الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصــــــايـــد ليـــــــل 】✿.. > …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«…
 

…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. }

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 02-09-2020
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ أسبوع واحد (06:13 PM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11619
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذات مقيدة حول عنق إمرأة /53 الفصل الاول



بسم الله الرحمن الرحيم
توكلتُ على الله

الجزء الثالث والخَمسون
الفَصل الأول


حَوْل طاولة الطّعام كانوا مُجْتَمعين.. المَشْهد ذاته مِثلَ كُل صباح.. والده عَلى رَأس الطَّاولة.. يَشْرب كُوب الحَليب المُمتزج مع مِقْدارٍ مُعَيَّن من الشَّاي.. نَظَّارته تَتكئ على أَنفه سامِحةً لِعَيْناه بقراءة الأخبار من خلال جِهازه اللوحي.. وعلى يَمينه والدته، تَتناول فَطورها بِصَمْتٍ وعَيْنان تَضُجَّان بِحَديثٍ مُبْهَم.. أَمَّا غَيْداء.. تَبَسَّم بِحُنو وهُو يَراها كَطيْرٍ نَشيط.. يَلْتَقِط الغذاء بِرُوحه لِيُطْعمه قَلْبَي صَغيرَيه.. كانت في الوَسط.. على يَمينها بَيان.. وعلى يسارها عبد الله الصَّغير.. كُلَّها لهما.. ولا شيء لِنفسها.. هي كالعادة لَم تَشْرَب سوى كأس ماء عند استيقاظها.. تنتظر أن يَشْبَع الطِّفلان ثُمَّ تأكل هي براحة. تَقَدَّم للدَّاخل بهدوء بَعْد أن انتهى من تأمُّل المَشْهد اليَومي.. وبهمس وَعيناه تَتحرَّزان الاصطدام بِعَيْني أُمّه: صَباح الخيـر
ضَحَكَ بِخفَّة عندما التفتوا إليه وعلى وجوهِهم فَغَرَت فاهَها الصَّدمة.. الصغيران كانا أوَّل من امْتَصَّ المُفاجأة.. فَكِلاهما تَرَكَا مقعدهما ليركضا إليه بحماس وسعادة.. قَرْفَصَ أَمامهما لِيَحتضن كُل واحد بِذراع.. شَدَّهما إليه لِيُقبّلهما وهُو يقول بشوقٍ عارم: والله انتوا أكثر اثنين واحشيني
غَيْداء وهي تَقْترب منهُ بعينٍ دامِعة وابْتسامة أَرْعَشها زُحام الشَّوق والفَرح: واحنا كلش ما وحشناك؟ ولّا مو قد المقام؟
وَقَفَ لِيُقابلها وهو يُجيبها بود: قد المقام ونص بعد قلبي إنتِ
احْتَضَنت عَزيز قَلْبها وعَضيدها الذي لَم يَعِد إلا لِيَفي بِوَعده.. قَبَّلَت خَدَّيه وهُو سَلَّمَ على جَبينها المُتَلألئة منه السَّعادة... ابْتَعدَ عنها لِيَتجّه لوالده الذي قَدِمَ إليه بدوره.. صافحهُ لكن والدهُ فاجأهُ واحْتضنه بطريقة أحرجته.. لَم يتوقع هذا الكم الهائل من المشاعر.. اسْتمع لنبرته المُعاتبة: يُبه طوَّلت.. أربع شهور حارمنا من شوفتك
ابْتَسَمَ بِسَعة: هذاني رجعت يُبه
سَألَ ليتأكد: خلاص بتظل اهني؟
هَزَّ رأسه: إن شاء الله
ابْتَسَمَ لهُ برِضا: الحمد لله
حَلَّ الصَّمْت والأَعين زَحَفَت للمَقعد الأخير الذي لَم تُفارقه صاحبته.. كانت تنظر لطبقها برأسٍ مُنَكَّس الْتوى منهُ عِرقٌ في قلبه.. لَم يَفته الارْتعاش المُسَوِّر يَديها، كانت تَضغط على كَفَّيها بقوة كأنَّما تُهَدِّئهما.. هُو اشْتاقَ لها.. كَثيرًا.. كثيـــرًا.. ومَنظرها هذا وَكَزَ عَطْفه وحَنانه.. تَبقى أُمّه في النهاية.. مهما عَمِلت وقالت وفعلت.. لا يَستطيع أن ينبذها من حياته أو أن يُعاقبها أو حتى أن يُطيل ابْتعاده عنها.. هذا امتحانه وسَيخوضه حتى ولو انْكسَر شيءٌ داخله. خَطى ناحيتها وهي تَضَخَّم فؤادها لخطواته المُقتربة.. وَقَفَ بجانبها.. وقَبل أَن تتوقَّع عَشرات رُدود الأفعال منه.. نَسَفَ كُل هواجسها بِقُبلته التي نَثَرها غَيْثًا فوق رأسها.. هَمسَ وهو يَسْتقيم في وقوفه: شلونش يُمّه؟
رَفَعت رَأسها إليه بلهفة تَعَثَّرت في منتصف الطَّريق.. كان يَنظُر لِكُل شَيء عَداها.. بَصره كان يهرب منها ويتَجَنَّبها بطريقةٍ أَحْبَطتها وكَدَّسَت الغَصَّات في حَلْقها.. بعبرة عاتبته: مو قادر تحـ ـط عيونك في عيوني عبـ ـد الله! مو قادر تحط عيونك في عيون أمـ ـك!
اضَّطَرَبَت عَدستاه كأَنَّما تهربان من وَجَعٍ قادِم.. أَحْنت رَأسها وأجْهَشَت بالبُكاء.. قَبَضَ يده وأسْنانه تَحْتك بقلَّة حيلة.. هُو فعلاً لا يستطيع أن يَضع عَينه في عَينها.. لا يستطيع.. لكن الألَم الذي يُقَطّع نِياط قَلْبه الآن أَشَد من ذلك الذي قَد يقبض عليه إذ هُو قابَل عَيْنيها.. لذلك داسَ على نفسه.. شَدَّ يده واقْتَلَع ثَبات نَفْسه من بين فُتات صَبره لِيَدفع ببصرهِ إليها.. جَلَسَ على رُكْبَتيه عند مقعدها.. ارْتَفعت يَدهُ لِذقنها وبِلُطف حَرَّك وجهها لِيُقابله.. ارْتَجَفَ لِلَفْحة البُرودة التي باغتته وعينيه تُصافح عينيها بسَماح.. ابْتَسَم بتردد ويداه تَحتضنان يَديها ليقول: يُمّه مابي أشوف دموع في عيونش.. مشتاق لش ومابي أشوف غير الضحكة على وجهش "قَبَّلَ يديها قَبْل أن يُرْدِف بغصَّة حاولَ أن يُخَبِّئها" سامحيني يُمّه.. بس كان لازم ابتعد.. كنت محتاج للابتعاد.. بس اللحين أنا رجعت.. وبس.. ما بيكون بينا فراق
انْحَنت قَليلاً لتحتضنه ونطقها يخرج مُتَعرِّجًا: حَبيبي.. ولدي.. والله.. البيت ما يسوى.. من غير وجودك.. وحسّك.. الله لا يحرمني منك
هَمَسَ وهُو يُعاني لِتَجاهل انْكماش رُوحه التي بُتِر جِزْءٌ من ثِقتها تجاه هذا الدّفء: ولا منش... يُمّه



كانت لَحْظة هارِبة من كابوس تلك التي تَلَقَّف فيها رِداءَها عند الصَّدر لِيُقَيِّدها فَوْقَ سَريره.. شَهقات فَزِعة من حِدَّتها كادَت تَجْرَح حَنْجرتها وهي تَخْترق حَلْقها.. لَم تَفهم مَعنى الذي نَطَقه، بَل هي لَم تُحاول فَهمه.. فَحقيقة انْقضاضه عليها نَهَبَت كُلَّ اسْتيعابها.. كانَ جَسَدها يَتَلَوَّى باضّطراب، وكفَّيها الضَّعيفتان تَضربان صَدره وكَتفيه بِوَهْن.. هي كُلَّما حاولت الدّفاع عن نَفْسها شَعَرَت وكأَنَّها تَسحب صُخور قَد قُيِّدَت بِحَبْلٍ حول أَطْرافها.. لماذا خارت قواها هكذا؟ لِمَ هي ضعيفة؟ فُتورٌ مُناقض للهستيرية التي داخلها قُد صُبَّ على جَسَدها؛ الذي تَحَوَّل فَجأة لكائنٍ رَخْو لِيَنجو من شُعور الرُّعب والخَطر.. وحَواسها قَطَعت آخر صِلة لها مع الواقِع.. فَلَم يَتَبقَّ مُدافِعًا سِوى البُكاء.. دُموعها سُيولٌ بَدأت تَجْتاح رِمالها التي تَلاشى ذَهَبها المُلْفِت بسبب احْتلالٍ أَصْفَرٍ شاحِب.. شَفتيها تَكَفَّنت بالبَياض.. والزَّفير قَد اخْتَبَأ في رئتيها اللتان بَقِيتا تَركلان شَهقاتٍ مَخْنوقة يَنْتصف طُولها الرّعب. هُو ما إن أَصْبَحت أَمام ناظريه بوضوح حتى وَعَى من غَفلة مَرَضه.. ارْتَخَت يَداه عن ذراعيها.. أَبْعَدَ جَسده قَليلاً عن جَسَدها الذَّابِل.. دارَت عَدَستاه عَلى وجهها المَكدود بمحاولة لِربط خُيوط الاسْتيعاب.. هَمَسَ بِدَهْشة: مَــلاك!
