تـأملات في ملكوت الخالق (الدماغ والعطش)

الدماغ .. والعطش يؤلّف الماء اكثر من 70% من وزن الجسم .. ولأن كل العمليات الحيوية التي تحدث في خلايا الجسم .. (كلها بلا استثناء) .. تحدث في "وسط مائي" .. كان الماء هو "أساس الحياة" بلا منازع .. (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) .. كل الخلايا الحية في جسمك .. كلها بلا استثناء .. تُحاط بالماء .. لأنها لا تعمل (كما سبق) إلا في وسط مائي .. يؤمّن لها دخول المواد (ذائبة) وخروجها .. وداخلها ايضاً وسط مائي بالطبع .. كل الخلايا لا تشذ عن هذه القاعدة .. خلايا الدماغ "تسبح" في وسط مائي .. خلايا الأنسجة الداخلية محاطة بوسط مائي .. تؤمنه لها تفرعات الأوعية الدموية الدقيقة وما "يرشح " منها من سائل مائي .. خلايا الفم والبلعوم .. والقناة الهضمية عامة .. تحاط بهذا الوسط المائي .. وهي دائما "رطبة" كما تعلم .. ماذا عن الطبقة السطحية للجلد .. لماذا لا تحاط خلاياها بالماء (يحيط الهواء بنا من الخارج !) .. هل تشذّ عن القاعدة؟.. بالطبع لا .. الطبقة السطحية هي خلايا "ميتة" .. لا حياة فيها .. مجرد "قشور" من بروتين "الكيراتين" الصلب .. لحماية الأنسجة الداخلية .. "تتقشّر" عن الجسم باستمرار .. خصوصاً أثناء الاستحمام .. وتُعوّض بطبقة الخلايا الحية تحتها .. حيث تمتلئ الخلية ببروتين "الكيراتين" .. وتموت .. وتندفع للأعلى .. نتيجة لنمو ما تحتها من طبقات حية .. معوّضة ما يسقط من خلايا أقدم .. ماذا عن الخلايا الحية تحتها .. هل تحاط بوسط مائي .. بالطبع .. جرب أن تخدش طبقة الجلد السطحية .. ستلاحظ سائلا مائيا يميل للزوجة.. يبدأ بالرشوح .. وعندما يجف .. تتكون في موضعه "قشرة سوداء" .. كثيراً ما كانت تتكوّن على جلدك في مرحلة الصبا والشقاوة واللعب .. حيث كثيراً ما يتضرر الجلد .. هذا مثال للقاعدة .. كل الخلايا الحية تُحاط بوسط "مائي" .. ماذا عن خلايا العين .. هل هي ميتة كالجلد ؟؟ (لوكانت كذلك لما كنت ترى وتتابع هذه السطور .. ولما استمتعت برؤية جمال وروعة الكون من حولك !) .. إنها حية .. بل "حية جداً" إن صح التعبير !.. خلايا عدسة العين بالقرنية مكوّنة من نوع خاص من البروتين الشفاف .. شفاف كأنقى ما يكون .. (بروتين البللورين Crystalline) لكي ينفذ عبره الضوء ويقع على الشبكية .. وينقله العصب البصري إشاراتٍ إلى مركز الرؤية في الدماغ .. لكي تترجم إلى "مرئيات" .. هذا البروتين الشفاف المكوّن لعدسة العين يُحاط بسائل مائي تكونه باستمرار غدد الجفن .. هو ما يجعل العينين "تلمع" عندما ينعكس الضوء عليها .. ولا يخبو بريقها إلا عندما تموت !.. وهكذا يؤمّن هذا السائل الوسط المائي اللازم لخلايا قرنية العين .. لكي تدخل عبره (وتخرج) المواد الذائبة .. كل الخلايا الحية إذاً محاطة بوسط "مائي" .. إضافة إلى "داخلها" المائي .. وعندما يقل "منسوب" الماء في الخلايا بقدر 1% فقط .. يتنبّه الدماغ فوراً .. فهو "يسبح" كما سبق في وسط مائي .. وهذا النقص يحفّز "مركز العطش" في قاع الدماغ.. ضمن منطقة تدعى بما تحت المهاد Hypothalamus .. كما يحفز منطقة مجاورة في الدماغ لإطلاق هرمون "منع فقدان الماء Anti duretic hormone" .. مركز العطش يرسل "إشارات" تجعل فمك وحلقك جافاً .. وتُسبّب "شعورك" بالعطش .. لكي تلبّي هذا الشعور .. وتروي هذا العطش .. وتحافظ على التوازن المائي لجسمك .. بينما هرمون "منع فقدان الماء" يعمل على تقليل تصريف الماء من الكليتين .. ويحافظ على ماء الجسم من الضياع .. كل ذلك يتم التحكم به في قاع الدماغ .. بتنسيق وتكامل عجيب .. ولولا ذلك .. لنقص ماء جسمك بدون "إلحاح العطش" .. مما يعرض الجسم لفقدان الماء .. وخطر الموت من الجفاف .. كما أن هناك آليات أخرى بقاع الدماغ تضبط شرب الماء والارتواء .. بحيث لا تشرب أكثر من الكمية المطلوبة .. وإلا فستفقد القدرة على ضبط مستوى الماء .. وستشرب كميات تؤدي بك إلى حالة من فرط مستويات الماء بالجسم (حالة تُدعى التسمم المائي water intoxication " .. تذكّر الشعور بالعطش .. ومركز العطش بقاع الدماغ .. وأنت صائم .. العطش سويعات قليلة لن يكون له أثر ضار على جسمك .. بل أثر "الصوم" معروف على الجهاز الهضمي .. والتخلص من السموم .. تذكّر ذلك .. وسبّح بخالقك .. الذي يكلؤك برعايته ورحمته .. في تلك الدقة والتوازن العجيبين لآليات حفظ "توازن" الماء بجسمك .. سبحان الله وبحمده .. سبحان الله العظيم .. سبحانه .. كلما ذهب الظمأ .. وابتلّت العروق .. وثبت الأجر إن شاء الله .. سبحانه في كل حين .. سبحانه كما ينبغي لجلاله .. وعظمته .. وكبريائه .. كل عام وانتم بخير وكل عام ومكه هي دار الخير ومنبع الرساله والعلم والهدى .. في أمان العظيم . نـــــواف