أسباب هلاك الأمم السابقة في القرآن الكريم: تفسير قوله تعالى (فكلا أخذنا بذنبه) عاقبة الطغيان في الأرض

أسباب هلاك الأمم السابقة في القرآن الكريم
تفسير قوله تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ﴾ [العنكبوت: 40]
عاقبة الطغيان في الأرض

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين؛ إنك حميد مجيد.

نتناول موضوعًا تحت عنوان: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ﴾ [العنكبوت: 40]، وهذه الآية من سورة العنكبوت، يتحدث الله تعالى فيها عن الأمم التي طغت وظلمت، وقتلت العباد ظلمًا، ورفضوا أن يعبدوا الله جل في علاه، ورفضوا أن يستجيبوا لأمر الله، ورفضوا أن يتبعوا المرسلين، وطغَوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، فكانت عاقبتهم أن الله تعالى صبَّ عليهم سوطَ عذاب، لماذا؟ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 14].

قصة هلاك فرعون:
هذا فرعون طغى في الأرض، وأبَى أن يؤمن بموسى عليه السلام، ويقر له أنه نبي من أنبياء الله، وأبى فرعون أن يؤمن بالله تعالى.

أرسل الله جَلَّ وَعَلَا لفرعونَ موسى عليه السلام ليدعوَه إلى الله؛ فأبى فرعون وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، وقال: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51].

وبدأ فرعون بقتل الأطفال، وأخذ النساء بالسُّخرة والخدمة، أبى أن يقتل النساء، فأخذ النساء الحرائر وحولهن إلى إماء في الخدمة، هذا ما فعله فرعون، وهذا من الظلم.

وأما الأطفال فقتل أطفالهم، لم يترك طفلًا واحدًا إلا قتله، لماذا؟
لأنه قد علِم من الكهنة والسحرة أن هناك طفلًا سيخرج يكون هلاك ملك فرعون على يد هذا الطفل، فانظر إلى الظلم والطغيان بدأ يقتل جميع الأطفال، وكان جنود فرعون يعينونه على الظلم وعلى القتل؛ لذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8]، فالله تعالى ذكر أيضًا أن الجنود كانوا خاطئين، لأنهم أطاعوا فرعون في الظلم، وهم كانوا يعلمون أن ما يفعله فرعون إنما هو الظلم بعينه، فماذا كانت النهاية؟

فرعون طغى وتكبر، وبدأ في ظلم العباد وسفك الدماء، فكانت العاقبة أن الله تعالى أمهله، وفي الحديث: ((إن الله لَيُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه))، ((إن الله ليملي للظالم)): يعطيه مهلة، وقد تكون المهلة طويلة، حتى يظنَّ الظالم أن الله لا يقدر الله، جل الله وتعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا؛ فالله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42، 43].

فظن فرعون لعنه الله أنه لا يستطيع أحد أن يغلبه، ونظر إلى موسى نظرة استضعاف: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52]، وصف موسى عليه السلام بأنه مَهين ولا يكاد يبين، فرعون يتحدث عن نفسه بالمقارنة مع موسى، موسى نبي من أنبياء الله.

تصف نبيًّا بأنه مَهين وأنت العظيم يا فرعون، ويصف موسى عليه السلام بأنه لا يكاد يبين؛ يعني إذا تحدث لا يستطيع أن يشرح ويوضح؛ لأن موسى عليه السلام كان في لسانه عيبًا.

الثقل الذي كان في لسان موسى عليه السلام لم يكن عيبًا أصليًّا، والمشهور أنه عيب طارئ بسبب جمرة كان قد وضعها في فمه وهو صغير، كما ذكره بعض المفسرين.

قيل: إنها اللدغة؛ يعني عيبٌ في النطق، وهذا لا يخل برسالته كنبيٍّ؛ قال: ﴿ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ﴾ [الزخرف: 52]، لا يستطيع التحدث.

كانت عاقبة فرعون أن الله تعالى انتقم منه ومن جنوده شر انتقام، كيف تم ذلك؟

خرج موسى عليه السلام ومن آمن برسالة بموسى.

وموسى وهارون كانوا من أنبياء الله، إخوة أشقاء وكانوا أنبياء أيضًا؛ قال تعالى على لسان موسى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 29 - 36].

