03-13-2009
|
#41
|

أمام خيمة الخليل
الجاهِليةُ في عَبَاءتِهِ، وأَسْرارُ الحَناجِرْ
وجميعُ ما عَزَفُوا، وغَنَّوْا، شاعِراً في إثْرِ شاعرْ
عينانِ يَنْبوعانِ للإبداعْ
عينانِ تَأتلِقانِ.. ألْفُ شُعاعْ
يَلِدُ الجديدَ، ويُمْطِرُ الدُّنيا ربيعاً منْ خَواطِرْ
يا لَلْمنارةِ.. بَكَّرَتْ تُهْدِي إلى البيدِ المنائرْ!
*
في بابِ خَيمتِه القوافي.. كُلُّ شاردةٍ وشاردْ
وَعصَاهُ تَلْقَفُ ما تَشاءُ، تُروِّضُ القِممَ الخوالدْ
لا بُدَّ أنْ تَنصاعَ مَلْحَمةُ العروبةْ
لِلقَيْدِ يُعْطِيها البقاءَ، يَرُدُّها أبداً قَشيبةْ
لا بُدَّ أنْ تَنصاعْ
وتجوزَ ليلَ ضَياعْ
وتُعانِدُ القِمَمُ
ويًصارعُ النَّغَمُ
والمبدِعُ العملاقُ فِكرٌ دافِقُ الوَمَضَاتِ ساهدْ
*
سأَشُدُّ الحانَ العصورِ الغابراتِ عَلى ربابي
سَأَشُدُّها في خَيْمتي السمراءْ
وتَظَلُّ نَهرَ ضِياءْ
أسقي بها الأجيالَ، أخلعُ فوقها بُرْدَ الشبابِ
*
وتحتشِدُ السواقي.. كُلُّ ساجعةٍ وغِرِّيدةْ
وتَسْكُبُ في "العَرُوضِ" غِناءَها فالدَّهرُ أنشودَةْ
ويَمضِي المُبْدعُ العملاقْ
يَراعٌ قادِرٌ خَلاَّقْ
يَلُمُّ شوارِدَ الفُصْحَى..*
ويَطْوِي في عَبَاءتِهِ المَدَى، يَطْوِي بها الآفاقْ
سَلاماً، سيّدَ النَّغَمِ الذي يَنْهَلُّ في عودي!
سلاماً.. عبقريَّ الأمسْ
سلاماً.. يا رفيقَ الشمسْ
سلاماً.. يا أَبا قِيثارتي، يا كَرْمَ عُنقودي!
أنا العربيُّ في البصرةْ..
بلا كوبٍ، ولا خَمرَةْ
أَدُقُّ خِباءَكَ الأسمَرْ
أُريدكَ.. في يَديَّ سُؤالْ
حديثٌ، سَمِّهِ ما شِئْتَ، وَمْضُ خَيالْ
أُريدُكَ.. يا أَبا الألحانِ، يا عَرَّافَها الأكبرْ!
*
وتَحمِلٌني إلى خضراءَ سامقةٍ من القِممِ
ذِراعا سيدِ النَّغَمِ..
ويَحضُنني يتيماً من يَتاماهُ
وألقاهُ..
كما أوْفَى أخو الرمْضاءِ* مكدوداً على الظلِّ
كما انغَرسَتْ بصدرِ الرملِ بعد ضَياعِها في الريحِ
يوماً حبَّةُ الرمْل..
وافتَحُ دفتري.. وتَمزُّقيَ..
سأخُطُّ ما يُمْلي..
وسوفَ أبُثُّه همّي
وهَمَّ الشعْرِ.. لن يحنو على يُتْمي، على ثُكْلي
على صوتي المُمزَّقِ في مقابرِنا سوى أهلي
|
|
|
03-13-2009
|
#42
|

عند الجاحظ
الجاحظ:
"يبدو في وسط الحجرة شيخاً متهدماً مقعداً،
لا تفارقه روح البشاشة والمرح. يشير بيده إلى
رفوف الكتب التي تملأ الحجرة من حوله.."
...
زَحَمتْني.. فما أُطِيقُ حَرَاكاً
في مكاني.. ولا أُسيغُ قُعودا
أثقلَتْ كاهلَ الجدارِ، فَبيتي
يتَشكّى رُكامَها مكدودا
الرفُوفُ الحُبْلَى، وأخشَى اذا ما -
لتْ - وُقيتَ الأذى - أكونُ الشهيدا
وَرَقٌ قِصَّتي هنا.. ومِدَادٌ
وَرَقٌ يَأْكُلُ الحياةَ نضيدا
كُتُبي.. لو أَبِيعُها بنشيدٍ
قِمَّةُ الحُلْمِ أَنْ تكونَ نشيدا
بحديثٍ حُلْوٍ تُقهقِهُ فيهِ
طُرْفَةٌ لا أَمَلُّها ترديدا
الرفوفُ الحُبْلَى.. تَجنَّب أَذاها
والتمِسْ إن وجَدْتَ رُكْناً بعيدا
هذهِ حُجْرتي.. وأَهلاً وسَهلاً
قَتَلَ الحرفُ عُمْرَنا تَفنيدا
...
الشاعر: أنا ضَيفُ التاريخ..
الجاحظ: دَعْكَ من التاريخِ،
لا تَقتَحِمْ سُكونَ الظلامِ
أنا تَوْقٌ إليكمُ وحنينٌ
وانتظارٌ مُرٌّ وراءَ الرُّكامِ
أنا تَوْقٌ أَمُدُّ طَرْفي إلى الآ -
تي، وحَسْبي مما أَراه أَمامي
إِدْفِن النُّوقَ في الفَلاةِ وخُذْني
مرةً في الأثيرِ.. فوقَ الغَمامِ
أنتَ آتٍ على قوادمِ "عِفرْيتٍ"
يَجُوزُ الفضاءَ كالأَحلامِ
بجميعِ الذي كتَبْتُ نهارٌ
أمتطي الريحَ فيه من أيامي
آهِ.. ما أَرْوَعَ السحائبَ يَشمَخْنَ
ليلحَقْنَ ظِلَّكَ المُترامي
سبَقَ الفِكرُ يا صديقي رُؤَانا
طارَ خَلْفَ الظُّنونِ والأوهامِ
أَنْبأُوني أنَّ المراكبَ في الحوِّ
تَشُقُّ السماءَ مثْلَ السهامِ
تَصِلُ الأرضَ مِثْلما تَصِلُ الهُدْ -
بينِ نجوى أو خَطْرةٌ في منامِ
...
أَنْبَأُوني أَنَّ السماواتِ صارت
- قُدِّسَ الربُّ- مَوْطِئَ الأَقدامِ
واذا الكوكَبُ المنيرُ ظلامٌ
وفَراغٌ كالموتِ، كالإعْدامِ
سَرقَتْ عمرَنا الأساطيرُ ما جَدْ
وى قُعودي في كَهْفِها وقيامي؟
لو تحرَّرْتُ ساعةً من قيودي
بالتحدِّي صرَخْتُ: هاكَ زِمامي!
مَرْحَباً أيها الصديقُ.. وقلْ لي
كيفَ أنجو من هذه الأصنامِ؟
...
الشاعر: "في صوت هادئ واجلال"
أيُّها الكوكَبُ المُشِعُّ على أَرضي،
يُضيءُ الأقلامَ جيلاً فجيلا
ما نزَلْتُ التاريخَ إلا لأَلقا-
كَ عِناداً يُروِّضُ المستحيلا
أنتَ بَوَّابةُ العصورِ تقحَّمْتَ
على العقلِ بُرْجَهُ المجهولا
عالَمٌ أنتَ من مِدادٍ وضَوْءٍ
عالَمٌ لا يموتُ، فاهدَأْ قليلا
أنا آتٍ على قوادمِ "عِفْريتٍ"
اجُرُّ الدَّمارَ والتنكيلا
ليسَ لي من روائع العصر إلا
ما تراهُ ضَراعةً وخُمولا
القناديلُ في يديْكَ، فَعلّمْ
جيلنا كيفَ يُشْعِلُ القِنديلا
القناديلُ نحنُ تَذْكارُها المُرُّ
لو أنَّ التَّذْكارَ يُجْدِي فتيلا
قد حَملْتُم عِبْءَ، الحَضارة يوماً
وحَملْنا ضَرِيحَها إكليلا
...
الجاحظ: "يرسل زفرة عميقة"
هَدَّني الليلُ، هَدَّني فوقَ أوراقيَ السَّهَرْ
أنَا جِذْعٌ مُهَشَّمٌ في فَمِ الداءِ يُحْتَضَرْ
كلُّ شيءٍ إلى البلى إنّها دورةُ الفَلَكْ
ليتَني عدْتُ سيرَتي بائعَ الخُبْزِ والسَّمكْ*
...
الشاعر: مِنْ هنَا يَبْدَأُ السُّرَى كُلُّ صادٍ إلى الشَّفَقْ
من غَياباتِ شارعٍ وحَوانيتَ لِلْوَرَقْ
سُنَّةُ المُبْدِعينَ في كُلِّ آنٍ
وَمكانٍ ما بَدَّلَتْ تبديلا
يَنْسُجُونَ الغُبارَ تاجاً على الدهـ
رِ وظِلاً للقادِمين ظليلا
سُنَّةُ المُبْدِعين.. نَأْخُذُ ما أَعْطَوا،
ويَنْسَى المُقَلّدون الأَصيلا
نتَمَطَّى، نَشُدُّ قاماتِنا الكَسْلَى
وَنبْقَى في السَّفْحِ شيئاً ضئيلا
أَنْتَ أَقْوى مُهَشَّماً في فَمِ الداءِ
وأعتَى مُهَدَّماً مشلولا
...
الجاحظ: "يبتسم كأنما يريد أن يغير الحديث"
بُخَلائي في عَصرِكُمْ كيفَ أمْسَوْا!
الشاعر: "بعد لحظة صمت"
ضَخُموا جُثَّةً، وزادوا ثَراءَ
وَلَغتْ في دمِ الملايينِ أَيديهمْ
فما يَحْصدُونَ إلا الدماءَ*
مَلَكُوا الأَرضَ غاضِبينَ وكانُوا
ثُلّةً تُشْبِعُونَها اسْتِهْزاءَ
...
الجاحظ: مُفْزِعٌ ما تقولُ..
كيفَ سَكَتُّم؟
الشاعر: ما سَكَتْنا..
الجاحظ: أتَرْهَبونَ اللقاءَ؟
الشاعر: بَعْضُنا آثَرَ السلامةَ والصمْتَ؟
الجاحظ: وبَعْضٌ؟
الشاعر: تَكَلَّموا شُهَداءَ
الصِّراعُ العنيدُ.. في كُلِّ ركْنٍ
ساحةٌ فُجَِرَتْ، وصُبحٌ أَضاءَ
عَرَفَتْ لُعْبةَ السلاحِ الملايينُ
وثارَتْ.. لو تَسْمعُ الأنباءَ!
الجاحظ: عَجَبٌ ما أَرى.. تَبدَّلتِ الدنيا،
الشاعر: ولَبِّى فيها سِوانا النداءَ
|
|
|
03-13-2009
|
#43
|

نشيد الحوريات
بقايا رحلة نهرية
في شط العرب.
***
الحوريات: من أجنحةِ الغيم الأزرقْ
من أحداقِ الزهرِ
من ألفِ شراعٍ يتألقْ
من أحضان النهرِ
نتحدّرُ نحنُ نجيءْ
نغماً في الشطّ يُضيء
من أجنحةِ الغيمِ الأزرقْ
*
سَمّوْنَا: حُورَ الماء
كنا حلم الشعراء
غنوا.. سبحوا بجدائلنا
سرقوا كلماتِ رسائلنا
ونروحُ هنا ونجيءْ
نغماً في الشطّ يُضيءْ
والأفقُ لنَزْوتِنا زَوْرَقْ
*
الشاعر: يا إلاهاتِ الهوى.. هذا ربابي!
وبقايا من لهيبٍ وترابِ
قطرةً من رَوْعةٍ في وَتَري
يا إلاهاتُ.. ونَضَّرْنَ يبابي!
...
الحوريات: سَمّونا حور الماءْ
وندامانا الشعراءْ
مَرَّ "الملكُ الضِلّيلُ"* بنا
وجميل بثينة.. كان هنا
ومجانينُ الفَلَواتْ*
وقوافلُ من زَفَراتْ
ما زالت في نَهْدٍ تشْهَقْ
*
أبدَعناكُمْ وتراً وترا
أعطينا الأجفانَ السّهرا
لم نبخلْ بالجسدِ البضِّ
من قُبلتِنا عطر الأرضِ
قطّرنَا اللذة في الحبِّ
وأعرْنا النّبضةَ للقلْبِ
وبقيتُمْ شوقاً يتحرّقْ
...
الشاعر: قُدِّسَ السرُّ الذي تَحْمِلْنَهُ!
قُدِّسَتْ فتنتُهُ أمُّ العذابِ!
يا إلاهاتِ الهوى.. هذي يدي
لهفةٌ ضارعةٌ، هذا سَرَابي!
...
حورية أولى: لا تلمسْ بالفاني جسدي
خُذني همساً خلف الأبدِ
تعطَى شفتي وتُباحْ
من يملِكُ ظِلَّ جَناحْ
تَتَلوَّى كالأَفعى الرّغبَةْ
فافتح لي جنّتكَ الرحبَهْ
وتعالَ بأغنيةٍ نَغْرَقْ
...
حورية ثانية: أترنّحُ مثلَ شِراعْ
أتعرّى مِثْلَ شُعاعْ
لا أُومِنُ بالحُلُمِ الأخضرْ
الأرضُ لنا.. هيا نَسْكَرْ
الأرضُ تمدُّ ذِراعيها
أشواقي منها وإليها
في صدري لَيْلُكَ.. لا تأرَقْ
...
الشاعر: يابْنَةَ الماءِ.. تعرّيْ فِتنةً
اوفرِ في هاجساً خلفَ الضبابِ
أنتِ ينبوعي.. وطاغٍ عطشي
وأنا وحدي أختارُ شرابي
...
حورية ثالثة: في فجرِ الحبّ.. غريراتُ
تتفجّرُ، تغلي الصّبَواتُ
الشطُّ الصامتُ وشوشني:
ما جدوى النسمةِ تلمِسُني..
وتطيرُ بلا أصداء
يملأُنَ حياة الماء
يسقينَ من الظّمأِ الأعمقْ؟
...
الحوريات: أين "الملكُ الضلّيلْ"؟
جُوعٌ في الرملِ قتيلْ
أين الآتونَ على الدربِ؟
للنشوةِ نحنُ، وللحُبِ
لا تنطفئُ الزّفراتْ
وضفائرُنا عطِراتْ
الموجةُ تهتِفُ.. فَلْنَغرقْ!
***
"تنسحب عرائس الماء..
الواحدة بعد الأخرى..
ثم تتوارى بين النخيل."
***
الشاعر: قُدّسَ الُحسنُ.. تعالى عَرْشُهُ
جسداً بَضّاً وريعانَ شبابِ
يا بناتِ الماء.. طاغٍ عطشي
وأنا وحدي سأختارُ شرابي
___________
|
|
|
03-13-2009
|
#44
|

شهرزاد الجزيرة
"تبدو في ضوء القمر فتاة رائعة الجمال"
***
شهرزاد: غابة الضوءِ خلفنا غابةُ الماء والشجرْ
وعلى شاطئ الرمال
أنت ظلٌّ من الظلال
أيها الزائر الذي جاء يستنطقُ القمرْ
يتقرّى طيوفنا يسأل الصمتَ عن خبرْ
هل تشفّيتَ بالصدى وتبلّغتَ بالأثرْ؟
الشاعر: أنتِ يا موجةَ عطرٍ غامضٍ
طَلَعَتْ من كُوّةِ الليلِ عَلَيّا
مَرّ أترابُكِ.. عَمّا لحظةٍ
وتوارينَ نشيداً عبقريا
ساحراتُ الشطِّ.. ما زلتُ على
شفةٍ لمياء كأساً وحُمَيَّا
شهرزاد: لستُ مِنهُنَّ.. صورةً
كُنّ من عابرِ الصُّورْ
إقتربْ.. هذه يدي
أنا منكمْ.. من البشرْ
لي على الشطِ دارَةٌ
للحكاياتِ والسّمَرْ
إقتربْ..
الشاعر: "لنفسه" يا لَفِتْنةٍ
تملكُ السمعَ والبصرْ!
شهرزادُ التي...
شهرزاد: نعمْ.. شهرزادُ التي تنامْ
في أراجيحَ من غمامْ
..
في دمِ الشرقِ مخدعي
في أساطيره أنامْ..
في ثَنِيّاتِ قِصَّةٍ
عُمرُها ألفُ ألفِ عامْ
الشاعر: حُلْمٌ أنتِ
شهرزاد: بل صِباً وشبابٌ مٌجسّدٌ
بيننا موعدٌ على
شُرفةِ الليلِ..
الشاعر: موعد؟
شهرزاد: أخضرٌ في رحابه
كلُّ شيء يجدَّدُ
فجأة.. تنفُضُ العصو
رُ رَدَاها.. وتولدُ
هاكَ يا شاعري يدي
أيّ دنيا سنَشهَدُ!
...
عبق الأمسِ دربُنا وعلى كفنا الغَدُ
***
"تأخذ بيد الشاعر وتنطلق رشيقةً كالنسمة،
لينةً كالحرير."
***
الشاعر: أين تمضين؟
شهرزاد: أناةَ.. هذه
سُجُفُ الغيبِ تهاوى في يَديّا
نسجونا من رُؤاهُمْ.. أَيّهُمْ
تتمنّى أن ترى..
الشاعر: لم أرَ شيئاً..
من تُريدينَ؟
شهرزاد: سُؤالٌ عَجَبٌ
همسةٌ من إصبعي تُدني القَصِيّا
تصهرُ الأبعادَ، تجلو عالماً
لم يزل مفتاحُهُ الغالي لديّا
"تشير بيدها ناحية الصحراء"
القناديلُ التي عاشتْ هُنا
إرثُنا الماضي يعودُ الآن حيّا
إرثُنا .. أيّ سِراجٍ غابرٍ
أُشْعِلُ الساعةَ.. أدعوهُ إليا؟
أنا كلُّ الرّغباتِ .. اتّقدَتْ
فيكَ خُلْماً يَسَعُ الليلَ شَهيّا
أيقظِ الأجدادَ من غُربتهمْ
حلَّ بالأُغرودَةِ اللغزَ العصيّا
شاعِرٌ أنتَ..
الشاعر: "كمن يستيقظ فجأة من حلم عميق"
وفي هذا المدى
غَزَلتْني الريحُ شعراً عربيا
لَمّني "الأزْدِيُّ"* في أوتاره
شدّني بالبيد.. لحناً أبديا
ليتني ألقاهُ .. يا ساحرتي
شهرزاد: خطوة أخرى
ودُقَّ البابَ .. هَيّا!
|
|
|
03-13-2009
|
#45
|

حوار مع الخليل
الخليل بن أحمد
"يبدو في صدر المكان، مهيباً، أليفاً، تنتشر
حوله أكداس من الرسائل والصحف يرفع بصره
عن جريدة في يده..."
***
قَرأْتُ الجريدةْ..*
قرأتُ الكلامَ الذي تنشُرونْ
وشِعراً تُسَمُّونَ ما تكتبونْ
عمودانِ.. لا سَجْعَةَ الكاهنِ
لمحتُ.. ولا خِفّةَ الماجنِ
ولم أتبيّنْ تُخُومَ القصيدةْ
*
أُزحْزِحُ عن ناظِريّ السُجُفْ
أُطِلُّ على عَصْرِكم يا بُنَيّ
أُطِلُّ وأسألُ عن كل شيءْ
وأقرأُ.. أقرَأُ كلّ الصُحفْ
*
بُلِينا قديماً بِمَدِّ النَظَرْ
نُفَتِّشُ حتى حفيفَ الشجرْ
نُقَلّبُ كلّ رمال الفلاةْ
نَمُرُّ عليها حصاةً.. حَصَاةْ
نُسائِلٌها أبداً عن خَبَرْ
ونَرْجِعُ حيناً بلَفْحِ الهجيرْ
وحَرِّ السعيرْ..
ونَزْرٍ من الزادِ، نَزْرٍ يسيرْ
ولكننا لا نَمَلُّ السفَرْ
*
أشِعراً تقولون؟
هذي الجريدة
رُموزٌ عنيدةْ
أَغُوصُ على السرّ مُنذُ الصباحْ
فلا النورُ ذَرّ، ولا السرُّ باحْ
مُعقّدةٌ أُحْجِيَاتُ الشبابْ
أماءٌ وراءَ الدُّجى أم سرابْ؟
أرَوْضٌ تمنّعَ لا يُستَباحُ
لِذي بَصَرٍ؟ أم يَبابٌ يَبابْ؟
سأُعِمِلُ فكري
سأجتازُ عصري
أُغلغِلُ في هذه الأغنيةْ
أسافِرُ في تِلكُمُ الأُحجيةْ
لعلّي أُمزّقُ هذا الضبابْ
أُحبُّ الطُّموحَ، أُحِبُّ الشبابْ
...
الشاعر: أبا المنشدينَ.. وميزانهمْ
اذا هزّتِ الريحُ ألحانهُمْ
وضاعتْ .. وضاعوا
فأنتَ الشراعُ
وأنتَ السفينةْ
وبابُ المدينةْ
نَحومُ على كلّ دربٍ جديدةْ
ونبقى ضُيوفَ الخِباءِ العتيقْ
قوافلُ عطْشَى.. وأنتَ الطريقْ
وفي الخيمةِ الأمّ تبقى القصيدةْ
*
عفاريتُكَ الطامحونَ الشبابْ
يُريدونَ هذا الدُّجى والضبابْ
يريدونه ألفَ لونِ ولونْ
وليس يَهُمُّهُمْ ما يَرَونْ
يقولون في فَوْرةٍ من غَضَبْ
يقولون: مَلّتْ يدانا الخَشَبْ
نُسمّيهِ ورداً وعِطراً ونضرةْ
لِيَمْشِ على اليابسينَ اللهبْ
ليمشِ اللهبْ..
لعلّ ربيعاً جديداً يمورُ..
وراء القبورِ..
بأرضِ العربْ..
*
أبا المُنشدينَ العِطاشِ الصغارْ
سَئِمْنا النهارْ
سئِمنا: "تعلّمْ يا فتى فالجهلُ عار."
سئمنا سُكونَ الضحى والهجيرْ..
ومات الغدير
لألفٍ خلونَ - يقول الصغارْ -
تَيبّسَ في القَفْرِ، ماتَ الغديرْ
فدَعْهُمْ يلوبونَ خلفَ الصقيع
وخلفَ جريرٍ، وخلف الفرزدقْ
وألفِ جدارٍ أنيق مُزَوَّقْ
هَوى، وانطوى، رُبّ حلمٍ تحققْ
وعادوا بزنبقةٍ من ربيعْ
...
الخليل: "ماتزال الجريدة في يده
يلقي عليها نظرة من حين
إلى حين.."
قرأتُ الجريدةْ.
وما زِلتُ أسألُ: أين القصيدةْ؟
وما زالَ ظِلّ الجدارِ العتيقْ
على شُرُفاتِ الزمانِ السحيقْ
أرقّ وأندى
وأكرم وِرْدا
يَهُزُّ النيامَ، يُنادي العطاشَ،
يديرُ على الشاربينَ الرحيقْ
*
خذوا يا بُنَيّ شِعابَ الظلامْ
ودُقّوا خطاكم بأرضِ الغرابةْ
لعلَ سحابةْ
من الغيبِ تُمْطِرْ
فتخْضَرّ هذي الصحارَى وتُزْهِرْ
ولكنَ في الشعرِ سِراً ينامْ
يُفيقُ اذا أومأتْ إصْبَعُ
يُفيقُ اذا مَسّهُ مُبْدِعُ
وكُنا لنَبْرتِهِ يا بني.. نصلي
لبيتٍ اذا هزّنا نركعُ
...
الشاعر: بيانٌ مُوَشّى..
يقولُ الشبابْ..
بيانٌ موشّى
بأعصابنا ألفَ جيلٍ تمشّى
ودقّ البيارِقْ
على كلّ خافقْ
وعِشْنا، ومِتنا، أَسارَى النَّغَمْ
عبيدَ "إلهٍ" يُسمي: القِدَمْ
فهلا أذِنتم لريشِ التحدي
يطيرُ.. ويحطم هذا "الصنمْ"
...
الخليل: "يرمي الصحيفة من يده، يعلو صوته قليلاً ولكنه يظل
هادئاً وقوراً:"
أحبُّ الطُّموحَ، أحبُّ الشبابْ
أخشى على اللاهثينَ السرابْ
خلعتمْ من العودِ أوتارَهُ
فيا حَطَباً .. قيلَ عنه: ربابْ!
"إلهُ" التراثِ.. "إلهُ" القِدَمْ
عدوّ الهُزالِ، عدوُّ السقمْ
عدوّ الفراغِ الذي يُغِرِبُ
عدوُّ الغمامِ الذي يكذبُ
وكنا لهدرتهِ.. يا بنيْ
نُصلّي.. ونمنحُهُ كل شيْ
أُحِبُّ المُعافى
من الشعرِ والنثرِ،
أهوى المُعافى
قرأتُ الكلام الذي تنشرونْ
تملّيتُ هذا الذي تُنْشِئُونْ
هياكلُ .. ألمسها مشفقاً
هياكلُ يرزحنَ جوفاً عجافا
دعوا الليلَ يأكلُ أجفانكم
على الحرفِ أبيضَ أو أصفرا
على النبرةِ البكرِ شُدُّوا العيونَ
وجوسوا على الصعبِ قلبَ الثرى
جُذوركُمُ عندنا، والربيعُ
سيولدُ من قبرنا أخضرا
لبيتٍ سجدنا.. فهل بينكمْ
جبينٌ على نغمةِ عُفِّرا؟
...
الشاعر: أبا الشعرِ.. سُقْتُ إليكَ الظّما
حواراً، وما أنا بالشاعر
سناناً أقاتلُ موتي به
أغيرُ على القدرِ القاهر
حملتُ النشيدَ.. وفجّرتُهُ
أهازيج في الموكب الهادر
أُعِيرُ به قدماً للكسيح،
أصبُّ به الضوءَ في الناظر
أفتشُ عن أهليَ الضائعينَ
بكل الذي مرّ في الخاطر
بكل القوافي، بكل البحورِ،
بماضي "التفاعيل" والحاضر
بأحدَثِ ما يستطيعُ الأداءُ،
بأعتقِ لحنٍ من الغابرِ
...
أفتّشُ عن طفلةٍ في الظلامِ
واكتبُ عن جوعها الكافر
عن الطين في قريتي، عن شريدِ
ينازع في الملجأِ العاشر
ملايين لم نعطهم في العراء
سوى الذلّ والضجةِ العاقر
ملايين يزدردون البيانَ
على قلمي بالفم الساخر
ملايين ترشحُ أسمالٌهم
تفاعيلَ ليلٍ بلا آخر
ملايينُ.. من بؤسهم ريشتي
ومنهم صدى صوتي الثائرِ
هُمُ الشعرُ في عصبي، في دمي
هُمُ الهمُّ، هُمْ زَفْرةُ الزافرِ
لميلادِهمْ قلتُ ما قلتُهُ
وبشّرتُ بالألمِ الظافرِ
وعنهمْ حملتُ إليكَ الشَكَاةَ،
فهل أنت يا سيدي عاذري؟
سِنَانٌ.. أُقاتلُ موتي به
سِنَانٌ .. وما أنا بالشاعرِ
|
|
|
03-13-2009
|
#46
|

عودة شهرزاد
شهرزاد
"تظهر فجأة أمام الشاعر وهي تضحك"
كان الحديثُ مُضيئاً..
كنتُ أسمعُهُ..
الشاعر: وأينَ كنتِ؟
شهرزاد: على أرجوعةِ القصبِ
تموّجتْ في شِعابِ النّخْلِ أُغنيةٌ
فغِبْتُ فيها..
الشاعر: خُذيني..
شهرزاد: "في جد":
لستَ للهرب
مسمّرٌ أنتَ في الصحراء، متّحِد
بالأرضِ، ممتزجٌ بالكأسِ والعِنَبِ
بالحزنِ يحمل تاريخاً برُمّتهِ
في منكبيهِ.. وحلماً في جفونِ نبي
مُعَذّبٌ أنتَ..
مصلوبٌ على حُلُمٍ
...
الشاعر: أنا الذي اخترتُ..
شهرزاد: واصِلْ رحلةَ السَّغَبِ*
لا تنشدِ الظلّ، لا تحلمْ بِزَنبقةٍ
على الطريقِ..
تَشرّدْ وحدكَ.. اغتربِ!
إقبضْ على الريحِ واسقِ الظامئينَ بها
وأطعمِ الجوعَ والجوعى دم الحِقَبِ
دمَ الظلامِ عميقَ الموتِ تَجلدهُ
ولا حراكَ..
تمزّقْ وحدكَ!
اغتربِ!
لا.. لستَ للهربِ
لا.. لستَ يا شاعِرَ الأصفادِ للهربِ
..
الشاعر: "في شبه توسل"
ياروعة الليل، يا أسرار فتنتهِ
ويا أساطيرهُ النشوى ورياه
على جمالِكِ فتّحنا محاجرنا
ومن حكاياتكِ السُّمْرِ ارتشفناهُ
كبِرتُ يا حُلوةَ العينينِ في رَهَقي
كَبِرتُ في حملِ تابوتي وموتاهُ
في صدركِ الحبُّ مِلءُ الليلِ نِعمَتُهُ
وفي ذراعيكِ يَنْسَى الشعرُ بلواهُ
أقاتِلُ الدربَ كي تَخْضَرّ نرجِسةٌ
على جناحيكِ.. يا أحلى عطاياهُ
أليس للمُجْهَدِ المكدودِ زاويةٌ
على بساطكِ.. والدنيا زواياهُ؟
أنت التي نسجتْ لليلِ أجنحةٌ
وأعطتِ الجسدَ الجوعانَ معناهُ
وبَرْعَمَ الشعرُ في نهدَيْكِ أُغنيةً
يقالُ: عَتَّقَها في عُودِهِ الله
وتُشرقينَ على صحْرائِه غزلاً
حلواً فتغرقُ في عينيكِ صحراهُ
خُذي حِوَاري..
خُذي صَمْتي..
خُذي سَفَري..
شهرزاد: "تأخذ بيده مرة أخرى"
هيهاتَ!
هَيّا.. نُتَمِّمْ ما بَدَأْناهُ!
|
|
|
03-13-2009
|
#47
|

الرفيقة شهرزاد
شهرزاد: "مرة أخرى.. تقفز من موجة على الشاطئ. وهي
تقهقه.. تقترب من الشاعر وهي تربط غدائر شعرها
المبتل بمنديل أزرق."
***
ألم تتعبْ؟
الشاعر: خيالكِ رِقّةٌ وندى
وشِعْرٌ يزرعُ الصحراء أشجاراً وريِّ صدَى
خيالُكِ..
شهرزاد: لا تضِعْ في الحُلْمِ كالأطفالْ
تعالَ.. تعالْ
هُنا في هذه الخيمة..
"تشير بيدها إلى خيمة قريبة"
سنسمع بلبلاً لم تعرفِ البيداءْ
أحبّ، ولا أرقّ غناءْ
هنا المطر الذي تشدو به الغيمةْ..
الشاعر: لقاءٌ آخرٌ؟
شهرزاد: لم لا؟
ألم تقرع علينا الباب؟
ألستَ الظامئَ الآتي إلى العنقود
يريد رحيقنا المرصود
ويحملُ في يديه الليل، والأشواق، والأكواب؟
الشاعر: من المطر الذي تشدو به البيداءُ؟
سعيدٌ من تُغني شهرزاد به
وتحمله بخاطرها أريج ثناءْ
شهرزاد: أَغِرْتَ؟
الشاعر: "ضاحكاً"
نعم!
شهرزاد: "جادة"
أُحبُّ حديثه الصافي
أحبُّ كلامه.. بعض الكلامِ غِناءْ
الشاعر: "يتذكر فجأة قصة ألف ليلة وليلة"
تمنّى الصبحُ يوماً لو يسافرُ دونما أوبةْ
ليبقى الحبُّ والغُربَةْ
ليبقى الليلُ في شَفتيْكِ أنتِ حكايةً عذْبةْ
"إلهاً" عندما أومأتِ صار الطينْ
"إله" حنينْ..
وإنساناً سوياً صارتِ الرّغبة
شهرزاد: "في شيء من العبث"
تعالَ.. تعالْ
شبابٌ أنتم الشعراءُ لا يهرمْ
وبحثٌ عن ربيعِ الحبِّ لا يسْأَمْ
وصادِيةٌ من الشكوى
تَلُوبُ العمرَ.. لا تَرْوَى
تعالَ.. تعالْ!
أحبُّ الشعرَ والأطفالْ
الشاعر: ألا ما أضيعَ العُمْرا
بغيرِ طفولةٍ يا شهرزادُ..
طفولةٍ سَكْرى!
ألا ما أفقر الدنيا!
ألا ما أحزنَ العُمْرا!
شهرزاد: "على عبثها"
حسبي لياليَّ الطِوالُ الطِّوالْ
لن أفتحَ الآنَ لأخرى الكُوىَ
لن أدخُل الليلةَ سجنَ الهوى
الشعرُ باقٍ بعدنا والجمالْ
الشاعر: "مذعناً"
إني وما تهوينَ..
شهرزاد: "في شرود"
أهوىَ - على
كثرة ما قلتُ - الذي لا يقالْ
أهوى ليالي الصمتِ، أهوى الأسى
لن أرفعَ السترَ.. مُحالٌ، محالْ!
لا تُوقظِ الأيامَ في خاطري
لا توقظِ الأشباحَ..
هيا.. تعال!
"تنطلق بالشاعر نحو الخيمة القريبة"
إلى زميلي.. في حديث المساءْ
وفي ينابيعِ الهوى والضّياءْ
يروي.. كأنّ العودَ في صوتهِ
يستيقظُ التاريخُ أيان شاءْ
إلى زميلي.. كلُّ أيامكمْ*
وشعركمْ قيثارةٌ في خِباءْ
تعرفُهُ.. ترشُفُ من كوبهِ
منذُ تعلّمتَ حروف الهجاءْ
إلى زميلي..
الشاعر: شاعرٌ؟ أيهمْ
تعنينَ؟
شهرزاد: لا، لا، لم نكنْ أدعياءْ
نحنُ سُقاةُ الخمرِ يا شاعري
نحن رُواةُ الفنّ، نحن الأداءْ
الآنَ أمضي..
"تتوارى مسرعة"
هاتِفٌ عابِرٌ
عندَ صديقي الأصمعيّ اللقاءْ
|
|
|
03-13-2009
|
#48
|

في خيمة الأصمعي
الأصمعي في صدر الخيمة، ينشد من شعر جرير،
وإلى جواره الشاعران الأمويان جرير والفرزدق."
***
"حيِّ المنازلَ إِذْ لا نبتغي بدلاً"
"بالدارِ داراً، ولا الجيرانِ جيرانا"
"كيف التلاقي؟ ولا بالقيظِ محضَركُمْ"
"منا قَريبٌ، ولا مَبْدَاكِ مبدانا"
"إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ"
"قتلننا، ثم لم يُحيينَ قتلانا"
"يصرعن ذا اللُبَّ حتى لا حراكَ به"
"وهنَّ أضعفُ خلق الله أركانا"
جرير: "في زهو ونشوة"
أنا نسمة الليلِ التي بردتْ
فتمرّغتْ بأريجها البيدُ
أنا شاعرُ الأحلامِ والغَزَلِ
أنا سكرةُ القُبَلِ..
الساجعاتُ بناتُ حنجرتي
والكرم عندي والعناقيد
الاصمعي: "يواصل الانشاد من شعر جرير"
"يا حبذا جبل الريان من جبلٍ"
"وحبذا ساكن الريان من كانا!"
"وحبذا نفحاتٌ من يمانيةٍ"
"تأتيكَ من قِبَلِ الريّانِ أحيانا"
"هل يرجِعَنَّ، وليس الدهرَ مُرتجعاً"
"عيشٌ بها طالما احلَولَى وما لانا؟"
"أزمانَ يدعونني الشيطان من غَزَلي"
وكنَّ يهوينني إذ كنتُ شيطانا"
جرير: "في شيء من الأسى"
سرق الكلابُ* روائعي ، سرقوا
عمري، ولامتني الأغاريدُ
لولا مُهارَشَةٌ شُغِلْتُ بها
رقصتْ على نغمي الأماليدُ
أسكرتُ صحراء الهوى غزلاً
ذابتْ على نفحاتيَ الغيدُ
الفرزدق: "إلى الأصمعي.. في غضب"
تروي له.. وتشيحُ عني
أنا بدعةُ الوترِ المُرِنّ
مني قوافيه الحِسَانُ
وهذه الخطراتُ مني*
جرير: "محتداً"
أُنفُخ بكيرِكَ لاهِثاً*
واتركهُ في روضي يُغَنّي
الأصمعي: "ينشد من شعر الفرزدق، وهو يبتسم للعراك
الذي كان ينشب بين الشاعرين"
وركبٍ كأنّ الريحَ تطلبُ عندهم"
"لها تِرةً* من جذبها بالعصائبِ"
"سروا يخبطونَ الليل وهي تَلُفُّهُم"
"على شُعبِ الأكوارِ* من كل جانبِ"
"إذا ما رأوا ناراً يقولونَ: ليتها"
- وقد خصرتْ* أيديهم - نار غالبِ*".
الفرزدق: "متشامخاً"
هذا شراعي لاعباً
بالريح يرتجل المناقبْ
جدي زرارهُ، والمجرّة
بيت صعصعةٍ وغالِبْ
إلى جرير: من أنتَ؟ لا أصلٌ رسا
بين الأصولِ ولا ذوائبْ
"إنّ الذي سمكَ السماء"*
بنى السماء لنا مضارِبْ
"يزداد انتفاخاً وزهواً"
أنا سيد الكلماتِ تشـ
ـرُدُ في المشارقِ والمغاربْ
أعتى شياطين القريضِ
على بنانيَ..
جرير: "مقاطعاً"
أنت كاذبْ..
الموبقاتُ جميع زادكَ..
الأصمعي: "متضايقاً"
لا شجار، ولا شتائمْ
أوَ ما انتهينا؟
الشاعر: دعهما يتهارشانْ!
يحيا بصوتهما المكانْ
يمتدُّ في الأبدِ الزمانْ
ما العمرُ؟
ما التاريخُ؟
ما الدنيا؟
بلا قيثار حالمْ
الأصمعي: مرّ الزمانُ على زُرَارةَ ساخراً
ومضى به الحدثانْ
ماذا أضافَ إلى الحياةِ سبابُنا
ماذا أضاءَ وَزَانْ؟
العبقريةُ.. لم تهبنا ريشها
لنطير في الأدْران..
إلى الشاعر: من أنت؟
لم ألمحك في الندواتِ..
لم أعرفك قبلُ
الشاعر: "مبتسماً"
لا بأسَ.. نحن على الزمانِ
عشيرةٌ أبداً.. وأهلُ
الأصمعي: "مواصلاً حديثه السابق"
السابقانِ المُلْهمانْ
قد أطعما للّغْوِ أروَعَ ما يجودُ به البيان
تركا ينابيعَ الجمال إلى نُفَاياتِ اللسان
جرير والفرزدق: "بصوت واحد"
عِشْتُم على أشعارنا وبياننا
عشتم على كلماتنا العطِراتِ
تتسابقون إلى ضفافِ كُؤُوسنا
كي تنغَبوا من فضْلِنا نَغَباتِ
أنتمْ رواةَ الشعرِ بعضُ نتاجِنا
بعضُ الذيولِ عَلِقْنَ بالحِبَرَاتِ*
شهرزاد: "تدخل فجأة"
طبتم مساءً!
الجميع: "يتجهون بأنظارهم إليها"
وطابتْ زهرةُ النادي!
شهرزاد" "في لهجة تأنيب"
ضاعتْ قوافِلُنا .. واستسلم الحادي
ماتت قصائدنا في ألفِ عاصفةٍ
هبّتْ على أرضِنا، في ألفِ ميلادِ
جرير والفرزدق: ماذا تُريدين؟
شهرزاد: قوما من سباتكما
وحدِّقا في جبين الشمس، في الأُفقِ
العائدون من الأفلاكِ في شُغُلٍ
عنا.. عن القفصِ المهجور في نَفَقِ
الأصمعي: "متهلل الوجه"
هذا الذي طافَ في رأسي..
شهرزاد: مصيبتنا
أنَّا رقدنا على حُلْمٍ.. ولم نُفِقِ
الشاعر: "هامساً"
أقبلتِ في الموعدِ يا شهرزاد
يا موسم العطر إلى الزهر عاد
تحجّر الأجدادُ في كهفهمْ
نحن ضحايا الكهف، نحن الرُّقادْ
الأصمعي: "للشاعر"
على لساني أنتَ..
الشاعر: لم نختلفْ
إليكَ نادتني السنون البعادْ
الأصمعي: آمنتُ بالفنِّ .. مصابيحُهُ
في كلّ فجرٍ ثورةٌ واتّقادْ
غَنّيْتُ ما يبقى.. وما هزّني
من كل ما استظهرْتُ إلا الجيادْ
شهرزاد: لولا ليالينا.. انطوى ذكرهم
نحن حفظنا الكنزَ من كلِّ عادْ
الأصمعي: "لشهرزاد"
صديقتي.. عنكِ أخذنا الرُّؤى
منكِ تعلّمنا عطاءَ السُّهَادْ
ندوتُنا ظِلُّكِ.. أنَّى ارتمى
ونحنُ أبناءُ الصَّدى المُستَعادْ
جرير: "للفرزدق"
رائعةٌ كالصُّبْحِ..
الفرزدق: "لزميله"
لا خَوْلَةٌ.. ولا نَوَارٌ
جرير: تستثيرُ الجمادْ
يا أمَّ عُثمان*. لهذا الصبا
لهذه الفتنةِ يُلقى القِيَادْ
يعتصرُ لاشاعر الحانهُ
يذوبُ إثر الظاعنينَ الفؤادْ
الفرزدق: "متمتماً"
يا جسداً لو ملكتهُ يدي
نقعتُ منه غُلَّ حَرَّانَ صادْ
الشاعر: "لنفسه"
يا شرثنا المسكينْ..
على مدى الدهر وكرِّ السنينْ
يعيشُ في لحمِ امرأةْ
يموتُ في لحمِ امرأةْ
خيالُهُ، وعقلُهُ الحزينْ
قد صُلِبَا في جسدِ امرأةْ
في لحمِ أُنثى صُلِبَ الحنينْ
والشعرُ والتَّفَجُّرُ الدفينْ
على مدى الدهرِ، وكَرِّ السنينْ
يا شرقنا المُكّبَّلَ المسكينْ؟
شهرزاد: "لاصمعي"
ماذا يقول الليل؟ ماذا تقول
أيامك الغرّ.. ذوات الحجول*؟
الأصمعي: لم يبقَ في الكوبِ سوى قطرةٍ
أقمارنا الخضر طواها الأفولْ
الشاعر: "مقاطعا"
شرارةً من عصرنا جئتُكم
لِنُشْعِلَ التاريخَ..
الأصمعي: دربٌ يطولْ
حُلْمٌ يهونُ العمرُ من أجلهِ
أن يُشعلَ التاريخُ.. حُلْمٌ يهولْ
عِظامُنا بارِدةٌ في الثّرى
فلا تُطيلوا المُكْثَ فوق الطُّلولْ
شهرزاد: لا تيأسوا..
الأصمعي: لا تُرْهِقُوا ظهركم
بنا.. دعوا الموتى.. دعونا نزولْ
الشاعر: "في تصميم"
سَنُشْعِلُ التاريخَ..
شهرزاد: لا تيأسوا!
الأصمعي: ولا تُطِيلُوا المُكْثَ فوق الطلُّولْ
|
|
|
| | | | | | | |