ديوان (للشاعر أبن زيدون)

هَل عَهِدنا الشَمسَ تَعتادُ الكِلَل

هَل عَهِدنا الشَمسَ تَعتادُ الكِلَل = أَم شَهِدنا البَدرَ يَجتابُ الحُلَل
أَم قَضيبُ البانِ يَعنيهِ الهَوى = أَم غَزالُ القَفرِ يُصبيهِ الغَزَل




هِيَ الشَمسُ مَغرِبُها في الكِلَل = وَمَطلَعُها مِن جُيوبِ الحُلَل
وَغُصنٌ تَرَشَّفَ ماءَ الشَبابِ = ثَراهُ الهَوى وَجَناهُ الأَمَل




يُقَصِّرُ قُربُكَ لَيلي الطَويلا = وَيَشفي وِصالُكَ قَلبي العَليلا
وَإِن عَصَفَت مِنكَ ريحُ الصُدودِ = فَقَدتُ نَسيمَ الحَياةِ البَليلا




في جِوارِكُم الذَليلُ = وَحَدّي في رَجائِكُمُ الكَليلُ
نَصيبٌ مِن وِلايَتِكُم كَثيرٌ = وَحَظٌّ مِن عِنايَتِكُم قَليلُ




لَئِن كُنتَ في السِنِّ تِربَ الهِلالِ = لَقَد فُقتَ في الحُسنِ بَدرَ الكَمالِ
أَما وَالَّذي نَكَّدَ الحَظَّ فِيَّ = دُنُوُّ المَكانِ بِبُعدِ المَنالِ




أَلَم يَأنِ أَن يَبكي الغَمامُ عَلى مِثلي = وَيَطلُبَ ثَأري البَرقُ مُنصَلَتَ النَصلِ
وَهَلّا أَقامَت أَنجُمُ اللَيلِ مَأتَماً = لِتَندُبَ في الآفاقِ ماضاعَ مِن نَثلي




أَتَتكَ بِلَونِ المُحِبِّ الخَجِل = تُخالِطُ لَونَ المُحِبِّ الوَجِل
ثِمارٌ تَضَمَّنَ إِدراكَها = هَواءٌ أَحاطَ بِها مُعتَدِل




أَيُّها البَدرُ الَّذي = يَملَأُ عَينَي مَن تَأَمَّل
حُمِّلَ القَلبُ تَباريحَ ال = تَجَنّي فَتَحَمَّل




إِعجَب لِحالِ السَروِ كَيفَ تُحالُ = وَلِدَولَةِ العَلياءِ كَيفَ تُدالُ
لا تَفسَحَن لِلنَفسِ في شَأوِ المُنى = إِنَّ اِغتِرارَكَ بِالمُنى لَضَلالُ




سَأُهدي النَفسَ في نَفسِ الشَمالِ = فَقَد لَقِحَ التَشَوُّقُ عَن حِيالِ
إِلى الشَثنِ العَزائِمِ إِن أُثيرَت = حَفيظَتُهُ إِلى اللَدنِ الخِلالِ




لَو كانَ قَولُكَ مُت ما كانَ رَدّي لا = يا جائِرَ الحِكمِ أَفديهِ بِمَن عَدَلا
أَبدَيتَ لي مِن أَفانينِ القِلى عِبَراً = أَرسَلنَني في أَحاديثِ الهَوى مَثَلا




لَم يَكُن هَجرُ حَبيبي عَن قِلى = لا وَلا ذاكَ التَجَنّي مَلَلا
سَرَّهُ شُكرِيَ إِذ عافى وَلَم = يَدرِ ما غايَةُ صَبري فَابتَلى




مَرادُهُمُ حَيثُ السِلاحُ خَمائِلُ = وَمَورِدُهُم حَيثُ الدِماءُ مَناهِلُ
وَدونَ المُنى فيهِم جِيادٌ صَوافِنٌ = وَمَأثورَةٌ بيضٌ وَسُمرٌ عَوامِلُ




يا ناسِياً لي عَلى عِرفانِهِ تَلَفي = ذِكرُكَ مِنِّيَ بِالأَنفاسِ مَوصولُ
وَقاطِعاً صِلَتي مِن غَيرِ ما سَبَبٍ = تَاللَهِ إِنَّكَ عَن روحي لَمَسؤولُ




عَذيري مِن خَليلٍ يَستَطيلُ = يَميلُ مَعَ الزَمانِ كَما يَميلُ
وَيَرضى أَن تَضيعَ سُدىً حُقوقي = وَباعي في الهَوى باعٌ طَويلُ




الهَوى في طُلوعِ تِلكَ النُجومِ = وَالمُنى في هُبوبِ ذاكَ النَسيمِ
سَرَّنا عَيشُنا الرَقيقُ الحَواشي = لَو يَدومُ السُرورُ لِلمُستَديمِ




راحَت فَصَحَّ بِها السَقيم = ريحٌ مُعَطَّرَةُ النَسيم
مَقبولَةٌ هَبَّت قَبولاً = فَهيَ تَعبَقُ في الشَميم




سَقى الغَيثُ أَطلالَ الأَحِبَّةِ بِالحِمى
وَحاكَ عَلَيها ثَوبَ وَشيٍ مُنَمنَما




إِنَّ لِلأَرضِ وَالسَماءِ وَلِلما = إِ عَلَينا أَذِمَّةً لا تُذَمُّ
هِيَ بَعضُ اِسمِ مَن أُحِبُّ وَلاءً = وَبِتَكريرِ بَعضِها يَستَتِمُّ




لَقَد سَرَّنا أَنَّ النَعِيَّ مُوَكَّلٌ = بِطاغِيَةٍ قَد حُمَّ مِنهُ حِمامُ
تَجانَبَ صَوبُ المُزنِ عَن ذَلِكَ الصَدى = وَمَرَّ عَلَيهِ الغَيثُ وَهوَ جَهامُ




عَلى الثَغَبِ الشَهدِيِّ مِنّي تَحِيَّةٌ = زَكَت وَعَلى وادي العَقيقِ سَلامُ
وَلازالَ نورٌ في الرَصافَةِ ضاحِكٌ = بِأَرجائِها يَبكي عَلَيهِ غَمامُ




الدَهرُ إِن أَملى فَصيحٌ أَعجَمُ = يُعطي اِعتِباري ما جَهِلتُ فَأَعلَمُ
إِنَّ الَّذي قَدَرَ الحَوادِثَ قَدرَها = ساوى لَدَيهِ الشَهدَ مِنها العَلقَمُ




سِرّي وَجَهري أَنَّني هائِمُ = قامَ بِكَ العُذرُ فَلا لائِمُ
لا يَنَمِ الواشي الَّذي غَرَّني = ها أَنا في ظِلِّ الرِضى نائِمُ




لِبيضِ الطُلى وَلِسودِ اللِمَم = بِعَقلِيَ مُذ بِنَّ عَنّي لَمَم
فَفي ناظِري عَن رَشادٍ عَمىً = وَفي أُذُني عَن مَلامٍ صَمَم




سَلِ المَعشَرَ الأَعداءَ إِن رُمتَ صَرفَهُم = عَنِ القَصدِ إِن أَعياكَ مِنهُ مَرامُ
أَتوكَ كَآسادِ الثَرى فَرَدَدتَهُم = كَما أَجفَلَت وَسطَ الفَلاةِ نَعامُ




سَأُحِبُّ أَعدائي لِأَنَّكِ مِنهُمُ = يا مَن يُصِحُّ بِمُقلَتَيهِ وَيُسقِمُ
أَصبَحتَ تُسخِطُني فَأَمنَحُكَ الرِضى = مَحضاً وَتَظلِمُني فَلا أَتَظَلَّمُ




إِن ساءَ فِعلُكِ بي فَما ذَنبي أَنا = حَسبُ المُتَيَّمِ أَنَّهُ قَد أَحسَنا
لَم أَسلُ حَتّى كانَ عُذرُكِ في الَّذي = أَبدَيتِهِ أَخفى وَعُذرِيَ أَبَينا




أَرخَصتِني مِن بَعدِ ما أَغلَيتِني = وَحَطَطتِني وَلَطالَما أَعلَيتِني
بادَرتِني بِالعَزلِ عَن خُطَطِ الرِضى = وَلَقَد مَحضتُ النُصحَ إِذ وَلَّيتِني




لا اِفتِنانٌ كَاِفتِناني = في حُلى الظُرفِ الحِسانِ
خَصَّني بِالأَدَبِ اللَهُ = فَأَعلى فيهِ شاني




أَمّا رِضاكَ فَعِلقٌ ما لَهُ ثَمَنٌ = لَو كانَ سامَحَني في وَصلِهِ الزَمَنُ
تَبكي فِراقَكَ عَينٌ أَنتَ ناظِرُها = قَد لَجَّ في هَجرِها عَن هَجرِكَ الوَسَنُ