الله يحييك معنآ هـنـا


 
العودة   منتديات قصايد ليل > ..✿【 قصــــــايـــد ليـــــــل 】✿.. > …»●[الرويات والقصص المنقوله]●«…
 

…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. }

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 02-12-2020
Saudi Arabia     Female
SMS ~ [ + ]
وتبَقــّـَــيَ~ بيَـنْ ~آضَلُعــِــي ِ آتنفَسُكــَــ في ~كُلَّ ~ حِيـِـــنٍ
لوني المفضل Aliceblue
 عضويتي » 27920
 جيت فيذا » Oct 2014
 آخر حضور » منذ 4 أسابيع (06:13 PM)
آبدآعاتي » 1,384,760
الاعجابات المتلقاة » 11619
الاعجابات المُرسلة » 6425
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Saudi Arabia
جنسي  »  Female
آلقسم آلمفضل  » الاسلامي
آلعمر  » 17سنه
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبطه
 التقييم » إرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond reputeإرتواء نبض has a reputation beyond repute
مشروبك   7up
قناتك fox
اشجع ithad
مَزآجِي  »  رايقه
بيانات اضافيه [ + ]
افتراضي ذات مقيدة حول عنق إمرأة /54 الفصل الثاني



بسم الله الرحمن الرحيم
توكلتُ على الله

الجزء الرَّابع والخَمسون
الفَصل الثاني


قَبْلَ شَهرَيْن

يُمَرِّر يَدهُ على مَلامح وَجْهه المُقَطِّبة.. يُخَلِّل أَصابعه بَيْن خصلات شَعره.. يَزْفر مَرَّة واثنتان وثَلاث.. يُمَشِّط غُرفة الجُلوس جيئةً وَذَهابًا.. يَتَّكئ بِكَفَّيه على خِصْره.. تَشْتَد عُقْدَة حاجِبَيه مع تَخَبُّط عَدَستاه على المَكان بِتَوَتّرٍ جَلِي.. عَلَّقَت وهي تَجْلس باسْترخاء على الأريكة برأسٍ مائِل يُلامس باطن كَفَّها: حسستني اللي بتجي أخطر امرأة في الدّنيا.. ليش جذي حالتك!
وَضَّحَ دون أن ينظر لها وهو يَطْبع خطواته على الأرضية الرّخامية: ما أرتاح لها.. أنا شفتها مرة.. مرة بس.. في مكتبه في المركز.. هي ما شافتني.. بس أنا شفتها "غَضَّن الاشْمئزاز ملامحه" لبسها وطريقة كلامها وصوتها اللي ما تحاسب لنبرته.. كل هالأمور ما خلتني ارتاح لها
اسْتَنكَرت بحاجِبَيْن مُرْتَفِعَيْن: من مرة وحدة قدرت تحكم عليها!
نَظَرَ لها لِيُدَعِّم رأيه: حتى قصّتها تخليني ما أرتاح لها.. طول عمرها عايشة برا.. لا أم لا أبو ولا أهل.. عمرها طاف الأربعين وعايشة عيشة بنت العشرين وأصغر بعد
ضَيَّقَت عَيْنَيْها وبابْتسامة قالت لِتُنَبِّهه: عاد هالخصلة ما لك حق تنتقدها فيها
تَوَقَّفَت خُطواته وهو يَسْحَب نَفَسًا عَميقًا قَبْلَ أن يُعَقِّب: أدري.. أدري إنّي كنت عايش عمر مو عمري "بَرَّرَ" بس أنا رَيَّــال
بنبرة ذات معنى: الغلط غلط طَلال.. سواء كان مرتكبه رَجَّال لو امرأة
أَبْعَدَ بَصره عنها بضيق ثُمَّ عادَ واسْتَكمل سَعْيه وهو يُكَرّر: ما أرتاح لها.. فجأة التقوا في ألمانيا وفجأة تزوجوا وفجأة صارت تشتغل معاه على قضية صار لها سنيــن! حتى اسمها غيَّرته.. قصّتها ما تدخل العقل.. كلش ما تدخله
اعْتَدَلت في جُلوسها لتقول بلُطْف: ما عليه حَبيبي.. في النهاية هي زوجته وهو صديق عمرك اللي وقف معاك في أقسى ظروف حياتك.. وهو طلب منّك هالخدمة البسيطة.. ما فيها شي إذا ساعدته.. اعتبرها رَد جَميل
أَفْصَحَ: أَنا أصلاً وافقت عشانه هو.. حسّيت روحي بصير قليل أدب لو ردّيته بعد كل اللي سواه لي.. كفاية الشقة حقه.. يعني لو رفضت جني أطرده من بيته
مع إنهائه لِجُملته ارْتَفَع رَنين الجَرس.. رَتَّبَت حِجابها على رأسها قَبْلَ أَن تَقف لتتأكَّد من إغلاق أَزرار عَباءتها.. تَحَرَّكَ هُو إلى الباب.. أَمْسَكَ بالمقبض ثُمَّ نَظَرَ لها فابْتَسَمَت إليه تُشَجِّعه.. أَطلَقَ آخر زَفْرة وَطَرَدَ الضّيق عن مَلامحه.. رَسَمَ ابْتسامة خَفيفة على مُحَيَّاه ثُمَّ فَتَحَ الباب.. قابَلَهُ وَجْه رائِد المُحْمَر والذي قالَ سَريعًا بِحَرَج شاغَبَ عَيْنيه: سامحني طلال.. بس ما عندي غيرك.. حتــ
قاطعه وهو يشرع الباب: أقول ادخل ادخل بلا دلع
وضَّحَ وهو يَتَقَدَّم للداخل: لو ما عزيز يحقّق معاي جان رحت بيته.. بس كنت أبغي شخص بعيد عن المركز والتحقيقات عشان لا يشكّون فينا "اسْتَطَرَدَ وحَرجه يَتضاعف عندما قابَلَ نُور الواقفة بابْتسامة" السلام عليكم
رَدَّت بمودَّة: وعليكم السلام
قالَ وهو يَحك خَدّه: سامحينا حَرم أخونا.. بس ما عندنا غيركم
ضَحَكَت بخفّة: عـادي عـادي.. أخذوا راحتكم.. البيت بيتكم
اسْتَفَسْرَ طَلال بنبرة ثابتة: وين زوجتك؟
أَجابَ وهو يَنظر لساعة هاتفه: دقايق وبتوصل
أَشارَ لإحدى الغُرَف: رتَّبنا لكم المَيْلس.. اخذوا راحتكم
وَضَّحَ وهو يَتَّجه مع طَلال للمجلس: ما بنتأخَّر.. بس باخذ منها جم معلومة تخص القضية وبنطلع
كَرَّرَ جُمْلَة نُور قَبْلَ أن يَعود لغرفة الجلوس: البيت بيتك رائد
وفعلاً.. بعدَ دَقائق بَسيطة رَنين الجَرس كَشَفَ عن وُصول فاتن.. نَظَرَت نُور لِزوجها الذي نَطَقَ بنبرة مُنْخَفِضة وهُو يَتَوَجَّه للمَطْبخ: أنا عطشان.. بروح أشرب ماي
كَتَمَت ضِحْكتها وهي تَتَحَرَّكَ بِعَجَل إلى الباب.. هو يَتَحَجَّج بالعَطش حتى لا يُقابل هذه المرأة التي هي مُتَحَمِّسة لرؤيتها.. فَعَدَم تَقَبُّل زَوْجها لها أَثارَ فُضولها تجاه شَخصيتها.. فمن هي تلك التي استطاعت أن تُوقِظ اشْمئزاز طَلال؟ فَتَحَت الباب وعلى شَفَتيها الصَّغيرَتَيْن ابْتسامة ناعِمة اتَّسَعَت عندما أَبْصَرت وَجْه فاتن المُشدود من القَلَق... قالت بِنَبْرة مُطَمْئِنة: رائد وصل من خمس دقايق.. ينتظرش "أشارت للداخل وهي تُفْسِح لها المَجال" تفضلي
تَساءَلت بتردّد دُون أن تَتَحَرَّكَ وهي تَشْد على حَقيبتها: إنتِ، زوجة صَديقه؟ ...طَلال؟
هَزَّت رأسها بالإيجاب: ايــه.. أنا نُور "كَرَّرت" تفضلي البيت بيتش
تَقَدَّمت وهي تَرد بِهَمْسٍ خَجُول: شُكـرًا "تَلَفَّتَت وبتساؤل" وين رائد؟
أَشارت للمجلس وهي تخطو تجاهه: اهني في المجلس.. تفضلي
قالت بحرج وهي تُمسك بقبضة الباب: اعذرونا على الإزعاج
بِلُطف: وَلو إخت فاتن.. البيت بيتكم
أَوْمأت لها برأسها وهي تَبْتسم بامْتنان اتَّضَح في عَيْنيها الحُرَّتَين من عَدسَتيْن مُلوَّنَتَيْن.. دَخلت للمجلس وأغْلَقَت الباب خَلْفها بَعْدَ أن شَكَرت مُجَدَّدًا نُور التي قَصَدَت المَطْبَخ حَيْثُ زَوْجها.. هَمَسَت بمُشاكسة: البُعْبع وصلت.. دخلت لزوجها
عَقَدَ حاجِبَيه وبنبرة تَحْذيرية قالَ وهُو يُشيح وجْهه عنها: ترى أنا وايد معصّب
وقَفَت أَمامه، رفَعَت يَديها لوجهه وبتسلية قَرَصَت خَدَّيه: عُمْـــري المعصبين
نَظَرَ لها مُتسائِلاً: شفتينها؟ شفتين شلون لبسها؟
دَارت عَدسَتاها وَسَطَ البَياض بتفكير وهي تَسْتَرجع مَظهرها: كانت لابسة جينز وقميص، وشعرها مربوط ذيل حصان، ووجهها ما فيه ولا نقطة مكياج "حَرَّكَت كَتفيها" ما حسّيت فيها شي غلط
هَمَسَ: ما أرتاح لها.. لو تشــ
قاطَعته: طَلال بس خـلاااص.. مو مجبور ترتاح لها! هي زوجة صديقك.. زوجة صديقك وبــس
أَفْصَحَ بِصدق: اي زوجة صديقي.. زوجة أخوي.. وأنا أتمنى لأخوي الأفضل.. أتمنى له زوجة غير هالزوجة اللي ما ندري شنو وراها
لانَت ملامحها مُعَقِّبة بِعَطْف: بعد قلبي إنت.. أَدري حَبيبي إنّك تبي الزين لرفيقك.. بس هذا اختياره وهو راضي فيه ومرتاح.. هو في نظره هي الأفضل له.. مدام تقول يحبها.. فخلاص.. الله يهنيه معاها "رَفَعت نَفْسَها حتى اسْتَقَرَّت على أطراف أصابع قَدَميها وبخفَّة قَبَّلت ذقنه ثُمَّ هَمَسَت بحُب" بس إنت حَبيبي لا تضايق نفسك.. إنت تقول نصحته.. وقلبك وضميرك يتمنى له الخير فلازم تكون متطمن من هالناحية.. لأن اللي عليك سويته.. وهو أدرى بمصلحته

،

مَضَت ثَمانُ دَقائق والصَّمْتُ ثالثهما.. هي تُراقب الخَلاء المَسْفوك على راحَتيها.. وهو يُراقبها.. كان جالِسًا على يَمينها وأَمامهما قَد اسْتَقَرَّت طاولة مُتَوَسِّطة الحَجَم.. جُمِعَ فَوْقها كأسان عَصير.. طَبق من الكَعك.. وجرَّة مياه قَد تَكَدَّسَت على سَطْحها الخارجي بِضْعُ قَطَرات.. وكأسان إضافيان فارغان. الهدوء يَحْشو المَجْلِس وباتَ يَلْتَف حَوْلَ عُنُقِ رائِد ويُخْنقه.. إلى متى سَتَصمت؟ ما بها؟ لِمَ هي هكذا؟ ألهذه الدرجة أَضْعفها لِقاؤها به! ماذا حَصَل في ذلك المنزل، وأيُّ الأحاديث التي تَبادلاها؟ هل اقْتَرَبَ منها؟ أو حاولَ رُبَّما.. هل عَرفها؟ لا لا يعتقد.. لَو عَرفها لَما تَركها تَفْلت من قَبْضَتيه.. إذن ماذا حَصَل؟ نَطَقَ بنفاذ صَبْر: فاتن اشربي ماي "اسْتَدارت إليه بنظرة عَدَم فهم وهُو أَكْمَل" شكله ريقش ناشف.. اشربي ماي بعدين تكلمي
حَرَّكت رأسها وبهمس: لا مابي.. ما يحتاج
اسْتَفَسَرَ: زين ليش ساكتة؟ ما أبي نطوّل اهني عشان لا أنحرج مع زوجة طلال
هَزَّت رأسها بتفَهّم ثُمَّ نَطَقت بتَوضيح: كنت أفكّر من وين أبدأ
بتَوَجُّسٍ حَفَّزَ نَبَضاته: فاتن.. إنتِ قلتين لي ما صار شي.. ما قدر يسوي شي.. ما ضرّش.. بس اللحين بحركاتش خليتيني أخاف!
شَبَكَت أَصابعها وكلماتها تَرْتَدي الهُدوء: ما يحتاج تخاف لأن ما صار شي يخوّف.. بس.. "مَرَّرت لِسانها على شَفتيها ثُمَّ أضافت بنبرة خافتة" حَضنّي
نَظَرت إليه من خَلْف أَهْدابها بِحَذَر بَعدَ أن أَلْقَت عليه القُنْبلة.. زَمَّت شَفَتيها بضيق عندما رأت كَيف تَجَهَّمَت مَلامحه وتَجَمَّدت.. وذاك العِرْق النّافر في صِدْغه هَدَّدها بقدوم الخَطَر.. وفعلاً، في لحظة طارَ أَحَدِ الكؤوس في الهواء لِيَهْوي على الأَرْض بحدّة خَلَّفت صَوْتًا كالزَّمجرة المُفْزِعة؛ وبِضع زُجاجاتٍ مَكْسورة تناثَرت بعشوائية على الرّخام. صَوْت انْكسار الكأس أَرْجفها واضطَّرها لإفلات شَهْقة مُتفاجئة.. حَتى الجالسان في الخارج.. نُور المُندمجة في قراءة أحَد الكُتب، وطَلال الغائب كُلَّيًّا عن المُباراة المَعْروضة في التلفاز؛ وَصَلهما الصَّوْت وأَرْفَعَ حواجبهما اسْتغرابًا.
هَمَسَت بتأنيب ونَبْرَتها جُفَّت من الخَوْف: رائد شسويــت!
تَجاهَلَ ما أَشارت إليه.. قَبَضَ يَده التي أَصْبَغها احْمرار غَضَبهِ المَكْتوم.. اسْتَفَرَغت مَساماته عَرَقًا ولَّدتهُ النار المُتَوَقِّدة داخله.. اسْتَلَّ الكَلِمات من بَيْن أَسْنانه لِيَهْمس بِفَحيح وعَيْناه تَنْحرفان عن وَجْهها المُسْتَفِز بالنسبة إليه في هذه اللحظة: بســرعة انطقــي وقولي لي شنــو صار بالضَّبــط
مَسَّت جَبينها بِيَدٍ تَقَفَّزت بالارتباك، قَبْلَ أن تَزْدَرِد ريقها بصعوبة مُسْتَعِدَّةً لِسَرْد أحداث الليلة الماضِية.

،

العُنوان الذي أَرْسَلهُ إليها كان واضِحًا.. لَم يَصْعُب عَليها العُثور على المَنزل الذي كان يَتَوَسَّط إحْدى المَناطق المَعْروفة بشموخٍ وخَيلاء.. مَنزلٌ واســعٌ جِدًّا مَبني على الطراز الحَديث.. من الخارج لا يُوحي بشيء مُريب ولا يثير الشَك.. اسْمٌ تَعْتَقِد أَنَّهُ وَهْمي مَكْتوبٌ على لَوْحة مُعَلَّقة فَوْقَ الجَرَس.. اسْم مالكه بالطَّبع. هي دَخَلت بالسَّيارة إلى باحته الخَضراء.. أَشارَ لها الحارس في أَيْن تَركنها ثُمَّ فَتَح لها الباب بلباقة وابْتسامة غَبِيَّة رَدَّتها لهُ بحاجِب مَرْفوع.. تَقَدَّمت ناحية الباب الداخلي لكن صَوْتٌ أُنثوي أَوْقَفها..: لحظة يا آنسة
اسْتدارت تَبْحَث عن الصَّوت.. كان آتٍ من خَلْفها.. عُقْدة خَفَيفة تَوَسَّطَت حاجِبَيها.. إنّها تَتَحَدَّث الألمانية.. امْرأة شَقراء بطولٍ مُلْفِت.. فُسْتان أَسْود قَصير.. أَحْمَر شِفاه داكن.. وابْتسامة.. كَريهة! مَسَّت أَنْفها بظاهر سَبَّابتها وهي تَتَقَدَّم منها.. نَطَقَت بالإنجليزية مُدَّعِيةً عَدَم الفهم: عفوًا؟ أنا لا أفهمكِ
أَعادت بالإنجليزية وبلكنة رَكيكة: تفضلي معي من هُنا "وهي تُشير بيدها لباب خَشَبي يَبْعد عنهما مَسافة السَّبعة أمتار" السَّيد ينتظركِ هُناك
تَساءَلت بِحَذَر ويَداها تَشُدَّان على الحقيبة: أين هُناك؟
بابْتسامة مائِلة لا تدري لِمَ لَمَحت فيها خَبَاثة مُواربة: سَترَيْن
زَفَرَت قَبْلَ أن تَخْطو إليها بَعْدَ أن جَمَّلَت شَفَتيها بابْتسامة مُطَعَّمة بالغُرور والثِّقة.. تجاوزتها بذِقْن مَرْفوع وتلك الألمانية تَبِعتها وصَوْت كَعْبَيهما يَتصادم لِيُحْدث جَلَبة مُزْعِجة عَكَّرَت صَفْو المَساء.. تَوَقَّفَت عند الباب وقَبْلَ أن تَفْتحه امْتَدَّت يَدُ الألمانية من خَلْفها ودَفعته.. شَكرتها دُون أَن تنظر إليها وهي تَتجاوز الباب.. المَنْظَر الذي أَمامها أَرْفَع حاجِبَيها وقَوَّسَ شَفَتيها بتقييم بدا من نَظراتها المُعْجَبة أَنَّهُ عالٍ.. كانت باحة أخرى تُقارب مساحتها الباحة التي تَركتها.. إلا أَنَّها أَكْثَر انْتعاشًا بسبب بركة السِّباحة الكَبيـــرة المُتَوَسِّطة المَكان.. الزَّرَع بذات الخضرة ولكنّه قَد تَسَرْبَل بزهورٍ بألوانٍ مُتَنَوِّعة ومُغَذِّية للعَيْن.. تَحَرَّكَت قَدَماها بخطواتٍ رَتيبة وهادِئة وهي مُنْتَبِهة لحافَّة المَسْبَح الخَطِرة.. تَوَقَّفَت عند إحْدى الأزْهار المُتَدَلِّية من شَجَرة مُتَوَسِّطة الحَجم.. زَهْرة بلون برتقالي فاقع وحَيوي.. أَمْسَكت بها بنعومة ثُمَّ قَرَّبتها من أَنْفها.. أَغْمَضَت واسْتَنْشَقَتها بِعُمق في اللحظة التي أَحاطت فيه ذراعه خِصْرها.. جَحظت عَيْناها برُعب وشَهْقة مَبْحوحة، قَصيرة وسَريعة فَرَّت من صَدْرها.. تنافَرت أَصابعها فَتَدَلَّت الزَّهرة في الهواء بَعد أن تَركتها يَدها بفجأة.. ابْتَلَعت ريقها المُتُخَثِّر من الخَوْف وهي مُنْتَبِهة بُكل حواسها لِيده التي أَزاحت خصلاتها عن جانب وَجْهها.. شَدَّت أَجْفانها وهي تُحاول أن تُسَيْطِر على الرَّجفة التي أَوْجَدها اسْتنشاقه لِعُنقها بَين أَوْصالها.. اهْتَزَّ ذِقْنها وصوته القَبيح هَمَسَ عند أذنها: تتوقعين من فينا فاز باسْتنشاق أحلى ريحة؟ أنا ولا إنتِ؟
ثَغْرة صَغيرة انْتَصَفَت شَفَتيها لِتَسْمح بِمُرور زَفير يُساعدها على الثَّبات وتَثْبيط عَزْم انْهيارها.. فَتَحَت عَيْنيها وبهدوء أَبْعَدَت جَسَدها عن جَسده النَّجِس.. لَم يُحاول أن يَمنعها أو أَن يَصُر على التَّمسك بها.. فكان سَهْلاً عَليها الابْتعاد.. ولكن إلى مَتى سَتَمْتَلِك حَصانة هذه السّهولة؟ طَرَدَت مَلامح الفَزع وخُطوط الارْتباك عن مَلامحها.. تَوَشَّحت عَيْنَاها بنَظْرة المَكْر والكَيْد.. لَوَّنَت شَفَتيها بابْتسامة الثِّقة والغُرور ثُمَّ اسْتدارت إليه لِتُقابل وَجْهه الذي مُجَرَّد النَّظِرِ إليه يُعيدها إلى دَوَّامة كابوس كانت تَعْتَقد أَنَّهُ أَبَدي.. هَمَسَت بِنَبرة يَلْويها اللَّعِب: تقدر تفوز بأكثر وأكثر.. بس في الوَقت المُناسب طَبعًا
ارْتَفَعَ حاجِبه وعَلا سؤاله: ومتى إن شاء الله الوَقت المُناسب؟
أَجابت وهي تَبْتَعد عنه إلى ناحِية الأزهار الصَّفراء المُشِعَّة خَلْفه: أنا اللي أَحدّده
وهو يخطو إليها: على مزاجش يعني!
بثقة: تقريبًا.. بس تقدر إنت تخلي الوقت أَقرب
ويَده تَسْكن جَيْب ثَوْبه: وشلون؟
حَرَّكت خَصلاتها بأناملها بحركة اتَّسَمَت بالدَّلع: بكَسب رضاي
هذه المَرَّة شاركَ حاجبه الآخر أَخاه في الارتفاع لينطق بتعجّب: والله! وشنو اللي يرضيش.. آنِسة وَعد؟
دارت عَدستاها في السّماء مُعَبِّرَةً بلسانها: أشياء كَثيـــرة
هو الذي فَهَمها: أوَّلها؟
صَمَتت لثواني.. خَبَت ابْتسامتها قَليلاً.. ارْتَدى صَوْتها نَبْرة مُسْتَقيمة تَدفعها ريحٌ باردة..: إنّي أكون شَريكتك

,

وهي تُكْمِل بأنفاس مَقْطوعة ونَفْسٍ طَغَى عليها الغَثَيان: قَبَل بسرعة.. توقعته يطلب وقت يفكّر.. بس الواضح إنّه للحين عَبْد للمرأة الجَميلة.. كان المفروض مثل ما اتفقنا.. أقعد معاه عشان نتفاهم على كل شي وأكشف له عن شغلي "والتَّقَزُّز يُصَدِّع ملامحها العارية" بس ما كنت قادرة أَتحَمَّل إنّي أَقعد معاه في مكان بروحنا.. وجهه وصوته وحركاته وضحكته الكريهة.. كنت شوي وأستفرغ عليه.. عشان جذي طلعت بسرعة بعد ما أعطاني الموافقة
عَقَّبَ بتأنيب غاضِب: قلت لش.. قلت لـش بيصير شي.. بس ما صدقتيني وقلبتينها مناحة
ارْتَخَت حواجبها وبرجاء: رائد الله يخليك لا تبدي لوم ونصايح.. خلاص.. الحمد لله ما صار شي هالمرة
وَقَفَ باصِقًا سؤاله: والمرة الثانية؟ والثالثة والعاشرة؟ كل مرة يعني بتنفذين منه! لا ما أعتقد
وهي تقف لتواجهه: إن شاء الله ما راح يكون في مرة عاشرة.. شغلي معاه بينتهي بأسرع وقت
تَهَكَّم وهو يُوليها ظهره: شنو بينتهي بأسرع وقت! تجذبين على من فاتن! إنتِ ما عندش دليل إنّه قتل مربيتش وزوجها وبنتها.. ما عندش ولا دليل واحد.. ولا تدرين إنتِ رايحة له عشان تدورين على شنو.. إنتِ عندش خطة بس ما في طريق معروف تمشين له.. يعني إنتِ قاعدة تمشين على عماش مثل ما نقول
تَنَفَّسَت بعمق مُحاولةً تَرْميم صَبْرها وبنبرة هادئة: رائد أنا صدق ما أدري شلون بوصل لهدفي.. بس متأكدة إنّي بوصل.. مدام اتَّخذت خطوتي الأولى فبوصل.. صدقني بوصل
التَفَتَ لها وبهمس: أتمنى
قَبَضَت يَدها وبرَجْفة قَهَر: رائــد أرجــوك.. قلت لك أبي منّك بس ثقة.. أرجوك لا تحبّطني
أشاحَ عنها ببرود اسْتَفَزَّها لكنَّها اَجْبَرَت ذاتها على التَّمسك بفُتات الهُدوء.. لا تُريد أن تُحْدِث مُشْكِلة في شقة رَفيقه.. لا داعي لذلك.. هُو غاضب لذلك يَتَصَرَّف هكذا.. ولا يُلام.. فالأفْضَل أن تَكتم انْفجارها لوقتٍ آخر أو إلى أن يَسْتَسلم البُرْكان وتَذوي حممه. تَساءَلت: كل مرة إذا نبي نشوف بعض بنلتقي اهني؟ أحسها مو حلوة
أَجابَ وهو ينظر لها بعينيه الحادَّتَيْن: اللحين ما عندي غير شقة طلال.. وطبعًا ما نقدر نتكلم في التيلفون.. احتمال كبير إنّه يراقب مُكالماتش.. على الأقل لو راقبش وإنتِ تجين اهني.. تقدرين تقولين إنش صديقة نور
هَزَّت رأسها بتفهم: تمام
تَقَدَّمها للباب وهي تَبعته.. بانت فَتحة بَسيطة قَبْلَ أن يرتفع صَوْته البادي عليه الحَرج: يا الله

: حَيَّاك رائد

هذا صوت صَديقه.. طَلال.. لَم تُقابله عند دُخولها.. بل لَم تُقابله البتة.. لا تَذكر أَنَّها الْتقته من قَبْل.. تَسمع اسمه في أحاديث رائد فقط والتي لا تخلو منهُ غالبًا.. طَلال صَديق البَحْر.. تَبَسَّمَت بِخفّة وهي تَخْطو خَلْف رائد للخارج.. هذه الجُملة غَمَرتها بذكريات قَليلة ولكنّها عَميقة ودافئة.. فذاك الصَّغير الذي فارقته كان يَعشق البَحر والقوارب.. وكان اسْمه طَلال أيضًا.. هل كُل طَلال للبحر في قلبه مَكانة خاصَّة؟
قاطَعَ أفكارها صوت رائد: حَبيبي مشكور.. وسامحنا على الإزعاج
أجابَ طَلال الذي اغْتَصَب الابْتسامة وهو يَرْنو بَطرف عينه لتلك الواقفة بجانب رَفيقه بسرحان: أفا عليك.. تحت أمرك
وهو يُوَجّه حَديثه لنُور: إنتِ بعد مشكورة دكتورة "وبحرجٍ بالغ" واعذرينا.. انكسر كاس بالغلط
نور التي لَم تُفارقها الابْتسامة: عادي حصل خير.. وحاضرين لكم.. حيَّاكم أي وقت
أَدارَ رأسه لفاتن المُلْتَزِمة الصَّمْت.. رَفَعت رأسها إليه باسْتفسار.. أشار بعينيه بحدّة لجهة طَلال والدكتورة.. نُور.. كما عَرَّفت بنفسها عند الباب.. فَهَمَت ما يَرْمي إليه.. يُريدها أن تَشْكرهما.. حَسنًا.. لا مُشكلة.. يَسْتحقان الشُّكر.. رَفَعت عَيْنيها لنُور بَعدَ أن اسْتعانت بابْتسامة ناعمة: شُكرًا نُور على المساعدة
أَوْمأت برأسها: ولو فاتن.. المكان مكانكم
اتَّسَعت ابْتسامتها اسْتجابةً للطف نُور النَّقي.. حَرَّكَت عَيْنيها لطلال.. ويا للعَجب.. تَناثَر خَجَلٌ بالكاد يُرى فوْقَ ابْتسامتها.. نَطَقَت في الوَقت الذي تَصادمت فيه عَيْنيها بِرَماد عَيْنيه: مَشــــ ـــكــ...
تَعَثَّرَت كَلِمَتها في حَلْقها وانْشَلَّ لِسانها.. عِرْقٌ واعٍ الْتَوى في قَلْبها والنَّبَضات تَسارعَت بطريقة أَجَّجَت دماءها حتى غَزَت وَجْهَها.. رائد الذي اسْتَنكر انقطاع كلمتها وتكالب الاحمرار على مَلامحها؛ وَجَّه بَصره لطلال.. كان عاقِدًا حاجِبَيه ولَمْحة غَضَب تَطوف عَيْنيه.. نَطَقَ بمُزاح: طَلال خوَّفت زوجتي.. جم مرة قايل لك لا تخزر وتخوّف الأوادم يا القطو؟
نُور التي لَم تَفتها نَظْرة زوجها المَشْحونة، تداركت بارْتباكٍ وَحَرج: معصب من المباراة" أشارت للتلفاز" فريقه خسران ومعصّب
عَقَّب مُواصِلاً مُزاحه ويده تُعانق يَد فاتن الجامِدة: زين ما بنعصبك أكثر.. أشوفك على خير.. مع السلامة
رافقتهما نُور إلى الباب وَوَدَّعتهما بَعد أن طَلبت منهما عدم الانقطاع وإعادة الزّيارة.. أقفلت الباب ثُمَّ عادت لزوجها بخطوات سريعة وغاضبة.. قالت بِحَنق وهي تُزيح حجابها عن رأسها: كلــش كلــش حركتك ما كانت حلوة.. فشلتنا ويا البنية.. مسكينة تبي تشكرك وتبلعمت من خزرتك.. أشوى رائد ما حس "أكملت وهي تخلع عباءتها وتبتعد عنه إلى الأريكة" كلش ما له داعي اللي تسويه.. كلـــش

: ارْتَبَكتْ

اسْتدارت إليه والاستغراب يُشارك الغَضَب عَقْدَ حاجِبَيها: شنــو!
كَرَّرَ وبَصره لا زال مُعَلَّقًا بمكان وقوف فاتن: ارْتَبَكَتْ.. ارْتَبَكتْ يوم شافتني
جَلَست على الأريكة مُعَقِّبةً وهي التي لَم تَفْهَمه: ايــه.. المسكينة انفجعت من نظراتك
حَرَّك عَدَسَتيه لها وبنبرة أقرب للهمس: لا.. ارْتَبَكتْ.. ما خافت.. جَمَدت يوم شافتني.... مادري ليش!



الوَقت الحالي

خَلْفَ مَقْعَد الرَّاكِب كان جُلوسها.. أَي خَلْفَ مَقْعَد والدتها التي رافقتهما إلى المَشْفى من أجل اسْتلام صَغيريهما؛ الذي قَضى شَهْريْن في قسم الرّعاية المُرَكَّزة لِحَديثي الولادة.. طوال مُدَّة إقامته هُناك في قسم الخِدّج كانت تزوره مع بَسَّام وأًحيانًا يرافقانهما والداها أو والد بَسَّام.. واليوم ها هُو الصَّغير يَخْرج معهم بَعْدَ أن اسْتَقَرَّت حالته الصِّحية وَوَصَل للوَزْن المَرْجو. أَخْفَضَت رَأسها لِتَنظر لِوَجْهه المُتَسَرْبِل ببراءة لَذيذة.. تَبَسَّمت وهي تَرى استغراقه في النّوم وَسط حضنها.. في الأسابيع الأخيرة أزالوا عنه الأجهزة وصار من المُمكن أن يَتم إخراجه من سَريره الخاص لِتَتَمَكَّن من حَضنه وإرضاعه بشكل طَبيعي.. في المرَّة الأولى رَفَضَت بِشِدَّة بَل وبَكَت.. فجَسده كان صَغيرًا جدًّا.. وفكرة أَنَّها تحمله بِيَديها المُرْتَجفتين أَرْعبتها وخُيِّلَ لها أَنَّهُ سيَنزلق منهما فَيَسقط فَيَتَضرَّر.. إلا أَنَّ بَسَّام الذي لَم يُفارقها ولَم يَكُل من مُساندتها مُذ انهارت وغابت عن الوَعي قَبْلَ عَملية ولادتها؛ شَجَّعها بَل وَحَمَّسها لعناق طفلها الجَميل.. فهو قَد أَحاطَ جَسده الضَّئيل بذراعيه الرّجولِيَّتَيْن وقَرَّبه من صَدْره بِحَنانٍ أَجْرى داخلها شَلَّالاً من رَغْبة عَميــقة لتَجْربة هذا الشعور المُمَيَّز.. وبعد مُحاولاتٍ لِطَرْد الارْتجاف عن أَطْرافها وتَجاهل خَوْفها احْتَضَنته، احْتَضَنتهُ كَما لَو أَنَّها تَحْتَضِن عالمًا اخْتُزِلَ في جَسَدٍ صَغير.. احْتَضَنته فوُلِدَ في رُوحها حُبًّا جَديدًا تَتَعَرَّف عليه للمرة الأولى.. صَحيح أَنَّ مَشاعر شَتَّى حَديثة عليها وُجِدَت مُذ وَقَعت عَيْناها على ابْنها.. لكن عندما أَراحته على صَدْرها نَمَت جَنَّة داخلها مَحْفوفة بكل الحُب والعَطَف والحَنان والحَرْص.. سُبْحان من خَلَق هذا الشُّعور.. عَذْبٌ هُو ورواء. تَوَقَّفَت المَرْكبة أَمام مَنزل والدها.. غادرت والدتها ثُمَّ فَتَحت بابها وهي تقول: نزلي شوي شوي
حَرَّكت رأسها سريعًا: لا لا ماما.. إنتِ أو بسام احملوه
شَجَّعتها: لا حبيبتي إنتِ حمليه.. عادي هذا هو طول الطريق في حضنش
شَرَحت: كنّا قاعدين وفي السيارة.. مو اللحين بحمله وبمشي معاه لين غرفتي!
وَقَفَ بَسَّام بالقرب من والدتها وبنبرته الهادئة: حَنين ما راح يصير شي.. قوّي نفسش
أَصَرَّت وضيقٌ بَدأ يُشاكسها من إلحاحهما: بسام الله يخليكم لا تغصبوني.. خلوني أتعود شوي شوي.. شوفوه شلون صَغيــر.. أكيد بخاف أمشي فيه لمسافة.. وبعدين أنا لابسة عباية.. فرضًا عرقلتني؟
هَزَّ رأسه بتأنيب وهو يَنحني إليها لِحَمل الصَّغير.. وبهمس: إنتِ لو بس تتركين عنش هالفرضيات والاحتمالات جان كل شي بيصير عادي
بَرَّرَت وهي تنزل: الأم تخاف على ولدها.. وهالولد كنت بفقده لولا رحمة الله.. أكيد بيكون خوفي عليه أكثر وأكثر
قالت والدتها بنبرة حانِية وهم يمشون للدّاخل: حَبيبتي خافي عليه.. هذا من حقش.. بس لازم بعد تشجعين نفسش.. بيجي يوم وبتحتاجين تحملينه وتمشين معاه لمسافة أطول من جذي بعد.. ومو في كل وقت بيكون معاش أحد يساعدش
كانت تَعْمَل جاهِدة على دَحْض نصائحهم وإضعاف حججهم من أَجْل إرْضاء خَوْفها.. حَديث نَفْسها يَنْتهي بنتيجة واحدة دومًا؛ صِحّة أفعالها وفرضياتها وتغليطهم.. هي أَعلم بنفسها منهم.. تَعْلم أَنَّها إلى الآن غير جاهزة لمثل هذه الأمور.. حَمْله والمشي به.. تَحْميمه.. تطهيره من النجاسة أو حتى تغيير ملابسه.. فالمشاكل الذي واجهته أثناء الحَمل والولادة وكذلك حجمه الصَّغير جدًا.. كُل ذلك يَجْبرها على الخَوْف.. يكفيها أنَّها تُحيطه بذراعيها وتُرْضعه.. تُقَبِّله وتَسْتنشق رائحته النّاعمة.. تُهَدْهد جَسده لِيَنام فيَرْتَشف قَلْبها الحُب بالنَّظرِ إليه. خَلَعت حجابها وعَباءتها قَبْلَ أن تَسْتَقِر فَوْقَ سَرير غُرفتها اسْتعدادًا لِعناق الصَّغير.. تَقَدَّم منها بَسَّام وهُو يَقول بابْتسامة وعَيْناه عليه: قَعد
ابْتَسَمت بحماس وهي تُحَرِّك يَدها ليأتي: عطني عطني إياه
بخفّة وعِناية أَراحه في حضنها.. قابَلها وَجْهه الغَض وابْتسامتها تَتَسَّع حتى أَنَّها طالت اَطْراف رُوحها وقَلْبها وأَنْعَشتهما.. هَمَسَت بنبرة حَوْت حَنانًا رَقيقًا وهي تتَأَمَّل ملامحه: حَبيبي.. حسين.. قعدت ماما؟
بَسَّام الذي جَلَس مُقابلهما أَشارَ لِيَد الصَّغير الذي كان يَتَحَرَّك: شوفي يبي يطلّع ايده
ضَحَكت عندما بانَت لها قَبْضته بحجمها اللطَيف.. داعبتها بِسَبَّابتها وهي تُحادثه بنبرة طفولية: صَباح الخير حَبيبي.. طلعنا من المستشفى خلاص.. اللحين احنا في غرفة ماما حَنين.. في بيت بابا عود "حَرَّك رَأسه بخفّة يُمْنة وشَمالا وهو يُصْدِر أَصواتًا تُنذِر بالبُكاء.. لذلك وَضَعت إصْبعها بالقُرب من فمه.. أَرْدَفَت بِعَطْف وهي ترى اسْتجابته" بعد عمري جوعان
مَسَح بَسَّام على رأسه: أكيد صار له أكثر من ساعة من شَرب
وهي تَعْتَدل في جلوسها وتَقرّبه لها أَكثر: ولا يهمه.. اللحين بيشرب وبيشبع أحلى شَبعة
ضَحَكَ مُعَلِّقًا: أحلى شَبعة! شلون يعني؟
أَجابت بحُب وهي تفتح أَزرار قَميصها عند الصَّدر: لأنه في بيته وفي مكانه.. بيشرب وهو مكيّف ومرتاح.. فبيشبع أحلى شَبعة
انْحَنى وقَبَّل رَأسه ثُمَّ قال: حَبيبي عليه بألف عافية "رَفع رأسه مُرْدِفًا" أنا ماشي
تَساءلت: وين؟
: البيت.. بروح أشوف أبوي وبتغدا معاه وبريّح شوي.. بجيكم العَصر إن شاء الله "قَبَّل جَبينها ثُمَّ وَقَف" تحملي في نفسش وفيه.. وتغدي عدل
هَزَّت رأسها بطاعة وابْتسامة: على أمرك
بادلها الابتسامة وهو يرفع يَده: في أمان الله
غادرَ الغُرفة وعند السُلَّم قابَل والديها.. تَساءلَ والدها بحماسٍ وفَرْح مُشِعَّيْن: وين حَفيدي؟
أَجابَ بضحكة: في الغرفة مع أمه.. قاعد يتغدا
وهو يخطو لغرفة حَنين: أوه المسكين بخرّب عليه الغوزي ماله
تَساءلت أم حَنين: يُمّه بَسّام وين رايح؟
: برجع بيتنا عمّتي
بحنيّة: اقعد يُمّه تغدا معانا وريّح.. البيت بيتك
ابْتَسَمَ لها: أدري عمتي ما تقصرون.. بس بشوف أبوي ما شفته اليوم.. راجع لكم العصر
: على راحتك بو حسين.. في حفظ الله
ابْتَسَم بسعة من كُنيته.. تَتراقص نَبضاته كُلَّما نُودي بها.. فَهو أَصْبَح أبا حُسَيْن.. أَبًا للطفل الذي وَلدته حَبيبته.. حَنين وطفل.. عائلته الصَّغيرة والنّعمة الكَبيرة.. وُجودهما في حياته أَشْبه بامتلاكه لكُل النِّعم.. مُكتفٍ هُو بهما وراضٍ وسَعيد حَد الثَّمالة.. فلكَ الحَمد والشُّكر يا رب على فَضائلك التي لا تُعَد ولا تُحْصى.
تَجاوز باب المنزل الداخلي وقَبْلَ أن يُواصل طَريقه للخارج أتاهُ نِداء من الخَلف.. اسْتدار مُسْتَجيبًا.. ضَحَكَ بخفّة وهُو يَراها تَقترب منه وعَيْناها تَتلفّتان بِحذر.. قالت عندما وَقفت أمامه: سَيّد بسام.. أنا سعيدة جدًا لكما وللطفل الصغير
أَوْمَأ لها بامْتنان: شُكرًا لكِ جيني "وبضحكة" أنتِ أحد أسباب لَم هذا الشَمل.. لن أنسى مُساعدتكِ
ضحَكَت: أووه لا داعي للشُكر سيّدي.. كان واجبًا علي أَن أساعدك.. لأنّك أهلٌ للثقة
شَكرها من جَديد: شُكرًا لكِ
قالت بِتَرَدّد وخَجل: سيّدي.. هل لي أن أسألك سؤال؟
حَرّك رأسه بالإيجاب: بالطّبع تفضلي
باهْتمام وَضَح في عَيْنيها ونبرة سؤالها: كيف كانت ردة فعل السيّدة حَنين عندما أخبرتها بأنك صاحب الرسائل والهدايا؟
ضَيّق عَيناه وهو يُجيب بابتسامة وصَوت هامِس: في الحقيقة لَم أخبرها " أَكْمل سَريعًا وهو يَرى استنكارها" لدي أسبابي الخاصة.. وأرجو منك ألا تذكرين الأمر أمامها
بخيبة: لماذا سيّدي؟ هذا الأمر رائــع جدًا وسَيسعدها
ابْتسم بخفّة: أحتاج لبعض الوقت
حَرَّكت رأسها بتفهّم: كما تشاء
لَوّح لها وهو يستعد للخروج: إلى اللقاء
بادلته التلويح: إلى اللقاء



رَفَعت رَأسها بانْتباه لدخوله البادية عليه علامات القَهَر.. تَأفف وهو يُلْقي جَسده بِمَلل على الأريكة بحاجِبَين مُقَطَّبَيْن.. مال رأسها ويدها المُمسِكة بالقَلَم اتَّكأت على ذِقنها.. تَساءَلت بابْتسامة تُخَبِّئ الضِّحكة: شفيــه المعرس؟ ليش جذي عافس وجهه؟
نَظرَ لها بِطَرف عينه وهو يُعَقِّب بملامة: تسوين روحش ما تدرين وإنتِ تساعدينها على اللي تسويه
وهي تَتَصَنَّع البَراءة وضِحْكتها على وَشَك الهروب: أنا شلي دخل؟ ما سويت شي
سَخَرَ: والله؟ ما سويتي شي؟ "ارْتَفَعَ حاجبه وبحدّة" أمس طالعة متغدية مع من؟ مو معاها؟
تَنَحنَحَت: بعد البنية عازمتني على الغدا وتبيني أشوف فستان العرس.. أردها يعني؟ عيــب
وَقَفَ وهو يقترب من مكتبها: لا، لا تردينها.. بس جان قلتين لي عشان على الأقل أجيكم المطعم أو حتى المَحل عشان أشوفها "اسْتَنكَرَ" هذي حالة يعني؟ من ليلة الملجة للحين ما شفتها.. حتى قبل لا أملج عليها كنت أشوفها أكثر!
بَرَّرَت بمُشاكسة: البنت عندها سبب
أشاحَ بَصره عنها وبهمسٍ حانِق: الله والسبب عاد.. هي تبي تعاندني وبس "تَهَكَّم" والله حسيت روحي في ابتدائي من هالهوشة البايخة "اعْتَلَت ضِحْكتها بَعدَ أن خارت قواها وهو نَظَر لها بقهر" اي اضحكي اضحكي.. من حقش تضحكين لأنها لاعبة عَلي
عَلَّقَت بعدَ أن سَيْطَرت على ضِحكتها: والله فيلم انتوا اثنينكم.. أتَطَلَّع للأفلام الجاية
بوَعيد وهو يَتَأَمَّل إحْدى لوحاتها المُعَلَّقة: خلها بس تصير في بيتي.. باخذ حقي منها وبخليها تندم على حركاتها
ارْتَفَعَ حاجِباها وباسْتنكار: عبّود من صدقك! في النهاية السالفة مزح.. لا تسوي شي تندم عليه
التَفَتَ لها وهُو يُضّيِّق عَيْنَيه: إنتِ وين راح بالش؟ ما بستخف وبذبحها
وهي تَتَرك القَلم فَوق الوَرقة التي ترسم فيها: شدراني فيك.. قاعد تقول بتندم ومدري شنو
بابْتسامة جانِبية: اي بتندم "وَضَّح وهو يغمز لها" بس بخليها تندم بطريقتي الخاصة
ضَحَكت بِحَرج عندما اسْتوعبت مقصده وبشفقة: حرام عليك.. لا تزودها على البنية.. بتخليها تغص من حياها
عَقَّبَ بلؤم: خلها.. عشان تتأدب وتحرم تعيدها
ارْتَفَعَ حاجِبَها وهي تخزه بكلماتها: محد قالك تجذب عليها وتقول لها تحب مارتينا وبتخطبها.. لا وبعد تعزمها على الملجة!
حَرَّكَ كَتِفَيه وبتَبرير: كنت أمزح.. وهي عادي بعد الخطبة ما جابت طاري كلش.. ما توقعتها حاطتها في بالها وبتردها لي بهالطريقة
أَخْفَضَت رأسها والْتَقَطَت القَلَم لِتَستأنف رَسمها: بــس.. تحمل نتائج مزحتك
اقترب منها مُتسائلاً: شفتين الفستان؟
ابْتَسَمت وهي تُحَرِّك يدها باحتراف على الوَرق: اي شفته.. شفته عليها بعد
اسْتَجابَت نَبضاته بتَوْق: حلو عليها؟
رَفَعت عَينيها وبابْتسامة واسعة: يَجنن.. إذا شفتها فيه بتنسى نفسك وتهديدك بعد
عَضَّ شَفته بتَلَهُّف قَبَل أن يَهْمس وعَيْناه تَنحتان مَلامحها فَوْق عَدَسَتيه: لا والله ما بنساه.. هذي مروة.. كل رَغْبة قدامها تتضاعف ما تنسى



تَنظر لوالدتها من خَلْفِ جِفْنَيَن هَدَّلَهما الخَبَر الصَّادِم.. صَوْتها وكأَنَّهُ يَنفذ إلى الماء ثُمَّ يَصِل إلى مَسْمَعيها مُثْقَلاً بالرُّطوبة فبالكاد تُترجم مَعانيه أَعْصابها.. تارةَّ تنظر للفراغ أَمامها لِتَحْرث الوَقت وتعود بالزَّمن إلى المواقف التي جَمعتها به.. وتارَّةً تُسْهِب النَّظر في الابْتسامة المُتَزيِّنة بها شَفتي والدتها السَّعيــدة.. نَعم كانت سَعيدة وهي تنثر عليها زُهور الخَبر.. رَفعت بَصرها لِعَيْنيها.. بَريـقٌ يعكس الكَثير والكَثير.. وَقَبْلَ أن تَمْتَص بعضَ وَميضه قالت بنبرة جادَّة مُغَلَّفة بالحَرْصِ والحَنان وهي تَحتضن كَفَّها بيدها الحانية: حَبيبتي جِنان إخذي وقتش في التفكير.. بس يُمّه لا تنسين إن هالفرصة مستحيل تتكرر.. خلي هالشي في بالش
هَزَّت رَأسها بنصف وَعي ثُمَّ وَقَفَت لتتحَرَّك بآلية ناحية السُلَّم قاصِدةً غُرفتها دُون أَن تنبس ببنت شفة.. كانت خطواتها قَصيرة وبطيئة.. وكأنَّها تَمشي على أَرْضٍ غير واقعية.. أرض تُشْبِه تلك التي تُؤسِّس أحلامنا.. أو بالأحرى.. كوابيسنا.. وكأنَّها بخطواتها الحَذِرة تَتوخَّى الوقوع في مُنْحَدَرٍ خَطير الخَفايا. وَصَلت للغرفة.. دَخلت دون أن تغلق الباب.. جَلَسَت على السَّرير وبصرها شاخص للأمام.. عقلها يُعيد الجُملة التي انتصفت حَديث أُمِّها بعد المُقدِّمة الطَّويلة نسبيًا.. الجُملة تُعاد مرة بعد مرة.. وفي كُل مرة كان الصَّوت أَعلى وأَرْهَب.. رَمَشَت بِخفَّة ثُمَّ تَحَرَّكت عَدَستاها يَسارًا.. مَدَّت يدها لهاتفها.. تناولته ومُباشرة اختارت اسْمًا دائمًا ما يَعْلو قائمة مُكالماتها.. رفعته لأذنها، وكالعادة ثواني وأتاها الرَّد: جاهزة لاستقبال الشكوى وحَديث الشوق لبنتش
جَرَّت صَوْتها من قُعْر الحُفرة التي كَوَّنتها صَخْرة الصَّدْمة.. وبهمسٍ لاهِث: نـ ــدى.. أستاذ.. .. أستاذ نادر.. خطبنـــي!
ارْتَجَفَت من رأسها حتى أخمص قَدميها، حتى دواخلها ارْتَجَفَت من شَهْقة نَدى التي قَذَفت بوَعْيها للواقع الذي هاجَمها بِوَجْهٍ يُستحال أن يُغادرها.. وَجهٌ لطالما حَذَّرتها عَيْناه من تَجاوز خَطٍّ أَحْمَر لا تُحْمَد عُقْباه.





يتبع



 توقيع : إرتواء نبض



رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معــلومـاتــ شاملهـ عنــ ـالفشلــ ــالكلويــ !! ـرسم ـالخ ـيالـ …»●[لكل داء دواء ولبــدنكـ عليكـ حق]●«… 16 02-18-2009 09:32 AM
فضل يوم عرفة εϊз šαđέέм εϊз …»●[ أرواح أيمـــانيـــه ]●«… 14 02-15-2009 11:47 AM

Loading...


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع حقوق النشر لشعارنا و كتابنا ومسميات الموقع خاصة و محفوظة لدى منتديات قصايد ليل الأدبية