02-09-2015
|
|
حب الأولين»..الموت يداوي مرض عشق
الأطباء كانوا يستدلون على اسم
«المعشوقة» من تسارع نبضات «المغرم الولهان»
«حب الأولين»..الموت يداوي«مرض العشق»!
موارد المياه ملتقى الأحبة والعشاق
يتفق الطب اليوناني والصيني، وكذلك العربي في تراثنا الإسلامي على أن "العشق" حالة مرضية تحدث؛ نتيجة للمغالاة الشديدة في الحب، ومن أهم أعراض المرض الميل للعزلة واضطراب النبض والنحول الشديد وقلة الشهية، وكذلك "غور العينين"، مع "سماكة الجفون" من شدة وكثرة البكاء.
وأجمع أكثر الأطباء العرب المسلمون ومنهم "الرازي" و"ابن سيناء" و"البغدادي" أن اضطراب النبض هو من أهم العلامات والدلائل التشخيصية لمعرفة مرض العشق، بل إنه دلالته على معرفة هوية المعشوقة، التي يحرصون على معرفتها كأهم خطوات المعالجة، ويشخصون ذلك بوضع الأصبع على مكان نبض المريض، ثم يبدؤون بتعديد أسماء الأحياء السكنية بصوت مسموع، فاذا ما تسارع نبضه عند ذكر أحدها، بدأوا مرة أخرى بتعداد أسماء العائلات التي تقطن الحي، يليه استعراض أسماء الفتيات، عندها يصل النبض إلى أعلى معدلات خفقانه مع تكرار نطق اسم المعشوقة.
حيل «العجائز» تؤدي دوراً في تغيير وجهة العاشق إلى أخرى.. ولكن!
وأجمع الأطباء قديماً على أن أفضل وأنجح وأسرع علاج لمرض العشق، هو الجمع بين العاشقين على نحو تبيحه الشريعة الاسلامية، وإن تعذر ذلك لأي سبب من الأسباب، يُلجأ إلى علاج يعتمد على إشغاله ببعض العلوم العقلية التي تصرف تفكير العاشق عن كثرة التفكير بالمعشوقة، أو السفر البعيد عن مكان اقامتها؛ لأن ذلك يولد النسيان مع مرور الزمن، وينصح المريض في هذه الحالة بتناول "اللبن الرائب الحامض" و"البطيخ" و"القثاء"، مع "مضغ القرنفل" وغيرها من الأطعمة، التي تساعد على استفراغ ما يعرف لديهم ب"المرة السوداء"، إضافةً إلى صب الماء البارد على رأسه، ويُأمر أن ينام تحت الندى.
ورأى الأطباء في القِدم أن النظر إلى القمر عند اكتماله و"البحلقة" فيه يخفف من وطأة المرض، وآخر محاولات المعالجة التي كان يلجأ إليها هو تسليط بعض "العجائز" المخضرمات على العاشق، بحيث يجتهدن في نقل هوى العاشق إلى أخرى بالتدريج، وفق أساليب وحيل يعرفنها جيداً بفضل خبرتهن، ثم يقطعن صنيعهن بالتدريج أيضاً، قبل أن يتمكن الهوى الثاني من التوغل في وجدان المريض.
«اللبن الرائب» و«البطيخ» و«القثاء» وسائل لنسيان الحبيب
شيلة العشيقة!
وتم التوصل إلى حل آخر عبر المعالجين المتأخرين من الآباء والأجداد، بوضع "بخنق" - شيلة العشيقة - أو برقعها المشبع بأنفاسها وعرق جسدها، في الماء لمدة يوم وليلة، ثم يسقى منه مريض العشق بمقدار "فنجال" في الصباح وآخر في المساء، وربما تكون هذه الوصفة علاجا نفسيا أكثر منه عضويا، يؤكده أن أحد "العيارة" استمر في معالجة شقيقه بجرعات قال إنها من ملابس المعشوقة الداخلية، وبعد ما شفي جاء مريض العشق ليقدم شكره لأخيه، فقال يجب أن تشكر هذا، مشيراً إلى الحمار المربوط، معترفاً أن العينة التي تُسقى له طيلة الشهور الماضية كان يأخذها من "بردعة" هذا الحمار، وكانوا أيضاً في بعض المناطق يعالجونهم ب "الكي العميق"، يسمونه "العرقاة" على هامة الرأس، وهو عبارة عن علامة (+)، ويبالغ بعض المعالجين بمد الكي من الأذن إلى الأذن، ويستخدم له ميسم الإبل أو البقر، الذي يحمى بالنار حتى الاحمرار، وتستخدم هذه المعالجات لمن يتطور عنده المرض إلى مرحلة " الهيام"، وهي أعلى درجات العشق التي يبدأ بها العاشق يهيم على وجهه ويتصرف كالمجنون.
خليتني خبلٍ يدوج بالأسواق هبيل عقل وفوق راسه معرقا!
نزعة وجدانية
وكان أيضاً من العلامات التي يستدل بها العرب على العاشق، صعود الأماكن المرتفعة والمكوث فوقها وحيداً أكثر أوقاته؛ لوجود نزعة وجدانية تقود دائماً "مريض الهوى" إلى رؤؤس الربى والتلال العالية، ينتظر قدوم الأحبة، أو يستطلع فضاءهم أثناء الرحيل، وكذلك منازلهم ومراتع مواشيهم، يقول في ذلك "صريع الغواني" في قصيدته المعروفة:
ولما تلاقينا على سفح رامة
وجدت بنان العامرية أحمرا
فقلت خضبت الكف بعد فراقنا
قالت معاذ الله ذلك ما جرى
ولكنني لما رأيتك راحلا
بكيت دما حتى بللت به الثرى
مسحت بأطراف البنان مدامعي
فصار خضابا في اليدين كما ترى
صعوبة اللقاء في ذلك الوقت أجبرت أحدهم على قول: «الوعد كحّي وأكح»!
وهو أيضاً المكان الذي حذر منه ثم لجأ إليه مثل كل الشعراء المغرمين الأمير "محمد السديري" في قوله:
يامعدي المرقاب خله المشتاق
حول وخل امعذب القلب يرقا
دام الكلام اليوم ما عاد ينطاق
بين الولايف نبرة الشوق غرقا
قال السديري عقب ما خاطره ضاق
بيتٍ يخلي ظامي القلب يشقا
ياليت ربي ما خلق حب وافراق
ولا خلق حبٍ على غير فرقا
خليتني خبلٍ يدوج بالأسواق
هبيل عقل وفوق راسه معرقا!
بيتٍ يخلي ضايق الصدر يشتاق
لمعانق أيام الصبا لو تبقّا
ياليت حظي ما تعثر ولا باق
ولا شفت وقتٍ فيه قمت اتوقّا
من عانقوا دربي قليلين الاوفاق
وأنا على ما قيل حالي تشقّا
ما بيننا يابنت حشمة وميثاق
وما بيننا نفسن على الود شفقا
وشلون صدرك للخيانات ما ضاق
وأنا الوليف اللي على الود يبقا
يا هيه يالمشتاق لا عاد تشتاق
ويا معدي المرقاب لاعاد ترقا
كلام شوقن حافظه وسط الأعماق
خل الرجم وانزل على راس برقا
«النزعة الوجدانية»تصعد بالعاشق إلى الأماكن المرتفعة والمكوث فوقها وحيداً
جربوع هدية!
ومن أكثر ما يعانيه ضحايا المرض اللذيذ، هي صعوبات التواصل وعثراته، وهم يمنون النفس بلحظات لقاء غامرة تحت ضوء القمر يرمي المتيم برأسه قرب أحضان محبوبته، يتبادل معها همسات
|
|
|