صداقات طفلك

يخطو طفلك منذ دخوله إلى الحضانة خطواته الأولى في طريق مستقبله وحياته ويبدأ اختلاطه بالأطفال الآخرين. يزداد هذا الاختلاط اتساعاً فور دخوله إلى المدرسة فيتعرف على مجتمع جديد مختلف الملامح عما تعود عليه في المنزل. في هذه المرحلة يزداد قلق الأم على طفلها الذي أصبح يقضي معظم وقته بعيداً عنها منخرطاً في مجتمع لا تعرفه ولكن تحاول التعرف عليه من خلال تبادل الحديث عنه مع إبنها ومساعدته على التأقلم فيه وعلى اختيار الأصدقاء الذين سيكون لهم التأثير الكبير على سلوكياته سواء إيجاباً أم سلباً. كيف ستساعدين طفلك على هذا الاختيار؟



تقول نهى عبدالحي (أم لطفلين) إنها تخشى كثيراً على أطفالها من الارتباط بأطفال آخرين يؤثرون سلباً على سلوكياتهم. فليس كل الأطفال بالمستوى الأخلاقي نفسه الذي تربى عليه أبناؤها. فهي تحرص بالتالي على مصادقة طفلها والتعرف من خلاله على أصدقائه ومحاولة نصحه. بالإضافة إلى أنها تحاول، أثناء انتظار طفلها أمام المدرسة، أن تتعرف على أمهات أصدقائه وأن توطد علاقتها بهن لتكون دائماً على تواصل مع طفلها.

تتفق غادة محمد (أم لطفل) في الرأي مع نهى وتشير إلى أنها تحاول أن تكون الصديق الأفضل لطفلها. تشاركه في كل شيء وتساعده على اختيار أصدقائه من خلال التعرف عليهم وعلى أمهاتهم وتحثه على التحدث عمّا فعل في المدرسة وعن أصدقائه وعن علاقته بهم. تحاول أيضاً إنشاء علاقة صداقة بين طفلها وبين أطفال صديقاتها لأنها تكون على معرفة بهم وبسلوكيات أطفالهم وبالتالي يقل قلقها عليه أثناء وجوده معهم.


الأب ... القدوة والمؤثر



ليست الأم وحدها هي التي تهتم بمتابعة طفلها ومشاركته عالمه الصغير؛ فللآباء أيضاً الدور البارز في ذلك. يقلد الابن أفعال والده ويرى فيه القدوة التي يجب أن يحتذي بها. لذلك يجب أن يكون للأب الدور الفاعل في مساعدة طفله على اختيار أصدقائه.

يقول أحمد السيد (أب لطفل) إنه يساعد زوجته في الاهتمام بطفلهما ويتبادلان إحضاره من المدرسة ومتابعة سلوكه والتعرف على أصدقائه. بسبب صعوبة التعرف على أولياء أمور أصدقاء طفله يترك هذا الأمر لزوجته ولكنه يشاركه في الحديث عن أصدقائه وكيفية التعرف عليهم والتعامل معهم ومحاولة معرفة مستواهم الأخلاقي, من أجل معرفة ما إذا كان يتفق مع المستوى الذي يحرص على تربية طفله عليه.
يضيف: يتعرّف الطفل على الكثير من الأصدقاء. قد يتفق مع البعض في اتجاهاته وميوله وسلوكه وقد يختلف مع البعض الآخر. هنا يكون دوري أنا ووالدته في إعطائه بعض الإرشادات التي تساعده على الاختيار الصحيح لصديقه. حتى لو كان مختلفاً معه في اتجاهاته, يجب أن لا يكون له التأثير السلبي على سلوكه وعلى مستواه في التحصيل الدراسي.

أما سامي إبراهيم (أب لثلاثة أطفال) فيقول إنه بسبب ظروف عمله يكون منشغلاً عن الوجود مع أبنائه فترات طويلة ويترك لزوجته هذا الأمر. لكن لا يمنعه هذا الأمر من أن يعرف من زوجته ما يحدث لأولاده ويتابع أمورهم ومشاكلهم ويشاركها الرأي ويساعدها على أن تحل مكانه أثناء غيابه ويحاول أن يعوض على أبنائه انشغاله عنهم فترات طويلة وذلك من خلال تكريس إجازاته في توثيق علاقته بأطفاله وفي التعرف على أصدقائهم, فهو يؤكد في هذا المجال أن للأب دوراً مهماً جداً في تكوين شخصية الأبناء.


الحضانة... المكان الأول للصداقات



تلعب الحضانة أو المدرسة دورا مهما جداً في توجيه عالم الطفل الصغير وفي تكوين مجتمع خاص فيه وبالتالي في بناء شخصيته، إذ يقضي فيها معظم وقته برفقة مدرّسيه وأصدقائه. من هنا تقول رانيا (مديرة حضانة أطفال): إن الطفل في الحضانة نادراً ما يستطيع تكوين الصداقات والمحافظة عليها. فهو يتعرف على الكثير من الأطفال في خلال السنة التي يقضيها في الحضانة، لكنه لا يلبث أن ينفصل عنهم بسبب ارتياد كل واحد منهم مدرسة مختلفة عن الآخر. رغم ذلك نُعلِّم الطفل كيفية التعامل مع غيره من الأطفال وحبهم حتى نمنعه من أن يكون أنانياً يحب نفسه فقط. في هذه السن يحب الطفل أن يمتلك كل شيء ويتمتع به بمفرده, لذلك نعلمه ضرورة أن يشارك الآخرين ويشاركه الآخرون في كل شيء؛ هكذا نخلق جواً من الألفة بين الأطفال.
تضيف رانيا: إذا رأيت أي سلوك أو تصرف سيئ من جانب الطفل أنبهه وألفت نظر أمه إلى هذا السلوك. أنا أحرص على أن أكون على اتصال دائم مع الأهل لمتابعة أطفالهم وتنبيههم إذا شعرت بأيّ تغيرات تطرأ على سلوكياتهم.
متابعة الأهل وعدم التدخل المفرط

على صعيد آخر، تفيد د. سامية القطان (أستاذة علم الاجتماع) أن البيت هو الأكثر تأثيراً على الطفل. لكن بما أن الكثير من الآباء لم يعودوا مهتمين بأطفالهم والأمهات لا يقمن بدورهن كما يجب, أصبح للأصدقاء، سواء في الحضانة أو في المدرسة، التأثير الكبير عليهم. من هنا أشدد على وجوب أن تتابع الأم طفلها، ليس من خلال التدخل المفرط في حياته إنما في محاولة اختيار اصدقائه والتعرف على سلوكهم. مثلاً إذا كان سلوك أحد أصدقائه عنيفاً تحاول أولاً أن تنبه الولد وتنبه أمه إذا كانت تعرفها, وإذا لم يتغير سلوكه تعمل على إبعاد ابنها عنه من خلال إقناعه بالحوار وليس بالعنف حتى لا يتخذ سلوكاً مضاداً ويزداد عناده ويصر على الإبقاء على هذا الصديق, وبعكس ذلك إذا قال لها طفلها إن صديقه حسن السلوك وهو يساعده تلفت نظره إلى أن هذا الصديق جيد.
تضيف د. سامية: يجب على الأم أن تتابع أولادها في الحضانة وفي المدرسة وتهتم بالسؤال عنهم وعن تصرفاتهم وسلوكياتهم, لأن هذا الاهتمام سينتقل إلى المدرسة التي تبادر بدورها إلى التواصل مع الأم و إلى إعلامها بالمتغيرات التي تلاحظها في سلوك اطفالها. عموماً ليست مرحلة الطفولة فقط هي مرحلة تكوين الأصدقاء. في كل مرحلة من مراحل الحياة يتعرف الأولاد على أصدقاء جُدد, إلا أن أخطرها هي مرحلة البلوغ والمراهقة, حيث يشعر الأولاد بأنهم أصبحوا كباراً وهم بالتالي مسؤولون عن تصرفاتهم في حين أنهم في الواقع لا يزالون يفتقرون إلى النضج، لذلك يغلب على هذه المرحلة القلق والتوتر ويصبح من الضروري أن تستمرّ الأم في متابعة أولادها ومعرفة أصدقائهم.


دور الأم في اختيار الأصدقاء

حول هذا الموضوع يقول د. أحمد عبدالله (خبير في علم النفس) إن للأم تأثيراً كبيراً على الطفل فهي التي تحدد له الأصدقاء وتنبهه إلى أن هذا الصديق جيد وذاك سيّئ وتحاول إلى حد كبير أن تعمق صداقاته خاصة خارج المدرسة مثل أطفال جيرانها أو أبناء صديقاتها وهكذا. يجب أن تتعرف الأم أيضاً على أمهات أصدقاء طفلها وتتقرب من اللواتي ينسجمن مع قناعاتها ومع سلوكياتها. يؤثر الأصدقاء على سلوكيات الطفل. فهم يشجعونه على أشياء معينة ويساعدونه وهو يحاول بالتالي أن يقلدهم. كذلك من شأن الأصدقاء إكساب الطفل الثقة بالنفس. من هنا يمكن اعتبار وجود الطفل بين أصدقائه فرصة لإحداث تفاعل اجتماعي بينهم، وهذا ينمي قدراته اجتماعياً. في المقابل يؤثر عدم وجود الأصدقاء سلباً على نفسية الطفل، فيشعر أنّ شيئاً ما ينقصه, ورغم ابتعاده عن سلبيات أصدقاء السوء إلا أنه سيفتقد المميزات المكتسبة من تكوين أصدقاء ويحاول أن يعوّض هذا النقص من خلال التعلق بالأشخاص الأكبر منه سناً. هنا يجب على الأم والأب أن يبذلا مجهوداً لمساعدة طفلهما في البحث عن أصدقاء من خلال الجيران أو المعارف أومن خلال الأندية... لأن الأصدقاء لهم الدور المهم في تكوين شخصية الطفل.مما يقلق الوالدين هو أصدقاء السوء كما ذكرنا. وقد يبدأ الشعور بالقلق عندما يبدأ الطفل بالخروج مع أصدقاء ليسوا بمستوى القيم التي تربى عليها الابن.


إليكـِ عزيزتي الأم بعض الإرشادات لتساعدكـِ في اختيار أصدقاء طفلك :
1. دعي طفلك يختار صديقه بنفسه، لأن ذلك يشعره بالراحة، والثّقة في نفسه.
وفي حال واصل طفلك التسكع مع أطفال آخرين لا يعجبونك فما عليك سوى توخي الحذر والانتباه دائما لأية تطورات وما عليك إلا مراقبة التغييرات في سلوك طفلك والانتباه إلى درجاته المدرسية وإلى حدوث تغييرات في سلوكه كأن يغلب عليها التحدي.كما عليك مراقبة التغييرات غير العادية كأن يصبح صعب المراس وسريع الغضب ومتقلب المزاج. وفي حال كان تأثير صديقه عليه سيئا ويدفعه للقيام بأعمال خطرة فما عليك سوى بذل كل جهد يتوفر لديك للحد من تلك العلاقة. وفي حال الضرورة عليك الحصول على دعم من مدرسة طفلك ومن الاختصاصي الاجتماعي أو من الطبيب النفسي.

2. صادقي أصدقاء طفلك الجدد ودعيهم يعرفون أنك مهتمة بهم. ويمكنك القيام بذلك بالتأكد بأن بيتك هو المكان الذي ينعم فيه طفلك مع أترابه بالسعادة. واملئي ثلاجتك بالعصير والوجبات الخفيفة ولعل أقراص البيتزا من الوجبات المثالية التي يفضلها الأطفال. وبمعزل عن شعورك بالارتياح لأن طفلك يقضي وقت فراغه قريبا منك، فإنك ستكونين قادرة على المحافظة على عينيك وأذنيك مفتوحتين لمعرفة ما إذا كان لقلقك حول ابنك له ما يبرره.

3. ابذلي جهدك للتعرف على والدي أصدقاء طفلك وتبادل الزيارات العائلية معهم. ولكن في حال ظهور أية صعوبات لتحقيق ذلك فلا بأس من اللجوء إلى الهاتف كوسيلة اتصال وحاولي دائما التمتع بمستوى إيجابي رفيع في التعامل مع والدي صديق أبنك. ويمكنك أن توضحي للأم أن طفلك وطفلهما يقضيان معا أوقاتا طويلة، وأوضحي لها أنك وزوجك وضعتما لطفلكما ضوابط ترشده في حياته اليومية .

4. احرصي على أن تكوني الصديق المفضل لطفلك، لأنك تحبينه، وتقدرينه، وتحترمينه، وتثقين به.

5. إذا تشاجر طفلك مع صديقه فلا تسارعي بالانحياز إليه ضد صديقه، أو توبيخه أو لومه، فقط استمعي إليه، وقدّري مشاعره، وساعديه على أن يحلّ مشكلاته بنفسه.

6. لا تقلقي من كثرة أصدقاء طفلك، أو قلتهم فهناك عدد مثالي من الأصدقاء. بعض الأطفال يفضلون الاقتصار على صديق واحد، والبعض الآخر يفضّل مجموعة من الأصدقاء، وهناك من يفضل البقاء دون أصدقاء، تقبّلي اختيار طفلك واحترميه.

7. و أخيرا ثقي أنّ طفلك سيقلدك في اختيار أصدقائه، فكوني قدوة له، ولا تصاحبي من يرى طفلك منهن ما تنهينه عنه.


الحقيقة فإن تعرف الأبناء على أصدقاء جدد يحتل الجانب الأكبر من مساعدتهم على توسيع آفاقهم والتعرف على أفكار جديدة والتناغم مع الآخرين. ولكن النقطة الأهم في تلك العلاقة هو التفكير فيما إذا كانت القيم وأسلوب المعيشة لذلك الطفل محل جدال أو إثارة للقلق أو ما إذا كنت تقفزين إلى النتائج دون أية مقدمات.