رســآله لـكــل مربي ومربيـة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


من صور التعامل المشرقة :



الحلم والأناة، وسلامة الصدر ، وعدم التسرع في الأمور ، وترك الغضب والانتصار للنفس ، والبعد عن التشفي لها بالقول أو الفعل من فواتح الخير ، وبعدا عن جماع الشرور0

قال r لأشج عبد القيس ( إن فيك خصلتين يحبهما الله تعالى الحلم والأناة ) ( 1)



عن أنس بن مالك قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ثم قال يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك فالتفت إليه رسول الله صلى عليه وسلم فضحك

ثم أمر له بعطاء ( 2 )

------

( 1)رواه مسلم

(2) رواه مسلم

*********

رسالة

أخي المدرس ، أخي المربي:

هلم إلى 000 الحب

تلكم العبادة التي تصلك بربك

والأواصر التي تتقارب فيها النفوس بينك وبين كل مسلم

والسجية التي تزيل العناء ، وتزرع الارتياح ، والصفاء بينك وبين زملائك ، وطلابك

وبينك وبين مادة تدريسك 0



***********************



مع المرآة :



نحن في كل صباح،وما بين فترة وأخرى ، نقف عند المرآة ، لنقوم مظهرنا وشخصنا ، حتى نكون أكثر قبولاً،ومحبة ، وهيبة في نفوس الناس0

وهذا عمل جميل جدا بل هو مشروع 0

ولكن أجمل منه أن نفتح باب التقويم لأعمالنا وأخلاقنا ، وتعاملنا ، ومجهوداتنا ، فيما مضى ونتقبل النقد بارتياح ، وثقة 0

هذا النقد والتقويم ، نسمعه من فرد ، أو جماعات ، فلعلنا نحقق القبول من الناس ، ونحضى بالمنزلة عند الله سبحانه وتعالى 0

فأنت بحاجة إلى مرآتين ، مرآة : مادية لجسمك ، ومظهرك 0

وأخرى لقلبك هي : المؤمن مرآة أخيه0





************************

المبحث الأول : من طبائع النفوس في مجال العمل



من طبائع النفوس في مجال العمل

خلق الله سبحانه وتعالى الناس مدارك وعقولاً ، وقلوباً لها طباع مختلفة ، فلا بد لنا في حقل التربية والتعليم من أن نستبين أمرين أساسيين هما :

أ – أن نغير من طباعنا ، ونضغط عليها بقوة وفق الضوابط الأخلاقية ، لأنه يمر علينا الأجيال يتصورون طباعنا ، فإما أن يتأثروا بها خيراً ، أو يأخذوا فكرة سيئة عنها 0

وانفلات المربي مع الطبائع السيئة عند تعامله مع الآخرين ، تعدٍ مقيت ، وقد يتحمل تبعات

تشويه صورة أخلاق الإسلام المشرقة ، لأنه نائب مناب رسول الله r في التربية والتعليم 0

ب - أن نتعرف على طباع الآخرين فنمتص ما فيها من صدمات قد تسبب الفرقة والشحناء ، وتضييع الجهود ، بالذم ، والعيب فيما بيننا ، فلعلنا نلتمس العذر لمن تجاوز في تصرفاته فما من طبيعة شائنة إلا وهي صادرة عن ضعف في الإيمان أو جهل في الأسس ، أو قصور في الإدراك ، أو نتيجة ضغوط حياتية ، أو تعاملية 0

ومن هذا المنطلق ولتلك المصلحة الراجحة ، جاز لنا أن نذكر بعضاً من هذه الطباع على اختلافها وتفاوتها ، ومنها : -

1 – هناك من يتصف بسمو أفكاره ، ونظافة ألفاظه ، وسلامة صدره ، لا يلتفت إلى قبيح الكلام وسقطاته ، بل ويتغاضى عنه كأنما لم يسمعه ، إذا خوطب بكلام يوحي بإسفاف وهزل ، حمله محملاً حسناً ، لا يعرف السب والاغتياب ، ولا التحريش بين الناس ، البسمة على شفتيه ، والابتهاج سمة ظاهرة في وجهه ، يألف الناس ويألفونه ، ويحبهم ويحبونه ، تعرف كمال عقله من حسن تصرفاته ، وجميل أخلاقه ، لا يعرف الصخب والأصوات المنكرة ، و لا التضجر والتململ ، ولا الإلحاح ،وكثرة العتاب0