ابْتَعَدَ عنها ببطء الصَّدمة وعَيْناه لا يَزال نَظرهما مُتشابك بِجْنْحَي غُراب المَوْت المُقَرْفِص على ناصِية وَجْهها.. هي ما إن شَعَرَت بالهواء يَصْطَدِم بِجَسدها وذراعيها تَتَحرَّران من قَيْده، حتى زَحَفَت لزاوية السَّرير لِتَجْلِس وهي ترفع رُكْبتيها إلى صدرها، وَيَداها بارْتعاشٍ وبَعْثرة تَلَقَّفتا أَطْراف ثوبها لِتُسَوِّيه عند قَدميها.. وكأَنَّها بحركتها هذه تُدَثِّر جَسَدها بدرع حِماية يُلائم ضعفها وأُنوثتها المَعْطوبة.. كانت تَرْتَجِف كَمحْمومة.. تخالطَت عليها الأجواء.. لا تدري أَهواءٌ ناري يَلْفح جلْدها.. أم صَقيعٌ يُجَمِّد رُوحها؟ هُو كان مُسْتَقِرًا على رُكْبتَيه أَمامها.. وفُرْجة صَغيرة بَيْن شَفتيه يَلِج من خلالها الاسْتيعاب.. كَيْف لَم ينتبه أَنَّها هي! كَيف افْتَقَد على حِين غفلة منه لِسُرعة بَديهيته! كَيف لَم تَنْطق خُطوط يَدّه التي مَسَّت حَريرها لِتُحَذِّره! كَيــــف! بَحَثَ عن عُذْر.. عن تَبريرٍ يَتَشَرَّب ماء َوجهه الذي أُريق بِفعلته المَجنونة.. لَكنَّهُ أَطْبَق شَفتيه بِفَقْرٍ وقِلَّة حيلة.. ابْتَلَعَ ريقه بصعوبة وهُو يُبْصِر أَمطار عَيْنيها وهي تُحيل رِمالها لطينٍ ثَقيل تَضيق منه النَّفس.. يا إلهي وكأَنَّها بدُموعها تُعَرِّف الحياة على فَصْلٍ جَديد من البؤس.. كانت تَبْكي رُعْبها.. تبكي خَسارتها.. تَبْكي شَرفها.. وتَبكي كُل أُنثى غالَ طُهْرَها ذِئبٌ نَجِس. هي ومن بَيْن عاصِفتها رَفَعَت عَيْنيها إليه لتنظر لهُ من خَلْف أهدابها الغارِقة، انْقَطَع جِزْءٌ من قِلْبه لا يَعْتقد أنَّه سَيسْتعيده ما حَيي.. نَظْرة خَوْف امْتَزَجَ بها ضَياع ولَمْحة عِتاب.. وكأَنَّها تَلومه لأنَّهُ هَدَم أَساس الثِّقة الذي بنتهُ لهُ في رُوحها.. لَوَّثتَ تُرْبة البَذْرة مُحَمَّد.. لَوَّثتها بيَديك المُلَطَّخة بآثار تَدريبات بَرْلين القسْرية. تَراجَعَ للخَلف والنَّدَمُ قَد أَحْنى نَبْضه قَبْلَ رأَسه.. نَبْضه الذي صَغُر من شِدَّة خَجله وأَخْتَبأ خلف حُجْرة من حُجرات قَلبه حتى لَم يَعُد يَسْمعه أو يَشعر به.. تَرَك السَّرير.. ها هُو واقفٌ على الأرض أَمامها.. قَبَضَ يَده بشدَّة حَتَّى ابْيَضَّت وشَفتاه تَتَحرَّكان بتَردُّد.. أَرْخَى جِفْنيه حتى لا يَرَ اسْتنكارها لكلمته العَرجاء: آســـف

،

اتَّكَأ على سَطْح الليْل يَنتظر عُروج النَّهار وَهيمنة الشَّمس.. لَعَلَّها تُنَحّي السَّواد عن ذاته التي أَجْرمت قَبْلَ ساعات.. هي كَرِهتهُ فعلاً.. كَرِهته.. فَمن العاقل الذي يَرْتَكِب مثل حَماقته! هُو حتى لا يستطيع أن يُوَرِّط مَرضه ويتّهمه.. لا دَخَلَ للمرض في ذلك.. لا دَخَلَ للحُمَّى في جُنونه.. هُو مُشَوَّه أَساسًا مُنذُ زَمَن.. مَجْنونٌ قَد فَقَدَ عَقَله مُذ خَنَقته زِنزانة بَرْلين.. وَقَد اتَّخَذَ نَبْضُ قَلْبه طَريقًا عَكْسيًا يَمضي بهِ للموت لا للحياة.. هذا الفِعْل لا يَصْدر من عاقِل.. لا يَصْدر من رَجُل سَليم الروح.. ولا يَصدر من إنسان بذكرياتٍ بَهيجة.. هي بالكاد اعْتادت عليه وبدأت تَخْطو بِحَذرٍ وتَردُّد لحياته لتندمج معه.. للتّو كان مُسْتَبْشِرًا بفتحها للباب وبمُعانقة جَسَدها لحريرٍ أرجواني.. الآن بالتَّأكيد سَتوصِد الباب.. بَل وسَتقفله بالمفتاح.. وسَتُعيد صَبْغ رِمالها بالأَسْود وبغيره من الألوان الكَئيبة.. هُو بَدلَ أن يَقْتَلِعها من أَرض مأساتها المَسْمومة.. سَيدفنها في أَرْض ذاته المفقودة. زَفَرَ ويده تَرتفع إلى رأسه.. مَرَّرَ أصابعه بين خصلات شَعره لمرّات مُتتالية وعَيْناه لَم تَبْرحان باب غُرفته.. مُذ غادرها بعد اعتذاره الرَّكيك لَم يَدخلها.. وهي لم تخرج منها.. لا يدري هل نامت؟ أم أنَّ الصَّدْمة شَلَّت قَدميها؟ أَمَّ أنَّها اسْتَسلمت لإغماءٍ يَفصل وَعْيها عن كُل المشاعر الثَّقيلة التي وَلَّدها الموقف.. هُو حتى لَم ينزل للمَرأب.. كَلَّفَ زملائه بكُل العَمَل بعد أن اعتذر مُتَحَجِّجًا بمرضه الذي شُفي منه تقريبًا.. وكذلك أَجابَ على اتّصال مَدْرَستها.. اضطَّرَ أن يُكَذِّب ويَختلق قِصة مَرض خاصة بملاك منعتها من الذهاب للمَدرسة.. يا إلهي تعقيد تعقيــد أَلقى نفسه فيه بلا تفكير.. وكأَنَّهُ عادَ لنقطة الصفر بعد أن أحرزَ تَقَدُّمًا مَلْحوظًا معها.. أَعاد ظهره بقوَّة للوراء وهُو يَشد خصلاته بكلتا يَديه بقهرٍ من نفسه وعلى نفسه.. لا يُحْسِن أي شيء طبيعي.. لا يُحْسِن سوى ما يُخالف طَبيعة البَشر.. رُوحه لا تألف الرَّاحة.. هي تطردها ما إن تشعر بنسَماتها تُلَوِّح إليها.. اعْتادت على اسْتنشاق القَلق والشُرب من ماء البؤس والضَّجر.. شَخَرَ بِسُخْرية.. يقول لهُ هاينز عامل نفسك كإنسان.. كَيف يُعامَل الجَماد كإنسان.. كَيف! هو حتى لا يصلح لأن يكون حيوان.. فالحيوان ومع أَنَّهُ بَهيمة إلا أَنَّهُ يَملك مشاعر لا يملك هُو رُبعها.. هو خواء.. كائنٌ مُجَوَّف.. جَسَدٌ بالٍ يَنتظرُ المَوْتَ لا أكثر.



وَقَفَت تَتَلَفَّت باحِثَةً عن جِنان بَعْد أن انتهى لِقاء أولياء الأمور المُقام في قاعة المدرسة الكَبيرة المُهَيَّئة لِمثل هذه الاجتماعات.. جَميع الآباء والأمهات كانوا واقفين.. بعضهم مَشى خارِجًا.. بعضهم ذهب لأخذ المطويات المُحْتوية على رؤية المدرسة وأهدافها وأنظمتها والعديد من الأمور التي تَم ذكرها بالتفصيل خلال اللقاء.. والبعض الآخر وقفَ للحَديث مع أحد المُعلِمين أو إحْدى المُعلمات أو حتى مع مُديرة المدرسة للاستفسار والسؤال.
: تدورين على من؟
أَجابت زوجها وهي لا زالت تبحث بعينيها: عن جِنان
: يمكن ما جت "أشارَ للجهة المُقابلة لهما" لأن فيصل هذا هو اهني
: بلى جت.. مُستحيل ما تجي
قال: زين أنا بروح أسلم عليه على ما إنتِ تدورينها
هَزَّت رَأسها وهُو تَحرَّكَ ناحية فيصل الذي رَحَّب به بحرارة قبل أن ينخرطا في الحديث. على الجهة الأخرى كانت جِنان أيضًا تبحث عن نَدى.. أَخرجت هاتفها لتكتب لها "إنتِ وين؟".. أتاها الرد بعد ثوانٍ "آخر شي على اليسار".. رفعت رأسها وعيْناها تَتجهان إلى الموضع الذي وصفته نَدى.. وبالفعل رأتها تَلْتَفِت يُمْنة وَشِمالاً.. تَقَدَّمَت خُطْوة قاصِدةً رَفيقتها.. لكنَّ خُطوتها الثانية اقْتَطعها صَوتٌ قَريب...: السلام عليكم
تَوَقَّفت وهي تُدير رأسها تبحث عن مَصدر الصوت.. قابلها رَجُل تعتقد أنها تلتقيه للمرة الأولى.. هُو تساءَل بابْتسامة لَطيفة عندما رأى علامات الاسْتغراب تَطوف عَيْنيها: أم جَنى صح؟
هَزَّت رأسها: اي نعم
أَفْصَح عن هويته: معاش الأستاذ نادر.. مُدرّس رياضيات
ابْتسمت بمُجاملة: أهلاً أستاذ "تساءَلت بشك" ما تدرّس جنى صح.. ولا؟
أَكَّد: صَحيح ما أدرّسها "وبتوضيح" بس أنا المسؤول عن نادي الرياضيات وخبّرتني مُعلمتها عن ذكائها وتميزها في المادة.. وألقيت نظرة على تقييماتها خلال هالفترة البسيطة وكانت فعلاً شي مُميز
عَقَّبَت ببهجة وزهوٍ بابْنتها: اي هي ما شاء الله عليها شاطرة في الرياضيات بشكل خاص.. مادتها المفّضلة
: عشان جذي أنا قلت أستغل فرصة اليوم وأخبرش إننا نبيها تكون معانا في النادي
قالت بتفكير: إذا كان الشي في صالحها وما يؤثر على حصصها وموادها الثانية
بتأكيد ليُطمئنها: أكيد بيكون في صالحها.. بتقوّي مهاراتها وبتكتسب مهارات إضافية.. وطبعًا بتكون مشاركتها في النادي في حصص النشاط.. يعني ما بتضطر تتغيَّب عن حصصها الأساسية.. إلا في حالة وجود مسابقات خارج المدرسة.. بس طبعًا بتكون مُعلمتها مُلزمة بإعادة الشرح لها
ابْتَسَمت بقبول: مو مشكلة.. ما دام بتستفيد وما بتتأثر موادها الثانية فما عندي مانع
اتَّسَعت ابْتسامته: إن شاء الله بتستفيد.. وبعطيها اليوم اسْتمارة حق بعض البيانات وحق توقيع ولي الأمر
أَوَّمأت برأسها: تَمام.. وشكرًا أستاذ على اهتمامكم.. شي ممتاز
بثقة: ولو أم جنى.. هذا واجبنا تجاه طلبتنا
ابْتسمت لهُ بامْتنان: يعطيكم العافية "تراجعت للخلف خطوة" أستأذن.. تشرفنا أستاذ
بادلها بابْتسامة أوسع وأَعْمق بِكَثيــر: الشرف لي.. مع السلامة
قَبْل أن تَسْتدير: مع السلامة
تَبِعتها عَيْناه وَلم تُفارقها حتى عندما توقفت مع رفيقتها.. حَشَرَ يَديه في جَيْبي بنطاله وأسْنانه تَلْتقط شَفَته السُفلى مُحاوِلاً مَنع الابْتسامة من الاسْتمرار في التَّوسع والانتشار.. هُو سَعيد.. سَعيد جُدًّا مُذ عَرَف من خلال بيانتها الشخصية أنَّ والداها مُنْفصلان.. سعيد وهذه السَّعادة يشعر بها تَغْزو وَجهه وتصل لعينيه اللامع فيهما حَماسٌ لَسَع حَذَرَ ذاك الذي لَا زال يُحاول أن يَفُكَّ قَيْدَ ذاته.. هو انْفَصَلَ عن حَديثِ مَنصور كُليَّا مُذ وَقِفَت هي تَتحدَّث مع نادر.. لَم تَفته الابْتسامة التي ظَلَّت مُلازمةً شَفتيه بسِعة وَقِحة.. وكأنَّهُ يَعرفها ومُعتاد على مُقابلتها بهذه الابتسامات! لحظة.. رُبما هو فعلاً يعرفها وهي تعرفه.. قَد يَكون صَيْدًا جَديدًا بَعد أن اسْتعادت طُعْمها من أَحمد.. احْتَكَّت أسنانه وقَبْضَته تَشْتَد بانْفعالٍ مَكْبوت.. أطالت الوقوف معه.. فيما كانا يَتحدثان؟ ما هُو هذا الموضوع المُهم الذي انْسَجما في مُناقشته! هي أيضًا ابتسمت إليه.. ابْتسامة مُميزة جدًا.. ابتسامتها الجذابة القادرة على بَعْثرته... يا إلهي.. النار التي خَمَدَت داخله خلال الفترة الماضية ها هي تَكْشِف عن شَرارة.. شَرارة بَسيطة لو اسْتسلم لها لأحرقتها وأحرقت هذا الوَقِح الذي يَنظر لها بلا خَجَلٍ وحياء.. وَقِح وغير مُحترم.. بلا وعي منه تَحَرَّكت قدماه وكأنَّه ذاهِبٌ إليه.. لَكن نِداء منصور نَبَّهه: فيصل شفيك!.. قاعد أكلمك وإنت خَبر خير! "نَظَر للجهة التي هُو مُسْهِبٌ فيها وبتساؤل" تطالع من هناك؟
نَفى وهو يُحاول أن يَسْتعيد اتّزانه: ما أطالع في أحد.. بس شكيت في واحد.. طلعت مشبّه عليه
: زين كنت أسألك متى عرسك؟ أي يوم بالضبط؟
وهُو يَفْتَح زِر قَميصه المفتوح زره الأول أساسًا: هذي الجمعة
ابْتَسم: زين زين.. على خير
قال بسرعة وهو يَشْعر بالاختناق يُحْكِم قَبْضته على عُنقِه: منصور بكملك بعدين ها.. لازم أمشي اللحين تأخرت على البنك
هَزَّ رأسه بتفهم: اي حبيبي الله وياك
تَحَرَّك بخطوات سَريعة يُريد مُغادرة المَكان.. اسْتطاعَ وبصعوبة أن يُشيح عيْنيه عن ذاك الرجل حتى لا يصدر منه ما لا يُحْمَد عُقْباه.. لو كان الأمر بيده لَوَسَّده الأرض بضربة واحدة.. فالشرارة قَد تطورت وأصبحت نار صَغيرة ها هُو يحترق منها والعَرَق بَدأ باخْتراق صدغه النافر منه عِرْقٌ غاضِب. كان وَجْهه مُتَجَهِّمًا ومُخْتَنِق بالاحْمرار عندما مَرَّ بجانب نَدى وجِنان التي رَماها بنظرة حــادة أَوْجَستها قَبْلَ أن يُواصل طَريقه للخارج.. نَدى بتعجُّب: أووف.. شالهنظرة!.. هذي كف مو نظرة!
اسْتَنكَرت بخفوت بحاجبَيْن مَعْقودَيْن وقد لاحظت عَيْناها اللتان تحفظه زرّي قَميصه: شفيــه!



أَغْمَضَ عَيْنيه للحظة وَهُو واقِفٌ على بُعْدِ خَمْسِ خُطواتٍ منها.. أَغْمَضَ وَقْلبهُ تَشَبَّثَ بِشَهيقٍ يُعينه على خُطْوته الجَريئة بالنسبة لوضعه.. رُبَّما هُو غير مُتَرَدِّد.. ولكنّهُ على الرَّغم من ذلك ليس مُتَيَقِّنًا من نجاح هذه الخُطوة.. لا يدري إذ هُو اتَّخذها ماذا ستكون رَدَّة الفعل وما الجَواب الذي سَيَتَلَقَّاه؟ أَسْئِلة كَثيرة تَجوس في نَفسه لكنَّها لَم تُنَحِّه عن قراره.. فترة اتّخاذ القَرار انتهت مُذ كان في هِجرته المؤقتة.. بَقِي التَّطبيق.. وَها هُو على بُعْد خُطواتٍ منه فَقط. تَحَرَّكَت قَدَماه مع احْتلال الابْتسامة لِشَفتيه.. ابْتسامة بها خِفَّة وتكسوها ثِقة طالت حَتَّى زاحَمَت حَوَرَ عَيْنه.. هُو لَم تَطَأَ قَدماه أَرْضَ الوَطَن إلا لأجْلها ولأجِل لِقاء زُمُرِّدتيها.. سَلَّمَ على زُملائه على عَجَل مُتَحَجِّجًا ببعض الأشغال الوَهمية في مكتبه.. هُو لَم يَبْدأ دوامه الرَّسمي بَعْد.. ولكنّهُ أراد أن يَفْلت من قَبْضة أَسئلتهم واستفساراتهم حتى يلتقيها.. قَبْلَ أن يأتي اسْتَعلم عن ساعات دوامها من الطَبيب حسين والذي اعتلت منهُ ضِحْكة أَحْرجتهُ غَصْبًا.. لكنَّهُ لَم يَهْتم.. فلا يُريد لأي شيء أن يُعيق وُصوله إليها.. هي آخر أمل لولادته.. هي آخر أمل لإنقاذ ذاته. أَخيرًا وَصَل إليها.. وَقَفَ على يَمينها، لَم تنتبه إليه.. كانت مُرَكِّزة في المَلف الذي بين يَديها.. كانت تَقِف عند الاستقبال الخاص بالجَناح.. مُتَّكِئة على المنضدة الطَويلة بساعديها، قَلَمٌ في يُمْناها.. ويُسْراها تُتابع الكلمات بأصابعها النَّحيلة.. هُو أيضًا اتَّكَأ على المنضدة بذراعه وجسده قد اسْتدار إليها بالكامل بوقوفٍ مائِل.. يَدهُ اليُسْرى اسْتراحت في جَيْب بنطاله.. وقدمه قَد التفت حول كاحل الأخرى.. بهدوءٍ وَهمْسٍ رَخيم: صَبــاح الخيـــر
تَجَمَّدَت أَصابعها على إحْدى الكلمات، وَعَيْناها اللتان كانتا تَقرآن تَعَثَّرتا من الصوت المُفاجئ الذي زَلْزَلَ حَواسها.. رَفَعت رَأسها مُسْتَجيبةً لهمسه، لكنَّها لَم تَسْتَدِر إليه.. وكأَنَّها تَخْشى أَن يَكون حُلْم يَتَبَدَّد إذ هي واجهتهُ ببصرها المُتَلَهِّف.. نَظرت سَريعًا للمُمرضة التي قالت بنبرة مُتفَاجِئة: دُكتر أبدولاه!
حَرَّكَ عَدسَتيه للمُمرضة: هَلوو
رَحَّبَت بهٍ بابْتسامة واسِعــة: أهلاً بعودتك
أَوْمَأ لها وبلُطف: شُكرًا
تَساءَلت بفضول: هل ستبقى هُنا أم أنَّك ستعود إلى إيرلندا؟
بابْتسامة جانبِية: سنرى "عاد بصره للتي أَنْهى هِجْرته من أجلها.. قال بخفوت وعَيْناه تُتابِعان الفَوْضى الواضِحة على جانب وَجْهها" بيصير لي دقيقة من وقفت وإنت ما قلتين لي الحمد لله على السلامة
أغْلَقت المَلف ثُمَّ اسْتَقامت في وُقوفها وَرَأسها قَد ارْتَفَعَ مُسْتَعينًا بشموخٍ متهدّل الأطراف.. انْتَزَعَت نَفَسٌ عَميق من بين مَعْركة الأنفاس التي داخلها.. رَمَشَت ثَلاث مَرَّات ببطء لتَطْمَئِن على صُمود الدَّمع في مآقيها.. شَدَّت على القَلَم ثُمَّ اسْتَدارت إليه لِتَنْفَذ إليها ريح عاتِية عَصَفت بكيانها المُضطَّرب.. اتَّسَعت ابْتسامته اسْتقبالاً للزُّمرّد.. كان يَلْتَمِع.. يَلْتمع بطريقة مُلْفِتة.. وكأَنَّهُ يُناديه إليه.. آآه ليت المَرْء يَسْتَطيع أن يَحْتَضِن عَيْني مَن يُحِب.. يَحْتضنهما بين قَلْبٍ وَنبْض ويَحْميهما من أُجاج دَمْع. نَظَرَ لساعته ثُمَّ عاد إليها وبذات النبرة الخافتة: انتهت الدقيقة
أخْفَت ارْتعاش يَدها في جَيْب معطفها الأبيض وهي تقول بصوتٍ كَرهَت خُروجه مَبْحوحًا: وليش أقول؟ بترد ترجع من مكان ما جيت
عُقْدة خَفيفة والابتسامة لم تُفارقه: برجع؟.. من قال برجع؟
حَرَّكَت كَتفها وهي تُكسي مَلامحها البرود: يقولون بتستقر هناك.. يعني أكيد بترجع.. وبعـد... "حاولت بشدّة أن تَدْفَع الإجابة للدَّاخل.. أن تَسْجنها وَسط البؤرة الناشئة منها غِيرتها.. حاولت وحاولت.. لكنَّ الكلمة كانت أقوى.. والغيرة كانت أشَد وأَعظم"... عشان حبيبتك
عُقْدة حاجِبَيه تَضاعفت وباسْتنكار: حَبيـبتـي!