ثم قال له تعالى: ﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 43 - 46]، انظر إلى الطغيان وعاقبة الطغيان، فماذا حدث؟

أراد فرعون أن يخرج بجنوده وأن يدركوا موسى ومن آمن معه؛ لأنهم تركوا عبادة فرعون وأن يقتلوهم جميعًا على بكرة أبيهم: ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى ﴾ [الشعراء: 61]، الذين خرجوا معه، ليس معهم سلاح وليس معهم عتاد، وقد فرعون خرج ومعه أقوى الأسلحة في ذلك الزمان، معه عرباته المدرعة، ومعه الخيول، ومعه الجنود، من المشاة والفرسان.

قال أصحاب موسى: البحر أمامنا، وفرعون وجنوده خلفنا، فماذا نفعل يا موسى؟
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]؛ يعني: هالكون؛ البحر أمامنا والعدو خلفنا، ﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فبماذا رد عليهم موسى عليه السلام؟ رد عليهم بلسان الواثق بالله الذي يُحسن الظن بربه: ﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، وهذه صفات القادة الربانيين، لا ينظرون إلى الأسلحة المادية التي في أيدي العدو؛ كما قال عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: "نحن لا نُنصر على عدونا بكثرة عتادنا، ولا بكثرة أعدادنا، وإنما نُنصر عليهم بطاعتنا لله، ومعصيتهم لله، فإذا استوينا معهم في المعصية غلبونا".

لأنهم أكثر منا عتادًا وعُدَّة، فالقاعدة دائمًا عند القادة والفاتحين الأوائل أن النصرة والغلبة تكون بإذن الله وبأمر الله، ونأخذ بالأسباب قدر ما نستطيع؛ لكن القاعدة الربانية: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].

فماذا حدث؟
ضرب موسى عليه السلام عصاه في البحر، فانفلق فكان كل فِرْقٍ كالطود العظيم؛ يعني كالجبل الشامخ؛ قال تعالى: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63].

وأنجى الله موسى عليه السلام ومن آمن معه، أنجاهم الله جَلَّ وَعَلَا من فرعون وجنوده المدجَّجين بالسلاح، فإذا بفرعونَ يأخذه الغرور، ودائمًا المتكبرون فيهم الكِبر والغرور والغَطرسة.

دخل من آمن خلف موسى في هذا، في شقٍّ في البحر، فدخلوا فيه فإذا بالمياه تُغرق فرعون، وتًغرق جنود فرعون: ﴿ حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ ﴾ [يونس: 90]؛ أي: فرعون، ﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]، الآن جئت يا فرعون تؤمن بأن البحر انشق لضعفاء أهل الإيمان، انشق البحر لهم معجزة لنبي الله موسى عليه السلام، الآن يا فرعوت جئت تؤمن وتقول: ﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ ﴾ [يونس: 90]، فلم ينفعه ذلك.

قال الله تعالى: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92]، الله جعل فرعون يبقى إلى اليوم في المتاحف ليكون لمن خلفه آيةً ألَّا يتكبروا على أمر الله، فلا تغرك قوتك يا فرعون ويا جنود فرعون، لا تغرنَّكم قوتكم، فإن الله سبحانه قادر على كل شيء، إنما أمره بين الكاف والنون، يقول للشيء: كُن، فيكون، فالله تعالى لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

قصة هلاك قارون:
وهذا شخص آخر ذكر الله تعالى قصته في القرآن الكريم، اسمه قارون وكان من قوم موسى، ولكنه بغى عليهم، وكانت عنده أموال وكنوز، وكانت عنده خزائن الكنوز لها مفاتيح هذه المفاتيح يصعُب على الرجال أولي القوة أن يحملوا المفاتيح، فما بالك بالأبواب، وما بالك الخزائن؟!

فقال أهل الإيمان لقارون: يا قارون، اتق الله في هذا المال الذي عندك، وارعَ حق الله في المال الذي عندك، وتصدق من المال الذي عندك، فالله كما أعطاك هذا المال قادر أن يأخذه منك، كلام معقول وكلام رزين، أهل إيمان يعِظون قارون، وقارون كان من قوم موسى، فلم يستجِب لأهل الإيمان؛ وقال: ﴿ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، قارون خرج على قومه في زينته، حوله الجنود والخدم وخرج في أُبَّهَةٍ، وفي سلطان وملابس مبهرة، ورأس عليها التيجان المرصَّعة بالجواهر: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [القصص: 79].

المهم أن عقاب الله جَلَّ وَعَلَا نزل بقارون؛ قال تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، فلله تعالى جنود: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31].

في قصة فرعون سلَّط الله عليه الماء بالإغراق، وفي قصة قارون سلَّط عليه الخسف، والخسف جند من جنود الله، وهناك المسخ.

وهناك فرق بين الخسف والمسخ:
الخسف أن قرية فوق ظهر الأرض، الله تعالى خسف بها الأرض وأصبحت تحت سطح الأرض، هذا هو الخسف، وأما المسخ، فكأن يتحول الإنسان إلى قرد أو خنزير، والله تعالى عاقب بني إسرائيل أن مسخهم قردة وخنازير.

فمن جنود الله الخسف؛ قال الله تعالى عن قارون: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، ثم قال: ﴿ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ [القصص: 81، 82].

ولا تظنوا أن ما فيه جيش الاحتلال من قوة وبطش، فإنما هذا استدراج من الله تعالى: ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ [النحل: 1]، سيأتيهم عقاب الله تعالى؛ لأنهم ظلموا وطغَوا وبغَوا، واستخدموا القوة المفرطة مع الأطفال ومع النساء ومع الشيوخ الرُّكَّع في فلسطين، فلا تظن أن عذاب الله عنهم بعيد.

قصة هلاك النمرود بن كنعان:
هذا النمرود بن كنعان وكان ملكًا، فقال له إبراهيم عليه السلام: آمِنْ بالله تعالى، النمرود قال: أؤمن بمن؟ قال: أؤمن بالله الذي يحيي وأميت، قال: أنا أحيي وأميت؛ قال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ﴾ [البقرة: 258].

فماذا حدث للنمرود بن كنعان؟
سلط الله جَلَّ وَعَلَا عليه بعوضة واحدة دخلت من أنفه، واستوطنت في رأسه، فكان لا يهدأ حتى يُضرب بالنعال على رأسه.

والنمرود بن كنعان قصته مذكورة في القرآن الكريم؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258].

كل إنسان يتمرد على الله وعلى شرع الله ويظلم العباد، فلينتظر العاقبة الوخيمة من الله تعالى.

قصة هلاك عاد:
انظر إلى قوم عاد وقوم ثمود، ماذا حدث لهم؟
ذكر الله تعالى في سورة الحاقة أنه سلط على قوم عاد ريحًا صرصرًا؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6 - 8].

وفي آية أخرى: ﴿ فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ﴾ [فصلت: 16].

قال تعالى: ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ ﴾ [فصلت: 16].

جاءهم النحس، وجاءتهم الريح العاصف التي تدمر كل شيء بأمر ربها: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 25].

قدرة الله لا تحدها حدود، وإذا اشتد غضب الله دمَّر كل شيء.

قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [فصلت: 17].

قصة هلاك قوم لوط عليه السلام:
وهذا نبي الله لوط عليه السلام كان في زمن نبي الله إبراهيم عليه السلام، كان نبيًّا ومعه نبيٌّ في نفس الزمان.

لكن إبراهيم عليه السلام كان نبيًّا ورسولًا، أما لوط كان نبيًّا فقط، والرسول أعلى مقامًا من النبي.

أُرسل لوط عليه السلام إلى قوم فيهم الشذوذ الجنسي، أو المثلية الجنسية، يأتي الرجلُ الرجلَ ويستغني به، وتأتي المرأة المرأة وتستغني بها، لا يوجد زواج؛ قال تعالى: ﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 160].

قال تعالى: ﴿ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [الأعراف: 80، 81].

وأجمع العلماء قاطبة على حرمة السحاق بين النساء، وعدُّوه من كبائر الذنوب.

فقد جاء في كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر)، الكبيرة الثانية والستون بعد الثلاثمائة: مساحقة النساء؛ وهو أن تفعل المرأة بالمرأة مثل صورة ما يفعل بها الرجل، كذا ذكره بعضهم؛ واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: ((السحاق زنا النساء بينهن))؛ [انتهى].

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: "لا خلاف بين الفقهاء في أن السِّحاق حرام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((السحاق زنا النساء بينهن))، وقد عدَّه ابن حجر من الكبائر؛ [انتهى].

وقد حكى بعض المفسرين أن من أسباب هلاك نساء قوم لوط أنهن كن يفعلن هذه الفعلة الشنيعة؛ لأنه لما استغنى رجالهم بالرجال عن النساء، ولم تجد النساء من يقضي وطرهن من الرجال، استغنى بعضهن ببعض عن الرجال.

جاء في تفسير الألوسي رحمه الله: "وبدأ أيضًا السحاق في قوم لوط عليه السلام فكانت المرأة تأتي المرأة؛ فعن حذيفة رضي الله تعالى عنه: إنما حق القول على قوم لوط عليه السلام حين استغنى النساء بالنساء، والرجال بالرجال، وعن أبي حمزة رضي الله تعالى عنه: قلت لمحمد بن علي: عذب الله تعالى نساء قوم لوط بعمل رجالهم، فقال: الله تعالى أعدل من ذلك؛ استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء"؛ [انتهى].

فتبين بهذا حرمة هذه الفعلة الشنيعة التي تخالف الفطرة السليمة، وتنفر منها الأخلاق المستقيمة، ولا ينبغي لمسلم أن يشك في حرمة هذا الفعل، وكيف يشك في ذلك وقد اشتمل على جملة من كبائر الذنوب؛ فمن ذلك كشف العورات، والنظر إليها بغير ضرورة ولا حاجة، ومنها اشتمالها على لمس العورة بشهوة، وهذا كله حرام بإجماع المسلمين.

في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد)).

قال النووي رحمه الله: "ففيه تحريم نظر الرجل إلى عورة الرجل، والمرأة إلى عورة المرأة، وهذا لا خلاف فيه، وكذلك نظر الرجل إلى عورة المرأة، والمرأة إلى عورة الرجل حرام بالإجماع، ونبه صلى الله عليه وسلم بنظر الرجل إلى عورة الرجل على نظره إلى عورة المرأة، وذلك بالتحريم أولى"؛ [انتهى].

وشرع الله منذ أن خلق آدم الزواج؛ زواج الرجل من امرأة من أجل الإنجاب، فهؤلاء قوم تمردوا على الله، فدعاهم لوط عليه السلام إلى ترك هذا الأمر؛ وقال: ﴿ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ﴾ [هود: 78]، ونصحهم.

قال تعالى: ﴿ قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ﴾ [هود: 79]؛ قالوا: ليس لنا في بناتك من نصيب، لا نريد هؤلاء البنات، وكان الملائكة يأتون لنبي الله لوط في هيئة رجال من شباب، فجاؤوا وطمعوا أن يمارسوا فحشهم وظلمهم مع الملائكة الذين هم ضيوف لوط عليه السلام، فماذا حدث؟

لما جاء وعد الله سبحانه وتعالى، وجاءت ساعة الهلاك؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 82]، هذه القرى وهذه المدن التي شيدوها، ولم يشكروا نعمة الله، ولم يستجيبوا لأمر الله، ولم يمشوا على شرع الله، بل ظلموا وطغوا وبغوا، فكانت العاقبة أن جبريل عليه السلام أُمِرَ أن يحمل هذه القرى على ريشة من جناحه، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم.

ورد في السنة النبوية في أمر تعذيب قوم لوط أن جبريل ضربهم بجناحه، فطمس أعينهم، وأذهب بصرها؛ [رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين بإسناده].

قال ابن جرير الطبري في تفسيره:
"قوله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى ﴾ [النجم: 53]؛ يقول: والمخسوف بها، المقلوب أعلاها أسفلها، وهي قرية سَدُوم قومُ لوط، أهوى الله، فأمر جبريل صلى الله عليه وسلم، فرفعها من الأرض السابعة بجناحه، ثم أهواها مقلوبةً، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"؛ ا.هـ.

لقد أدخل في قُراهم ومدنهم وكانت أربعة أو خمسة، واقتلعهن من أصلهن وقرارهن بمن فيهن من قوم لوط الكافرين، وكانوا كما قيل: أربعمائة ألف شخص، وما معهم من البهائم فرفع الجميع حتى بلغ بهن عَنان السماء، حتى سمع الملائكة الذين في السماء الأولى أصوات دِيَكَتِهم ونباح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها؛ أي: لم يردها كما كانت، وإنما ردها مقلوبة بمشيئة الله وقدرته، من دون تعب ولا مشقة، وأرسل عليهم صيحة من السماء وأمطر عليهم حجارة من سجيل؛ يقول الله تعالى: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ﴾ [الحجر: 73، 74].

ويقول تعالى في آية أخرى: ﴿ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ﴾ [هود: 82، 83]؛ أي: يتبع بعضها بعضًا في نزولها عليهم من السماء، قيل: أي مُعَلَّمةً مكتوبًا على كل حجر اسم صاحبه، الذي يهبط عليه فيدفعه ويقتله.

ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ [النجم: 53 - 55]، والمؤتفكة هي قرى قوم لوط عليه السلام، قيل: أي: قلبها فأهوى بها منكَّسة، عاليها سافلها، وغشَّاها بمطر من حجارة من سجيل متتابعة، وكانت مسومة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي سقط عليه، وما إن أشرقت الشمس حتى كانت القرى بمن فيها خرابًا ودمارًا؛ يقول تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

ثم قال الله: ﴿ جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ﴾ [هود: 82]، حجارة ضخمة من السماء تحرقهم وتدمر بيوتهم، كل ذلك لأنهم تمردوا على أمر الله: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا ﴾ [العنكبوت: 40]، والله تعالى تحدث عن ظلم البشر، وأن الله تعالى يمهلهم ليتوبوا ويتراجعوا، لكنهم يستمرون في غيِّهم، فوالله لن تنفع إسرائيلَ أمريكا تدفعهم، إذا جاء وعد الله الحق لن تنفعهم دول أوروبا بأكملها، وسيدمر الله جَلَّ وَعَلَا الظالم ومن أعان الظالم.

من الدروس المستفادة:
أنْ نتعلم أنَّ قصص القرآن مليئة بالعِظات والعِبر، من ظَلَم وطغى وتكبر، قصة فرعون، قصة النمرود بن كنعان، وقصة قارون، قصة قوم لوط، قصة عاد وثمود، قصة أصحاب الفيل، وغيرها، وغيرها، القرآن مليء بالعبر.

وحين ذكر الله تعالى في سورة الفجر: ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ﴾ [الفجر: 7 - 14].

فلا يظن الذي يظلم أهل فلسطين، ذلك الجيش المدجج بالسلاح والعتاد، وبأحدث الأسلحة والصواريخ، والقاذفات والبوارج البحرية، إلى عائلات من العزل، من النساء والأطفال وقصف المدنيين، والقتل على الهوية؛ لأنهم مسلمون، فمنذ أن أُنشئ هذا الكيان بين بلاد الإسلام، وقد تآمروا على أن يخرجوا أهل فلسطين، وطريقة الإخراج ظالمة جائرة؛ يقتلون الأطفال والعجائز وكبار السن ليخاف الناس، هؤلاء أرادوا أرضًا بلا شعب، وكانت الأرض عامرة بأهلها قبل سنة 1948م، فأرادوا أن يُخرجوا هذا الشعب المسلم؛ هدَّموا بيوتهم، وهدَّموا مساجدهم وهدَّموا مدارسهم، بل شربوا الخمور في مساجد المسلمين، في قرى فلسطين التي لها تاريخ إسلامي مجيد، قتلوهم على الهوية، أنت مسلم تُقتل، وحدثت هناك مقابر جماعية في الثلاثينيات وفي الأربعينيات ولا زال، وأعطى من لا يملك لمن لا يستحق، أُعطيَ الحق ليهود العالم ليجتمعوا في أرض الإسلام، وأن يتخذوها وطنًا قوميًّا لهم، ولكل ظالم نهاية.
لا تَظلِمَنَّ إِذا ما كُنتَ مُقتَدِرًا
فَالظُّلمُ مَرتَعُهُ يُفضي إِلى النَّدَمِ
تَنامُ عَينُكَ وَالمَظلومُ مُنتَبِهٌ
يَدعو عَلَيكَ وَعَينُ اللَهِ لَم تَنَمِ

أسأل الله جل في علاه أن ينصر المستضعفين في فلسطين، اللهم انصرهم بنصرك وأيدهم بتأييدك، يا قوي يا متين، اللهم أرِنا في اليهود يومًا كيوم عاد وثمود، اللهم أدِرِ الدائرة عليهم يا رب العالمين، اللهم اشفِ صدور قوم المؤمنين، اللهم قوِّ إخواننا المرابطين في أرض فلسطين يا رب العالمين، اللهم سدِّد رميتهم، وقوِّ شوكتهم، اللهم يا هازم الأحزاب، ويا مجري السحاب، فرِّق جموع الكافرين، وفرِّق جموع المشركين، وفرِّق جنود الكافرين، اللهم اجعل بأسهم بينهم شديدًا، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، اللهم اجعل تدبيرهم تدميرًا لهم يا رب العالمين، اللهم اكتب لنا صلاة في المسجد الأقصى قبل الممات يا رب العالمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح

جزاك الله خير

جزاك الله خير

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نجم الجدي

الله يعطيك العافيه على الطرح
اللي كله ابداااااااع

حضوري شكر وتقدير لك
ولاهتمامك في مواضيعك

اخوك
نجم الجدي

يسلمو على المرور

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجنون قصايد

بيض الله وجهك
طرح واختيار روعه للموضوع
لاحرمك الله رضاه

‏لك كل
تقديري واحترامي


مجنون قصآيد

يسلمو على المرور

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مديونه

لجهودك باقات من الشكر والتقدير

على روعة الطرح

يسلمو على المرور

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة روح الندى

جزاك الله خير

يسلمو على المرور