![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
![]() الحلقةالتاسعة********
أخيرا جاء دوري ! صرتم تعرفونني جميعا ... اسمي رغد ، و أنا يتيمة الأبوين أعيش في بيت عمّي الوحيد شاكر منذ الطفولة . أنهيت دراستي الثانوية مؤخرا و أفكر في الالتحاق بكلية للفنون و الرسم . أعشق الرسم كثيرا و أنا ماهرة فيه . الجميع يعرفني برغد المدللة ، حيث أنني تعودت منذ الصغر الحصول على كل ما أريد ، و بأي طريقة ! اليوم نقيم في منزلنا الصغير حفلة متواضعة بمناسبة تخرجي من المدرسة الثانوية . لم يتسن لنا إقامتها قبل الآن لأن والدتي ـ أي زوجة عمي ـ كانت متوعكة الصحة . في الواقع ، صحة والدتي ليست على ما يرام منذ سنين ... دانه تبالغ في وضع المساحيق لتبدو ملفتة للنظر ! رغم أنها لم تكن ترحب بفكرة الحفلة ، إذ أننا لم نقم حفلة عند تخرجها ، إلا أنها مصرة على سرقة الأضواء مني هذه الليلة ! " إنها حفلة بسيطة و لا تقتضي منك كل هذا ! تبدين كعروس بكامل زينتها ! " قلت لها و أنا واقفة أراقبها و هي ( مزروعة ) أمام المرآة منذ ساعات ! لم تلتفت إلي ، و قالت : " ما دمنا قد دعوناهن، فلنبهرهن ! قد تعجب بي إحداهن فتخطبي لأخيها مثلا ! " و ابتسمت بدهاء ! أنا أعرف من تقصد تحديدا ... لديها صديقة من عائلة ثرية جدا و شقيقها رجل تحلم نصف فتيات العالم بالزواج منه ، أما النصف الآخر فيبغضه بشدة ! إنه لاعب كرة قدم مشهور و صوره تملأ الصحف و المجلات و برامج التلفاز أيضا! قلت : " لا أعرف ما الذي يعجبكن في شخصية كهذه ! إنه حتى لا يتوقف عن توزيع الضحك و الابتسامات و كأنه مهرج ! " نظرت إلي بحدة من خلال المرآة ، ثم قالت : " على كل ٍ ، الأمر لا يعنيك فأنت أخذت نصيبك و انتهى دورك ! " ثم انشغلت بتزيين خصلة من شعرها بسائل ملمّع ... صرفت نظري عنها ، إلى يدي اليمنى ، بالتحديد إلى إصبعي البنصر ، و بمعنى أدق ، إلى خاتم الخطوبة الذي أضعه منذ سنين ... بمجرد أن بلغت الرابعة عشر من عمري أي قبل ثلاث سنوات و أكثر ، تم عقد قراني على ابن عمي سامر ... و بقينا مخطوبين حتى إشعار آخر . سامر ... يكبرني بخمس سنوات تقريبا ، و ما أن تخرج من الثانوية حتى بادر بطلب الزواج مني والدي ، بل و والدتي و دانة أيضا ... الجميع كان يريد ذلك ، فأنا أصبحت فتاة بالغة و لم يكن من الممكن بقائي و ابن عمي في بيت واحد دون حرج على كلينا عدا عن ذلك ، فإن سامر يحبني بجنون ! كما و أنني كنت السبب في الحادث الذي شوه وجهه ، و قلل فرصه لنيل إعجاب الفتيات قطعا أما أنا ، و بالرغم من كوني جميلة أيضا ، إلا أن هذا الخاتم يصرف الجميع عن الالتفات إلي ... على أية حال نحن لا نفكر في الزواج الآن فسامر لا يزال يبحث عن وظيفة و أنا أطمح إلى الحصول على شهادة جامعية ... نبهتني دانة من شرودي الذي لاحظته من خلال انقطاعي عن التعليق المستمر على مظهرها قالت : " أين سرحت ؟ ألن تبدلي ملابسك ؟ إنهن على وشك الوصول ! " غادرت غرفتها و اتجهت إلى غرفتي ، حيث ارتديت فستاني الجديد الرائع ... و الذي أضطر والدي لشرائه لي رغم ارتفاع ثمنه ، فقط لأنني قلت : أريده لي ! كان فستانا خمري اللون مطرزا بخيوط ذهبية ، طويل الذيل ، و بدون كمّين ، مما يسمح للندبة القديمة في ذراعي اليسرى بالظهور ... أكملت زينتي و تحليت بطقم العقد الذهبي الذي أهدتني إياه والدتي قبل أيام ... حينما لففت السوار حول معصمي الأيسر ، لم يبدُ منظره متناسقا مع الساعة ... إذ أن السوار ذهبي بينما الساعة فضية اللون ... هممت بخلعها ، لكنني لم أستطع ... لا أريد أن أبقيها بعيدة عني في هذه الليلة ... لطالما كانت قريبة مني و ملتصقة بي ... لم أكن آبه لتعليقات زميلاتي المزعجة حول ارتدائي لساعة رجالية ! إنها شيء لا أستطيع التخلص منه ... تماما كهذه الندبة ! نزعت السوار الذهبي ، و حاولت لفه حول معصمي الأيمن ففشلت ! " سحقا ! " صحت بغضب ، في ذات اللحظة الذي طرق فيها الباب ... لابد أنها دانه جاءت تقارن بين مظهرينا كالعادة ! " ادخل " قلت ذلك و أنا مازلت أحاول إغلاق السوار بيدي اليسرى حول معصمي الأيمن دون جدوى " مساء الخير ! " لم يكن هذا صوت دانه ، بل سامر رفعت بصري إليه و باندفاع قلت : " سامر ، هل لا أغلقت هذه قبل أن أحطمها ؟ " و أقبلت نحوه أمد إليه بمعصمي الأيمن و بالسوار ... " رويدك ! هاتي .. " و أغلق السوار حول يدي اليمنى ، فسحبتها إلا أنه أمسك بها و قال : " تبدين رائعة ! جدا " تورد خداي خجلا .. ثم قلت : " مساء النور ... ! هل قلت ُ ذلك ؟ " ابتسم ، و قال : " لا أظن ! " " إذن مساء النور ! " ثم سحبت يدي فأطلقها توجهت إلى سريري ألملم الأشياء التي بعثرتها أثناء تزيين نفسي ، و دخل سامر و أغلق الباب ... " رغد " ناداني بصوت مرح و بابتسامة مشرقة ، و سعادة تملأ عينيه " نعم ؟ " أقبل نحوي ، و عاد يمسك بيدي و قال : " لدي خبر سار جدا " ابتسمت و قلت : " هات ؟ " " لقد عثرت على فرصة ذهبية للعمل في وظيفة مرموقة " فرحت كثيرا ! قلت بسرور : " حقا ! أوه أخيرا ... ممتاز ! " شد سامر قبضته على يدي و قال منفعلا : " أخيرا ! كم أنا سعيد و لا يتسع صدري لفرحتي هذه ! سأحصل على راتب عظيم ! " بالنسبة لنا فهذا شيء مهم جدا ، لأن أحوالنا المادية كانت في انحطاط بسبب ظروف الحرب ، و كنا بحاجة لدعم مادي جيد . قلت : " متى تباشر العمل ؟ " " حالما أنهي الإجراءات اللازمة . سأحاول إتمامها خلال يومين أو ثلاثة " " وفقك الله " قرب سامر يدي من صدره ، و قال : " يجب أن نحدد موعد الزواج " تفاجأت ، فنحن لم نتحدث عن الزواج بجدية بعد ... حالما رأى سامر علامات التعجب ظاهرة على وجهي قال : " عملي سيكون في مدينة أخرى ، و أريد أخذك معي " سحبت يدي مجددا ، في توتر .. فالخبر قد فاجأني ، و لم يعجبني ... قلت : " في مدينة أخرى ؟ ... لم عليك الذهاب لمدينة أخرى ؟ " قال : " تعرفين كم هو صعب العثور على وظيفة جيدة بسبب ظروف البلد ... إنها فرصة لا يمكنني رفضها مطلقا . أخبرت والدي ّ فشجعا ذهابي " صرفت نظري عنه إلى الأرض بضع ثوان ، ثم عدت أنظر إليه و قلت : " و شجعا زواجنا ؟ " ابتسم ، و قال : " لم أذكر ذلك لهما بعد . أود أن نناقش الأمر نحن أولا " من البرود الذي اعترى تعابيري أدرك سامر عدم موافقتي ، فقال : " لم لا ؟ " قلت : " و الكلية ؟؟ " قال : " الكلية ... هل هناك ضرورة لها ؟ " " بالطبع ... أريد أن أدرس ، إنها فرصتي " صمت سامر قليلا ، ثم قال : " اصرفي نظر عنها يا رغد أرجوك ... أنا لا أريد تضييع الفرصة ، كما لا أريد العيش وحيدا هناك ... تعلمين أنني لا أستطيع الابتعاد عنك ... " و أخذ ينظر إلى نظرات رجاء و أمل ... كنت على وشك قول : لنؤجل النقاش في الأمر لوقت أنسب لأن ضيفاتي على وشك الوصول ، إلا أن طرق الباب سبقني ، و دخلت دانة مباشرة و هي تقول : " رغد ! ألم تنتهي ؟ وصلت نهلة ! " التفتنا أنا و سامر نحو دانة ، و التي أخذت تحدق بي قليلا ثم التفتت إلى سامر و قالت : " أنت هنا سامر ؟ قل لي كيف أبدو ؟ أليس فستاني أكثر جمالا من فستان رغد ؟ " سامر أخذ يدور ببصره بيننا ثم قال مداعبا : " أنا لا أصلح للحكم بين خطيبتي و أختي ! فخطيبتي ستبدو أجمل في كل مرة ! " ثم انصرف مسرعا و هو يضحك . بقينا نحن الاثنتان كل منا تتأمل الأخرى ، حتى وقعت عينا دانه على ساعة يدي ، فقالت بحدة : " رغد ! ستبدين في منتهى السخافة هكذا ! اخلعيها و لا تحرجينا أمامهن ! " نظرت إليها بغضب و قلت بعناد : " لن أخلعها ، و سأظل الأجمل أيضا ! " في غرفة الضيوف حيث نقيم الحفلة ، وجدت نهلة و سارة ، ابنتا خالتي قد وصلتا و كانتا أول من حضر . " واو ! فستان رائع ! ما أجمله يا رغد ! " قالت نهلة و هي تبعد يدها بعد مصافحتي ... نهلة كانت صديقة طفولتي الأولى ، و انتقلت مع عائلتها للعيش في هذه المدينة مثلنا أيضا منذ سنين ، و لا تزال أفضل صديقة لدي . أما سارة فهي الشقيقة الوحيدة لنهلة ، و تصغرني بست سنوات ، و تلازم نهلة كالظل ! " هل أعجبك حقا ؟ اشتراه والدي بسعر مرتفع ! إنني أعامله كأي قطعة من حليي هذه ! " ابتسمت نهلة و قالت : " كم أحسدك ! لديك أب يدللك كما لا يدلل والد ابنته ! رغم أنك لست ابنته الحقيقية ! " هذه الكلمة تزعجني كثيرا ، فأنا لا أحب أن يشير أحد إلى والدي ّ بأنهما ليسا والدي ّ الحقيقيين . إنني اعتبرتهما كذلك منذ الصغر و لا أعرف والدين غيرهما مطلقا . قلت بنبرة مازحة : " لأنني البنت الصغرى ، و آخر العنقود ... يجب أن أتدلل ! " ثم نظرت إلى سارة و قلت : " أليس كذلك سارة ؟ " أجابت ببرود : " كما تقول أختي " رفعت نظري عن هذه الفتاة البليدة ، و عدت أخاطب نهلة : " و كيف حال خالتي و زوج خالتي ؟ و حسام ؟ " أجابت : " بخير جميعا ! حسام أوصلنا إلى هنا و أظنه يلقي التحية على والدك الآن " ثم أضافت ، و هي تنظر إلي من زاوية عينها بخبث : " و على فكرة ، هو يبعث إليك أيضا بتحية حارة مشتعلة !! " رفعت إصبعي السبابة الأيمن و ضربت جبينها ضربة خفيفة و أنا أقول : " لا تتوبين ! " و انبعث ضحكاتنا تملأ الأجواء . ما إن حضرت صديقتنا الثرية حتى استقبلتها دانه استقبالا حميما ، و أولتها اهتماما مركزا طوال الحفلة ! أتساءل ... هل هذا ما يحدث مع جميع الفتيات ! هل يجذبن العرسان إليهن بهذه الطريقة ؟؟ حقيقة لا أعرف ! بينما كنا في أحاديثنا المتواصلة في الحفلة ، سألتني هذه الصديقة : " هل أنت مخطوبة ! " و كانت تنظر إلى خاتم الخطوبة المطوق لإصبعي ، و في دهشة واضحة ! تولت دانة الإجابة بسرعة : " ألم أخبرك مسبقا ؟ إنها و شقيقي مرتبطان منذ زمن ! " قالت الصديقة : " و لكن ... تبدين صغيرة ! " و مرة أخرى تدخلت دانة قائلة : " تصغرني بعامين و بضعة أشهر ، لكن حجمها صغير ! " صحيح أن طولي لا يقارن بطول دانه أو سامر ، لكنني لست قصيرة ! بل هما الطويلان كما هما أبي و أمي ! إنني أبدو بالفعل لست من هذه العائلة ! قلت مداعبة : " هذا يجعلني قادرة على ارتداء الأحذية الأنيقة ذات الكعب العالي المتماشية مع الموضة ! على العكس من دانة ! " و ضحكنا جميعا بمرح ... قضينا سهرة ممتعة أنستني تماما موضوع سامر الأخير . و بعد الحفلة ، أويت إلى فراشي مباشرة و نمت بسرعة ، دون أن يخطر الموضوع ببالي . في اليوم التالي ، و فيما أنا منشغلة برسم لوحة جديدة في غرفتي ، جاءني سامر ... " ألم تتعبي ؟ قضيت فترة طويلة في الرسم ! " " الرسم لا يتعبني مطلقا يا سامر ، بل أهواه و أجد راحة كبرى أثنائه و سعادة غامرة لا أجدها مع أي شيء آخر " قال : " و لا حتى معي أنا ؟؟ " كان سامر يقف إلى جانبي يتأمل رسمي الجديد ... و كنت أنا أدقق النظر في اللوحة و ألقي عليه نظرة بين الفينة و الأخرى و حين نطق بجملته الأخيرة هذه ، أطلت النظر إليه ، فشعرت بالخجل و طأطأت رأسي " رغد ... " لم أجب ... مد سامر يده فامسك بوجهي و رفعه للأعلى ... قال : " رغد ... هل فكرت بموضوعنا ؟ " في تلك اللحظة فقط تذكرت الموضوع ! آه يا إلهي كم هي ضعيفة ذاكرتي ! سامر كان يتحدث باهتمام ... فالأمر يعني له الكثير ، و قد قضى وقتا طويلا في البحث عن عمل ... لم أشأ أن أصيبه بخيبة بقولي : كلا فقلت : " لازلت أفكر ... " سامر قال بنبرة مليئة بالرجاء : " أرجوك يا رغد ... يجب أن أبدأ الإجراءات المطلوبة قبل أن تضيع الوظيفة " نظرت إليه و قلت : " ماذا لو ... عملت أنت هناك ، و أكملت دراستي أنا هنا ... ثم ... " لم أتم جملتي ، إذ أن سامر هز رأسه اعتراضا و قال : " لا ... إما أن نذهب سويا ... أو نبقى سويا ... " كنت أدرك أن سامر لا يستطيع الابتعاد عنا ، كما أن علاقاته بالآخرين محدودة و كثيرا ما كان يتجنب الاجتماعات المختلفة ، ليتلافى الحرج من وجهه المشوه . حتى أنه حين أراد إكمال دراسته ، اختار مجالا لا يدع له الفرصة للاحتكاك بالآخرين إلا نادرا سامر ... هو شخص هادئ و مسالم ... و طيب القلب ... قلت : " دعنا نأخذ برأي أبي و أمي كذلك ... يجب أن تتم أنت الإجراءات الآن ، فيما نفكر بروية " ابتسم سامر و قال : " سأذهب الآن لإنجاز ذلك ، و أعرض الأمر على والدي ّ الليلة ! سنفاجئهما ! " ابتسمت ابتسامة قلقة حائرة ، و تركته يذهب و واصلت رسم لوحتي ... كنت مصرة على إنجاز تلك اللوحة بأسرع وقت ... و في الليل ، تركت سامر يذهب إلى غرفة والدي لعرض الفكرة ، فيما بقيت في غرفتي في قلق و حيرة ... و أخذت أفكر ... و يبدو أن كثرة التحديق في اللوحة أصابت عيني بل و جسدي بالإعياء ، فأغمضتهما و لدهشتي استسلمت للنوم ! أفقت بعد ذلك فزعة على صوت طرق متواصل على الباب ... نهضت عن سريري بفزع ... و أصغيت إلى الهتاف ... " رغد ... رغد افتحي ... افتحي بسرعة ! " كانت دانة ! سرت إلى الباب بسرعة و ارتعاش و أنا في قمة القلق ... و قبل أن أصل إليه رأيته ينفتح و تدخل دانة في انفعال ... كانت في حالة يصعب علي وصفها ... كان جسدها يرتعش ، و أنفاسها تتضارب و تتلاحق بسرعة عبر فيها المفغور ... ذراعاها مفتوحتين ... و يداها مرفوعتين و أصابعها منفرجة ، و تهتز بشدة ... و الدموع تنهمر بغزارة على خديها قلت في هلع و أنا أرفع يدي إلى قلبي من الذعر : " دانه ... ماذا حدث ؟؟ " " رغد ... رغد ... " و عادت تلهث ... " رغد ... رغد ... أخي ... أخي ... " تجمّدت و انحبس نفسي الأخير في صدري ... حاولت قول : ماذا ... ألا أنني عجزت من الذعر ... هززت رأسي و أنا أشد الضغط بيدي على صدري فوق قلبي ، كمن يحاول حماية قلبه من تلقي صدمة ما ... كانت دانة تحاول النطق و عجزت إلا عن إصدار أصوات مبهمة ، و أشارت إلي أن اقترب ... خطوت خطوة نحوها و نطقت أخيرا : " سامر ... " هزّت دانة رأسها و قالت بصوت لا أعرف من أين خرج ... " و ... و ... وليد ... وليد عــــــــــــــــــــــــ ـــــاد " للحظة ... ظللت أحدق في دانة ... في تشتت لم أكن أعرف ... هل هذا واقع أم أحد أحلامي ... ؟ تلفت من حولي علّي أرى شيئا واضحا أكيدا بالنسبة لي ... كل شيء كان مبهما ... دانة عادت تقول : " وليد قد عاد ... عاد يا رغد ... عاد " لم تكن كلمات واضحة بالنسبة لي ... و بقيت واقفة على نفس الوضع ... فأقبلت دانة نحوي و أمسكت بكتفي و ضغطت عليهما ... لمجرد إحساسي بيديها على كتفي أدركت أنه ليس حلما لم أشعر بأي شيء يتحرك في جسدي لكنني رأيت الجدران تتحرك بسرعة و الأرض تجري من تحت قدمي ّ و الطريق يقودني إلى خارج الغرفة ... و أطير ... أطير ... نحو مصدر أصوات البكاء التي أسمعها منبعثة من مكان ما في المنزل ... بالتحديد ... مدخل المنزل ... و عند أعلى الدرجات المؤدية إلى المدخل ... توقف الكون فجأة عن الحركة من حولي ... و ترنحت ذراعاي إلى جانبي ّ ... و تشبثت أنظاري بالصورة التي ظهرت أمامي ... و تمركزت فوق العينين السوداوين اللتين تعلوان الرأس العريض الثابت فوق ذلك الجسد الطويل .... ![]() ![]() ٳل̨هي جملني بحلتين قلب رحيم وعقل حكيم ... |
![]() |
#2 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]()
|
![]() الحلقةالعاشرة
******* ما أن خرجت من السور الضخم العملاق المحيط ببنايات السجن ، حتى وجدت سيارة تقف على الطريق المقابل ، و إلى جانبها يقف رجل عرفت فورا أنه صديقي الحميم سيف ... كنت أسير ببطء شديد ، خشية أن أفيق مما ظننته مجرد حلم ... حلم الحرية ... أنظر إلى السماء فأرى الشمس المشرقة تبعث إلى بتحياتها و أشواقها الحارة و أرى الطيور تسبح بحرية في ساحة الكون ... بلا قيود و لا حواجز ... و أتلفت يمنة و يسرة فتلفحني أنسام الهواء النقية ... عوضا عن أنفاس المساجين المختلطة بدخان السجائر ... لن أطيل في وصفي لشعوري ساعتها فأنا عاجز عن التصوير ... تعانقنا أنا و صديقي سيف عناقا حارا جدا و لا أعرف لماذا لم تنصهر دموعي ذلك الوقت ! أ لأنني قد استنفذتها في السنوات الماضية ؟؟ أم لأنني كنت في حالة عدم تصديق ؟؟ أم لأنني فقدت مشاعري و تحجر قلبي و تبلد إحساسي ...؟؟ " حمد لله على خروجك سالما أيها العزيز " قال سيف و هو يعانقني وسط بحر من الدموع ... و يدقق النظر إلى تعابير وجهي الغريبة و عيني الجامدة و أنفي كذلك ! قلت : " عدا عن كسر بسيط في الأنف ! " و ضحكنا ! قلت : " فعلها والدك ؟ " ابتسم و قال مداعبا : " والدي و أنا ! بكم تدين لي ؟؟ " " بثمان سنين من عمري أهديها لك !" ركبنا السيارة و ابتدأ مشوار العودة ... الطويل كان المقعد جلدي قد أحرقته الشمس ، و ما إن جلست عليه حتى سرت حرارته في جسدي فحركت فيه حياة كانت ميتة ... طوال الوقت ، كنت فقط أراقب الأشياء تتحرك من حولي ... الطريق ... الشارع ... الأشجار كل شيء يتحرك ... بعد أن قضيت 8 سنوات من الجمود و السكون و الموت ... 8 سنوات من عمري ، ضاعت سدى ... فمن يضمن لي العيش ثمان سنوات أخرى ... أو أكثر أو أقل ؟؟ دهشت لدى رؤية آثار الحرب و الدمار ... تخرب البلد ... الطريق كان شاقا و الشوارع مدمرة ، و كان علينا عبور مناطق لا شوارع بها وقد حضر سيف بسيارة مناسبة للسير فوق الرمال . بين الفينة و الأخرى ألقي نظرة على ساعة السيارة ، و دونا عن بقية الأشياء من حولي ،لا أشعر بها هي بالذات تتحرك ... إنني في أشد الشوق لرؤية أهلي ... منزلي ... مدينتي ... و شديد اللهفة إلى صغيرتي رغد ! آه يا رغد ! ها أنا أعود ... فهل أنا في حلم ؟؟ كانت الشمس قد استأذنت للرحيل على وعد بالحضور صباحا ، لحظة أن فتحت عيني على صوت يناديني ... " وصلنا ! انهض عزيزي " لم أشعر بنفسي حين نمت مقدارا لا أعلمه من الوقت ، إلا أنني الآن أفقت بسرعة و بقوة ... كان جسدي معرقا و ملتصقا بملابسي و بالمقعد ... و مع ذلك لم أشعر بأي انزعاج أثناء النوم ... " وصلنا ! إلى أين ؟ " قلت ذلك و أنا أتلفت يمنة و يسرى و أرى الدنيا مظلمة ... إلا عن أنوار بسيطة تتبعثر من مصابيح موزعة فيما حولي ... قال سيف : " إنه منزلي يا وليد " حدقت بسيف برهة ، ثم قلت : " خذني إلى منزلي رجاءا ! " سيف علاه شيء من الحزن و قال : " كما تعرف يا وليد ... أهلك قد غادروا ... ستبقى معي لحين نهتدي إليهم سبيلا " قضيت تلك الليلة ، أول ليالي الحرية ، في بيت العزيز سيف . هل لكم بتصور شعوري عندما وضعت أطباق العشاء أمامي ؟؟ طبخات لم أذقها منذ ثمان سنين ، شعرت بالخجل و أنا مقبل على الطعام بشراهة فيما سيف يراقبني و يبتسم ! " أنا آسف ! إنني جائع جدا ! " قلت ذلك و أنا مطأطئ بعيني نحو الأسفل خجلا ، إلا أن سيف ضحك و قال : " هيا يا رجل كل قدر ما تشاء و اطلب المزيد ! بالهناء و العافية " رفعت بصري إليه و قلت : " لو تعلم كيف كان طعامي هناك ... ! " هز سيف رأسه و قال : " انس ذلك ... لقد كان كابوسا و انتهى ، الحمد لله " هل انتهى حقا ... ؟؟ رغم أنه كان سريرا ناعما واسعا نظيفا و عطرا ، ألا أنني لم استطع النوم جيدا تلك الليلة ... كيف تغمض لي عين و أنا مشغول البال و التفكير ... بأهلي ... و بعد صلاة الفجر ، و حينما عادت الشمس موفية بوعدها ، و اطمأننت إلى أنها صادقة و ستظهر لتشرق حياتي كل يوم ، فتحت النافذة لأسمح بأشعتها للتسرب إلى الغرفة و معانقة جسدي بعد فراق طويل ... رأيت أشياء كثيرة و مزعجة في نومي ... سمعت صوت نديم يناديني ... " انهض يا وليد ، جاء دورك " كان العساكر يقفون عند باب السجن ينظرون إلي ... لم أشأ النهوض ... هززت رأسي معترضا ، لكن نديم ظل يناديني أفقت ، و فتحت عيني لأنظر إليه ، و أرى السقف و الشقوق التي تملأه ، و تخزن عشرات الحشرات بداخلها ... لكنني رأيت سقفا نظيفا و مزخرف ... منظر لم أعتد رؤيته ... نهضت بسرعة و نظرت من حولي ... " وليد ! هل أفزعتك ! أنا آسف ! " كان صديقي سيف يقف إلى جانبي ... قلت و أنا شبه واع ، و شبه حالم : " أنت سيف ؟ أم نديم ؟؟ هل أنا في السجن ؟ أم ... " سيف مد يده و أمسك بيدي بعطف و قال : " عزيزي ... إنك في بيتي هنا ، لا تقلق ... " خشيت أن يكون حلما و ينتهي ، حركت يدي الأخرى حتى أطبقت على يد سيف بكلتيهما ، و قلت : " سيف ! أهي حقيقة ؟ أرجوك لا تجعلني أفيق فجأة فأكتشف أنه مجرد حلم ! هل خرجت أنا من السجن حقا ؟؟ " الآن فقط ، تفجرت الدموع التي كانت محبوسة في بئر عيني ّ بعد ذلك ، أصررت على الذهاب للمنزل حتى مع علمي بأن أحدا لم يعد يسكنه و كلما اقتربنا في طريقنا من الوصول ، كلما تسارعت نبضات قلبي حتى وصلنا و كادت تتوقف ! اتجهت نحو الباب و جعلت أقرع الجرس ، و سيف ينظر إلي بأسى لم يفتحه أحد ... جالت بخاطري ذكرى تلك الأيام ، حينما كانت رغد و دانة تتسابقان و تتشاجران من أجل فتح الباب ! التفت إلى الخلف حيث يقف سيف ، و كانت تعابير وجهه تقول : يكفي يا وليد ، لكنني كنت في شوق لا يكبح لدخول بيتي ... نظرت من حولي ، ثم أقبلت إلى السور ، و هممت بتسلقه ! " وليد ! ما الذي تفعله !؟ " أجبت و أنا أقفز محاولا الوصول بيدي إلى أعلى السور : " سأفتح الباب ، انتظرني " و بعد أن قفزت إلى الداخل فتحت الباب فدخل سيف ... " و لكن لا جدوى ! كيف ستدخل للداخل ؟ " بالطبع ستكون الأبواب و النوافذ جميعها مغلقة و موصدة من الداخل ، ألا أنني أستطيع تدبر الأمر ! قلت : " سترى ! " و انطلقت نحو الحديقة ... لم تعد حديقتنا كما كانت في السابق ، خضراء نظرة ... بل تحولت إلى صحراء صفراء جافة ... انقبض قلبي لدى رؤيتها بهذا الشكل ... أخذت أتلفت فيما حولي و سيف يراقبني باستغراب وقعت أنظاري على أدوات الشواء التي نضعها في إحدى الزوايا ، في الحديقة كم كانت أوقاتا سعيدة تلك التي كنا نقضيها في الشواء توجهت إليها و أخذت أحفر الرمال ... " ما الذي تفعله بربك يا وليد ؟؟! هل أخفيت كنزا هناك ؟؟ " و ما أن أتم سيف جملته حتى استخرجت مفتاحا من تحت الرمال ! تبادلت أنا و سيف النظرات و الابتسامات ، ثم قال : " عقلية فذة ! كما كنت دائما ! " و ضحكنا ... كنت أخفي مفتاحا احتياطيا في تلك الزاوية تحت الرمال منذ عدة سنوات ... و أخيرا دخلت المنزل للحظة الأولى أصابت جسدي القشعريرة لرؤية الأشياء في غير أمكنتها ... تجولت في الممرات و شعرت بالضيق للسكون الرهيب المخيم على المنزل ... عادة ما كان البيت يعج بأصوات الأطفال و صراخهم ... صعدت إلى للطابق العلوي قاصدا غرفة نومي ، حيث تركت ذكريات عمري الماضي ... و حين هممت بفتح الباب ، وجدتها مقفلة ... " تبا ! " توجهت بعد ذلك إلى غرفة رغد الصغيرة ، المجاورة لغرفتي مباشرة .. مددت يدي و أمسكت بالمقبض ، و أغمضت عيني ، و أدرت المقبض ، فلم ينفتح الباب ... كانت هي الأخرى مقفلة أدرت المقبض بعنف ، و ضربت الباب غيظا ... و ركلته من فرط اليأس ... أخذت أحاول فتح بقية الغرف لكنني وجدتها جميعا مقفلة فشعرت و كأن الدنيا كلها ... مقفلة أبوابها أمامي ... عدت إلى غرفة رغد و أنا منهار ... جثوت على الأرض و أطلقت العنان لعبراتي لتسبح كيفما تشاء ... " أين ذهبتم ... و تركتموني ؟؟ ... " أغمضت عيني و تخيلت ... تخيلت الباب ينفتح ، فأرى ما بالداخل ... على ذلك السرير تجلس رغد بدفاتر تلوينها ، منهمكة في التلوين ... و حين تحس بدخولي ترفع رأسها و تبتسم و تهتف : وليــــــــد ! ثم تقفز من سريرها و تركض إلي ... فألتقطها بين ذراعي و أحملها عاليا ! " أين أنتم ؟ عودوا أرجوكم ... لا تتركوني وحيدا ... " كنت أبكي بحرقة و مرارة و عيناي تجولان في أنحاء المنزل و أتخيل أهلي من حولي ... هنا و هناك ... و أتوهم سماع أصواتهم ... لقد رحلوا ... و تركوا المنزل خاليا و الأبواب مقفلة ... و وليد وحيدا تائها ... هل تخلوا عني ؟؟ هل أصبحت في نظرهم ماض يجب نسيانه ؟ مجرما يجب إلغائه من الحسبان ؟؟ كيف يمتنعون عن زيارتي و السؤال عني كل هذه السنين ... ثم يرحلون ... أخرجت الصورتين اللتين احتفظ بهما منذ سنين من أحد جيوبي ... و جعلت أتأمل وجوه أهلي و أناديهم ... واحدا تلو الآخر كالمجنون ... أبي ... أمي ... سامر ... دانه ... رغد ... لقد عدت ! أين أنتم ؟؟ أجيبوا أرجوكم ... سيف ظل واقفا يراقب عن بعد ... كنت لا أزال جاثيا عند باب غرفة رغد غارقا في الحزن و البكاء المرير ... حين لمحت شيئا لم أكن لألمحه لو لم أجثو بهذا الوضع ... من بين دموعي المشوشة للرؤية أبصرت شيئا تحت باب غرفتي مددت أصابعي و أخرجته ببعض الصعوبة ، فإذا به قصاصة ورق صغيرة مثنية ، و حين فتحتها وجدت التالي : ( وليد ، لقد ذهبت مع أمي و أبي و دانة و سامر إلى المدينة الصناعية . عندما تعود تعال إلينا . أنا أنتظرك كما اتفقنا . رغد ) لكم أن تعذروا سيف للذهول الذي أصابه حين رآني أنهض واقفا فجأة ، و أطلق ضحكة قوية بين نهري الدموع الجاريين ! " وليد !! ماذا دهاك ؟؟ " نظرت إليه و أنا أكاد أقفز فرحا و قلت : " إنها رغد العزيزة تخبرني بأنهم في المدينة الصناعية ! هل رأيت شيئا كهذا ؟؟ " و أخذت أحضن الورقة و الصور بجنون ! سيف قال : " عقلية ... فذة ... أظن ذلك ! ! " و ضحكنا من جديد . و بعد يومين ، حين رتب سيف أموره للسفر ، انطلقنا أنا و هو بالسيارة ميممين وجهينا شطر المدينة الصناعية ... لقد تكبلنا مشاقا لا حصر لها أثناء الطريق ، إذ أن الشوارع كانت مدمرة و اضطررنا لسلك طرق ملتوية و مطولة جدا ... كما و أننا واجهنا عقبات مع الشرطة المحليين إنني لمجرد رؤية شرطي ، ارتعش و أصاب بالذعر ... حتى و إن كان مجرد شرطي مرور ... لن أطيل في وصف الرحلة ، لم يكن ذلك مهما ... فرأسي و قلبي و كلي ... مشغول بأهلي و أهلي فقط ... و أولهم ... مدللتي الصغيرة الحبيبة ... رغد ... رغد ... أنا قادم إليك أخيرا ... قادم أخيرا ... وصلنا للمدينة الصناعية مساء اليوم التالث ، و قد نال منا التعب ما نال لذا فإن سيف أراد استئجار شقة نقضي فيها ليلتنا لنبدأ البحث في اليوم التالي ... " ماذا ؟ لا أرجوك ! لا أستطيع الانتظار لحظة بعد ! " تنهد سيف و قال : " يا عزيزي دعنا نبات الليلة و غدا نذهب إلى بلدية المدينة و نسألهم عن أهلك ! أين تريدنا أن نبحث الآن ؟؟ نطرق أبواب المنازل واحدا بعد الآخر ؟؟ " " أجل ! أنا مستعد لفعل ذلك ! " ابتسم سيف ، ثم ربت على كتفي و قال : " صبرت كثيرا ! اصبر ليلة أخرى بعد ! " لم تمر علي ساعات أبطأ من هذه من قبل ... لم أنم حتى لحظة واحدة و أصابني الإعياء الشديد و الصداع و في اليوم التالي ، وقفنا عند إحدى محطات الوقود ، و ذهب سيف لشراء بعض الطعام و هممت باللحاق به ، لكنني شعرت بالتعب الشديد ... عندما عاد سيف ، التفت نحوي مقدما بعض الطعام إلي : " تفضل حصتك ! " هززت رأسيا ممتنعا ، فأنا لا أشعر بأي رغبة في الطعام فيما أنا قد أكون على بعد قاب قوسين أو أدنى من أهلي ... أسندت رأسي إلى المعقد و رفعت يدي إلى جبيني و ضغطت على رأسي محاولا طرد الصداع منه ... " أ أنت بخير ؟؟ " سألني سيف ، فأجبت : " صداع شديد " " خذ تناول بعض الطعام و إلا فإنك ستنهار ! " و هززت رأسي مجددا ... ثم التفت إليه و قلت : " هل لي ببعض المال ؟؟ " أخرج سيف محفظته من جيبه و دفعها إلي ... فأخذتها ، و فتحت الباب قاصدا النزول و الذهاب إلى البقالة المجاورة ... ما كدت أقف على قدمي حتى انتابني دوار شديد فانهرت على المقعد ... " وليد ! " تركت رجلي متدليتين خارج السيارة و أنا عاجز عن رفعهما سيف أسرع فعدّل من وضعي و سأل بقلق : " أ أنت بخير ؟؟ " " دوار ... " أسرع سيف فقرب عبوة عصير من شفتي و قال : " اشرب قليلا " رشفت رشفتين أو ثلاث ، و اكتفيت . سيف كان قلقا و ظل يلح علي بتناول بعض الطعام ألا أنني لم أكن أشعر بأدنى رغبة حتى في شم رائحته ... بعد قليل ، زال الدوار جزئيا و فتحت عيني ، و مددت بالمحفظة إلى سيف و قلت : " هل لي بعلبة سجائر ؟ " ...تتمة... ...تتمة... كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا ، حينما أشار آخر شخص سألناه عن منزل شاكر جليل ، أبي وليد ، إلى منزل صغير يقع عند المنعطف التالي ... سأل سيف الرجل : " أ أنت متأكد ؟ شاكر جليل المكنى بأبي وليد ، رجل قدم مع عائلته من وسط البلاد ؟" " نعم إنه هو و يقيم هنا منذ سبع أو ثمان سنين ! " لم يكن الشيء الذي يهتز هو قلبي فقط ، بل و أطرافي ، و شعري ، و مقعدي بل و السيارة أيضا ! تبادلنا أنا و سيف النظرات ... ثم تحرك بالسيارة ببطء حتى أصبحنا إزاء المنزل مباشرة ... " هيا يا وليد ... " بقيت في مكاني و لم تخرج مني بادرة تشير إلى أنني أنوي النهوض " وليد ! هيا بنا ! أم تفضل الانتظار حتى الغد فربما يكون الجميع نيام ! " قلت بسرعة : " لا لا ... مستحيل أن أنتظر دقيقة بعد ... " و مع ذلك ، بقيت في مكاني بلا حراك ، عدا عن الاهتزازات التي تعرفون ... " ما بك ؟ قلق ؟؟ " " ماذا لو لم يكن المنزل المقصود أو العائلة المعنية ؟؟ هل نستمر في البحث أكثر ؟؟ أنا مجهد جدا " " هوّن عليك ، ربما وصلنا أخيرا . سنتأكد من ذلك " كيف لي أن أبقى صامدا قويا و أنا على وشك رؤية أهلي ... ؟؟ في داخل هذا المنزل ... يعيش أمي و أبي ... و أخي و أختي ... و الحبيبة رغد ! ربما هم نيام الآن ! لا بد أنهم سيفاجؤون لدى رؤيتي .... كم أنا مشتاق إليكم جميعا ... إن هي إلا لحظات ... و ألتقي بكم ! يا إلهي ! أكاد أموت من الشوق و القلق ... أخرجت الصورتين من جيبي و أخذت أتأمل أفراد عائلتي ... ثم ثبت ّ أنظاري على صورة رغد ، و هي تلون ... رغد ... يا حلوتي الصغيرة ... ها أنا قد عدت ... " دعك من الصورة ... و هيا إلى الأصل ! " قال سيف و هو يفتح الباب و ينزل ... قرعنا الجرس مرارا ... حتى خشيت أن يكون البيت قد هجر ... و أهلي قد رحلوا ... و أملي قد ضاع ... و لكن الباب انفتح أخيرا ... و أطل منه شاب يافع ... طويل القامة ... نحيل الجسم ... مشوّه الوجه بندبة أكدت لي بما لا يقبل الشك ... أنه شقيقي الوحيد ... سامر .... " سامر ... يا أخي ! "
|
|
![]()
|