الْتَفَتت جانِبًا وكأَنَّها تَتَذكر: شنو اسمها؟.. اي... "نظرت إليه بعد أن غَمَرَت مُقْلَتيها بنظرات عَدَم الاهتمام" مارينا مدري مارتينا
ارْتَخَت ملامحه وابْتسامته توسَّعت وبهمسٍ وَلَجَ إلى مَسْمَعيها رَقيقًا وَوَدودًا: ايــه.. مارتينا
كَرَّرَت: فما يحتاج أقول لك الحمد لله على السلامة وإنت بترد ترجع لحبيبتك
عَقَّبَ وابْتسامته الحالِمة تَسْتَحيل كابوسًا يَقْضِم فُتات قَلْبها ببرودٍ قاتِل: اي برجع لحبيبتي "قَرَّبَ رأسه منها قَليلاً وهُو يهمس مُرْدِفًا" ومدام عندش خَبَر عن حبيبتي فبعطيش معلومة إضافية عشان تفرحين لي "اتَّسَعَت عَيْناها وأهدابها توقَّفت عن الحَركة بِتَرَقُّب... ونَبْضها الذي أصابهُ مَسٌّ مُذ رأته، ها هُو يُضاعِف من جُنونه.... بَلَّلَ شَفَتيه قَبْلَ أن يُلْبسهما الابتسامة مُجَدَّدًا مُفْصِحًا" راح أخطبها
كَتَمَ ضِحْكته مُحاولاً ألا تنفلت منهُ الجدِّية المُصْطَنعة وهُو يرى كيف نَشَرت الصدمة جَناحيها حول ملامحها.. ازْدَرَدت ريقها بصعوبة شَديدة وازْدَرَدت معهُ صَرخة قَهر وغِيرة وانْهزام.. تَقَلَّدَت بابْتسامة مَيِّتة وهي تشعر بنصل الخَبَر يَسْتَقِر وَسَط جَواها بعُنْف.. هَمَسَت ببحَّة بَغيضة: مَبـــ ـرووك
هَزَّ رأسه: لا.. باركي لي في الوقت المناسب.. بعد ما أملج عليها "وَضَّح" طبعًا بتكونين معزومة يا زميلتي
شَتَّتت نَظراتها عنه وبضحكة ساخِرة قصيرة ومُرَقَّعة: شكله الموضوع منتهي وقريب!
أَكَّد: صحيح كل شي منتهي منه.. حتى الدبلة اشتريتها "نَظَرَت لعينيه وهُما تتخمان بحُبٍّ جَلي" دبلة تتوسطها زُمردة.. مثل لون عيونها بالضبط "وبتنهيدة لهْفة وانتظار" باقي بس موافقتها
اهْتَزَّ شَيءٌ داخلها.. تَفَحَّصَت.. كانت روحها التي أُعْدِمَ انْتقامها بَل وَانْتَحرَ حُبّها الأبْلَه.. كَم هي غبية.. ساذِجة وغبية.. أَكانت تعتقد أنَّها سَتجذبهُ إليها بهذه السهولة؟ هل سيقع في حُبّها وهي التي قابلتهُ بشخصية مَغرورة، نرجسية وهُجومية.. شخصية لا تُطاق.. شخصية بالكاد تَسْتَسيغها عائلتها، كيف بهِ وهُو الغَريب الذي لَم يَكُف عن تَجاهلها بصراحة؟ كم أنتِ غبية يا مروة وكم أنتِ مُثيرة للشفقة حقًا. عادت ورَتَّبَت عَباءة الكِبرياء على كَتِفيها.. وَجْهها اكْتساهُ شُحوبٌ مُفاجئ لَم يَفُت عَيْنيه المُنْتَبِهة لها.. نَطَقت وهذه المرة لَم تُضْعِف صَوْتها البحة.. بل أن صَوْتها خَرَج جَليـدًا.. صَلْبًا ومُنْسَلِخًا من غَصَّة البُكاء: الله يوفقك "تراجعت للخلف مُسْتَعِدة للهروب" بس ما أعتقد أقدر أجي ملجتك.. تعرف الدوام والالتزام
ضَحَك وهُو يعتدل في وقوفه قَبْلَ أن يقول بثقة: لا بتجين.. صدقيني بتجين
هَزَّت رأسها وثقته هذه تَزيد من حَطَبِ حَنقِها: يصير خير.. عن إذنك
ما إن اسْتدارت حتى أُطْلِق سَراح صَبيب عَيْنيها.. هَبَطَت دَمْعة، عَدَسَتاها تَحَرَّكتا على الفراغ بِحِيرة بَحْثًا عن سَببٍ لِهبوطها.. خسارتها وفشل انتقامها؟ تَهَشُّم حُلْم قَلْبها المُفْرِط في نَشْوته؟ أم انْكسار غُرورها الذَّليل أمامه؟ لا تدري.. لا تدري.. لكنّها كانت مُمتنة لهذه الدّمعة.. ومُمتنة للدّمعات التي توالت من بعدها.. كُنَّ كالطَّبْطبة الحَنونة التي احْتاجتها ذاتها في هذه اللحظة.. خَطَت مُبْتَعِدة عنه.. تُريد أن تنفرد بنفسها.. تُريد أن تُلَمْلِم خَسارتها للانتقام.. وخَسارتها لَه.