قال تعالى ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )

( 1)

---------

( 1 ) الفرقان 63



2- من عنده اعتداد بنفسه ، منطقه ، رتابته ، محاولة جذب الآخرين إليه ، يحب إظهار ثقافته من

خلال اعتداده بألفاظه ،وأن يرى بصفة الكمال والسداد 0 ينظر إلى الأمور بعين الدقة ،والحزم

،والنظام 0

وهذا فيه نوع من الجد والثقة بالنفس ، إلا أنه قد يفقد شيئاً من الإخلاص والتواضع 0



3- الحريص أن يُرى شخصه ، وجهده ، ويأثر بالسمعة ،ويتبوأ المكانة فيما يقدمه ويبذله في التربية والتعليم ،قد أحس بالكمال 0

وقد يكون ذلك لتكميل الذات ، وليرى مكانه ، وليس لهدف تربوي ، ونية خالصة ،

من سماته العجلة ، يقاطع الآخرين حديثهم ، ويجيب عن سؤال موجه لغيره ،ويتدخل في عمل غيره ،

يرى أشخاص الناس في عينه صغاراً ، وآراءهم وكلماتهم أقل شأنا 0

وهذه الصفة فيها من مزالق الرياء ، والإعجاب ، والاستكبار ، بل والتحامل على الناس شيئ خطيراً 0



4- ومن الناس طيب القلب وصادقه ، لايحتمل المزاح والهزل ، ولا يقبله ، الكلام عنده كله صدق ، والهزل جد ، يصدق من يمدحه ، ولو لم يكن مادحه صادقا ، ويغضب ممن ينتقده ولو كان مازحا000

وصاحب هذه الصفة لا تجوز مخادعته وإزعاجه 0



5- ومنهم المحدود والجامد في التعامل ، لأمور فكرية ، أو نفسية مع الانزواء ، منغلقاً بعيداً عن مشاركة الناس لو فاتحته بكلام – في بعض الأحوال - لم يلتفت إليك 0

فينبغي التعامل معه بحذر مع محاولة جذبه إلى الانفتاح برفق 0



6- ومنهم كثير الإرجاف ، وتهويل الأمور ، بل والتهديد والوعيد ، للطلاب ،وغيرهم ، وان كان غير جاد فيه 0

وهذا منهج غير سليم ،لأن الطالب يأخذ الكلام على ظاهره فيتعلق به ، ويحكم به على أستاذه بأنه يكرهه ، أو ليس عنده عدالة 00

7- صاحب المزاج المتقلب حسب المصلحة ، فإن كانت الحاجة رأيت الابتسامة ، والتلطف ، وإن لم تكن له إليك حاجة ، تجد الإعراض والصدود 0

فقد يكون صاحب هواجس وتفكير ، وقد يكون في طبيعته جلفاً جافي الخلق ، أو عن احتقار ، أو استكبار ، وبذلك التصرف يقطع عنك أدنى حقوق المسلم على المسلم ،كالسلام ،والبشاشة 0



8- من هو أداة إعلامية للنشر والتوزيع ،فإذا سمع خبراً أو كلمات ، قام بنشرها ، لا يتسع صدره لحفظها ، ولو لم يتأكد من حقيقتها ، وحتى لو كان في نشرها مضار قد تفرق بين أناس ، أوقد تسبب الوهن والإخفاق عند أناس 0



9- ومنهم من لا يكذب ، ولكن يتعاطى أخا الكذب ، فيذكر عن نفسه صفات ، أو أعمالاً

وأقوالاً ليس لها حقيقة ، وإنما قد فعلها مرة واحدة في عامه ، أو في عمره ، فيوحي بأنها منهجه ، وواقعه 0

فمن ذلك لو أخبر عن تطبيق أسلوب تربوي بقوله ( أنا أزور الطلاب في بيوتهم )وهو لم يفعل ذلك إلا مرة واحدة 0





10- ومن الناس من ميزان الحق والعدالة عنده { الهوى } فعندما يطلب منه العدل ، يغيب إيمانه ويظهر ميزان الهوى فيكيل به وافياً لأناس بلا استحقاق 0ويمنعه عن آخرين مع الاستحقاق 0

فقد يمدح أناساً ويصفهم بالكمال ويناصرهم ، وقد يذم أناساً وينتقصهم ، ويخذلهم ، وكل ذلك لهوى في نفسه 0

قال تعالى : ( ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) ( 1)



----------

( 1 ) ص 26



11 – ومنهم الجاف ، الأعوج - كما يقال – في تصرفه وتعامله مع الناس ، وفي رأيه عند تطبيق التعليمات ، يأخذ الأمور بظواهرها ، نصاً ، وحرفاً ، مع التعصب لرأيه وتصرفه ، يصادم الناس ولا يبالي في العثرات ، لا يعرف مبدأ تحقيق الحكمة والمصلحة ، ولا يقبل مبدأ التجاوز والصفح ( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ) (1)، ولا ينتهج مبدأ التيسير ، والتبشير ، ( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ) (2)، ولا يقبل مبدأ ( اشفعوا فلتؤجروا )(3) ، ولا يعرف مبدأ شعرة معاوية رضي الله عنه في مراعاة الأحوال في الشدة واللين ،(4) ولا مبدأ إكرام من يستحق الإكرام ( خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ) (5) ولا مبدأ درإ المفاسد ( إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره ) (6)





12- ومنهم من هو حاد الطبع ، شديد في التعامل ، قد استحضر قلبه للانتقاد ، إن سمع كلمة فيها سهو وخطأ عاب عليها وانتقد صاحبها ، وإن رأى تصرفاً ونقصاً استهزأ بصاحبه وشهر به لا يستر الزلة ، و لا يتغافل ولا يتجاوز عن خطأ ضده ، إن ذم أسرف وتجاوز الحد ، كثير ا لاغتياب للناس وإطلاق التهم بلا تثبت ، يقع في الأخطاء والتجاوزات على الآخرين ولا يقبل ا لانتقاد والتوجيه 0

غاب عنه غض الطرف عن العورات ، وغاب عنه ( من ستر مسلماً في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة )(7) وتناسى عاقبة الاعتداء في الآخرة (قال رجل يارسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها ،وصيامها ، وصدقتها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها قال هي في النار )(8)

-----------

(1) رواه أبو داود

(2) رواه البخاري

(3) رواه مسلم

(4)روى اليعقوبيي في تاريخه عن معاوية قال ( 00ولو أن بيني وبين الناس شعرة ماانقطعت 00الخ)

(5) رواه البيهقي في شعب الإيمان

(6) رواه البخاري

(7) رواه أحمد

(8) رواه أحمد




13- ومنهم حقير النفس ، لئيم المعاشرة ، تنبعث من تصرفاته ،وكلماته روائح ضعف النفس وحقارتها ، من حقد وحسد للآخرين ، وإساءة في التعامل ، يتألم قلبه حينما يرى النعمة بادية عليهم فطن لكل صغيرة ، وكبيرة ، في أجسادهم ، ومأكلهم ،ومشربهم ، قد ابتلي بسخافة الألفاظ وهزالة المخاطبة ، وسوء الظن بغيره ، إن تكلم عن نفسه أظهر الشكوى والتألم ،قد ازدرى نعمة الله عليه 0

فأين هذا مماروي عن رسول الله r ( قال يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة 000 إلى قوله ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله عز وجل إياه 000 ) (1)



14– من يستغل مسؤليته وولايته على غيره ، بسوء التدبير ، وكثرة المطالب الشخصية بل

والانطلاق بما يخطر بباله من الكلام ، مستخفاً بمن عنده 0

ومع أن له شيئاً من التصرف ، فإنه لا يملك أن يسترق الآخرين ، ويثقل نفوسهم بتصرفات وأقوال سيئة ، أو تشغيلهم في مصالحه ، أو القيام عنه بأداء واجباته 0


--------------

(1) رواه احمد


منقـــــــــــول