02-12-2017
|
|
حتى يلتئم شملُنا ونكونَ أمة واحدة”
نداء واستجابة
لإثبات صحة عبوديته له وصحة الاعتقاد بربوبيته وألوهيته
دعاه سبحانه إلى اقتحام العقبات صعدا اليه بقوله: فلا اقتحم العقبة
“لا هنا للنفي والاستنكار، فيكون المعنى: مع كل تلك النعم،
ومع الهداية التي تخيره بين نجدي السعادة والشقاء لم يقتحم
العقبة المؤدية لسعادته. أو تكون لا للعرض والتحريض فيكون
المعنى: هلا اقتحم العقبة؟ وبكلا المعنيين فهو نداء مؤكد
من الله عز وجل للإنسان أن يسلك إلى ربه السبيل. إلى ماذا
يشير لفظ النداء؟… ماذا تحمل العبارة “اقتحم العقبة
” من مواصفات في “الذات” وفي “الموضوع” الذي هو الطريق؟”
وإلا فهو ادعاء وكذب، بل يذكره منذ البداية أن السلوك اليه
سبحانه تعترضه عقبات متعددة؛ وأن على هذا الإنسان الإقدام،
وليس أمامه إلا الاستجابة لداعي الاقتحام، ليصل إلى ربه
بقلب سليم سالما غانما، وهو سبحانه يعلمنا منذ البداية أن
أعداءنا لا يتركوننا، كما لم يتركوا ادم وحواء من قبل، يقول سبحانه
ألَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين
وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ
تَكُونُوا تَعْقِلُونَ لذلك فمخاطبة الإنسان، بل أعمق
ما في الإنسان لينهض حاله وتتقوى عزيمته، وتستيقظ
وتعلو همته لن تكون إلا بتوطين النفس على الاقتحام،
يقول سبحانه: يأيها الذين امنوا اصبروا وصابروا ورابطوا
واتقوا الله لعلكم تفلحون[25] ونحمد الله على صحبة الصالحين
الهادين: من هنا الطريق، احذر المزالق والكلاليب،
ثم يحضنا قائلا: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ[26]
تذكير لنا بالمُقتحم اليه، وهو ربنا الجواد الكريم، الحنان المنان،
وأن الاقتحام المقصود هنا هو ”تحرك سالك إلى مسلوك إليه،
صعدا وارتقاء. تقرّب العبد إلى ربه. فكل ما يصرف العبد عن هذه
الوجهة، أو يعرقل هذه الحركة، أو ينسيها أثناء السير،
أو يذيبها في الانتشار الفكري والشغل الجماعي، خطر يهدد
عملنا بالسطحية، ثم بالغفلة، ثم بالانحراف“ وهي عقبات
ضمن العقبة الكبرى وجب الحيطة والحذر منها.
هذه العبارة المفتاح تجمل الفهم الشمولي لهذا المطلب،
كون الإنسان في سيره بين “نداء واستجابة، رحمة وحكمة”
وهو بذلك يحاول اكتشاف القدرة على الانبعاث والحياة،
لكن في مسار تصاعدي، من الدنيا حيث يعيش إلى الآخرة حيث معاده،
مستجيبا بذلك للنداء السرمدي الحاض على اقتحام. “الطبيعة الكونية
والطبيعة الإنسانية، عقبة يجب على الإنسان أن يقتحمها ليعرف
مولاه وخالقه، وليرضى عنه، وليسعده السعادة الأبدية”
وفعل الاقتحام في أحد معانيه ”هجوم على ما يخيف الجبناء،
وعلى أن الطريق صاعدة لكن في وعورة. بعبارة أخرى فإن العبارة
تصور لنا الخصال النفسية القلبية العقلية عند المدعوين للاقتحام
كما تصور طبيعة المسلك الموضوعية. وهي قبل كل شيء دعوة
صادرة من اللّه عز وجل، فالاستجابة لا تتخذ معناها من خصال المقتحم
ولا من وعورة المسلك، لكن من كونها تلبية لنداء الحق”
وبرهان من العبد على صدق طلب وجهه ورضاه.
ولن تكتمل فرحتنا “حتى يلتئم شملُنا ونكونَ أمة واحدة”
|
|
|
|