لا تَدري كَم ساعة بَكت وكَم ساعة مَضَت على تَدَثُّر حَواسها بالنَّوم.. اسْتَيقَظت على صَوْت أذان الظهر، ظَلَّت تَسْتمع إليه وعقلها لا يزال مُتَّخِم بالا وَعي.. انْتَهى الأذان وهي ظَلَّت ساكِنة في مكانها.. وهي مُسْتلقية على السَّرير دارت عَدَستاها على السَّقف.. الأضواء الصفراء تُنافِس عَظَمة الشَّمس بوَهْن.. اتَّكَأت على ساعديها لترفع جَسدها المُتَصَلَّب.. تَصَدَّعت ملامحها على إثر زيارة الحَركة لعضلاتها النائمة.. استوت جالِسة وبَدأت عَيناها تَجوسان خلال المَكان تَبْحثان عن وَعيٍ وجَواب.. الغُرفة البيضاء.. الفارغة من أٌلفة العَيْش والمُفْتَقِدة لِهَويَّة.. كأس الماء والدواء على المنضدة جانبها.. وهُناك التصقت بالمرآة صورته.. إذن هي غرفته.. هي نامت في غرفته! ارْتَعدت فرائصها حينما هاجمها شَبَح الليلة الماضية.. تذكرت قُربه الشَّديد بارْتجاف.. حرارة جَسده التي شَعرت بها سَتُذيب رداءها الحَريري.. أنفاسه المُصطدمة بوجهها بتخَبّط.. صَرخته المُفْزِعة وأغلال يَديه.. أغَمَضَت والنَّفَس يَعْبر صَدْرها بثِقْل.. تَشَعر أن الأنفاس المَرْعوبة قَد تَكَوَّمت فَوْق قَلبها.. ضيق.. ضيــقٌ يَحَفَّها من جَميع الجَهات.. تَشعر وكَأنَّها وَسَط مَتاهة مُدَجَّجة بالأبواب.. وهي لا تَملك مفتاحًا واحدًا لها.. أسرار كَثيرة تَحوم حَول رأسها ولا قُدْرة لها على مُجابهتها.. تَخْشى أن تَمُد يَدها إليها لِتُزيل اللّثام عنها فتُصْدَم من وَجْهها الحَقيقي.. لكنّهُ هُو مُجْبَر على إخبارها وجعلها في الصورة.. هُو بنفسه قال أنَّهما أَخان أو صديقان.. بل هُم شَريكان.. وهذه المُسَمَّيات لا بُد أن تُوَظَّف.. فكما هي سَتُفْصِح وسَتكشف.. فهو مُلْزَم بذلك أيضًا. تَحَرَّكت تارِكةً السَّرير وهي تَمْسَح وجهها وتُحاول أن تَجْمع خصلاتها الذابلة بربطة شَعرها التي وَجدتها ساقطة على الوسادة.. اتَّجهت للساعة المَرْكونة على المنضدة.. انْحنت تنظر للوقت دون أن ترفعها.. كانت تقترب من الحادية عشر والنصف صباحًا.. اسْتقامت وهي تَسْتوعب أخيرًا.. لَم تُصَلِّ الفَجْر.. هي أَصْلاً لَم تَسْمع الأذان.. يبدون أنَّ صَوْته لَم يَسْتَطِع أن يَخترق الغشاء العازل الذي شَيَّدته حواسها لإنقاذها من الواقع. توقفت عند الباب.. تعتقد أنَّهُ في المَرأب.. لكن احْتمال وجوده في غرفة الجُلوس وارد.. وبالطَّبع.. عندما خَرجت قابلتهُ جالسًا على إحدى الأرائك.. ومُذ رآها وَقَفَ بصمتٍ يُناقض الصَّخب الناطق من عينيه ومَلامحه.. شَتَّت بَصرها عنه.. كانت سَتمضي لغُرفتها.. لكنَّها في اللحظة الأخيرة تَشَبَّثت ببقايا شَجاعتها العَليلة وخَطَت إليه.. تَوَقَّفت على بُعْد خُطوات مَعقولة.. تَحميها وتعطيها مُتَّسَعًا من الوَقت والمَسافة إذ هي أرادت الفِرار والنَّجاة لو هاجمها مرة أخرى.. ازْدَرَدت خوفها وترددها.. فَضَّت يديها وكأَنَّها تنفر التراجع عنها.. نَطَقت ببَصر مُبْعَثر وأنفاس قَصيرة تَنتصف كلماتها المُبَعْثرة: أنا.. ما أعرف.. ما أعرف شي عنّك.. إنت قلت.. لازم نتعامل عادي.. احنا أخوان.. ولازم كل شي نقوله.. احنا بنتعاون.. إنت اللي قلت.. بس أنا ما أعرف عنّك.. ولا شي! والبارحة.. البارحة واجد.. وااجد أشياء صارت.. أنا شفت بعيوني.. "بحزمٍ حامٍ أكملت ووجهها يتَّقد لا يدري من غَضب أو من شيء آخر".. لكن إذا إنت ما بتقول شي.. أنا بعد.. ما بقول
أَفْرَغت آخر كلمة من جوفها الواضح انْشغاله وهَمّه.. ثُمَّ اسْتدارت عائِدة إلى غُرفتها.. زَمَّ شَفتيه ويَداه تَسْتقران على خِصْره.. أعادَ شَريط كلماتها في عقله.. تُريد أن تعرف عنه.. تُريد أن تعرفه.. أن تَطأ أرض مأساته.. لا مانع لديه.. الكلام ليس مُشكلة والاعتراف لا يُرهبه إن كانت هي المُسْتَمِعة.. لكن.. هل سَتُرَحِّب دِمائها بسُموم حَقيقته؟ سَتَتمازج معها برضا على الرَغم مما سَتَبَثّه من وَجِعٍ قاهِر؟ هل أنتِ جاهزة ملاك؟ هل ذاتكِ مُحَصَّنة ضد الفَقد؟






يتبع





 توقيع : إرتواء نبض



رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معــلومـاتــ شاملهـ عنــ ـالفشلــ ــالكلويــ !! ـرسم ـالخ ـيالـ …»●[لكل داء دواء ولبــدنكـ عليكـ حق]●«… 16 02-18-2009 09:32 AM
فضل يوم عرفة εϊз šαđέέм εϊз …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… 14 02-15-2009 11:47 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية