون من الشافعية، وعشرون من الأحناف، وعشرة من المالكية، وعشرة من الحنابلة، فيما حددت أوقاف مدرسة السلطان حسن، والتي تعد أكبر مدرسة أنشئت في العصر المملوكي، عدد الطلاب بمائة طالب لكل مذهب نصفهم من المبتدئين، والنصف الثاني من المنتهين، إما في مدرسة كلبرقة فقد أعطى مدرسها وواقفها الشيخ جلال الدين المرشدي صلاحية قبول أربعين طالبا في أي مذهب كان؛ ومما سبق يتضح وجود عدد محدد للطلبة، وإنما يتحدد عددهم تبعًا لرغبة الواقف وحجم الوقف، كما قد يشترط بعض الواقفين عددًا محددًا من طلاب مدرسته من الطلبة الغرباء، وذلك كما في وثيقة وقف الأمير صرغتمش التي حددت طلب الحنفية الغرباء بستين نفسًا.
كما حددت بعض الوثائق الوقفية مدة بقاء الطالب في الدراسة واستعادته من فرصة التعليم فيها، فإن لم يتحقق ذلك استبدل غيره كما نص على ذلك صراحة وقف مدرسة سلامة يتعزى، والتي تسمى المدرسة المؤيدية وجاء في نصها (وإلى خمسة أيتام صغار يتعلمون القرآن الكريم تلقينًا وخطًا فمن أقام منهم أربع سنين ولم يستفد أخرجه الناظر ورتب عوضه)، كما حددت بعض الوقفيات مدة بقاء الطلاب في المكتب، وأن من يظل في المكتب حتى البلوغ دون أن يحفظ القرآن فإنه يصرف ليحل محله أحد الأيتام، كما حددت بعض شروط الوقف الحد الأقصى لمدة غياب الطالب، وذلك كما في وقف الأمير صرغتمش الذي شرط على من انقطع من الطلاب ثلاثة أيام من كل أسبوع بغير عذر قطع (فصل) وأنزل مكانه؛ ولا يخفى في الاشتراطات السابقة من حرص على تحصيل طلاب العلم والاستفادة من الفرص المتاحة له، كما لا يخفى ما فيها من سعي حثيث للحد من الفاقد التعليمي في الدراسة.
مخصصات الوقف:
حرصت الوثائق الوقفية على تحديد أوجه الصرف المقررة لكل وقف، تبعًا لحجم الوقف ومقدار العائد المتوخى منه، وكانت هذه المخصصات تصرف بإشراف ناظر الوقف وفق ما حدده الواقف، ولم تكن جميع الوقفيات تحدد مستحقات أرباب الوظائف التعليمية نقدًا؛ وإنما وجدت بعض الوقفيات التي تحدد المستحقات بالأسهم، وذلك كما في وقف المدرسة الياقوتية باليمن التي نصت على صرف العائدات بنظام الأسهم دون تحديد مبالغ معينة.
كما حرصت بعض الأوقاف على تقديم راتب عيني ونقدي معًا لبعض موظفيها، ويأخذ الراتب العيني عادة صورة جراية، خبز أو قمح أو حنطة أو أي أغذية أخرى، وكان يصرف لكافة الوظائف المقررة، أما عن تحديد الراتب أو المخصص فإنه لم تكن هناك قاعدة منظمة تحدد راتب الموظف بناء على مسمى وظيفته ومؤهلاته العلمية، وإنما كان تحديد الراتب يعود إلى الواقف نفسه، وحجم ريع الأوقاف الموقوفة على المؤسسة التعليمية وكان – عادة – ما يتم صرف مرتبات كبار موظفي إدارة الوقف أولا ؛ لأن أمور الوقف بأيديهم، وحتى لا تتعطل مصالح الوقف، ثم يتم الصرف على باقي الأوجه الأخرى المقررة.
وكانت المخصصات الوقفية تصرف شهريًا بانتظام ، ولهذا عرفت باسم المشاهرات، وقد كانت هذه المشاهرات التي تعطى لأرباب الوقف تضاعف في شهر رمضان من كل سنة ، كما هو الحال في وقف المدرسة المستنصرية.
أما فيما يتعلق بمخصصات الطلبة فقد كان على الطالب أن يتعرف على شروط الواقف ليقوم بحقوق المدرسة ويستحق معلوم الراتب بحق، وكان استحقاق الطالب للمخصص المالي مرتبطًا بحضوره حلقة الدرس، مما يعني الحرص على تحصيله الدراسي، وكانت مخصصات الطالب اليتيم في بعض الوثائق مثل وقف الأشرف شعبان على الحرمين الشريفين هي الأعلى مقارنة بزملائه الطلاب الآخرين؛ ولا يخفى ما في هذا التمييز من تشجيع ومكافأة للطالب اليتيم على التحصيل العلمي ،إذ إن هذا المبلغ ربما كان هو الدخل الوحيد للطالب وأسرته، كما كانت مخصصات طلاب المذهب الذي ينتمي إليه الواقف هي الأعلى من بقية طلبة المذاهب الأخرى في غالبية الأحيان، مما أدى في كثير من الأحيان إلى تحول بعض الطلاب إلى مذهب الواقف في سبيل الحصول على المخصصات المرتفعة لطلبته.
أما فيما يتعلق بفائض الوقف أو عجزه، فقد نصت الوثائق الوقفية على أن يترك أمر الفائض في حال حدوثه إلى ناظر الوقف للتصرف فيه بالشكل الملائم، ولهذا فقد سعى نظار الأوقاف إلى استثمار الفائض بعد الوفاء بالمصروفات المقررة في عمليات شراء العقارات وأطيان زراعية لحساب الوقف، وذلك سعيًا لإنماء عائد الوقف، حيث نصت بعض الأوقاف على استثمار الفائض في حال عدم الحاجة إليه في صيانة الوقف في شراء عقارات وأطيان زراعية تضم إلى قائمة الوقف ،ويصبح حكمها حكم الموقوفات السابقة؛ ولعل ما ساعد على إنماء الأوقاف هو العائد الكبير الذي تقله بعض هذه الأوقاف، إذ ذُكر أن الريع الذي كانت تنتجه الأوقاف المخصصة لنظامية بغداد كان خمسة عشر ألف دينار في العام، كما نصت بعض وثائق الوقف على أنه يجوز لناظر الوقف عند توفر فائض في الوقف أن يرصده تحت يده للصرف منه عند حدوث عجز في الوقف.
أما عند حدوث عجز فقد أجازت بعض الأوقاف للناظر حرية النظر في ذلك، بحيث إذا تعذر صرف المال لجهة من جهات الاستحقاق فإن للناظر الحق في الاجتهاد عند توزيع الصرف للجهات النامية، ولهذا فإنه قد لا يصرف المقرر كاملًا لكل جهة بل يصرف لها مبالغ بنسب مختلفة حتى يتمكن من سد العجز الناتج عن ضعف العائدات.
تنوع الأوقاف :
عند الحديث عن أول وقف في الإسلام يُشار إلى وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والمتمثل في أرض خيبر كأحد الأوقاف التي اعتبرت لها الأولوية، وقد كانت هذه الأرض أرضا زراعية، وعلى هذا سارت كثير من الأوقاف ،وعندما بدأت الأوقاف في التعليم، وأصبحت تشكل دعامة من أهم دعائم التعليم اتجه الوقف اتجاها جديدا في الأموال الموقوفة، ولم يبق مقتصرًا على ما يستغل للزراعة، إذ أصبح من الضروري تحسين النقد عن طريق الوقف ليصرف على بناء المدارس وحاجاتها ومرتبات أهل العلم.
ومن هنا بدأت الأوقاف تتنوع تنوعًا كبيرًا فقد كان وقف المدرسة الريحانية بدمشق مكونًا من بساتين للخضر، وقطعة أرض، وخمسة أسداس مزرعة وإسطبل، وكانت الأوقاف التي وقفت في المدرسة النورية الكبرى بدمشق هي جميع الحمام المستجد بسوق القمح والحمامين المستجدين بالوراقة خارج باب السلام والدار المجاورة لها، وأحد عشر حانوتا خارج باب الجابية، وتسعة حقول بداريا، كما اشترى تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن أيوب منازل العز التي كانت معدة لنزهة الخلفاء الفاطميين، ثم جعلها مدرسة للفقه الشافعي، ووقف عليها الحمام وما حولها، وبني فندقًا عرف بفندق النخلة ووقفه عليها كما وقف عليها جزيرة الروضة.
كما أوقف صلاح الدين الأيوبي على المدرسة السيوفية اثنين وثلاثين حانوتًا بخط سويقة أمير الجيوش وباب الفتوح وحارة برجوان،كما يصف الذهبي أوقاف المدرسة المستنصرية بقوله «الوقف عليها عدة رباع وحوانيت ببغداد وعدة قرى كبار وصغار ما قيمته تسع مائة ألف دينار» كما أوقف صلاح الدين على المدرسة الناصرية سوق الصاغة الذي كان بجوارها، أما المدرسة القمحية فقد أوقف عليها قيسارية الوراقين بمصر وضيعة بالفيوم، كما اشترى مؤسس المدرسة الغياثية بمكة المكرمة ياقوت الغياثي الدار المقابلة لها وخمسمائة مثقال ذهب ووقفها على مصالحها.
وقد توافرت لدى بعض الأوقاف سفن موقوفة على نقل الغلال من الوقف بمصر إلى الحجاز، ولقد رأى بعض الواقفين الاستفادة من التجارة والاستفادة التجارية من هذه السفن أثناء نقل الغلال.
ولعل فيما سبق من أمثلة وشواهد ما يوضح بجلاء مدى التنوع الكبير الذي نالته الأوقاف على المؤسسات التعليمية، وفي هذا التنوع ما يدل على إدراك الواقفين للأهمية العظيمة للأوقاف التعليمية، كما يدل دلالة واضحة على نمو الفكر الوقفي بشكل إيجابي أدى إلى البحث عن أفضل أنواع الاستثمار في حينه، وهذا ما يدل على الحرص التام على تثمير الوقف، والحرص على تناميه، ومحافظته على قوته كمصدر هام لتمويل التعليم.
تدهور الأوقاف:
بلغت الأوقاف على التعليم قدرًا من الأهمية جعلها تصبح من أهم الأملاك العامة للدولة الإسلامية، حيث أجمع الفقهاء على أن الأوقاف الخيرية التي رصدها أصحابها للبر تدخل جميعها ضمن الملكية العامة للمسلمين، ومن منطلق الحرص على المال العام أصبح من المتعارف عليه أن يتولى القضاة النظر على الأوقاف بحفظ أصولها وقبض ريعها، وصرفه حسب الأوجه المقررة له، وكل ذلك من أجل الحفاظ على الأوقاف كمصدر من مصادر تمويل التعليم.
إلا أنه - وبرغم الحرص الواضح- فقد شهدت الأوقاف في بعض الأحيان والفترات تدهورًا خطيرًا كان من نتائجه إغلاق المؤسسات التعليمية التي يقوم الوقف بتمويلها، وتوقف الدروس فيها وذلك جراء هذا التدهور الذي أصابها، ويعود تدهور الأوقاف إلى العديد من الأسباب، ومنها تحويل أوجه الصرف المقررة على التعليم إلى جهات أخرى، فقد استولى السلطان الناصر محمد بن قلاوون على بعض الأموال الوقفية لسداد دين على الدولة لبعض التجار، كما كان لوجود أكثر من ناظر للوقف دوره في تدهور الأوقاف، حيث كان للأوقاف الكبيرة أكثر من ناظر مع وجود ناظر عام من ضمن هؤلاء النظار، وذلك حرصًا على حسن سير العمل إلا أن هذا الوضع كان له انعكاساته الخطيرة على إدارة الوقف، كما شكل التعدي على الأوقاف سببًا هامًا من أسباب تدهورها فقد كان للجامع الأموي بدمشق أيام المماليك من الوظائف المرتبة ما لا يستغل به إلا ديوان الملك، وعليه جلائل الأوقاف، إلا أن الأيدي العادية قد استولت على كثير منه لشبه الأكابر وأصحاب المناصب، كما كان لرغبة بعض السلاطين الانتقام من منافسيهم السياسيين دور في مصادرة بعض الأوقاف.
اختلاسات الوقف
أدى التعدي على الأوقاف إلى ظهور أشكال متعددة لاختلاس الأموال الوقفية ومنها:
- استبدال الوقف: ويعني نزع العين الموقوفة عن جهة وقفها، وذلك عن طريق بيعها وشراء عينة أخرى بدلا منها، وهو ما يمثل شكلا من أشكال المصادرة.
- الاقتراض: وهو شكل من أشكال المصادرة، لأنه في الغالب تؤخذ هذه الأموال بحجة القرض ولا تسدد.
- الاسترجاع: حيث لجأ بعض الحكام إلى مصادرة الوقف، بإجبار الواقف على الاعتراف بان أوقافه من بيت المال، أو إجباره على الاعتراف بأن هذه الأوقاف من أموال السلطان.
- الاستئجار: حيث كان بعض السلاطين وذوي النفوذ من حاشيته يقومون باستئجار الأوقاف بمبلغ مالي بسيط، ثم تأجيرها بالباطن لصالحهم بأضعاف المبلغ المدفوع.
- الانشطار: ويقصد به توزيع الوظيفة الواحدة بين أكثر من فرد، وهي ظاهرة خطيرة انتشرت بشدة في الأوقاف، ولعل العامل الرئيس وراء انشطار الوظائف هو الرغبة في ضمان الحصول على مرتب ثابت ولو كان محدودًا من وظائف الأوقاف يقي شر تقلبات الزمن.
وهكذا أدت مثل هذه الاختلاسات إلى تدهور الأوقاف وتعطل الدراسة في كثير من المؤسسات التعليمية.
مجالات الوقف على التعليم:
إيمانًا من المسلمين بأهمية الأوقاف، وإدراكًا منهم للمردود العظيم منها على المتعلم والمعلم على حد سواء، إضافة إلى ما يجنيه المجتمع من نمو التعليم وتطوره ؛ فقد سارعوا إلى وقف الوقوف على التعليم في مجالات متعددة ،إذ وقفت الأوقاف على المدارس بما تضمه من معلمين وطلاب، كما وقفت الأوقاف على الكتاب وبخاصة كتاتيب الأيتام والفقراء، وكانت المكتبات ودور العلم أحد المجالات التي برز فيها الوقف على التعليم بما تضمه من كتب وقاعات للتعليم والدراسة، كما برزت الأوقاف على المارستانات والمدارس الطبية، كما تم الوقف على حلقات التدريس بالمساجد، ووقفت الكتب من قبل العلماء والمؤلفين وبالجملة ،فقد اتسعت مجالات الوقف على التعليم لتشمل جوانب عديدة من الأنشطة التعليمية.
أوجه الاستفادة من الأوقاف:
نتيجة للدور الكبير الذي قامت به الأوقاف على التعليم في النموذج الإسلامي، وتشكيلها مصدرًا تمويليًا ثابتًا؛ فإن هذا يدعو إلى إيلاء أهمية قصوى للوقف، والعودة سريعًا للعمل به ذلك أنه يعد مطلبًا ملحًا لتوفير متطلبات التعليم المالية واحتياجاته لما يدره من دخل كبير إذ ما قيس بغيره من مصادر، ويكفي للتدليل على ذلك الوقوف على التمويل في الولايات المتحدة والذي اعتمد الوقف كأحد أهم مصادر تمويل التعليم، فقد بلغت قيمة أوقاف جامعة هارفارد – على سبيل المثال – عام1992م خمسة مليارات ومائة وثمانين مليونا وسبعة وتسعين ألف دولار، فيما بلغت قيمة الأوقاف لكل طالب منها مائتين وسبعة وتسعين ألف دولار.
لكل هذا... فإن العودة للأخذ بنظام الأوقاف على التعليم يعد من أهم الأمور المستفادة من النموذج الإسلامي،وهو ما يتطلب:
- تنظيم حملات توعوية بأهمية الوقف ودوره في تمويل التعليم، والاستفادة في هذا الصدد بوسائل الإعلام، وبأئمة الجوامع لإثارة الدوافع الدينية لدى أفراد المجتمع الإسلامي.
