12-26-2011
|
#11
|
http://www.adabwafan.com/images/products/1/49872.jpg
للكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز
(مواليد 1928م- ولا يزال حياً إلى الآن، يصارع المرض السرطاني اللمفاوي في مشفى لوس أنجلس)
الطبعة الأولى للرواية (1981م)
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - (2002م)
الرواية من 135 صفحة
ترجمة أ. مصطفى عبود
الناشر "دار المدى للثقافة والنشر"
(( كنت دائم الإعتقاد أن من الواجب أن يضع الموتى قبعاتهم على رؤوسهم، أما الآن، فقد أدركت أن مثل هذا ليس ضرورياً، وأستطيع أن أرى بأن للموتى رؤوساً مثل الشمع ومناديل شُدّت حول عظم الفك منهم، كما أرى أن أفواههم مفتوحة بعض الشيء.... كنتُ أعتقد أن الميت لابد من أن يبدو مثل شخص هادئ وأنه غارق في سباته، غير أني أرى أن الأمر على العكس من ذلك تماماً، فأنا أرى أنه أشبه بشخص أفاق من النوم على سَورة من الغضب وكأنما كان قد تشاجر توّاً. )) الحفيد
هذه هي الرواية الثانية التي أقدمها لهذا الكاتب العظيم بعد رواية "وقائع موت معلن" النوبلية، والحقيقة فإن هذه الرواية (عاصفة الأوراق) قد لا تصل إلى مستوى شهرة روايات جابرييل جارسيا ماركيز الأخرى كـ (وقائع موت معلن) أو (مئة عام من العزلة) أو (الحب في زمن الكوليرا) إلا أنها تظل أحد أجمل ما قرأت من الروايات إن لم تكن الأجمل على الإطلاق من الناحية الأسلوبية في السرد وطريقة العرض الأدبي المدهش وهي مترجمة فكيف الحال لو تصفحتها بلغتها الأصل.
الموضوع فيها يشكّل تقاطعاً بين بلدة "ماكندو" وبين طبيب يأتي إليها وبالتحديد إلى أسرة الكولونيل بتوصية من صديقه الكولونيل الآخر أورليانو بوينديا.. تقوم الأسرة باستضافته على أحسن حال وتقطعه أحد الغرف المطلة على الشارع حتى يزاول من خلالها مهنته والتي كان الوحيد يزاولها في تلك البلدة.. وتمضي السنوات حتى تُقام سكة حديد وتأتي من خلالها <عاصفة الأوراق> عبر شركة ضخمة للموز.. تُبعث الحياة من خلالها للبلدة ويُبعث الموت لذلك الطبيب.. فقد جاءت هذه الشركة بالأطباء والمهندسين والمال وكل شيء ولم يعد أحد من أبناء البلدة يأتي لذلك الطبيب، فقام باعتزال الناس وخرج من دار الأسرة التي استضافته إلى دار صغيرة في أحد زوايا البلدة وعلى ذات الشارع الذي كان فيه عند الكولونيل.. وقام بإغلاق الدار على نفسه بعد أن تحوّل إلى انسان بائس..
تمر سنوات ثمان وترحل بعدها الشركة عن البلدة ويرحل معها كل شيء أتت به.. وتحدث حالة تمرد في البلدة تقوم أثناءها السلطات الحكومية بفرض السيطرة أمنياً وبالقوة.. ويُجرح عدد من أبناء "ماكندو" وحين لم يكن في البلدة طبيباً بعد رحيل الشركة.. استذكروا ذلك البائس وقاموا بالطرق على باب داره.. لكنه رفض أن يفتح لهم أو حتى يلقي نظرة على أولئك الجرحى.. ومنذ تلك اللحظة يسخط سكان البلدة على الطبيب وظلوا يرقبون بكل غضب موته وتعفن جثته على إثر خيانته لهم في نظرهم..!
الرواية كلها تحكي واقعياً أحداث ساعتين من جنازة الطبيب بلسان وأعين وذاكرة الذين حضروا الجنازة وهم الكولونيل وابنته وحفيده الصغير.. ولك أن تتخيل المشاهد التي دارت في غرفة الميت بين الكولونيل وعمّاله الأربعة وبين عمدة البلدة الذي حضر حتى يعرقل عملية التشييع بالقدر الذي يبرئ ساحته أمام سكان البلدة الساخطين.. أقول، لك أن تتخيل مشاهد هذه الفترة القصيرة بثلاثة أعين وثلاث ذكريات "الكولونيل الجد وابنته وحفيده" لكل حدث ولو هامشي يحصل في تلك الفترة وما يستدعيه في عين وذهن كل واحد منهم.. وكيف يصف كل واحد منهم حال الآخر ومشاعر الآخر ويتحول فيها الراوي إلى ممثل حين يُعطي الدور للآخر كي يكون الآخر هو الراوي.. في تداخل عجيب ومذهل ودون أن يفقد المشهد اتزانه.. حقاً إنه كاتب عظيم.. بالمناسبة هذه الطريقة استخدمها الروائي السعودي الراحل عبدالرحمن منيف في احدى رواياته.
