رحمة ذئب

رحمة ذئب خلف جنون الليل حكايات لا يعرفها غيري .. وخلف جدران غرفتي قصص عشق محرم .. اذوب فيها على انغام نبرته الهامسة .. وعلى شوق اللقاء كما نثرثر .. أنام كُل ليلة على هلوسات الُلقيا .. وعلى تنمل كفي من امساك ذاك العابر له صوته .. اسرار تغرقني في ظلام لا اعيه .. لا اتيقنه .. فقط ابحث عن شيء يشعرني بالسرور .. معه هو .. عاشقي المجهول .. تمتم لي يوما بانه يرغب بالزواج بي .. فطرت الى حدود السماء فرحا .. واعطيته ما يرغب عبر امواج الاثير .. حتى النظر المحرم اهديته له عبر رسائل اوجعتني لاحقا .. استيقظت بعد انهاك جسدي اعتدته لسهري الى الفجر معه .. استيقظت على صوت امي القائل لي : سوف نذهب للعزاء في عائلة الـ ... وغادرت وجفناي لا يزالان يتلذذان بالنوم .. عزاء ؟.. هل قالت لتو عزاء ؟.. اطبقت اللحاف على وجهي .. فليس لي شأن بمن مات ومن عاش .. دعوني لاحلامي الجميلة .. وفجأة تذكرتها .. تلك الفتاة التي صاحبتها ثلاث سنوات في المدرسة الثانوية .. شيماء .. كانت تجاهر بالمعصية .. وتحكي لي ولرفيقاتنا عن مغامراتها عبر الهاتف .. كانت اول واحدة من بيننا تمتلك هاتفا .. تأتي به مرات عديدة خلسة .. تدسه في ملابسها حتى لا يقع في ايدي الاخصائيات .. كانت تتباها به .. وتخبرنا عن شباب كُثر .. القوا عليها ارقامهم في يوم تسوق .. او يوم نزهة الى احدى الحدائق العائلية .. تمسكه وترينا صور لها بالكاد ترتدي شيئا .. وتقهقه متبجحة : لقد مات على صورتي .. كاد ان يُجن على جمال جسمي .. اخبرتكم باني جميلة لا اقاوم .. لأفزع جالسة .. قالوا بالامس إن حادث سيارة اودى بعائلة كاملة .. سحبت انفاسي المثقلة .. تلك عائلة شيماء .. الفتاة الهاربة خلف الحرام .. كمثلي .. لا اعلم مالذي دعاني للجزع حين رن هاتفي .. كُنت اطير فرحا لتلك النغمة المميزة .. اختطفته لارميه امامي .. ورجفة داهمتني .. اقسم ان كُل خلية في جسدي بدأت ترتجف .. ورقم عاشقي ينير شاشة هاتفي .. سحبت خطواتي الى دورة المياه ( اكرمكم الله ) .. لاغسل وجهي .. ومن ثم ادس فرشاتي في فمي .. لأتصنم مكاني .. هنا كنتُ أنزع ملابسي تلبية لرغبة ذاك الذي احببته .. وهنا التقطت صور لجسدي المحرم عليه .. حللته له مرارا .. أيحق لي أن احلل ما حرمه الله علي ؟ لا اعلم لما ابكي .. ماذا دهاني .. لما صور شيماء العتيقة تمر في ذهني كشريط سينمائي اباحي .. ازدردت ريقي .. وقررت ان اتصيد الاخبار .. لربما ليست شيماء .. ليست عائلتها .. وليس والدها المتدين من مات في ذاك الحادث .. خرجت من غرفتي في هذا الوقت المبكر لاول مرة منذ امد لا اذكر بدايته .. لاجلس في صالتنا الصغيرة .. لم اسهر مع عائلتي منذ فترة .. لم اشاكس اخوتي .. ولم العب معهم .. اوهمتهم بانني كبرت على العب معهم .. اوهمت امي اني لا احبذ السهر .. واوهمت ابي اني منزهة من الخطايا .. التفتُ بعد ساعة من الوقت على صوت أمي المتحوقل .. وصوت شقيقتي الكبرى .. تزوجت شقيقتي وتركتني وحيدة ..كم اشتاق لسهراتنا معا .. لاحاديثنا وضحكاتنا .. انخرطتُ في ذاك الجنون من بعد غيابها .. نظري يرتفع اليهما مع وقوفي .. اتابع جلوس امي بعد رميها لعباءتها .. وصوت أختي المتعب بسبب حملها الموشك على الانتهاء : والله ان ما سمعناه يشيب له شعر الرأس .. تزلزل كياني لقول اختي .. ماذا حدث .. ارغب بالسؤال ولا استطيع .. ماذا حدث ؟ .. هيا ثرثرن كعادة النساء .. ام ان العادة اندثرت اليوم على حظي التعس ؟ .. هيا يا أمي انطقي ؟ .. لما اشعر بان لساني ثقيل وجوفي جف كأرض جدباء تنتظر المطر سنين طوال .. بلعت ريقي وجلست بهدوء .. ارقب امي وهي ترتشف من فنجان قهوتها .. واختي الصامتة المتثائبة بخمول .. نطقت بارتجاف نبرتي : ما الذي حدث ؟ عادت امي لتتحوقل .. ومن ثم تنطق بالاستغفار .. ولا تعلم بانها بما تفعل تقبض قلبي مرات ومرات .. واخيرا نطقت بما اريد ان اعرفه .. وياليتها لم تنطق .. تنهدت : يقولون بان البنت خرجت من السيارة .. قُذفت على مسافة .. وجدها بعض الشباب ورموا بـ " اشمغتهم " عليها .. كانت عارية تمام .. وكأن هناك من جردها ثيابها .. شعرت حينها بان انفاسي تضيق .. وكأني اتنفس من خرم ابرة .. اجر الهواء الى رئتي بعنف .. ليرتادني برد في عز الصيف حين اكملت شقيقتي بثرثرتها المعتادة : يقولون بانهم لم يستيطعوا حملها الى قبرها .. وكأنهم يحملون حجارة لا فتاة ضعيفة تزن شيء وخمسين من الكيلو جرامات .. بعكس والدها الذي حُمل بخفة متناهية .. اني اختنق .. كفى لا اريد ان اسمع المزيد .. لا اريد ان اعرف موتتها كيف كانت .. او جسدها كيف كان .. كُفا عن الحديث .. فقدماي لن تحملاني الى غرفتي .. تلك الغرفة الموبؤة بهمسات الشيطان .. غرفة المنكرات وهواجس النفس الامارة بالسوء .. بعدها لا اعلم كيف استطعت ان اسحب انفاسي في تلك الدقائق الغارقة في ثرثرة لم اعد اطيقها .. لاقف وامشي وكأن لا شيء يعنيني .. اشعر بان المسافة الى غرفتي طويلة جدا .. وان جسدي ثقيل لا تقوى ساقاي على حمله .. لألج واغلق الباب من خلفي .. وعيناي ما ان انعزلت عن الجميع حتى ادرتا الدمع كسيل يأبى التوقف .. انتحبت .. انتحبت وكأن روحي ستغادر جسدي .. ولا اعلم كم مر من الوقت وانا غارقة في دمعي .. اسمع صوت انين هاتفي المتعب .. وصوت طرقات على بابي .. وصوت خطوات تأتي وما تلبث حتى تبتعد .. والآن هدوء غريب يكتنف المكان .. هل ارتحلت روحي .. هل أنا ميتة الآن .. سأوضع في حفرة ضيقة .. وسيهال علي التراب .. ومن ثم سأعرض للحساب بين يدي ربي .. ربي الذي شهد كُل معصية فعلتها .. وكُل كلمة محرمة نطقتها .. وكُل حركة لا يرضى عنها .. ستشهد علي حواسي .. اذنيّ وعينيّ وشفتيّ .. وجميع جسدي سينطق شاهدا عليّ .. فجأة انسحبت ذرات الاكسجين الى جسدي .. لافتح عيناي على ظلام دامس .. وصوت هاتفي من جديد .. ضوء يعتلي مساحة صغيرة تُحيط به .. سحبت جسدي اليه .. لم استطع الوقوف .. فكنتُ كمن بُترت اطرافها السفلى ..لارى رقمه .. واتذكر احاديثنا .. معصياتنا .. ولم اشعر الا وانا اغرقه في كوب ماء ..كان يقبع هناك في غرفتي منذُ البارحة .. بكيت يومها وجدا .. افترشت سجادتي ساعات طوال .. يخيل اليّ ما فعلته وانا قابعة بين يدي الله .. طلبته التوبة والمغفرة .. لا ارغب بالموت وقد كُشف جسدي كما جسد تلك .. لا ارغب بان تثقلني الذنوب حتى لا يقوى اهلي على حملي الى قبري .. لا ارغب بان يشهد علي جسدي .. فقط لا ارغب بمعصية ربي .. فالدنيا فانية .. وهناك المقر .. اليوم كُلما جلست على سجادتي وتذكرت ذنبي بكيتُ خشية من ربي .. بكيتُ مخافة من عذابه .. وبكيتُ طمعا في مغفرته .. اشعر اليوم بأن موت تلك عبرة لي .. و ذنبي ذاك رحمة لي .. فبعض الذنوب نقطة تدور حولها الخشية والقرب من الله .. فتوبوا قبل أن يواريكم الثرى .. قبل أن ترفع عنكم التوبة .. قبل أن يُصلى عليكم .