الانسانيـة ...من حكم الصيام: التقوى وتزكية النفس «2»

استكمالًا لِحِكَم الصيام،
نوضح فى هذا المقال الحِكَم المتعلقة
بالبدن والتى منها:

إضعاف نوازع الشر ودواعيه من نفس الصائم:
ومن حِكَم الصيام التى ترتبط بتزكية النّفس
وتطهيرها من أدرانها إضعاف دواعى الشّر
ونوازعه بما يتركه الصوم فى نفوس الصائمين
من إخبات وخشوع وخضوع، بتقديم
مراد الله على مرادات النّفس،
وتقديم مطلوبات الله على مطلوبات البدن.
وإذا أضفنا إلى هذه الأوامر الصريحة الموجهة
للصائمين بأن يكفوا ألسنتهم عن الشّر،
وقول السوء، والنّطق بالفاحشة؛ ومنها:
قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب،
فإن سابّه أحد أو قاتله فليقل: إنى امرؤ صائم»؛
بل جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذا السمو والتطهر من أدران الأخلاق
غاية من غايات الصوم؛ فقال صلى الله عليه وسلم:
«من لم يدع قول الزور والعمل به فليس
لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه».
وجاء فى «فتح الباري»: «وقال ابن العربيّ:
مقتضى هذا الحديث أنّ من فعل ما ذكر
لا يثاب على صيامه، ومعناه: أنّ ثواب الصّيام
لا يقوم فى الموازنة بإثم الزّور وما ذكر معه.
وقال البيضاويّ:
ليس المقصود من شرعيّة الصّوم نفس
الجوع والعطش؛ بل ما يتبعه من كسر
الشّهوات وتطويع النّفس الأمّارة للنّفس
المطمئنّة فإذا لم يحصل ذلك
لا ينظر اللّه إليه نظر القبول».
رقى المشاعر والأحاسيس،
ومشاركة المحرومين ما يؤلمهم:
ومن مقاصد الصيام وحكمه وأسراره
أن فيه تذكيرًا للنفس وتنبيهًا لها
على ما يعيشه المحرومون والفقراء
من مرارة الجوع وألم الحرمان،
ووجع الفقد، وتحسر المتلهف على ما فاته،
فتتحرك نفسه لذلك بذلًا وسخاءً
وكرمًا وجودًا ومواساةً.
يروى أن يوسف عليه السلام كان
لا يشبع من طعام فى سنى القحط
التى أصابت مصر؛ فقيل له: تجوع وبيدك
خزائن الأرض؟ فقال:
أخاف إن شبعت أنسى الجائع،
وأمر يوسف عليه السلام أيضًا طباخى الملك
أن يجعلوا الغداء نصف النهار،
وأراد أن يذوق الملك طعم الجوع
فلا ينسى الجائعين، ويحسن إلى المحتاجين.
صحة الأبدان وسلامتها: ففى الحديث:
«ما ملأ آدميّ وعاءً شرًّا من بطن.
بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه،
فإن كان لا محالة فثلث لطعامه
وثلث لشرابه وثلث لنفسه»؛
ولهذا حرص الصالحون عليه ورغبوا فيه؛
فقد ورد عن ذى النون رضى الله عنه أنه قال:
«تجوع يا ابن آدم بالنهار،
وقم فى الأسحار ترى عجبًا من الجبار»،
كما جاء عن لقمان الحكيم فى وصاياه
لابنه أنه قال له:
«يا بنى إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة،
وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة».
ومن هذه الحكم والثمرات تظهر
أن هذه العبادة الجامعة تؤكد خيرية
الأمة بما تتركه فى نفوس الصائمين
من اجتماع على الفضائل،
وتلاق على الطيبات،
واتجاه إلى المكرمات.
تقبل الله منا ومنكم الصيام،
وجمعنا برسول الله صلى الله عليه وسلم
فى مقعد صدق عند مليك مقتدر.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريـــم