![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
![]() |
![]() |
…»●[الرويات والقصص المنقوله]●«… { .. حكاية تخطها أناملنا وتشويق مستمر .. } |
![]() ![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
#2 |
![]() |
![]() الجزء الأول يومٌ خريفي بارد.. برودته الخافتة المرتعشة تسربت بحدة موحشة للروح قبل الجسد إنها واشنطن دي سي.. أواخر شهر سبتمبر..شهر الخريف المرير تقلبات الأجواء.. واصفرار الأشجار.. ووجع الغربة وآه يا وجع الغربة.. ما أقساها على روحه الحرة المستنزفة شوقاً موجعاً لأرضه لا شيء يستنزف الروح شيئاً فشيئاً كإحساس الغربة، هذا الإحساس الذي يبدأ بالتهام الروح حتى يحيلها رماداً وتكون العودة للوطن هي كعودة العنقاء التي تقوم من رمادها حين يعبرها جسدٌ حيٌّ كما تقول الأسطورة وهكذا هو الوطن!! هو الجسد الحيُّ الذي يعيد الروح لبقايا الرماد.. وهاهو الغريب المشتاق المعتصم بجَلَده ودفء ذكرياته وحرارة حنينه يقف في موقف الحافلات القريب من منزله وقفته المعتدّة بجسده الفارع الطول يحكم إغلاق جاكيته الجلدي على صدره العريض ليصدَّ لسعات البرد في ساعات الصباح الباكر الشمس لم تشرق بعد، ولكن هاهي تغازل الأفق.. "شمسهم الباهتة الهزيلة!!" ينظر للأفق ( وهذي اسمها شمس.. خلهم يجون عندنا في الدوحة ويعرفون الشمس صدق.. آه يا شمس الدوحة.. ويا دفى الدوحة..جعلش بعد طوايف واشنطن وفوقها البيت الأبيض) كان عنده سيارة.. ولكنه يفضل استخدام المواصلات العامة في مشوار الجامعة ذهابا وإيابا.. وصلت الحافلة في موعدها يركب بخطواته الثقيلة الواثقة المعتادة.. يلقي التحية على "ستيفن" سائق الحافلة الزنجي المرح الذي ربط بينهما ودٌّ إنسانيٌّ عمره خمس سنوات منذ سكن في كولومبيا ديسكيرت ودرس في جامعة جورج تاون القريبة.. وهكذا الألفة البشرية تعقد أواصرها بين البشر.. لمجرد كونهم بشر بالمعنى الحقيقي للبشر!! لأن هناك بشراً قد لا يكون لهم من البشرية إلاَّ اسمها!! كان من الممكن أن يلاقي سكناً ملاصقاً للجامعة ولكنه أراد سكناً يكون ملاصقا لمسجد (كافي علي غربة الجسد.. خل قربي من بيت الله يسكن روحي) بعد إلقاء التحية.. اتخذ مكانه في الحافلة الفارغة تماماً من الركاب في هذا الوقت.. اعتاد الخروج مبكراً حتى يستغل الوقت بالبقاء لأطول وقت في المكتبة لانجاز أطروحته للدكتوراه في إدارة الأعمال.. تبقى عليه هذا العام فقط.. وما أطوله عليه من عام!!!.. رغم أنه كان يضغط على نفسه كثيرا للانتهاء في أسرع وقت.. (أوووف.. لو أني في بريطانيا كان خلصت من زمان) كما هو معروف: نظام الدراسة في أمريكا أسهل في الماجستير وأصعب في الدكتوراه. وبريطانيا هي العكس أصعب في الماجستير وأسهل في الدكتوراه من الممكن للدارس أن ينهي دراسة الدكتوراه في بريطانيا في سنتين فقط لو كان بنظام الفول تايم.. والماجستير سنة واحدة بنفس النظام الفول تايم Full Time أما أمريكا فهو محتاج لخمس سنوات أو أربع على أقل تقدير في الدكتوراه وذلك في حال نحر نفسه تعبا وضغطا .. بينما الماجستير: ثمانية أشهر في أمريكا تكفيه.. جالسٌ مستغرقٌ في التفكير (الله يلعنهم البريطانيين.. الأنذال.. الباردين) وذاكرته تعود ل12 عاما مضت، وتستعيد السبب الذي حرمه من الدراسة في بريطانيا وإنهاء دراسته بسرعة ليعود إلى صحرائه الغالية... فهذه الغربة أصبحت شديدة الوطأة على روحه البدوية الوثابة.. حين تكون معتادا على صمت الصحراء وعمقها واتساع أفقها.. وجلافة أهلها وشهامتهم حتى وإن تحولت الأرض في اتجاه المدنية ولكن نبضها يبقى صحراويا وروحها تبقى صحراوية وأهلها معتصمون بأخلاقيات الصحراء ثم تجد نفسك محشورا بين ناطحات السحاب.. وعوادم السيارات.. وانعدام النخوة.. حينها تشعر أن روحك تهوي تحت المقصلة.. وأنك تتمدد على السندان في انتظار المطرقة التي لا تعلم متى ستأتي.. عودة لبريطانيا..كان حينها في السابعة عشرة اعتاد هو وأبناء عمه محمد :راكان الأكبر منه بسنة، وناصر الأصغر منه بسنة: الذهاب كل صيف لمدينة كامبردج شمال شرق لندن لدراسة اللغة الانجليزية كان يوجد شباب انجليز.. دائما يتحرشون بهم يريدون التعارك معهم.. وكان العراك دائما بسيطا.. وأحيانا لا يتجاوز مجرد التلاسن بالكلمات.. في ذلك اليوم كان لوحده، وأولاد عمه ناصر وراكان كانوا في لندن عند والدهما رآهم يتحرشون ببنات عربيات، وهم تحرشوا فيهن قصدا كانوا يريدون أن يستفردوا به ويضربوه لأنهم رأوه وحيدا لم يحتمل..ثارت حميته وثار دمه الحار وللإناث دائما في ثقافة الشهامة العربية هذا القدر الثمين البهي!! حصل عراك كبير كان فيه هو المنتصر.. والشابان البريطانيان كانت إصاباتهما كسور مختلفة. في ذلك الحين: حمد ربه أن ناصر وراكان لم يكونا متواجدين وخصوصا راكان الهادئ العميق الذي كان أكثرهم حِلما.. لكنه ينطبق عليه وصف (احذر الحليم إذا غضب) لأنه إذا اُستثير وضرب فهو لا يرحم من يلقيه القدر أمامه وخصوصا مع ضخامة جسده التي تتجاوزهم جميعا السفير القطري استطاع إنهاء الموضوع وآباء الشبان الذين كانوا من النبلاء البريطانيين عرفوا أن أبنائهم هم المخطئون فقبلوا اعتذار السفارة لكن اسكوتلانديارد (الشرطة البريطانية) وجهت له تحذيرا مهذبا: إنه غير مرحب فيه في بريطانيا.. اعتقد وقتها أن التحذير غير مقصود وهو فعلا لم يعد لبريطانيا لأنه انشغل في دراسته الجامعية.. لكن بعد الحادثة إياها بأربع سنوات.. كان جده الأثير الغالي كبير العائلة في مرضه الأخير في لندن كان أبوه وعمه عنده.. لكنه لما أحس بدنو أجله.. أرسل في طلب أحفاده الشباب الخمسة كلهم حتى أصغرهم فارس اليتيم الذي كان وقتها في ال18 من عمره.. حطوا في مطار هيثرو.. وجميعهم أنجزوا إجراءاتهم بسرعة إلا هو.. حجزوه لليوم التالي وهو لا يعرف السبب.. وبعدها صارحوه: "احنا مو قلنا لك إنك غير مرحب فيك هنا" ثم سمحوا له بالخروج بعد تدخل السفارة للمرة الثانية عاد بعدها بأيام على نفس الطائرة مع جثمان جده وهو يعد نفسه أنه لن يعود لهذه البلد التي أهانته.. وكسرت عنفوان جده وهيبته ليعود ذلك الرجل القوي الصلب من تلك البلاد الباردة جسدا باردا في صندوق بارد!! جده الذي صنع منهم كلهم نماذج مصغرة له نماذج تختلف في شخصياتها وأشكالها ولكنه أورثهم جميعا صفتين إحداها خَلقية والأخرى خُلقية: الطول الفارع، والاعتداد البالغ بالنفس. " ميشيل.. ميشيل" انتزعه من ذكرياته التي تطوف به أرجاء الدوحة التي يغتاله شوقه لها وحنينه لأهله فيها.. صوتها الهامس الضعيف ابتسم وهو يراها تجلس مقابلة له بضعفها البادي وشعيراتها البيضاء المتناثرة حول وجهها الغارق في التجاعيد وهمس لها بانجليزية سليمة بلكنة أميركية واثقة : صباح الخير جانيت.. إنها المرة المليون التي أقول لك اسمي مشعل.. واكره اسم ميشيل هذا ابتسمت: أوه ميشيل.. اسمك صعب.. هل ستعاتب سيدة جميلة مثلي حين تخطئ في اسمك كل مرة.. ألا تخجل؟! مشعل بابتسامة: لا لا أخجل.. سأبقى أقولها حتى تتقني نطق حرف العين.. نظر مشعل لجانيت بحنان إنساني شاسع.. يشعر نحو هذه العجوز بحنان بالغ.. رغم سنوات عمرها التي قاربت السبعين إلا أنها مازالت تعمل في أحد مصانع النسيج في ضواحي كولومبيا ديسكيرت لا أنيس لها.. بعد أن تركها أبنائها وتفرقوا في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ونسوا أن لهم أم اعتادت تبادل أطراف الحديث مع مشعل بعد أن تركب في المحطة التالية له.. وتنزله في الجامعة.. لتكمل هي طريقها للضواحي.. ابتسم مشعل وأكمل بلغته: فديت العجايز ياجانيت عشان عجوزن في الدوحة.. ابتسمت جانيت وهي تهزُّ رأسها بعدم فهم: أكرهك حين تتكلم بلغتك.. أشعر أنك تسخر مني.. ثم أردفت بابتسامة مرحة: هل تسخر مني أيها الوسيم؟؟ ضحك مشعل: أ هذا يعني أنني لست مرعبا..كمصارعٍ مكسيكي..؟؟ ضحكت جانيت وهي تستعيد ذكرى لقائهم الأول، حينها ارتعبت من طوله الفارع ولأن شكله يشبه شكل من يسمونهم (اللاتينيين) اعتقدت أنه مصارع مكسيكي أجابت: اعتدت على شكلك وأحببته حتى أقنعت نفسي بوسامتك.. لم يكن مشعل وسيما بالمعنى المعروف للوسامة ولا حتى بأي صورة.. ولكن ملامحه السمراء الحادة كانت محددة برجولة هادرة بالغة الجاذبية.. عاد مشعل للابتسام وهو يغير الموضوع ويقول: هل قرأتِ الكتاب الذي أعطيتكِ إياه المرة الماضية؟؟ ابتسمت جانيت وقالت: أعرف أن دينكم حق.. والكتب التي ملئت منزلي والتي تحضرها أنت لي تثبت لي ذلك.. ودينكم يقول: أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء.. لا تستعجلني.. فأنا كاثوليكية مؤمنة. ضحك مشعل: يعني مطوعة المسيحيين؟؟ جانيت تضحك: هأنت تعود لإحراجي بكلامك الذي لا أفهمه.. اقتربت جامعتك قم لتنزل... ثم أكملت وهي تخرج نقود من حقيبتها: وأريدك يا بني لو استطعت أن تسدد هاتفي مشعل بغضب وهو يستعد للنزول: أعيدي نقودكِ لحقيبتكِ، سأسدد هاتفكِ بعد أن أخرج من الكلية جانيت بحرج: لكن!! قاطعها نزول مشعل وهو يلوح لها بيده وينزل ليعبر بوابة جامعة جورج تاون الضخمة العريقة جامعة جورج تاون تقع في كولومبيا ديسكيرت بالقرب من أخطر مكانين في العالم: البيت الأبيض (مقر الرئيس الأمريكي) والبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) حين أُنشئت في القرن الثامن عشر الميلادي كانت جامعة كهنوتية كنسية ولكنها اليوم من أكثر الجامعات انفتاحاً دينياً رغم تقاليدها الكنسية المتوارثة بها طلاب من جميع الأديان، بل هي أول جامعة أميركية تعين إماماً مسلماً ليؤم الطلبة المسلمين فيها وبها مركز للدراسات العربية المعاصرة هو الأضخم في أمريكا، وبها قسم لتدريس اللغة العربية هو الأفضل من بين كل الجامعات الأميركية اشتهرت بتخصصين على كل مستوى العالم: السياسة، والاقتصاد أشهر السياسيين الأميركيين أمَّا تخرجوا منها وأمَّا مازالوا أساتذة فيها منهم على سبيل المثال "بيل كلينتون" الذي تخرج منها و"مادلين أولبرايت" و "جورج تينت" اللذان مازالا يدَّرسان فيها وأساتذتها يشكلون دائما خياراً متاحاً ممتازاً لأيِّ منصبٍ حكوميٍّ أميركيٍّ فارغ. أمَّا الطريف بالنسبة لهذه الجامعة أنها منعت النساء/ الطالبات من الدراسة فيها حتى منتصف القرن العشرين.. حتى لا يتشدقوا علينا ويتهموننا نحن العرب بالتحجر!!! وصل مشعل للمكتبة الرئيسية في الجامعة: مكتبة جوزيف مارك لوينجر (سُميت بهذا الاسم تخليدا لأحد ضحايا حرب فيتنام) ، كانت المكتبة تحتل مبنى حجريا ضخما مستقلا في الناحية الغربية من الجامعة مازال الوقت مبكراً جداً.. لا يوجد سوى موظف الأمن الذي اعتاد على رؤية مشعل في هذا الوقت. اختار زاويته المفضلة، وأخرج أوراقه وحاسوبه المحمول، وسرعان ما استغرق في العمل
بعد حوالي 40 دقيقة.. همسات عند أذنه: مشعل.. مشعل ألتفت للصوت الذي عرفه وابتسم وهو يقول بهمس مرحب بصوت خافت جدا احتراما لتقاليد المكتبة : هلا سعيد.. ياحياك الله يارجّال.. سعيد بابتسامة وهو يسحب مقعداً ويجلس بجوار مشعل ويميل لأذنه ويقول بهمس: أنت داري أني مواصل ما بعد رقدت.. جاي أدور لك..3 أيام ماشفتك.. حرام عليك يا أخي!! ارحم نفسك شوي ترا عمرك 29 سنة يعني مهوب 50 عشان تستقتل على المخلاص. مشعل بملل حزين: تعبت يا أخيك من ذا الديرة ما أبغي إلاَّ الفكة وديرتي، أنت داري أن موسم القنص خلاص بدأ.. وأنا قاعد هنا مقابل ذا الوجيه الودرة. سعيد (بعيارة): حد يعيف أمريكا، صدق إنك بدوي طرت وإلا وقعت يعني دكتوراة وتفوق ولغة وأمريكا..ومع كذا ماتبي غير برانك وأبلك وطيرك مشعل بابتسامة ترنو للبعيد: جعل طيري بعدهم!! سعيد كمن تذكر شيئا.. همس لمشعل كمن يخبره سرا: فيه بنية قطرية توها واصلة من كم أسبوع سجلت معنا في الجامعة ماجستير مشعل ينظر لسعيد نظرة غضب: تهبى أنت وجهك وأنا مشعل بن عبدالله بن مشعل آل فارس الــ ..من متى وأنا أدور علوم النسوان؟؟ سعيد يكتم ضحكته: يا أخي حد طلب منك البطاقة الشخصية؟!! وبعدين على ويش مستحمق؟؟ وش فيك مهوب فيني؟؟.. تراني أنا وياك من نفس القبيلة يا ولد آل فارس مشعل بغضب مكتوم: فيك إن ذا الديرة علمتك قل السنع سعيد يبتسم: أنا ما أدري بصراحة مخك وين راح.. أنا بس كنت أبي أقول لك عن ذا البنية.. لأنها بصراحة غريبة مشعل بعدم اهتمام: ليه يعني تطيح الطير من السما؟؟ سعيد بنبرة اهتمام: بالعكس عادية جدا.. لكن فيها شيئين غريبين: الشيء الأول تعرف أنه البنات أول ما يجون هنا خايفين ويبون حد يساعدهم الشباب في نادي الطلاب القطريين اتصلوا فيها يبون يشوفون هي تبي مساعدة، بس هي رفضت، وقالت أعرف أصرّف روحي الشيء الثاني: لبسها: يعني البنات هنا في الجامعة اللي بتذبح روحها بالستر، بتلبس جلباب وحجاب ويكون لونه فاتح، لكنها هي يالله تشوف حدود وجهها من كثر ماهي شادة حجابها على وجهها ولابسة عباة سوداء مشعل وهو يريد إنهاء الحوار: الله يستر عليها وش نبي .. قاطعه سعيد يضحك بخفوت: لا واسمها هيا بعد.. اسم عجوز غصباً عنه: وجد مشعل نفسه يبتسم واسم (هيا) يداعب أذنه كموسيقى عذبة.. يا الله كم يحب هذا الاسم الذي يسكن حناياه!! ويتسرب إلى عمق روحه.. اسم يشده إلى جذوره.. وعبق وطنه رائحة جدائلها العتيقة العطرة العذبة تتسرب إلى خياشيمه كسحرٍ أبديٍّ حين كان يلتف بجديلتها الطويلة ويستكين في حضنها الدافئ.. و......... ولكنه انتزع نفسه من أفكاره وهو يقول لسعيد: سعيدان جعل السلال يضرب بطنك أنت جاي تشوفني؟ وإلا تهل لي شريطك مثل النسوان؟..أنت منت بشايفني رجّال قدامك؟! سعيد يضحك بصوت عالي لفت انتباه رواد المكتبة القلائل: أنا أبي أدري وش أنا أحب فيك.. شايف حالك.. يعني عشان الله معطيكم أنت وعيال عمك شوي طول، شايفين حالكم على العالم........ وأكمل بنبرة حزن مصطنعة: لنا الله احنا القصار مشعل يبتسم ويقول بجدية لا تتناسب مع ابتسامته: الرجّال اللي مرجلته في طوله وإلا عرضه مهوب رجّال..وأنا وعيال عمي رياجيل حتى لو كنا أشبار القاع.. ثم أكمل بنبرة اهتمام: إلا عيال عمي وش دخلهم في السالفة؟؟ سعيد بلؤم وهو يريد إغاظة مشعل لأنه يعلم تولع مشعل بأبناء عمومته: كذا طروا على بالي، بصراحة كلهم كلهم مشعل وراكان وناصر وفارس شايفين حالهم، على شنو ما أدري، وخصوصا سميك مشعل ما ينبلع، راسم روحه زيادة عن اللزوم.. ثم أكمل بلؤم أكبر مقصود: إلاَّ مرته وش اسمها؟؟ لأنه يعلم أن زوجة مشعل بن محمد هي شقيقة مشعل بن عبدالله الكبرى مشعل بغضب هادر وهو يهمس ويصرُّ على أسنانه: والله لو أني ما ني بداري أنك تضحك، وإلاّ والله ما أخليك تطلع من ذا المكتبة على أرجيلك سعيد بطريقته المرحة المعبرة عن طيبة قلبه والتي يعرفها مشعل جيدا وهو يحرك أصابعه ويرف برموشه بسرعة بطريقة أنثوية وهو يهمس بدلالٍ تمثيليٍّ مصطنع: وس فيك أنته عسبي جذيه؟؟ ترا عاتي لو تبي أقول لك أسماء خواتي الست قلت لك.. يمكن يعجبك اسم وحده فيهم وتريحنا منها.. غصبا عنه: ابتسم مشعل لا يستطيع أن يغضب من سعيد الذي يشكل نسيماً عليلاً يهب على روحه في هذه الأرض فهما يشكلان غصنان لذات الأرض، ذات القبيلة ، ذات اللهجة رابطٌ يربطه بهناك.. حتى لا يجن من هنا!! ابتسم وتفكيره يأخذه إلى شقيقاته الأربع.. أميراته الأثيرات الثمينات مستعدٌ هو أن يمزق بأسنانه وبدون أدنى رحمة من يدوس على طرف ظل واحدة منهن! مجرد ظلها!! أو حتى يقترب من حدود مضايقتها!! حتى المتزوجات منهن مازال يشعر أنه المسؤول الأول عنهن، رغم وجود والده وأزواجهن.. يتبــــع....~ |
![]() |
![]() |
#3 |
![]() |
![]() الجــزء الثـآني.. في نفس الوقت.. ولكن على بعد آلاف آلاف الكيلومترات الدوحة.. الوقت بعد المغرب بتوقيتها بيت عبدالله بن مشعل غرفة مشاعل ابنته الثالثة تحديدا.. كانت تقف مرتعشة تحتضن نفسها بضعف، وتمنع دموعا وشيكة من الانهمار، اقتربت منها شقيقتها الكبرى ووضعت كفها على كتفها وهي تهمس لها بحنان: مشاعل ياقلبي.. أنا الحين أبي أعرف وش اللي مزعلش في موعد العرس؟؟ ابتعدت مشاعل عن مدى كفها الناعمة الحنونة وهي تقول بغيظ تغرغر بالبكاء: يعني عشانه حماش بتبدينه على أختش؟!! تراجعت الأخت الكبرى وهي تشهق بعنف: وش ذا الخرابيط اللي أنتي تقولينها؟؟ ثم تماسكت وهي تقول بهدوء: يعني أنتي متملكة صار لش كم شهر، وما أعتقد أن حد جبرش على ناصر، أنتي اللي وافقتي باختيارش.. وماعقب الملكة إلا العرس.. يعني ليش مسوية ذا السالفة كلها؟ مشاعل وهي تمسح دموعها التي انهمرت لتكتسح خديها الحمرواين لسبب هي من يعرفه.. الاحمرار الذي غشا وجهها منذ أخبرتها شقيقتها بموعد زواجها الذي تقرر بعد ثلاثة أشهر في بداية يناير: لطيفة.. أنا ماقلت أني ما أبي ناصر بس عرس بس بدون وجود أخي مشعل مستحيل.. ابتسمت لطيفة لذكر مشعل.. الاسم الذي يدفع أقصى درجات السعادة في قلب أي واحدة منهن: فديت الطاري ثم أكملت بجدية: يعني السالفة كذا بس؟؟ ناصر ماحدد الموعد إلا عقب ما أتفق مع مشعل.. مشعل بيكون هنا من 20/12.. قبل إجازة الكريسمس عندهم.. وبيقعد عندنا أكثر من شهر لم تحتمل مشاعل بعد ذلك انهارت باكية بعنف على سريرها وهي تغالب شهقاتها حتى لا يسمع صوت بكائها العالي أحد خارج الحجرة..وخصوصا تلك الصغيرة (وكالة الأنباء) التي لا تفتأ تداهم أي خلوة كشبح لا يُعلم من أي زاوية خرج.. شقيقتهن الصغرى ذات السنوات الإحدى عشرة :ريم لطيفة صُعقت من بكائها وهي تسرع الخطى لسريرها وتجلس جوارها وهي تمسح على ظهرها برقة وتقول بحنان مختلط بالجدية: مشاعل قوم كلميني، السالفة مهيب موعد عرس وبس.. قومي قولي لي وش فيش؟؟ عودة لجامعة جورج تاون في واشنطن دي سي.. لكن في مكان آخر من أنحاء الجامعة الشاسعة على كرسي حجري أمام كلية الاقتصاد.. كانت تجلس بهدوء.. تضع كتابها على فخذها وحقيبتها إلى جوارها غير مبالية بنظرات الاستغراب أو حتى الاحتقار لشكلها وللبسها: عباءتها السوداء المغلقة الفضفاضة، حجابها الأسود الذي ينخفض إلى حدود حاجبيها ويرتفع إلى منتصف ذقنها.. كانت ملامحها الرقيقة/الحادة تتمدد بنعومة/بقوة على صفحة وجهها ببشرته الصافية الخالية من أي مساحيق.. قد لا تبدو جميلة لمن يراها لأول مرة دون أن يدقق في ملامحها ولكن النظرة الثانية ستكشف للرائي حتما سرا ما يختفي خلف هذا الوجه الآسر.. الآسر لسبب مجهول يجعله يتغلغل في عمق روحك ليستولي عليك رن هاتفها المحمول.. تناولته ونظرت للشاشة.. عقدت حاجبيها: (بدون رقم) ردت بهدوء: هالو ........... بفرح غامر: باكي يالخايسة.. وينج؟؟ لي أيام أتصل فيج.. على طول مغلق ........... باستغراب: قاعدة قدام كليتي.. أنطر المحاضرة بعد نص ساعة ............... بحزن: يعني أسبوعين ماسمعت صوتج.. وعقب تبين تسكرين بسرعة .............. خلاص مع السلامة.. سلمي على الأهل أعادت محمولها في الحقيبة.. وفتحت الكتاب لتبعد تفكيرها عن إحساسها بالوحشة هل كُتب عليها أن تعيش حياتها كلها في خوف مرعب من الوحشة والوحدة؟؟ الوحدة كابوسها المرعب، الذي تهرب منه لتجده يتسلل إليها بأذرعه العنكبوتية ويحيط بها حتى يتخلل جسدها وروحها ويعتصرهما بوحشية عودة لمنزل عبدالله بن مشعل.. وغرفة مشاعل المنهارة بكاءً غير مفهوم لطيفة بدئت لهجتها تتغير للغضب وهي تحاول تهدئة مشاعل ومعرفة سبب انهيارها: مشاعل قومي كلميني وإلا والله العظيم لأتصل بمشعل أخليه يتفاهم معش مشاعل حين سمعت اسم مشعل قفزت كالملسوعة وهي تمسح دموعها وتتماسك: لا.. لا ..تكفين.. كله ولا مشعل.. لا تكدرين عليه. لطيفة وهي تصر على أسنانها: زين قولي لي وش فيش؟؟ مشاعل اعتدلت جالسة وهي تخفض عينيها وتفرك أناملها وتقول بخجل بالغ: خايفة ومستحية.. إذا مشعل أذوب من الخجل في وجوده وهو أخي اللي أغلى من عيوني.. أشلون تبون تسكرون الباب علي مع رجّال غريب حينها انفجرت لطيفة ضاحكة بعذوبة: والله العظيم ناصر مايعض.. وش حليله؟؟ وبعدها أكملت لطيفة وهي تتماسك: زين السحا ما يستدعي الخوف يعني.. عشان تخافين مشاعل بهمس مؤلم وكأنها تنظر لخيال غير مرئي خلف شقيقتها: خايفة من الزواج نفسه.. يعني فيه تجربتين قدامي ما تشجع صراحة لطيفة برعب داخلي (ماذا تحاول هذه الصغيرة أن تفعل؟؟ هل تحاول تسلق روحي لتطل في خباياي؟! هل تحاول التطاول على أسواري التي تعبت في التمترس خلفها؟! هل تحاول النظر خلف صورتي اللامعة التي أرهقني تنميقها؟؟) لم تكن تريد أن تسأل عن شيء تعرف هي جوابه، ولكنها مجبرة أن تفعل من واقع دورها كأخت كُبرى، سألت بحذر مرّ: أي تجربتين؟؟ مشاعل بألم عميق: أنتي وموضي؟؟ (يالا الصغيرة اللئيمة.. لم أخف يوما من شيء كخوفي من نظرتها السابرة.. كنت أعلم أنها الوحيدة التي تشعر بي..بحاستها المتسلقة الغريبة أحاول أن أختبئ من نظراتها الحادة الشفافة لأجدها تحاصرني بالمرصاد حين أنتبه من لحظات شرودي..وكأنها تقتنصني وتقتنص نبض روحي المردوم تحت أطنان الكبت... أرجوكِ مشاعل.. لا تنبشيني.. فأنا أحاول المسير) ابتسمت لطيفة وهي تقول بحنان تحاول أن تخفي خلفه مشاعرها: ليه يعني؟؟ أنا وموضي عايشين مبسوطين مع رياجيلنا.. مشاعل بنبرة تقطر ألما صافيا: أنا ماني بزر.. عمري 22 وتخرجت من الجامعة خلاص.. تكلمي عن نفسش لو أنتي مبسوطة.. بس موضي!!!... موضي سالفتها عويصة.. لو يدري مشعل فيها بس.. والله إن يكسّر الدنيا أمانة عليش وين موضي اللي كانت أكشخ وحدة فينا وأكثرنا مرح وحياة.. وين راحت؟؟ وين راحت؟؟ نحرها حمد نحار.. وتسألين ليه خايفة من الزواج؟ خل نبدأ فيش.. وعقب نرجع لموضي انتفضت لطيفة بوجل (لا تفعلي مشاعل لا تفعلي!!) ولكن مشاعل أكملت بذات نبرتها العميقة التي تعبر عن عمقها الداخلي ولطالما كانت مشاعل الرقيقة الملامح الهادئة الناعمة العميقة الصامتة الخجولة هي من تكتشف دواخل شقيقاتها بدون تصريح منهن: لطيفة.. طالعي المراية وشوفي وجهش؟؟ استغربت لطيفة من طلبها (وش فيه وجهي؟؟) استجابت كالمخدرة وهي تتجه للمرآة.. وتنظر لصفحة وجهها المنعكسة لطالما كانت لطيفة هي الأجمل، لم يكن لينافسها أحد في الجمال سوى العنود ابنة عمها وأخت زوجها.. ولكن حتى عندما تنحصر المقارنة بينهما، فلطيفة هي الأجمل بلا شك.. كانت وهي في الحادية والثلاثين أجمل بكثير مما كانت وهي في الثامنة عشرة حين تزوجت مشعل..ورغم إنجابها لأربعة أطفال كان جمالها ينضج بوجع هادر عاما بعد عام.. كان جمالها يؤلم الناظر لشدة سطوته ومع ذلك لم يكن كل هذا الجمال المغلف بروحها الأجمل ليستوقف زوجها مشعل أو يستوقف مشاعره على أعتابها..رغم أنها كانت تذوب فيه وله ومن أجله.. كانت في كثير من الأحيان تتساءل إن كان يعرف ملامحها أو حتى يعرف أنها جميلة أصلا!! إن كان يعرف لون عينيها..أو تقوس حاجبيها.. أو مقدار سطوة شفتيها في التواءهما المثير؟!! فهي لم تره يتمعن في وجهها ولو لمرة واحدة.. كما اعتادت أن ترى النساء اللاتي تجلس معهن.. واللاتي لا يستطعن رفع أعينهن عن سحر جمالها..وهن نساء!! فكيف به وهو رجل مكتمل الرجولة.. وزوجها؟!! أعتاد أن يمر بجوارها كأنها شيءٌ لا يستحق التوقف عنده.. لم يمتدحها يوما.. ولم يذمها أيضا.. ولكنه لابد أن يقرعها من وقت لآخر كأنها أحد موظفي شركته.. ورغم تقريعه لها لم يقسُ عليها يوماً.. كانت مشاعره دائما محايدة من جهتها.. لا تعرف تطرف المحبين في الحنان أو القسوة.. نفضت لطيفة سيل أفكارها الموجع لتلتفت لمشاعل: وش فيه وجهي؟؟ مشاعل بعمق مؤلم: كل يوم وأنتي أحلى من اليوم قبله.. وكل يوم ولمعة عيونش تنطفي أكثر عن اليوم اللي قبله.. ************************* عودة إلى واشنطن وجامعة جورج تاون.. والكرسي الحجري حيث تجلس تقلب كتابا تقرأه بعينيها وأحرفه عاجزة عن اختراق حدود عقلها المثقل بالأفكار والأسى.. "هيا..هيا" أ يعقل؟؟ يبدو أنها أصيبت بحالة جنون.. فهي تعتقد أنها تسمع صوت باكي تناديها.. باكي التي يفصل بينها وبينها المحيط الأطلسي بامتداده الشاسع.. " بت يا هيا.. أمريكا طرشتك وإلا إيه" الصوت قريب جدا.. وحقيقي جدا.. لكنه خيال بالتأكيد.. وهذه اليد الحانية التي تهز كتفها.. هل هي خيال أيضا؟؟ ألتفتت هيا بدهشة.. وتحولت الدهشة لصدمة عنيفة وهي ترى صديقتها المقربة باكينام تقف خلفها باكينام التي لم ترها منذ أكثر من عام.. ولكن الاتصالات لم تنقطع بينهما مطلقا باكينام مزيج الأعراق المثير.. باكينام والدها مصري، ووالدتها انجليزية، وجدتها أم والدها تركية، وجدتها أم والدتها ايرلندية.. والدها دبلوماسي مصري عاش معظم حياته في بريطانيا.. تنافس في باكينام عرقان من أكثر أعراق الأرض اعتدادا بالنفس: الأتراك والايرلنديون.. جدتها التركية عاشت حياتها كلها تقول: عرب سيس..(على خلفية كراهية الأتراك المتوارثة للعرب) ومع ذلك يشاء القدر ألآ تتزوج إلاّ من عربي.. وتذوب في هواه.. حتى واراه قبره وهي مازالت تهتف: عرب سيس.. وجدتها الايرلندية عاشت حياتها كلها وهي تقول: الإنجليز البرابرة المتوحشون (على خلفية العداء الشهير بين الايرلنديين والإنجليز والحروب التي أُريق فيها الكثير من الدماء) ومع ذلك يشاء القدر ألآ تتزوج إلا من انجليزي.. وتذوب في هواه.. حتى واراه قبره وهي مازالت تهتف: الإنجليز البرابرة المتوحشون.. والجدتان نقلتا مشاعرهما الكاذبة لحفيدتهما.. وهاهي باكينام ترفض أن ترتبط بأي مصري أو حتى انجليزي.. وزرعا فيها اعتدادا لا حد له بنفسها تعرفت هيا على باكينام التي تكبرها بعامين قبل خمسة أعوام في لندن كانت باكينام تدّرس الانجليزية في المعهد الذي دخلته هيا.. كمدرسة مساعدة إلى جانب دراستها الجامعية لم تكن باكينام في حاجة للعمل.. ولكن اعتدادها بذاتها هو ما دفعها للعمل ومنذ ذلك الحين انعقدت أواصر صداقة متينة بين الفتاتين حتى بعد أن أنهت هيا دراستها للانجليزية في المعهد بسرعة ودخلت كلية كوينز التابعة لجامعة لندن العريقة. ألتفتت هيا لبكينام لتشعر بصدمة حقيقية، أولا لأنه مضى عام على أخر رأتها فيها في لندن حين تخرجت هيا وعادت للدوحة.. السبب الثاني والمفرح بعمق هو منظر باكينام الجديد.. لم تعلم هيا أنها تحجبت أخيرا بعد سنوات من محاولة إقناع هيا لها.. وباكينام تقول لها: حين أفعلها سأفعلها باقتناع.. وهاهي فعلتها بكامل اقتناعها.. وهاهي باكينام تقف بثقة بحجابها وهي ترتدي بنطلون جينز يعلوه قميص أزرق واسع إلى ركبتيها..في إطلالة شفافة تبهج الروح.. وبشرتها البيضاء المشربة بحمرة تتوهج بانفعال.. وعيناها الخضروان بهما مزيج عذب من الحنان والشوق التبست مشاعر هيا.. وفرحة عارمة تغزو مشاعرها المتوترة..أجهشت بالبكاء وهي تحتضن باكينام بعنف: وحشتيني يالخايسة.. وحتى ماقلتي لي إنج تحجبتي عشان افرح لج.. باكينام وهي تحاول منع دموعها من التساقط، الدموع التي لا تتناسب مع قوة شخصيتها: حبيت أعملها لك مفاجأة.. وبعدين إيه الدموع دي.. بيقولو احنا المصريين شعب عاطفي.. بس شكلكوا عايزين تاخدوا السمعة الظريفة بتاعتنا.. هيا تفلت باكينام وهي تستوعب أنها ترى باكينام هنا في واشنطن وليس في لندن، هتفت باستغراب: أنتي وش جابج هنا؟؟ باكينام بمرح وهي تسحب هيا وتجلسها على الكرسي الحجري: الله.. إيه الترحيب الجامد دا؟!!! إيه اللي جابني هنا؟؟!!.. طبعا جايه أدور لي عريس.. مادمت مش هتجوز مصري ولا انجليزي.. جيت ادور لي امريكاني حليوه مريش طحن يئدر جمالي وزكائي.. هيا تضحك: إيه طحن ذي؟؟ شكلج توج جايه من مصر.. مايختبص حكيج كذا إلا من أثار مصر.. باكينام تبتسم: آه.. لسه جاية من مصر ياحياتي يامصر.. هيا وهي تتذكر الموضوع الأساسي: لا جد وش جابج هنا.. غير أنج مشتاقة لي طبعا.. أعرف أنج عملية.. ومن أنصار ضرب عصفورين بحجر.. باكينام بمرح: طول عمرك أروبة.. أنا سجلت معاكي ماستر وفي نفس الجامعة الحلوة دي بس مش اقتصاد زيك..أنا سجلت علوم سياسية عشان يـبئى ابن الوز عوام.. هيا بفرح هادر: جد؟؟ جد؟؟ ثم استدركت بمنطقية: بس كان ممكن تدرسين نفس التخصص في كامبردج وإلا أكسفورد.. وهم ممنونين يتقبلون وحدة في مؤهلاتج.. وأنتي بتظلين عند هلج؟؟ باكينام بهدوء وابتسامة: بس في السياسة مافيش زي جورج تاون دا أولا.. ثانيا: أنا حبيت أخوض تجربة جديدة.. ثالثا كلها كم شهر وأرجع أدرس دكتوراه في بريطانيا.. وأنتي مقررة إيه؟؟ ابتسمت هيا بود: نفسج أكيد.. ماستر هنا.. وبأرجع أدرس دكتوراه في بريطانيا.. من اللي يبي يضيع عمره في دكتوراه هنا.. المهم الحين قولي لي أخبارج كلها.. مشتاقة لج موووت.. وقولي لي متى تحجبتي وأشلون؟؟ يتبــــع...~
|
![]() |
![]() |
#4 |
![]() |
![]() الجزء الثالث بعد عدة أيام.. في الدوحة بعد صلاة العصر بساعة.. نادي الفروسيه...~ كانا اثنان يتسابقان في المضمار.. وصل الأول خط النهاية ونزل عن فرسه الرشيقة القوية السوداء كليل معتم ساحر السواد كانت تصهل بعنفوان وهو يقف لجوارها ويمسح على عنقها الطويل الشامخ بفخر..علاقة فريدة تجمع الفارس بفرسه.. لا يحس بعمقها إلاَّ من رأى سحر تواصلهما بعينيه كانت تستمد شموخها من شموخه وفخرها أن تكون فرساً لهذا الفارس الاستثنائي الذي يقف بطوله الفارع إلى جوارها في لباس الفرسان الأنيق الذي احتضن كتفيه العريضين وعضلات صدره النافرة بدقة تفاصيلها ولكنه كان أنحف من شقيقيه الأكبر منه: مشعل وراكان.. نحافةً مقصودة لضرورة ضبط الوزن لكونه جوكياً محترفاً لا بد ألا يثقل على فرسه بوزنه..(الجوكي= راكب الخيل المحترف) وصل الثاني بعده بدقيقة.. وهو يهتف بنفسٍ مقطوعٍ: يعني ناصر مافيه مرة تخليني أسبقك.. كل مرة تكسر بخاطري أنت والجليلة جذيه... رفع ناصر عينيه له وهو يعدل وضع نظارته الشمسية عليهما وفكه القوي يرتفع باعتداد: كفاية عليك يا حسن أنك قادر تروض ذا الحصان.. ركوب ثيندر بروحه أحسه إنجاز.. حسن بابتسامة وهو ينزل ليحتضن عنق ثيندر: ترويض ثيندر كان أكبر تحدي في حياتي.. ثم أكمل بجدية: إلا صج يقولون منت مشارك في الفريق في سباق التحمل الصحراوي في الأردن شهر يناير..؟؟ ابتسم ناصر وهو يضرب على رأسه كمن تذكر شيئا: السموحة يا أخيك ياحسن.. نسيت أقول لك.. موعد عرسي تحدد قبل موعد السباق بيومين.. والله لو دريت بموعد السباق قبل تحديد الموعد كان أجلته لعقب.. الحين شباب الفريق وأنت أولهم ما حد منكم بحاضر عرسي ابتسم حسن وهو يربت على كتف ناصر : آفا عليك.. عني بأخليهم يشحنون ثيندر.. وبأحضر عرسك وبأطلع منه على المطار على طول ناصر بود وأخوية: جعلني ماخلا منك ماتدري وش كثر فرحتني.. الاثنان يمشيان متجاورين متوجهين للحظائر.. حسن بتساؤل: جاي التدريب بكرة؟؟ ناصر وهو يسحب "الجليلة" لإعادتها للحظيرة: لا بكرة عندنا مؤتمر في الشغل.. كان ناصر فارساً محترفاً في فريق قطر لسباقات التحمل.. ولكن اشتراكه في الفريق كان على سبيل الهواية إلى جانب عمله في العلاقات العامة في وكالة الأنباء القطرية (قنا) وهو يفكر في الاعتزال بعد زواجه.. وبعد أن قضى سبع سنوات في الفريق ولكنه طبعا لا يفكر بترك ركوب الخيل الذي تغلغل في روحه ووجدانه *********************** الدوحة.. منزل حمد بن جابر زوج موضي وابن خالها وفي ذات الوقت هو ابن عمتها نورة /أم حمد هي الابنة الوحيدة لمشعل الكبير ذات الليلة ولكن الساعة 11 مساء بتوقيت الدوحة يطرق الباب بوحشية.. وكأنه وحشٌ فقد عقله: أقول لش افتحي يا موضي قدام أكسر الباب.. ترد من خلف الباب بصوت باكي مرتعش: تكفى يا حمد لا تضربني.. تو أثار ضرب المرة اللي فاتت خفت من وجهي حرام عليك لي أسبوعين ماشفت هلي.. وكل ما اتصلوا فيني يبون أجيهم أو يجوني تعذرت منهم .. عشان مايشوفون الضرب بوجهي.. عشانك موب عشاني يصرخ بصوت مرعب: يعني أشلون؟ تخوفيني بهلش؟؟ موضي بنفس الصوت الباكي: حمد حرام عليك.. بأروح لهم بكرة.. وإذا رجعت اضربني على كيفك.. والله ما أقول شيء.. كسرني لو تبي يا الله !! كيف يكسر الظلم النفوس.. ويحيلها لحطام بشري يمشي على قدمين.. ويجعلك تتنازل عن أبسط حقوقك: إنسانيتك!! واحترامك لذاتك!! ******************** الدوحة منزل فارس بن سعود بن مشعل آذان الفجر أم فارس تتوجه إلى غرفة فارس لإيقاظه لصلاة الفجر.. مازالت هذه السيدة تحتفظ بالكثير من ملامح صباها وهي في أواسط الأربعينات.. ولم تنجب غير فارس بعد أن توفي زوجها وابن عمها سعود وهي حامل.. لم تفكر أن تتزوج بعده لأنها خافت من عمها مشعل الكبير.. لأنها تعلم أنه سينتزع فارس من أحضانها بدون رحمة.. لو فكرت أن تتزوج.. وفي أحيان كثيرة تتساءل : أ لم ينتزعه فعلا من أحضانها؟؟ هو ومشعل الآخر.. مشعل ابن حماها محمد.. فالمشعلان تبادلا على تربية فارس دون أن يكون لها دورٌ فعليٌّ في هذه التربية.. مشعل بن محمد كان الأكثر التصاقاً بجده بحكم أنه الأكبر بين الأبناء وكان طوال ثماني سنوات هو الولد الوحيد في العائلة حتى جاء راكان ثم بعده بسنة جاء مشعل بن عبدالله ثم بعدها بعام ناصر.. ثم بعدها بعامين فارس.. تشرب مشعل بطباع جده الصلب .. ثم بعد ذلك الاثنان شرَّبا فارس هذه الطباع مضاعفة.. ليتجاوزهم جميعا وتتحول الصلابة عنده إلى قسوة عجزت عن سبب تفهمها.. لم يكن فارس قاسيا عليها أبدا.. هي الوحيدة التي كان يذوب حنانا لها.. ولكنها ترى قسوته تتجلى في تعامله مع الآخرين وصلت إلى غرفة فارس وهي تطوف مع أفكارها.. اقتربت من سريره وهي تهمس بحنان: فارس حبيبي قوم يأمك للصلاة بعد محاولات بسيطة جاءها صوته الأجش الشديد الخشونة: إن شاء الله يمه، قايم الحين... قالها وهو يستوي جالسا بقامته الطويلة مثل أبناء عمه كان الطول وعرض الكتفين هو صفة الشبه الوحيدة التي ربطته بعائلة مشعل.. ولكن ملامحه الأخرى كانت شيئا مختلفا.. مختلفا جدا الملامح التي كانت أحد أسباب تكوينه المقصود لشخصيته المرعبة القاسية الشخصية القوية التي ناسبها عمله كوكيل نيابة في النيابة العامة، العمل الذي التحق به قبل 4 سنوات فور تخرجه من الجامعة من تخصص القانون.. ************************** منزل عبدالله بن مشعل.. صلاة الفجر غرفة الجدة أم محمد قد يستغرب البعض لماذا الجدة في بيت عبدالله وليست في بيت محمد الكبير؟؟ قبل أن يتوفى الجد بعدة سنوات كان هو وأبناؤه أنجزوا بناء منازل آل مشعل الجديدة.. أربعة منازل فخمة متلاصقة على ذات الطراز أمامها مجلس رجال خارجي ضخم مفتوح على الشارع مباشرة هو مقر اجتماعهم كلهم.. واشتروا كلهم لبقية الأبناء أراضٍ ملاصقة في حال قرر الشباب غير المتزوجين بناء منازلهم.. أما البيوت التي تمَّ انجازها فكانت لعبدالله ومحمد ومشعل بن محمد ولفارس بن سعود الذي أصرَّ جده أن يبني له بيتا خاصا فيه تدعيما لشخصيته القوية وحتى يضمن له ألا يتعب في بناء بيت حين يكبر.. والجد قرر أن يسكن مع عبدالله لعدة أسباب أهمها فارس.. لأن زوجة عبدالله كانت أم فارس بالرضاعة أرضعته مع موضي.. لذا كان فارس حراً في دخول البيت والخروج منه السبب الثاني أن عبدالله كان هو من تبقى عنده أطفال صغار.. ومشعل الكبير مع صلابته يبقى جداً يستمتع برؤية أحفاده وخصوصا كلما كانوا أصغر. السبب الثالث: أن زوجة عبدالله كانت ابنة شقيقة هيا.. وتقريباً هم من ربوها وهي الأقرب لهم من بين كل زوجات أبنائهم. لذا قرر مشعل الكبير وأم محمد أن يسكنوا في بيت عبدالله رغم توسل محمد الدائم لهم. ينزل عبدالله لصلاة الفجر ومعه ابنه الصغير ابن الثالثة عشرة.. ويمر بحجرة أمه التي كانت تجلس على سجادتها مشغولة بأذكارها تنتظر الإقامة (رغم أن حفيداتها حاولن إقناعها أن المرأة لا إقامة لها وإنها مادامت تصلي في بيتها فهي تستطيع الصلاة فور دخول الوقت).. ينحني ليقبل رأسها بقامته الطويلة التي لم تأخذ من صلابتها وامتدادها سنواته الخمسة والخمسين شيئا.. ويهمس باحترام جزل: صبحش الله بالخير طال عمرش في الطاعة.. كيف أصبحتي جعلني الأول؟؟ انتفضت وتقلصت تجاعيد وجهها الغائرة وهي تضع طرف جلال الصلاة على أنفها وفمها لأنها اعتادت ألا يراها أبناؤها بدون برقعها ، وهتفت بحزم: صبحك الله بالنور والسرور.. كم مرة قلت لك لا عاد تقول جعلني الأول.. ابتسم لتكشف ابتسامته عن صفِّ أسنانٍ كاملٍ فتيٍّ هو نتاج زراعة حديثة بعد أن رفسته إحدى نياقه الأثيرة في وجهه قبل عدة أعوام: جعلني فداش، وفدا رجيلش أم محمد بغضب: قوم توكل على الله وروح للمسجد.. وجعلني أنا اللي قدامكم كلكم أنتو وعيالكم جعل ربي ما يفجعني في واحد منكم.. ماعاد أبي يا أمك إلاَّ حسن الخاتمة ثم أكملت بحزن مرير وكأنَّ الكلمات تخرج مضرجة بدم أعماقها المكلومة: كفاية علي الاثنين اللي راحوا ما تمتعوا بشبابهم.. يتبـــــع...~
|
![]() |
![]() |
#5 |
![]() |
![]() قصة سلطان بن مشعل السفارة القطرية في لندن قبل 27 سنة أوائل الثمانينات كان سلطان حينها في الرابعة والعشرين من عمره ينهي إجراءات تخرجه من الجامعة بعد أن قضى خمس سنوات في مانشستر يدرس في جامعتها اللغة ثم تخصص الاقتصاد (ذات التخصص الذي اختارته هيا).. في ذلك الوقت كانت الدراسة في بريطانيا حلم كل طالب ينهي الثانوية بتفوق مثل سلطان عارض والده سفره.. ولكن ككل آل مشعل كان سلطان عنيدا ولم يرد مشعل الكبير أن يكسر شخصيته التي كان هو شخصيا سعيدا بقوتها وباعتداد ابنه بنفسه. كان سلطان هو الابن الأوسط لمشعل الكبير وهيا، أكبر منه محمد وعبدالله.. وأصغر منه نورة وسعود كان سلطان شديد التعلق بأهله وأشقائه و مولعا بأبناء أشقاءه وبناتهم كان سلطان في السفارة ينهي تصديق شهادته، ويسلم متعلقاته استعدادا للعودة النهائية للدوحة التي طال اشتياقه لها ولأهله حتى أضناه فوجئ سلطان بعد إنجازه لإجراءاته بسيدة قطرية في الأربعين تجلس في صالة الاستقبال باد عليها الذبول من كثرة البكاء، كانت تنظر لما حولها بضياع، تشهق حينا وتصمت حينا وتحادث نفسها حينا شعر سلطان بحميته تتحرك ناحيته هذه المرأة هكذا رباهم مشعل الكبير.. وهكذا لابد أن يحصد تربيته لهم!! فالرجولة لا تتجزأ ولا يختار الرجل آلية لتنفيذها.. بل تتلبسه هذه الرجولة ويتصرف من خلالها وهكذا فعل سلطان!! سأل منسوبي السفارة عنها فقالوا له أنها كانت مع والدها الذي كان يتعالج هنا لمدة عامين ووالدها الآن توفي ولا أقارب لها وهي تريد أن تعيده ليدفن في الدوحة وهي لا تعرف كيف تتصرف لوحدها.. فأبوها الذي كان يغسل الكلى كان هو من يقوم بكل شؤونهما حتى انهار فجأة ومات لتجد نفسها منهارة بدون سند. اقترب منها سلطان واستفسر منها، وجدها منهارة تماما ولا تعرف كيف تتصرف، ولا حتى ماذا تفعل حين تعود للدوحة فوالدها قدم في شبابه من إيران، وعمل كسائق عند أحد الشيوخ الذي منحه الجنسية القطرية بعد عدة سنوات ثم زوجه شابة يتيمة مرباة في منزله (كعادة بيوت الشيوخ قديما التي كانت مليئة بأطفال أيتام يقومون بتربيتهم في ظل عدم وجود مياتم) والداها لم ينجبا غيرها، أقارب أبيها في إيران لا تعرف عنهم شيئا عمل أبوها لعدة سنوات عند الشيخ، ثم استقل بعمله التجاري الخاص، ولكن كل ماجمعه من عمله صرفه في رحلة العلاج هذه. شعر سلطان بالمسؤولية عن هذه المرأة لمن يتركها وهي غريبة ووحيدة ومنكسرة ولا عائل لها؟؟ كيف ترضى شهامته أن يفعل شيئا كهذا؟!! ووجد سلطان نفسه يتزوج حصة (التي اسماها أبوها على اسم أم الشيخ الذي كان يعمل عنده) حصة التي كانت تكبره بخمسة عشرة عاما لم يكن عمر حصة هو ما يشغله، ولكن ماكان يخشاه هو ثورة والده حين يعلم أن حصة هولية –كما يعلم أن والده سيقول- ذلك المنطق الغريب الذي لا يرضاه دين ذلك الترفع العرقي الذي يجعلهم يظنون أنهم أفضل من غيرهم، بينما رسول الله صلاة الله وسلامه عليه يقول : لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. الشيء الآخر أن أهله كانوا ينتظرونه ليزوجوه هو وشقيقه الأصغر منه سعود بنات عمهم .. فكيف يستطيع مواجهة كل هذا؟! ************************* الدوحة اليوم بيت محمد بن مشعل الصباح الباكر صالة البيت الرئيسية التي أُعدت على الطراز التراثي القديم بدقة رائعة كانت من ذوق راكان وتأثيثه الذي كان دقيقا جدا في اختياراته للديكور و لقطع الأثاث الجلسة الأرضية بالسدو الأحمر.. منتجات الخوص المتناثرة.. الصبغ المعتق المرسوم عليه شقوق متقنة.. السقف المبطن بأخشاب تصلها الحبال ببعضها الإنارة التي كان بعضها مخفيا وبعضها عبارة عن سُرج موزعة بدقة في الأرجاء كانت مريم تجلس مع والدتها تشرب شايا بالحليب وعباءتها عليها تستعد للذهاب لعملها في معهد النور للمكفوفين حيث تعمل كمعلمة اجتماعيات.. كانت أم مشعل في أواسط الخمسينات.. سيدة حازمة جدا لكنها أيضا حنونة جدا.. العنود تنزل السلم وهي تقفز كل درجتين مع بعضهما.. وعباءتها بيد، وحقيبتها باليد الأخرى.. لتجتاحهم كإعصار عذب وهي توزع قبلاتها واحتضاناتها بين أمها ومريم.. ثم تقفز وتجلس بجوار أمها مريم بابتسامة: أنتي شغالة مبوسة.. با أختي توش حابتني صلاة الفجر.. حلاوة هي؟؟ أم مشعل بحنان: فديتها وفديت حبتها.. حد يعين أنه يستصبح بوجه ذا الغزال وحبته ويقول لا؟؟ العنود تبتسم وتحتضن أمها وهي تقول بدلال: فديت اللي يفهمون يا ناس.. جعل عين أبو مشعل ما تشوف غيرش يا المزيونة.. أمها تبتسم وتقول بمرح: خوش دعوة يا أمش ما ابي غيرها.. مريم بمرح: عدال كن حد بيطالع شيبتش اللي طايحة سنونه.. أم مشعل تضحك: إيه ذا الكلام مهوب عندش إذا شفتيه.. قعدتي تنفخين رأسه علي كنه صبي أبو 20 سنة وأنا اللي جدته بعد أن انهوا إفطارهم على عجالة.. مريم بحزم: يالله عنادي قومي عشان ما نتأخر.. العنود بمرح: إيه يا اختي لا تأكلنا سواقتش بس.. كل صبح تجيب لي كآبة قبل أروح الجامعة من كثر ماتنافخ.. مريم تبتسم: ما ينخاف عليش أنتي... تجبيبين للكرة الأرضية كلها كآبة وأنتي شدوقش بتشقق من الضحك.. ************************** عودة لقصة سلطان قبل 27 عاما عاد سلطان للدوحة مع حصة.. ولكنه لم يأتِ بها مباشرة لبيت والده لأنه كان يعلم ما ينتظره، قرر أن يتركها في بيت والدها أولا.. كما توقع ثار والده وأصرَّ عليه أن يطلقها حتى بدون أن يسمع دفاعه أو مبرراته حتى أمه لم يسمح له أن يراها.. وظل هذا الأمر حسرة مرة قاتلة في قلبه وقلبها.. وجع سرمدي لا حدود لامتدادات جرحه وعمقه مشعل الكبير فعل مافعله في لحظة غضب فرضها عليه كبرياءه وتكبره وبعدها كان ينتظر رجاءً من سلطان مجرد رجاء!! ولكن لم يكن سلطان ليترجى، ولم يكن مشعل ليتنازل بدون رجاء!! خرج سلطان من بيت والده، ولم يعد كان مشعل الكبير يرفض تشفعات أي أحد للرضى عن سلطان.. دموع هيا وشهقاتها كل ليلة كانت تنحره ألف مرة، ولكنه لم يكن ليتنازل.. وكم كان يتمنى أن يتنازل!! بُعد سلطان عنه قتله.. وعاش بحسرة يخفيها في قلبه عن الأعين المتلصصة على مشاعره المتكبرة لعن الله الكبرياء!!! لعن الله الكبرياء الذي مزق الرحم وأدمى القلوب وراكم الجروح!! سلطان أكمل حياته مع حصة التي كانت أماً أكثر منها زوجة حاولت فيه كثيرا أن يتركها ويعود لأهله.. ولكنه كان يرفض.. أهله لا يحتاجونه ولكن هي من لها؟؟ كِبر سن حصة منعها من الحمل، ولكنها كانت تتعالج كانت تريد أن تترك لسلطان ابنا حين تتركهم لم تعلم أن الأعمار بيد الله وأن سلطان هو من سيسبقها وهو في عز رجولته. **************************** الدوحة اليوم منزل فارس بن سعود صالة المنزل الرئيسية.. ذوق كلاسيكي راقٍ جدا.. الصالة كلها باللونين الأبيض والأسود..أطقم وديكورات مبتكرة الشكل والنقوش.. يجمع بينها كلها اللونين الأبيض والأسود لون مناسب لمن ليس في بيته أطفال مثل بيت فارس ينزل فارس السلم الحلزوني المشغول بالحديد الرفيع المصبوغ باللونين الأبيض والأسود.. وغترته ما تزال بيده.. فارس أعاد ديكورات البيت كاملا قبل حوالي سنتين.. رغم أن أثاث البيت كان كالجديد لقلة استخدامه.. فهذا البيت الكبير لم يكن به سوى فارس وأمه ولكن فارس أراد أن يعكس بيته ذوقه الخاص.. ذوقه هو فقط!! لأن أثاث البيت القديم كان من ذوق جده و مشعل بن محمد اللذين أثثاه وفارس ما يزال مراهقا حينها كان يكره أن يشعر أن أنه قد يُفرض عليه أي شيء مهما كان بسيطا.. كان اعتداده بنفسه قد تجاوز كل حد أمه ترفع عينيها له بحنان: وأشفيك تأخرت على شغلك اليوم ؟؟ فارس يقبل جبينها ويلقي بنفسه على المقعد جوارها وهو يقول بثقة وقوة: غطني النوم شوي..والشغل مهوب طاير أمه تبتسم: مع أني صحيتك بس مافيك فايدة.. الله يعين العنود عليك.. فارس نظر نصف نظرة وهو يقول ببرود مثير: والعنود وش دخلها؟؟ أمه باستغراب: وش دخلها؟؟ فارس بذات البرود الخشن: إيه بنت عمي محمد وش دخلها فيني؟؟ أمه بذات الاستغراب ولكن تخلله بعض القلق: دخلها إنها بتصير مرتك؟؟ فارس بهدوء قاتل وكأن الأمر لا يعنيه: أنا ما أتذكر يمه أني قد قلت لك ولا حتى مرة وحده.. أني أبي العنود.. أمه بقلق: بس ماعمرك قلت أنك ما تبيها.. فارس بحدة: ليه هو حد سألني عن رأيي؟!! قاعدين تنقون لي مره، ماكني برجّال قدامكم!! أمه توترت .. تكره ثورته هذه.. هو فعلا حنون عليها.. ولكنها تخاف هذه الثورة المرعبة لا تنكر أنها تخافه.. ابنها ولكتها تخافه: بس يا أمك هي بنت عمك قاطعها وهو يقف ويقول بثقة : وخير يا طير يا بنت عمي.. أمه تبلع ريقها: والمعنى؟؟ يلتف فارس للمرآة الطويلة المعلقة بالقرب منه ويلبس غترته: المعنى دوري لي المره اللي تجوز لش واخطبيها.. أمه بتوتر قاتل ووجهها يعكس عشرات الألوان: بس أنا أبي العنود.. فارس وهو يخرج : وأنا ما أبيها.. ************************* عودة لقصة سلطان
قبل 26 سنة بعد حوالي سنة من زواج سلطان وحصة جاء عبدالله لمقر عمل سلطان، لأنهم لم يكونوا يعرفون له عنوانا أو هاتفا. كان لقاء الأخوين مؤثرا جدا.. فعلاقة قوية كانت تربطهما ببعضهما قبل أن يبتَّها مشعل الكبير بجبروته وعناده.. يد عبدالله تحتضن يد سلطان كأنه لا يريد أن يتركها أو ربما كان يعلم أن هذه قد تكون المرة الأخيرة التي يلمس فيها شيئا من جسد أخيه ويهمس له بهدوء: سلطان أمش معي.. أبي يبيك. انتفض قلب سلطان بعنف.. وكاد أن يخرج من بين أضلاعه من اضطراب وجيبه.. وتعالي دقاته.. فرحا وتوجساً أ يعقل أن يتنازل مشعل الكبير عن جبروته ويتراجع عن طرده له؟! أ يعقل أن يرى أمه بعد أن أقسم عليه والده ألا يدخل بيته؟؟ يا الله كم هو مشتاق لها!! يكاد يذوب شوقا ولهفة للانكباب على يديها.. وعلى دفن وجهه في ثنايا صدرها عبدالله أخذ سلطان وذهب به مباشرة إلى مجلس مشعل الكبير كان الوقت بعد صلاة الظهر.. دخل سلطان بخطوات مترددة.. رغم اشتياقه لأبيه وأمه وأشقائه وأولادهم.. شعر بطعنة مرة في قلبه.. شعر بانقباض لا يعلم له سببا.. دخل.. كان أبوه جالسا وأخوه محمد وأبناؤه مشعل وراكان.. مشعل كان في حدود الثانية عشرة وراكان أربع سنوات.. لم يفت سلطان ملاحظة إرتعاشة أطراف والده واختلاج عينيه حين دخل كان والده يجلس بهيبته المعهودة.. لا يعلم لما شعر بالأسى العميق وهو يرى كأن والده كبر كثيرا في السن.. وخصوصا أن لحيته كلها كانت بيضاء كان أبوه حريصا على إتباع السنة ووضع الحناء على شيبه.. فما به هذه المرة؟! شعر بألم شفاف يجتاح روحه.. وهو يشعر لأول مرة بضعف والده القوي دخل سلطان.. كان بوده أن يرتمي في أحضان والده ولكنه يعرف أن لغة المشاعر والانفعالات غير معترف بها في عرف والده اقترب سلطان بتردد وهو يتلفت حوله.. وهو لا يعلم سبب هذا الانقباض المتزايد.. خطر بباله شيء نحره قلقا قبل أن يسلم حتى، سأل بقلق: سعود وينه؟؟ صمتٌ قاتل وسكون مرعب اجتاح المجلس الواسع، قطعه سلطان بتوتر تخلله بعض الغضب: وين سعود؟؟ عبدالله بحزن: سعود يطلبك البيحة.. يتبــــع....~ |
![]() |
![]() |
#6 |
![]() |
![]() عودة لسلطان في مجلس والده قبل 26 عاما وقع الخبر كالصاعقة على رأس سلطان.. سعود مات!!! سعود أصغر منهم كلهم.. لِـمَ يموت ؟؟ لماذا؟؟ عمره 23 سنة فقط!! (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم..استغفر الله العظيم... إنّا لله وإنا إليه راجعون..) سلطان بهمس منتزع من عمق حزنه الذي نحره: متى؟؟ واشلون؟؟ كان رأس محمد في الأرض وهو يمسح دمعة خائنة أراد أن يخفيها بينما مشعل الكبير مازال صامتا محتفظا بصورته الصلبة في إطارها المهاب.. عبدالله بحزن مخلوط بالتوتر: قبل شهرين في حادث سيارة. أنتفض سلطان بعنف وحزنه يتحول لغضب هادر: أنتو ما تخافون الله، ما تخافون الله أخي ميت قد له شهرين، ماخليتوني أحضر دفنه ولا أحضر عزاه أتقوا الله، اتقوا الله، حرام عليكم.. " قصر حسك ياولد.. تقول لي أنا اتق الله.. متقي الله من قدام تجيبك أمك" صوت مشعل الكبير تردد بحزم في أرجاء المجلس ابتلع سلطان ريقه.. لا أحد يرفع صوته فوق صوت مشعل الكبير.. هكذا تربوا!! مشعل الكبير يكمل بذات الحزم:دورنا لك وقتها ولا عينّاك.. لين عبدالله عرف مكان شغلك البارحة أخيك مات الله يرحمه.. عند من هو أرحم به منك ومنا.. وأنت الحين في مكانه انتعش قلب سلطان رغم حزنه العميق على سعود.. أ يعقل أن والده سيرضى عليه لأن سعود توفي؟؟ مشعل يستأنف حديثه بعد أن أخذ نفسا عميقا: الهولية جابت لك ولد وإلا حملت؟؟ سلطان بغضب: الهولية مرتي ولها اسم.. اسمها حصة.. ولا ماحملت.. الله يرسل خيره.. مشعل الكبير بغضب: وتراددني بعد.. سلطان وهو يتمالك نفسه ويرد باحترام: ماعاش من يراددك أنا أجاوبك وبس.. مشعل الكبير بنبرته القوية المعتادة: وين تحمل وهي عجوز في سن أمك!!! سلطان وهو يكتم غيظه: كل شيء بيد الله مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير.. أبيك تزوجها عقب ما تولد وتفك حدادها.. *************************** الدوحة اليوم منزل عبدالله بن مشعل الصباح الباكر الصالة السفلية الشاسعة.. كانت الستائر مفتوحة..ونور الشمس يسطع عبر النوافذ الضخمة ويغمر أطقم الكنب المختلفة الأحجام والأشكال في أناقة مقصودة يجمع بينها ألوانها التي تمازجت بين العنابي والذهبي والزيتي.. كانت الجدة أم محمد تجلس على كرسي منفرد في صدر الصالة.. كانت تكره جلسة الكنب ولكنها أصبحت تضطر لها مع الألم المتزايد في ساقيها وعجزها عن الوقوف لو كانت تجلس على الأرض.. كانت الجدة تجلس ومقابلها طاولة كبيرة عليها دلالها.. وابنة شقيقتها وزوجة ابنها أم مشعل تقهويها.. مازالت أم مشعل جميلة وهي في التاسعة والأربعين كانت مشاعل أكثر بناتها شبها بها شكلا ومضمونا.. الجمال الهادئ والعمق الإنساني الدافئ أم محمد بهدوء: وين عيالش؟؟ أم مشعل بمودة: الصغار توهم راحوا مدارسهم.. ومشاعل راقدة أم محمد بنبرة غضب خفيفة: وش مرقدها لذا الحزة؟؟ أم مشعل بابتسامة: يمه الله يهداش أي حزة.. الساعة سبع وربع الصبح تو الناس أم محمد بنبرة غضب حقيقية هذه المرة: وهذي عِلمتش لبناتش؟؟ إذا راحت بكرة لبيت ناصر.. بتقعد راقدة لذا الحزة ورجّالها رايح لدوامه شعرت أم مشعل بضيق من ذكر زواج مشاعل.. رغم أنها زوجت ابنتين قبل هذا.. لكنها تشعر بضيق كلما تذكرت أن مشاعل بالذات ستتزوج وتتركهم ولكنها أجابت باحترام: إزهليها يمه .. مشاعل مره ما ينخاف عليها ولا تحاتين ولد ولدش بيعين من يسنعه صمتٌ تلا جملة أم مشعل الأخيرة.. وكلاهما ترتشف ما بيدها بصمتٍ قطعه صوت أم محمد وهي تستفسر: موضي قد لي زمان ماشفتها.. مهيب ناوية تسير على جدتها.. وش ذا القُطع اللي عندها؟؟ ارتعشت يد أم مشعل وانسكبت قطرات من الحليب الساخن على يدها قلقةٌ هي موضي.. لا تعلم ما الذي حل بهذه الفتاة، فأحوالها غريبة ولا تسر وخصوصا أنه مضى على زواجها أربع سنوات وهي لم تنجب بعد لم تكن موضي تشتكي مطلقا لها، ولكنها سمعتها بالصدفة يوما تشتكي للطيفة أن زوجها حمد يعايرها بعدم الإنجاب صمتت أم مشعل ولم تُشعرها أنها سمعت شيئا ولكن منذ ذلك اليوم وهي تشعر بقلق مرٍّ كاسحٍ عليها فهي أصبحت تعلم أن موضي تعيسة ورغم ذلك تحاول أن تظهر السعادة وأنها تعيش مرتاحة مع حمد كانت قلقة عليها أن تنهار يوما.. وهاهي خالتها تذكرها بقلقها وضعت أم مشعل كوبها جانبا وهي تمسح يدها وتقول بحياد: موضي كلمتني البارحة وبتجينا الليلة إن شاء الله ******************************** عودة لمجلس مشعل الكبير قبل 26 عاما مشعل الكبير وهو يلقي قنبلته: بنت عمك وضحى مرت سعود حامل وفي شهرها الأخير أبيك تزوجها عقب ماتولد وتفك حدادها.. سلطان صُدم صدمة هائلة، ولكن ليس هو من يتخلى عن مسؤولياته وزوجة سعود وأم ولده هي مسؤوليته من وفق وجهة النظر القبلية وتقاليدها: أتزوجها ماعندي مانع..ماني باللي أخلي ولد سعود يربونه غرب وألقى مشعل الكبير قنبلته الثانية: وتطلق الهولية، بنت أخي ماتصير ضرتها مهيب من قدرها لو حتى تبي تأخذ أربع.. أخذ بس يكونون من مواخذيك أنتفض سلطان غضبا: مالك لوا.. مرتي ماني بمطلقها.. تبيني أخذ وضحى خذتها بس مع حصة مشعل وقف وهو ينتفض غضبا: تطول صوتك علي يا سليطين يا الهيس هي كلمة ما اثنيها تأخذ وضحى وتطلق الهولية وإلا بيتي يتعذرك، ولا عاد أشوف وجهك وحلوفتي على أخوانك وأمك بعد إنه ماحد منهم يعرفك عقب اليوم لا في حياتي ولا عقب مماتي كنك طلعت من شوري فأنت عقب اليوم لا أنت ولدي ولا أعرفك انتفض عبدالله ومحمد بعنف مع قسم والدهما فهما كانا على أمل أن والدهما سيسامح سلطان فما اعاد فيهما صبر على فراق أخيهما أكثر من هذا.. ومشعل بنفسه كان من رباهم على الترابط.. لِـم هذه القسوة وقطع الرحم الآن؟! لم يعلم أحد بالنار التي تستعر في قلب مشعل الكبير مشعل الكبير طوال السنة الماضية قتلته اللهفة لسلطان وبعد وفاة سعود التي هزته من الأعماق.. كان أكثر لهفة لسلطان ولإرجاعه لأحضانه.. اتخذ زوجة سعود حجة لإرجاعه.. والآن يستخدم حرمانه من أمه و أشقائه كورقة ضغط كان يعتقد أن سلطان سيذعن له.. وكأنه لا يعلم أن هذا الشبل من ذاك الأسد، وأن سلطان أكثر عندا منه كان سيكفي مشعل أن يترجاه سلطان قليلا للقبول بزوجته.. وكان سيقبل!! كان فقط ينتظر الرجاء الذي سيحفظ له ماء وجه كبرياءه أمام نفسه وأمام الناس ولكن سلطان لم ينله رغبته العميقة.. رحل سلطان.. وللأبد هذه المرة.. وظلت حسرته في قلب والده العنيد.. وحسرة أكبر في قلب أمه هيا المرأة الصامدة الصامتة.. حسرة مرة ليس لها مدى ولا حدود.. رحيل سلطان مزق روحها بعنف ولكنها ظلت تعتصم ببقايا قوة لا معنى لها.. قوة خاوية مفرغة من معناها.. فجزء من روحها مات مع سعود.. وهاهو جزء آخر يموت مع سلطان!!! بعد أربعة أعوام من زواج سلطان وحصة جاءت هيا الحلم الذي طال انتظاره.. تمناها سلطان بنتا حتى تشبه أمه وحتى تكون هيا التي حُرم منها أمام عينيه وفي بيته. في سن الثانية عشرة عرفت هيا كل هذا لم يخفِ عليها سلطان أي شيء أخبرها بكل شيء وبكل تفاصيله.. بعدها زاد ارتباط هيا بوالدها.. كانوا يقضون الساعات يتحدثون ولم تكن حصة في أكثر الأحيان تتدخل في هذا الحوار كانت تشعر أحيانا كأنها دخيلة بينهما لشدة تألفهما فسلطان وابنته ربطتهما علاقة فريدة كان كل منهما يكمل جملة الآخر.. وكأن كل منهما يقرأ أفكار الآخر.. كرهت هيا آل مشعل القساة الذين طردوا والدها.. وطعنوا قلبه الشفاف فحزن والدها وشوقه لهم كان يأخذ من روحه شيئا فشيئا كل يوم.. ووصل كرهها لهم الحد الأقصى حين توفي والدها بجلطة وهي في السابعة عشرة، وهو كان في السادسة والأربعين.. تركها وحيدة مع أمها في هذه الدنيا بدون سند.. واضطرت أن تحمل مسؤولية هائلة فأمها كسرتها وفاة سلطان وهي تراه يرحل وهو في عز رجولته، بينما هي عجوز في الستين وكانت تتوقع أنها من سترحل قبله رغم إيمانها أن الأعمار بيد الله عدا أن حصة لم تعتد على حمل مسئولية في قوتها، فكيف وهي عجوز مريضة الآن؟! حملت هيا –التي تجري في عروقها غصبا عنها دماء آل مشعل الأشداء- المسؤولية وحين أنهت الثانوية، قررت أن تسافر لبريطانيا وأن تأخذ والدتها معها أهَّلها معدلها العالي للبعثة لتبدأ حياة جديدة ظنت أنها لن ترى فيها أحدا من آل مشعل الذين عاشوا طوال حياتها معها من خلال ذكريات أبيها الذكريات التي أرادت أن تمسحها من مخيلتها لتمسح آل مشعل كلهم. واليوم في واشنطن هاهو واحد من آل مشعل يجلس بكل غرور ووقاحة في منزلها ليفرض نفسه عليها وعلى حياتها بمباركة والدتها ورضاها والدتها التي احتقروها ونبذوها.. تقف في صف مشعل ضدها!! فأم هيا تكلمت أخيرا وهي تقول بهدوء حازم وتفكير عميق مؤجل يدور برأسها: هيا سكري الباب وتعالي قهوي ولد عمج هيا بغضب وانفعال: يمه وش تقولين؟؟ أم هيا بغضب: اللي سمعتيه.. وإلا ماعاد لي شور عليج هيا بتأثر: ماعاش ولا كان اللي يعصاج نظرت لمشعل بقهر وهي تغلق الباب وتعود لتجلس في الوقت الذي أنعم عليها مشعل بفيض وافر من النظرات المتشفية الساخرة لانتصاره عليها.. جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟ *************************** الدوحة اليوم منزل مشعل بن محمد ذهب الصغار للمدرسة.. الأولاد محمد وعبدالله يوصلون شقيقتهم مريم أولا ثم يتوجهون لمدرستهم جود مازالت نائمة.. وكذلك مشعل.. استغربت لطيفة.. ليس من عادة مشعل أن يبقى نائما حتى الثامنة صباحا توجهت لغرفتها لإيقاظه "مشعل.. مشعل.. أبو محمد.. ما تبي تقوم؟؟" مشعل فتح عينيه ببطء وهو ينظر للساعة التي تجاوره ما أن وقعت عيناه على الساعة حتى قفز وهو يصرخ في لطيفة بغضب: أشلون تخليني أرقد لذا الحزة عندي اجتماع مهم على الساعة 8 ونص.. أشلون بألحق الحين..؟؟ لطيفة بتوتر وحرج: أنت بالعادة تحط المنبه.. وأمس ما قلت لي شيء مشعل بغضب: متى أقول لش.. وأنا يوم جيت وانتي مكبرة المخدة وراقدة لطيفة بضعف: بس ماقلت لي يوم صليت الفجر لم يرد عليها مشعل وهو يدخل الحمام باستعجال.. عله يستطيع اللحاق بالاجتماع (لحول يا مشعل وش اللي يرضيك أنت؟؟ يعني اليوم الوحيد اللي ما أنتظرك فيه تعصب علي.. وإن لقيتني أنتظرك تعصب علي.. وش اللي يرضيك؟؟) ********************** شقة هيا/ واشنطن
جلست هيا وهي تسأل مشعل ببرود: وش تبي تشرب يا أستاذ؟؟ مشعل بذات برودها: الأستاذ مايبي يشرب شيء، أنا ماني بجاي أتضايف أنا جاي أقول كلمتين وماشي، ودام الوالدة موجودة كلامي معها مهوب معش ألتفت مشعل لأم هيا التي كانت عيناها تلمع ببريق غريب مختلف ناتج عن تفكير عميق يدور في عقلها وهو يقول باحترام: شوفي يمه.. أدري أني اللي صار كله غلط، وطردة عمي الله يرحمه كانت غلط من أساسه وترا أبي من يوم توفى جدي وهو يدوركم.. لقى عمي سلطان ترك شغله الأولي واستمر يدور لين قبل كم سنة دل بيتكم لقاكم بعتوه ودرا إن عمي سلطان توفى ما تخيلين أشلون تأثر أبي وعمي وخصوصا جدتي هيا كانت بتروح فيها.. انتفضت هيا وهي تسمع اسم جدتها.. فوالدها نقل ذكرى حبه العميق لأمه لابنته ولكن ذلك لم يمنع هيا أن تقفز وتقاطع مشعل وهي تنتفض بعنف وتقول بغضب كاسح: ماقصرتوا صراحة!!.. لا والله.. حزنتوا عليه من جدكم؟!!.. يعني تقتلون القتيل وتمشون في جنازته.. أبوي ماحد قتله غيركم يا آل مشعل وعمري ماراح أسامحكم ألتفت عليها مشعل بغضب وهو يقول بحدة: ماحد طلب سماحش هذا أولا ثانيا الكبار إذا تكلموا الصغار ينطمون.. واعتقد أني أكلم الوالدة ما أكلمش وقف مشعل وهو يوجه كلامه لأم هيا ويضع كرتا في يدها: يمه أنا رايح وهذا رقم تلفوني.. إذا بغيتوا شيء دقوا علي.. وأنا كل يوم بأمركم أم هيا ظلت صامتة غارقة في تفكيرها العميق ومشعل انسحب وفتح الباب ليخرج في الوقت الذي كانت فيه هيا تغلي من الغضب هيا انتزعت الكرت من يد والدتها رغم محاولة أم هيا للتشبث بالكرت مشعل فتح الباب وهمَّ بالخروج هيا مزقت الكرت ورمته خلفه حين أصبح خارجا وهي تصرخ بغضب: ما نبي منكم شيء يا آل مشعل.. خلونا في حالنا وبس وأغلقت الباب بعنف وراءه مشعل نظر للكرت الممزق.. هزَّ كتفيه وابتسم (ذي تحسب إنها إذا قطعت الكرت إنها بتقطع علاقتها فينا.. زين يا بنت العم..زين) طوال العاصفة التي اندلعت ثورتها باكينام اعتصمت بالصمت، مجرد متفرجة صامتة لم تتدخل بحرف واحد كعادة الإنجليز في عدم التدخل فيما لا يخصهم ولكن ما أن خرج مشعل حتى وقفت وتوجهت لهيا مؤازرة لها لأنها شعرت أن هيا بذلت انفعالا يفوق طاقة أي إنسان فبكينام كانت تعلم كراهية هيا لأهل والدها وتتفهمها ما أن اقتربت بكينام من هيا حتى انهارت هيا في أحضانها وهي تنوح بحسرة: ما أبيهم، ما أبيهم قتلوا أبوي والحين يدورونا عقب.. ليش ما لقونا وأبوي حي.. ليش؟؟ أبوي عاش حياته كلها يترقب دقة واحد منهم على الباب كان الباب كل مادق أشوفه ينتفض بحنين وإذا خاب ظنه باللي عند الباب كانت الحسرة في عيونه تذبحني.. تذبحني حرام عليهم اللي سووه فيه .. حرام عليهم.. الله لا يسامحهم الله يأخذ قضاه منهم.. الله يأخذ قضاه منهم يتبــــع....~ |
![]() |
![]() |
#7 |
![]() |
![]() الدوحة منزل عبدالله بن مشعل قبل صلاة العشاء موضي تزورهم أخيرا بعد غياب أسبوعين، كانت تنتظر فيهم أن تخف آثار ضرب حمد من وجهها كانت موضي بمقياس الجمال الاعتيادي أقل جمالا من شقيقتيها لطيفة ومشاعل ولكنها كانت كما يقولون في أدبنا العربي "مليحة" أي أن العين لا تمل النظر إليها وكان من أجمل فيها شعرها الكثيف الناعم الذي كانت تتفنن في قصاته قبل أن تتزوج حمد وكانت كل قصة تبدو عليها مبهرة ولكنها توقفت نهائيا عن قصه منذ حوالي 3 أعوام ونصف.. أول مرة ضربها حمد!! موضي مبرمجة حاسوب لم تعمل بشهادتها سوى 6 أشهر رغم المستقبل المشرق الذي كان ينتظرها فهي كانت ذكية جدا خلال دراستها، ثم شديدة المهارة والعطاء خلال فترة عملها القصيرة ولكن حمد أصرَّ عليها أن تترك عملها، كانت تستطيع الالتجاء لوالدها وتعرف أنه يستطيع أن يطلب من حمد أن يتركها في عملها فهي لم تتعب طيلة هذه السنوات لتذهب جهودها هباء وتعلم أن حمد لن يستطيع معارضة خاله ولكنها لم ترد إدخال أحد بينها وبين زوجها، كانت تعتقد أنها ستستطيع إقناعه لم تعلم أن حمد يصبح (أحيانا) مخلوقاً غير قابل للتعامل الإنساني.. فكيف بالإقناع العقلاني!! كان بال موضي مشغولا، كانت تخشى العودة لمنزلها تتمنى لو تستطيع أن تنام الليلة في بيت أهلها ولكنها تخشى أن يظن حمد أنها اشتكت لأحدٍ من أفعاله رغم كل ما يفعله حمد معها وقسوته عليها، فهي لا تستطيع أن تحقد عليه!!!! " هيييييه.. يا المفهيه أنا أقول تبين كأس كرك!!" صوت ريم الحاد اخترق طبلة أذنها من قرب لينتزعها من عالمها المرّ، ترد على ريم بغضب: وجع، مافيه احترام، أختش الكبيرة أنا، ما أنا بخويتش في المدرسة. ريم ترقص حاجبيها: أدري أنش أختي العجوز اللي أكبر مني ب15 سنة والظاهر حكم السن أنش صرتي صمخاء ما تسمعين ساعة وأنا أصيح يا موضي يا موضي وأنتي عمش أصمخ.. موضي ألتفت على أمها وهي تقول بابتسامة: يمة البنت ذي أنتي متاكدة إنها عمرها 11 سنة أحيانا أشك أنش جبتي أكبر وحدة فينا في الأخير.. ضحكت أم مشعل لأنها ترى ابتسامة موضي التي طال اشتياقها لها: خبرش ياأمش هذي حشاشة الشيبان.. قالتها وهي تحضن ريم بحنان كانت مشاعل قادمة من المطبخ بيدها طبق كبير فيه فطائر وهي تقول بمرح: أسمع طاري شيبان، ماعندنا في ذا البيت شيبان، إلا شباب حلوين.. أولهم جدتي هيا.. الجدة تعتدل في جلستها وتعدل برقعها على وجهها وهي تقول بمرح لطيف: يا حي العرب اللي عندهم نظر.. لطيفة تبتسم وتقول لجدتها: يمه على ذا الزين كله.. ما تبين لش صبي مزيون نزوجش إياه.. الجدة بغضب: اقطعي واخسي يا بنت عبدالله، لو أن مشعل قد قطَّع العقال على ظهرش كان عرفتي تحشمين اللي أكبر منش.. لطيفة تضحك وهي تقوم من مكانها وتتوجه لجدتها لتطبع قبلة حنونة على رأسها: فديت قلبش.. السموحة جعلني فدا خشمش.. الجدة تناولت عصاها وضربت لطيفة بخفة: كم مرة قايلة لكم كلكم، لا عاد حد يتفداني.. أنتو ما تفهمون.. أم مشعل باحترام: يمه لا تزعلين.. من قدرش وغلاش عندهم.. لطيفة تصطنع الغضب وتقول لجدتها: يمه ماضربتيني وأنا صغيرة تضربيني الحين قدام بناتي جدتها بحنان: عمركم ما تكبرون علي، ولو عندش عشرين بزر، أنتي عندي لطوف أم قرينات.. موضي تقاطع حوارهم وتقول بلهفة: دام حن مجتمعين اتصلوا على فارس خليه يجينا مشتحنه له، قد لي 3 أسابيع ما شفته.. (مشتحنة=مشتاقة) مشاعل بهدوء: فارس أصلا زعلان عليش، يقول صار له أكثر من أسبوعين كل مادق عليش يبي يجيش، تعذرتيه.. موضي بارتباك: الله يهداه ما يتصل إلا وأنا طالعة.. مشاعل صمتت لأنها تعرف سبب تهرب موضي من رؤية فارس فلو عرف فارس أن حمد يضربها، فلا يعلمون ما الذي قد يفعله به فارس دون أدنى اهتمام بكونه ابن عمته موضي بالذات لها معزة كبيرة عند فارس، فهما من سن واحد ورضعا سويا وعلاقتهما ببعضهما خاصة وعميقة ثم قالت مشاعل :خلاص بأدق عليه الحين أخليه يجينا.. اتصلت مشاعل على فارس الذي كان حينها في عزبتهم مع ناصر وراكان كانوا يجهزون العزبة لأن الشتاء اقترب، وقت استخدامها الحقيقي وجمعة الشباب فيها كان تلفون فارس على (المركأ) بينه وبين وناصر ما أن أضاءت الشاشة باسم مشاعل (المحفوظ عند فارس باسم الأهل ش) حتى ألتقطه ناصر بلهفة وهو يقول: والله ماحد يرد عليها إلا أنا.. (لأنه يعرف من ش المقصودة!!) فارس بغضب: ناصر الله يهداك لا تحرج أختي، تراها تستحي من خيالها ناصر بمرح: عادي خلها على الأقل تسمع صوتي قبل تشوف خشتي.. فارس انتزع المحمول من يد ناصر وهو يقول: تحشم رد وهو ينظر لناصر ليغيضه: هلا والله بقلبي.. هلا بمشاعل روحي ناصر يؤدي حركات تمثيلية وهو يضع يده على قلبه ويقول (بعيارة): المفروض أنا اللي أقول ذا الكلام لها مهوب أنت ويا وجهك مشاعل تبتسم: وش عنده الشيخ فارس؟؟ مهوب عوايدك ذا الرقة!! فارس بنبرة حنونة مقصودة: فديت روحش بس، اشتقت لش، جعلش بعد اللي قاعد عندي مشاعل باستغراب: فارس بسم الله عليك أنت مريض.. فارس (خلاص) لم يستطع أن يكمل ، ضحك بصوت عالي وهو يقول: نعم خير؟؟.. وش تبين ياقطة الوجه أنتي؟؟ مشاعل تضحك: إيه الحين أخي اللي اعرفه تروعت قبل شوي حسبتهم خذوا أخي المتوحش أبو كلام سم وجابوا لنا أخ طيب كلامه ينقط عسل مثل اللي في الرسوم فارس بهدوء: اخلصي علي ترا ماني بفاضي لقرقرتش ناصر يأشر له أنه بيخنقه: احترم مرتي يا ملا الماحي فارس يرد على ناصر: أختي قدام تصير مرتك، ومالك دخل بيننا مشاعل شعرت وكأنه سُكب عليها ماء بارد: فارس من اللي عندك؟ فارس بلؤم: رجَّالش الشين مشاعل ألقت بالمحمول في حضن موضي ولون وجهها يتحول للأحمر القاني وتركض صاعدة لغرفتها موضي أخذت المحمول وهي تضحك: فارس وش قلت للبنية خليت وجهها انقلب كذا؟؟ فارس بنبرة عتب: هلا والله بالشيخة موضي اللي تهرّب من شوفتنا موضي بحرج وهي تحاول أن ترد بدلال: فارس حبيب قلبي خلاص يالله أنا مشتاقة لك موت تعال أنا عند بيت هلي.. فارس بهدوء: أنا في العزبة بأصلي العشاء أول، ثم مسافة الطريق على ما تروقون المستحية اللي عندكم اللي أكيد إنها راحت تسكر على روحها من السحا ترا ما أبي أجي وما ألاقيها ، ترا أطلع عليها واسحبها بشوشتها أنهى فارس مكالمته، وناصر ينظر له باستفهام، فارس بلؤم: وش ذا النظرة البائسة اللي على وجهك المغبر، تقول طرار على باب مسجد ناصر باستجداء تمثيلي: تكفى فارس.. وش قلت لمشاعل ووش قالت لك؟؟ فارس بذات اللؤم: والله ماحد قال لك أني مرسال غرام.. اتصل على عمي عبدالله وأساله عن بنته. ناصر يضحك: أنتو يالبدوان ماوراكم فرج.. لو مخليني أكلم مرتي بينقص منكم يد وإلا رجل على الأقل تعرّف علي شوي وتدري أني ولد حبوب، مهوب حتى اسمي تستحي منه. فارس ضحك: عاد الله يعينك على مشاعل، عمري في حياتي ماشفت حد يستحي مثلها كان ناصر سيتكلم لولا أنه قاطعهم صوت عميق خافت ومفكر "السحا مهوب عيب.. السحا زينة البنت" ناصر يبتسم: وأخيرا تكلم أبو الهول.. تصدق نسينا إنك هنا يا أخي!! كان راكان طوال الفترة الماضية يجلس في زاوية الخيمة الضخمة مشغول بلوح شطرنج أمامه.. بين التحركات والتحركات المضادة فارس يبتسم: تصدق راكان أول مرة أشوف واحد يقعد بالساعات يلعب مع روحه.. يلتفت إليهم راكان ويقول بثقة: هذا شيء ما تفهمونه أنتم.. وبعدين من اللي منكم كفو يلعب معي، أطول واحد منكم طول معي في لعبة 10 دقايق لكن إذا ألعب مع روحي أعرف إنه فيه خصم كفو لي.. ناصر باهتمام: لا جد قل لي راكان أشلون تلعب بروحك يعني لكل لون الأبيض وإلا الأسود بتسوي نفس الحركة.. راكان يبتسم: الله يخلف على أمي اللي أنت ولدها، وبنت عبدالله اللي أنت رجّالها...وش نفس الحركة؟؟ فيه عدة خطط للعب الشطرنج، أنا لما ألعب مع روحي أعتمد خطتين، خطة لكل لون من البيادق.. (البيادق=شخصيات الشطرنج) ناصر يضحك: تدري يا ولد أمي الحكي معك ضايع.. أنا باقوم أتوضأ باقي على الصلاة شوي، أحسن لي من مقابل وجهك أنت وولد عمك يالله يا كريم قد تخلص ذا الثلاث شهور وأفتك من وجيهكم الودرة يتركهم ناصر.. فارس يعبث بموبايله وينتظر أن يصلي ليتوجه لأخواته وراكان عاد للاستغراق في لوح الشطرنج أمامه راكان قليل التحدث عن نفسه رغم أن من هو في مواهب راكان المتعددة قد يحق له بعضا من الغرور فهو بطل ذو صولات وجولات في رياضتين مختلفتين وفي مجال عمله (في الديوان الأميري) يحرز نجاحات متميزة وهو على وشك ترأس قسم دون أن يخبر أحدا بذلك أو يتشدق به وليس معنى ذلك أن راكان لا يقدر نجاحاته ولكنه وجَّهها بتوازن لتكون ثقة قوية بالنفس يربط راكان بمشعل بن عبدالله صداقة متينة قوَّى أواصرها تقاربهما في السن وتشابه شخصياتهما لحدٍّ بعيد، ولكن لطالما أرَّق مشعل إحساسه أن راكان يخفي عليه سراً ما كان مشعل هو الوحيد الذي يستطيع قراءة صمت راكان وماخلف ابتساماته الهادئة ولكنه عجز عن سبر واختراق أسدال كتمان راكان التي راكمها على سره الدفين الذي طمره في أعمق نقطة في روحه وحاول أن يتناساه!! ****************************** بعد حوالي ساعة إلا ربع.. وصل فارس بيت عمه عبدالله وموضي سحبت مشاعل وأنزلتها.. واكتملت جمعة الشقيقات الثلاث الكبار وأخيهم بالرضاعة بينما أم مشعل وأم محمد كانتا قد انسحبتا للصلاة ومريم الصغيرة وخالتها ريم في الأعلى تلعبان Play Station3 ومعهم جود الصغيرة مجرد متفرجة.. لطالما كن الشقيقات الثلاث يستمتعن بالالتقاء مع شقيقهم الغريب القاسي فلطالما مثَّل فارس ومشعل طرفا النقيض هذا بقسوته وهذا بحنانه ومع ذلك كان لكلاهما معزته الخاصة بالتأكيد لا أحد في مكانة مشعل عندهم ولكن فارس أيضا كان غاليا جدا عليهم لأبعد حد.. البنات يتبادلن الحديث الودي الأخوي معه ومشاعل صامتة لأنها مازالت تشعر بالحرج من مكالمتها الأخيرة لفارس فارس ضربها على مؤخرة رأسها: وش فيها الأخت؟؟ عادش مستحية يا المعقدة؟؟ لطيفة بتفهم: فارس خف على البنية.. هات فنجالك أصب لك قهوة؟؟ فارس بهدوء وهو يعيد فنجانه لها ويهزه: لا خلاص شكّرت..(شكّر=اكتفى من القهوة) موضي (بعيارة): إيه الشيخ فارس مايحب يكثر منبهات يخاف على بشرته تتعب.. موضي قالتها بعفوية، لكنها قطعت جملتها وهي تتذكر، وتبتلع ريقها وهي تنظر لثلاثة أزواج من الأعين تنظر لها وتركز عليها زوجان من العيون ينظران لها بنظرة هي خليط من العتب والشفقة لما ستناله من صاحب زوج الأعين الثالث وزوج العينين الثالث ينظر لها نظرة غضب حادة مرعبة تكاد تقتلعها من مكانها يتبـــع...~
|
![]() |
![]() |
#8 |
![]() |
![]() موضي (بعيارة): إيه الشيخ فارس مايحب يكثر منبهات يخاف على بشرته تتعب.. موضي قالتها بعفوية، لكنها قطعت جملتها وهي تتذكر، وتبتلع ريقها وهي تنظر لثلاثة أزواج من الأعين تنظر لها وتركز عليها زوجان من العيون ينظران لها بنظرة هي خليط من العتب والشفقة لما ستناله من صاحب زوج الأعين الثالث وزوج العينين الثالث ينظر لها نظرة غضب حادة مرعبة تكاد تقتلعها من مكانها موضي تلاحقت نفسها قبل أن يبدر من فارس أي تصرف وقفزت لتقبل رأسه وهي تقول باستجداء لطيف: تكفى فارس تكفى أنك ما تعصب علي.. أنا آسفة يا شيخ الشباب أنت.. ابتسم فارس وهو يقول بثقة: ومن اللي قال لش أني كنت ناوي أعصب عليش؟؟ ابتسمت موضي بأمل: صدق ماكنت ناوي تعصب علي؟؟ كشر فارس وهو يبتسم : بصراحة كنت ناوي أرمل حمد يعني أنتي بالذات الغلطة ذي غير مسموحة منش لأنش أكثر وحدة تعرفيني موضي تجلس بجواره وتحتضن ذراعه وتقبل كتفه وهي تقول بمرح باللهجة المصرية: توبة من دي النوبه يا سيد البشوات أنته.. وحيات اللي خلئ عينيك الحلوين دي.. لو كنت عايداها ابئى اديني بالجزمة فوق نافوخي.. مشاعل كانت تبتسم بشفافية وهي ترى روح موضي القديمة المرحة التي طُمرت تحت كآبتها تعود للتجلي بعد موقف مشاعل الأخير مع فارس وبطبيعتها الخجولة كان من المستحيل أن تعاود النزول ووضع عينيها في عيني فارس قبل مرور أسبوعين على الأقل. ولكنها تعلم أن موضي ما أن ترى فارس حتى تحضر روحها العذبة وكان من المستحيل أن تفوت استمتاعها بها حتى لو كان في ذلك مواجهة جيش من العفاريت.. طال اشتياقها لروح أختها.. فهي قد ترى موضي جسداً.. ولكن روح موضي تطول فترات غيابها.. حتى يصيب مشاعل الصامتة المراقبة الرعب المتوحش أن تكون روحها قد ماتت..خُنقت.. اُستلت!! فتفاجأ بها تعاود التسلل ناشرة خيطا من البهجة المشعة في قلب مشاعل البريء وفي موقف آخر غير موقف اليوم ..كان فارس بقسوته المعتادة وفي هذا الموضوع بالذات ليثير زوبعة نارية من الغضب ولكن لأنه لم يرَ موضي منذ فترة وهو مشتاق لها.. تجاوز لها غلطتها التي لا تغتفر في عُرفه.. ************************* في ذات الوقت في منزل محمد بن مشعل.. غرفة المكتب في الأسفل التي يتناوب على استخدامها مريم وراكان كانت مريم تقرأ بنهمٍ كتاباً جديداً وصلها للتو.. فالكتب لمن هم في مثل حالتها قليلة، ولكنها حريصة على أن تحصل على أكبر كم منها وبالفعل لديها مكتبة كبيرة للكتب المكتوبة بطريقة إبرايل..(إبرايل=طريقة طباعة كتب المكفوفين) كانت جالسة تقرأ باستمتاع تشاركها فيه أناملها الطويلة الرشيقة التي تتحسس الحروف النافرة بحب.. وكأنَّ هذه المهمة الجديدة التي مُنحت لهذه الأنامل منحتها جمالاً مختلفاً.. وبالفعل كانت يديّ مريم آية في الجمال والنعومة والرشاقة.. للجمال نكهاتٌ مختلفة.. وجاهلٌ من يضيع على نفسه متعة التعرف عليها اعتقاداً أن الجمال هو جمال الوجه فقط.. أو حتى جمال الجسد الفاني!! فُتح الباب.. مريم ترفع رأسها عن الكتاب وتضعه جانباً وهي تقول باحترام: حيا الله الغالي.. حياك الله يا أبو محمد.. تفضل.. مشعل يبتسم: أبي أعرف أشلون تعرفيني يا السُكنيّة.. مريم تبتسم: ريحة عطرك تصرع على بعد خمسة كيلو.. أصلا أنا عارفة إنك عندنا في البيت لك حوالي 20 دقيقة بالضبط.. من أول مادخلت البيت وأنا شامة ريحة عطرك.. ابتسم مشعل: زين ناصر وراكان أحيانا يكونون معي في السيارة ويتعطرون من عطري.. تلخبطين بيننا؟؟ مريم بابتسامة واسعة: مستحيل.. مشعل باستغراب: أشلون؟؟ مريم بشرح هادئ: ريحة العطر تتفاعل مع ريحة الجسد الطبيعية وتعطي نتيجة مختلفة.. يمكن ما تكون واضحة للناس العاديين.. بس لشخص في مثل حالتي تكون واضحة جدا.. ربك يقطع من ناحية ويوصل من الثانية..اللهم لك الحمد والشكر بس تدري مشعل.. أحيانا الفرق هذا يلحظه العقل الباطن للإنسان السليم حتى... مشعل باستفسار مستمتع (لطالما كان يستمتع بحديث مريم): أشلون؟؟ مريم بهدوء: يعني أنت أحيانا تشوف إنسان وتكش منه أول ماتشوفه بدون سبب.. صح؟؟ مشعل يهز رأسه : صح.. مريم بعذوبة: السبب أنك تكون شميت ريحته الطبيعية بعقلك الباطن وهذا الريحة تكون ما تتوافق مع طبيعتك وعشان كذا فيه ناس ننجذب لهم بعنف وناس ننفر منهم.. وناس ما تتوافق معهم.. بدون ماتعرف السبب مشعل بعمق: أجل يمكن أنا ولطيفة روائحنا ما توافقت!! ********************* قبل ذلك بعدة ساعات ولكن بتوقيت آخر الساعة 8 صباحا واشنطن دي سي مقهى قريب من جامعة جورج تاون جالستان تتناولان قهوتيهما بهدوء.. باكينام تفرك عيناها وتقول بكسل: والله مش عايزة ئهوة ولا نيله.. عايزة أنام المحاضرة الساعة 1..ممكن أعرف جايين نعمل إيه هنا الساعة تمانيه عينا هيا محاطتان بهالات سوداء وبادٍ عليها الإرهاق تجيب بصوت متعب: إذا كنتي أنتي نمتي شوي..أنا ما نمت أبد باكينام باهتمام: وليه يعني؟؟ هيا باستغراب: كأنج ماكنتي موجودة البارحة وشفتي بنفسج!! باكينام وهي ترتشف قهوتها ثم تعيد الكوب: خلاص أنتي طردتيه وما أعتقدش إنه هيرجع هيا تبتسم ابتسامة باهتة: أنا متاكدة إنه بيرجع وبيرجع وبيفرض نفسه على حياتي باكينام بهدوء وهي تعبث بملعقتها وتقلب قهوتها: بلغي عنه البوليس هيا انتفضت: مهما كان هذا ولد عمي.. وعلى وشك أنه يخلص دراسته شكوى مثل هذي بتضيع مستقبله.. أنا أمس لما كنت أهدد أبلغ البوليس ما كنت في وعيي من الغضب.. بس مستحيل أسويها في أي أحد، أشلون ولد عمي. باكينام فتحت عينيها فيها باستغراب: أما أنتي غريبة.. أنتي عمرك عرفتيه عشان يكون ابن عمك.. هيا بهدوء متعب: صحيح أنا ما أبيه ولا أبي حد من أهله في حياتي بس في نفس الوقت ما أبي أضر حد.. واللي زاد وغطى أمي من البارحة وهي زعلانة عشان قطعت الكرت.. ما أدري هي شنو تبي فيه الفتاتان مستغرقتان في حديثهما ولم تنتبها للعينين العسليتين المسلطتين عليهما ما أن أنهتا شرب قهوتيهما ونهضتا للخروج حتى قفز صاحب العينين المراقبتين واقترب منهم محادثا باكينام بلكنة شامية: صباح الورد.. الأخت عربية؟؟ باكينام التفتت لصاحب السؤال، كان شاباً وسيماً بيده عدد من المراجع أجابت ببرود لكثرة ما اعتادت على هذه الأسئلة: آه مصرية.. فيه حاجة غلط؟؟ الشاب تفاجأ من طريقتها الباردة في الرد، رد بارتباك: لا أبدا.. بس حبيت أتعرف عليكي إزا ما عندك مانع.. باكينام بنفس النبرة الباردة: أنا مرتبطة .. ولا مؤاخزه تأخرت عالمحاضرة.. وسحبت هيا من يدها .. وهيا تسألها باهتمام: أنتي لمتى وأنتي تصدين كل واحد يتكلم معاج باكينام بمرح: وأنتي بتصدي كل واحد يكلمك.. إيه الفرق بيننا؟؟ هيا بنعومة: لا فيه فرق.. أنتو تتزوجون بذا الطريقة.. تتعرفين عليه ثم تسحبينه من رقبته لأهلج لكن أنا لو تزوجت في يوم.. بأتزوج بالطريقة التقليدية اللي عندنا.. ثم أكملت باهتمام: لا تخلين الأفكار الغريبة اللي جداتج حشوا رأسج فيها تخرب حياتج أنا بصراحة مع جدتج الإيرلندية لا تتزوجين إنجليزي بس موب مع جدتج التركية لأنج عربية ولازم تتزوجين عربي وبعدين هي بنفسها تزوجت جدج وكانت تموت فيه باكينام بنفاذ صبر: هيا لو بتحبيني بلاش السيرة دي.. بتجيب لي افتكاريا.. وأكملت بابتسام وهي تقول: وخلينا فيكي وفي عمود النور اللي اسمه مَشعل، إزاي نزحلئو ******************** غرفة المكتب في بيت محمد بن مشعل الحوار مستمر بين مشعل ومريم مشعل بعمق: أجل يمكن أنا ولطيفة روائحنا ما توافقت!! مريم صُدمت بعنف: مشعل وش ذا الكلام؟؟ مشعل بهدوء: مريم أنا وأنتي أكثر من أخوان.. وأنا بصراحة ما أقدر أكلم حد غيرش في موضوع مثل هذا.. أنا ماني بمرتاح مع لطيفة.. مريم مازالت مصدومة: بعد 13 سنة وأربع أطفال.. توك تكتشف إنك منت بمرتاح!!! مشعل برزانة: مريم الله يهداش.. أنا لاني ببزر ولاني بمراهق.. عشان تقولين لي كذا.. أنا لي سنين ماني بمرتاح.. مريم تحاول أن تفهم هذه المصيبة التي جاءت لها هذه الليلة: لطيفة مقصرة عليك بشيء؟؟.. مضايقتك بشيء؟؟ مشعل بنبرة واثقة تخللها بعض حزن: المشكلة إنها لا مقصرة ولا مضايقتني.. لطيفة باقي تحطني على رأسها من اهتمامها فيني.. مريم وقفت وهي تنتفض من الغضب: اعذرني مشعل.. بس أنت كذا أكيد أنت اللي عندك مشكلة.. أنا سألتك لأني حبيت أفهم منك، مع أني متأكدة إن لطيفة مافيه مثلها في النسوان ثنتين مشعل تنهد: مريم اقعدي وخليني أكمل.. مريم جلست مع أنها فقدت أي رغبة في سماع مشعل.. مشعل أكمل كلامه: مريم.. أنا أدري أن لطيفة مافيه مثلها،راعية بيت وقايمة بي وبعيالها.. بس من يوم تزوجتها وأنا أحس إنه فيه حاجز بيننا أحس إنها مهيب فاهمتني، مابيننا حوار مشترك، عمري ما حسيت إنه فيه مره حقيقية في حياتي أنا والله أعز لطيفة وأحترمها، بس عمري ماحسيت ناحيتها بشيء أكثر ما أقول إن العيب منها، يمكن العيب مني مريم تقاطعه بغضب رغم أنها نادرا ما تغضب: والمطلوب مني مشعل؟؟ مشعل مستغرب من غضبها: وليش متوقعة إنه مطلوب منش شيء.. أنا بس جاي أفضفض لش.. ضاق خلقي يا أخيش.. مريم وهي تحاول السيطرة على غضبها والعودة لمنطقيتها: مشعل أنا مهوب توني عارفتك أمس.. أنت لو بتموت ما تشتكي.. لو يقطعونك ما قلت آه.. ودامك جاي تشتكي لي اليوم.. فأنت في رأسك موال.. والشكوى هذي مجرد مقدمة لشيء أخطر.. صُدم مشعل من تفهمها الغريب.. واكتشافها أن هناك خطوة مؤجلة مخفية ولكن لأنه ليس من يثير اضطراباً في أولوياته مع دقته في مخططاته التي أوصلته للنجاح في عمله رد عليها بثقة: مهوب وقته ووقف بثقة، ليخرج ويترك مريم مبعثرة المشاعر بعد الفوضى التي أحدثها وخلَّفت قلقاً متوحشاً مزَّقها بين شقيقها وابنة عمها وصديقتها فلا شيء آخر تقلق عليه!! ولا توجد حياة خاصة بها تتجاوز اهتمامها بأهلها وطلابها في المعهد!! ************************** الدوحة بيت عبدالله بن مشعل الساعة 10 مساء رنَّ محمول موضي.. توترت (أكيد حمد جاي بيأخذني) ردت بنبرة حاولت أن تكون هادئة: هلا حمد ............ إن شاء الله.. الحين قامت موضي تلبس عباءتها.. كانت موضي تسكن في بيت لوحدها.. رغم أنها كانت تريد أن تسكن مع خالها وعمتها لسببين: السبب الأهم أن وجود أحد معهم في البيت سيجعله يكف يده عنها السبب الثاني أن بيت خالها قريب جدا من بيت أهلها ولكن حمد كان من أصرَّ على أن يسكنوا لوحدهم. حين رأها فارس تلبس عباءتها.. قال لها: أشفيش مستعجلة؟ اقعدي وأنا بأوصلش.. موضي بتوتر حاولت تخفيه: لا خلاص حمد برا فارس بهدوء: أنا بأطلع أسلم عليه، و أقول له يروح، وأنا بأوصلش عقب موضي برعب: لا فارس تكفى.. فارس قفز وقال بنبرة مرعبة: وش فيش خايفة كذا؟؟ حمد قايل لش شيء والله ثم والله لا يكون حميّد قايل لش شيء يا سيارته إن قد تغدي قبره موضي نظرت للطيفة مستنجدة، لطيفة بسرعة بديهتها قفزت.. وهي تمسك بيد فارس المتشنجة من الغضب وتقول بنبرة حاولت أن تدفع فيها أكبر قدر من اللؤم: يا ابن الحلال الليلة ليلة جمعة وبكرة إجازة ويمكن موضي وحمد عندهم مخططات.. تبي تخربها عليهم يعني؟ فارس شعر بالحرج وهو يشير لموضي ويقول بحدة: روحي لرجّالش لا بارك الله فيش ولا فيه وموضي تتناول حقيبتها وتسلم على الجميع وهي تنظر للطيفة نظرات ممتنة لم تفت مشاعل وتخرج لحمد الذي أصبح فيلم الرعب الذي تعيشه لحظة بلحظة!! يتبـــع...~
|
![]() |
![]() |
#9 |
![]() |
![]() " مـــــــــــــــريم.. مـــــــريــــــــم" صوت رجولي خشن مرعب متوحش غاضب ملتهب قادم من خارج المطبخ قاطع حديثهما قبل هذا الموقف بدقيقة كان فارس يصل إلى المطبخ الخارجي وكان على وشك مناداة الخادمة لتأخذ الذبيحة إلاَّ أنه استغرب سماع اسمه كان صوت مريم الذي يعرفه جيدا.. فمريم بمثابة أخت كُبرى لهم جميعا كانت تقول: خلينا نعلمش الطبخ عشان إذا رحتي لبيت فارس ماتفضحينا ويقول ماعلمتوا بنتكم طبخ الذبايح.. شعر حينها فارس بالحرج وبشيء من الحزن لأنه علم أنها تخاطب العنود كره أن تكون العنود قد رسمت لها حياة معه.. بينما هو قطع كل مابينهما قبل دقائق (خلاص مسيرها بتدري إن نصيبها مهوب معي.. الله يكتب لها الخير) ثم هزه بعنف ضحكة عذبة ثم نعومة الصوت الذي سمعه يرد على مريم.. الصوت الذي يسمعه لأول مرة صوتٌ غصباً عنه حرك بعمق حاد أوتار رجولته بنعومته وغنجه وأنوثته.. ولكن فحوى الكلمات التي حملها الصوت الناعم نحرته انتفخت أوداجه غضبا كاسحا.. وأحمَّرَ وجهه الأبيض حتى كاد الدم يتفجر من رأسه وهو يشعر أن عروقه على وشك التمزق من تدفق الدم.. تمنى أن من قال هذا الكلام كان رجلاً حتى يدفنه في مكانه.. الرجال أنفسهم لا يجرؤ أحد منهم أن يتجرأ على فارس بكلام أقل من هذا فكيف تفعل هذا ابنة عمه؟!! كانت عقدة فارس أنه شديد الوسامة.. هل سمعتم بعقدة كهذه؟؟ كان فارس بالغ الوسامة إلى درجة مفرطة..و عيناه واسعتان ناعستان بصفين كثيفين من الأهداب الطويلة .. شفتاه ورديتان نديتيان بطبيعية.. وبشرته بيضاء محمرة شديدة الصفاء حين كان صغيرا.. كان الجميع يظن أنه فتاة لشدة جماله ونعومته وكانت والدته تخشى عليه العين.. ولا تحب أن تخرج به إلى أي مكان حين بلغ الخامسة.. بدأ جده يصرُّ أن يأتيه للمجلس.. وكان يذهب به لكل مكان.. في يومٍ كان خارجاً به من المسجد وكان مشعل بن محمد تأخر عنهم في لبس حذاءه فسمع شباب يقفون بالقرب من المسجد ويأشرون على فارس بإيحاءات قذرة توقف مشعل وتعارك معهم عراكا كبيرا حينها بدأ اهتمام مشعل بفارس وخوفه عليه أدخله نادي للكاراتيه والمصارعة وهو في سن الخامسة، وسجل مشعل معه لخوفه عليه واستمر فارس في النادي لعدة سنوات ومشعل يدفع في عروقه كل ما يستطيع من القسوة والجلافة حين كان فارس في المدرسة ويناديه أحدهم بالحلوة كان من يقولها قد باع نفسه، لأن فارس كان كان سيكسره تكسيرا كثرت معارك فارس ودخوله للحجز المؤقت بعد كل عِراك بعدها توقف الجميع عن التحرش به لأنه لا أحد يستطيع مناطحته هذه المعارك تركت آثارها على وجه فارس.. ولكن بصورة عذبة زادت ملامحه وسامة رجولية : فهناك قطع في طرف حاجبه اليمين قسم حاجبه من طرفه قسمين وقطع في طرف شفته السفلية من الناحية اليسار.. أما الملمحان الأكثر رجولة في فارس فهما صوته العميق الشديد الخشونة ولحية عارضه التي يخففها دائما بطريقة (الديرتي) في محاولة لإعطاء ملامحه قسوة مقصودة في تمازج سوادها مع بياض بشرته.. ورغم تجاوز فارس لنعومة وجهه بعد ظهور الشعر على وجهه منذ كان في الرابعة عشرة إلا أن هذا الأمر ظل حديثاً ممنوعاً طرحه أمامه.. إلا أن كان أحدهم يريد أن يُضرب أو يتعرض لسيلٍ كاسحٍ من الكلمات القاسية وهاهو فارس اليوم يسمع إهانة من نوع جديد إهانة لم يسمع مثلها حتى وهو مراهق فيسمعها اليوم من ابنة عمه التي (كان) يُفترض أن تصبح زوجته صرخ بمريم بصوته المرعب الذي كان عامرا بالغضب الناري: " مـــــــــــــــريم.. مــــــــريــــــــم" العنود بخوف: يمه من ذا صوته اللي يروع؟؟؟ مريم برعب وهي تهمس: الله ياخذش.. الله ياخذش.. أنتي ولسانج الطويل اللي يبي قص.. إن شاء الله مايكون سمعش ثم رفعت مريم صوتها وهي تقول: جايه جايه فارس.. العنود ما أن سمعت اسم فارس، حتى شعرت كما لو أن جلد وجهها قد سُلخ وقلبها تصطرع به طبول حرب مجنونة من تسارع دقاته وعجزها عن سحب أنفاسها تراجعت للخلف وهي ترفع قدميها على الطاولة وتضم ساقيها لصدرها وهي ترتعش. فهي تعرف أنها أخطأت والكلام الذي قالته كلام لا يُقال.. مريم أنزلت جلالها على وجهها وغطته وتوجهت لباب المطبخ وهي تحاول أن تقول بنبرة ترحيب اعتيادية: هلا والله بفارس.. حياك الله فارس بذات النبرة المرعبة وهو واقف خارج المطبخ قريب من الباب وبدون أن يرد على سلام مريم: الذبيحة عند الباب خلي الخدامات يأخذونها وقولي للي وراش دواها عندي، الجنس الثالث بيوريها شغلها إذا ماخليتها تندم ألف مرة على كل كلمة قالتها ما أكون ولد سعود بن مشعل عطران الشوارب ما يتجرون علي.. تجرأ هي علي فارس قال كلمته وانسحب عائدا للمجلس بينما العنود انخرطت في بكاء حاد وهي تقفز من مكانها وترتمي في حضن مريم: بيذبحني يا مريم بيذيحني.. خلاص ما أبيه.. ما أبيه.. .. إن خذته بيذبحني.. تكفين قولي لابي ما أبيه.. فارس عاد لعمه في المجلس وأطرافه وتفكيره وعروقه تتآكل جراء غضبه المدمر وتفكير جديد مرعب يتشكل في أعماقه المجروحة من قسوة الإهانة وحدتها جلس بجوار عمه وهو يقول لعمه بنبرة عميقة : طلبتك عمه انتفض من الحمية: عطيتك.. فارس بثقة مرعبة: بأروح أجيب المملك وملكني الحين عمه باستغراب: أملكك من؟؟ فارس بنبرة خاوية: العنود.. محمد باستغراب كبير: توك يا أبيك تقول ما تبيها!! فارس وألف تفكير يسيطر عليه يقول بنبرة خاصة: جهل مني يبه.. وإلا حد يعيف العنود شيخة البنات.. محمد استغرب انقلاب فارس ولكن لأنه كان ينتظر هذه الخطوة منذ زمن ويعلم أن العنود موافقة عليه.. لذا لم يرد فارس: خلاص ولا يهمك، كلم عيال عمك، وانا بأكلم عمك عبدالله، وجيب المملك عقب المغرب فارس بعمق: وأبي عرسي مع عرس ناصر عقب 3 شهور.. مشاعل أختي والعنود أخت ناصر.. يعني خلنا نخلي الفرح فرحين محمد بتوجس: ما تشوف أنك مستعجل يا أبيك البنت باقي عليها السنة ذي والسنة الجاية لين تخلص جامعتها فارس بثقة ورجاء: وأنا ماني بطاردها تكمل جامعتها.. تكفى يبه.. ماقد طلبتك شيء قدام ذا وفعلا كان محمد مستغربا من إصرار فارس وكانت هذه هي المرة الأولى التي يطلب منه شيئا قال له بود: توكل على الله ********************* بيت عبدالله بن مشعل كان عبدالله راجعا من صلاة العصر وأنهى للتو مكالمة مع ابنه مشعل مكالمة بعثت في قلب عبدالله سعادة لا حدود لها بما جاء فيها من أخبار كان عبدالله يكاد أن يركض بحثا عن والدته كان يريد أن تكون أول من يسمع الخبر.. كان يريد أن يرى التماع عينيها حين تسمعه.. أن يشعر بارتعاش كفيها بين يديه.. أن يعيد لها بعضا من حلم ضاع حلمٌ اُستل من بين أحضانها.. وحتى ذكرياته اُنتزعت من خيالها كان وجود فارس أمامها يصبرها على فقدان سعود ولكن سلطان رحل وما ترك لها سوى الحسرة المحرقة التي ظلت تحرق أحشائها وتطويها بوجع لا نهائي لا طيفٌ له.. ولا بعض من رائحته.. ولا روح تنبض تذكرها بنبضه مجرد ذكرى بوجع صِرف مرٍّ عبدالله دخل بيته وهو مقطوع الأنفاس.. وجد أم مشعل ومشاعل في الصالة وأمامهن قهوة العصر في انتظار الجدة التي ما خرجت من غرفتها بعد صلاة العصر عبدالله بلهفة بنبرة صوته المنهكة من سرعته في المشي: وين أمي؟؟ أم مشعل ومشاعل بقلق: عسى ما شر؟؟ عبدالله بنفاذ صبر: وين أمي؟؟ أم مشعل بتوتر: في غرفتها كان عبدالله على وشك الدخول لها لولا أنها خرجت تتهادى بارتكازها على عصاها وكتفاها المنحنيان وتجاعيد عينيها البارزتين عبر فتحات برقعها تشي بسنواتها الخمسة والسبعين التي كابدت فيها من الآلام الكثير.. وهي تقول بهدوء: تبيني يا بو مشعل؟؟ عبدالله بلهفة: إيه.. عندي لش علمن زين.. بس اقعدي أول قامت مشاعل لتساعد جدتها على الجلوس التي ما أن استوت جالسة حتى قالت لعبدالله بذات الهدوء: خير إن شاء الله؟؟ عبدالله جلس جوارها وهو يحتضن يدها ويقول بفرح ولهفة غامرين: مشعل توه مسكر مني.. يقول إنه عيّن بنت سلطان الله يرحمه ومرته عنده في أمريكا *********************** محمد دخل إلى بيته.. ونادى مريم وأم مشعل ليخبرهم بموعد الملكة.. أم مشعل أخذت الموضوع ببساطة لأنها كانت تتوقعه مريم توترت وخصوصا أن والدها طلب منها أن تخبر العنود أن ملكتها ستكون بعد المغرب لم تعرف ماذا تقول؟؟ أو كيف تتصرف؟؟ ولكن مريم في نهاية الأمر فكرت أن الأمر لا يعدو أن يكون غضب شباب ولم تحاول أن تربط بين سماع فارس لهم وموعد عقد القران المفاجئ لأنها قررت ألآ تحمل الموضوع أكثر مما يحتمل.. واعتقدت أن فارس أصلا كان قد جاء اليوم لإنفاذ عقد القران توجهت بخطوات مترددة لغرفة العنود التي كانت منهمكة في بكاء طفولي حاد كانت العنود ببراءتها وعذوبتها شديدة الحزن والتمزق.. لم تكن تريد أن تجرح فارس بهذه القسوة ولم تقصد.. (عمره ماسمع صوتي.. ويوم الله كتب إنه يسمعني عشان أسمعه ذا الكلام اللي يسم.. والله أني ما أقصد.. ما أقصد) مريم فتحت الباب بتردد.. مزَّقها سماعها لبكاء صغيرتها الموجع فهي من ربت هذه الصغيرة.. نعم أفرطت في دلالها.. ولكنها تعلم أنها أحسنت تربيتها، وأنه معدنها الأصيل سيحكمها في المواقف الجدية. مريم تقترب من سريرها وتجلس إلى جوارها وتهمس لها بحنان ومساندة: عنادي قومي.. أبي أقول لش شي العنود رفعت رأسها عن مخدتها ووضعتها على فخذ مريم وهي مستمرة في بكاءها النحيبي.. تمزقت مريم وهي تشعر بالبلل يغرق فخذها والعنود تهتف بصوت متعب من كثرة البكاء ورأسها مدفون في فخذ مريم: والله أني ما أقصد يا مريم.. أنا ماني بشريرة لذا الدرجة.. ليت لساني انقطع ولا قلت كلمة من الكلام اللي قلته.. والله أني ما أعرف أشلون قلته.. تنهدت مريم (كثيرٌ على صغيرتي كل هذا الألم!!) : قومي يا قلبي غسلي وجهش.. فيه شيء مهم لازم أقول له.. ولازم تكونين هادية وأنتي تسمعينه توترت العنود (أنا ناقصة بعد!!) ولكنها توجهت للحمام وغسلت وجهها بماء بارد.. ثم أخذت نفسا عميقا وتوجهت لمريم وجلست لجوارها وهي تسمي باسم الله: وش فيه مريم؟ خوفتيني؟ مريم بهدوء وبنبرة مساندة: خليش من الموقف اللي صار اليوم.. فارس نفسه وش رايش فيه؟؟ العنود بتوجس: رجّال والنعم فيه مريم بذات النبرة المساندة: وأنتي أساسا كنتي موافقة عليه؟؟ العنود وقفت، وهي تهتف بارتعاش: كنت موافقة عليه قبل اللي صار اليوم.. بس الحين أشلون أحط عيني في عينه مريم تحسست الجسد اللين الناعم الواقف بجوارها حتى وصلت ذراعها وشدتها وهي تُجلسها لجوارها: بس أنتي عارفة إنه كل الناس عارفين إنه أنتي بتاخذين فارس.. وش تبينهم يقولون عليش؟؟ العنود بتوتر: يقولون اللي يقولونه ما يهمني مريم وهي تستخدم ورقة الضغط الأخيرة: وأبيش وأخوانش بعد ما يهمونش ولا يهمش كلام الناس عليهم؟!!! العنود انتفضت بعنف، وهي تقول بإعياء مؤلم مُستنزَف: مريم أنتي وش تبين؟؟ مريم وهي تلقي الخبر القنبلة وتحاول أن تغلفه بالهدوء: ملكتش عقب المغرب يتبــــع....~ |
![]() |
![]() |
#10 |
![]() |
![]()
بيت عبدالله بن مشعل
بعد صلاة العصر كان عبدالله على وشك الدخول لغرفة أمه، لولا أنها خرجت تتهادى بارتكازها على عصاها.. وكتفاها المنحنيان وتجاعيد عينيها البارزتين عبر فتحات برقعها تشي بسنواتها الخمسة والسبعين التي كابدت فيها من الآلام الكثير.. وهي تقول بهدوء: تبيني يا بو مشعل؟؟ عبدالله بلهفة: إيه.. عندي لش علمن زين.. بس اقعدي أول قامت مشاعل لتساعد جدتها على الجلوس، التي ما أن استوت جالسة حتى قالت لعبدالله بذات الهدوء: خير إن شاء الله؟؟ عبدالله جلس جوارها وهو يحتضن يدها ويقول بفرح ولهفة غامرين: مشعل توه مسكر مني.. يقول إنه عيّن بنت سلطان الله يرحمه ومرته عنده في أمريكا ارتعشت يدها الساكنة في كف ابنها بعنف وهي تبتلع ريقها بصوت مسموع دليلاً على توقف عبراتها في حلقها: بنت سلطان؟!! نطقت الاسم حرفاً حرفاً كأنها تشرق بحلاوته.. كأنها تريد أن تتأكد أنها لا تحلم.. وأن هناك فعلا ابنة لسلطان.. رائحة لسلطان.. اسم يليه اسم سلطان.. امتداد لسلطان (وآه يا سلطان.. آه.. ياوجع أمك وحسرتها!!) عبدالله غصبا عنه تسللت دمعة أبية لعينيه وهو يقول بصوت شديد التأثر: واسمها هيا بعد.. ثم أكمل بمرح عذب: يعني عييتي ماخليتني أسمي حد من بناتي عليش وهذا هو سلطان سمَّى عليش ارتعشت بعنف وهي تهتف بجملة واحدة منتزعة من أقصى أعماقها الموجوعة: أبي أشوفها.. أبي أشوفها.. تكفى يا عبدالله يأمك.. تكفى انتفض عبدالله من الحمية.. لم يسمع أمه مطلقا تقول (تكفى) لأيِّ أحدٍ مطلقا ولا حتى لمشعل الكبير حين طرد سلطان.. مسك عبدالله يدها باحترام وحبٍّ، وهو يرفعها ويطبع على ظاهرها قبلة احترام ويقول: أبشري بسعدش يمه.. أبشري باللي بيجيبها عندش.. بس خليهم لين يخلصون بس ذا الفصل.. شهرين بس يالغالية.. شهرين.. واللي صبرش ذا السنين.. يصبرش ذا الكم يوم ********************** بيت محمد بن مشعل..~ غرفة العنود قبل المغرب مريم بتأثر بالغ: العنود فديتش.. خلاص بسش بكا.. ما تبينه قمت كلمت مشعل يقول لأبي.. العرس مهوب غصيبة.. العنود ترفع رأسها عن مخدتها ليظهر وجهها المحمر وعينيها الذابلتين من كثرة البكاء وتقول بنبرة خاوية: لا يا مريم لا.. ما ني باللي أنزل رأس أبي وأخواني.. وفارس لو يبي يذبحني عقب العرس حلاله.. أنا أستاهل.. عشان أعرف أثمن الكلمة قدام أقطها ************************** مجلس آل مشعل بعد المغرب رجال عائلة آل مشعل يجتمعون كلهم.. عدا مشعل بن عبدالله المتواجد في واشنطن أبناء محمد يتبادلون نظرات مستغربة (كان قبل يومين يقول يبي أمه تختار له.. وش طرا عليه الحين؟؟) قد يمنع مشعل وراكان إحساسهما المتضخم بالكرامة من سؤال فارس عن سبب تغيير رأيه ولكن ناصر (رغم أنه لا يقل عنهما في اعتداده بنفسه وكرامته) هو صديق مقرب من فارس ولا توجد حواجز بينهما لذا مال على أذنه وهو يسأله بهمس فيه رنة غضب: ممكن أعرف وش غير رأيك؟؟ فارس بنبرة واثقة: غيرت رأيي في ويش؟؟ ناصر بغضب: فويرس الحركات ذي مهيب علي.. مهوب توك قبل يومين تبي أمك تختار لك، واليوم جاي تملك ترا أختي مهيب ناقصة يد ولا رجل.. وألف من يتمناها.. فارس ببرود: أولا أنا فارس ماني بفويرس، ثانيا اعتبرني واحد من الألف اللي يتمنون أختك وإلا منتو بشايفيني كفو لها؟؟ ناصر يقترب أكثر من أذن فارس ويهمس وهو يصرًّ على أسنانه بغضب أكبر: فارس ثمن كلمتك.. فارس تنهد بعمق قد يكون يشتعل في داخله غضبا على العنود ولكن أبناء عمه أكثر من أشقاء له، ولا ذنب لهم في مخططه طويل الأمد مع العنود لذا رد على ناصر بأخوية: السموحة يا أخيك.. تذكر أنت يوم ملكتك كنت تهاد ذبان وجهك وأنا ماغيرت رأيي، قلت اللي تختارها الوالدة، والوالدة ما اختارت غير العنود.. ناصر تراجع واعتدل في جلسته وأعصابه الثائرة تسكن وراكان يميل على أذنه ليعرف ماذا قال له فارس ثم ينتقل الهمس من راكان لمشعل وهم في انتظار خال فارس الذي أصَّرَ أن يحضر الشيخ بنفسه بعد دقائق كان خاله سعد (وابن عم محمد وعبدالله) يدخل عليهم بالشيخ والفرحة بادية على محياه اللطيف انتهت إجراءات العقد والشهود كانوا عبدالله وسعد ثم طلب الشيخ أن يذهبوا به للعروس لأخذ موافقتها فأخذه ناصر من المجلس لبيتهم وقلوب تصطخب مشاعرها خلفه في المجلس في قلب محمد وأبنائه نوع غريب من الشجن.. عميق وشفاف ومفعم بشوق مبكر لصغيرتهم.. رغم أنها ستخرج من منزلهم لمنزل مجاور ولكنها ستخرج.. وهذا مايهم!!.. ستخرج لتصبح سيدة متزوجة مسؤولة عن بيت وزوج أ يعقل؟؟ العنود؟!! سيدة متزوجة؟!! هل سبق أن صحيتم من قيلولة طويلة وأنتم تشعرون برغبة مميتة في قطعة شيكولاته تذوب تحت ألسنتكم.. وتعدل مستوى السكر المنخفض وتعدل المزاج؟!! هكذا العنود بالنسبة لأهلها الذين يعيشون مرحلة مابعد قيلولة دائمة.. هي نكهة الحياة الحلوة وبهجتها.. هي قطعة الشوكولا اللذيذة.. هي ابتسامتهم بشقاوتها.. بعذوبتها.. بدلالها الذي يشعرهم بحاجتها الدائمة للحماية حتى لا تُخدش جوهرتهم الثمينة الشفافة.. وإذا كانت مريم ملجأهم ومصدر التفهم والحنان في أسرتهم.. فالعنود هي فرحتهم ومصدر إحساسهم بمتعة الحياة.. فارس كان في عالم آخر عكسي تماما.. عالم مختلف ومشاعر معاكسة مغايرة للحنان والشوق الذي يعمر قلب محمد وأبنائه شعورٌ أسود مرّ مغلفٌ بحقد جديد.. العنود خدشت رجولته.. وأهانته.. وليس فارس من يسكت على الإهانة أو يبتلعها.. "ستندم هذه الحقيرة.. ستندم.. ستندم....ستندم" هذه هي الكلمة التي كانت تدمدم في رأسه بوحشية.. كمطارق تهرس تلافيف مخه وتعيد تشكيلها في اتجاه واحد . . العنود . ثم . . العنود عبدالله وسعد كانا في غاية السعادة .. وخصوصا عبدالله الذي كانت فرحته هذه الليلة خاصة جدا وعميقة جدا.. وهو ينتظر انتهاء مراسيم الملكة ليخبر شقيقه وأبناءه بالعثور على ابنة شقيقهم الراحل.. ******************* وصل ناصر لبيتهم.. وكان قد اتصل بوالدته حتى تلبس العنود عباءتها ونقابها العنود في غاية التوتر.. تعلم أن فارس لا بد غاضب عليها.. ولكن خيالاتها البريئة لم تصل إلى مستوى غضبه وحقده عليها.. (بيزعل علي يومين.. وعقبه بينسى!!) هكذا كان تفكيرها.. وتفكيرها لم يخلُ من غرور بجمالها وأنوثتها.. في اعتقادها لن يستطيع الصمود أمامها!! فهو رجلٌ أولا وأخيرا.. وللجمال هيبة وسلطان.. قبله مشعل صمد 13 عاما أمام جمال نادر لم يشعر بوجوده في حياته رغم أنه يحترم لطيفة ويقدرها!! فكيف فارس أمام العنود وهو الحاقد عليها؟!! أصرت العنود أن تبقى مريم معها.. وكانت متشبثة بيدها كطفلٍ يخشى أن يضيع من أمه.. ومريم يهز أعماقها النبيلة ارتعاش أنامل شقيقتها وصوتها الذي يخرج مهتزاً لارتعاش فكها.. - موافقة يا ابنتي على فارس بن سعود بن مشعل آل فارس الــ - مممم ... وووو.... ااااااا...فففف...ققققق... ــــة ناصر يضحك: تصدقين بغيت أرقد بين الميم والتاء المربوطة... مشوار والله.. - أ عندك شروط يا ابنتي؟؟ - لللللللللا ناصر يقبل رأسها ويقول لها بحنان: مبروك يا قلب أخيش.. فارس رجّال مافيه مثله.. إن شاء الله إنش ما تضامين في بيته.. الضيم.. الضيم... الضيم... لِـمَ تذكره الآن يا ناصر؟!! ********************* ذات الوقت ولكن بتوقيت آخر الساعة التاسعة صباحا واشنطن دي سي جامعة جورج تاون كانت هيا أنهت محاضرتها وخرجت من مبنى الكلية للحديقة الشاسعة أمامها لتجلس قليلا في انتظار باكينام.. وتعود بعدها للبيت لم تنتبه للصوت الذي كان يناديها منذ خرجت من المحاضرة حتى اقترب منها كان زميلها في المادة.. استوقفها الشاب الأمريكي لأنه كان يود تصوير المحاضرة السابقة منها.. فهو يراها سريعة في الكتابة.. ابتسمت هيا غصبا عنها فلهجته كانت غريبة على أذنها نوعا ما ووجدت صعوبة في فهمه، وهو ابتسم لأنه فهم أنها مستغربة لهجته لأنها كانت تسأله أن يعيد كلامه.. الشاب بابتسامة لطيفة: أنا من لويزيانا معقل الجنوب، ونحن هنا في واشنطن معقل الشمال بالتأكيد ستجدين اختلافا بين لهجاتنا.. وخصوصا أن لهجتك البريطانية راقية جدا وجعلتني أشعر كحثالة هيا ابتسمت وهي تريد انهاء الحوار: العفو لا تقل هذا.. والمحاضرة أنا سأصورها لك.. وسأحضرها المحاضرة القادمة.. أخرج الشاب عددا من السنتات (السنت العملة الأمريكية الأصغر من الدولار 100 سنت تساوي دولارا واحدا) ليعطيها لهيا.. هيا برفض: لا داعي.. فالمبلغ لا يستحق.. الشاب مستغرب فهم غير معتادين على الأريحية العربية المعتادة.. وكان مصرا أن تأخذ المال.. وهو مازال يلح وهيا ترفض.. فاجأهم صوتٌ بارد كالثلج حادٌ كنصل سكين مشحوذ ولكن باللكنة الأمريكية الشمالية هذه المرة: هل اجتماع القمة هذا مستمر لفترة أطول بعد؟!! الشاب الأمريكي ابتسم وهو يرفع رأسه للقامة الطويلة التي وقفت بينه وبين هيا: ترفض أن تأخذ ثمن التصوير.. هيا مدت يدها وهو تقول ببرود: أعطني السنتات.. (كانت تريد إنهاء هذا الموقف كله) كان الشاب على وشك وضع العملات المعدنية في كف هيا الممدودة ولكنه فوجئ بكف ضخمة تنفتح فوق كف هيا دون أن تلمسها لتسقط العملات فيها ومشعل يميل على أذن هيا وهو يصر على أسنانه بغضب: امسكي يده أحسن يا بنت سلطان الشاب لم يهتم بما حدث.. وانسحب بعد أن أعطاهم السنتات وهذا ما يهمه حتى يضمن تصويره حسب ظنه هيا تلتفت ناحية مشعل وهي ترد ببرود: أمسك يده.. ما أمسكها موب شغلك مشعل بغضب مكتوم: إلا شغلي ونص.. والله ثم والله.. لو ماعدلتي أسلوبش معي.. يا تشوفين شي ما شفتيه هيا قلبت شفتيها باحتقار وازدراء وهي ترد بسخرية: عشتوا.. خوفتني صراحة.. تصدق بيغمى علي من الخوف.. مشعل ببرود: لهالدرجة شوفتي تطلع عدائيتش الغير طبيعية.. توش شدوقش بتطيح من التبسام للأمريكي.. هيا بنفس بروده: والله هو زميلي في المادة ومن الذوق ابتسم في وجهه.. بس الملاقيف اللي في إدارة الأعمال وش جابهم عند الاقتصاد.. مشعل يبتسم ابتسامة باردة وهو يرد عليها بثقة: والله أنا اروح وين ما أبي.. ما أنتظر أذن من حضرة سمو جنابش.. ثم ابتسم بسخرية وهو يرفع حاجبه و يقول: وأنا ما أتذكر إني قلت لش إني في إدارة.. شكلش متتبعة أخباري هيا لم تسمح له أن يشعرها بالحرج، جاوبت ببرود: والله أنت بكبرك ما تهمني.. الملحق الثقافي هو اللي قال لي.. مشعل ببرود: يوم أنكرتي هلش عنده.. هيا بنفس بروده وهي تصر على أسنانها: أنا ماعندي أهل عشان أنكرهم.. ما قلت له غير الصدق.. وش تبيني أقول للملحق.. إيه عندي أهل بس رمونا كن حن زبالة.. مشعل وهو يهز رأسه: الحكي معش ضايع... خلصي محاضراتش وأذلفي للبيت لأمش اللي قاعدة تنتاش..بدون فرفرة وهذرة في الجامعة هيا بحدة: أنت يا ولد آل مشعل مالك دخل في أمي.. وأنت اللي أعرف مع من تتكلم.. ومو أنت اللي بتيي تعلمني أشلون أتصرف في حياتي.. مشعل ابتسم بسخرية: شنو تيي ذي؟؟ ما تعرفين تقولين تجي أظني هذا حرف جيم مهوب ياء.. اعدلي لسانش ، وإحكي حكي هلش.. هيا ببرود حاد مغلف بسخرية أحد: والله هلي اللي أنت تقول رموني وما علموني حكيهم.. من وين أتعلمه؟؟ من الهوا.. مشعل ببرود واثق وهو يرد عليها بنفس سخريتها.. ليلقي عليها القنبلة التي هزتها بعنف: عندش شهرين ونص تعلمينه لأنه أنتي والوالدة بتنزلون معي الدوحة في 20/12 يتبــــع....~ |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الهجــرآن, رواية:أسى |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |