03-29-2014
|
#11
|
المرور بسلام ودخلوا الاراضي الفلسطينية، وفي السيارة
وهم في طريقهم الى
مدينتهم تذكرت صبح رحلة الخروج من فلسطين واحلامها، التي كانت تتمنى تحقيقها
فدمعت عينها فـ إلتفت إليها رزق وقال :صلي على النبي.
وصمت لانه أيضا تذكر تلك الرحلة والتي كانت من احلى ايام عمره مع الفاتنة صبح
والتي كانا فيها في منتهى السعادة ،كانا يعتقدان ان الحياة ابتسمت لهما اخيرا وان
رحلتهما هذه هي رحلةسيبحران بها على قارب السعادة الابدية. ولكن ذاك العجوز
وتلك الرصاصة الطائشة التي اطلقها بلا رحمة على بيت كانت ترفل به السعادة، دائما
ولم ينقصه شيء الا تلبية حاجيات صبح المعنوية ،والتي ما فتأت ولم تمل من تكراره
وطلبها منه ولكن حكم القدر أكبر واسرع من كل شيء. وصل ركب عائلة رزق الى
الحي الذي تسكن به عائلته ،كان قد غاب حوالي العشر سنوات ،واستغرب والداه
وصوله المفاجىء،كان الجد والجدة يعرفون ابناء رزق بالاسم فقط ،كانوا يعلمون
أن لديه ثلاثة ابناء وبنت ،ولكنهم ما أن رأوا فقط الولدين سأل الجد :وين الثالث
يا به مش عندك تلت ولاد
أجابته صرخة صبح عندما قالت: مات مات .....
وواجهشت بالبكاء وقامت جدة الاولاد تهدأ من روعها وتحضنها.
وتقول لها: البركه بأخوته وفيكم بتقدروا تجيبوا بدل اللي راح عشره.
وأكمل عمها :ما تزعليش عمي هيك عمره وموته قدر.
وارتاحت صبح قليلا لانها ما كانت تعلم ما تخبئه لها الاقدار ،واتى المهنئين من
كل مكان يهنئونبسلامة العودة ،وكلما أتى أحدهم بكت صبح الى أن قُرع الباب
فذهبت سندس لتفتح الباب، وما انرأتها جدتها ام صبح قالت : آه يابيي
ما أحلاكي مثل أمك
وسمعت صبح صوت أمها فخرجت اليها مستقبلة، وكانت تجهش بالبكاء عانقت
والدتها واخوانها ووالدها ومن ثم ارتمت على صدرأمها وأكملت بكائها نحيبا ،
فسألتها أمها :مالك يمه شو مالك احنا بخير فيناش ايشي .
ونظرت والدتها الى رزق وسألته : آمانة الله عليك شو في.
اجابها: خلص مرت عمي بعدين صبح بتحكي لك.
: ووين ابنكم الثالث؟
واكمل والدها :آه والله وين ابنكم الثالث؟
: الله يرحمه يا عمي مات قبل ما نيجي بثلاث ايام.
:الله يرحمه يا عمري البقية بأعماركم واعمار اخواته.
وفي المساء ارادت عائلة صبح العودة الى بيتهم، وهنا تعلقت صبح بوالدتها
وصرخت :يمه ما تسبينيش لحالي.
فأشار رزق الى زوجة عمه ،ان تذهب بصبح الى الغرفة المقابلة حتى تحكي
لها ما حدث معها ودخلت الاثنتين الغرفة ،وبدأت تحكي لأمها مصابها وعندما
اتمت صبح قصتها،صرخت الام قائلة : ياوردي عليكم، ليش بتعملوا هيك بالبنت
واشو قريبكم هادا حيوان الله يخرب بيته، وين ما هو وبدأت في الانهيار
وبدا الارتباك واضحا على كل من في المنزل ،فطلب رزق اخلاء
المنزل فورا ، وبدأ بتوديع المهنئين حتى لا تنتشر قصة زوجته صبح وبعدها
هدأ المنزل قليلا ،وهنا صرخ والد صبح: وهلكيت شو بده يصير؟
اجاب رزق : ولا أشي انا ما راح أسمح لصبح تترك هاي الدار، ولا تعتب
عتبة الدار بضلها محبوسه هان ومبديش اطلقها عشان الاولاد ، لكن ما تحلمش
يا عمي انكم تاخدوهم عندكم،راح يضلوا هين ،و انا بصرح لابوي وامي يعملوا
اي شيء عشان يمنعوا صبح من الدخول والطلوع من الدار.
قال هذه الجملة الاخيره، ولكن لم يفهمها احدهم فقط اكتفوا بتبادل النظرات ،
وهنا عانقتام صبح ابنتها وطمأنتها :تخفيش يمه راح اضل انا وابوكي واخوتك نزورك.
وكأن صبح كانت تعلم بمصيرها ، او بما آل اليه حالها فيما بعد . سافررزق بعد
ايام الى مقر عمله الخليجي . وبقيت هي في منزل عمها والد رزق مع اطفالها مرت
الايام والاسابيع مملة لها ولأطفالها، فهي لم تعد كما كانت في تلك الدولة الخليجيه،
فلقد تعودت على راحة العيش ووجود كل ما تطلبه او يطلبه صغارها، اما هنا فالموجود
قليل وحتى أن وُجد لا تجد النقود لشراء حاجاتها واطفالها .عادت كما كانت واكثر
محرومه من كل شيء ،حتى من الخروج مع اطفالها الى زيارة الاقارب والعائلة .
بقيت كالمنبوذة في دار عمها لا حول ولا قوة لها ولا لأطفالها .حتى الطفلة الصغيرة
سندس لم يسجلها جدها او عمها في المدرسة، بل تركوها لخدمة المنزل وافراد
باقي العائلة .مصيرها مرسوم كما كان مصير امها .ضاق بها الحال
ولم تعد تتحتمل الامر بل تمردت ،وهيض جناحها ولكنها لم تيأس ،وطالبت بحقها
في زيارة بيت اهلها ،ورفضوا وذكروها بما طالبه رزق من بقائها في المنزل ،
مهما كانت حاجتها للخروج .مرت السنة الاولى وودعت امها الحياة ، وما تركوها
تقف ولا تأخذ عزاء والدتها. رغم انها وحيدتها قلت وتناقص عدد الزيارات بعدما
ابتعد الناس عنها .مرض والدها فطلبت من عمها ، عيادته ولكنه رفض , وفي يوم
أتى اخاها الاصغر ،وأخبرها ان والدها بالمستشفى وحالته حرجة جدا ، ولكن ما
ان وصلت الى المشفى حتى ابلغوها بموت والدها ،فعادت منكسرة باكية .ورغم
هذا لم يواسيها عمها، رغم موت اخيه بل ترك زوجته، تسمعها اقذع السباب
والشتائم ولو لا ان اولادها حولها لضربتها وسجنتها في غرفتها،
مرت ايام العزاء، وايضا لم يُسمح لصبح بأخذ العزاء بوالدها فساءت حالتها
،واصبحتتثور لأتفه الاسباب .وهنا قرر عمها التحدث مع زوجته ،وأخذ رأيها
بما سيفعله فوافقته على الفور ،ومن الصباح الباكر اتصل،
والد رزق بأبنه وقال: له يابه يا رزق لازم تيجي تشوف حل مع مرتك .
: مالها يابه شو عملت؟
:تجننت يابه صار عصبيه وبتضرب الاولاد دايما.
: ليش شو صار معها؟
: اكيد موت ابوها اخوي أثر عليها.
: اه الله يرحمه.
: الله يرحمه ويرحمنا منها يابه.
: ليش يابه بتقول هيك؟
: لان يابه بفكر ادخلها مستشفى المجانين.
: له يابه له.
: ها شو برايك نعمل؟
هنا فكر رزق قليلا وقال: اسمع يابه أحبسوها بالاوضه الجوانيه.
: هيك يابه بتشوف؟
: اه ولا بدل الفضايح وكلام الناس يابه.
: اتفقنا لعاد يلا يابه مع السلامه .
وأقفل الهاتف مع رزق ،ومن فوره بواحدة من بناته قائلا لها :تعال يابه
اليوم العصر عنا .
وأتصل بعدها بأبنه رعد وقال له: اليوم بعد العصر تعال يابه بدي اياك ضروري.
ونظر الى زوجته التي وافقته على كل خطته، وقامت من فورها تجهز الغرفة
الصغيرة، بل وطلبت من سندس أن تساعدها بتنظيفها .وصبح تلك السيدة الصغيرة
غافلة عما سيحدث لها بعد قليل، وقبل العصر بقليل حضرت عمة الاولاد وأخت رزق،
وفورا أمرت الجدة حفيدتها سندس بالتجهز هي واخواها حتى يذهبا الليلة للمبيت عند
عمتهم .أستغربت سندس هذا فطول السنة والنصفالماضية لم يُسمح لهم بالخروج
من باب البيت ،لا هي ولا أمها ولكنها الان لن تفكر بهذا بل ستفكر بكيفية قضائها
الليلة مع بنات عمتها. هكذا أوحى اليها تفكيرها الطفولي، فهي لم تتجاوز
الاثنى عشر سنة وأستغربت صبح ايضا من هذا ،ولكن من أين لها حتى تعرف
خطة عمها الاجرامية. وبعدما ودعت اطفالها وتركتهم مع عمتهم ،وأكثرت من
توصية سندس على أخوتها الاولاد عادت لغرفتها تود البقاء بها وحيدة .وما هي
الا دقائق حتى جاء رعد على موعده مع والده ،ومن فوره أدخله الغرفة الصغيرة
وقال له : ها شو رأيك يابه منيحه نحط فيها صبح بدل ما تجنني انا وامك كل شوي.
اجابه رعد : طيب رزق عرف بهيك.
: أه ولا اليوم الصبح حكيت معه.
: وكيف بدنا نجيبها هان؟
: هلكيت هي بتنام هاي ساعتها بس بتغفى بروح انا وامك ومرتك. بنربطها
وبنحملها لهاناستغرب رعد قسوة ابيه على ابنة أخيه البريئة من التهمة ،التي
الصقها بها ذالك الدنيء المتصابي.وما هي الا نصف ساعة، حتى فعلا خلدت
صبح للنم مطمئنة على اطفالها عند عمتها متأملة ربماتتحسن العلاقات بينها
وبين بقية افراد عائلة عمها والد زوجها .وبكل حذر دخلت عليها زوجة
عمها ،اولا تريد جس نبض الحال فوجدتها قد غطت بالنوم العميقن فحاولت
التأكد من هذا اصدرت صوت بقدمها ،وما استجابت صبح ولا تحركت فطمأنت
الى نومها .وأشارت لزوجها وأبنتها بالدخول ،وفعلا تكاثر ثلاثتهم على المسكينة
صبح ،التي قاومت وقاومت ولكنها لم تدرك حقيقة ما يحدث معها،
الا بعد ان قيدوا ارجلها ويديها فصارت تصرخ : ليش بتعملوا فيا هيك ؟
شو بدكم تعملوا معي كمان حرام عليكم انا بدي اخوتي بدي رزق، سيبوني
فكوا الحبل شو انا عملت. بدأت تهلوس بكلمات كثيرة وتصرخ بكل شدة
متألمة نمما صار بحالها حتى عمها لم يرحمهابل صرخ عليها
: ولك يا بنت اخرسي ،والله والله لولا الحلال والحرام كان قطعته لسانك على شو
عم تصرخي ؟مش كفايه الفضيحه اللي عملتيها النا بالعيله ؟
وهنا صرخت صبح بكل ما في من قوة ،واحساس بالضعف والحاجة الى منقذ ،
وما احتملت اعصابها الوضع ،فسقطت على الفراش مغشي عليها ،وهنا استغل
عمها هذا الوضعواشار الى زوجته وأبنته،ان يساعدوه في حملها الى الغرفة
الصغيرة. وبعدما وضعوها على السرير ،وخلال اغماءتها حلوا رباط الحبل
من على رجليها ويديها، وانتظروا حتى تأكدوا من انها عادت الى وعيها ،
وما انفتحتعينيها حتى صرخت: انا وين شو اللي جابني هنا انا شو عملت ليش
بتعملوا فيا هيك؟
يتبع
|
|
|
03-29-2014
|
#12
|
فنظر اليها عمها بحقد دفين، وامر زوجته وابنته بالخروج من الغرفة .
وعندما خرجوا كانت صبح تظن انه الى هنا وتنتهي مأساتها ،ولكن ما ان
خرجوا حتى اغلق عمها عليها الباب، وكل هذا وصبح في ترقب للخطوة التي
تلي. حتى ادار عمها المفتاح بالباب وهنا قفزت من على السرير ،
وصرخت وتعلقت بيد الباب وصارت تستعطف عمها :لا يا عمي الله يخليك
ما تعمل فيا هيك؟
الله يخليك عمي انا شو عملت يالله وينك يمه وينك يابه وينكم يا اخوتي؟
ومن شدة الارهاق أغمي عليها ثانية، وما صحت الا وقد بدأ الظلام يخيم
على الغرفة. فقامت تتلمس مكان اشعال الضوء ،وأشعلته ولكن لا ضوء
هنا فصرخت وصارت تدق الباب بعنف كامل وتصرخ. وتفوهت بكلمات
لم تتعود قولها عند اهلها ،فهي صبح الاميرة المدللـة عند والديها.
ومن شدة تعبها ،حاولت تلمس العودة الى السرير وحاولت النوم مجددا،
ولكنها كانت تتصارع مع كوابيس شتى لم تعرف لها نهاية او بداية .
الى أن بزغ الفجر وسمعت الاذان ففتحت عينيها وتعوذت من الشيطان،
وسمعت حركة قريبه من الباب فصرخت :افتحوا الباب بدي اتوضأ.
فأجابها عمها :هي ابريق المي جنب الباب راح افتح وأدخله.
:طيب بدي أروح الحمام .
:لعاد أستني لحتى انادي مرة عمك .
وفعلا نادى زوجته، وطلب منها ان تأتي ومعها الحبل ودخلا الاثنين
على صبح ، واحكمت زوجة عمها الرباط حول رسغ يدها،وقادها
الى الحمام وانتظراها حتى خرجت ،واعاداها الى الغرفة،
وأقفلوا عليها الباب بالمفتاح . وكم كانت هادئة مستسلمة، كأنها
بدأت تقبل بهذا الوضع والذي كانت تعتقده لايأم أو أسابيع، أو على
أقل تقدير كانت تظن انه لو عرف رزق بمأساتها تلك ،لأمر والده
بالكف عن ذلك مع زوجته الحبيبة صبح .
هي كانت تعتقد أنها الحبيبة المدللة، هكذا كانت تظن مكانتها عند رزق .ولكنها ما لم تكن
تعرفه أن حالها هذا هو بأمر من رزق ،وان رزق الزوج قد أنتهت من حياته ،بعدما
تزوج ثانية .بعد تركها بفلسطين هي وأولاده عند اهله .
وفي عصر ذلك اليوم عاد الاطفال سندس وأخوايها، كانوا يبحثون عن حنان والدتهم
فلقد اشتاقوا لها، فدخلت سندس غرفة أمها ،وعندما لم تجدها ذهبت إلى جدتها تسأل
عن أمها فأخبرتها، أنها بالغرفة الصغيرة التي ساعدتها بتنظيفها بالأمس.أستغربت كلام جدتها،
وقالت : هي غرفة ماما لمين بدها تصير ؟!
: ولا لحدا .
: لعاد ليش ماما في الاوضه الصغيره .
:هيك جدو بدو ، بتضلي تنامي فيها وانتي واخوتك .
فصرخت الطفلة المسكينه : ليش ماما شو فيها شو عملت؟!
: ولا أشي بس هيك جدو بده .
فهرولت الصغيرة سندس ،وجرى خلفها أخويها ،يريدون الدخول على والدتهم، ولكنهم
وجدوا أن الباب مقفل .
فنادت ،سندس على أمها : ماما انتي هين ؟،ردي عليا ماما .
فما سمعت الصغيرة شيء، وما سمعته فقط بكاء خافت من أمها، تشكو جور الزمن
عليها .ولم يتحمل الاطفال هذا وصاروا يبكون قرب الباب، بحرقة شديده ، حتى أن الاكل
والشرب لم يسألوا عنه أو يطالبوا به. بل بكل قسوة تعاملت الجدة مع سندس ،حين
أمرتها بالوقوف بالمطبخ وتجهيز العشاء .وبقيا أخويها هناك، خلف الباب يبكيا بصمت
حارق ودموع ساخنة.
يتبع
|
|
|
03-29-2014
|
#13
|
فما يحدث لوالدتهم صبح شيء لا تدركه عقولهم الصغيرة الغضة البريئة .وتوالت الأيام
على تلك الحالة ومرت الأسابيع ،والأطفال إلى ضياع أكثر ،فقد مرضت جدتهم وما عادت
قادرة على خدمتهم ،أو القيام بأمورهم . بل وزاد هذا من معاناة سندس ،التي أصبحت
كخادمة تقوم بكل مسؤوليات البيت ،حتى جدها كأنها توارثت من أمها الاهتمام به
وبمرضه ومواعيد دوائه .وهي صغيرة على كل تلك المسؤولية ،التي ألقيت على كاهلها
فما أن يأتي الليل حتى تدخل الغرفة التي كانت لوالدتها، وتأخذ اخويها الصغيران بحضنها ،
تريد حمايتهم من شيء لا تعرفه ولا تقدر صعوبته ،حتى الطفلين لم يداوما بصورة جدية
بالمدرسة بل اللعب بالحواري مع اطفال الجيران هو شغلهم الشاغل وأكبر إهتماماتهم .
وتوالت الأشهر على سندس ،ومعاناة خدمتها بالبيت .وصبح في تلك الغرفة سجينة
لا يُسمح لها بالخروج منها ،الا من أجل الحمام او الاستحمام ،كانت الصغيرة سندس
تشفق على أمها ،وعندما كانت تسكب لها الاكل كانت تضع نصيبها مع نصيب أمها من
الاكل . فهي طفلة وتحب والدتها جدا .وتمر الشهور ،ولاحظت صبح إزدياد ملحوظ في
وزنها .ولقد عزت ذلك ،بسبب عدم قيامها بأي نشاط أو مجهود فلا عمل لها بتلك الغرفة
إلا الأكل والنوم .ومرت سنة ونصف على تلك الحالة ،وأصبحت سندس في الرابعة عشر
من عمرها تقريبا .وأصبحت عروسه كما ينظرون أهل فلسطين لفتاة بعمرها ،وكانت
بجمالها تفوق جمال أمها صبح .ولكن صبح كانت تعيش مدلـلة في بيت والديها ،عكسها
هي تعيش خادمة لجدها وجدتها ، بل ولكل افراد عائلة جدها وجدتها .وفي مساء أحد
الايام نادى الجد أحفاده ،وأخذهم الى غرفة والدتهم، وهناك القى لهم الخبرالذي علم
به قبل قليل ،
وقال : أسمعوا ،بكره أبوكم ومرته الجديده وأبنه الصغير جايين، ما بديش تشكوا لابوكم أشي،
خاصة أنتوا ،ما تحكوا لابوكم عن حاجه ،وهو بيعرف بحبسة أمكم بهاي الاوضه .
وهنا، كأن صاعقة مست صبح لمرتين، الاولى حين أخبرهم أن رزق تزوج مرة أخرى ،
والثانية عندما سمعت عمها يخبرهم أن والد الصغار
يعلم بسجن أمهم، فصرخت صرخة مؤلمة وكتمت أنفاسها فما عادت تريد الحياة بعد
هذين الخبرين .
ولكن ،سندس أسرعت ناحية والدتها وحاولت إزاحة يدها عن أنف وفم والدتها ،
وصرخ الصغيرين :سندس مالها ماما ليش بتعمل هيك ؟؟!
يتبع
|
|
|
03-29-2014
|
#14
|
فلم تعرف سندس بماذا تجيب أخوتها، وقالت لهم :المهم انه نسمع كلام جدو.
وفي مساء اليوم التالي، وصل رزق وزجته الثانية مع أبنهم مصطفى. ولم يكن هناك غرفة
لمبيتهم ،إلا تلك الغرفة التي كانت لصبح. وبات رزق وزجته ليلتهم في سرير صبح ،وعند
الفجر وبعد الآذان خرج من الغرفة، فوجد سندس وأخوتها في الصالة والبرد شديد فيها
والأطفال بدون غطاء .فلم يشفق عليهم، ولم تتحرك به عاطفة الابوة ،بل أتجه إلى الغرفة
الصغيرة ،حيث صبح السجينة. وهناك وجد والده قد سبقاه، ورأى صبح ،بعد غياب سنتين
ونصف عنها رأها ولم يعرفها من السمنة التي أصابتها، وقد أحكم والده الحبل حول رسغها،
يسوقها إلى الحمام. فـ أرخى بصره إلى الارض متألما،
ووجه كلامه إلى صبح قائلا : صبح ،أنا طلقتك أمبارح أول ما وصلت البلد ،وأول ما عدينا
جسر الملك حسين .
فنظرت صبح اليه نظرة ملؤها الحقد والكره، فحالها هذا ما كانت ستصل إليه، لو أشبع نهمها
للكلمات الحالمه والتي تطلبها أي زوجة من زوجها. ولكن هيهات فما عاد يجدي الأن تذكر
تلك الاشياء ولا الندم عليها. ورغم سماعها لخبر طلاقها إلا انها أكتفت بتلك النظرة ،
وحتى رزق أدار ظهره وأتجه الى غرفة النوم أينما تنام زوجته وطفله وأيقظها
وقال لها : يسعد صباحك يا أحلى أم مصطفى ، يلا عاد قومي حضري ألنا الفطور
بتعرفي امي تعبانه
: أي ،وأنا لساتني جايه من سفر ، ليش ما تطلب من بنتك ؟
: أي طيب ولا يهمك، هلكيت بطلب منها وبالمره تعمل الرضعه لاخوها مصطفى .
خرج من الغرفة، ووقف على بابها من الخارج ،ونادى على سندس
وقال :نامت عليكي حيطه يا رب .
قومي فزي أعملي الفطور وسخني مي لحتى نتحمم وأعملي لأخوك مصطفى رضعته .
: مين مصطفى ؟؟؟
وعندها ،رفع يده إلى أعلى وأسقطه بكل جبروت وقسوة على صدغ سندس التي سقطت
أرضا وهي لم تزل بين الصحوة والنوم. فقامت من فورها وهي ترتجف ،واتجهت للمطبخ،
حتى تحضر ما أمرها به والدها. حاولت أخذ نصيبها ونصيب أخوتها ووالدتها صبح كما
تعودت ولكنه منعها
وقال : اللي بيضل بتاكلوا منه انتوا وامكم ،سيبي كلشي متل ما هو .
انصاعت لكلام والدها ،بعدما وضعت صينية أطباق الاكل على طاولة الصالون .وعند
خروجها ،طلب منها أن تنبه على زوجته ان الأفطار قد جهز وعندما رأت أم مصطفى ا
لصغيرة سندس أبهرها جمالها
وحدثت رزق عندما أنضمت إليه بالصالون : متى بدك تزوجها ؟
: لسه البنت صغيره .
: لا مش صغيره اللي قدها عندهم ولاد وبيرضعوا.
: ليش عندك عريس ألها؟ .
:آه ماله ابن عمي صبحي ولا مش عاجبك .
: اي انا حكيت أشي ولا فتحت تمي .
:آه بحسب .
: لا ما تحسبيش وخلينا نفطر .
وما أن بدأ بالأكل، دخل عليهما والده ووالدته فقام لهما رزق بينما زوجته، بقيت على نفس جلستها،
وقال : صباح الخير يابه كيف حالكوا يمه وكيف الاولاد متعبينكم ؟
:لا يابه الصغيره سندس قايمه بخدمتنا، زيها زي ما كانت امها وأكثر .
وبدأوا في تناول الافطار، حين قطع الوالد الصمت وقال : وهلكيت عشان صبح يابه اش ناوي تعمل ؟
فتضايقت زوجته أم مصطفى وقال رزق : خلص يابه أنا طلقتها ،ووين ما بدها تروح الله بيسهل عليها . بس الاولاد بيضلوا هان
وكل أخر اسبوع بتسمح ألهم يروحوا عند أمهم وبيباتوا عندها خميس وجمعه .
: آه هيك منيح يابه أقله سندس بتخدمنا .
فهناك حيث الاحتلال، وانفلات النظام والقوانين ،ما من أحد يتبع شريعة أو قانون .فكبير
العائلة يقرر وينفذ بدون أذن أو نقاش . وعندما سمع أخوة صبح بطلاق أختهم حتى
سارعوا إلى تخليصها من براثن عمهم وزوجته .وفي ذات الوقت اتفقوا على الترتيبات
النهائية، بالنسبة لـاولاد صبح. حيث أتفقوا على أن يكون الطفلان بصحبة أمهما ثلاث
أيام بالاسبوع اربعاء وخميس وجمعه. وعند عودتهما، إلى بيت جدهما، تذهب سندس
عند والدتها ،ليوم فقط. فهي بنظرهم بنت وعليهم المحافظة عليها، خوفا عليها من سمعة
والدتها الساقطة ( وما هي بساقطة). ولكن كانت المشكلة أين سيستقر الأمر بصبح ،
أين ستقيم ، فبعد وفاة والدا صبح تفرق الأخوة كلٌ في منزل مستقل ولكنه في نفس الحي ،
بعد أن تزوجوا. وبقي بيت العائلة ،فارغا إلا من ذكريات لهم يحتفظ بها كل منهم .ولذا
أتخذ أخوة صبح قرار، وهو أن تعيش أختهم في بيت العائلة ، إلى ان يأتيها النصيب او
القدر بحل ما .ومرت الأيام والأشهر والسنة الأولى على نفس الروتين المتفق عليه ،
بالنسبة لمواعيد زيارة ابنائها لها .أما صبح كانت تمر بها الأشهر مسرعة ، فما أن
يخلو البيت عليها حتى تشعر بوحشة المكان، وتثور عليها ذكرياتها ،مع أمها وابيها
واخوانها الاولاد .فلا يكون لها سبيل لتفريغ هذا الكبت إلا النحيب والبكاء .أتخذت من
غرفتها في بيت أهلها مرقدا لها كما كانت قبل الزواج ،لم تكن تريد أن تستعمل غرفة
والديها، فلهما ذكرى جميلة عندها. وذات صباح أمسكت صبح، ما بين يديها تلك القطعة
الزجاجية والتي كانت تسمى مرآة ذات يوم تفقدت بشرتها جمالها شحوبها الم تركه سني
ن الأسر في بيت عمها كعادتها كل يوم .ومازلت على نرجيستها، ومعتدة وواثقة من نفسها ،
فتحدثت للمرآة
قائلة : لساتني أنا ،مثل ما كنت ومفيش وحده احلى مني بالعيله ،إلا شوية هالنصاحه وهاي
انا بعرف كيف اخلص حالي منها
وعندما قالت هذه الجملة الاخيرة كان التصميم باديا وواضحا، أنها لابد أن تعود لرشاقتها ،
فلقد ولت أيام أسرها عند عمها، كان حديثها هذا بعد ثلاثة أشهر من طلاقها ونيلها لحريتها.
كانت تصميمها هنا ،على ان تعود إلى صبح التي تعرفها ،لم يكن لها أي رغبات أنثوية
أو نسائية .فلقد أكتفت من الدنيا بأطفالها ،رغم أنها لم تصل بعد الى سن السابعة والثلاثين .
وبدأت بجدية بعمل نظام غذائي مع قليل من الرياضة، حتى تكسب جسمها الرشاقة التي
كانت مضرب مثل في عائلتها .وتمضي بعائلتها الايام بين شد وجذب ،بين اهمال واهتمام ،
بين فرحها لحضور ولديها للمبيت معها وبين وجود ابنتها الرقيقة سندس معها، لقد كانت
تحبها جدا وتشفق عليها وعلى مصيرها وهي عند جدتها ،
كانت تكرر لها دائما :فيشي بأيدي أيشي يمه حتى اعمله عشانك .
يتبع بالجزء الاخير
|
|
|
| | | |