|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||
تأمل في قوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون}
تأمُّل في قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]
حاولتُ تتبُّع أقوال المفسرين في قوله تعالى: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]، فذكروا أوجهًا؛ منها: ما قاله الطبري: "وقوله: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]، نموت نحن، ونحيا وتحيا أبناؤنا بعدنا، فجعلوا حياة أبنائهم بعدهم حياة لهم؛ لأنهم منهم وبعضهم، فكأنهم بحياتهم أحياء، وذلك نظير قول الناس: ما مات من خلَّف ابنًا مثل فلان؛ لأنه بحياة ذكره به، كأنه حي غير ميت، وقد يحتمل وجهًا آخر، وهو أن يكون معناه: نحيا ونموت على وجه تقديم الحياة قبل الممات، كما يُقال: قمت وقعدت، بمعنى: قعدت وقمت، والعرب تفعل ذلك في الواو خاصة إذا أرادوا الخبر عن شيئين أنهما كانا أو يكونان، ولم تقصد الخبر عن كون أحدهما قبل الآخر، تقدم المتأخر حدوثًا على المتقدم حدوثه منهما أحيانًا، فهذا من ذلك؛ لأنه لم يقصد فيه إلى الخبر عن كون الحياة قبل الممات، فقدم ذكر الممات قبل ذكر الحياة، إذ كان القصد إلى الخبر عن أنهم يكونون مرة أحياء وأخرى أمواتًا"[1]. ومنها ما ذكر الماوردي: "قوله عز وجل: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ [الجاثية: 24]، وهذا القول منهم إنكار للآخرة، وتكذيب بالبعث، وإبطال للجزاء، ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]، فيه وجهان: أحدهما: أنه مقدَّم ومؤخَّر، وتقديره: نحيا ونموت، وهي كذلك في قراءة ابن مسعود، الثاني: أنه على تربيته، وفي تأويله وجهان: أحدهما: نموت نحن ويحيا أولادنا، قاله الكلبي، الثاني: يموت بعضنا"[2]. ومنها ما ذكره ابن عطية: "واختلف المفسرون في معنى قولهم: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24]، فقالت فرقة: المعنى: نحن موتى قبل أن نوجد، ثم نحيا في وقت وجودنا، وقالت فرقة: المعنى: نموت حين نحن نُطَفٌ ودم، ثم نحيا بالأرواح فينا، وهذا قول قريب من الأول، ويسقط على القولين ذكر الموت المعروف الذي هو خروج الروح من الجسد، وهو الأهم في الذكر، وقالت فرقة: المعنى: نحيا ونموت، فوقع في اللفظ تقديم وتأخير، وقالت فرقة: الغرض من اللفظ العبارة عن حال النوع، فكأن النوع بجملته يقول: إنما نحن تموت طائفة وتحيا طائفة دأبًا"[3]. ومنها ما ذكر الآلوسي في روح المعاني: "﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [الجاثية: 24] حكم على النوع بجملته من غير اعتبار تقديم وتأخير، إلا أن تأخير ﴿ نحيا ﴾ في النظم الجليل للفاصلة؛ أي: تموت طائفة وتحيا طائفة، ولا حشر أصلًا، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير؛ أي: نحيا ونموت وليس بذاك، وقيل: أرادوا بالموت عدم الحياة السابق على نفخ الروح فيهم؛ أي: نكون نطفًا وما قبلها وما بعدها ونحيا بعد ذلك، وقيل: أرادوا بالحياة بقاء النسل والذرية مجازًا، كأنهم قالوا: نموت بأنفسنا ونحيا ببقاء أولادنا وذرارينا، وقيل: أرادوا يموت بعضنا ويحيا بعض على أن التجوُّز في الإسناد، وجوَّز أن يريدوا بالحياة على سبيل المجاز إعادة الروح لبدن آخر بطريق التناسخ، وهو اعتقاد كثير من عَبَدَةِ الأصنام ولا يخفى بعد ذلك"[4]. والأقوال التي تتبَّعتها لا تخرج عن المذكور. فذهبت إلى تتبُّع شبيهتها في سورة المؤمنون، فرأيتهم ذكروا أقوالًا؛ منها: ما قال الطبري: "وقوله: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، يقول: ما حياة إلا حياتنا الدنيا التي نحن فيها، ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، يقول: تموت الأحياء منا فلا تحيا، ويحدث آخرون منا فيولدون أحياء، ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [المؤمنون: 37]، يقول: قالوا: وما نحن بمبعوثين بعد الممات؛ كما: ⁕ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [المؤمنون: 37]، قال: يقول ليس آخرة ولا بعث، يكفرون بالبعث، يقولون: إنما هي حياتنا هذه، ثم نموت ولا نحيا، يموت هؤلاء ويحيا هؤلاء، يقولون: إنما الناس كالزرع يحصد هذا، وينبت هذا، يقولون: يموت هؤلاء، ويأتي آخرون، وقرأ: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 