مقطع من الرواية على لسان الكولونيل وفيها الوعد الذي قطعه على نفسه بدفن الطبيب إن مات مهما كانت العواقب المترتبة على جرأته بفعل ذلك أمام سكان البلدة، قال هذا الوعد بعد أن أنقذه الطبيب فجأة -وعلى غير ما توقع الجميع- من الموت:
(( والظاهر أن تلك القوة نفسها التي جاءت به إلى هناك وأوصلت إليه أخبار مرضي، هي نفسها التي جعلته يقف إلى جانب سريري ويقول لي: < ليس عليك إلا أن تمرّن تلك الساق قليلاً، وربما ترتّب عليك أن تستعمل عصا من الخيزران من الآن فصاعداً >.
سألته بعد يومين عمّا أنا مدين له. فقال: < لستَ مديناً لي بأي شيء يا كولونيل. ولكنك إذا كنت تريد أن تعمل معروفاً لي، فغطّني بحفنة تراب يوم أموت، كل الذي أريده هو أن لا تأكل العقبان لحمي >.
كان واضحاً من الوعد الذي جعلني أقطعه له، من الطريقة التي طرح بها هذا الوعد، من وقع خطاه على قرميد الغرفة، أن هذا الرجل يحتضر منذ زمن طويل. رغم أنه مرَّت ثلاث سنوات قبل أن يقدّر لذلك الموت الناقص والمؤجل أن يتحقق.
وكان ذلك اليوم هو اليوم، وفي اعتقادي إنه لم يكن بحاجة حتى إلى تلك الانشوطة. كان يكفي أن تهبّ نسمة هواء عابرة لتطفئ فيه ذبالة الحياة الباقية في عينيه الصفراوين القاسيتين. وكنت أتوقع ذلك منذ تلك الليلة التي تحدثت فيها إليه في الحجرة الصغيرة، قبل أن ينتقل إلى هذا المكان ليعيش فيه مع "ممه". لذلك السبب لم أشعر بالضيق لأنه حملني على أن أقطع ذلك الوعد له. قلت له ببساطة: < لا حاجة بك أن تطلب ذلك مني يا دكتور. فأنت تعرفني حق المعرفة وتعرف بالتأكيد بأنني سأقوم بدفنك على رؤوس الأشهاد حتى وإن لم أكن مديناً لك بحياتي >.
فأجابني وهو يبتسم، وقد رانت الطمأنينة للمرة الأولى على عينيه الصفراوين، القاسيتين: < هذا صحيح كله يا كولونيل، ولكن لا تنسَ أنك لو متّ فلن يمكنك أن تسهر على دفني >. ))
|
|
|
12-26-2011
|
#12
|
http://g-images.amazon.com/images/G/.../no-img-lg.gif
(عاشق النساء)
للكاتب الأمريكي ريتشارد فورد (1944م - ولايزال حياً حيث يكتب القصص القصيرة من خلال داره الصغيرة في نيوأورليانز)
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - 1996م
الرواية من 139 صفحة
أول 33 صفحة مقدمة مطولة من المترجم
ترجمة أ. كامل يوسف حسين
الناشر "دار الآداب - بيروت"
(( جلس في مقعده مستقيم الظهر. كان في طريقه إلى الرحيل. وأحسّ فيما بعد، الفظاعة والحرمان والانكسار، وربما أحس التشرّد أيضاً. وأنه يحيا على إعانة اجتماعية. وأنه مريض يوشك على الموت من جرّاء مرض نابع من وهن العزيمة. ولكنه يحسّ الآن أيضاً أنه يومض شرراً ويتوهّج ويتقافز من فرط الانفعال. وحّث نفسه بأن ذلك لن يدوم للأبد، بل قد لايدوم طويلاً، ومن شأن أيّ صوتٍ يأتيه من باب سيارة أجرة، وهو يغلق في الشارع، أن يفجّر المسألة الهشّة بأسرها... ))
رواية من الأدب الأمريكي الحديث ومن تيار أدبي أكثر حداثة أطلق عليه "بيل بوفورد" - رئيس تحرير مجلة <جرانتا> - اصطلاحاً غريباً.. فأسماه بتيار (الواقعية القذرة) وذلك في عام 1983م، مُحدثاً الكثير من اللغط في دور الثقافة والأدب حول هذا التيار في عدد المجلة الشهير الذي حمل عنوان (الواقعية القذرة: كتابات جديدة من أمريكا)، مَوقع اللغط حدث في كون هذا الاصطلاح لم يحمل تعريفاً ولا أية دلائل واضحة لما يُمكن أن يُعرف به هذا التيار، فبصفحتين من تلك المجلة حدد (بيل) الواقعية القذرة بأنها كتابات أمريكية تفتقر للروح والخلفية الحضارية بل وحدد أسماء لكتاب هذا التيار على سبيل الحصر لا التمثيل!.. أي أننا أمام نوع جديد من الكتابات الأدبية مصيرها الزوال بناءاً على تحليل (بيل).
يُعتبر مؤلف هذه الرواية "ريتشارد فورد" هو عميد كتّاب هذا التيار الآن بعد وفاة الروائي الشهير ريموند كارفر - في أواخر الثمانينات - والذي لم يبدِ لا هو ولا ريتشارد ولا أيّ ممن وصفوا بكتّاب (الواقعية القذرة) أي شيء من شأنه الخروج من دائرة هذا الاصطلاح الغريب.. فكلهم كانوا على قدر كبير من اللااهتمام المصبوغ بشيء من المرح تجاهه، ولعل أبرز ما يميّز كتاباتهم هي الصراحة الشديدة والوضوح الذي يصل إلى حد الوقاحة أحياناً في الوصف والمصطلحات، دون أن يلجأ الكاتب إلى أيّ من أساليب الزخرفة الأدبية المعتادة أو حتى تجاهل بعض التفاصيل المحرجة والهامشية.
ومترجم هذه الرواية أ. كامل حسين، وهو أيضاً ترجم العديد من أدبيات هذا التيار وموغل في دراسته ومتابعته جيداً، يرى أن هذه الرواية (عاشق النساء) هي نقلة هامة وتعتبر نموذجاً واضحاً وجديداً للكتاب الأمريكيين الشباب والذين يحملون ذات التوجه. وهو أيضاً يقول: << هذا التيار هو الذي يصف أمريكا الأخرى، أمريكا الريف الوحشي، أمريكا الضواحي المجرّدة من الروح، أمريكا الضائعين والمشرّدين والذين غاب عنهم الحلم، لأنهم يعيشون لا في عالم كابوسي، وإنما في عالم يفتقر لأدنى مقوّمات الحلم >>.
تحكي الرواية بكل اختصار،
حياة رجل من شيكاغو يُدعى "مارتن أوستن" يعمل في شركة تسويق للورق الفاخر وهو مسؤولاً عن فروع الشركة في أوروبا.. ولديه زوجة تُدعى "بربارا" اختيرت ذات يوم ملكة جمال.. فهو من الناحية النظرية والعملية رجل محظوظ وسعيد وناجح.. حتى أن حدث والتقى في باريس - باحدى زيارات العمل - بموظفة فرنسية تُدعى "جوزفين" تأسر عقله وقلبه.. دون أن يكون هناك أي دافع لهذا الانجذاب الشديد!.. فهي ليست جميلة وكثيرة التردد ولا مبالية بأي إنسان كما أن لديها طفلاً مشاغباً في السادسة من عمره من أبٍ يهودي بشع تهمّ بالانفصال عنه بعد أن ألّف رواية فاضحة عنها.. بل كل دافع فيها يطرد عنها أتعس الرجال لا أسعدهم. ومع هذا يقع في غرامها وفكّر جدياً بخيانة زوجته دون أن تُلقي عليه "جوزفين" أي اهتمام فهي لا ترفض أي شيء ولا تبادر لعمل أي شيء.. حتى حدثت نهاية مأساوية لأوستن في فرنسا يعود معها لأمريكا جامعاً سخط الهزيمة ويقين الرضا في آن واحد.
بكل بساطة.. تنتهي الرواية بلا نهاية، تنتهي الرواية دون أن يقدّم "أوستن" أي إجابة على كل الأسئلة المنطقية.. فلماذا ترك زوجته الجميلة والتي يحبها حباً كما وصفه "أبديّ" بل أنه حين تشاجر معها رفض بشدة فكرة أن يطلّقها.. ولماذا يقضي بتعمد معظم أيامه في باريس تائهاً بين شوارعها.. ولماذا يجري وراء امرأة بائسة تلاحقها فضيحة رواية زوجها عنها ولا تعيره فوق ذلك أي اهتمام.. ولماذا يُعنى بطفل لا يصله شيء به وهو الذي ليس لديه أبناء ولم يرد في يوم أن يكون له أبناء.. بل لماذا لم يجب على سؤال <جوزفين> الصارخ: (( من أنت؟!! )) ؟!!
مقتطفة من آخر الرواية:
(( تسائل مجدداً في لحظاته الحالمة، بعد أن تبدد خوفه من موت "بربارا"، وقبل أن يمضي للنوم، تسائل: ما هو الممكن بين البشر؟ ما هو الممكن انطلاقاً من القيمة الحقيقية؟ كيف يمكنك أن تنظّم الحياة. وأن تُلحق ضرراً يسيراً وتظل، مع ذلك، مُرتبطاً بالآخرين؟ واستند إلى ما قالته "بربارا" عندما رآها لآخر مرة وكانت غاضبة منه. هل تغير بشكل من الأشكال، وهل غيّر بعض الارتباطات المهمّة التي ضمنت سعادته، وأصبح منفصلاً، ولا سبيل للوصول إليه. هل يمكن أن تغدو على هذا النحو؟ وهل جوهر الأمر شيء تسيطر عليه بنفسك أم هو متعلّق بشخصيتك أم بتغيّر ٍ لم تكن إلا ضحية له؟
كان ذلك موضوعاً أحسّ أنه سيتأمله عبر ليال عديدة، عديدة، عديدة. ))
تنبيه:
الرواية تحوي بعض المقاطع اللا أخلاقية في كثير من الألفاظ وقليل من الأحداث.
وشكراً.
|
|
|
12-26-2011
|
#13
|
http://www.lespetitsruisseaux.com/in...es/jelinek.JPG
أُعلن يوم أمس في استوكهولم نبأ حصول الكاتبة النمساوية إلفريدي يلينيك (Elfriede Jelinek) على جائزة نوبل للآداب لهذا العام 2004 م ، ويلينيك - البالغة من العمر 57 عاماً - بالإضافة إلى كتاباتها الروائية والقصصية فهي كاتبة مسرحية وشاعرة بدأت بأعمالها الأدبية منذ عام 1967م. وقد أقامت أدبياتها - كما وصفتها الأكاديمية السويدية في معرض كلمتها عنها- على " لغة متطورة في انتقادها للمجتمع ".
وقد عللت الأكاديمية اختيارها لها بأن إلفريدي أُختيرت بناءاً على: " موسيقاها المنسابة من أصوات شخصياتها الروائية والمسرحية مع لغة مذهلة ومتقدّة أظهرت من خلالها سُخف القيود الاجتماعية والقوة اللازمة في كسر شوكتها الاستبدادية ".
وتقيم يلينيك غالب أوقاتها متنقلة بين بلدها وألمانيا.. ولعل مما يُشار إليه هنا هو ضعف الرابطة الأدبية بيننا نحن العرب واللغة الألمانية ولذا قلما رأينا مترجمات عربية لأدبيات هذه اللغة، وربما هذا ما يُفسر جهل حتى كثير من النخبويين بهذه الكاتبة وإنتاجها..
من أشهر أعمالها الروائية: (( معلمة البيانو - 1983 )) أو عازفة البيانو - وهي الرواية التي تم تقديمها كعمل سينيمائي نال جائزة في مهرجان كان 2001 . كذلك رواية (( هؤلاء يقتلون الأطفال - 1995م )) والتي تشن بها هجومها اللاذع ضد الشعوبية وغيرها من الأعمال الروائية والأدبية.
|
|
|
12-26-2011
|
#14
|
http://www.almadahouse.com/images/covers/24818.gif
(العطر) - قصة قاتل
للكاتب الألماني باتريك زوسكيند ( 1949م - ولايزال حياً حيث يكتب القصص القصيرة متنقلاً بين ميونخ وباريس)
الطبعة الأولى للرواية 1985م
الطبعة الثانية للرواية - مترجمة - 1997م
الرواية من 240 صفحة
ترجمة د. نبيل الحفار
الناشر "دار المدى للثقافة والنشر - دمشق"
(( - أجابت المُرضعة باستهجان: <ولكنه سيؤذيني أنا، لقد نحلتُ خمسة كيلوهات، بينما كنتُ آكل عن ثلاثة. ومن أجل ماذا؟ من أجل ثلاث فرنكات أسبوعياً!>
- <ها، فهمت> قال الأب تيرير وقد شعر بالارتياح، وأردف: <أنا في الصورة الآن، الأمر يتعلق بالمال ثانية إذن!>
- <لا> قالت المُرضعة.
- <بل نعم! فالأمر دائماً يتعلّق بالمال. عندما يُطرق هذا الباب فلابد أن الأمر يتعلق بالمال. تمنيت لو أفتح هذا الباب مرة لأجد انساناً يطلب شيئاً آخر. إنساناً يجلب مثلاً، شيئاً بسيطاً، عرفاناً بالجميل، بعض الفاكهة مثلاً أو بعض المكسّرات. نحن في الربيع وهناك الكثير مما يُمكن للانسان أن يجلبه، بعض الأزهار مثلاً. أو أن يأتي أحدهم ليقول: حياك الله أيها الأب تيرير. أتمنى لك يوماً سعيداً! ولكن يبدو أني سأموت دون أن أعيش مثل هذه التجربة. فإن لم يكن قارع الباب شحاذاً، فسيكون تاجراً، وإن لم يكن تاجراً فسيكون أحد الحرفيين. وإن لم يطلب بعض النقود فسيقدّم فاتورة حساب. ما عُدتُ أستطيع الظهور في الطريق، فلو ظهرت لأحاط بي بعد ثلاث خطوات أناسٌ يطلبون المال. على كل حال، خذي هذا الطفل الآن إلى بيتك وسأتداول في الموضوع مع رئيس الدير. سأقترح عليه أن يُعطيكِ أربع فرنكات أسبوعياً..>
- <لا> مقاطعةً حديثه المُرضعة
- <حسناً خمسة>
- <لا>
- <كم تريدين إذن؟!> صرخ تيرير بوجهها وتابع: <إن خمسة فرنكات تُعتبر ثروة بالنظر لمهمة بسيطة كـ إرضاع طفل!>
- <لا أريد نقود. أريد أن يخرج ابن الحرام هذا من بيتي!> قالت المرضعة.
- <ولكن لماذا؟> قالها تيرير وهو ينبش في سلّة الطفل مُجدداً: <يبدو أنه طفل طيب. صحّته جيدة. لا يبكي، وينام جيداً. ثم إنه ابن معمّد>
- فصرخت المرضعة قائلة: <ولكنه مسكون بالشيطان!> ))
كان الأب تيرير والمرضعة يتحدثان عن الطفل (جان-باتيست غرنوي) بطل رواية العطر الحاصلة على جائزة جوتنبرغ والمترجمة إلى 23 لغة من لغات العالم. وهي الرواية التي قدّمت مؤلفها، باتريك زوسكيند، إلى العالمية كـ أحد مفاخر أوروبا الأدبية المعاصرة في مواجهة السيل الإبداعي لكتّاب القارة اللاتينية. والحقيقة أني كنت ليلة أمس أعمل على إدراج مقدمة مطولة جداً لهذا الكاتب وروايتيه الشهيرتين (العطر - والحمامة) ولكن لأسباب خارجة عن الإرادة بكل أسف، فقد غرقت أحرف المقالة في شاشتي إلى الأبد. ولما كنتُ في حالة عصبية فقد أقسمتُ ألا أعود لكتابة ما كتبت، وبرّاً بيميني فقد اكتفيت بالحديث عن رواية العطر. :p
عودة إلى زوسكيند، فإن بطل روايته، غرنوي، أو (القرادة غرنوي) كما يحب أن يسمّيه المؤلف في أكثر من موضع، هو انسان عاش في القرن الثامن عشر. والرواية تحكي قصة هذا الرجل الغريب والذي يمتلك أنفاً غير طبيعي، يعرف من خلاله الأشياء قبل أن يراها. وبالتالي فـ غرنوي هذا، يملك مكتبة هائلة بداخله للروائح تتضخم مع كل يوم يعيشه وكل رائحة جديدة يتعرّف عليها. وقد كان أوّل ضحايا - ملك الروائح - غرنوي، هي أمه التي اعتادت قتل كل طفل غير شرعي لها حال أن تلده. ولما كان غرنوي مولوداً غير طبيعي، أو كما وصفه المؤلف <رجل ينتمي إلى أكثر كائنات تلك الحقبة نبوغاً وبشاعة>، فقد أطلق صرخة هزّت سوق الأسماك الباريسي الذي وُلد فيه، مما نبّه السلطات إلى وجوده ووجود أمه فوقه وهي تحمل السكين لقتله. وعليه، وبعد اعتقال الأم فقد اعترفت بنيّتها وسوابقها مع أطفالها السابقين وتم إعدامها، أما (القرادة) غرنوي فقد عُهد إلى رئيس الديّر تدبّر وضعه. والمُرضعة التي كانت تتحدث مع الأب تيرير في المقتطفة أعلاه، هي أحد المُرضعات الخمس اللاتي رفضن حضانته مهما بلغت المغريات المادية ليس بسبب بشاعة خلقته أو بسبب شراهته في الغذاء بل لأن الطفل لا ينبعث من جسده أي رائحة! فهنّ يرينه مختلف عن كل البشر بل شيطانا!. ولو لم يجدوا في أحد ضواحي باريس تلك المرضعة "غايار" التي ضربها زوجها على أنفها ضربة هشّمت وجهها وأفقدتها حاسة الشم، لما وجدوا مَن يقبل بحضانته ورضاعته. وقد عاش غرنوي حتى بلغ السادسة في حضانة مدام غايار ثم أبعدته عنها ليس لأن بشاعته وعرجه في مشيته يثيران الرعب بين أطفالها وحسب بل لأنه كان يكتشف - من خلال أنفه طبعاً - الأماكن التي تخبئ بها النقود!
إذا كانت هذه حياة (القرادة) غرنوي في صغره، فلك - أيها القارئ - أن تتخيّل ما سيحدث له في كبره من أحداث فانتازية. سواء من خلال إنقاذه للسيد بالديني - أشهر عطاري باريس - من الإفلاس، حين قدّم له وأنتج أجمل العطور والتي جاءت لمحله طلبات من مختلف زوايا أوروبا كلها، أو حتى من خلال المرحلة الثانية من عمره، حين عاش منفياً عن الناس والبلاد وروائحهم ليعيد ترتيب ما استجمعه في ذاته، بعد أن تلمس أولى عتبات الإبداع، ليصل إلى مبتغاه الكبير: تركيب الرائحة الأعلى والأزكى وذلك من خلال 25 فتاة جميلة حتى يمتلكها لذاته. والكاتب باتريك يقوم بإسقاطات مميزة لفكره من خلال هذه الرواية بأسلوب سردي متماسك وقوي، ولا يمكن بالتأكيد إغفال الجانب الهزلي الذي يقدمه في كثير من مقاطع الرواية فيزيدها قوة ورسوخاً بدل من إضعافها كما يرتكبها خطئاً الكثير من المؤلفين، حد أنه يجعلك في مواقف كثيرة أثناء القراءة أن تنفجّر قائلاً: باتريك يقرؤنا لا نقرؤه!.
(( منذ صغره اعتاد غرنوي على أن الناس الذين يمرّون بجانبه لا يأبهون به على الإطلاق. لا نتيجة احتقار له. كما اعتقد ذات يوم. بل لمجرد أنهم لم يلحظوا وجوده أبداً. فمحيطه كان خاوياً، دون تموّجات يمكّنه أن يدفع بها إلى الجو العام. لنقل بتعبير آخر، أنه لم يمتلك ظلاً يرميه في وجوه الآخرين من البشر. فقط عندما كان يصطدم به شخص ما نتيجة الزحام أو فجأة عند منعطف ما. كان الآخر يلمحه، ولكن كـ لمح البصر. كان هذا الآخر يتراجع غالباً منزعجاً ليحدّق به. بالقرادة غرنوي، لثوان قليلة، كـ مَن يرى كائناً ما كان يجب أن يكون، لكنه موجود فعلاً، وبشكل ما، غير موجود في الوقت نفسه. وليبتعد من ثم، ناسياً إياه في اللحظة نفسها.
أما الآن فقد تجلّى غرنوي العظيم. هاهو يبدو الآن في الواقع كما كان يبدو أنذاك في أحلامه النرجسية. لقد عايش في هذه اللحظة أعظم انتصار في حياته. فكان مدعاة لذعره. مدعاة لذعره لأنه لم يستطع أن يستمتع به ولو لثانية واحدة. ففي لحظة ترجّله من العربة إلى الساحة المشمسة مضمّخاً بالعطر الذي يجعل الناس يحبّونه، بالعطر الذي استهلك صنعه سنتين من عمره، بالعطر الذي أمضى حياته كلها متعطشاً لامتلاكه.. في هذه اللحظة نفسها عاوده الشعور بالقرف من الناس، فأفسد عليه انتصاره كلياً. بحيث لم يفقد الشعور بالفرح وحسب، وإنما أيضاً الشعور بالرضا، ولو بأبسط أشكاله. إن ما تاق إليه دائماً - أي أن يحبّه الآخرون - أصبح في لحظة نجاحه أمراً لا يُحتمل، فهو بالذات لا يُحبّهم بل يكرههم. وفجأة أدرك غرنوي أن الحب أبداً لن يُشبعه وإنما الكره. أن يكره وأن يكون مكروهاً! ))
|
|
|
12-26-2011
|
#15
|
http://alswidi.jeeran.com/Milan2.jpg
(الضحك والنسيان)
للكاتب التشيكي ميلان كونديرا (1929م - ولايزال حياً حيث يكتب المقالات والروايات في باريس)
الطبعة الأولى للرواية 1980م
الطبعة الأولى للرواية - مترجمة - 1990م
الرواية من 260 صفحة
ترجمة أ. أنطوان أبو زيد
الناشر "دار الآداب - بيروت"
http://alswidi.jeeran.com/Milan1.jpg
(كائن لا تُحتمل خفّته)
للكاتب التشيكي ميلان كونديرا
الطبعة الأولى للرواية 1984م
الطبعة الثانية للرواية - مترجمة - 1998م
الرواية من 280 صفحة
ترجمة أ. ماري طوق
الناشر "المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء"
(( يبدو أنك تريدين كتابة كتاب.. حول أي موضوع يدور؟
أجابت بيبي: << إنه في غاية البساطة. رواية. عن العالم كما أراه>>
فاستجوبها باناكا بصوت يدلُّ على الاستهجان: << رواية؟ >>
وسرعان ما صوَّبت بيبي كلامها بشكل غامض: << قد لايكون رواية بالضرورة>>
قال باناكا: << فكّري فقط بما هي الرواية، فكّري بالعديد من الشخصيات المختلفة. أتريدين أن نعتقد بأنك تعرفين كل شيء عنها؟ وأنك تعلمين بما نفكّر، وما نشبه، وكيف نلبس، ومن أي عائلة أنت؟ اعترفي بأن هذا لايهمّك على الإطلاق!>>
- << إنه حقاً كذلك، هذا لايهمّني>> قالت بيبي معترفة
وأضاف باناكا: <<أنتِ تعلمين أن الرواية هي ثمرة توّهم إنسانيّ. التوّهم باستطاعة فهم الآخر. ولكن ما الذي نفهمه نحن بعضنا عن الآخر؟>>
- << لاشيء>> قالت بيبي
- << إنه حقاً كذلك>> أضافت جوجو.. وهزّ أستاذ الفلسفة برأسه موافقاً.
وتابع بانكا: << كل ما يسع المرء عمله، هو أن يُقدّم تقريراً عن ذاته. تقرير لكل امرئ عن ذاته. وكل ما يتبقى كذب>>
وراحت بيبي توافق بحماس: <<صحيح! إنه صحيح تماماً! أنا لا أريد أن أكتب رواية! لقد أسأتُ التعبير. أريد أن أفعل بالضبط ما قلته أنت، أن أكتب تقريراً عن حياتي. وفي الآن نفسه، لا أريد أن أخفي أن حياتي هي عادية بالكامل، ومألوفة، وأنني لم أعِش حياةً غريبةً في شيء>>
ابتسم باناكا وقال: << ليس لهذا أدنى أهمية! أنا، منظوراً إليّ من الخارج، لم أعِش أمراً غريباً قط>>
وصرخت بيبي: << نعم إنه لقول فصيح! مرئياً من الخارج، لم أعِش قط. مرئياً من الخارج! ولكن لديّ شعور بأن خبرتي الداخلية جديرة بأن تُكتب ويمكن أن تثير اهتمام الناس جميعاً>>
وظهر أستاذ الفلسفة يسحب دخان غليونه ويختبئ وراء هذا الدُّخان كأنما بدا خجولاً، وقال: << مذ جيمس جويس بتنا نعرف أن المغامرة الكبرى لحياتنا هي غيابُ المغامرات........>> )) الجزء الرابع: الرسائل الضائعة - الضحك والنسيان.
روايتين لكاتب عظيم ومقتدر أدبياً في أسلوبه، وصل للعالمية بسرعة الصاروخ، وبالتحديد منذ عام 1975م وهو في السادسة والأربعين من عمره حين منحته فرنسا حق اللجوء في أراضيها، بعد أن قدم إليها من تشيكوسلوفاكيا وهي ترزح على تحت السيطرة الشيوعية، منذ أن اقتحمت الدبابات السوفياتية عاصمة التشيك واغتالت ربيع براغ في عام 1968م. مُنهياً بذلك الاستبداد والتعذيب الذي تعرّض له هناك على أيدي الاستخبارات، تلك التي قامت بفصله من عمله حيث كان يعمل بروفيسور في المعهد العالي للتصوير السينمائي، وحاولت طمس كتاباته الأدبية عن طريق منع نشر كتبه في البلاد. وروايته المذكورتين هنا قد اشتركتا في عدة أشياء أهمها موضوع ذاكرة الثقافة الأصلية لبلده ومعاناتها مع الموت على أيدي الروس، الغزاة ثقافياً قبل أي شيء آخر.
الروايتين قام ميلان بتقسيم كل رواية منها إلى أجزاء أو فصول مختلفة. فهو يعمد في تقديم الفكرة التي يتناولها كالضحك والنسيان، أو الخفة والثقل، على تناولها من زوايا مختلفة وكأنه يعمل على إخفاء الوجه الحقيقي لذاته أو كما يقول كونديرا عن نفسه في أحد اللقاءات: ((عندما كنت طفلاً صغيراً، حلمتُ بدواء سحري يجعلني غير مرئي. من ثم كبرت، وبدأت الكتابة، وسعيت للنجاح وهاأنا الآن ناجح وأحلم بالدواء نفسه لأتوارى)). فلا عجب إذن، من أن يقوم في سبيل ذلك من خلط مذهل للفلسفة والحلم والسرد الواقعي في تناغم واحد، ضارباً بفكر القارئ في اتجاهات متنوعة وفاتحاً له ثغرات تسمح له بالمغامرة في المجهول. أو كما يقول د.عبدالمنعم الباز ((إن ما ينقذ هذه الأعمال من التقريرية المحضة الممجوجة هو غياب الالتزام الأيديولوجي القديم، مع غياب اليقين الأيديولوجي نفسه، إذ أن الكاتب يدلي بملاحظاته عن العالم بنبرة متعبة عاجزة عن بذل المجهود الذي يتطلبه الكذب)).
نحن أمام كاتب خرافي، إن أردنا التمجيد. إذ أن تمجيده يكون من خلال الصراع الذي يقدّمه بين ضحك الاكتساب والنصر وضحك العدم وافتقاد القيمة لكل شيء، أو ضحك الملائكة، كما يصف، وضحك الشيطان. ونحن أيضاً أمام كاتب بسيط يحلم بالحرية، وحريته ليست بمحاربة السلطات، بل إن حريته متوقفه حتى يحين انتصار ذاكرته على النسيان. هي صراعات داخلية يعيشها المرء منا دون أن تستحوذ على الكثير من اهتمامه، ولكنها بالنسبة لانسان يعيش النفي تشكّل همّه الأوحد الثقيل، هناك حيث الحنين لبراغ والوفاء لباريس التي احتضنته، هناك حيث يرفض أن يكتب رواياته بغير لغته الأصلية - التشيكية - يخطّ في سطور "كائن لاتحتمل خفته": (كلما كان الحمل ثقيلاً كانت حياتنا أقرب إلى الأرض، وكانت واقعية وحقيقية أكثر)، ومن يتوغل في القراءة لهذا الكاتب، والحق أني لم أقرأ له إلا أربعةً من كتبه، يعلم أن كونديرا لايريد منا استصدار الأحكام منه بل فهمه فالمسألة ليست بالبحث عن الإجابات في سطوره بل قراءة الكثير من الأسئلة التي يطرحها بصور ذكية وغير مباشرة.
تبقى نقطة أخيرة يجب الإشارة إليها في هاتين الروايتين، وهي تتعلق بالجنس الصريح الذي يتطرق من خلاله في بعض أقسام هذين الكتابين إلى أفكاره الرئيسية. لأن ميلان ليس كاتباً مبتذلاً لكي ينقل صوراً سخيفة تحكي عن مهاترات انسان مراهق، ومن يقرأ له يعرف أنه تجاوز مثل هذه الإسقاطات الفظّة. فهو يرى أن المشاهد التي تتطرق إلى الحب الجسدي في رواياته هي من أفضل السبل التي تكشف للقارئ جوهر شخصياته وتلخّص موقفهم من الحياة.
((ولكن، في هذه اللحظة، انزلق من النعاس إلى الوعي الجزئي. كان في تلك المنطقة المحايدة حيث لانكون في حالة النوم ولا في حالة اليقظة أيضاً. كان يائساً من أنه رأى تلك المرأة تختفي، وكان يقول في نفسه: يا إلهي! يجدر بي ألا أفقدها. كان يحاول أن يستجمع قواه ليتذكر أين التقى بها وأي حياة عاش معها. هل من المعقول أن يتذكّر هذا وهو يعرفها حق المعرفة؟ عزم على أن يتصل بها باكراً. ولكنه ارتجف خوفاً لساعته، عندما فكّر أنه لن يتمكّن من الاتصال بها والسبب أنه لايتذكّر اسمها. كيف أمكنه أن ينسى اسم شخص يعرفه حق المعرفة؟ ثم عندما استفاق تماماً، فتح عينيه، وقال في نفسه: أين أنا؟ عرفتُ، أنا في براغ. ولكن تلك المرأة هل هي من براغ أيضاً؟ ألم ألتقيها في مكان آخر؟ أو لعلّني تعرّفتُ إليها عندما كنت في سويسرا؟ لزمه بعض الوقت ليفهم أنه لم يكن يعرف هذه المرأة، وأنها لم تكن لامن زيورخ ولامن براغ، بل من منطقة الحلم...)) القسم الخامس: الخفة والثقل - كائن لاتحتمل خفّته.
كتب ميلان كونيرا في مقدمة رواية (الضحك والنسيان) هذه العبارة:
<< أمّة تفقد وعيها بالماضي، تفقد ذاتها تدريجياً! >>
|
|
|
| | | | |