- عقد ندوات حول كيفية تشجيع الناس على الوقف على التعليم، والأوجه المناسبة لذلك.
- مبادرة الدولة في العالم الإسلامي بتقديم بعض الأراضي ووقفها على التعليم.
- تبني وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في الدول الإسلامية مشروعاً بعنوان «ساهم ببناء مدرسة» بحيث يقوم الأمراء والوزراء بالإسهام بإنشاء المدارس مع تسمية كل مدرسة باسم منشئها، ويمكن التوسع في المشروع بعد ذلك ليشمل الخيرين من رجال الأعمال وأفراد المجتمع.
- إنشاء لجنة في كل إدارة تعليمية وفي كل جامعة للعمل على الدعوة للوقف على التعليم ومخاطبة المجتمع المحيط.
- العمل على غرس الاتجاهات الإيجابية نحو العمل الوقفي الخيري في نفوس الطلاب، من خلال تشجيعهم على وقف الكتب على المكتبة المدرسية.
وبالنظر إلى الحرية الكبيرة التي أتاحها النموذج الإسلامي لمن يرغب في الوقف على التعليم من مختلف فئات المجتمع، فإن هذا يدعو إلى إتاحة الفرصة لجميع أفراد المجتمع للوقف على التعليم على مختلف فئاتهم، كما يمكن الاستفادة من حرية وقف الأوقاف على المؤسسات التعليمية في بلدان ومناطق أخرى خلاف البلد أو المدينة التي توجد فيها المؤسسة التعليمية كما ظهر ذلك واضحًا في النموذج الإسلامي، فإن هذا يحقق فائدة كبيرة عند توفر الأوقاف في أكثر من بلد، إذ يساعد المسئولين على التعليم على تحقيق نوع من العدالة والتوازن في توزيع عائدات الأوقاف على المدارس، وعلى هذا يمكن وقف الأوقاف في مدن كبيرة وعلى مؤسسات تعليمية في بعض المدن الصغيرة مما يضمن عائدًا مجزيًا لها.
كما يمكن الاستفادة من فكرة الوقف على كراسي أو زوايا خاصة بالمساجد في النموذج الإسلامي بإمكانية الوقف على مرافق بعينها في بعض المدارس أو المعاهد والجامعات.
وبالاستفادة من فكرة الوقف نفسها فإنه يمكن الاستفادة من واجهات المباني الحكومية ذات الواجهات على الشوارع الرئيسية في الوقت الحاضر، وطرحها للاستثمار، مع اعتبارها من الأوقاف الدائمة، ويمكن ترك الحرية للتصرف في العائدات للإدارات التعليمية، وهو ما يتطلب إنشاء قسم أو إدارة خاصة بكل إدارة تعليمية لإدارة شؤون هذه الأوقاف وتوزيعها على المدارس بعدالة، ولا يخفى أن إنشاء مثل هذه الإدارات فضلًا عن حمايته لأموال الأوقاف من الضياع ؛ فإنه يتيح العديد من الفرص الوظيفية للشباب من الخريجين الذين لا يجدون عملًا لهم.
وأخيرًا يمكن الاستفادة من تنوع الأوقاف على التعليم في النموذج الإسلامي، بالسعي الجاد إلى إيجاد صيغ وصور عديدة للوقف على التعليم، بما يتلاءم مع الأنشطة الاقتصادية المعاصرة.
المصدر : مجلة المعرفة ـ العدد 188

يعطيك الف عافيه عالطرح الرائع

وربي مايحرمنا من جديدك وتواجدك وننتظر ابداعك الراقي

الله يعطيك العافيه

من متابعيك وسآكون كذلك باذن الله
قد لا أوفيك حقك بالرد
فأتمنى قبوله

يعطيك العافيه

دووم هالتميز ماشاء الله عليك
ربي يحفظك

منوره وصوفي

منوره ابشرك

منور عود الليل

الله يعطيك العافيه
اختيار راائع وموفق
ماننحرم من جديدك المميز

منوره اخراحساس