7]، وقرأ: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ﴾ [سبأ: 3]"[5]. ومنها ما ذكره ابن الجوزي في تفسير: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، يعنون: ما الحياة إلا ما نحن فيه، وليس بعد الموت حياة، فإن قيل: كيف قالوا: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، وهم لا يقرون بالبعث؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها الزجاج: أحدها: نموت ويحيا أولادنا، فكأنهم قالوا: يموت قوم، ويحيا قوم، والثاني: نحيا ونموت؛ لأن الواو للجمع لا للترتيب، والثالث: ابتداؤنا موات في أصل الخِلْقة، ثم نحيا، ثم نموت"[6]. ومنها ما ذكر الماوردي: "قوله تعالى: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يموت منا قوم ويحيا منا قوم، قاله ابن عيسى، الثاني: يموت قوم ويولد قوم، قاله يحيى بن سلام، قال الكلبي: يموت الآباء ويحيا الأبناء، الثالث: أنه مقدَّم ومؤخَّر، معناه نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين، قاله ابن شجرة"[7]. ومنها ما ذكر الآلوسي: "وقوله تعالى: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [المؤمنون: 37] جملة مفسرة لِما ادَّعوه من أن الحياة هي الحياة الدنيا، وأرادوا بذلك يموت بعضنا ويولد بعض وهكذا، وليس المراد بالحياة حياةً أخرى بعد الموت؛ إذ لا تصلح الجملة حينئذٍ للتفسير، ولا يذم قائلها، وناقضت قولهم: ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ [المؤمنون: 37]، وقيل: أرادوا بالموت العدم السابق على الوجود، أو أرادوا بالحياة بقاء أولادهم فإن بقاء الأولاد في حكم حياة الآباء ولا يخفى بعده، ومثله على ما قيل، وأنا لا أراه كذلك، إن القوم كانوا قائلين بالتناسخ، فحياتهم بتعلُّق النفس التي فارقت أبدانهم بأبدانٍ أُخَرَ عنصريةً، تنقلت في الأطوار حتى استعدت لأن تتعلق بها تلك النفس المفارقة، فزيدٌ - مثلًا - إذا مات تتعلق نفسه ببدن آخر قد استعد في الرحم للتعلق، ثم يُولَد، فإذا مات أيضًا تتعلق نفسه ببدن آخر كذلك، وهكذا إلى ما لا يتناهى، وهذا مذهب لبعض التناسخية، وهم مِلِّيُّون ونِحْلِيُّون، ويمكن أن يُقال: إن هذا على حد قوله تعالى لعيسى عليه السلام: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ [آل عمران: 55]، على قول، فإن العطف فيه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب، فيجوز أن تكون الحياة التي عنَوها الحياة قبل الموت، ويحتمل أنهم قالوا: نحيا ونموت، إلا أنه لما حُكِيَ عنهم قيل: ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، ليكون أوفق بقوله تعالى: ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾ [المؤمنون: 37]، ثم المراد بقولهم: ﴿ وَمَا نَحْنُ ﴾ [المؤمنون: 37]؛ إلخ استمرار النفي وتأكيده"[8]. وغيرهم من المفسرين نحَوا ما نحا المذكورون، إلا أنه خطر خاطر ببالي، فأوغل حتى ملأ فؤادي، وهو: ما الذي يمنع أن تكون الموتة في الآية هي الموتة الصغرى، وعلى ذا فتكون (ونحيا) الانتباه من النوم، إذًا فالهلاك في الآية الموتة الكبرى، ولو نظرنا إلى معنى التجدد في الفعل المضارع، فإنه لا يمنع ما ذُكِر، وإن كان بعض المفسرين نظروا إليه في بعض الأقوال المذكورة، ولسائل أن يقول: لم تقول بأن (نموت) هي الموتة الصغرى، والأصل في الشرع أن لفظ الموت للكبرى؟ فأقول: إن ما ذكرت حق؛ وهو أن الأصل في الشرع أن تكون الموتة هي الكبرى إلا لقرينة، إلا أني ذكرت لك القرينة، وهي (وما يهلكنا)، فلفظة الهلاك تكون الموتة الكبرى في الآية. فنخرج بثلاثة أمور: أولاها: أن اللغة لا تمنع هذا. ثانيها: أنه جاء في القرآن استعمال الموت – لقرينة - بمعنى النوم. آخرها: أن هذا لم أرَ مَن ذكره مِن المفسرين، فإما أن يكون هنالك من ذكره أو لا، فإن كان الثاني فهذا يوجب اتهام النفس. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. [1] انظر: تفسر الطبري (22/ 78). [2] انظر: النكت والعيون (5/ 266). [3] انظر: المحرر الوجيز (5/ 87). [4] انظر: روح المعاني (13/ 151). [5] انظر: تفسير الطبري (19/ 32). [6] انظر: زاد المسير (3/ 262). [7] انظر: النكت والعيون (4/ 54). [8] انظر: روح المعاني (9/ 234). |
04-02-2024 | #2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
لجهودك باقات من الشكر والتقدير
على روعة الطرح
|
|
|